
مَن سيخلف فرنسيس؟
مع رحيل البابا فرنسيس، تستعد الكنيسة الكاثوليكية لدخول واحدة من أكثر اللحظات حساسية وغموضاً في تقاليدها: انعقاد مجمع الكرادلة لاختيار البابا الجديد. هذه المرة، تبدو الكفة مائلة بوضوح نحو التيار الذي مثّله البابا فرنسيس طيلة اثني عشر عاماً من حبريته، لكن كما في كل مرة، تبقى المفاجآت واردة.
حتى لحظة وفاته، بلغ عدد الكرادلة المؤهلين للمشاركة في المجمع الانتخابي 135 كاردينالًا، وهم من لم يتجاوزوا سن الثمانين عاماً. لكنّ اثنين منهم—أنطونيو كاينيثاريس من إسبانيا وفينكو بوليتش من البوسنة—أعلنا انسحابهما لأسباب صحية، ليصبح العدد الفعلي 133 كاردينالًا.
توازنات دقيقة: كيف يصنع البابا خليفته؟
عملية انتخاب البابا ليست مجرّد اقتراع ديني، بل لعبة توازنات دقيقة يساهم فيها البابا الراحل بنفسه، عبر من اختارهم ليكونوا كرادلة. فالمجمع الانتخابي لا يتكوّن تلقائياً، بل يُشكَّل على مدى سنوات من التعيينات البابوية، التي تأخذ في الاعتبار عدة عوامل: من القرب الفكري من البابا، إلى التوزيع الجغرافي، والتوجهات والتيارات اللاهوتية والاجتماعية.
البابا فرنسيس، وخلال اثني عشر عاماً، تمكن من تعيين 108 كرادلة من أصل 135، أي ما نسبته حوالي 80%، وهو ما يمنحه تأثيراً كبيراً على شكل القرار المقبل. أما الكرادلة المتبقون، فعيّن بنديكتوس السادس عشر 22 منهم، ويوحنا بولس الثاني 5 فقط. وهكذا، تتكرّر القاعدة التي تقول إن البابا الذي يُعمّر طويلاً، يختار، عملياً، خليفته.
لكن لا شيء مضموناً. فالمجمع الانتخابي لا يسير وفق أهواء البابا السابق بالكامل. فحتى الكرادلة الذين عيّنهم فرنسيس، يمكن أن يختاروا شخصية من التيار المحافظ، بحسب اعتبارات أخرى: كالحاجة إلى شخصية انتقالية، أو مراعاة السن، أو الموقع الجغرافي، أو حتى الخبرات الخاصة للمرشحين.
أغلبية تقدمية... ومسارات جديدة
المرجّح أن المجمع الانتخابي المقبل سيحمل نَفَساً تقدمياً أقوى من ذي قبل. فوفق مجلة America التابعة للرهبنة اليسوعية التي ينتمي إليها فرنسيس نفسه، فإن البابا الراحل اختار تجاهل المراكز التقليدية الكبرى في أوروبا وأميركا الشمالية—مثل ميلانو، البندقية، لوس أنجلوس—مفضّلًا أساقفة غير اعتياديين من الجزائر وساحل العاج وإيران والبرازيل.
نتيجة لذلك، ولأول مرة في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، ستكون الأغلبية في المجمع الانتخابي من خارج أوروبا. فعندما انتُخب البابا بيوس الثاني عشر عام 1939، كان 1 من كل 10 كرادلة فقط غير أوروبي. أما اليوم، فالنسبة انقلبت تماماً.
اختيارات فرنسيس لم تقتصر على الجغرافيا، بل شملت أيضاً جيلًا جديداً من الكرادلة: أصغرهم هو الأسترالي الأوكراني Mykola Byčok، البالغ من العمر 45 عاماً. ومتوسط أعمار المشاركين لا يتجاوز 62 عاماً، ما يضمن اعطاء أطول عمر ممكن لتيّاره الفكريّ.
فرص وتحديات
السوابق التاريخية تؤكد أن من يملك الأغلبية في المجمع الانتخابي، يستطيع توجيه النتيجة. ففي 2005، كان يوحنا بولس الثاني قد عيّن 113 من أصل 115 كاردينالًا، ما مهّد الطريق لانتخاب خليفته بنديكتوس السادس عشر وقد اعتبر حينها، بسبب عمره المتقدم، أنه تم انتخابه لمرحلة انتقالية. أما فرنسيس، فقد انتُخب في 2013 رغم كونه أقل حضوراً في التوقعات، ما يؤكد أن العامل الجغرافي والديناميكية الداخلية تلعب دوراً محورياً في اللحظة الأخيرة.
اليوم، التحدي أمام الكرادلة لا يتعلق فقط باختيار شخصية تحمل هموم الكنيسة الكاثوليكية، بل أيضاً بمن يستطيع أن يرث نهج فرنسيس. فهل يشهد العالم ولادة بابا جديد يسير على درب الإصلاح، أم يعود المجمع إلى اختيار أكثر تحفظاً؟ الإجابة ستُحسم خلف جدران كنيسة سيستينا، في لحظة صمت طويلة لا يعرف سرّها إلا الكرادلة الـ133 وحدهم.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

القناة الثالثة والعشرون
منذ 8 ساعات
- القناة الثالثة والعشرون
سوريا.. 8 ملايين مواطن كانوا مطلوبين من أجهزة نظام الأسد
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب... انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب... أعلنت وزارة الداخلية السورية، السبت، أن أكثر من ثمانية مليون شخص، أي ما يقارب نحو ثلث الشعب السوري، كانوا مطلوبين من قبل أجهزة المخابرات والأمن التابعة للحكم السابق. وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية نور الدين البابا خلال مؤتمر صحافي في دمشق إن "عدد المطلوبين تقريبا من النظام البائد لاسباب سياسية تجاوز ثمانية ملايين مطلوب". وأضاف: "نتحدث تقريبا عن أن لدى ثلث الشعب السوري قيود مطلوب فيها أمنيا عند مخابرات وأجهزة النظام البائد القمعية". تطرق البابا إلى أبرز التغييرات في الهيكلية التنظيمية للوزارة، مؤكدا العمل على إعادة حوكمة الإجراءات وأتمتة المعلومات وتجهيز بطاقات شخصية بهوية بصرية جديدة تواكب الجديدة، على حد قوله. وأعلن عن دمج جهازي الشرطة والأمن العام في جهاز واحد تحت مسمى قيادة الأمن الداخلي في دمشق، ويرأسه قائد واحد هو وزير الداخلية، وتتبع له عدة مديريات في مختلف المناطق التابعة للعاصمة دمشق. وأفاد بأنه سيتم استحداث عدة إدارات لمتابعة الشكاوى بحق أجهزة الأمن وتأسيس إدارة خاصة للسجون والإصلاحيات، وإدارة حرس للحدود لتأمين سلامة حدود البلاد البرية والبحرية ومكافحة الأنشطة غير القانونية، وكذلك استحداث أكاديمية للعلوم الأمنية والشرطية. وأكد المتحدث باسم الداخلية السورية أنه سيتم إنشاء إدارة مهام خاصة تتألف من وحدات ذات تدريب عال لمواجهة مخاطر أحداث الشغب وعمليات احتجاز ، إضافة إلى استحداث إدارة الشرطة السياحية لتأمين المواقع السياحية وزوارها. انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News


LBCI
منذ 2 أيام
- LBCI
ميقاتي أبرق إلى البابا لاوون الرابع عشر مهنئًا: إلتزامكم الراسخ بالسلام والعدالة مصدر إلهام لكل من يسعى إلى الوئام والتعايش
وجه رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي برقية تهنئة الى قداسة البابا لاوون الرابع عشر. وجاء فيها: "ببالغ الاحترام والاعجاب، أتقدم بأحر التهاني على تنصيب قداستكم على رأس الكنيسة الكاثوليكية. لطالما ارتبط لبنان، أرض التراث الروحي الغني ومزيج الطوائف الدينية، بعلاقته الراسخة مع الكرسي الرسولي. إن انتخابكم، الذي يحمل الأمل والتجدد لملايين البشر حول العالم، يلقى صدىً عميقًا لدى الشعب اللبناني، ولا سيما إخواننا المسيحيين، الذين ينظرون إلى الفاتيكان كمنارة للإيمان والقيادة الروحية. في ظل هذه التحديات العالمية والتعقيدات الإقليمية، ندعو الله أن تتسم بابويتكم بالحكمة والرحمة، وأن تعزز الحوار بين المسيحيين والمسلمين. إن التزامكم الراسخ بالسلام والعدالة وكرامة كل إنسان هو مصدر إلهام لكل من يسعى إلى الوئام والتعايش. بالنيابة عن نفسي، وبالمشاعر الصادقة التي يتشاركها الكثيرون في لبنان، أؤكد لقداستكم استمرار صلواتنا من أجل صحتكم ورسالتكم والمسؤوليات المقدسة الموكلة إليكم. بارك الله في قيادتكم وسدد خطاكم في خدمة الإنسانية بتواضع وكرم".


الديار
منذ 2 أيام
- الديار
"الوفاء للمقاومة" هنأت بعيد المقاومة والتحرير: نحن على موعد مع جمهور الثنائي جنوبًا لتتويج الاستحقاق البلدي
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب عقدت كتلة "الوفاء للمقاومة" جلستها الدورية اليوم برئاسة النائب محمد رعد ومشاركة أعضائها، وتباحثت في عدد من القضايا السياسية والنيابية والبلدية وشؤون تتصل بلبنان وفلسطين والمنطقة. وأشارت "الكتلة" في بيان الى ان "عيد المقاومة والتحرير، يطل يوم الخامس والعشرين من أيار هذا العام، ليؤكد من جديد، بما لا يدع مجالا للشك، ان خيار المقاومة هو الذي أنبت هذه الشجرة الطيبة، وأثمر النصر بتحرير الأرض من رجس العدوان، وأعاد لوطننا لبنان معاني العزة والكرامة والسيادة والاستقلال بعد ان رزح تحت وطأة الاحتلال قرابة عقدين من الزمن. واليوم إذ ترزح أجزاء إضافية من الوطن تحت الاحتلال بعد العدوان الصهيوني الأخير والمستمر، وإزاء تقاعس المجتمع الدولي والجهات الضامنة عن القيام بواجباتهم بإلزام العدو الالتزام بمندرجات آلية التفاهم حول القرار 1701 وتنفيذ بنودها، فيما التزم لبنان تنفيذها كاملة، فإن الاتفاق نفسه يعطي لبنان واللبنانيين الحق في الدفاع عن أنفسهم وسيادتهم وأرضهم ويثبت من جديد حقانية وضرورة وجدوى المقاومة". اضاف البيان "إن الكتلة ولمناسبة عيد المقاومة والتحرير، تتوجه لشعبها المضحي بأسمى التهاني وأطيب التحايا بالنصر الذي حققته سواعد المجاهدين وتضحياتهم، وصبر وصمود أهلهم، كما تسأل الله الرحمة وعلو الدراجات للشهداء القادة والمجاهدين والتبريك لعوائلهم، وكذلك لعوائل الجرحى والأسرى المحررين، وتؤكد التزامها استمرار العمل على تحرير بقية الأسرى وكشف مصير المفقودين خلال الحرب العدوانية الأخيرة"، مؤكدة أنه "حفاظا على سيادة لبنان وتثبيتا لنهج تحريره من العدوان، فإنها تشدد على ضرورة رفض مشاريع الإذعان والتطبيع مع الاحتلال وأي محاولة أو صيغة لتبرير أو شرعنة اعتداءاته". وعن نتائج الانتخابات البلدية في البقاع وبيروت وجبل لبنان والشمال، عبرت الكتلة "عن إرتياحها واعتزازها بأهل المقاومة ومحبيها الذين اثبتوا عبر تفاعلهم الإيجابي مع الثنائي الوطني رسوخ خيارهم في خط دعمها وولائهم لها، وأبوا إلا أن يحولوا هذه المناسبة الإنمائية إلى محطة من محطات الولاء والوفاء والثبات على نهجها، وهذا ليس غريبا أبدا على أهل البقاع، ولا على أهلنا في بيروت وجبل لبنان والشمال". وعن انتخابات الجنوب، قالت الكتلة "نتطلع إلى أهلنا وكل المؤيدين والحلفاء للثنائي الوطني الذين سيسهمون في تتويج خاتمة هذا الاستحقاق البلدي بالفوز الذي يؤمل أن يشكل حصانة لجميع أبناء المنطقة ويعود عليهم بالخير لجهة إعادة إعمار قراهم وإنمائها". ودعت الكتلة المسؤولين اللبنانيين "إلى التحلي بالوعي والتبصر الكامل بمصلحة البلد وأهله بعيدا عن ضغوط الإدارة الأميركية، وما تريده إنفاذا لتعهدها الدائم والثابت لمصلحة العدو "الإسرائيلي" على حساب لبنان واللبنانيين. ونؤكد على ضرورة أن تضع الحكومة هذه الإدارة أمام مسؤولياتها في ضمان وقف إطلاق النار، وتحميلها مسؤوليّة استمرار العدو في احتلاله وانتهاكاته واغتيالاته اليومية، فضلا عن ضرورة إلزامه وقف اعتداءاته التي تمنع اللبنانيين من إعمار الاعمار". ورأت الكتلة "في مناسبة تنصيب البابا الجديد ليو الرابع عشر وتوليه مهامه سانحة أمل في أن يتمكن رأس الكنيسة الكاثوليكية في العالم من تأدية دورٍ ريادي ومؤثر لنصرة المظلومين والمستضعفين وخدمة الفقراء، وإشهار موقف الحق والعدل والمحبة، في زمن ملأه الاستبداد والطغيان الدولي والاحتلال الاستيطاني العنصري بالظلم والعدوان".