logo
إيمانويل تود ونبوءة الانهيار بين التحليل العلمي والسنن القرآنية

إيمانويل تود ونبوءة الانهيار بين التحليل العلمي والسنن القرآنية

الدستور٠٨-٠٢-٢٠٢٥

في عالمٍ يتغير بسرعة مذهلة، حيث تتحول القوى وتُعاد صياغة موازين الهيمنة، يبرز صوت المفكرين القادرين على قراءة المستقبل من خلال معطيات الحاضر. ومن بين هؤلاء، يأتي الفيلسوف الفرنسي إيمانويل تود، الذي فاجأ العالم سابقًا بتنبؤه بانهيار الاتحاد السوفياتي في وقتٍ لم يكن أحد يتخيل ذلك، وها هو اليوم يطلق تحذيرًا جديدًا: الغرب يقترب من الهزيمة والانهيار.
طرح تود هذا لم يأتِ من فراغ، بل من قراءة معمقة للمؤشرات الاقتصادية، والاجتماعية، والديموغرافية التي تشير إلى أن الحضارة الغربية لم تعد كما كانت. فالولايات المتحدة وأوروبا، اللتان كانتا تمثلان رموز القوة الصناعية والعلمية، تواجهان اليوم تراجعًا في التعليم، وانخفاضًا في الإنتاج، وغيابًا للرؤية طويلة المدى. في المقابل، تظهر قوى أخرى، مثل الصين وروسيا، وهي تعزز مكانتها على المسرح العالمي، ما يهدد بتغيير معادلة الهيمنة التي سادت لقرون.
لكن المسألة ليست فقط مسألة اقتصاد أو صناعة، بل تمتد إلى القيم والهوية. يشير تود إلى أن الغرب فقد روحه، حيث تآكلت القيم التي أسست لنهضته، وتحولت مجتمعاته إلى كيانات يسيطر عليها الاستهلاك والعدمية والفردية المفرطة. لم يعد هناك ذلك التماسك الاجتماعي الذي كان يُميز الحضارة الغربية في مراحلها الأولى، بل أصبح هناك تفكك أسري، وانهيار للمعايير الأخلاقية، وغياب للبعد الروحي.
هذا التحليل ينسجم تمامًا مع السنن القرآنية التي تُظهر كيف أن انهيار القيم هو بداية سقوط الحضارات. في القرآن، تتكرر الإشارة إلى أن الأمم التي تتجبر وتبتعد عن العدل والمبادئ الأخلاقية يكون مصيرها الزوال، كما في قوله تعالى: «وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَـهُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا» (الكهف: 59). الغرب، الذي كان يقود العالم على أسس قيمية قوية، فقد اليوم هذه الأسس، وأصبح أسيرًا لموجات متتالية من الأزمات الأخلاقية والاجتماعية التي لا يبدو أن هناك حلولًا واضحة لها.
الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فتود يرى أن التراجع الغربي لم يعد نظريًا، بل بدأ يظهر عمليًا في مؤشرات حيوية. روسيا، التي كانت تعاني من تفكك داخلي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، استعادت عافيتها، حيث تحسنت معدلات الولادة، وانخفضت نسب الجريمة، وتحسن المستوى التعليمي والصحي، بل إنها باتت قادرة على إنتاج أسلحة أكثر من الغرب مجتمِعًا رغم أن اقتصادها لا يمثل سوى نسبة ضئيلة من إجمالي الاقتصاد الغربي. هذه الحقيقة وحدها تجعل من الضروري إعادة التفكير في مفهوم القوة، فبينما كانت الدول الغربية تعتمد على القوة الاقتصادية كعامل رئيسي، فإن ما يحدث الآن يثبت أن الصمود الحقيقي ليس فقط في حجم الناتج المحلي الإجمالي، بل في القدرة على تحقيق الاستقلالية الذاتية، وتعزيز الصناعات الحيوية، والاستثمار في التعليم والتكنولوجيا.
من الناحية القيمية، فإن الغرب يعاني من ما يسميه تود «الوصول إلى الصفر الديني»، حيث لم تعد هناك مرجعية أخلاقية أو روحية يمكن أن توفر التوازن للمجتمع. المجتمع الذي يفقد بوصلة القيم يصبح عرضة للفوضى، وتاريخيًا، فإن كل حضارة وصلت إلى هذه المرحلة كانت نهايتها الانهيار، وهو ما نشهده اليوم في مظاهر التفكك الأسري، وانتشار الأزمات النفسية، وغياب المعنى عن حياة الكثيرين في المجتمعات الغربية. هذا السياق يتوافق مع التحذير القرآني في قوله تعالى: «وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَـهَا تَدْمِيرًا» (الإسراء: 16).
في الوقت نفسه، بينما تتآكل القيم الغربية، يشهد الإسلام في الغرب انتشارًا غير مسبوق. هناك تزايد في أعداد المسلمين الجدد، والسبب في ذلك أن الفطرة الإنسانية لا يمكنها العيش في فراغ روحي. عندما تفقد المجتمعات الغربية أساسها الروحي، يبدأ الناس في البحث عن معنى آخر للحياة، وهنا يبرز الإسلام كخيار يزداد جاذبية. المفارقة أن الإسلام، الذي كان يُنظر إليه في الغرب على أنه تهديد، أصبح اليوم البديل القيمي الذي يبحث عنه الكثيرون داخل هذه المجتمعات نفسها.
ما يقوله تود ليس مجرد نظرية أكاديمية، بل تحذير من أن العالم يقف على أعتاب تحول جذري. الغرب لم يعد في موقع القيادة المطلقة، وهناك مراكز قوى جديدة تتشكل، وقيم جديدة تبدأ في استعادة موقعها في الحياة العالمية. القرآن الكريم يؤكد أن تداول الأمم سُنّة كونية، كما في قوله تعالى: «إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ» (آل عمران: 140). إذا كان الغرب قد وصل إلى ذروة مجده، فإن كل الإشارات تدل على أنه بدأ يفقد هذا المجد لصالح قوى جديدة، ربما يكون الإسلام أحدها.
يبقى السؤال الكبير: هل نحن نشهد تحولًا حضاريًا غير مسبوق؟ هل سيتدارك الغرب أزمته، أم أن التاريخ يعيد نفسه ليشهد العالم نهاية هيمنة الغرب؟ الأيام القادمة وحدها ستكشف الإجابة، لكن المؤكد أن العالم كما نعرفه يتغير بسرعة قد تفاجئ الجميع.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الاستقلال 79
الاستقلال 79

الدستور

timeمنذ 10 ساعات

  • الدستور

الاستقلال 79

الاستقلال ليس مجرد يوم نحتفل به كل عام، بل هو شعور يجري في عروقنا ودمائنا، وهو كما الروح نعيش بها ولا نراها. بيد أن الاستقلال - خصوصًا في هذه الظروف التي تمر بها المنطقة والعالم - بتنا نشعر به في كل يوم، وفي كل لحظة ننظر فيها لما يجري من حولنا لندرك عظمة نعمة الاستقلال التي حبى الله بها الأردن. وللدلالة على ما أقول دعونا نستعرض النقاط التالية:1 - الاستقلال له معانٍ ودلالات، وفي مقدمتها نعمة الأمن والأمان، وإلا فهناك كثير من الدول في الإقليم والعالم لديها يوم وطني تحتفل به بالاستقلال، لكن عن أي استقلال تتحدث وهي لا تنعم لا بالأمن ولا بالأمان؟ والشواهد على ذلك كثيرة، ولا داعي لذكر أسماء دول عربية وأفريقية وحتى أوروبية، وفي كافة قارات العالم.2 - الاستقلال له صور ودلالات سياسية وأخرى اقتصادية، تؤكد على استقلال البلد، والأردن منذ استقلاله في العام 1946 وقراره السياسي والاقتصادي حرّ، مرجعيته مصلحة الوطن العليا. وقد تحمّل الأردن نتيجة هذا القرار المستقل نتائج كبيرة، ودفع أثمانًا كبيرة تمثلت بضغوطات اقتصادية وسياسية، نجح الأردن بقيادة الهاشميين على مدى عقود، بل ولأكثر من قرن، في الصمود في وجه الأعاصير، تسنده وتلتف من حوله جبهة داخلية متماسكة لا تحني هاماتها إلا لخالقها جلّ وعلا.3 - كي لا نذهب بعيدًا ونتصفح في أوراق التاريخ، لنقرأ واقع حال الأردن اليوم، ونحن نحتفل بعيد الاستقلال الـ79، لنجد أن الأردن ثابت على مبادئه، ويجسد استقلاله باستقلال قراره السياسي بتمسكه بقضيته المركزية، وولاءات جلالة الملك الثلاث (لا للتوطين - لا للتهجير - لا للوطن البديل)، والقدس خط أحمر. فالأردن ستبقى «بوصلته فلسطين وتاجها القدس الشريف»، وسيبقى الأردن هذا موقفه الثابت والراسخ والمستقل رغم كل الضغوطات.4 - رغم ضعف الإمكانات الاقتصادية، إلا أن الأردن لم ولن يساوم، ولا بأي ثمن، على مبادئه ومواقفه الثابتة والراسخة. ولذلك فهو ماضٍ في مشاريع الاكتفاء الذاتي اقتصاديًا، وقد حقق نتائج مرضية، ويواصل العمل من خلال رؤى التحديث الثلاث - وتحديدًا رؤية التحديث الاقتصادي 2033 - لرفع معدلات النمو وخلق مليون وظيفة وصولًا إلى رضا المواطن. وهذا ترجمة حقيقية لمعنى من معاني الاستقلال.5 - رغم رفع شعار «الأردن أولًا»، إلا أن الأردن لم يتخلَّ يومًا عن أمّتيه العربية والإسلامية، بل لم يتخلَّ عن البشرية جمعاء، انطلاقًا من تبنّيه رسالة السلام - وهي رسالة الإسلام - في ذات الوقت. وهذا سرّ من أسرار احترام العالم للأردن، ملكًا وشعبًا، لأنّ الأردن بقيادته الحكيمة صمّام أمان للإقليم والعالم، وداعٍ رئيس من دعاة السلام ونبذ العنف ومحاربة الإرهاب.6 - على مدى تاريخ الأردن الزاخر بالإنجازات والعطاء، مسيرة نهضة وبناء يقودها الهاشميون، وحولهم جيش عربي مصطفوي يذود عن حمى الوطن ويدعم استقلاله، وشعب أصيل معطاء يبني وطنه في كافة القطاعات والمجالات، ويساهم في بناء الأردن جيلًا بعد جيل.*باختصار: معاني الاستقلال متواصلة، تواصل الزمان وديمومة المكان، والاستقلال نعمة عظيمة لا يدرك عظمتها إلا من فقدها. وأكرر: لننظر لما يجري حولنا في الإقليم والعالم، لندرك نعمة الاستقلال التي ننعم بها بفضل الله أولًا، وبحكمة وحنكة القيادة الهاشمية المظفّرة، ويقظة جيشنا الباسل وأجهزتنا الأمنية بكافة قطاعاتها من أمن عام وفرسان الحق، وبعطاء الأردنيين النشامى على مدى العصور، والتفافهم - كما الجسد الواحد - في جبهة داخلية موحّدة ومتماسكة في وجه الخطوب والتحديات والفتن، التي تتكسّر سهام سمومها دائمًا على حائط الوحدة الوطنية والشعب الأردني العظيم.حمى الله الأردن، ملكًا وولي عهد وجيشًا وشعبًا، وكل عام والجميع بألف خير.

خادم الحرمين الشريفين يصدر توجيهه باستضافة 1300 حاج وحاجة من 100 دولة لأداء مناسك الحج
خادم الحرمين الشريفين يصدر توجيهه باستضافة 1300 حاج وحاجة من 100 دولة لأداء مناسك الحج

أخبارنا

timeمنذ 18 ساعات

  • أخبارنا

خادم الحرمين الشريفين يصدر توجيهه باستضافة 1300 حاج وحاجة من 100 دولة لأداء مناسك الحج

أخبارنا : وجّه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- باستضافة (1300) حاج وحاجة من (100) دولة لأداء مناسك الحج لهذا العام 1446هـ، وذلك ضمن برنامج ضيوف خادم الحرمين الشريفين للحج والعمرة والزيارة، الذي تنفذه وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد. وبهذه المناسبة، رفع معالي وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد المشرف العام على برنامج ضيوف خادم الحرمين الشريفين الشيخ الدكتور عبداللطيف بن عبدالعزيز آل الشيخ، الشكر والتقدير لخادم الحرمين الشريفين، ولصاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظهما الله- على هذا التوجيه الكريم، الذي يعكس ما تقوم به القيادة الحكيمة في خدمة قضايا الأمة الإسلامية، ويؤكد رسوخ المملكة العربية السعودية في موقعها الريادي للعالم الإسلامي. وأوضح أن الوزارة بدأت فور صدور التوجيه الكريم، تسخير جميع الإمكانات والطاقات لتقديم أفضل الخدمات للضيوف، حيث تم إعداد خطة تنفيذية متكاملة تشمل برامج إيمانية وثقافية وعلمية، وزيارات ميدانية لأبرز المعالم الإسلامية والتاريخية في مكة المكرمة والمدينة المنورة، إلى جانب تنظيم لقاءات مع عدد من العلماء وأئمة الحرمين الشريفين، مما يعزز الأثر الروحي والمعرفي لهذه الرحلة المباركة. وعدّ برنامج ضيوف خادم الحرمين الشريفين للحج والعمرة والزيارة من المبادرات النوعية والمتميزة التي تهدف إلى توثيق الصلات مع القيادات الدينية والعلمية والفكرية في العالم الإسلامي، وتعزيز التواصل الحضاري والدعوي، مشيرًا إلى أن البرنامج استضاف منذ انطلاقته عام 1417هـ قرابة 65 ألف حاج وحاجة من 140 دولة، وفرت لهم الوزارة منظومة متكاملة من الخدمات اللوجستية والدينية والصحية والثقافية، بدءًا من لحظة ترشيحهم وحتى عودتهم إلى بلدانهم بعد أداء مناسك الحج. وأكد معاليه أن هذه الاستضافة تُمثل صورة مشرقة من صور عطاء المملكة الذي لا ينضب في خدمة الإسلام والمسلمين، وتجسد رؤية المملكة في تعميق علاقاتها مع الشعوب الإسلامية وتعزيز الحضور الإيجابي عالميًا، تحقيقًا لمستهدفات رؤية 2030 في بُعدها الإسلامي والإنساني، سائلًا الله أن يحفظ خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين، وأن يجزيهما خير الجزاء على ما يقدمانه من جهود جليلة لخدمة الإسلام والمسلمين، وأن يديم على المملكة أمنها واستقرارها وريادتها في شتى المجالات. ــ واس

صرخة مدوية في وجه التيه العربي
صرخة مدوية في وجه التيه العربي

وطنا نيوز

timeمنذ 2 أيام

  • وطنا نيوز

صرخة مدوية في وجه التيه العربي

بقلم د. هاني العدوان من لظى المعاناة وعمق التحدي، انبثقت الدولة العثمانية شامخة، على أرض الأناضول التي كانت تموج بصراعات السلاجقة الممزقين، وتهوي عليها رياح المغول العاتية، وتتربص بها أطماع البيزنطيين المتزايدة وسط هذا اللهيب، بزغ نجم عثمان بن أرطغرل، قائدا فذا ورجلا ملؤه الإيمان، نذر نفسه لهدف أسمى، توحيد القبائل التركية تحت راية واحدة، وبناء دولة قوية تحميها وتذود عنها لم يكن دربه ممهدا بالحرير، بل كان وعرا مليئا بالمخاطر، فالمغول الذين اجتاحوا المنطقة بقوة لا تقهر، والصليبيون، الذين لم ينسوا حلم استعادة القدس، أدركوا خطورة هذا التوحد التركي المتنامي، فما كان منهم إلا أن حيكت المؤامرات، وبذلت الأموال والنفوذ لشراء الذمم، وأُججت الفتن والنعرات بين القبائل، ووعد بالسيادة والنفوذ لمن ينضم إليهم، وفتحت أبواب التجارة طمعا في كسب ولائهم، ولاقى ما لاقى من مؤامرات، بدءا من الأقربين، فلم يسلم من مؤامرات عمه، وحتى بعض إخوته، لكن عثمان بحكمته وإيمانه الراسخ، كان سدا منيعا أمام هذه المخططات الدنيئة لقد أدرك بفطرته أن قوة الأمة تكمن في وحدتها، وأن الفرقة والضعف لا يجلبان سوى الذل والهوان، لذلك آثر الحوار والتفاهم على القتال، والعفو والصفح على الانتقام، فلم تسفك في عهده قطرة دم تركية واحدة في صراع داخلي، وكان شعاره الخالد 'صلح بين قومي خير لي من نصر على عدوي' بهذا النهج القويم، استطاع عثمان أن يكسب ثقة القبائل وولاءها، وأن يجمع شتاتهم تحت رايته الظافرة لقد أسس دولته على قواعد متينة من العدل والشورى والتسامح، وجعل من الإسلام نبراسا يضيء طريقه، لم يكتف بالفتوحات العسكرية، بل اهتم أيضا ببناء المؤسسات، وتنظيم الإدارة، ونشر العلم والثقافة، لقد وضع اللبنة الأولى لدولة عظيمة، استمرت لأكثر من ستة قرون، وحملت راية الإسلام إلى أقاصي الأرض، دولة كانت منارة للعلم والحضارة، وقوة عظمى يحسب لها ألف حساب واليوم، ونحن نرى أمتنا العربية ممزقة الأوصال، مقطعة الأقطار، يعاني فيها العربي مرارة الغربة وبين إخوته، وتسلب الأراضي، وتنتهك الأعراض، وتشرد الشعوب، ويفتك الجوع ببعض الأقطار، نتساءل، نحن ابناء الأمة حاملة رسالة الإسلام ، الأمة التي أراد الله لها أن تكون خير أمة اخرجت للناس ، الأمة العربية ذات المجد ،اين نحن من ماضينا ، اين نحن من دروس عثمان بن ارطغرل حيث امتدادها ما زال ماثلا أمامنا على أرض تركيا العظيمة ، مهابة الجانب ، اين نحن من بطولات الصحابة الافذاذ رضوان الله عليهم ،أين النخوة والشهامة والعزة والتاريخ التليد، لقد أصبح الدم واللسان العربي، وحتى العقيدة التي تجمعنا، لم تعد قاسما مشتركا يجمعنا، العالم من حولنا يتحد ويتآزر، ونحن نزداد فرقة وتقزما وشتاتا ما الذي اعمى بصائرنا، كيف كنا وأين صرنا، اصبحنا أمة متخلفه مكانها في ذيل الأمم ، ليس لنا موقف ولا اعتبار وليس لنا حسبة بين الأمم ، أمة مستهلكة وثرواتها منتهبه وأرضها مغتصبة وقرارها ليس من رأسها ، فهل آن الأوان لأن نستلهم من ماضينا وعقيدتنا وتاريخنا ،المجيد ، ونعيد لأمتنا مجدها ووحدتها ان مصير الأمة معلق في رقاب قادتها وهم على قدر كبير من الحكمة وعريقون في السياسة، الرهان معقود عليهم ، وليس ثمة ما يحيل عن تحقيقهم احلام وتطلعات شعوبهم الا أن يلتقوا ويلقوا بالخلافات وراء ظهورهم ، يضعوا مصالح أمتهم فوق أية اعتبارات وينهضوا بهذه الشعوب حيث مكانتها التاريخية فيا قادة الامة الذين نجلهم ونقدرهم، يا من بيدكم مقاليد الامر، ويا من على عاتقكم امانة التاريخ، هل من مستجيب لنداء الشعوب التي تئن تحت وطأة التيه والفرقة، هل من ملتفت لارادة امة تواقة للمجد، عطشى للوحدة، مستعدة لبذل الغالي والنفيس في سبيل عزتها ان صرخة هذه الامة ليست مجرد كلمات، بل هي رجاء صادق، ونداء من اعماق الأفئدة، بان تلقوا بالخلافات جانبا، وان تضعوا مصلحة الامة العليا نصب اعينكم ان شعوبكم تتطلع اليكم بان تستلهموا من عظمة الماضي، لترسموا مستقبلا يليق بعراقة هذه الامة وتضحيات ابنائها، فاستجيبوا لنداء الوحدة، ولصوت الحق الذي يصدح من حناجر الملايين، لتعود الامة العربية منارة للعالم، وقوة لا تقهر، ومجدا لا يزول، ولتكونوا شهودا على نهضة عظيمة، لا على تيه مستمر

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store