
خطاب بلا مضمون… كامل إدريس وتكريس سلطة الحرب والانقلاب
خطاب بلا مضمون… كامل إدريس وتكريس سلطة الحرب والانقلاب
بقلم السفير عادل إبراهيم مصطفي
كما كان متوقعًا، جاء الخطاب الأول للدكتور كامل إدريس، عقب أدائه القسم رئيسًا لمجلس وزراء السلطة الانقلابية في بورتسودان، خاليًا من أي مضمون حقيقي ولا يخدم مصالح الشعب السوداني. بل شكّل الخطاب تأكيدًا على أن إدريس ليس أكثر من أداة في يد تحالف العسكر وفلول النظام البائد، ينفذ أجندتهم الرامية إلى تصفية ثورة ديسمبر المجيدة وطمس تطلعات السودانيين نحو وطن حر يسوده السلام والعدالة.
لقد خلت كلمته من أي إشارة تُذكر إلى ثورة ديسمبر العظيمة ومطالبها الجوهرية، وكأنها لم تكن. تجاهل إدريس التضحيات الجسيمة التي قدمها الشعب السوداني من أجل التحول الديمقراطي، وقدم خطابًا أقرب إلى الاستعراض الإنشائي، بلا رؤية واضحة أو برنامج عمل جاد وملموس.
أما الدلالة الأبرز على انحيازه الكامل لسلطة الانقلاب المتحالفة مع تنظيم الإخوان المسلمين، فتمثّلت في تجاهله التام لمبادرات وقف الحرب، بل وصفها بـ'حرب الكرامة والمعركة الوجودية'، مؤكّدًا على استمرارها كوسيلة للحفاظ على الحكم عبر السلاح. وقد جاءت أولوياته الوطنية 'العاجلة'، كما أسماها، منسوخة عن خطاب السلطة الانقلابية، حيث تصدّرها ما وصفه بـ'برنامج الأمن القومي السوداني وهيبة الدولة'، والذي يبدأ بالقضاء على 'التمرد' — في إشارة إلى قوات الدعم السريع.
وبهذا يعلن إدريس التزامه العلني بمواصلة مشروع 'لا وقف للحرب'، المعروف إعلاميًا باسم 'بل بس' — المشروع الذي جرّ البلاد إلى الخراب والدمار، وتسبب في مقتل الآلاف، وتدمير البنى التحتية، وتهجير ملايين السودانيين، مع تقديرات لوكالة 'رويترز' تشير إلى أن خسائر الحرب بلغت نحو 700 مليار دولار.
وفي ظل هذا الواقع الدموي، تصبح بقية الأولويات التي طرحها إدريس — مثل إعادة هيكلة الدولة، وبناء دولة القانون، وتحسين العلاقات الخارجية، وزيادة الصادرات، وتطوير القطاع الصناعي — مجرد حديث بلا قيمة، لأن هذه الأهداف لا يمكن تحقيقها في ظل استمرار الحرب والانقسام والتشظي الوطني الذي يتفاقم كل يوم.
في هذا السياق، لا بد من التذكير بالخطاب الأول لرئيس وزراء الثورة، الدكتور عبد الله حمدوك. وبرغم أن المقارنة بينه وبين رئيس وزراء السلطة الانقلابية تبدو ظالمة في جوهرها، فإن استدعاء خطاب حمدوك يبقى ضروريًا لتذكير الناس بما ضاع جراء انقلاب 25 أكتوبر 2021.
فقد أكد حمدوك في مستهل خطابه أن أولوية حكومته كانت وقف الحرب وبناء السلام المستدام، ورفع المعاناة عن النازحين واللاجئين، واضعًا قضايا الإنسان في قلب مشروع الدولة الجديدة. في المقابل، أكّد كامل إدريس، وهو الأكاديمي والدبلوماسي والخبير الأممي، أن أولويته القصوى هي استمرار الحرب، للقضاء على مليشيا سبق لقائد الجيش ورئيس السلطة الانقلابية نفسه أن أقر بأنها 'وُلدت من رحم المؤسسة العسكرية'، وأنه هو من عزّز قوتها وقنّن وضعها، بل وعيّن قائدها نائبًا لرئيس مجلس السيادة الانتقالي.
لقد خلا خطاب إدريس من أي جديد، بل أعاد إنتاج خطاب الانقلاب، وكرّس الحرب كأداة للحكم. وبذلك يتأكد أن تعيينه لم يكن إنقاذًا للبلاد، بل محاولة لإضفاء شرعية زائفة على مشروع سلطوي دموي، يمعن في تدمير ما تبقى من السودان، ويجهز على أحلام شعبه في الحرية والسلام والعدالة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


التغيير
منذ يوم واحد
- التغيير
تحطم طائرة ركاب هندية تقل 242 شخصاً بعد إقلاعها ونجاة راكب واحد
وذكرت قناة 'سي أن أن نيوز-18' الهندية أن الطائرة تحطمت فوق قاعة الطعام في نزل تابع لكلية الطب بجامعة حكومية، ما أدى إلى مقتل عدد كبير من الطلاب، وعرضت القناة صورة لجزء من هيكل الطائرة فوق سطح المبنى. التغيير: وكالات قالت الشرطة الهندية لوكالة 'رويترز' إنه تم نقل أكثر من 100 جثة إلى مستشفى في مدينة أحمد أباد، بعد تحطم طائرة تابعة للخطوط الجوية الهندية (إير إنديا)، اليوم الخميس، في المدينة. وكانت الطائرة، التي تقل 242 شخصًا، متجهة إلى مطار غاتويك في جنوب العاصمة البريطانية لندن، عندما تحطمت بعد دقائق من إقلاعها من مدينة أحمد أباد، غربي الهند. وأفاد مسؤولون في الشرطة بأن الطائرة سقطت في منطقة سكنية بالقرب من المطار. ونقلت صحيفة 'إنديان إكسبريس' عن مصادر أمنية أن جميع من كانوا على متن الطائرة لقوا حتفهم، قبل أن تعلن جهات رسمية لاحقاً نجاة راكب واحد. وذكرت قناة 'سي أن أن نيوز-18' الهندية أن الطائرة تحطمت فوق قاعة الطعام في نزل تابع لكلية الطب بجامعة حكومية، ما أدى إلى مقتل عدد كبير من الطلاب، وعرضت القناة صورة لجزء من هيكل الطائرة فوق سطح المبنى. وكان عمال إنقاذ قد أفادوا في وقت سابق بانتشال ما لا يقل عن 30 إلى 35 جثة من موقع الحادث، مؤكدين وجود أشخاص آخرين لا يزالون محاصرين تحت الأنقاض. ونقل مصدر لـ'رويترز' أن من بين الركاب 217 بالغًا، و11 طفلًا، ورضيعين. وذكرت 'إير إنديا' أن جنسيات الركاب توزعت بين 169 هنديًا، و53 بريطانيًا، و7 برتغاليين، بالإضافة إلى كندي واحد. وأفاد موقع 'فلايت رادار 24″، المتخصص في تتبع رحلات الطيران، أن الطائرة المنكوبة من طراز 'بوينغ 787-8 دريملاينر'، وهي من أحدث طائرات الركاب في الخدمة. وبحسب قنوات إخبارية محلية، وقع الحادث بعد إقلاع الطائرة مباشرة. وعرضت إحدى القنوات لقطات تُظهر الطائرة وهي تحلّق فوق منطقة سكنية، قبل أن تختفي فجأة عن الشاشة، وتتصاعد سحابة ضخمة من النيران والدخان الأسود في السماء. كما أظهرت الصور حطام الطائرة المشتعل، وفرق الإنقاذ وهي تنقل مصابين على محفات إلى سيارات الإسعاف. من جهتها، أكدت مراقبة الحركة الجوية في مطار أحمد أباد أن الطائرة أقلعت عند الساعة 1:39 ظهرًا بالتوقيت المحلي (08:09 بتوقيت غرينتش) من المدرج 23، قبل أن تطلق 'نداء استغاثة' يشير إلى حالة طارئة، ومن ثم انقطع الاتصال معها.


التغيير
منذ 2 أيام
- التغيير
رئيس وزراء و«موزّع حصري» لزهور اللافندر..!
رئيس وزراء و«موزّع حصري» لزهور اللافندر..! د. مرتضى الغالي ما حكاية هذا الـ(كامل إدريس) مع الزهور وتوزيعها على خلق الله..!! هذا الرجل يعيش في (عالم آخر) ليس هو عالم السودانيين وأوضاعهم تحت سنابك هذه الحرب اللعينة التي أوسعتهم قتلاً وتشريداً وجوعاً ومرضاً وفقراً و(قِلة حيلة.. ومن بقى منهم حياً فهو يترقب الموت (من خلف الباب) بسبب انعدام الدواء والغذاء والكساء والماء والهواء.. وبسبب انعدام الأمن وانتشار عصابات النهب والسلب (رسمية وقطاع خاص)..! ثم لماذا يلوّح هذا الرجل بكتابه أمام الكاميرات.. وكأنه يريد أن يقول انه سيقوم بتطبيق أفكاره الخاصة على شعب السودان..!! من الذي أعطاه هذا التفويض..؟! وهل يريد أن يحاكي كيم أيل سونغ وماوتسي تونغ وكتابه الأحمر..! أم تراه يتأسي بالقذافي و(كتابه الأخضر) الذي انتهى به إلى (أنبوبة صرف صحي)..! هذه التصرفات ليس مجرد 'غباء سياسي' بل هي أشبه بـ(برسالة استفزاز) للحالة السودانية الراهنة وللشعب المفجوع بقتل بنيه وتجويع أطفاله وتشريد نسائه.. وهو سلوك ينم عن قدر كبير من (فقر الذوق والفطنة)..! هناك نوع من الفصام يسمى (لفصام البارنويدي) ومن أعراضه القيام بسلوكيات 'غير منطقية' و'تبلد الإحساس تجاه الكوارث والأحداث الجسيمة' مع نزوع رهابي لتضخيم الذات المتضائلة..! لم يذكر الرجل في خطابه كلمة واحدة عن اللاجئين والنازحين والمشردين وتلاميذ المدارس ولا (القبور المفتوحة).. طبعاً لم يذكر اسم الثورة التي هرع إليها في أيامها الأولى متأبطاً (حقيبة سمسونايت)..!! هل نحن أمام وطن يحتضر وعلى بعد خطوة من هاوية التفكك والتحلل والتشرذم.. أم نحن أمام (حفلة عيد ميلاد)..؟! ما كان أحوج التكايا التي تقوم سلطة بورتسودان بإغلاقها وإحراقها إلى حفنة من عيش الفتريتا أو العدسي والفاصوليا لإطعام أفواه الأطفال الفاغرة.. بدلاً من زهور الغاردينيا والأوركيد واللافندر..! هل ترى منظمات العون والإغاثة العالمية أن السودان يحتاج لأطنان من الحبوب.. أم أنها ترى أن الأولى التعجيل بشحنات من الأزهار..؟!.. السويد نفسها لم تقدم للسودان الزهور والورود..! إنها ذات الحكاية المتداولة شعبياً عن الرجل الذي أراد أن يزور صاحبه المريض في المستشفى.. فحمل له باقة من الورود.. وكان صديقه المريض يعاني من سوء التغذية و(فقر الدم الحاد).. لذا فقد كان يمنّي نفسه بأن يحمل له الصديق الزائر كيساً (من البرتكان أو القريب فروت)..! وبعد أن خرج الزائر.. كان لسان حال صديقه المريض يقول: (الزهور ما بناباها.. لكن الفيك إتعرفت)..!! أما كامل إدريس فلم يكن ما ينطوي عليه (يحتاج إلى معرفة)..! فسيرة الرجل السابقة تنبئك عن حقيقته..! وفي الأثر الشريف ما معناه: (نحن لا نولي هذا الأمر للذي يسأله أو الذي يحرص عليه).. وصاحبنا هذا تجاوز مرحلة الطلب والحرص إلى الإلحاح والإصرار والإلحاف بإراقة ماء الوجه و(ماء السراب) في سبيل بلوغ غايته بأي كيفية ووسيلة كانت؛ مع الإنقاذ.. مع حكومة الانتقال.. مع الانقلاب.. مع الترابي.. مع الحرب.. مع ياسر العطا.. مع كرتي.. حتى وجد ضالته أخيراً مع البرهان..! كثيرون قالوا صادقين إن الحديث عن كامل إدريس لا معنى له، لأن منصبه هذا لا معنى له، كما إن التعيين تم بواسطة شخص لا معنى له، ضمن انقلاب لا معنى له، وإنه صاحب رئاسة صورية لن تتركه يهش أو ينش في أي أمر (ذي بال)..! ولكننا نقول لهؤلاء: نعم الجميع يعلم ذلك.. ولكن لا بد من فضح تدابير الكيزان في تسييس و(تتييس) مناصب الدولة..! لا بد من فضح حالة هذه الحرب الفاجرة ومخاطرها ومآلاتها ومُخرجاتها الكارثية والأراجوزات الذين يرقصون حولها.. ولا بد من كشف آليات ومكائد الكيزان (الظاهرة والخفية) وأباطيل المثقفين اللاهثين خلف الانقلابات وماسحي جوخ السلطان.. مثل تبرير أحدهم لإغفال ذكر ثورة ديسمبر في (خطاب العرش) الذي ألقاه كامل إدريس.. بأن القصد من عدم ذكر الثورة هو (عدم إزعاج الكيزان)..! ولقد صدق هذا الرجل عندما استشهد بمقطع من أغنية الفنان الهادي حامد (ود الجبل) لتبرير تأييد بعض المثقفاتية للحرب والانقلاب؛ وهو المقطع الذي يقول: 'أعمل إيه ما القسمة إختارت.. وكل الناس حاكماها (ظروف)'..!


التغيير
منذ 3 أيام
- التغيير
خطاب كامل إدريس وخيبة جديدة في مشهد مضطرب
حسب الرسول العوض ابراهيم في وقت كان ينتظر فيه السودانيون أي بادرة أمل للخروج من نفق الحرب والدمار ، جاء خطاب رئيس الوزراء المعيَّن كامل إدريس باهتاً خالياً من أي إشارة إلى النزاع الدامي الذي يفتك بالبلاد ،،، تجاهله الإشارة الي الحرب وهي الملف الأهم في تاريخ السودان المعاصر ليس فقط صادماً بل يعكس استهتار بالواقع الذي يعيشه الملايين من الشعب السوداني بين القصف والنزوح والجوع. التعيين المريب … محاولة التفاف لا أكثر التساؤلات حول كامل إدريس لا تتعلق فقط بمحتوى خطابه بل تبدأ منذ لحظة تعيينه ، فقبله أعلن رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان تعيين السفير دفع الله الحاج علي رئيساً للوزراء دون أن يصدر من الأخير أي موقف رسمي بل سرت تسريبات عن رفضه العودة إلى السودان ،، وهو ما أضعف موقفه وفتح الباب لبدائل وتكهنات كثيرة لكن المعطيات تكشف أن قرار تعيين دفع الله لم يكن وليد اجتهاد فردي من البرهان بل جاء من رحم التنظيم الإسلاموي المسيطر على مفاصل الدولة العميقة .ومع ادراك اقتراب العقوبات الأمريكية الجديدة أدرك هذا التنظيم أن الإصرار على تعيين شخصية ذات مرجعية أيديولوجية واضحة مثل دفع الله الحاج علي ، قد يعزلهم خارجياً أكثر مما هم عليه داخلياً. وهكذا لجأوا إلى 'عملية تمويه سياسي' باختيار شخصية ذات خلفية دولية في محاولة لتسويقها خارجيًا. فوقع الاختيار على كامل إدريس ظناً أن عمله السابق في المنظمات الدولية سيمنحه شيئًا من القبول الغربي كما كان الحال مع عبد الله حمدوك ،،الا أن الفارق بين الرجلين شاسع ، فحمدوك جاء بثقل شعبي وشرعية ثورية بينما كامل إدريس جاء بترشيح داخلي دون غطاء جماهيري أو سياسي . منصب بلا صلاحيات ورجل بلا مشروع ،،، العارفون بخفايا المشهد يعلمون أن كامل إدريس الذي سعى طويلاً لمنصب رئاسة الوزراء ولم يوفق وجد هذه المرة ضالته و فرصته الذهبية لنظام فاقد للشرعية ،فقبل المنصب دون تردد رغم إدراكه أنه سيكون مجرد 'محلل ' لواقع تهيمن عليه المؤسسة العسكرية ودولة الكيزان العميقة. ولم يمض وقت طويل حتى بدأت أولى مظاهر التمرد على صلاحياته إذ رفضت حركة العدل والمساواة أحد أطراف اتفاق جوبا ذات الصلاحية المنتهية التخلي عن وزارة المالية ما يؤكد أن القوى المتحالفة مع النظام العسكري ليست في وارد احترام شكل الدولة الجديدة ولا تعترف بسلطة رئيس وزراء منزوع الدسم. خطاب مهادن ومغازلة مفضوحة للكيزان ،، الخطاب الأول لكامل إدريس لم يكن فقط خالياً من موقف واضح تجاه الحرب بل حمل إشارات واضحة إلى مهادنة الإسلامويين، عبر الإشادة بالقوات والمليشيات التي تقاتل إلى جانب الجيش ، وكأنه يقول لهم 'أنا منكم وفيكم فاعتمدوا عليّ' تجاهل الحرب و التغاضي عن المأساة الإنسانية والانشغال بالرسائل السياسية ، كل ذلك يعكس أن الرجل لا يرى نفسه صاحب مشروع بل مجرد واجهة مطلوبة لتمرير أجندات أوسع ،، في الختام … لا بشريات ولا موقف من خطاب كامل إدريس ،، ما كان ينتظر من أول خطاب لرئيس وزراء جديد هو أن يطرح رؤية للخروج من الأزمة أو على الأقل موقفاً واضحاً من الحرب أو الدعوة لوقف القتال، أو عرض مبادرة وطنية جامعة. لكن ما سمعناه كان خطاباً فاترا باهتا، وظيفياً يفتقر لأي مضمون حقيقي ولا يُطمئن أي سوداني يتوق للسلام أو التغيير. بهذا الخطاب، يُمكن القول إن كامل إدريس بدأ مشواره السياسي الأخير برصيد سلبي وضع نفسه فيه طواعية، ولم يترك سوى خيبة أمل جديدة تضاف إلى رصيد طويل من الإخفاقات في المشهد السوداني،،،