logo
مستقبل الهجرة ونظرية الاستبدال العظيم

مستقبل الهجرة ونظرية الاستبدال العظيم

جزايرسمنذ 7 ساعات
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
بقلم: حسين مجدوبي
بدأ خطاب اليمين القومي المتطرف في الغرب المناهض للهجرة يتخذ أبعادا خطيرة في ظل التطورات المرعبة التي يعيشها العالم من حروب وعلى رأسها التقتيل في قطاع غزة إذ لم يعد خطابا يرتكز على ما هو اجتماعي مثل سرقة مناصب الشغل بل يتخذ مواجهة حضارية ودينية بعدما بدأ يؤمن إيمانا عميقا بنظرية الاستبدال العظيم .في هذا الإطار قدّم حزب فوكس اليميني القومي المتطرف في إسبانيا يوم الأحد الماضي طرحا مثيرا للجدل تمثل في تعهده بضرورة مراجعة ملفات تسوية أوضاع المهاجرين غير النظاميين خلال الثلاثة عقود الماضية إلى جانب إعادة النظر في الظروف التي منحت فيها الجنسية للأجانب بمعنى فرضية سحبها من عشرات الآلاف. ووفقا لما أعلنه الحزب فإن الهجرة تُكبّد خزينة الدولة الإسبانية سنويا أكثر من 30 مليار يورو. كما عبّر عن قلقه من الارتفاع المتزايد في أعداد المهاجرين لاسيما المسلمين داخل المجتمع الإسباني محذرا من أن هذا التزايد قد يؤدي حسب تصوره الفكري إلى تراجع نسبة السكان الإسبان من أتباع الديانة المسيحية مقابل تنامي نسبة الوافدين من ثقافات وديانات أخرى وعلى رأسها الإسلام و ستكون إسبانيا أمام مجتمع مختلف خلال العقود المقبلة .بالاستبدال العظيم
وبهذا يلتحق حزب فوكس المتطرف القوة الثالثة في إسبانيا بخطاب يتفاقم ويتعاظم في الغرب ويرتكز على الاستبدال العظيم . وأصبحت نظرية الاستبدال العظيم عنصرا مهما في الخطاب الغربي المتطرف وعلى الرغم من أن الكثير من عناصرها كانت موجودة في خطاب الحركات النازية واليمينية القومية المتطرفة إلا أنها أخذت منحنى أخطر ابتداء من سنة 2010 في فرنسا عندما أصدر الكاتب الفرنسي رينو كامو في كتابه إعادة التوطين الكبرى (2010) ومرة أخرى في كتابه إعادة التوطين الكبرى (2011). ويزعم أن شعبا مكونا من مهاجرين من افريقيا وشمال افريقيا يتعزز ثقافة وعددا وبدأ يحل محل الشعب الفرنسي الأصلي . ويقول في مختلف البرامج التلفزيونية التي شارك فيها يجب عدم الاهتمام بالأزمات الاقتصادية لأنه كل 30 سنة تقع أزمة اقتصادية كبرى وإنما الخطر مقبل من أزمة الاستبدال العظيم وهي أن شعوب أوروبا التي تكونت دينيا وثقافيا وإثنيا منذ 15 قرنا في أوروبا قد تشهد تغييرا جذريا بسبب الهجرة المقبلة من الجنوب. هذه النظرية التي باتت مرجعا لليمين القومي المتطرّف لها جذور تاريخية وقد أعاد إحياءها في القرن الحادي والعشرين المفكّر صامويل هنتنغتون في كتابه الأخير من نحن؟ الذي صدر قبيل وفاته. في هذا الكتاب يُحذّر هنتنغتون من تنامي الحضور اللاتيني في الولايات المتحدة ويتحدث عن تحوّل في البنية الإثنية لاسيما في ولايات الجنوب ويطالب بضرورة الحد من هذه الهجرة التي قد تتسبب في ما يشبه الحرب الأهلية. وقد اتخذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هذه النظرية أساسا لسياسته تجاه الهجرة ما يفسّر إجراءاته المستهدفة لهجرة اللاتينيين مقارنة بغيرها من موجات الهجرة. وعليه هل يحقّ للجاليات المهاجرة وخصوصا الجالية الإسلامية أن تتوجّس وتتخوف من المخاطر المستقبلية لهذه النظرية العنصرية؟ عموما لو كنّا نعيش في العقود الماضية وتحديدا ما بين عقدي الستينيات من القرن الماضي ونهاية التسعينات منه لَما كان لهذا التخوّف ما يبرّره ثقافيا واجتماعيا وسياسيا وأمنيا. غير أن التحوّلات والتغييرات المدهشة الجارية في وقتنا الراهن في المشهد السياسي الدولي وعملية استحضار مشاهد وحلقات مؤلمة من التاريخ تجعلنا وإن لم نستسلم للقلق مطالبين بالتفكير العميق والتأمّل الجاد في مآلات الأمور. وعليه ما هي الأسباب التي تدعو إلى القلق وضرورة مغادرة منطقة الراحة الفكرية نجد ما يلي: في المقام الأول هل كان أحد يتصور أنه في العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين سيتعمد جزء كبير من قادة الغرب الى المصادقة ولو نسبية على تجويع وتقتيل الشعب الفلسطيني على يد الكيان ويعمل هؤلاء القادة على توفير الدعم الحربي والدبلوماسي لجرائم ضد الإنسانية؟ هل كان أحد يتصور أن يتم فتح النار على مدنيين وبينهم أطفال واقفين في طوابير طويلة ينتظرون توزيع الإعانات الغذائية؟المجتمعات الديمقراطيةفي المقام الثاني حتى الأمس القريب كان يجري التعاطي مع ظهور اليمين القومي المتطرف بأنه محاولة بائسة لإحياء النازية في مجتمعات بنت جدارا شاهقا ومتينا اسمه المجتمعات الديمقراطية جدارا قادرا على ردع التطرف ولكن ما حدث أن هذه الحركات أصبحت أحزابا سياسية رئيسية تشارك في الائتلافات الحكومية وتتزعم بعض الحكومات. من الذي سيمنع هذه الأحزاب مستقبلا من تطبيق ولو 20 من برنامجها الخاص بالهجرة عندما سيكون أكثر من نصف المجتمع يؤمن بهذه النظرية وتمتلك هذه الأحزاب الأغلبية المطلقة.في المقام الثالث ألا يدعو إلى القلق تطوير اليمين القومي المتطرف لخطابه من اجتماعي انصب في البدء على اتهام المهاجرين بمنافسة المواطنين الأصليين في مناصب الشغل إلى طرح أخطر وهو الاستبدال العظيم بمفهوم حضاري وديني قادر على مخاطبة العمق الروحي والثقافي للشعوب الغربية. ونتساءل: ألم ينجح الرئيس ترامب في ولايته الجديدة من إقناع نسبة مهمة من الشعب الأمريكي بأطروحاته في الهجرة وإيقاظ نزعة تفوق الرجل الأبيض .
ونتساءل: هل يمكن أن تتكرر مآسي الماضي مثل حالة الموريسكيين بعمليات طرد كبيرة من أجل نقاء المجتمع . لسنا من دعاة التهويل ولكن الاطلاع على التاريخ ابتداء من القرن العشرين يجعل التسلح بالحذر ضروري. عندما تفاقمت الأوضاع في الولايات المتحدة بعد الأزمة الكبرى سنة 1929 أقدم الرئيس الجمهوري وقتها هيربر هوفر على طرد أكثر من 350 ألف مكسيكي ولاتيني في ظرف ثلاث سنوات. ويحكي المؤرخ المكسيكي فرانسيسكو فالديراما في كتابه عقد الخيانة: طرد المكسيكيين من الولايات المتحدة في الثلاثينيات من القرن 20 بمن فيهم الحاصلون على الجنسية وكيف كان لون المواطن الأمريكي محددا لطرده من البلاد. لنستحضر ما وقع لليهود على يد النازية في الحرب العالمية الثانية وهو تكرار أسوأ بكثير لما وقع في الأندلس إبان طرد المسلمين واليهود. ولنتأمل جيدا ما نعيشه حاليا من تقتيل وتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة أمام أنظار العالم وبتورط مباشر من طرف غالبية قادة الغرب. الوضع مقلق حاليا وليس خطيرا ولكن سنصل الى المنعطف عندما ستصبح غالبية الشعوب الغربية تؤمن بالاستبدال العظيم وتصبح للأحزاب القومية اليمينية المتطرفة أغلبية برلمانية وحكومية تخول لها ليس فقط تطبيق برنامجها الدستوري بل تغيير الدستور لتطبيق سياساتها.
أحداث الماضي تحذرنا وما يجري في الحاضر يدق ناقوس الخطر والمستقبل قد يفاجئنا وكما يفكر اليمين المتطرف في محاصرة الجاليات القادمة من الجنوب على مثقفي هذه الجاليات بدء التفكير الجماعي رفقة مثقفي الغرب المؤمنين بالتعدد الثقافي كيف يمكن ثقافيا مواجهة هذه المخاطر مستقبلا.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مستقبل الهجرة ونظرية الاستبدال العظيم
مستقبل الهجرة ونظرية الاستبدال العظيم

جزايرس

timeمنذ 7 ساعات

  • جزايرس

مستقبل الهجرة ونظرية الاستبدال العظيم

سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص. بقلم: حسين مجدوبي بدأ خطاب اليمين القومي المتطرف في الغرب المناهض للهجرة يتخذ أبعادا خطيرة في ظل التطورات المرعبة التي يعيشها العالم من حروب وعلى رأسها التقتيل في قطاع غزة إذ لم يعد خطابا يرتكز على ما هو اجتماعي مثل سرقة مناصب الشغل بل يتخذ مواجهة حضارية ودينية بعدما بدأ يؤمن إيمانا عميقا بنظرية الاستبدال العظيم .في هذا الإطار قدّم حزب فوكس اليميني القومي المتطرف في إسبانيا يوم الأحد الماضي طرحا مثيرا للجدل تمثل في تعهده بضرورة مراجعة ملفات تسوية أوضاع المهاجرين غير النظاميين خلال الثلاثة عقود الماضية إلى جانب إعادة النظر في الظروف التي منحت فيها الجنسية للأجانب بمعنى فرضية سحبها من عشرات الآلاف. ووفقا لما أعلنه الحزب فإن الهجرة تُكبّد خزينة الدولة الإسبانية سنويا أكثر من 30 مليار يورو. كما عبّر عن قلقه من الارتفاع المتزايد في أعداد المهاجرين لاسيما المسلمين داخل المجتمع الإسباني محذرا من أن هذا التزايد قد يؤدي حسب تصوره الفكري إلى تراجع نسبة السكان الإسبان من أتباع الديانة المسيحية مقابل تنامي نسبة الوافدين من ثقافات وديانات أخرى وعلى رأسها الإسلام و ستكون إسبانيا أمام مجتمع مختلف خلال العقود المقبلة .بالاستبدال العظيم وبهذا يلتحق حزب فوكس المتطرف القوة الثالثة في إسبانيا بخطاب يتفاقم ويتعاظم في الغرب ويرتكز على الاستبدال العظيم . وأصبحت نظرية الاستبدال العظيم عنصرا مهما في الخطاب الغربي المتطرف وعلى الرغم من أن الكثير من عناصرها كانت موجودة في خطاب الحركات النازية واليمينية القومية المتطرفة إلا أنها أخذت منحنى أخطر ابتداء من سنة 2010 في فرنسا عندما أصدر الكاتب الفرنسي رينو كامو في كتابه إعادة التوطين الكبرى (2010) ومرة أخرى في كتابه إعادة التوطين الكبرى (2011). ويزعم أن شعبا مكونا من مهاجرين من افريقيا وشمال افريقيا يتعزز ثقافة وعددا وبدأ يحل محل الشعب الفرنسي الأصلي . ويقول في مختلف البرامج التلفزيونية التي شارك فيها يجب عدم الاهتمام بالأزمات الاقتصادية لأنه كل 30 سنة تقع أزمة اقتصادية كبرى وإنما الخطر مقبل من أزمة الاستبدال العظيم وهي أن شعوب أوروبا التي تكونت دينيا وثقافيا وإثنيا منذ 15 قرنا في أوروبا قد تشهد تغييرا جذريا بسبب الهجرة المقبلة من الجنوب. هذه النظرية التي باتت مرجعا لليمين القومي المتطرّف لها جذور تاريخية وقد أعاد إحياءها في القرن الحادي والعشرين المفكّر صامويل هنتنغتون في كتابه الأخير من نحن؟ الذي صدر قبيل وفاته. في هذا الكتاب يُحذّر هنتنغتون من تنامي الحضور اللاتيني في الولايات المتحدة ويتحدث عن تحوّل في البنية الإثنية لاسيما في ولايات الجنوب ويطالب بضرورة الحد من هذه الهجرة التي قد تتسبب في ما يشبه الحرب الأهلية. وقد اتخذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هذه النظرية أساسا لسياسته تجاه الهجرة ما يفسّر إجراءاته المستهدفة لهجرة اللاتينيين مقارنة بغيرها من موجات الهجرة. وعليه هل يحقّ للجاليات المهاجرة وخصوصا الجالية الإسلامية أن تتوجّس وتتخوف من المخاطر المستقبلية لهذه النظرية العنصرية؟ عموما لو كنّا نعيش في العقود الماضية وتحديدا ما بين عقدي الستينيات من القرن الماضي ونهاية التسعينات منه لَما كان لهذا التخوّف ما يبرّره ثقافيا واجتماعيا وسياسيا وأمنيا. غير أن التحوّلات والتغييرات المدهشة الجارية في وقتنا الراهن في المشهد السياسي الدولي وعملية استحضار مشاهد وحلقات مؤلمة من التاريخ تجعلنا وإن لم نستسلم للقلق مطالبين بالتفكير العميق والتأمّل الجاد في مآلات الأمور. وعليه ما هي الأسباب التي تدعو إلى القلق وضرورة مغادرة منطقة الراحة الفكرية نجد ما يلي: في المقام الأول هل كان أحد يتصور أنه في العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين سيتعمد جزء كبير من قادة الغرب الى المصادقة ولو نسبية على تجويع وتقتيل الشعب الفلسطيني على يد الكيان ويعمل هؤلاء القادة على توفير الدعم الحربي والدبلوماسي لجرائم ضد الإنسانية؟ هل كان أحد يتصور أن يتم فتح النار على مدنيين وبينهم أطفال واقفين في طوابير طويلة ينتظرون توزيع الإعانات الغذائية؟المجتمعات الديمقراطيةفي المقام الثاني حتى الأمس القريب كان يجري التعاطي مع ظهور اليمين القومي المتطرف بأنه محاولة بائسة لإحياء النازية في مجتمعات بنت جدارا شاهقا ومتينا اسمه المجتمعات الديمقراطية جدارا قادرا على ردع التطرف ولكن ما حدث أن هذه الحركات أصبحت أحزابا سياسية رئيسية تشارك في الائتلافات الحكومية وتتزعم بعض الحكومات. من الذي سيمنع هذه الأحزاب مستقبلا من تطبيق ولو 20 من برنامجها الخاص بالهجرة عندما سيكون أكثر من نصف المجتمع يؤمن بهذه النظرية وتمتلك هذه الأحزاب الأغلبية المطلقة.في المقام الثالث ألا يدعو إلى القلق تطوير اليمين القومي المتطرف لخطابه من اجتماعي انصب في البدء على اتهام المهاجرين بمنافسة المواطنين الأصليين في مناصب الشغل إلى طرح أخطر وهو الاستبدال العظيم بمفهوم حضاري وديني قادر على مخاطبة العمق الروحي والثقافي للشعوب الغربية. ونتساءل: ألم ينجح الرئيس ترامب في ولايته الجديدة من إقناع نسبة مهمة من الشعب الأمريكي بأطروحاته في الهجرة وإيقاظ نزعة تفوق الرجل الأبيض . ونتساءل: هل يمكن أن تتكرر مآسي الماضي مثل حالة الموريسكيين بعمليات طرد كبيرة من أجل نقاء المجتمع . لسنا من دعاة التهويل ولكن الاطلاع على التاريخ ابتداء من القرن العشرين يجعل التسلح بالحذر ضروري. عندما تفاقمت الأوضاع في الولايات المتحدة بعد الأزمة الكبرى سنة 1929 أقدم الرئيس الجمهوري وقتها هيربر هوفر على طرد أكثر من 350 ألف مكسيكي ولاتيني في ظرف ثلاث سنوات. ويحكي المؤرخ المكسيكي فرانسيسكو فالديراما في كتابه عقد الخيانة: طرد المكسيكيين من الولايات المتحدة في الثلاثينيات من القرن 20 بمن فيهم الحاصلون على الجنسية وكيف كان لون المواطن الأمريكي محددا لطرده من البلاد. لنستحضر ما وقع لليهود على يد النازية في الحرب العالمية الثانية وهو تكرار أسوأ بكثير لما وقع في الأندلس إبان طرد المسلمين واليهود. ولنتأمل جيدا ما نعيشه حاليا من تقتيل وتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة أمام أنظار العالم وبتورط مباشر من طرف غالبية قادة الغرب. الوضع مقلق حاليا وليس خطيرا ولكن سنصل الى المنعطف عندما ستصبح غالبية الشعوب الغربية تؤمن بالاستبدال العظيم وتصبح للأحزاب القومية اليمينية المتطرفة أغلبية برلمانية وحكومية تخول لها ليس فقط تطبيق برنامجها الدستوري بل تغيير الدستور لتطبيق سياساتها. أحداث الماضي تحذرنا وما يجري في الحاضر يدق ناقوس الخطر والمستقبل قد يفاجئنا وكما يفكر اليمين المتطرف في محاصرة الجاليات القادمة من الجنوب على مثقفي هذه الجاليات بدء التفكير الجماعي رفقة مثقفي الغرب المؤمنين بالتعدد الثقافي كيف يمكن ثقافيا مواجهة هذه المخاطر مستقبلا.

مستقبل الهجرة ونظرية  الاستبدال العظيم
مستقبل الهجرة ونظرية  الاستبدال العظيم

أخبار اليوم الجزائرية

timeمنذ 7 ساعات

  • أخبار اليوم الجزائرية

مستقبل الهجرة ونظرية الاستبدال العظيم

بقلم: حسين مجدوبي بدأ خطاب اليمين القومي المتطرف في الغرب المناهض للهجرة يتخذ أبعادا خطيرة في ظل التطورات المرعبة التي يعيشها العالم من حروب وعلى رأسها التقتيل في قطاع غزة إذ لم يعد خطابا يرتكز على ما هو اجتماعي مثل سرقة مناصب الشغل بل يتخذ مواجهة حضارية ودينية بعدما بدأ يؤمن إيمانا عميقا بنظرية الاستبدال العظيم . في هذا الإطار قدّم حزب فوكس اليميني القومي المتطرف في إسبانيا يوم الأحد الماضي طرحا مثيرا للجدل تمثل في تعهده بضرورة مراجعة ملفات تسوية أوضاع المهاجرين غير النظاميين خلال الثلاثة عقود الماضية إلى جانب إعادة النظر في الظروف التي منحت فيها الجنسية للأجانب بمعنى فرضية سحبها من عشرات الآلاف. ووفقا لما أعلنه الحزب فإن الهجرة تُكبّد خزينة الدولة الإسبانية سنويا أكثر من 30 مليار يورو. كما عبّر عن قلقه من الارتفاع المتزايد في أعداد المهاجرين لاسيما المسلمين داخل المجتمع الإسباني محذرا من أن هذا التزايد قد يؤدي حسب تصوره الفكري إلى تراجع نسبة السكان الإسبان من أتباع الديانة المسيحية مقابل تنامي نسبة الوافدين من ثقافات وديانات أخرى وعلى رأسها الإسلام و ستكون إسبانيا أمام مجتمع مختلف خلال العقود المقبلة . بالاستبدال العظيم وبهذا يلتحق حزب فوكس المتطرف القوة الثالثة في إسبانيا بخطاب يتفاقم ويتعاظم في الغرب ويرتكز على الاستبدال العظيم . وأصبحت نظرية الاستبدال العظيم عنصرا مهما في الخطاب الغربي المتطرف وعلى الرغم من أن الكثير من عناصرها كانت موجودة في خطاب الحركات النازية واليمينية القومية المتطرفة إلا أنها أخذت منحنى أخطر ابتداء من سنة 2010 في فرنسا عندما أصدر الكاتب الفرنسي رينو كامو في كتابه إعادة التوطين الكبرى (2010) ومرة أخرى في كتابه إعادة التوطين الكبرى (2011). ويزعم أن شعبا مكونا من مهاجرين من افريقيا وشمال افريقيا يتعزز ثقافة وعددا وبدأ يحل محل الشعب الفرنسي الأصلي . ويقول في مختلف البرامج التلفزيونية التي شارك فيها يجب عدم الاهتمام بالأزمات الاقتصادية لأنه كل 30 سنة تقع أزمة اقتصادية كبرى وإنما الخطر مقبل من أزمة الاستبدال العظيم وهي أن شعوب أوروبا التي تكونت دينيا وثقافيا وإثنيا منذ 15 قرنا في أوروبا قد تشهد تغييرا جذريا بسبب الهجرة المقبلة من الجنوب. هذه النظرية التي باتت مرجعا لليمين القومي المتطرّف لها جذور تاريخية وقد أعاد إحياءها في القرن الحادي والعشرين المفكّر صامويل هنتنغتون في كتابه الأخير من نحن؟ الذي صدر قبيل وفاته. في هذا الكتاب يُحذّر هنتنغتون من تنامي الحضور اللاتيني في الولايات المتحدة ويتحدث عن تحوّل في البنية الإثنية لاسيما في ولايات الجنوب ويطالب بضرورة الحد من هذه الهجرة التي قد تتسبب في ما يشبه الحرب الأهلية. وقد اتخذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هذه النظرية أساسا لسياسته تجاه الهجرة ما يفسّر إجراءاته المستهدفة لهجرة اللاتينيين مقارنة بغيرها من موجات الهجرة. وعليه هل يحقّ للجاليات المهاجرة وخصوصا الجالية الإسلامية أن تتوجّس وتتخوف من المخاطر المستقبلية لهذه النظرية العنصرية؟ عموما لو كنّا نعيش في العقود الماضية وتحديدا ما بين عقدي الستينيات من القرن الماضي ونهاية التسعينات منه لَما كان لهذا التخوّف ما يبرّره ثقافيا واجتماعيا وسياسيا وأمنيا. غير أن التحوّلات والتغييرات المدهشة الجارية في وقتنا الراهن في المشهد السياسي الدولي وعملية استحضار مشاهد وحلقات مؤلمة من التاريخ تجعلنا وإن لم نستسلم للقلق مطالبين بالتفكير العميق والتأمّل الجاد في مآلات الأمور. وعليه ما هي الأسباب التي تدعو إلى القلق وضرورة مغادرة منطقة الراحة الفكرية نجد ما يلي: في المقام الأول هل كان أحد يتصور أنه في العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين سيتعمد جزء كبير من قادة الغرب الى المصادقة ولو نسبية على تجويع وتقتيل الشعب الفلسطيني على يد الكيان ويعمل هؤلاء القادة على توفير الدعم الحربي والدبلوماسي لجرائم ضد الإنسانية؟ هل كان أحد يتصور أن يتم فتح النار على مدنيين وبينهم أطفال واقفين في طوابير طويلة ينتظرون توزيع الإعانات الغذائية؟ المجتمعات الديمقراطية في المقام الثاني حتى الأمس القريب كان يجري التعاطي مع ظهور اليمين القومي المتطرف بأنه محاولة بائسة لإحياء النازية في مجتمعات بنت جدارا شاهقا ومتينا اسمه المجتمعات الديمقراطية جدارا قادرا على ردع التطرف ولكن ما حدث أن هذه الحركات أصبحت أحزابا سياسية رئيسية تشارك في الائتلافات الحكومية وتتزعم بعض الحكومات. من الذي سيمنع هذه الأحزاب مستقبلا من تطبيق ولو 20 من برنامجها الخاص بالهجرة عندما سيكون أكثر من نصف المجتمع يؤمن بهذه النظرية وتمتلك هذه الأحزاب الأغلبية المطلقة. في المقام الثالث ألا يدعو إلى القلق تطوير اليمين القومي المتطرف لخطابه من اجتماعي انصب في البدء على اتهام المهاجرين بمنافسة المواطنين الأصليين في مناصب الشغل إلى طرح أخطر وهو الاستبدال العظيم بمفهوم حضاري وديني قادر على مخاطبة العمق الروحي والثقافي للشعوب الغربية. ونتساءل: ألم ينجح الرئيس ترامب في ولايته الجديدة من إقناع نسبة مهمة من الشعب الأمريكي بأطروحاته في الهجرة وإيقاظ نزعة تفوق الرجل الأبيض . ونتساءل: هل يمكن أن تتكرر مآسي الماضي مثل حالة الموريسكيين بعمليات طرد كبيرة من أجل نقاء المجتمع . لسنا من دعاة التهويل ولكن الاطلاع على التاريخ ابتداء من القرن العشرين يجعل التسلح بالحذر ضروري. عندما تفاقمت الأوضاع في الولايات المتحدة بعد الأزمة الكبرى سنة 1929 أقدم الرئيس الجمهوري وقتها هيربر هوفر على طرد أكثر من 350 ألف مكسيكي ولاتيني في ظرف ثلاث سنوات. ويحكي المؤرخ المكسيكي فرانسيسكو فالديراما في كتابه عقد الخيانة: طرد المكسيكيين من الولايات المتحدة في الثلاثينيات من القرن 20 بمن فيهم الحاصلون على الجنسية وكيف كان لون المواطن الأمريكي محددا لطرده من البلاد. لنستحضر ما وقع لليهود على يد النازية في الحرب العالمية الثانية وهو تكرار أسوأ بكثير لما وقع في الأندلس إبان طرد المسلمين واليهود. ولنتأمل جيدا ما نعيشه حاليا من تقتيل وتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة أمام أنظار العالم وبتورط مباشر من طرف غالبية قادة الغرب. الوضع مقلق حاليا وليس خطيرا ولكن سنصل الى المنعطف عندما ستصبح غالبية الشعوب الغربية تؤمن بالاستبدال العظيم وتصبح للأحزاب القومية اليمينية المتطرفة أغلبية برلمانية وحكومية تخول لها ليس فقط تطبيق برنامجها الدستوري بل تغيير الدستور لتطبيق سياساتها. أحداث الماضي تحذرنا وما يجري في الحاضر يدق ناقوس الخطر والمستقبل قد يفاجئنا وكما يفكر اليمين المتطرف في محاصرة الجاليات القادمة من الجنوب على مثقفي هذه الجاليات بدء التفكير الجماعي رفقة مثقفي الغرب المؤمنين بالتعدد الثقافي كيف يمكن ثقافيا مواجهة هذه المخاطر مستقبلا. حقوق النشر © 2024 أخبار اليوم الجزائرية . ة

ابتزازٌ رخيص
ابتزازٌ رخيص

الشروق

timeمنذ 3 أيام

  • الشروق

ابتزازٌ رخيص

اريك سيوتي، أحد مرضى العنصرية والكراهية ضد الجزائر، يسحب مشروع قرار قدّمه للجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان)، يسعى من خلاله إلى إبطال العمل باتفاقية الهجرة الموقَّعة سنة 1968. سيوتي الذي يتزعم حزب الجمهوريين، ويقترب كثيرا من أدبيات الأحزاب اليمينية المتطرفة، يمتشق منذ مدة سيفا من ورق ويهاجم كل ما هو جزائري، في صراع كراهية محموم مع روتايو وابنة السفاح النازي لوبان، غايته كسب المزيد من الأصوات على حساب المهاجرين، انقلب على عقبيه بعد أن ادَّعى أن مشروعه يحظى بموافقة واسعة من نواب التحالف الرئاسي خاصة. ولتبرير هذا التراجع، قدمت كتلته التي لا تحوز في الواقع إلا على 14 نائبًا، تبريرات تفضح انعدام القيم الأخلاقية في الممارسة السياسية الفرنسية، وتفسِّر الانهيار غير المسبوق للنموذج الفرنسي الذي جرى الترويج له خلال عقود، وانتقل من مستوى الحفاظ على المصالح عبر حد أدنى من الأخلاق، إلى الابتزاز بورقة تافهة ومحروقة كورقة بوعلام صنصال فكان الانهيار كبيرا وفاضحا. لقد أوعز سيوتي والدائرون في فلك العنصرية والتطرف بفرنسا، عبر تبريرات سحب المشروع، إلى أن الأمر مرتبط بما ستقرِّره العدالة الجزائرية في حق صنصال الذي يحاكَم في الجزائر بصفته رعية جزائرية بتهم 'إهانة هيئة نظامية والقيام بممارسات من شأنها الإضرار بالاقتصاد الوطني وكذا حيازة فيديوهات ومنشورات تهدد الأمن والاستقرار الوطني'، بعد أن التمست النيابة في حقه 10 سنوات سجنا نافذا. ولوَّح إلى إمكانية إعادة طرح المشروع في الدورة الخريفية القادمة للجمعية الوطنية، وهو ما لا يدع مجالا للشك في أنّ ملف صنصال، يستغله اليمين المتطرف في الابتزاز الرخيص، لا أكثر، وأن الشعارات التي رُفعت خلال حملة الدفاع عن هذا الجزائري المتجنّس منذ فترة قصيرة جدا، والذي تنكَّر لبلاده وطعن في وحدتها الترابية، لا تعدو غير مجرَّد بهرجة وسقطة سياسية فرنسية مدوِّية، في مساع للتغطية على الإخفاقات الدبلوماسية والاقتصادية التي تغرق فيها، بعد أن فقدت صورتها ومكانتها في المحافل الدولية وانهارت إمبراطورية نفوذها في إفريقيا وغيرها من المناطق الأخرى. فرنسا تواجه داخليا تحديات واسعة ترهن بقاءها قوةً ذات وزن في الاتحاد الأوربي، بعد أن بدأت تخسر مكانتها لصالح دول أخرى كإيطاليا، زيادة على الوضع الداخلي بعد أن تجاوز الدين العامّ سقفا خطيرا؛ فقد قفز إلى 3.345 تريليون يورو (3922.16 مليار دولار)، وهو ما يمثل 114% من الناتج المحلي الإجمالي، فضلا عن انهيار منظومة الشغل والقدرة الشرائية للمواطن بسبب الخيارات الطاقوية الخاطئة، والخيارات السياسية الطائشة وغير المدروسة، والتي تورّطت فيها العائلة السياسية، التي ينخرط فيها اريك سيوتي وغيرُه، وهي العائلة التي بنت مجدها السياسي على خطابات الكراهية والتحريض ضد المهاجرين من أصول مغاربية وجزائرية خصوصا، في سقوط مدوّي لأخلاقيات النخب الفرنسية ومبادئ الجمهوريات السابقة. هذا الابتزاز كانت الجزائر قد رمت به في مكبّ النفايات مع بداية الأزمة الدبلوماسية بين البلدين، من خلال تصريح واضح للرئيس عبد المجيد تبون، اعتبر فيه اتفاقيات الهجرة لسنة 1968 'قوقعة فارغة'، وأغلق بذلك الباب أمام شذاذ الآفاق من أمثال سيوتي وبايرو وروتايو، وجرّدهم من هذه الورقة، وعليهم البحث عن غيرها، أمّا صنصال فمصيره بيد العدالة الجزائرية التي تحاكمه عن تهم واضحة، ووحدها ما ستبتُّ في مصيره.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store