
قراءة قانونية معمّقة في تنقيح الفصل 96 من المجلة الجزائية ... حوار مع الأستاذة نجاة البراهمي الزواوي
خلفية التعديل
أتى هذا التنقيح في أعقاب تصويت مجلس نواب الشعب يوم 24 جويلية 2025 على مشروع قانون يتضمن إلغاء أحكام الفصلين 96 و98 من المجلة الجزائية وتعويضهما بنصوص جديدة، وذلك في إطار إصلاح تشريعي يستجيب لمطالب الإدارة التونسية وعديد المهنيين الذين رأوا في الفصل السابق حاجزاً أمام المبادرة والإصلاح الإداري.
الفلسفة التشريعية للتنقيح
أوضحت الأستاذة البراهمي أنّ الفصل 96 القديم كان يعاني من غموض وعمومية ، مما سمح بتأويلات واسعة وأدى إلى محاكمات وإدانات واسعة النطاق لعدد من المسؤولين والإطارات الإدارية، في حين أن بعض الحالات كان يمكن أن تُكيف ضمن فصول أخرى. وشددت على أن الفصل الجديد جاء بهدف تضييق مجال التجريم وتركيز التكييف القانوني على النية الإجرامية والقصد الجنائي ، خلافاً للصيغة القديمة التي كانت تجرّم الفعل المادي حتى في غياب القصد.
أهم ما جاء في التنقيح
1. الجريمة أصبحت "قصدية" وليست "مادية":
التنقيح اشترط قيام القاضي بالتأكد من نية الجاني في استغلال صفته لإلحاق ضرر بالإدارة، وهو ما يمثل تحولاً جذرياً في فلسفة التجريم.
2. إلغاء صورة "مخالفة التراتيب":
لم تعد الجريمة تستقيم في حال مخالفة التراتيب فقط، بل يجب أن يكون هناك استغلال للصفة بغاية تحقيق فائدة غير مشروعة ، وهو ما رفع الحرج عن المسؤولين الإداريين ومكّنهم من الاجتهاد دون الخوف من العقوبات الجزائية المجحفة.
3. تقليص العقوبة:
تم تعديل العقوبة من 10 سنوات إلى 6 سنوات سجناً ، مع غرامة تعادل الضرر الحاصل للإدارة ، مما يُعدّ تلطيفاً تشريعياً يحافظ على الردع دون المغالاة في الزجر.
4. الإدراج الإلزامي للعنصر القصدي:
لن تتحقق الجريمة إلا بوجود نية متعمدة للإضرار بالإدارة من قبل الموظف العمومي أو من في حكمه، وهو ما يتطلب إثباتاً دقيقاً ومؤيدات قاطعة أمام القضاء.
5. إدخال مفهوم "الصفة الواحدة" للجريمة:
تم التخلي عن فكرة ازدواجية الجريمة (الاستغلال أو مخالفة التراتيب)، مما يُجنب الإدارات العامة التورط غير المبرر في قضايا فساد بسبب اجتهادات أو أخطاء إدارية غير مقصودة.
المفعول الرجعي للقانون
أكدت الأستاذة البراهمي أن الفصل 96 (جديد) يُطبّق بأثر رجعي باعتباره أكثر رفقاً بالمتهم ، مما سيُتيح إعادة النظر في قضايا قيد النشر أو في الطور الاستئنافي أو التعقيبي. أما في ما يتعلق بالأحكام النهائية والمنفذة ، فالمبدأ القانوني لا يسمح بإعادة فتح الملفات، إلا في حالات الطعن بإعادة النظر أو التماس العفو الخاص ، وهي استثناءات ضيقة ومقنّنة.
حول قانون الشيكات
في ختام اللقاء، عرّجت الأستاذة البراهمي على الإشكالات الواقعية لتطبيق قانون الشيكات الجديد ، مبيّنة أنه رغم النية الإصلاحية التي انبنى عليها هذا القانون، إلا أن الثقة في الشيك كمؤسسة مالية تراجعت لدى المتعاملين الاقتصاديين. وأرجعت ذلك إلى غياب ثقافة مالية جاهزة لاستيعاب بدائل الدفع الجديدة ، مطالبة بدور أكبر للبنوك في تسهيل التحول الرقمي المالي.
أبرزت هذه المداخلة عمق التحديات التي تواجه عملية الإصلاح التشريعي في تونس ، والتي تتطلب موازنة دقيقة بين حماية الإدارة وتحفيز المسؤولين على الاجتهاد، دون الوقوع في فخ الإفلات من العقاب. ويبدو أن تنقيح الفصل 96 يمثل خطوة مهمة نحو هذا التوازن المنشود ، رغم ما قد يطرحه من تحديات تطبيقية على مستوى القضاء والإدارة في المستقبل القريب.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

تورس
منذ 3 ساعات
- تورس
في بالك : مشروع قانون جديد يقسم المسؤوليات المنزلية بين الزوجين!
الهدف، حسب طرشون، هو تغيير عقلية الرجال وتشجيعهم على المشاركة في تربية الابناء ومساعدة الزوجة في المنزل. وخلال مداخلة هاتفية في برنامج صباح الورد على جوهرة أف أم، قال طرشون إنّ المرأة العاملة لها نفس الأعباء عند الرجل، و يجب تغيير الفكر القديم هذا من خلال التربية ووسائل الإعلام. وذكر أنّ الكتب المدرسية ما زالت تعمل على تصوير المرأة في المطبخ والأب بعيد عن الأعمال المنزلية، مشدّدًا أنّ مشاركة الأب في تربية أولاده هي وجه من وجوه العدالة الاجتماعية. كما تحدّث طرشون عن قانون عطلة الأمومة والأبوة الذي دخل حيز التنفيذ السنة هو مكسب نوعي لتونس مقارنة بالدول العربية. وأكد أنّ تونس عندها تاريخ طويل في حماية حقوق المرأة، منذ صدور مجلة الأحوال الشخصية سنة 1956، ومازال المسار مستمر نحو مزيد من المساواة داخل البيت وخارجه وفق قوله.

تورس
منذ 4 ساعات
- تورس
النائب يوسف طرشون: 'نعمل على مشروع قانون يتعلّق بتقاسم الأعباء المنزلية بين الزوجيْن'
وخلال مداخلة في برنامج "صباح الورد" على إذاعة الجوهرة أف أم، أوضح طرشون أنّ المرأة العاملة تتحمل أعباءً مساوية للرجل، مشدّدًا على ضرورة الانطلاق في تغيير هذه العقليات عبر المناهج التربوية ووسائل الإعلام. وأشار إلى أنّ الكتب المدرسية لا تزال تُجسّد صورًا نمطية، حيث تظهر المرأة في المطبخ بينما يغيب دور الأب في الأعباء المنزلية. أخبار ذات صلة: هل عجزت تفقديات الشغل عن ردع المخالفين؟ يوسف طرشون يطلق صيحة فزع... وأكد طرشون أنّ مشاركة الأب في تربية الأبناء ومساعدة الزوجة تمثل شكلًا من أشكال العدالة الاجتماعية، وهو ما يستوجب تصحيح هذه الصورة المجتمعية. كما تطرّق النائب إلى قانون عطلة الأمومة والأبوة، الذي دخل حيز التنفيذ منذ سنة، واصفًا إياه ب"المكسب النوعي" لتونس على مستوى التشريعات العربية، معتبرًا أنه يندرج في إطار مسار طويل من الريادة التونسية في مجال حقوق المرأة منذ إصدار مجلة الأحوال الشخصية سنة 1956. iframe loading=lazy src=" class=divinside scrolling=no frameborder=0 allowfullscreen=true allow=autoplay; clipboard-write; encrypted-media; picture-in-picture; web-share" allowFullScreen=true


Babnet
منذ 5 ساعات
- Babnet
النائب يوسف طرشون: 'نعمل على مشروع قانون يتعلّق بتقاسم الأعباء المنزلية بين الزوجيْن'
كشف النائب بمجلس نواب الشعب، يوسف طرشون ، اليوم الأربعاء، أنّ البرلمان يعمل حاليًّا على إعداد مشروع قانون جديد يهدف إلى تقاسم الأعباء المنزلية بين الزوجين ، في خطوة ترمي إلى تغيير الصورة النمطية للأدوار الأسرية وتشجيع الرجال على تحمّل مسؤولياتهم في تربية الأبناء. وخلال مداخلة في برنامج"صباح الورد" على إذاعة الجوهرة أف أم ، أوضح طرشون أنّ المرأة العاملة تتحمل أعباءً مساوية للرجل ، مشدّدًا على ضرورة الانطلاق في تغيير هذه العقليات عبر المناهج التربوية ووسائل الإعلام. وأشار إلى أنّ الكتب المدرسية لا تزال تُجسّد صورًا نمطية، حيث تظهر المرأة في المطبخ بينما يغيب دور الأب في الأعباء المنزلية. وأكد طرشون أنّ مشاركة الأب في تربية الأبناء ومساعدة الزوجة تمثل شكلًا من أشكال العدالة الاجتماعية ، وهو ما يستوجب تصحيح هذه الصورة المجتمعية. كما تطرّق النائب إلى قانون عطلة الأمومة والأبوة ، الذي دخل حيز التنفيذ منذ سنة، واصفًا إياه بـ"المكسب النوعي" لتونس على مستوى التشريعات العربية، معتبرًا أنه يندرج في إطار مسار طويل من الريادة التونسية في مجال حقوق المرأة منذ إصدار مجلة الأحوال الشخصية سنة 1956.