logo

بوصوف يكتب: 'المُقدّس' في زمن الذكاء الاصطناعي…

ناظور سيتي٠٦-٠٥-٢٠٢٥

عبد الله بوصوف
كانت لحظة إعلان وفاة البابا فرانسيس الأول في 21 أبريل الماضي بمثابة إعلان عن انطلاق ترتيبات مرحلة جديدة للكنيسة الكاثوليكية، إذ لم تتوقف الآلة الإعلامية عن إنتاج وتسويق تحاليل وتقارير عن إرث البابا فرانسيس الأول، المشهود له بميله لقضايا السلام والدفاع عن الفقراء والمهاجرين، وحوار الأديان، خاصة مع الإسلام، وكلنا يتذكر زيارته التاريخية لمملكة أمير المؤمنين محمد السادس في مارس من سنة 2020.
لقد أسهب البعض في تفكيك معادلات تركة البابا على مستوى دوره في العلاقات الدولية والمعادلات الجيوسياسية والحقوقية. وتطرّق البعض إلى الملفات الساخنة التي فتحها البابا بكل جرأة، خاصة داخل الكنيسة، وهي ملفات مالية وأخلاقية، وكذا أدواره القوية، سواء في موجة الهجرة الجماعية لسنة 2015، حين نقل حوالي 12 مهاجرًا غير قانوني من إحدى جزر اليونان إلى إيطاليا عبر الطائرة، أو في إدارة جائحة كوفيد-19 وآرائه حول الحرب في أوكرانيا وغزة/فلسطين.
فيما تناول البعض الآخر، بكثير من العمق والتحليل، مدى تأثير كل هذا التراكم على مجريات 'الكونكلاف' المزمع عقده يوم السابع من شهر ماي الجاري، واعتكاف حوالي 133 كاردينالًا لتعيين البابا الجديد بصعود الدخان الأبيض.
لكن هناك شيء آخر لا يقل أهمية عن تعيين بابا جديد يقود حوالي 1.4 مليار مسيحي في كل أرجاء العالم من طرف 133 كاردينالًا كناخبين كبار، إذ يتوقع المتابعون أن يكون هذا 'الكونكلاف' هو الأكثر متابعة في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية بفضل الثورة التكنولوجية والرقمية.
الشيء الآخر الذي عشناه يوم جنازة البابا فرانسيس الأول في 26 من أبريل لم يكن مراسيم دفن رجل دين يقود الكنيسة الكاثوليكية فقط، بل كان التزامًا حرفيًا وقويًا بكل التفاصيل المرافقة لهذا الحدث التاريخي منذ لحظة إعلان الوفاة إلى يوم تنظيم الجنازة.
لقد شهد العالم مراسيم الجنازة الأهم في ساحة القديس بطرس بروما، بحضور 200 ألف فرد، منهم 12 ملكًا و55 رئيس دولة ورؤساء حكومات، إضافة إلى الحجاج والمواطنين.
لم نكن أمام مشهد سينمائي أو سردية سريالية، بل كنا وسط معمعان حقيقي وصراع غير معلن بين إعادة إنتاج طقوس وعادات تمتد لأكثر من 2000 سنة من جهة، والثورة الرقمية والجيل الخامس في الاتصالات، وجيل الذكاء الاصطناعي من جهة أخرى.
في مشهد رهيب يغلب عليه الصمت والسواد، أُعيدت طقوس ورموز دينية محفورة في الذاكرة الجماعية لمؤمني الكنيسة الكاثوليكية. ففي كل خطوة كانت هناك دلالة، وفي كل حركة كان هناك معنى وإسقاط تاريخي. وكل الأغاني والأشعار أُدّيت باللغات القديمة واللاتينية.
لقد عشنا فصلًا جديدًا من الصراع الخفي بين مكونات تيارات العالم الرقمي والهويات الافتراضية والذكاء الاصطناعي، التي لم تستطع هزم تيارات 'المقدّس' لدى الإنسان، ولم تستطع هزم أصالته وعراقته أو فصله عن جذوره، لأن كل هذا يقفز عن معادلات المنطق أو نتائج التطور وسرعة الصوت، ولأنها ببساطة تشكّل مشتركه الإنساني مع بني جلدته و'قبيلة انتمائه'.
وهو مشهد مألوف عند الأمم والشعوب التي لها تاريخ حضاري وتراث إنساني كبير. إذ عشنا نفس السيناريو وبنفس أدوات الصراع غير المعلن، خلال لحظة تتويج الملك تشارلز الثالث في شهر ماي من سنة 2023 بعد وفاة الملكة إليزابيث الثانية. العنوان الكبير هو طقوس وعادات، وإعادة إنتاج مراسم تمتد لقرون عديدة، صمدت أمام كل شعارات التطور التكنولوجي والرقمي.
كانت لحظات تتويج الملك تشارلز الثالث رسائل امتداد لملوك حكموا المملكة المتحدة التي لا تغيب عنها الشمس، بحضور تاج القديس إدوارد، كأقدم التيجان، صُنع في المملكة سنة 1661، وكُرّس التتويج بعمر 700 سنة، مع طقوس دهن الأساقفة ليد وصدر الملك بالزيت المقدس.
كل هذه الطقوس والعادات، بما فيها الملابس والموسيقى وترتيب الحضور، تشكل لحظات قوية في تاريخ بريطانيا وفي مخيال شعوبها، إذ بدونها قد تفقد الملكية في بريطانيا أحد أسباب امتدادها وجزءًا كبيرًا من شرعيتها، أي الشرعية التاريخية والحضارية والدينية.
وسيظل الصراع بين ثنائيات الخير والشر، والمقدّس والمدنّس، مادة للمفكرين والباحثين في العلوم الإنسانية والاجتماعية. وفي لحظات نعتقد فيها بانكسار المقدّس وقيم الخير والعادات والطقوس، تنبعث هذه الأخيرة بكل قوة من رماد الصراع، وتُعلن عن حياة ممكنة لتقاليد وطقوس شعوب عريقة كاليابان، والصين، والهند، وبريطانيا، وفرنسا، وإسبانيا، وإيطاليا، والمملكة المغربية، التي تتشبث بأصولها وحضارتها، غير آبهة بشعارات الثورة الرقمية… عندما يتعلق الأمر بالحفاظ على المقدسات والذاكرة التاريخية.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

في أول قداس له.. البابا الجديد يناشد العالم بوقف الحروب
في أول قداس له.. البابا الجديد يناشد العالم بوقف الحروب

لكم

time١١-٠٥-٢٠٢٥

  • لكم

في أول قداس له.. البابا الجديد يناشد العالم بوقف الحروب

ناشد البابا ليو الرابع عشر القوى العالمية الكبرى 'وقف الحروب'، في أول قداس له يوم الأحد أمام الحشود في ساحة القديس بطرس منذ انتخابه حبرا أعظم. ودعا البابا الجديد، الذي انتُخب في الثامن من ماي، إلى 'سلام حقيقي ودائم' في أوكرانيا ووقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح جميع الرهائن. كما رحب بوقف إطلاق النار الذي توصلت إليه الهند وباكستان ليلة السبت، وقال إنه يدعو الله أن يمنح العالم 'معجزة السلام'. وقال البابا 'لا لمزيد من الحرب!'، مكررا دعوة أطلقها سلفه البابا الراحل فرنسيس مرارا، ومشيرا إلى الذكرى الثمانين لنهاية الحرب العالمية الثانية التي أودت بحياة نحو 60 مليون شخص. وأشار البابا ليو إلى أن عالم اليوم يعيش 'سيناريو مأساويا لحرب عالمية ثالثة تدور رحاها على مراحل'، مكررا مرة أخرى عبارة صاغها فرنسيس. وقال البابا الجديد إنه يحمل في قلبه 'معاناة شعب أوكرانيا الحبيب'. ودعا إلى إجراء مفاوضات للتوصل إلى 'سلام حقيقي وعادل ودائم'. كما عبر عن 'حزنه العميق' إزاء الحرب في غزة، داعيا إلى وقف فوري لإطلاق النار وتقديم مساعدات إنسانية وإطلاق سراح الرهائن المتبقين لدى حماس. وعبر البابا عن سعادته لسماع نبأ وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان، وعن أمله في أن تؤدي المفاوضات إلى اتفاق دائم بين الجارتين المسلحتين نوويا. وقال 'لكن هناك الكثير من الصراعات الأخرى في العالم!'.

رئيس اتحاد المسيحيين المغاربة يهنئ البابا ليون الرابع عشر بعد انتخابه بالإجماع
رئيس اتحاد المسيحيين المغاربة يهنئ البابا ليون الرابع عشر بعد انتخابه بالإجماع

أخبارنا

time٠٩-٠٥-٢٠٢٥

  • أخبارنا

رئيس اتحاد المسيحيين المغاربة يهنئ البابا ليون الرابع عشر بعد انتخابه بالإجماع

في لحظة وُصفت بالتاريخية، ومع إعلان الكنيسة الكاثوليكية عن انتخاب البابا الجديد، تقدم رئيس اتحاد المسيحيين المغاربة، القس آدم الرباطي، بخالص التهاني وأصدق عبارات التبريك لقداسة البابا ليو الرابع عشر، الذي اعتلى سدة الفاتيكان بعد انتخابه بالإجماع من قبل الكرادلة المجتمعين في الكونكلاف المقدس. وأعرب القس الرباطي، في رسالة تهنئة رسمية، عن الأمل في أن يوفق الله البابا الجديد في مهامه الروحية والإنسانية، قائلًا: "نصلي أن يمنح الله البابا ليو الرابع عشر روح الحكمة والمحبة، ليقود الكنيسة الكاثوليكية في جميع دروب الخدمة، وتحقيق السلام، ودعم كرامة الإنسان في كل مكان". وأضاف الرباطي أن انتخاب بابا جديد ليس حدثًا دينيًا يهم أتباع الكنيسة الكاثوليكية فقط، بل هو أيضًا لحظة تنويرية تعني كل المؤمنين حول العالم، لما للكنيسة من دور روحي وأخلاقي يمتد خارج أسوار الفاتيكان. وفي السياق ذاته، عبّر اتحاد المسيحيين المغاربة عن اعتزازه بالعلاقات الأخوية التي تربط بين الكنائس والمؤسسات الدينية، مؤكدًا على أهمية التواصل الروحي والانفتاح بين مختلف مكونات النسيج الديني العالمي، ومشيدًا بما تمثله شخصية البابا الجديد من قيم الاعتدال والحكمة، والدعوة إلى الحوار والتسامح. ويأتي انتخاب ليو الرابع عشر، وهو الاسم البابوي الذي اختاره الكاردينال الأمريكي روبرت فرانسيس بريفوست، بعد تصويت جرى داخل كنيسة سيستين الشهيرة، حيث اجتمع 133 كاردينالًا من شتى بقاع الأرض في مجمع انتخابي مغلق، وفقًا للتقاليد الراسخة للكنيسة الكاثوليكية. وحصل بريفوست على غالبية الثلثين، ما مهّد الطريق أمام الإعلان الرسمي من شرفة كاتدرائية القديس بطرس بصيحة "Habemus Papam"، أي "لدينا بابا"، وهو الإعلان الذي يتردد صداه في قلوب الملايين من المؤمنين، الذين ينتظرون كل مرة إشراقة روحية جديدة من قلب الفاتيكان. ويختم اتحاد المسيحيين المغاربة، الذي يتخذ من الرباط مقرًا له، تهنئته بالدعاء أن تكون ولاية البابا الجديد عنوانًا لمرحلة جديدة من السلام العالمي، والتقارب بين الأديان، وترسيخ القيم الإنسانية التي تجمع ولا تفرق، وتبني ولا تهدم، مجددًا التزامه كهيئة دينية وطنية بالمساهمة في نشر المحبة والوئام بين بني البشر، في مغرب التنوع والتعايش.

من يكون "ليو 14" البابا الجديد للفاتيكان؟
من يكون "ليو 14" البابا الجديد للفاتيكان؟

أخبارنا

time٠٩-٠٥-٢٠٢٥

  • أخبارنا

من يكون "ليو 14" البابا الجديد للفاتيكان؟

في لحظة فارقة من تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، انتُخب الكاردينال الأمريكي روبرت فرانسيس بريفوست بابا جديدًا خلفًا للبابا الراحل فرنسيس، ليصبح بذلك أول أمريكي يعتلي كرسي البابوية على الإطلاق، والبابا رقم 267 في تاريخ الفاتيكان، بعد أن حظي بثقة 133 كاردينالًا من 70 دولة. وقد اختار اسم "ليون الرابع عشر" ليقود به الكنيسة الكاثوليكية نحو مرحلة جديدة، مليئة بالتحديات السياسية والاجتماعية والروحية. البابا الجديد، البالغ من العمر 69 عامًا، وُلد يوم 14 شتنبر 1955 في مدينة شيكاغو بالولايات المتحدة الأمريكية، وينحدر من أصول فرنسية وإيطالية وإسبانية. مسيرته العلمية بدأت بدراسة الرياضيات والفلسفة، قبل أن ينخرط في سلك الرهبنة، ويصبح عضوًا بارزًا في رهبنة القديس أوغسطين، ويُنتخب رئيسًا عامًا لها سنة 2001، وهو المنصب الذي شغله حتى سنة 2013. لكن أبرز محطات مساره، حسب المتابعين، تبلورت في أمريكا اللاتينية، حيث عمل مبشرًا في بيرو لسنوات طويلة، وخدم لاحقًا كأسقف لمدينة شيكلايو منذ 2014، قبل أن يستدعيه البابا فرنسيس إلى الفاتيكان سنة 2023 ليشغل منصب رئيس دائرة الأساقفة، وهي تجربة منحته قربًا مؤسساتيًا وروحيًا من قضايا الكنيسة عبر العالم، وخصوصًا الجنوب العالمي. من على شرفة كاتدرائية القديس بطرس، وجه البابا ليون الرابع عشر أول نداء له إلى شعوب العالم، دعا فيه إلى السلام وبناء الجسور، مشددًا على أن "الإنجيل ليس دعوة إلى العزلة، بل إلى الحوار والتقارب". واقتبس من القديس أوغسطين جملة لافتة: "من أجلكم، أنا أسقف؛ ومعكم، أنا مسيحي"، في إشارة رمزية إلى التواضع والاقتراب من الناس، بعيدًا عن هالة السلطة الدينية. في موقف لافت أثار انتباه وسائل الإعلام، رد البابا الجديد، عبر تدوينة سابقة، على نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس، الذي قال إنه "يرتب محبته حسب الأولويات، واضعًا عائلته أولًا وباقي العالم أخيرًا"، مؤكدًا أن المسيحية لا تدعو إلى التدرج في المحبة، بل إلى الانفتاح الكلي على الجميع. ورغم الاستبشار الكبير بانتخابه، إلا أن البابا الجديد يواجه تحديات ثقيلة. فقد سلطت صحيفة "نيويورك تايمز" الضوء على اتهامات طالته بعدم دعمه الكافي لضحايا اعتداءات جنسية ارتكبها كاهنان في أبرشية شيكلايو، عندما كان مسؤولًا عنها، وهي قضية يُرتقب أن تعود للواجهة. كما أشار تقرير حديث إلى تحفظه النسبي بشأن قضايا LGBTQIA+، وهو ما يثير تباينات داخل أوساط الكرادلة والمجتمع الكاثوليكي، خاصة في ظل التحولات الثقافية والاجتماعية العميقة التي تعيشها الكنيسة. يبقى انتخاب بابا من الولايات المتحدة تطورًا لافتًا في معادلة القوى داخل الكنيسة، وقد يكون رسالة ضمنية إلى أهمية الحضور الأمريكي – اللاتيني في قلب القرار الكنسي، في عالم يزداد انقسامًا بين شمال غني وجنوب يعاني، وبين خطاب ديني منفتح وآخر أكثر محافظة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store