
خيارات طهران الآن ورهان إسرائيل على إشعال انتفاضة في إيران
فجر الجمعة، باغتت إسرائيل العالم، وعلى غير المتوقّع ـ على الأقل على المدى القريب ـ بشنّ عملية عسكرية، على كامل الأراضي الإيرانية، استهدفت، كما قالت تل أبيب، "قلب" البرنامج النووي الإيراني. وهي العملية التي أطلق عليها الإسرائيليون " الأسد الصاعد".
ويبدو أن الهجوم قد أذهل القيادة العسكرية الإيرانية، وربما أدى إلى تأخير توجيه ضربة انتقامية فورية، ولكن ما زال من غير الواضح ما إذا كانت الحرب قد حققت هدفها الأساسي: شل البرنامج النووي الإيراني، الذي تزعم إسرائيل أن طهران على وشك تسليحه، وليس بوسع أي تقارير، إحصاء حجم الضرر، الذي لحق بالمفاعلات النووية الإيرانية حتى كتابة هذا المقال.
يقول داني سيترينونويتزـ الباحث البارز في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب ـ إن الضربة أضرت كثيرًا بهيبة إيران، من خلال اختراق دفاعاتها الجوية والقضاء على كبار القادة، ولكنه استدرك قائلًا: إن تأثيرها على البرنامج النووي الإيراني كان "محدودًا"، حيث إن المنشآت الرئيسية ــ بما في ذلك موقع فوردو المحصن بشدة ــ لا تزال سليمة.
وبعد سُويعات من الهجوم، قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التابعة للأمم المتحدة، إن ثلاثة مواقع نووية في إيران، وهي؛ فوردو، وأصفهان، وبوشهر، لم تتأثر بالضربات الإسرائيلية، وذلك نقلًا عن مسؤولين إيرانيين.
وبحسب المدير العام للوكالة، فقد تأكد استهداف نطنز، أكبر موقع نووي في البلاد، حيث أظهرت مقاطع فيديو، وصورٌ أعمدةَ دخان تتصاعد فوق المنشأة، وأكدت الوكالة عدم ملاحظة أي ارتفاع في مستويات الإشعاع هناك.
ونقلت شبكة CNN، عمن وصفتهم بـ "خبراء عسكريين" أن إيران أمضت سنوات في تعزيز هياكلها النووية ضد تهديد الضربات العسكرية، وهو ما سيجعل من الصعب تدميرها بشكل شامل.
وتستخدم هذه المرافق خرسانة متخصصة ومتصلة، وبعض المواقع تحت الأرض متصلة بأنفاق ذات منعطفات، بزاوية 90 درجة، وهو ما يضيف طبقة أخرى من التعقيد، بحسب الخبراء.
التقارير الأولية، ومن جهات أمنية وازنة، تعتقد أن الضربة الإسرائيلية، ألحقت ـ بالتأكيد ـ أضرارًا بالمشروع النووي الإيراني، غير أنها قد تفضي ـ في اليوم التالي ـ إلى نتائج على غير ما كانت تحلم به تل أبيب، إذ قد تضع طهران، أمام خيار وحيد، يتعلق بوجود الدولة والنظام ذاته، وهو حتمية الحصول على سلاح نووي، مهما كلفها من فواتير على الصعيدين؛ الإقليمي، والدولي.
وفي السياق، فإن عملية "الأسد الصاعد"، لم تكن تستهدف النيل من المشروع النووي الإيراني وحسب، وإنما كانت عملية مزدوجة: إهانة إيران عسكريًا أولًا، وتغيير نظامها السياسي لاحقًا كنتيجة مترتبة على الفشل العسكري والأمني، في حماية قادتها العسكريين، ومشروعها النووي التاريخي.
يجادل البعض بأن عملية "الأسد الصاعد"، قد تشعل انتفاضة شعبية، وأن الشعب الإيراني قد ينزل إلى الشوارع، مطالبًا بتغييرات سياسية كبيرة، بيد أن أكثر التوقعات رصانة، تشير إلى أن هذا لن يحدث بسهولة، إذ قد يفضي الهجوم إلى توحيد الشعب الإيراني حول قيادته السياسية، وتأجيل المطالبة بأي تغيير كبير محتمل، للحيلولة دون المس بدقة اللحظة وحساسيتها.
من الصعب ـ إن لم يكن مستحيلًا ـ تغيير النظام بعد حملة جوية، مهما كانت فعالة، كما يعتقد ضابط المخابرات الأميركي السابق، توماس إس. أريك.
ومهما أضعفت الغارات الإسرائيلية، الحرس الثوري الإيراني، بما في ذلك ما تأكد عن مقتل قادة عسكريين كبار فيه، فإن طهران لا تزال قوية ومتماسكة بما يكفي لمنع ثورة شعبية "ملونة".
ولذا يوصي أريك أنه يتعين على تل أبيب، تطوير إستراتيجية عملية، بمشاركة الولايات المتحدة، تُمكّن إيران من إنهاء تهديدها النووي لإسرائيل.
غير أنه يؤكد أن هذا لن يكون سهلًا، وسيتطلب من قادة إسرائيل، تقديم تنازلات جادة، بما في ذلك كيفية إنهاء الحرب في غزة، بشروط تمنع حماس من العودة إلى السلطة، مع منح الفلسطينيين مسارًا، نحو إعادة الإعمار والكرامة والسلام.
إن من بين النقاط التي تم تجاهلها يوم الخميس ـ عشية الهجوم ـ أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، صوّتت ـ لأول مرة منذ عشرين عامًا ـ على أن إيران لا تمتثل لالتزاماتها بحظر الانتشار النووي.
وربما تكون إسرائيل، قد قيّمت أن إيران "تسابق الزمن" لامتلاك قنبلة نووية، واعتبرت قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الوجه الدبلوماسي للعملة نفسها التي استخدمتها في ضرباتها العسكرية.
ومع ذلك، تتواتر التقارير الإسرائيلية القلقة، من أن ترى إيران أن الهجوم الإسرائيلي، ليس له أي مغزى، غير أن الوقت قد حان فعلًا، ليقرر النظام ما إذا كان سيصرّ بعناد، على أهمية الحصول على قنبلة نووية، إن لم يكن قد أنجز ذلك بالفعل. وأنه ليس بوسعه، أن يبقى على الحياد النووي، وعليه أن يقرر: إما الإسراع إلى امتلاك القنبلة، أو يُخاطر بعدم امتلاكها أبدًا.
ومن المرجح أن تتمسك طهران بالخيار الأول، فعلى عكس العراق عام 1981 أو سوريا عام 2007 – وكلتاهما اعتمدت على جهات خارجية لبناء وتشغيل برامجهما النووية – تمتلك إيران الخبرة التقنية والبيانات، والمعرفة اللازمة لإعادة بناء نفسها. ولن تحتاج إلى علماء فرنسيين أو كوريين شماليين: فالخبرة التقنية محلية.
قد يبدو هذا الأمر- كما يقول جوناثان بانيكوف في موقع "المجلس الأطلسي ـ غير منطقي في وقتٍ تنهال فيه الضربات الإسرائيلية على إيران؛ بسبب برنامجها النووي. ولكن كما ترى إسرائيل، أن امتلاك إيران سلاحًا نوويًا، يُمثل تهديدًا وجوديًا، فإن امتلاك إيران سلاحًا نوويًا (أو إمكانية امتلاكه) يُمثل، بالنسبة للعديد من القادة الإيرانيين، ضمانًا وجوديًا لبقاء النظام نفسه.
ويعتقد العديد من القادة الإيرانيين أن السلاح النووي يوفر لهم في نهاية المطاف الاستقرار والحماية، تمامًا كما هو الحال بالنسبة لكوريا الشمالية من وجهة نظرهم.
من جهة أخرى، فقد قرر نتنياهو، أن يذهب إلى مغامرته العسكرية، في وقت تنامت فيه بين الإسرائيليين، مشاعر غياب اليقين، بجدوى العملية التي شنها على إيران إذ توجد قضية- ربما تكون الأكثر إثارة للقلق- وهي أزمة الثقة داخل إسرائيل نفسها.
ففي ظلّ البيئة السياسية المتصدّعة اليوم، ومع تراجع الثقة بالحكومة إلى أدنى مستوياتها، يصعب تخيّل النظر إلى أيّ عملية بهذا الحجم من منظور الأمن القومي فحسب، بل إنّ العديد من الإسرائيليين ينظرون إليها من منظور السياسة والبقاء الشخصي، وخاصةً من منظور رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
إن مهمة كهذه، تمس وجود دولة إسرائيل بحد ذاته، والتي قد تتفاقم إلى حرب إقليمية أوسع وتُطلق هجمات غير مسبوقة على المدن الإسرائيلية، يُفترض أن تُنفذ عندما يكون الشعب موحدًا، وتتمتع حكومته بشرعية واسعة، وعندما يعتقد الشعب أن قادته يتصرفون بدافع الضرورة الإستراتيجية، لا بدافع الحفاظ على مصالحهم الشخصية، كما يقول الصحفي والمؤرخ الإسرائيلي، يعقوب كاتز في "جيروزاليم بوست"، الصحيفة الأكثر شهرة وانتشارًا بين القراء في إسرائيل.
ومع ذلك تبقى خيارات إيران الآن، مربكة إلى حد بعيد، فالمباغتة والأضرار وهجمات المقاتلات الإسرائيلية المتتالية، عطلت استشراف هذه الخيارات سواء على المستوى الدبلوماسي أو العسكري.
فمن غير المرجح الآن أن تُعقد الجولة السادسة من المحادثات النووية بين إيران والولايات المتحدة، والمقرر عقدها في 15 يونيو/ حزيران الجاري. ومع تراجع الجهود الدبلوماسية على ما يبدو، وردود الفعل الإيرانية العسكرية ستُفاقَم دائرة التصعيد.
وفقًا لتقديرات الاستخبارات الأميركية، تمتلك إيران نحو 2000 صاروخ – كثير منها قادر على حمل رؤوس حربية تزيد حمولتها عن 900 كيلوغرام من المتفجرات – وتنتج نحو 50 صاروخًا باليستيًا شهريًا. ولا يزال من غير الواضح مدى تأثر هذه القدرات بالهجوم الإسرائيلي.
وقد تفكر طهران أيضًا في الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، التي تُعدّ حجر الزاوية في ضبط الأسلحة النووية عالميًا. وبينما تعتقد الاستخبارات الأميركية حاليًا – خلافًا للتقييمات الإسرائيلية – أن إيران لا تسعى بنشاط إلى امتلاك أسلحة نووية، فقد تستخدم الجمهورية الإسلامية الهجوم الإسرائيلي لتبرير التخلي عن التزاماتها بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي والتوجه نحو التسلح، بحسب تقديرات Kian Sharifi على موقع راديو الحرية/ إذاعة أوروبا الحرة.
ولعل ذلك ما حمل إران عتصيون ـ نائب رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق ـ على أن يكتب في موقع "إكسبريس" الإلكتروني: "لقد فتح نتنياهو فصلًا جديدًا في الشرق الأوسط- عصر الحرب النووية الإسرائيلية الإيرانية".. لافتًا إلى أن "حكومة نتنياهو ربما تكون قد منحت النظام الإيراني للتو الشرعية المحلية والدولية للسعي للحصول على الأسلحة النووية".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 25 دقائق
- الجزيرة
3 صواريخ إيرانية ضربت حيفا وتل أبيب وهذه أبرز مميزاتها
تعرّضت إسرائيل -الليلة الماضية- لهجوم صاروخي إيراني على دفعتين، مخلفا دمارا كبيرا وقتلى وجرحى في مناطق بينها تل أبيب وحيفا، في حين قالت مصادر إيرانية إن الصواريخ المستخدمة تكتيكية ومزودة برؤوس شديدة الانفجار. وذكرت إذاعة الجيش الإسرائيلي أن خطوط الأنابيب وخطوط النقل في مصفاة حيفا تضررت جراء الهجوم الصاروخي من إيران، في وقت قال فيه معهد وايزمان للأبحاث والعلوم في مدينة رحوفوت جنوبي تل أبيب إن عددا من منشآته تضرر في القصف الإيراني الأخير. ووفقا وسائل إعلام إيرانية، فإن طهران استخدمت صواريخ "عماد" و"قدر" و"خيبر شكن" في القصف الإيراني الليلي، الذي طال أهدافا شمال إسرائيل ووسطها وجنوبها. وقال الخبير العسكري العقيد حاتم كريم الفلاحي إن الدفعة الصاروخية الإيرانية الأولى تمت بـ40 صاروخا، في حين أطلقت طهران 50 صاروخا ومسيّرات في الدفعة الثانية. واستعرض الفلاحي الصواريخ التي استخدمتها إيران في القصف الليلي وأبرز مميزاتها من حيث المدى والسرعة ووزن الرأس الحربي وغيرها. بدورها، نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن الشرطة الإسرائيلية ظهر اليوم الأحد قولها إن حصيلة الهجوم الإيراني ارتفعت إلى 10 قتلى بعد انتشال جثتين إضافيتين من تحت أنقاض مبنى وسط إسرائيل. صاروخ "قدر" النوع: صاروخ باليستي. المدى: يصل إلى 2000 كيلومتر. الوقود: سائل وصلب على مرحلتين. وزن الرأس الحربي: بين 650 وألف كيلوغرام. التأثير: طاقة تدميرية كبيرة. صاروخ "خيبر شكن" النوع: صاروخ باليستي إستراتيجي. المدى: 1400 كيلومتر. السرعة: 9 ماخ. الوقود: صلب وزن الرأس الحربي: أكثر من 700 كيلوغرام. التأثير: قدرة تدميرية عالية. صاروخ "عماد" النوع: باليستي. المدى: 1700 كيلومتر. الوقود: سائل السرعة: 11 ماخ (سريع جدا). وزن الرأس الحربي: من 500 إلى 750 كيلوغرام. التأثير: يمتلك خصائص تفوق بقية الصواريخ الأخرى. وكذلك، نقلت وكالة فارس عن مصدر مطلع قوله إن الحرس الثوري استخدم في الهجوم الأخير على تل أبيب أيضا صواريخ قاسم سليماني الباليستية، وهي صواريخ تكتيكية وموجهة تعمل بالوقود الصلب ومزودة برؤوس شديدة الانفجار. بدورها، قالت القناة الـ12 الإسرائيلية إن تقديرات المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينت) تفيد باحتمال مقتل 800 إلى 4 آلاف إسرائيلي بسبب الصواريخ الإيرانية.


الجزيرة
منذ 35 دقائق
- الجزيرة
منها "إف بي في".. كيف تمكنت المسيرات من إسقاط هيبة السماء في إيران وروسيا؟
قال المنظّر العسكري جولييو دوهيه: "السيطرة على السماء تعني النصر؛ والهزيمة في السماء تعني الهزيمة الكاملة". وقد ترجمت هذه الفكرة ميدانيًا في الخامس من يونيو/حزيران 1967، حين استيقظت مصر على وقع ضربات جوية إسرائيلية حاسمة دمّرت أكثر من 300 طائرة وهي لا تزال جاثمة على مدارجها. خلال ساعات، انهار سلاح الجو المصري، وحُسمت الحرب في الجو قبل أن تبدأ على الأرض. كان الدرس قاسيًا: من يملك السماء، يملك زمام المعركة. لكن وبعد أكثر من 5 عقود وبالتحديد في 13 يونيو/حزيران 2025، انطلقت مسيرات إسرائيلية صغيرة الحجم من داخل إيران نفسها. هذه المرة لم يكن الهدف مدرجات المطارات الإيرانية وإنما مواقع عسكرية حساسة في العاصمة طهران. لم تكن هذه الطائرات من طراز ميراج أو حتى "إف- 35" (F-35)، ولم تُطلق من مدرجات ضخمة، بل كانت طائرات مسيّرة صغيرة من نوع هاروب (Harop) وبمساعدة الموساد. ما جرى في طهران لم يكن فقط ضربة دقيقة، بل إعلانًا عن تحول جذري في موازين القوة الجوية: السماء لم تعد حكرًا على الجيوش وسلاح الجو. قبل ذلك بأسبوعين قامت القوات الأوكرانية عن طريق أسراب مسيرات صغيرة انطلقت من أسقف شاحنات زرعت داخل روسيا لتضرب طائرات روسية وهي جاثمة على مدرجات المطار في محاكاة واضحة لضربة إسرائيل في 67 وتسبب خسائر كبيرة للدب الروسي سميت العملية (بشبكة العنكبوت)، برغم الشبه الكبير بين المشهدين في تأثيره إلا أن التكتيك والأسلوب اختلف بعد عقد من الزمان يظهر أن كلمة السر فيه هي تكنولوجيا المسيرات وخصوصا مسيرات "إف بي في" (FPV). طائرات الإف بي في (FPV): من لعبة هوائية إلى رأس حربي ذكي تُعرف طائرات الإف بي في (FPV) وهي اختصار لمشهد من منظور الشخص الأول (First Person View) بأنها طائرات مسيّرة صغيرة تُوجّه عبر بث حي يُنقل إلى الطيار بواسطة نظارات واقع افتراضي، ما يمنحه تحكمًا مباشرًا وكأنه داخل الطائرة. وقد كانت تُستخدم أساسًا في سباقات الطيران والمغامرات الجوية ولدى هواة التصوير، لكن التطورات التقنية الأخيرة حولتها إلى أداة حرب. المكونات الأساسية لطائرات الإف بي في الهيكل (Frame) مادة الصنع في العادة كربون فايبر لخفتها ومتانتها، ولا يتعدى حجمها غالبًا 3 إلى 7 إنشات (قياس الأذرع والمحركات) كما تتميز بتصميم مفتوح وقابل للتعديل والإصلاح بسرعة. المحركات (Motors) عادة من نوع برشليس (Brushless Motors) الذي يوفر سرعة بين 2200KV إلى 2800KV وهو ما يمنح الطائرة قدرة عالية على المناورة والانقضاض بسرعة. المتحكم الإلكتروني في السرعة (ESC) وهو يتحكم بتوزيع الكهرباء للمحركات. ومزود عادة بتقنيات تحمي من الحرارة الزائدة أو فقدان الاتصال. وحدة التحكم بالطيران (Flight Controller) وهي عقل الطائرة ومزودة بجيروسكوب (Gyro) ومستشعرات لتوازن الحركة. أنظمة التشغيل الشائعة: آردو بايلوت (Ardupilot) آي ناف (iNav) و بيتا فلايت (Betaflight). البطارية (Battery) نوع ليبو LiPo (ليثيوم بوليمر) والتي تمنح بين 3 إلى 8 ساعات طيران بحسب الحمولة. كاميرا تركّب في مقدمة الطائرة تنقل بثًا مباشرًا للطيران عبر ترددات خاصة (2.4GHz أو 5.8GHz) بدقة تتراوح بين إس دي (SD وإتش دي (HD). جهاز إرسال الفيديو (VTX) يبث إشارة الكاميرا إلى نظارات الطيار. قابل لتعديل قوة الإشارة (25mW إلى 800mW عادةً). جهاز استقبال التحكم (Receiver) يلتقط أوامر الطيار من وحدة التحكم الأرضية (RC) ويعمل ضمن بروتوكولات شهيرة. نظارات الواقع الافتراضي (FPV Goggles) يتابع بها الطيار الرحلة وكأنه داخل الطائرة مزودة بجهاز استقبال فيديو، وبعض النماذج تدعم الواقع المعزز أو بث عال الجودة. أما الطائرات الحربية منها فتزود بحمولة هجومية (رأس حربي) وهو عبوة صغيرة تُركّب يدويًا في المقدمة تُصمم غالبًا للتفجير الذاتي عند الاصطدام (أسلوب الكاماكازي kamikaze). المثير في هذا النوع من المسيّرات أنه يمكن صناعتها وتجهيزها في المنازل باستخدام أدوات متوفرة في الأسواق، وبعضها لا يتجاوز سعره 300 إلى 800 دولار. مواقع مثل يوتيوب وغت إف بي في (getfpv) وأوسكار لانغ (oscarliang) تحتوي على آلاف الشروحات والدروس حول كيفية بنائها وتحسين أدائها. وتنتشر منتديات حيث يتبادل المستخدمون التصاميم والبرمجيات والأفكار. ربما من أبرز الشركات المنتجة للمكوّنات الأساسية لطائرات "إف بي في" هي تي- موتور (T-Motor) آي فلايت (iFlight). ومن الطائرات المشهورة في السوق: جي إيه بي آر سي (GEPRC) دياتون روما (DiATone Roma) سينبوت 30 (Cinebot30)، والتي تُستخدم كنماذج طائرات يمكن تعديلها لمهام متعددة. أما المشغّلون، فالكثير منهم ليسوا جنودًا، بل هواة طيران، ففي أوكرانيا، نشأت مدارس غير رسمية لتدريب المقاتلين على قيادة هذه الطائرات، وتحولت إلى حجر أساس في الدفاع والهجوم. حرب العصابات 2.0: حين تصنع الطائرات في المرائب وتُطلق من الأزقة لم تعد طائرات "إف بي في" مقتصرة على الهواة أو المهتمين بالتصوير الجوي. في حروب اليوم، أصبحت هذه الطائرات ركيزة أساسية في تكتيكات حروب العصابات، حيث تُستخدم لضرب أهداف حساسة، وتوجيه رسائل إستراتيجية، بكلفة لا تقارن بأسلحة الجيوش التقليدية. توحي عملية "شبكة العنكبوت" التي نفذتها أوكرانيا داخل روسيا باستخدام شبكات واسعة من طائرات "إف بي في" محلية الصنع بمقدار العمل الذي كان ينسج للوصول لهذه العملية، فالمقاتلون الأوكرانيون وهم جواسيس داخل مناطق روسية أنشؤوا ما يشبه خلايا إنتاج صغيرة في المرائب والمنازل، حيث تُجهّز الطائرات وتُبرمج باستخدام تقنيات مفتوحة المصدر، ثم تُرسل إلى الخطوط الأمامية مزودة بكاميرات وأحيانًا برؤوس متفجرة. الميزة القاتلة لهذه الطائرات أنها لا تحتاج إلى أقمار صناعية أو بنية تحتية معقدة، وإنما تحتاج طيارًا متمرّسًا، وجهاز تحكّم بسيطا، وإشارة بث مستقرة. وهي قادرة على المناورة داخل الأزقة، والطيران بارتفاعات منخفضة لتجنب الرادارات، وتفجير نفسها عند الاصطدام بالهدف. نهاية السيادة الجوية: لماذا تقوّض "إف بي في" فلسفة سلاح الجو التقليدي؟ لأكثر من قرن، ارتبط مفهوم القوة الجوية بالطائرات النفاثة، والمدارج الضخمة، والبنية اللوجستية المعقدة. وكان بناء سلاح جو قوي يعني إنفاق مليارات الدولارات، وتدريب آلاف الطيارين، وصيانة طائرات متطورة. لكن مع دخول طائرات إف بي في إلى المعادلة، بدأت فلسفة السيطرة الجوية تتصدّع. في الحروب التقليدية، السيطرة على السماء تتطلب تدمير دفاعات العدو، وقواعده الجوية، ثم فرض هيمنة جوية عبر طائرات بعيدة المدى. أما في الحروب الحديثة، فتكفي حقيبة صغيرة بداخلها طائرة إف بي في، وبرمجية مفتوحة المصدر، وطالب جامعي خبير بالإلكترونيات، لإسقاط دبابة أو ضرب مقر قيادة. وهو أيضا الفرق بينها وبين المسيّرات التقليدية التي لا تزال بحاجة إلى قواعد متقدمة، ومسارات طيران واضحة، ودعم استخباراتي كبير. أما إف بي في، فتعتمد على لامركزية كاملة. كل طيار يصبح وحدة مستقلة. كل بيت يمكن أن يكون مصنعًا. كل شارع قد يخفي مطارًا افتراضيًا. ولعل أخطر ما في هذه التكنولوجيا هو قدرتها على دمج الذكاء الاصطناعي في أنظمتها. فقد طوّرت بعض الجماعات خوارزميات لتعقّب الأهداف تلقائيًا، أو تنفيذ مسارات هجومية ذاتية حتى في حال فقد الاتصال المباشر. محمد الزواري: وحلم كسر احتكار السماء ربما في عالمنا العربي يعتبر المهندس التونسي محمد الزواري احد الرموز لهذا التمرّد التكنولوجي. فبعد سنوات من العمل في مجال الطيران، أدرك الزواري أن القوة الجوية لم تعد حكرًا على الدول، بل يمكن أن تُصنع في الظل، وتُسيّر من دون ضوء. ولهذا انضم الزواري إلى كتائب القسام، وبدأ تطوير طائرات مسيّرة محلية، كانت نواة لما أصبح لاحقًا برنامجًا جويًا غير تقليدي لحماس. لم تكن هذه الطائرات متقدمة تقنيًا، لكنها كانت فعّالة، وحققت اختراقًا رمزيًا كبيرًا في مشهد الصراع غير المتكافئ، قبل أن يغتال الزواري من قبل الموساد الإسرائيلي عام 2016. اليوم ومع استشهاده تحيا أفكاره أكثر ويتبناها العديد من المستضعفين وحتى الدول لمواجهة عمالقة السماء. فطائرات "إف بي في" التي تُجهّز في منازل أوكرانية أو غزية أو لبنانية، أصبحت رأس الحربة في معارك تُخاض بعيدًا عن مدارج الطائرات، ولكنها تُغيّر خريطة الصراع. من منظومة دولة إلى أداة فرد لقد انتقلت السماء من حصرية الجيوش إلى انفتاح جديد للأفراد والمجموعات غير النظامية. ما كان يومًا حكرًا على طيارين في بزّات رسمية داخل طائرات بمليارات الدولارات، بات الآن متاحًا لشباب في مقتبل العمر، يستخدمون أدوات رقمية ومعرفة تشاركية لصناعة سلاح جوٍّ من نوع جديد. هذه ليست مجرد ثورة تكنولوجية، بل ثورة فلسفية تحاول الإجابة على السؤال الرئيسي من يملك السماء الآن؟ بعد ظهور طائرات "إف بي في"، قد تكون الإجابة: من يملك الإبداع، ولا يملك المدرجات التي يمكن قصفها.


الجزيرة
منذ 39 دقائق
- الجزيرة
إذاعة الجيش الإسرائيلي عن مصدر عسكري: رصدنا إطلاق 50 صاروخا من إيران باتجاه إسرائيل
التفاصيل بعد قليل.. عاجل | إذاعة الجيش الإسرائيلي عن مصدر عسكري: رصدنا إطلاق 50 صاروخا من إيران باتجاه إسرائيل الجبهة الداخلية الإسرائيلية: صفارات الإنذار تدوي في مناطق واسعة في إسرائيل