
التحالف السعودي الأمريكي.. شراكة استراتيجية تتجاوز الزمن
خاص – الوئام
في عالم تتغير فيه موازين القوى وتتعاظم فيه الأزمات الإقليمية والدولية، تظل العلاقة بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية واحدة من أكثر التحالفات ثباتًا وتأثيرًا في التاريخ الحديث.
ليست مجرد علاقة ثنائية بين دولتين، بل شراكة استراتيجية أعادت تشكيل الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط، وأسست لتحالف تجاوز حدود الاقتصاد والدفاع، ليغدو ركيزة من ركائز الاستقرار العالمي.
فمن لقاء الملك عبدالعزيز آل سعود بالرئيس الأمريكي في أعقاب الحرب العالمية الثانية، إلى الحوارات الرفيعة في عصر الرؤى والتحولات الكبرى، أثبتت هذه العلاقة قدرتها على التكيف، واحتفاظها بمكانتها في صلب توازنات القوى الدولية.
بداية العلاقات التاريخية
بدأت العلاقات السعودية الأمريكية رسميًا في عام 1933 بتوقيع أول اتفاقية تعاون، معلنة ولادة شراكة دولية غير تقليدية.
سرعان ما تعززت هذه العلاقة بلقاء تاريخي جمع الملك عبدالعزيز آل سعود والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت على متن السفينة الحربية الأمريكية 'يو إس إس كوينسي' عام 1945.
هذا اللقاء لم يكن مجرد لقاء دبلوماسي، بل شكل نواة لتحالف استراتيجي طويل الأمد، ارتكز على الثقة المتبادلة والتكامل في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية.
تحالف يتجدد عبر الأجيال
على مدار تسعة عقود، حافظت الرياض وواشنطن على خيوط متينة من التنسيق السياسي والاقتصادي، تعززت من خلال زيارات متبادلة بين قادة البلدين. ففي عام 2015، زار الملك سلمان بن عبدالعزيز واشنطن، مؤكدًا التزام المملكة بالشراكة مع الولايات المتحدة.
وفي عام 2017، قاد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان دفعة جديدة في العلاقات عبر زيارته لواشنطن ولقائه بالرئيس الأمريكي دونالد ترمب خلال ولايته الأولى، حيث تم الاتفاق على توسيع التعاون في مجالات الدفاع والاستثمار والسياسة الإقليمية.
رؤى موحدة
شهدت قمة الرياض في مايو 2017 توقيع إعلان الرؤية الاستراتيجية المشتركة بين البلدين، إلى جانب اتفاقيات اقتصادية ضخمة تجاوزت قيمتها 280 مليار دولار، عززت التوجه نحو توطين التقنية وخلق فرص العمل.
كما أُطلق في نفس القمة مركز 'اعتدال' العالمي لمكافحة الفكر المتطرف، إلى جانب قمتي الخليج العربي والولايات المتحدة، والقمة العربية الإسلامية الأمريكية، ما أكد الدور الريادي للرياض وواشنطن في التصدي للإرهاب.
دعم متواصل لرؤية 2030
عادت العلاقات لتتجدد بزخم أكبر خلال زيارة ولي العهد لواشنطن في مارس 2018، حيث ناقش الجانبان فرص التنسيق في إطار 'رؤية السعودية 2030″، بما في ذلك تنويع الاقتصاد وتوسيع الشراكات في مجالات الدفاع والتكنولوجيا والتعليم.
وفي يوليو 2022، زار الرئيس الأمريكي جو بايدن المملكة والتقى بالعاهل السعودي الملك سلمان وولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، حيث ناقشوا سبل تعزيز استقرار المنطقة والتعاون في الطاقة والمناخ.
التكامل الاقتصادي
بحلول عام 2024، بلغ حجم التبادل التجاري بين السعودية والولايات المتحدة نحو 32 مليار دولار، فيما وصلت الصادرات السعودية إلى 13 مليار دولار، معظمها من المعادن والكيماويات والأسمدة، في حين بلغت الواردات الأمريكية 19 مليار دولار، شملت المعدات الصناعية والمركبات والأدوات الطبية.
كما بلغ حجم الاستثمارات الأمريكية المباشرة في المملكة 15.3 مليار دولار، مما يعكس الثقة المستمرة في بيئة الأعمال السعودية المتجددة.
آفاق جديدة في الطاقة النظيفة
في سبتمبر 2023، وقع البلدان مذكرة تفاهم لإنشاء ممرات خضراء عابرة للقارات لنقل الطاقة المتجددة والهيدروجين النظيف، عبر الكابلات والأنابيب وشبكات الألياف البصرية، في خطوة تعزز أمن الطاقة العالمي وترسخ التحول نحو الاقتصاد الأخضر.
وتسعى السعودية لتكون من كبار مصدري الهيدروجين النظيف بحلول 2030، وهو هدف يتلاقى مع المصالح الأميركية في الابتكار الطاقي والمناخي.
الأمن والدفاع والفضاء
استمرت الشراكة الدفاعية بين البلدين في التوسع عبر خطط تحديث عسكري واتفاقيات تصنيع مشترك، من بينها إنتاج مروحيات 'بلاك هوك' داخل المملكة.
أما في مجال الفضاء، فقد وُقعت اتفاقيات تعاون استراتيجي في 2023 و2024 لتعزيز الاستكشاف السلمي والتعاون البحثي والتجاري في علوم الأرض والملاحة والتكنولوجيا الفضائية.
التعليم والتبادل الثقافي
وقّع البلدان مذكرة تفاهم جديدة في 2024 لتعزيز التعاون الأكاديمي والبحث العلمي، مع وجود أكثر من 14,800 طالب سعودي يدرسون في الجامعات الأمريكية عام 2025، ضمن إرث تعليمي شمل أكثر من نصف مليون طالب سعودي منذ 2006.
في السياق الثقافي، توسعت برامج التبادل في مجالات السينما والموسيقى والفنون البصرية، مع مشاركة فاعلة للفنانين من البلدين في المهرجانات والفعاليات.
الحضور الأمريكي في المملكة
يعيش آلاف الأمريكيين في السعودية، يساهمون في قطاعات الأعمال والتعليم والبحث العلمي، بينما يُمثل افتتاح غرفة التجارة الأمريكية بالرياض عام 2021 مؤشرًا واضحًا على ثقة القطاع الخاص الأمريكي في فرص الاستثمار داخل المملكة.
وتواصل الشركات الأمريكية المساهمة في مشاريع التنمية، لا سيما في قطاعات التقنية والطاقة والصحة.
تحالف يستشرف المستقبل
في نوفمبر 2024، هنأ قادة المملكة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب على فوزه، فيما تبادل ولي العهد والرئيس الأمريكي الاتصالات الرسمية مطلع 2025 لمناقشة توسيع آفاق السلام في الشرق الأوسط، وتعزيز التعاون الأمني والاستثماري.
وفي خطوة لافتة، استضافت المملكة جولات حوار هادئة بين واشنطن وموسكو في مطلع عام 2025، تأكيدًا على دورها المحوري في حفظ التوازن الدولي.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

سودارس
منذ ساعة واحدة
- سودارس
تكنولوجيا فضائية صاروخية.. ترامب يكشف تفاصيل "القبة الذهبية"
وفي كلمة له خلال مؤتمر صحفي في البيت الأبيض، قال ترامب إن مشروع "القبة الذهبية" يأتي بتكلفة إجمالية تُقدّر ب175 مليار دولار، مشيرًا إلى أن مشروع القانون المقترح في الكونغرس سيتضمن تخصيص 25 مليار دولار كتمويل مباشر للمنظومة. وأكد ترامب أن المنظومة الجديدة ستعتمد على "تكنولوجيا فضائية لاعتراض التهديدات" وأنه تم اختيار الهيكل المعماري المناسب لتنفيذ المشروع. وأضاف أن "التكنولوجيا الأميركية تفوق في تطورها نظيرتها الإسرائيلية"، مع الإشارة إلى أن الولايات المتحدة"قدّمت دعمًا كبيرًا لتطوير نظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي". وأعلن الرئيس الأميركي أن الجنرال مايكل غوتلاين، أحد كبار قادة قوات الفضاء الأميركية، سيتولى قيادة مشروع "القبة الذهبية"، المنظومة الدفاعية الجديدة التي تطورها الولايات المتحدة بهدف توفير حماية شاملة من التهديدات الصاروخية، بما في ذلك الصواريخ الباليستية والفرط صوتية وصواريخ كروز المتقدمة. وأكد ترامب أن كندا تواصلت مع واشنطن وأبدت رغبتها في الانضمام إلى المشروع، قائلاً: "يريدون الحماية أيضًا، وكما هو معتاد، نحن نساعد كندا." وأوضح ترامب أن تصميم "القبة الذهبية" سيتكامل مع قدرات الدفاع الحالية، مضيفًا: "المنظومة ستكون قادرة على اعتراض الصواريخ حتى لو أُطلقت من أقصى بقاع الأرض، أو حتى من الفضاء. سيكون لدينا أفضل نظام على الإطلاق." وأشار الرئيس الأميركي إلى أن المشروع يمثل نقلة نوعية في قدرات الردع الدفاعي الأميركي، مؤكدًا أن "القبة الذهبية" ستمنح الولايات المتحدة وحلفاءها مظلة حماية متقدمة ضد أي تهديدات استراتيجية مستقبلية. وقال إن كل شيء في "القبة الذهبية" سيكون مصنوعا في أميركا. واختتم الرئيس الأميركي تصريحاته بالتأكيد على أن المشروع يمثل "قفزة استراتيجية في قدرات الدفاع الصاروخي الأميركي والعالمي". سكاي نيوز script type="text/javascript"="async" src=" defer data-deferred="1" إنضم لقناة النيلين على واتساب مواضيع مهمة ركوب الخيل لا يناسب الجميع؟ أيهما أصعب تربية الأولاد أم البنات؟ جسر الأسنان هل تعقيم اليدين مفيد؟ الكركم والالتهابات أفضل زيوت ترطيب البشرة


صدى الالكترونية
منذ ساعة واحدة
- صدى الالكترونية
ترامب يعلن بناء القبة الذهبية لحماية أمريكا.. فيديو
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الثلاثاء، عن رؤيته المقترحة لبرنامج 'القبة الذهبية' الدفاعي الصاروخي. وتبلغ تكلفة برنامج 'القبة الذهبية'، 175 مليار دولار، ويُعد الأول من نوعه الذي يتضمن نشر أسلحة أمريكية في الفضاء. وتتضمن الرؤية المقترحة لمنظومة 'القبة الذهبية' قدرات أرضية وفضائية يمكنها رصد واعتراض الصواريخ في المراحل الأربع الرئيسية لهجوم محتمل، بدءا من اكتشافها وتدميرها قبل الإطلاق، ثم اعتراضها في مراحلها الأولى بعد الإطلاق، مرورا بمرحلة التحليق في الجو، وانتهاء بالمرحلة النهائية أثناء اقترابها من الهدف.


Independent عربية
منذ 5 ساعات
- Independent عربية
روبيو: أميركا لا تسعى للانعزال عن العالم
قال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أمس الثلاثاء إن الولايات المتحدة لا تسعى إلى الانعزال عن العالم رافضا انتقادات زملائه السابقين في الكونغرس بشأن تخفيض ميزانيات المساعدات الخارجية والدبلوماسية الذين عبر بعضهم عن الندم على الموافقة على توليه المنصب لعدم وقوفه في وجه الرئيس دونالد ترمب. وواجه روبيو أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ تحديات بشأن دوره في حملة تشنها إدارة ترمب على الهجرة وتواصل الرئيس الأميركي مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين وقراره إعطاء الأولوية لتوطين البيض من جنوب أفريقيا في الولايات المتحدة على حساب اللاجئين من أماكن أخرى. وقال روبيو إن الهدف من التغييرات التي يشرف عليها "ليس تفكيك السياسة الخارجية الأميركية، وليس انسحابنا من العالم"، مشيراً إلى زياراته الخارجية منذ توليه منصبه. وأضاف "زرت 18 دولة في 18 أسبوعاً. لا يبدو ذلك انسحاباً". ومنعت إدارة ترمب قبول اللاجئين، ومعظمهم من غير البيض، من بقية العالم لكنها بدأت في إعادة توطين المنحدرين من مستوطنين هولنديين في جنوب أفريقيا، قائلة إنهم واجهوا تمييزاً و"إبادة جماعية". وتنفي حكومة جنوب أفريقيا مزاعم "الإبادة الجماعية". وقال السيناتور الديمقراطي كريس فان هولين من ولاية ماريلاند في نقد لاذع لتراجع روبيو عن قضايا تبناها حينما كان في مجلس الشيوخ "بينما تجاهلتم إبادة جماعية في السودان واخترعتم أخرى في جنوب أفريقيا، تعاونت مع الرئيس ترمب لإسقاط الشعب الأوكراني وتعرضتم للتلاعب من قبل فلاديمير بوتين". وقال روبيو إن بوتين لم يتلق أي تنازلات حقيقية في إطار الجهود الأميركية لبدء محادثات لإنهاء الحرب في أوكرانيا وإن العقوبات المفروضة على روسيا لا تزال سارية. وأبلغ روبيو اللجنة الثلاثاء أن طلب الميزانية البالغ 28.5 مليار دولار الذي قدمته إدارة ترمب للسنة المالية 2025-2026 سيسمح لوزارة الخارجية بمواصلة تنفيذ رؤية الرئيس. أسئلة صعبة في جلسة الاستماع واجه روبيو أسئلة صعبة حول تقليص المساعدات الخارجية، إذ كان من أشد المؤيدين للمساعدات خلال 14 عاماً قضاها في مجلس الشيوخ، بالتزامن مع تقليص عدد موظفي وزارة الخارجية والوكالة الأميركية للتنمية، اللتين كانتا تنفقان ما يقارب 40 مليار دولار سنوياً. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ووجه أعضاء مجلس الشيوخ أسئلة لروبيو حول خطط ترمب لرفع العقوبات المفروضة على سوريا، ودور الوزير في حملة تشنها الإدارة على الهجرة، وكذلك تقديم المساعدات الإنسانية للفلسطينيين في غزة، والجهود المبذولة لإنهاء الحرب في أوكرانيا. وقال روبيو إن وزارة الخارجية ستسمح لموظفيها في تركيا، بمن فيهم السفير، بالعمل مع المسؤولين في سوريا لتحديد نوع المساعدة التي يحتاجونها. وقاطع محتجون روبيو وهو يدلي بتعليقاته وهتفوا قائلين "أوقفوا الإبادة الجماعية"، وذلك قبل أن تخرجهم الشرطة من القاعة. الخروج من غزة رحب روبيو بقرار إسرائيل السماح بدخول بعض المساعدات الإنسانية إلى غزة بعد حصار دام أسابيع، وقال إنه يرى أن تصرفات إسرائيل في القطاع تستهدف مقاتلي حركة "حماس". وأضاف روبيو أن واشنطن سألت دولاً في المنطقة عما إذا كانت منفتحة على قبول الفلسطينيين من غزة الراغبين في الانتقال طواعية، على الرغم من نفيه تقارير تحدثت عن محادثات مع ليبيا لاستقبال سكان غزة. وأشاد الجمهوريون في مجلس الشيوخ بروبيو الذي أصبح شخصية محورية في إدارة ترمب حيث يشغل حالياً أيضاً منصب القائم بأعمال مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي ومسؤول الوكالة الأميركية للتنمية. وروبيو هو أول مسؤول أميركي منذ هنري كيسنجر في سبعينيات القرن الماضي يشغل منصبي وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي في الوقت نفسه. وقال ترمب في وقت سابق من الشهر الجاري "حينما أواجه مشكلة أتصل بماركو. وهو من يحلها". ومن المقرر أن يدلي روبيو بشهادته اليوم الأربعاء أمام لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب في الساعة العاشرة صباحاً بتوقيت شرق الولايات المتحدة (1400 بتوقيت غرينتش).