
هل غادر سفير باريس الجزائر من دون الإعلان عن ذلك؟
حمل بيان الخارجية الجزائرية، الإثنين 17 مارس الجاري، معلومة مفادها أن البيان الاحتجاجي الذي رفعته الجزائر إلى السلطات الفرنسية، حمّلته لشخصية دبلوماسية ليست في مستوى السفير، كما جرت عليه العادة، وإنما لشخص في مستوى أدنى، هو القائم بأعمال سفارة فرنسا في الجزائر.
وقبل بيان استقبال قائم الأعمال الفرنسي، بيوم واحد، أفادت برقية لوكالة الأنباء الرسمية أن الخارجية الجزائرية استدعت السفير الفرنسي بالجزائر، ستيفان روماتي، الأسبوع المنصرم، وواجهته بـما وصفته 'تجاهل' السلطات الفرنسية الملف المتعلق بالعقارات الجزائرية التي تستغلها السفارة الفرنسية وملحقاتها الدبلوماسية، وعلى رأسها مقر السفارة بحيدرة، والتي يستغلها الجانب الفرنسي بالفرنك الرمزي منذ أزيد من ستين سنة.
وقبل الأسبوع المنصرم، كشف بيان آخر للخارجية عن استقبال السفير الفرنسي بمقر وزارة الخارجية لتبليغه احتجاج الجزائر الرسمي على مشاركة الجيش الفرنسي في مشروع مناورات مع جيش النظام المغربي في منطقة الرشيدية، بالقرب من الحدود الغربية للبلاد، الأمر الذي يدعو إلى التساؤل حول خلفية استقبال القائم بأعمال السفارة الفرنسية في الجزائر، بدل السفير.
المرجح هو أن السفير الفرنسي لم يعد موجودا في الجزائر. وهذا يمكن قراءته انطلاقا من احتمالين، أولهما أن سلطات بلاده استدعته من أجل التشاور ولم تعلن عن ذلك. وإما أن السفير يوجد في عطلة، وهذا مستبعد في ظل الأزمة السياسية والدبلوماسية المتفاقمة بين البلدين، إلا إذا كان في عطلة مرضية.
يقول محلل دبلوماسي، سبق له وأن شغل منصب قائم بأعمال إحدى السفارات الجزائرية، في إفادة لـ'الشروق'، 'إن استقبال وزارة خارجية الدولة المضيفة لقائم بأعمال سفارة معينة، يشير إلى أن السفير غير موجود في سفارة تلك الدولة، وإلا اعتبرت الخطوة تجاوزا للعرف الدبلوماسي'.
وفي حالة غياب السفير لظرف ما عن السفارة (لم يتم سحبه بقرار من سلطات بلاده)، يؤكد المختصّ ذاته الذي فضل عدم الكشف عن هويته، أن الجهة الوصية ممثلة في وزارة الخارجية، ترسل 'مذكرة شفوية' تعلن من خلالها تكليف مسؤول ما بالسفارة للقيام بمهمة القائم بالأعمال من تاريخ كذا إلى تاريخ كذا، وفق مقتضيات تنظيم العمل الدبلوماسي.
وقبل استقبال الخارجية الجزائرية للقائم بأعمال سفارة فرنسا، كانت السلطات الفرنسية المخولة قد استدعت القائم بأعمال سفارة الجزائر بباريس الجمعة المنصرمة، لتبليغه القوائم التي أعدها وزير الداخلية الفرنسية، برونو روتايو، بأسماء الجزائريين الذين تنوي السلطات الفرنسية ترحيلهم، وهو القرار الذي ردت عليه الجزائر مساء الإثنين المنصرم، ببيان شديد اللهجة، معلنة رفضها للقرار ومشددة على ضرورة احتكام الطرف الفرنسي الاتفاقيات المبرمة بين البلدين وعلى رأسها اتفاقية 1974 المتعلقة بالإجراءات القنصلية.
والمثير في الأمر هو أنه وبعد يوم واحد من استقبال الجزائر للقائم بأعمال السفارة الفرنسية، خرج وزير العدل الفرنسي، جيرالد موسى دارمانان، صبيحة الثلاثاء 18 مارس الجاري، في برنامج حواري على القناة الفرنسية 'تي آف 1″، ليطالب باستدعاء السفير الفرنسي بالجزائر، ستيفان روماتي، ووقف إعطاء التأشيرات الدبلوماسية للمسؤولين الجزائريين.
وقال: 'بالنسبة لي، لا يتعين فقط على السلطات الفرنسية استدعاء السفير الفرنسي من الجزائر، لأنه لا يوجد سفير للجزائر في فرنسا منذ أشهر، بل يتعين أيضا وقف منح التأشيرات الدبلوماسية (للجزائريين)'، معلنا تأييده لما يسمى 'التصعيد التدريجي'، الذي رفعه زميله في الحكومة، برونو روتايو.
وفي تعليقه على كلام دارمانان، نفى المصدر الدبلوماسي وجود 'تأشيرة دبلوماسية'، وإنما هناك 'جواز سفر دبلوماسي' و'جواز سفر بمهمة'، تكون مدته محددة بفترة المهمة التي كلف بها.
هل تصريح وزير العدل الفرنسي بسحب السفير من الجزائر، مجرد مصادفة مع اختفاء أو غياب السفير الفرنسي عن السفارة؟ أم أن ستيفان روتايو، شعر بأنه أصبح شخصا غير مرغوب في وجوده بالجزائر، بسبب كثرة استدعائه من قبل السلطات الجزائرية لتبليغه احتجاجاتها على الممارسات والاستفزازات الفرنسية المتكررة؟
وفي السياق، طرحت صحيفة 'لوفيغارو' الثلاثاء 18 مارس الجاري، سبرا لآراء الفرنسيين على موقعها الأنترنيت، وطرحت السؤال التالي: 'أزمة الجزائر- باريس: هل تستدعي فرنسا سفيرها في الجزائر؟'.
وسبق للسفير الفرنسي الأسبق بالجزائر، كزافيي دريانكور، أن عاش الوضعية ذاتها التي يعيشها السفير الحالي، ستيفان روماتي، في مهمته الثانية بالجزائر من سنة 2017 إلى 2020، بحيث اضطر إلى تقديم طلب إلى الرئيس الحالي، ماكرون، بإعفائه من منصبه، بعد ما أصبح غير قادر على تأدية مهامه الدبلوماسية بكل أريحية، علما أن تلك الفترة كانت العلاقات الثنائية تمر بمرحلة عصيبة أيضا.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


المساء
منذ يوم واحد
- المساء
استحواذ روتايو على صلاحيات غيره يرهن المصالحة مع الجزائر
لم تخرج الإجراءات الأحادية للجانب الفرنسي بخصوص إلغاء اعفاء حاملي جوازات السفر الدبلوماسية من التأشيرة، عن الأساليب الملتوية التي يعتمدها اليمين المتطرّف بزعيمه "الجديد" برونو روتايو الذي يتجرأ في كل مرة على التدخّل في صلاحيات السياسة الخارجية لبلاده والتي يفترض أن تكون من صميم مهمة الرئيس ماكرون أو زير خارجيته، بل تعدى الأمر ذلك إلى حدّ الإضرار بعلاقات بلاده مع الجزائر، وبإقراره قوانين أدخلت فرنسا في نفق مسدود تسبّب في خروج الآلاف من المواطنين الفرنسيين في مظاهرات غاضبة. يكفي أن نستدل في هذا الصدد بتأكيد القائم بالأعمال بسفارة فرنسا بالجزائر الذي استدعي أربع مرات من قبل وزارة الشؤون الخارجية، والذي أوضح أنه لا يحوز أي تعليمات من وزارة خارجية بلاده وأنه لم يتمكن إلى غاية اليوم من تقديم أي ردّ على الطلبات الرسمية المتكرّرة لتوضيح الموقف الفرنسي بخصوص هذا الموضوع. ويتبيّن مما لا يدع مجالا للشك أن "الاليزيه" و"الكيدورسي" أصبحا رهينة المتطرّف روتايو، الذي استحوذ على صلاحيات ليست من اختصاصه، بل جعل من الجزائر شماعة لتبرير إخفاقاته على المستوى الاجتماعي، بسبب إصداره لجملة من القوانين المجحفة، فضلا عن تفشي ظاهرة الإسلاموفوبيا التي تهدّد النسيج الاجتماعي في فرنسا. ولا يقتصر خطاب الكراهية الذي يتبناه روتايو على الصعيد النظري، بل يعمل على قدم وساق من أجل تشويه صورة الجزائر، من خلال إعداده لمذكرة داخلية مطلع مارس الماضي نشرتها صحيفة "لاتريبون دو ديمونش"، بغرض الضغط على الجزائر والإضرار بمصالحها المشتركة مع باريس بصيغة عنيفة أثارت جدلا مع الوزارة الأولى الفرنسية. فقد تضمّنت الوثيقة تعليمات صارمة ضد الجزائر، وعكست مدى تدهور العلاقات على المستويات الدبلوماسية والأمنية والهجرة بين البلدين، بدليل أن محتواها "صنّف سريا للغاية وشأن دفاعي"، تحت عنوان "الأزمة السياسية مع الجزائر: ضرورة الانخراط في علاقة قوة"، بمعنى زيادة الضغط عليها. كما ذهبت إلى حدّ التشكيك في الاتفاقيات الثنائية لسنة 1968، التي تسهل إقامة الجزائريين في فرنسا، مشيرة إلى أنها ليست الحلّ الوحيد الموصى به، ما يؤكد بأن ملف العلاقة بين الجزائر وفرنسا لم يعد شأنا يعالج على مستوى وزارة الخارجية وإنما في وزارة الداخلية، فضلا عن وجود تداخل صلاحيات مؤسّساتية على مستوى الحكومة الفرنسية. فعلى سبيل المثال نذكر محاولة دائرة روتايو تنفيذ المادة 47 من "قانون دارمانان"، الذي تمّ التصويت عليه نهاية 2023، بعد اجتماع اللجنة الوزارية للهجرة المنعقد في فيفري الماضي، حيث يسمح في مادته المسماة "التأشيرة والقبول"، للسلطات الفرنسية باعتماد تدابير تقييدية في إصدار التأشيرات، بخصوص الدول التي لا تستعيد مهاجريها غير الشرعيين، غير أن اختلاف الرأي بين وزارتي الداخلية والخارجية أدى إلى عدم تطبيق هذه المادة. ويظهر جليا أن استحواذ اليميني المتطرّف روتايو على الملف الخاص بعلاقة الجزائر وباريس، يندرج في إطار تصفية الحسابات التي ورثها عن مجرمي الاستعمار الذين يرفضون هضم فكرة فقدانهم للجزائر، حيث انعكس ذلك على تصريحاته التي يذكر فيها الجزائر في كل مناسبة وغير مناسبة . وعليه فإن طرد الجزائر لموظفين تابعين لوزارة روتايو أوفدتهم باريس للعمل في سفارة فرنسا بالجزائر، لا يندرج سوى في إطار ردّ الفعل إزاء هذا السلوك الاستفزازي الذي يخفي وراءه مآرب هدفها الإضرار بالأمن القومي الوطني، حيث يشكل ذلك رسالة لليميني المتطرّف بأن المصالح الأمنية الجزائرية على دراية بكل المخطّطات التي تحاك على أراضيها. والواقع أن برونو روتايو أضر بالعقيدة السياسية الفرنسية التي لم يسبق لها أن شهدت هذا التدهور في علاقاتها الدولية، ليس مع الجزائر فحسب، بل حتى في محيطها الإقليمي، في الوقت الذي تتمسّك فيه الجزائر بضرورة التعاطي مع ملف فرنسا وفق الندّية وأبجديات متعارف عليها في السياسة الخارجية والقنوات الدبلوماسية، مثلما سبق وأن صرح بذلك رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون الذي يعتبر إيمانويل ماكرون "المرجعية الوحيدة" لحلّ الخلافات بين الجزائر وفرنسا. ورغم تودّد ماكرون للرئيس تبون خلال المكالمة الهاتفية التي جرت بينهما بمناسبة عيد الفطر المبارك من أجل فتح صفحة جديدة بين البلدين، إلا أن سلوكات روتايو قد أثّرت بالسلب على المنحى الذي كانت ستشهده العلاقات الثنائية بسبب إصراره على "شيطنة " كل ما هو جزائري.


الشروق
١٢-٠٥-٢٠٢٥
- الشروق
باريس تصعّد… ودريانكور ينصح بوساطة الأمريكيين والإيطاليين
رغم التزام الطرف الجزائري بالهدوء منذ تبادل طرد الإطارات القنصلية من البلدين قبل نحو 3 أسابيع من الآن، إلا أن الطرف الفرنسي لا يتورع في تغذية الأزمة من حين إلى آخر، من خلال الإدلاء بتصريحات مجانية ومستفزة في غالب الأحيان، تؤشر على أن الساسة في باريس لم يهضموا بعد التوجهات التي باشرتها السلطات الجزائرية في إقامة علاقات ندية مع المستعمرة السابقة. ولم يعد أولئك الذين يسارعون في تغذية التصعيد على المستوى الرسمي في فرنسا، من الوجوه السياسية المعروفة بخلفياتها اليمينية المتطرفة المعادية للجزائر ومصالحها، على غرار وزير الداخلية، برونو روتايو، وإنما امتد الأمر هذه المرة إلى وجوه كانت تعتبر إلى وقت قريب، معروفة بجنوحها إلى التهدئة، على غرار، صوفي بريما، المتحدثة باسم حكومة فرانسوا بايرو. وبعد يومين فقط من تصريح وزير الخارجية الفرنسي، جون نويل بارو، الذي قال فيه إن العلاقات مع الجزائر لا تزال في 'مأزق' ومرجعا السبب إلى عدم تجاوب الطرف الجزائري مع المطالب الفرنسية بإطلاق سراح الكاتب الفرانكو جزائري، بوعلام صنصال، خرجت المتحدثة باسم الحكومة الفرنسية، في مؤتمر صحفي أعقب اجتماع مجلس الوزراء الفرنسي مساء الأربعاء، لتدلي بتصريحات لا تقل استفزازا عن تلك التي كان يطلقها برونو روتايو تجاه الجزائر في وقت سابق. وقالت صوفي بريما معترفة بخطورة الأزمة: 'في الواقع، الوضع مع الجزائر وصل اليوم إلى طريق مسدود'. ودون أن تجنح إلى التحفظ أو تفادي لغة التهديد، راحت تتوعد بالذهاب بعيدا في المنطق التصعيدي تجاه الجزائر، أو ما وصفته 'الرد التدريجي'، الذي كان من اختراع وزير الداخلية الفرنسي، كما هو معلوم. وأضافت المتحدثة باسم الحكومة الفرنسية: 'وفي ظل هذا الانسداد، سيعود رئيس الوزراء ووزير الداخلية ووزير الخارجية إلى العمل معا في مرحلة من التشاور والمفاوضات لمواصلة تطبيق هذا الرد التدريجي تجاه الجزائر، وربما تشديدها'. كما تحدثت عن عودة النقاش داخل الجهاز التنفيذي، من أجل 'تحديد كيفية تسريع توسيع نطاق هذا الرد التدريجي'. وكعادة المسؤولين الفرنسيين، يعمدون دوما إلى إبراز مطالبهم ويلبسون رداء الشرعية عليها، لكنهم يتجاهلون حق الجزائر في الدفاع عن مصالحها الجيوسياسية في مواجهة الموقف الفرنسي المتعارض مع القانون الدولي في قضية الصحراء الغربية، وكذا إطلاق سراح الموظف القنصلي الذي تعرض لاختطاف استعراضي في عرض أحد الشوارع الباريسية من قبل عناصر الأمن الداخلي الفرنسي، الذين يعملون تحت إمرة وزير الداخلية. وفي السياق ذاته، خرج السفير الفرنسي الأسبق بالجزائر، كزافيي دريانكور، على القناة الفرنسية الخامسة، بتصريحات جديدة، ليلة الأربعاء إلى الخميس، تعبر عن وجود قناعة لديه بفشل الطرف الفرنسي في تحقيق ما كان يصبو إليه، تحت لغة التهديد والوعيد، منذ اندلاع الأزمة غير المسبوقة بين البلدين، الصائفة المنصرمة، مستبعدا استئناف الحوار في المستقبل القريب. ودعا الدبلوماسي المتقاعد سلطات بلاده إلى ضرورة الاستنجاد بوساطة إيطالية أو أمريكية، من أجل إطلاق سراح الكاتب الفرانكو جزائري، بوعلام صنصال. وبرأيه، فإنه لو يتدخل الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في قضية صنصال، ستجد طريقا إلى الحل. وقال حالمًا: 'لو غرد الرئيس الأمريكي على منصة 'إكس' مطالبا السلطات الجزائرية بإطلاق سراح الكاتب المسجون، أستطيع أن أجزم بأن الجزائريين سيتجاوبون معه بشكل إيجابي، لأن العلاقات بين الجزائر وواشنطن توجد في أحسن أحوالها'، على حد زعمه. وبالمقابل، تحافظ الجزائر على هدوئها إزاء الاستفزازات الفرنسية، غير أنها تبقى متمسكة بحقوقها الشرعية والمتمثلة في حتمية تحمل الطرف الفرنسي مسؤوليته في الجرائم التي ارتكبها في الجزائر خلال الحقبة الاستعمارية، وهو ما عبر عنه الرئيس عبد المجيد تبون في الرسالة التي وجهها للجزائريين بمناسبة ذكرى الثامن من ماسي 1945، عندما قال: 'لن يكون ملف الذاكرة عرضة للتناسي والإنكار'.


المساء
١١-٠٥-٢٠٢٥
- المساء
مسيرة حاشدة ضد الإسلامفوبيا وخطاب الكراهية لليمين المتطرّف
❊ "روتايو استقيل" أبرز مطالب المتظاهرين ❊ روتايو دنّس العقيدة السياسية الفرنسية بزرع الفتنة داخل المجتمع ❊ وزير منبوذ يحرّض على العنف والمساس بالإطار الاجتماعي لفرنسا أصبحت فرنسا على صفيح ساخن بسبب السياسة العدائية التي يروّجها اليميني المتطرّف وزير الداخلية برونو روتايو، وخطاب الكراهية الذي أدخل بلاده في نفق مسدود، حيث تفاقمت المشاكل الاجتماعية بسبب سلسلة قوانينه التعسّفية التي انعكست سلبا على المواطنين، ما أدى إلى تنظيم سلسلة من المظاهرات بمختلف المدن الفرنسية، منها المسيرة الحاشدة التي نظّمت، أمس، بباريس وأماكن أخرى في فرنسا للتنديد بظاهرة الإسلاموفوبيا وتكريم المهاجر المغتال أبو بكر سيسي، آخر ضحايا الخطاب العنصري. حمل آلاف المتظاهرين الذي شاركوا في المسيرة العارمة التي نظمت بمبادرة من منظمات وشخصيات بارزة للتنديد بـ"الإسلاموفوبيا"، دعوة عامة لمحاربة الأفكار العنصرية التي ينشرها اليمين المتطرّف، خاصة بعد الأحداث الأليمة التي شهدتها فرنسا، حيث دعا المنظمون من القوى السياسية والدينية والمجتمع المدني في البلاد إلى الاتحاد لمحاربة العنصرية ضد المسلمين. ووجّه المتظاهرون الغاضبون الذين جاؤوا من مختلف المدن الفرنسية رسائل قوية لروتاويو حاملين لافتات تطالبه بالاستقالة، في حين عبّرت أخرى عن رفضها القاطع للأفكار العنصرية التي يروّجها اليمين المتطرّف، كونها لن تزيد سوى في تفكيك النسيج الاجتماعي الفرنسي. ولم تتوقف حناجر المحتجين الذين تقدّمهم أعضاء حزب فرنسا الأبية، على غرار، لويس بوبوارد، جان لوك ميلونشون ودانييل اوبونو، من إطلاق هتافات تطالب وزير الداخلية الفرنسي للتنحي وهي "روتايو ديقاج"، و"روتايو ديميسون" و"لا للإسلاموفوبيا"، ما يعبّر درجة الحنق التي تعتري الشارع الفرنسي. كما جاء في لافتات المتظاهرين "العنصرية تبدأ بالكلمات وتنتهي مثل أبوبكر"، و"إنهم ليسوا معادين للإسلام، لكنهم فقط لا يحبّون المسلمين"، في حين هتف متظاهرون آخرون بالقول "مع وفاة أبوبكر سيسيه، تمّ تجاوز خط أحمر". وعبر النائب البرلماني عن حزب العمال الفرنسي إريك كوكريل في تصريح للاعلام عن أسفه لـ"الزيادة التي لا يمكن إنكارها في معاداة الإسلام، والتي أدت إلى وفاة أبو بكر سيسيه في أحد المساجد"، فيما أعرب ياسين بن يطو، الأمين الوطني لجمعية الشباب والمشارك في تنظيم المسيرة التي حملت أيضا الأعلام الفلسطينية، عن أسفه للخوف المستمر والمتزايد في أوساط المجتمع المسلم، معتقدا أن "الخطاب غير المقيد" لجزء من الطبقة السياسية يغذي مناخا معاديا للمسلمين و"يقوض أمن جزء من الشعب الفرنسي". ويأتي حراك الشعب الفرنسي ليدق ناقوس الخطر إزاء الممارسات غير الأخلاقية للوزير روتايو الذي دنّس العقيدة السياسية الفرنسية، من خلال زرع الفتنة داخل المجتمع والتحريض على ممارسة العنف ضد الأجانب، علاوة على المساس بالإطار الاجتماعي للمواطنين ما أثار الكثير من الغضب على المستويين السياسي والشعبي. والواقع أن هذه الاحتجاجات عكست حجم التوتر المتصاعد داخل فرنسا، بسبب الخطاب الإقصائي المستفز الذي تتبناه بعض الأطراف، وفي مقدمتها اليمين المتطرّف الذي زاد في تأجيج الغضب الشعبي وزيادة حالة الاحتقان، بسبب محاولة اختزال قضايا الأمن والتعايش في بعد هوياتي ضيق، لا يسهم سوى في تعميق الفجوة بين مكوّناته ما يهدّد السلم الاجتماعي.