
الهجمات المباغتة.. ومسيَّرات المستقبل
في لحظة ما، خلال لقائهما المثير للجدل في البيت الأبيض، في 28 فبراير الماضي، لمناقشة الحرب في أوكرانيا، قال الرئيس دونالد ترامب للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي: «أنت لا تملك الأوراق الآن». فرد زيلينسكي: «أنا لا ألعب الورق».
لكن الزعيم الأوكراني كان حذِراً. كان لديه بعض الأوراق المخفية التي لم يُطلع ترامب عليها. وفي الأول من يونيو الماضي، شنّت أوكرانيا هجوماً مفاجئاً بطائرات مُسيّرة في عمق الأراضي الروسية، في بعض الحالات على بُعد آلاف الكيلومترات من حدودها. وشملت الأهداف قاذفات استراتيجية روسية استُخدمت لإطلاق صواريخ كروز على أهداف مدنية في أوكرانيا. وتم التخطيط للعملية بدقة متناهية على مدى أشهر عديدة، وشُبّهت بهجوم اليابان على الأسطول الأميركي في بيرل هاربور يوم 7 ديسمبر عام 1941 خلال الحرب العالمية الثانية. كان العنصر الأكثر جرأة في عملية «شبكة العنكبوت» هو قدرة أوكرانيا على وضع مئات الطائرات المسيّرة الصغيرة داخل حاويات مخفية في الغابات، على بُعد آلاف الكيلومترات داخل الأراضي الروسية، وبرمجتها لإطلاقها في وقت واحد ضد طائرات متوقفة في العراء في عدة قواعد عسكرية روسية. لم تكن هذه العملية ممكنةً لولا مشاركة عملاء موالين لأوكرانيا يعملون في جميع أنحاء روسيا. كان هذا العنصر من الخطة مشابهاً للعملية الإسرائيلية ضد «حزب الله» اللبناني في 17 و18 سبتمبر 2024، عندما انفجرت آلاف أجهزة النداء وأجهزة الراديو في آن واحد، مما أسفر عن مقتل وجرح العديد من العناصر. لقد أثبتت أوكرانيا أن قدرتَها على إيذاء روسيا لم تتضاءل رغم الانتكاسات الميدانية. إن حجم وطبيعة الهجوم له تداعيات عالمية ستؤثر على جميع الدول ذات الأهداف عالية القيمة التي قد تتعرض لهجمات الطائرات المسيرة. إنها لحظة ستُسجل في سجلات الحروب لسنوات عديدة، تماماً كما غيّرت هجمات 11 سبتمبر على الولايات المتحدة كل شيء بتكاليف مالية منخفضة نسبياً للمهاجم. في أعقاب أحداث 11 سبتمبر، برزت مخاوف من أن يتمكن إرهابيون مستقبليون من تهريب أجهزة نووية صغيرة إلى الولايات المتحدة لاستخدامها ضد أهداف حيوية عالية القيمة. ولا تزال هذه المخاوف قائمة، لكن صعوبات وتكاليف الحصول على المواد النووية ونقلها تقلل من احتمالية تحول مثل هذه التهديدات إلى واقع. أما بالنسبة للطائرات المسيّرة، فالأمر مختلف تماماً، فهي تكلفة إنتاجها رخيصة للغاية، كما أنها صغيرة الحجم، وسهلة النقل والتجميع والتسليح والإطلاق. وإذا ما استُخدمت الأساليب ذاتها التي استخدمت في «شبكة العنكبوت» (سبايدر ويب) ضد أهداف سهلة، مثل القواعد الجوية والمطارات المدنية ومرافق الطاقة والمياه وأنظمة الشبكات الكهربائية وشبكات النقل في أي بلد، فقد تكون النتائج كارثية.
وللحماية من مثل هذه الهجمات، يجب تطوير استراتيجيات وتقنيات دفاعية جديدة. على مر التاريخ، تم تطوير تقنيات منخفضة التكلفة وفعّالة للتغلب على خصم أقوى. فقد زوّد القوس الطويل والرمح جنود المشاة بأسلحة فعّالة لاختراق دروع الفرسان، وغيّرا طبيعةَ الحرب الإقطاعية. ساعد البارود المهاجمين على صد القلاع والتحصينات. كما غيّرت كل من البندقية المحززة والمدفع الرشاش طبيعة الحرب البرية، ومنحتا المهاجمين والمدافعين مزايا. وحسّن التلغراف بشكل كبير من الاتصالات والمعلومات الاستخباراتية في جميع ميادين العمليات العسكرية. وفي الحرب العالمية الثانية، جعلت حاملاتُ الطائرات البوارجَ الحربيةَ شيئاً من الماضي.
وفي العصر الحديث، منحت الصواريخُ الموجهةُ بدقة الهجومَ مزايا رئيسية، لكن العبوات الناسفة المرتجلة تُشكّل تهديدات مروّعة له. وإلى جانب القدرات المتغيرة بسرعة في مجال الحرب السيبرانية، تمثل الطائرات المسيّرة أحدث ثورة في الشؤون العسكرية.
ويُستخدم الذكاء الاصطناعي بالفعل في برمجة هذه الطائرات، وسيصبح قريباً أكثر فاعلية وانتشاراً في ساحات القتال. وسيتركز سباق التسلح الجديد بشكل متزايد على تطوير هذه التقنيات، مع ما سيحمله ذلك من تبعات بدأنا الآن فقط في فهمها.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الأمناء
منذ 3 ساعات
- الأمناء
ترامب يؤكد انتهاء علاقته بماسك.. ويحذره من "عواقب وخيمة"
قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يوم السبت، إن علاقته بإيلون ماسك "انتهت"، محذرا من أن رجل الأعمال الشهير سيواجه "عواقب وخيمة" إذا قام بتمويل مرشحين ديمقراطيين لمواجهة الجمهوريين الذين صوّتوا لصالح مشروع قانون الميزانية الشامل الذي يدعمه الحزب الجمهوري. وأضاف ترامب في مقابلة هاتفية مع شبكة "ان بي سي نيوز": "إذا فعل ذلك، فسيتحمّل العواقب (...) عواقب وخيمة جدًا"، رافضا الإفصاح عن طبيعة تلك العواقب. وأكد الرئيس الأميركي أنه لا ينوي إصلاح علاقته مع الرئيس التنفيذي لتسلا بعد أن تفاقمت الخلافات بين الرجلين هذا الأسبوع. وعندما سُئل إن كان يرغب في إعادة العلاقة، أجاب: "لا". وعن ما إذا كانت العلاقة قد انتهت نهائيًا، قال: "أفترض ذلك، نعم". وقال ترامب: "لا أخطط للتحدث مع ماسك في أي وقت قريب. لدي أشياء أخرى أقوم بها. وليس لدي نية للتواصل معه". متهما ماسك بعدم احترام منصب الرئاسة، قال ترامب: "أعتقد أن هذا أمر سيئ للغاية، لأنه لا يحترم المنصب... لا يمكنك أن تُظهر عدم احترام لمؤسسة الرئاسة". وكان ماسك قد نشر سلسلة تغريدات ضد ترامب يوم الخميس، من بينها منشور محذوف لاحقًا يشير إلى علاقات سابقة مزعومة بين ترامب وجيفري إبستين، المتهم بجرائم جنسية. ورد ترامب بالقول: "هذا يُسمى أخبار قديمة(...) حتى محامي إبستين قال إن لا علاقة لي بالأمر". وقد بدأ الخلاف قبل ذلك عندما انتقد ماسك مشروع الإنفاق الجمهوري المعروف باسم "قانون الفاتورة الواحدة الجميلة" الذي أقره مجلس النواب. وفي المكتب البيضاوي يوم الخميس، عبّر ترامب عن "خيبة أمله" من ماسك: "أنا محبط جدًا. لقد ساعدت إيلون كثيرًا... وكان يعرف تفاصيل المشروع جيدًا". بعد تلك التصريحات، نشر ماسك تغريدات متتالية دعا فيها إلى عزل ترامب، كما هاجم السياسة الاقتصادية للرئيس الجمهوري، قائلًا إنها "ستؤدي إلى ركود اقتصادي لاحقًا هذا العام". ورد ترامب عبر منصة "تروث سوشيال" بتصريحات أبرزها: "لا أمانع انقلاب إيلون ضدي، لكن كان يجب أن يفعل ذلك قبل شهور"، واقترح قطع الدعم الحكومي والعقود الفيدرالية التي تستفيد منها شركات ماسك، خصوصًا سبيس إكس:"أسهل وسيلة لتوفير مليارات في الميزانية هي إنهاء عقود الدعم لإيلون... لطالما استغربت لماذا بايدن لم يفعل ذلك". ويوم السبت سئل ترامب عما إذا كان ينوي تنفيذ اقتراحه، فأجاب: "يحق لي أن أفعل ذلك، لكن لم أفكر فيه بعد". وأكد ترامب أن معارضة ماسك لم تؤثر على فرص تمرير مشروع القانون، قائلًا إنه "واثق جدًا" من أن مجلس الشيوخ سيقر القانون قبل 4 يوليو. وأضاف: "الحزب الجمهوري لم يكن يومًا موحدًا بهذا الشكل... حتى أكثر من قبل ثلاثة أيام". وكان ماسك قد دعم ترامب ماليًا بقوة في حملة 2024، حيث أنفق أكثر من ربع مليار دولار لدعمه في الولايات المتأرجحة. وفي الشهور الأولى من الإدارة، عيّن ترامب ماسك مسؤولًا عن "وزارة كفاءة الحكومة"، حيث أشرف على تسريحات جماعية وإغلاق وكالات فدرالية. واختتم ترامب تصريحاته بالقول: "أعتقد أن هذا الخلاف كشف إيجابيات مشروع القانون... الناس بدأوا يهتمون أكثر، ورأوا مدى جدواه. من هذه الزاوية، كان ما فعله ماسك مفيدًا... لكني أظن أنه من المؤسف أن يكون إيلون مكتئبًا ومكسور القلب إلى هذا الح


العربية
منذ 3 ساعات
- العربية
من التحالف إلى الصدام نهاية العلاقة «الرائعة»
الدرس المستفاد قبل أن نبدأ هو أنه لا تحالفات دائمة فى السياسة ولا أصدقاء حقيقيين عندما تُبنى العلاقة على المصالح، لأنه بانتهاء المصلحة تنتهى الصداقة. لطالما بدت العلاقة بين الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ورجل الأعمال المثير للجدل إيلون ماسك كتحالف استثنائى يجمع بين السلطة السياسية والهيمنة التكنولوجية. فترامب، الذى عاد إلى البيت الأبيض فى يناير ٢٠٢٥، لم يتردد فى منح ماسك صلاحيات غير مسبوقة داخل الإدارة الأمريكية، مكلفًا إياه بقيادة «لجنة الكفاءة الحكومية»، وهى كيان جديد يعكس رؤيته لإعادة تشكيل الدولة الفيدرالية على أسس اقتصادية صارمة. فى المقابل، قدّم ماسك دعمًا سخيًا لترامب خلال حملته الانتخابية تجاوز ٢٥٠ مليون دولار، وساهم فى تعزيز حضوره الرقمى عبر منصته «إكس». غير أن هذه العلاقة «الرائعة»، كما وصفها ترامب، بدأت خلال الأشهر الأخيرة فى التصدع والتحوّل إلى صراع مفتوح، يعكس هشاشة التحالفات القائمة على المصالح الشخصية والتقاطع الآنى فى الأجندات. فى بداية الولاية الثانية لترامب، كان ماسك أحد أبرز المقربين منه، وتحوّل بسرعة إلى «ذراعه اليمنى» فى تنفيذ سياسات تقشفية استهدفت ما يُعرف بـ«الدولة العميقة»، من خلال مراجعة نفقات الوزارات والمؤسسات الفيدرالية، وعلى رأسها وزارة الدفاع. وبدعم من ترامب، مارس ماسك ضغوطًا غير مسبوقة على الوكالات الحكومية، وصلت حدّ الدخول إلى بيانات حساسة لملايين الأمريكيين، ما أثار جدلًا قانونيًا وشعبيًا واسعًا، بلغ ذروته فى مظاهرات أمام وزارة الخزانة، طالبت بوقف ما اعتبروه «انقلاباً بيروقراطياً» بقيادة رجل لم يُنتخب ديمقراطيًا. مع ذلك، استمرت العلاقة بين الطرفين فى إطار من التفاهم والتغطية السياسية المتبادلة، إلى أن فجّر مشروع قانون الضرائب والإنفاق الذى تبناه ترامب الشرارة الأولى للخلاف. يعد الانفجار العلنى هو مشروع القانون «المقزز». أعلن ماسك عبر سلسلة منشورات لاذعة على منصة «إكس» رفضه القاطع لمشروع قانون الموازنة الضخم، واصفاً إياه بـ«الفضيحة المقززة» التى ستقود إلى إفلاس الدولة. وانتقد ماسك بشكل مباشر رفع سقف الدين دون خفض فعلى فى الإنفاق، محذرًا من عجز يصل إلى ٢.٥ تريليون دولار، ما سيُثقل كاهل المواطن الأمريكى بديون كارثية. بل وذهب أبعد من ذلك حين نشر تغريدة قديمة لترامب عام ٢٠١٢ ينتقد فيها العجز، معلّقًا بسخرية: «أين هذا الرجل اليوم؟». ردّ ترامب لم يتأخر، إذ أعرب عن «استياء بالغ» من تصريحات ماسك، مشيرًا إلى أنه لم يكن يتوقع هذا الموقف من شخص «ساعده كثيرًا»، ملمّحًا إلى احتمال انتهاء العلاقة بينهما. وأضاف: «أنا محبط جدًا من إيلون»، واتهمه بالسعى لحماية مصالحه الاقتصادية الخاصة، خصوصًا مع خفض الحوافز الموجهة للسيارات الكهربائية ضمن المشروع.

سعورس
منذ 4 ساعات
- سعورس
ترامب يتوعد إيلون ماسك ب «عواقب وخيمة للغاية»
ورفض ترامب الإفصاح عن هذه العواقب في المقابلة الهاتفية، وأضاف أنه لم يجر مناقشات بشأن التحقيق مع ماسك. وقال ترامب رداً على سؤال عما إذا كان يعتقد أن علاقته مع ماسك قد انتهت "أفترض ذلك، نعم". وشهدت الأيام الماضية أحداثاً في واحدة من من أكثر العلاقات إثارة في السياسة الأميركية الحديثة انتهت بطريقة درامية. وذلك بعد أن تحولت صداقة إيلون ماسك والرئيس الأميركي إلى خصومة علنية وتبادل للإهانات عبر منصات التواصل الاجتماعي. ووسط هذا التحول الدراماتيكي بين رئيس أقوى دولة وأغنى رجل في العالم، عمد ماسك إلى إجراء استفتاء على منصة إكس حول ضرورة التغيير السياسي في الولايات المتحدة عبر إنشاء حزب جديد يمثل الطبقة العاملة. وفي أحدث تعليقات للرئيس الأميركي حول تصرفات ماسك، قال دونالد ترامب إن "ماسك فقد عقله تماماً". وأثناء رحلته على متن الطائرة الرئاسية، قال ترامب للصحافيين "الإدارة الأميركية تراجع العقود الحكومية مع ماسك" وإن " الولايات المتحدة قادرة على الاستمرار بدون إيلون ماسك".