
الشيخ محمد جمال النتشة منارة عالية غُيّبت خلف ستائر العتمة
الشيخ في حبسته الأخيرة يعاني الأمرّين، الان يعاني السجن التعسفي وحالة التوحش والسعار الذي أصيب به السجّان بعد حرب الإبادة التي أقامها في غزّة، لقد مارسوا كل أشكال وأنواع ساديتهم على جسد الشيخ، أحالوه هيكلا عظميا مكسّر الأطراف، استفردوا به بصورة غير مسبوقة وافرغوا على رأسه كلّ أحقادهم، وصل حافة الموت عدة مرأت وتسرّبت أخبار إدخاله حالة الإنعاش السريري، وهناك بالطبع ماكينة الإهمال الطبّي، لم يرقبوا فيه إلا ولا ذمة ولا أدنى اعتبار انساني أو قانوني، فقط انطلقوا من وحشيّتهم وعنصريتهم التي لم يسبقهم اليها أحد، وطبعا الاخبار منقطعة فلا محامي يزوره ولا هوعند الاسرى فتتسرّب أخباره، هو في العزل والزّنزنة الانفرادية التي بمجرّد وجوده هناك خلف الحياة البشريّة فيها ما فيها من العذاب، فكيف اذا اجتمع عليه ما أصابه من كسور تحتاج الى مسكنات وعلاج، هناك لا شيء من هذا القبيل فابن غفير قبحه الله يعتبر ذلك رفاهية ونوع من الدلال.
كان الشيخ المربّي القائد في السجون وما زال مصدر إلهام ومنارة إشعاع فكري وروحي، شكّل في السجن معهد تطوير للقدرات وصناعة الارادات، يقيم موائد فكرية وتربوية ويحرّض المؤمنين على رفع درجة الاشتباك وتعظيم قدرات الذات على محكات التحدّي ومقارعة السجان. وكان منطلقه الاوّل في عملية بناء الذات المجاهدة أن يجعل من نفسه قدوة عالية، كان من الذين إذا رأيتهم ذكرت الله بمعنى أن تعلي من شأن كل القيم المتصلة بذكر الله خاصة تلك المتصلة بأسمائه الحسنى وصفاته العليا لتفتح آفاق عالية بأخذ نصيبك منها وما ينعكس ذلك عل شخصية كلّ من علّق قلبه بذكر الله. ومن ذلك ما لتوحيد الله من أثر عميق في عملية التحرّر الكامل مما سوى الله فتصنع الإرادة الحرّة والشخصية ذات السيادة الكاملة على كل المساحات الشاسعة التي تتشكّل منها لتكتمل كلّ أركانها الحرّة المؤمنة الأبيّة.
كان بإمكان الشيخ أن يركز ربابته بعد أن أمضى في السجون عشر سنوات مثلا وأن يتخذ لنفسه منبرا يصدّر من خلاله خطابا ناعما آمنا لا يعيده إلى السجون، فهناك كثيرون رضوا من الدين أدناه ومن الخطاب مالا يزعج الظالمين، أن يسير بين السطور وأن ينحني أمام العاصفة، ولكنها أمانة منبر رسول الله وهذا أبو همام صاحب الروح العالية والنبض القوي والفهم العميق للإسلام بسقفه المرتفع، إنها الكلمة الحرة والنبض العالي، ودون ذلك كما نرى فيمن قتلوا الخطاب ومنعوا مساجد الله أن يذكر فيها اسمه ذكرا يليق بجلاله، أماتوا دين الله في قلوب الناس، الشيخ كان على العكس تماما يحيي النفوس من معين روحه العالية. هو صاحب فهم عميق ويمتلك ناصية منهج حركي للفكرة مما ينتج ثورة ويصنع في النفوس إرادة الثورة، لذلك يعتبرونه خطرا عليهم ومصدر طاقة عالية تضرب أركان أمنهم.
الشيخ لم يهن ولم يضعف ولم يفتّ في عضده كل إجراءات ردعهم وقمعهم، بل ازداد صلابة وعنفوانا، أصرّوا على أن يكيلوا له من الاعتقالات الإدارية الاعتقال تلو الاعتقال دون أية فائدة، بل احتاروا في أمره ما بين انتاجه في السجن أو انتاجه خارج السجن. حيث ما حلّ أو ارتحل يحرك القلوب ويزرع فيها ما لا يزرعه أحد، لا مسجد ولا جامعة ولا مدرسة، كان يمثّل الذي تجاوزته هذه من أمور المحظورات التربويّة التي تخشاها المؤسسة الرسميّة، من فهم أمني وحركي وثوريّ وسياسي وفكر حرّ ومقاوم.
ومع كل ما يحمل من ثراء معرفي وحضور ثوري كان متواضعا خافضا للجناح طيب الروح جميل العشرة يألفه الاسرى ويلوذون اليه بلسما لجراحهم ومرشدا لأرواحهم، من يسعده حظه فيساكنه في غرفة سجن يجد عنده السكن والمحبة والرحمة وجميل الوصل وانشراح الصدر وطيب المعشر.
سيبقى الشيخ معلما حضاريّا حاضرا قويا عاليا على صعيد الفكرة والروح العاليّة، وهذا الجمع هو أهم ما ميّزه في ميادين المعرفة، من السهل أن يُحمل الفكر بصورته النظرية ولكن أن يجعل من سيرة حياته نموذجا شاخصا بكلّ أبعادها وبصورة تتجسّد فيها التضحية بأبهى صورها وأعظمها حضورا ونضوجا فهاذا هو الشيخ فرج الله كربه وفك قيده مع كل الاسرى والمعتقلين.
المصدر / فلسطين أون لاين

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


فلسطين اليوم
منذ 8 ساعات
- فلسطين اليوم
الشارع اليمني مقابل الشارع العربي .. قراءة النموذج السياسي والأخلاقي
فلسطين اليوم الكاتب: سيف الدين موعد من بين مشاهد الردود العربية على حرب الإبادة التي تشنّها "إسرائيل" على قطاع غزّة منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تبدو التجربة اليمنية حالةً شاذّةً بالمعنى الإيجابي، واستثنائيةً بالمعايير السياسية والاجتماعية والأخلاقية التي حكمت تفاعل باقي المجتمعات العربية والإسلامية مع الحرب. فأن يتمكّن بلد محاصر وممزّق داخلياً ومحدود الموارد من الحفاظ على زخم تعبوي شعبي منتظم (يتجاوز في بعض الأسابيع المليون مشارك) لنحو مائة أسبوع على التوالي، فهذا ليس فقط جديراً بالملاحظة، بل يفرض علينا استقراء هذا النموذج ومحاولة فهم آلياته وخصوصياته. التعبئة الجماهيرية طويلة الأمد عادةً ما تكون مشروطةً إمّا بموارد إعلامية وتنظيمية ضخمة، أو برافعة حزبية تمتلك السيطرة والقدرة على الحشد، أو بتحفيز مباشر مرتبط بالمكاسب السياسية أو الاقتصادية. أمّا في الحالة اليمنية، فالحشد يتم بلا موارد إعلامية كبرى، في ظلّ حصار خانق وانعدام الحوافز المادّية، بل وفي أحيان كثيرة، على حساب فرصٍ محتملةٍ لتخفيف المعاناة المحلّية (كما في لحظة اقتراب تسوية مع السعودية عشية "7 أكتوبر"). ولا يقتصر الالتزام اليمني على التظاهر والتعبير الرمزي، بل نحن أمام حالة من التداخل بين التفاعل الجماهيري والفعل العملياتي المقاوم، إذ تتكامل التظاهرات المليونية مع هجمات شبه يومية على سفن مرتبطة بالاحتلال الإسرائيلي في البحر الأحمر، بالإضافة إلى إطلاق صواريخ ومسيّرات على أهداف إسرائيلية في العمق. رغم الطابع غير المسبوق للتجربة اليمنية في دعم فلسطين، من حيث الاستمرارية والزخم والكلفة السياسية والميدانية، إلا أن التغطية الإعلامية العربية والدولية تكاد تكون معدومةً أو منحازةً على نحو سافر. في عالم تُعتبَر فيه تظاهرة من عشرة آلاف شخص في عاصمة ما "حدثاً جللاً"، يستقطب الوكالات ويفتح نشرات الأخبار، يُتجاهَل خروج مئات الآلاف (بل الملايين) أسبوعياً في صنعاء وصعدة والحديدة وتعز وغيرها، على مدى عامَين، وكأنهم يتحرّكون في فراغ رمزي لا يستحقّ الاعتراف. ليس التعتيم صدفةً، بل سياسة مقصودة، والأمر لا يقتصر على إنكار الحدث ميدانياً، بل يُصدّر ضمن أطر سلبية، ويُقدَّم إمّا مزاودةً أيديولوجيةً أو حيلةً لتثبيت شرعية داخلية لحركة سياسية محلّية. لكن هذه التبريرات تنهار أمام منطق التضحيات، فمن يسعى إلى "شرعنة" سلطته، لا يغامر بمواجهة الولايات المتحدة وبريطانيا و"إسرائيل" في آن، في جبهات بحرية وجوية تحت القصف اليومي، وفي ظلّ حصار اقتصادي خانق. فهل تحقيق "الشرعية الداخلية" يتطلّب تفجير ناقلات نفط وتعطيل خطوط شحن عالمية وقصف العمق الإسرائيلي بالصواريخ والمسيّرات واستدعاء ردّ عسكري من القوى الكُبرى؟... إن منطق المكاسب لا يكفي لتفسير هذا النوع من الالتزام؛ نحن أمام موقف يتجاوز المنطق النفعي، ويؤكّد أن ما يحرّك هذا الفعل ليس الرغبة في الاعتراف فقط، بل الإصرار على تثبيت معيارٍ سياسيٍّ وأخلاقيٍّ مستقلّ، ولو كلّف ذلك أثماناً باهظة. صحيحٌ أن جزءاً من الإجابة يكمن في البنية العقائدية - الأيديولوجية لجماعة أنصار الله (الحوثيين)، لكنّها لا تفسّر كلّ شيء. الأكثر أهمية أن بنية المجتمع اليمني استطاعت أن تُنتج ما يشبه الإجماع الاجتماعي (أو على الأقلّ قابلية جماهيرية واسعة) على مركزية فلسطين قضيةً معياريةً، تتجاوز في سلّم الأولويات حتى القضايا الوطنية المباشرة. من المهم التنبيه إلى أن جزءاً كبيراً من اليمنيين الذين يشاركون في هذه التظاهرات ليسوا أعضاء أو أنصاراً مباشرين لـ"أنصار الله". بل في حالات عديدة، يشارك فيها أفراد أو جماعات لهم تحفّظات واضحة على سياسات الحركة في الشأن الداخلي، ومع ذلك ينخرطون في الفعل الجماهيري المُسانِد لفلسطين، ويعتبرون أن هذا الالتزام الجماعي يعكس إجماعاً وطنياً أوسع، يتجاوز الاستقطاب السياسي. هذا الالتفاف حول الخيار اليمني في مقاومة إسرائيل ليس إذعاناً لسلطة، بل ترجمة لوعي جمعي يعيد تعريف فكرة الإجماع الشعبي، بمعنى آخر، ما نشهده ليس "احتكاراً للحقيقة" من فاعل سياسي واحد، بل ظاهرة اجتماعية ممتدة، تعبّر عن نضج في وعي الجمهور، ووعي يُفرِّق بين الخلاف الداخلي والواجب القومي - الإسلامي، ويقدّم فلسطين أولويةً تتجاوز الحسابات الفئوية والقُطرية، وهو نهج مغاير لشعارات "الوطن أولاً" التي رُفعت للتنكّر للقضية الفلسطينية. هذه الاستمرارية في الفعل (رغم الكلفة العالية) تُظهِر أن الشعب اليمني يدفع أثماناً حقيقية: شهداء، بنى تحتية مدمّرة، حملات جوية مزدوجة (أميركية وبريطانية في البداية، ثمّ أميركية إسرائيلية، ولاحقاً إسرائيلية)، وتلويح دائم بتوسيع المواجهة. ومع ذلك، لم نلحظ تراجعاً في الزخم الشعبي، ولا علامات تعب أو تذمّر مجتمعي، بل على العكس، تتوسّع المظاهرات أسبوعاً بعد آخر، وكأنّ الشعب اليمني يستثمر في هذه "المعركة المبدئية" بوصفها معركة وجود وهُويَّة وكرامة. وبالمقارنة مع التجربة العربية الأوسع، لطالما كانت فلسطين ورقة تُوظَّف في التنافس الداخلي أو في المزايدات الإقليمية. النظام الرسمي العربي تعامل مع "القضية" باعتبارها عبئاً حيناً، أو أداة ضغط حيناً آخر، ونادراً ما شكّلت التزاماً سيادياً مستقلّاً عن الحسابات الدولية. في هذا السياق، يبرز اليمن (بعد سنوات الحرب) البلد الوحيد الذي أعاد تموضعه الإقليمي انطلاقاً من تبنٍّ علنيٍّ وواضحٍ لخيار المقاومة، ليس شعاراً، بل جزءاً من مشروعه السياسي. لم يُستخدم هذا التبنّي داخلياً فقط لإعادة تشكيل خطاب الشرعية، بل فُعِّل خارجياً عبر خطوات فعلية ميدانية مؤثّرة، وهو ما يجعل السؤال مشروعاً: هل نشهد في اليمن نموذجاً جديداً لـ"دولة الموقف"، رغم غياب الدولة بمعناها المؤسّسي التقليدي؟... من أبرز ما تكشفه التجربة اليمنية هو قابلية الشارع العربي، حين تُرفع عنه وصاية الإعلام والنظام الأمني) لأن يتحوّل فاعلاً تاريخياً حقيقياً. في معظم البلدان العربية جرى تفريغ الشارع من أيّ وظيفة سياسية خارج الاستهلاك، بفعل تفكيك الأحزاب السياسية والقمع الأمني أو تبنّي سياسات التجويف الثقافي وتزييف الوعي. اليمن، في المقابل، أظهر أن الشارع يمكنه أن ينتج موقفاً لا انعكاساً فقط لموقف السلطة، بل غالباً ما يكون ضاغطاً عليها في اتجاه أكثر راديكالية. من هنا، تظهر مفارقة لافتة: اليمن "الضعيف" والممزّق، الذي بالكاد يتحصّل على مقدرات الدولة، يمتلك شارعاً ذا كثافة سياسية عالية، بينما الدول "المستقرّة" تمتلك مجتمعات مُستهلِكة وغير معنية بالتعبئة، إلا تحت عناوين مطلبية متّصلة بالضرورات المعيشية. هنا تبرز ضرورة المقارنة: هل في التاريخ الحديث حالة مشابهة لحشد أكثر من مليون متظاهر أسبوعياً على مدى مائة أسبوع من دون توقّف؟... حتى في الديمقراطيات الكبرى مثل الولايات المتحدة، لم يحدث أن استطاع رئيس أميركي (وهو يمتلك أقوى أدوات الدولة والإعلام) أن يحشد مظاهرةً مليونيةً أسبوعياً مدّة سنتَين. ما يحدث في اليمن ليس مجرّد ظاهرة اجتماعية، بل سلوك جماهيري جديد يتجاوز النموذج الديمقراطي الليبرالي في التعبير السياسي. إذا كانت الديمقراطية الغربية تقيس الحضور السياسي عبر الصناديق والمؤسّسات، فاليمن (بمعزل عن تلك النماذج) يعيد تعريف الحضور الشعبي من بوابة الالتزام الأخلاقي والسياسي الجمعي. هل يمكن إذاً اعتبار ما يجري شكلاً بديلاً للممارسة السياسية الشعبية خارج الديمقراطية التمثيلية؟... تُعيد التجربة اليمنية طرح سؤال الأخلاق في العمل السياسي: هل يمكن أن تقوم دولة أو حركة سياسية باتخاذ مواقف عالية الكلفة، ومنخفضة العائد المباشر، فقط لأن ذلك ما تعتبره "صحيحاً" أو "أخلاقياً"؟ وما هي العلاقة الحقيقية بين الانتماء القطري الضيّق والانتماء العربي والإسلامي الأوسع؟ وهل تقدّم التجربة اليمنية نموذجاً مضادّاً لما تسعى بعض الأنظمة (وفي مقدّمتها أنظمة التطبيع) إلى تكريسه، ليس في السياسة الخارجية فحسب، بل في الثقافة الوطنية وعبر ضخّ إعلامي متواصل وبرامج دعائية ممجوجة؟ في منطقة تُدار غالبية سياساتها بمنطق البراغماتية القصوى، يبدو أن موقف "أنصار الله" (اتفقتَ معه أو لا) يقدّم حالة مختلفة، إذ تُعلن مواقفها من دون غطاء دولي، ومن دون التكيّف مع توازنات القوى أو الحصول على مقابل سياسي واضح، بل وأحياناً على حساب المصالح الوطنية المباشرة. يعكس هذا الموقف نظاماً قيمياً خاصّاً، تتداخل فيه العقيدة مع الاستثمار في شرعية بديلة، في صيغة مركّبة يصعب فصل مكوناتها. تنطلق التجربة اليمنية من رؤية سياسية أوسع للصراع مع الكيان الصهيوني، باعتباره كياناً يهدّد الأمّة بأسرها، ولا يقتصر خطره على محيطه المباشر. ويأتي خيارها في أداء دور فاعل في مواجهة هذا الكيان منسجماً مع رؤية استراتيجية أشمل، ترى في المشروع الصهيوني رأس حربة للمشروع الغربي الذي يستهدف الجميع من دون استثناء. ليس الغرض من هذه القراءة تمجيد الحالة اليمنية، ولا اختزالها في مثالية غير قابلة للتكرار، بل المقصود محاولة قراءة تجربة سياسية فريدة، بكلّ ما فيها من تعقيد، داخل مشهد عربي تتآكل فيه المعايير، وتُفرغ فيه القضايا من مضمونها. التجربة اليمنية تقول ببساطة إن الشارع العربي ليس ميتاً، وإن الالتزام السياسي لا يموت حين تُحاصر الشعوب، بل حين تُختطف إرادتها. وهو ما يفتح الباب أمام مساءلة النُّخب الفكرية والسياسية والأحزاب العربية ودورها في الاستفادة من هذا النموذج لإعادة استنهاض الشعوب العربية والإسلامية. فالتجربة تبرهن أن الشارع (إذا تحرّر من الوصاية الرسمية والإعلامية) قادر على المبادرة والضغط وصياغة المواقف التاريخية. وعلى النُّخب أن تتحرّر من منطق التبرير أو الصمت، وأن تبادر إلى كسر الحصار الإعلامي المفروض على الشارع اليمني، وتقديم تجربته مرجعاً في القدرة على الجمع بين الموقف السياسي الواعي والعمل الشعبي المنظّم. كما أن على الأحزاب العربية، على اختلاف توجّهاتها، أن تدرك أن فلسطين ليست ورقةً تكتيكيةً، بل معياراً جامعاً للشرعية الشعبية، وأن تبني برامجها وخطابها على أساس هذا الإدراك، بما يعيد الثقة بين الشارع والقوى السياسية، ويفتح أفقاً جديداً لمشروع عربي تحرّري متكامل.


فلسطين أون لاين
منذ 13 ساعات
- فلسطين أون لاين
"مصائد الموت" تصيب الشاب "نصر" ليصبح طريح الفراش
دير البلح/ فاطمة العويني لم يدر بخلد الشاب رجب نصر " ٣٠ عاما" الذي صمد في شمال قطاع غزة ولم ينزح ولو ليوم واحد مع ذويه، ونجا من أهوال متعددة هناك، أن يكون مشواره الاستطلاعي لمصائد الموت الأمريكية في جنوب قطاع غزة سببا في معاناة مع الإصابة والألم. وخلال اجتياح الاحتلال الإسرائيلي لشمال قطاع غزة ونزوح العديد من العائلات لجنوب القطاع رفض الشاب رجب أن ينزح برفقة والده " سائد" وأفراد أسرته، وظل صامدا في شمال القطاع عانى مرارة الاجتياحات والقصف العنيف والمجاعة المريرة لكنه كشاب فتي لا يعاني من اي امراض مسبقة استطاع اجتياز كل تلك الصعوبات بعون من الله. والشاب رجب - وفق ما يبين والده- أنهى مسيرته التعليمية بتفوق حيث حاز على المرتبة الأولى على مستوى جامعة غزة في تخصص المحاماة ويعمل في عدة مؤسسات ويدير مخيما للايواء في شمال القطاع، فكان شعلة من النشاط والحيوية لا يتوقف عن العمل ليلا أو نهارا. وفي أثناء اجتياح الاحتلال الإسرائيلي محافظة الشمال بعد نقضه الهدنة، قررت أسرة نصر النزوح مجددا إلى مخيم النصيرات في وسط قطاع غزة لكن رجب رفض مجددا النزوح وظل في خيمة في مدينة غزة. لم يدر بخلد العائلة أن الزيارة الأخيرة التي قام بها رجب لهم في جنوب القطاع ستحمل لهم مأساة لم تكن بالحسبان، فقد خرج لزيارة صديق له في منطقة " فش فرش" في مواصي خانيونس برفقة ابن عمه وهناك اتفقا على الذهاب لاستطلاع الأمر "مصائد الموت الأمريكية" في منطقة " الشاكوش" والبحث في مدى خطورة الأمر هناك وهل بإمكانهم أن يأتوا لاحقا للحصول على مساعدات، كما يبين والده. ويقول :" كانا على مسافة بعيدة من مكان تسلم المساعدات يرقبان الناس وكيفية التسليم، إذ فوجئ رجب برصاصة متفجرة تخترق عموده الفقري أردته أرضا، ثم جاءت طائرة الكواد كابتر وأخبرت ابن عمه والشباب الذين التفوا لإسعافه بأنه قد استهدف عن طريق الخطأ!". ويضيف نصر:" طلبت الكواد كابتر من الشباب المحيطين به أن يحملوه ويضعوه بالقرب من الدبابة التي تبعد عن المكان قرابة ١٥٠٠ متر وهناك طلب جنود الاحتلال الإسرائيلي من الجميع الانصراف ما عدا ابن عمه". ويشير نصر إلى أن ابن عمه فوجئ بأن جنود الاحتلال لم يقدموا له أي مساعدة طبية بل تركوه ينزف، وبعد جدال عقيم معهم لم يستجيبوا لمناشدته بعلاج رجب وطلبوا منه إخلاءه من المكان، فقام بحمله لمسافة ١٥٠٠ متر وهو ينزف، إلى أن تمكن من نقله لمستشفى ناصر. وبعد تصويره صورة مقطعية تبين أن الرصاصة استقرت بين الفقرتين السادسة والسابعة في عموده الفقري وان نزيف في سائل النخاع . ولكون والد رجب يعمل في إحدى المؤسسات الطبية تمكن من نقله لمستشفى شهداء الأقصى حيث أجرى الأطباء له عمليتين جراحيتين لتنظيف التقرحات، وبينما كان يتحدث إلينا عن وضع رجب كان الأخير في غرفة العمليات يخضع لعملية جراحية لعمل "شبكية من لحمه" لتوضع مكان الرصاصة وتمنع نزيف السائل الشوكي. يقول سائد :" بصعوبة بالغة وبعد عشرين يوما من مكوثه في المشفى استطاع الأطباء إخضاعه لهذه العملية الجراحية حيث خضع لمتابعة صحية للتعافي من آثار جلطة اكتشفوا أنه اصيب بها". ويعاني رجب من حالة نفسية بالغة السوء غير قادر على التاقلم مع وضعه الجديد فلا يستطيع تناول الطعام وسوء تغذية والتهابات شديدة في المسالك البولية وإمساك مزمن وتقرحات من الدرجة الرابعة في جسده وانخفاض في ضغط الدم. وسوء العناية الطبية يجعل من تعافي رجب والمصابين معه أمرا بعيد المنال، يقول والده:" في القسم الواحد يوجد ثلاثة ممرضين بدلا من عشرة لواحد وعشرين مريضا كلهم بنفس سوء حالة رجب أو أكثر سوءا حيث يعملون بضغط شديد ولا يقدمون الرعاية اللازمة". ويضطر والد رجب لمرافقته ليلا ونهارا بحكم خبرته في المجال الطبي حيث يقوم هو بمهام التمريض لابنه، ولا تتوقف المعاناة عند هذا الحد فلا يوجد مستلزمات طبية أو حفاضات ويضطر لشرائها على حسابه الشخصي بأسعار باهظة. يقول :" يحتاج رجب أيضا لفرشة هوائية استطعت توفيرها من بعض المعارف، وحتى الآن لم استطع أن أدبر له كرسي متحرك أو سرير طبي ما يعني أنه سيعاني وضعا بالغ السوء إذا ما خرج من المشفى للخيمة حيث نقيم". ويناشد نصر المنظمات الصحية الدولية بالاسراع في اجلاء ابنه للسفر العلاج بالخارج حيث الإمكانيات هناك أكثر تطورا وأخبره وفد طبي كندي اطلع على وضع " رجب" أنه يمكن أن يتحسن كثيرا إذا ما سافر باسرع وقت ممكن. المصدر / فلسطين أون لاين


شبكة أنباء شفا
منذ 2 أيام
- شبكة أنباء شفا
نتنياهو يخطط لإسرائيل الكبرى … وأهل غزة ينتظرون الخلاص ، بقلم : المهندس غسان جابر
نتنياهو يخطط لإسرائيل الكبرى … وأهل غزة ينتظرون الخلاص ، بقلم : المهندس غسان جابر في مخيمات غزة، حيث البيوت المهدمة تُستبدل بخيام، وحيث الأطفال ينامون على أصوات الطائرات، هناك جملة تتكرر همسًا: 'لن ينقذنا أحد… إلا المسيح حين ينزل'. ليست هذه مجرد عبارة دينية، بل انعكاس لحقيقة مرة: أن كل الأبواب أُغلقت، وكل الوعود تحولت إلى غبار، وأن أهل غزة باتوا يشعرون أن النجاة لن تأتي إلا من معجزة سماوية بعدما خذلهم القريب قبل البعيد. وفي الطرف الآخر، بنيامين نتنياهو يقف على منصة، يتحدث بثقة عن 'مهمة تاريخية وروحية' لبناء إسرائيل الكبرى. في ذهنه، غزة ليست أكثر من مربع صغير في لوحة الشطرنج الكبرى، قطعة يريد إزاحتها أو إخضاعها، تمهيدًا لضم ما تبقى من الأرض الفلسطينية، وربما أبعد من ذلك. أما حماس، فهي تقف في معادلة معقدة: بين كونها سلطة الأمر الواقع في غزة، وبين كونها هدفًا رئيسيًا لآلة الحرب الإسرائيلية. لكنها أيضًا — شاءت أم أبت — أصبحت جزءًا من انتظار الناس. انتظار ماذا؟ إنجاز سياسي يغير المعادلة، انتصار عسكري يفرض التراجع، أو حتى 'المعجزة' التي يتحدثون عنها. لكن الحقيقة القاسية أن التاريخ لا يكتب بالانتظار. نتنياهو يفهم أن الزمن هو أقوى سلاحه: كل يوم يمر بلا تحرك عربي أو إسلامي أو دولي حقيقي، هو يوم يكسب فيه أرضًا جديدة، ويفرض واقعًا أكثر صعوبة على تغييره لاحقًا. غزة اليوم لا تحتاج فقط إلى إغاثة عاجلة، بل إلى قرار استراتيجي من العرب: إما أن يتحولوا من متفرجين إلى فاعلين، أو أن يتركوا المشهد كله ليُكتب بيد رجل يعتقد أن الله أرسله لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط. السياسة ليست انتظارًا للمسيح أو المهدي أو أي منقذ خارق. السياسة حركة، قرار، وموقف في الوقت المناسب. وإلا فإن الخريطة التي يرسمها نتنياهو ستصبح واقعًا، وستبقى غزة — ومعها فلسطين — على الهامش، تنتظر معجزة قد لا تأتي. في النهاية، قد يكون انتظار نزول المسيح رمزًا للإيمان، لكنه في السياسة هو استسلام لخصم لا ينتظر أحدًا. نتنياهو لا ينتظر معجزة، بل يصنعها بطريقته: بالدبابات، بالقوانين العنصرية، وبإعادة رسم الخرائط على حساب من يكتفون بالمشاهدة أو التضرع. غزة اليوم ليست بحاجة إلى من يحصي جراحها، بل إلى من يغيّر المعادلة التي جعلتها سجينة الحصار والخذلان. أما إذا استمر المشهد كما هو — حيث نتنياهو يخطط، والعرب يتناقشون، وحماس تحاصرها المعادلة، وأهل غزة ينتظرون المعجزة — فإن التاريخ سيسجل هذه الحقبة ليس كزمن المواجهة… بل كزمن الانتظار. وعندها، قد تنزل المعجزة فعلًا، لكن لتجد أن الخريطة التي كانت تعرفها غزة قد اختفت من الوجود. – م. غسان جابر – مهندس و سياسي فلسطيني – قيادي في حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية – نائب رئيس لجنة تجار باب الزاوية و البلدة القديمة في الخليل.