
«جبهة المقاومة الإسلامية» في سوريا: ماذا تحمل هوية المولود الجديد؟
شهد الصراع العربي الإسرائيلي محطة فارقة إبان انعقاد القمة العربية في بيروت عام 2002 ، وعلى الرغم من أنها لم تكن الأولى بين ممن حملن تلك الصفة من نظيراتها السابقات، لكن الأخيرة وضعت المنطقة أمام حالة هي أقرب للـ«الاستسلام المشروط»، وما زاد في الأمر سوءا هو أن تل أبيب رفضت «مبادرة السلام العربية» التي تمخضت عن تلك القمة، انطلاقا من إن المنهج الذي تقوم عليه هذي الأخيرة، والقائل بالسلام الشامل مقابل الإنسحاب الشامل، أمر لا يبرره ميزان القوى القائم بين طرفي الصراع، في مؤشر على قبولها «الاستسلام» لكن شريطة ألا يكون مشروطا، ومع ذلك بقيت تلك المبادرة، التي حظيت بتأييد وازن من أطراف دولية عديدة، كما «الإيقونة» التي يعرضها العرب في المحافل الدولية كدلالة على رفضهم للحرب، وميلهم الطاغ نحو السلام، وعلى مدار الأعوام الثلاثة والعشرين، الفاصلة ما بين اليوم وبين تلك «المبادرة»، كانت الانهيارات، تلك الواقعة على الضفاف العربية فحسب، تدفع بـ«مؤشر الميزان»، آنف الذكر، نحو مستويات غير مسبوقة، ولربما يكفي للدلالة على ذلك التذكير بتصريح قريب لأسعد الشيباني، وزير الخارجية السوري، كان قد قال فيه «شروطنا للتطبيع مع اسرائيل هي عدم التدخل في الشأن الداخلي»، ومن الواضح أن التصريح يمثل طيا لملفات ذات أبعاد تاريخية وحقوقية جنبا إلى جنب أوراق قوة يراد لها الدخول في طور السبات، وإذا ما كان لـ«صانع القرار» السياسي حساباته التي قد تكون مبررة بفعل «موجبات» قد يكون من الصعب الكشف عنها، فإن «الذات» الجمعية، للعرب، والسوريين على وجه الخصوص، لا ترى نفسها معنية بذلك النوع من الحسابات، وداعيها في «التمرد» عليها يستند إلى مسلمة تقول: إن مقاومة الاحتلال أمر تبيحه كل شرائع السماء، وتقره كل قوانين الأرض.
في أعقاب سقوط نظام بشار الأسد أعلنت تل أبيب إن «اتفاقية فك الاشتباك الموقعة مع النظام السابق عام 1974 لم تعد قائمة»، والمؤكد هو إن ذلك الإعلان كان مقدمة لتوغلات كبرى كانت قد بدأت بالسيطرة على كامل «المنطقة العازلة»، فيما راحت التقارير تتوارد مؤكدة على حصول توغلات أعمق، وآخرها كان يشير إلى وصول طلائع الجيش الإسرائيلي على مبعدة 2 كم من قطنا حيث معسكرات الفرقة العاشرة للجيش السوري السابق، بل إن موقع «حدشوت للو تسنزورا» العبري كان قد نشر، يوم السبت الفائت، صورا لجنود اسرائيليين قال إنها في سوريا، وعلق تحت تلك الصور بعبارة تقول«جنودنا في مقارهم بسوريا»، ولم يحدد الموقع أين هي تلك المقار؟ ثم كيف أقيمت بهذه السرعة؟ وكان ذلك كله يجري وسط صمت حكومي مطبق، ومن الصعب على الكثيرين فهمه أيا تكن دوافعه، وأيا تكن حساباته.
يوم 4 آذار الفائت، أي على مبعدة ثلاثة أشهر من سقوط نظام الأسد، جرى الإعلان عن تأسيس «جبهة المقاومة الإسلامية - أولي البأس» في سوريا، وفي بيانها التأسيسي جاء إن الجبهة «تسعى إلى أن تكون الجسد الواحد للشعب السوري بكل أطيافه ودياناته، مع التركيز على حماية أمن سوريا ووحدة أراضيها»، وفي حينها تعامل الكثيرون مع فعل الإعلان، آنف الذكر، على انه «وهمي»، بمعنى أن لا وجود له على أرض الواقع، في حين اعتبره البعض «فقاعة» إعلامية خارجة من « الرحم» الإيرانية الجريحة، وقد ذهب هؤلاء، لتأكيد صوابية اعتبارهم، للقول إن «وكالة مهر للأنباء» الإيرانية هي التي كانت» المبشر « الأول بتلك الولادة، الأمر الذي دفع بـ«الجبهة» الى الكشف عن بعض من هيكليتها التنظيمية أواخر شهر آذار المنصرم، وقد جاء في بيان نشر في هذا التوقيت الأخير ان «محمود موالدة يقوم بمهام رئيس الدائرة السياسية في الجبهة»، فيما يتولى كل من «بتول بدر وعباس الأحمد وجبران سالم وملاك الظاهر وعلي الأشقر مسؤولية دوائر المرأة والإعلام المركزي والاقتصاد والمغتربين والتنظيم على التوالي»، وبعد أيام من انعقاد مؤتمر «الجبه» الأول بدمشق يومي 5 و 6 من شهر أيار المنصرم، ذكرت مصادر مقربة من هذه الأخيرة ان «نحو 200 شخصية كانت قد شاركت في اليوم الأول»، وأضافت إن المؤتمر حقق اندماجا ما بين فصائل عدة مثل «درع الساحل ( بعد انشقاقها عن مقداد فتيحة المقرب من ماهر الأسد)، وسرايا العرين ( بقيادة أبو شعيب)، وعدد من فصائل المقاومة الشعبية»، لكن أحد كوادر «الجبهة الشعبية لتحرير لواء اسكندرون»، التي أسسها ويقودها معراج أورال (علي كيالي) قال في اتصال مع «الديار» إن «الجبهة ( أي الجبهة الشعبية لتحرير لواء اسكندرون) كانت حاضرة بقوة في المؤتمر»، وقد تم الاتفاق «على تغييب ذكرها في هذه المرحلة لأسباب خاصة»، واللافت في الأمر أن الإعلان عن عقد المؤتمر الذي «جرى في منطقة شديدة السرية بدمشق»، وفقا للمصادر سابقة الذكر، واللافت إن لم يثر أي ردة فعل لدى السلطات في دمشق، بل ولم يأت أحد على ذكره ممن هم في مواقع القرار في هذه الأخيرة، وبعد نحو شهر من ذلك الحدث أعلنت «الجبهة» عن تبنيها لأول عمل عسكري موجه ضد قوات الإحتلال الإسرائيلي، حيث ذكرت الجبهة في بيان لها، 3 حزيران، إن مقاتليها «استهدفوا بصاروخي غراد مواقع لجيش الإحتلال في الجولان السوري المحتل»، وبعيد الفعل بثلاثة أيام وجه أبو قاسم، المتحدث باسم الجبهة، عبر بيان، رسائل ثلاث كانت الأولى للسوريين سائلا إياهم «منذ متى وأنتم تطلبون ممن يقتل الأطفال والشيوخ، ويهرق الأرض وينتهك العرض، ليكون حاملكم»، والثانية لحكومة دمشق التي خاطبها قائلا«اليوم انحرفت ( الثورة) عن طريقها، وأصبحت مشروعا انهزاميا يطالب بالتطبيع مع الكيان الصهيوني مقابل بعض الامتيازات»، أما الثالثة فموجهة لاسرائيل التي خاطبها قائلا «لم نكن مهزومين، فإن كانت الحكومات تهرول للتطبيع معكم، من خلال التعامل المباشر أو عبر الوسطاء، فهم فئة أضلت الطريق»، ولعل ذلك كله جاء في سياق تصدير مشهد يريد القول، للمشككين، إن «الجبهة»: أمر واقع، بل إنها دخلت «طور الإثمار»، تمهيدا لتصعيد مرتقب.
يوم السبت الفائت ظهر أبو جهاد رضا، القائد العام لـ«جبهة المقاومة الإسلامية» في سوريا، في تسجيل مصور أطلق من خلاله «نداء التعبئة العامة»، وقال في خطابه الموجه إلى «المجاهدين والأحرار وضباط الجيش العربي السوري وعناصره»، داعيا إياهم «لمواجهة قوى الاحتلال المختلفة، من لواء اسكندرون إلى الجولان المحتل، ومن الشرق السوري إلى العاصمة التي تبكي مجدها»، وأضاف إن «ما جرى في سوريا ليس حربا أهلية، ولا فوضى داخلية، بل مخطط صهيوني مركزي تلاقت فيه مصالح تل أبيب وواشنطن وأنقرة وموسكو بتمويل خليجي ورعاية استخباراتية شاملة»، وأشار إلى أن هناك «17 مقرا للاستخبارات الصهيونية داخل دمشق، ومهمتها بث الفتنة والفرقة بين أبناء الوطن الواحد»، قبيل أن يختم معتبرا إن «المقاومة هي واجب المرحلة»، وفي كواليس هذا التسجيل، الذي قد يشكل نقطة حاسمة في مسار الأحداث لاحقا، ذكرت تقارير إنه «جرى في منطقة ما من الجنوب السوري الذي يعاني من توغلات اسرائيلية متكررة»، وأضافت تلك المصادر إن «أبو جهاد» قام بتأجيل ندائه لسببان، أولاهما لكي يتزامن مع الذكرى 80 لتأسيس الجيش العربي السوري، وثانيهما لكي يتعافى من آثار الإصابة التي تعرض لها إبان أحد الاستهدافات الإسرائيلية للجنوب السوري منتصف شهر تموز الفائت، وتضيف التقارير إن «أبو جهاد لم يكن قد تعافى تماما عند تصوير التسجيل لكنه أصر على تسجيله في ذلك اليوم».
ظهر أبو جهاد بوجه ملثم وبزة عسكرية، وفي خلفية الصورة الحمراء انزرعت عشرات الأيدي المنبثقة من الأرض، والقابضة بشدة على البنادق بطريقة تريد تصوير حالة التماهي بين الاثنين، وعلى يسار الصورة آية، قد تكون ذات دلالة وقد لا تكون، تقول «نصر من الله وفتح قريب»، ولعل «الهوية البصرية»، إذا ما صحت التسمية، التي أريد تصديرها كانت تقوم على الجمع ما بين «كوفية حماس» و «بندقية حزب الله».
يبقى أن نذكر أن أبو جهاد رضا كان ضابطا سابقا في الجيش العربي السوري، وقد سرح منه العام 2000 وهو برتبة صغيرة، بعدها عمل مع تنظيمات فلسطينية ولبنانية عدة كانت كلها تنضوي تحت رايات المقاومة المتعددة في المنطقة، قبيل أن ينفك عنها العام 2021 إثر تبنيه لرؤيا سياسية وعسكرية جديدة، ولعل ذاك ظاهر في طبيعة الخطاب الذي يقدمه، والذي يبدو مدركا من خلاله لخطورة الذهاب إلى صدام عسكري مع السلطة في هذه الآونة ، دون أن يعني ذلك توافقا معها على السياسة أو النهج، وذاك قد يتيح له تأدية دور «منصة» جامعة، تكون قادرة على لملمة ما تبعثر على رقعة «الشطرنج» السورية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الديار
منذ 3 ساعات
- الديار
"النادي اللبناني لليخوت" في كتاب مفتوح الى الحجار: ما حصل في مُحيط النادي إنتهاك صريح لحقوقنا
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب وجه النادي اللبناني لليخوت كتابا مفتوحا إلى وزير الداخلية والبلديات العميد محمد الحجار، وضعه فيه في صورة ما جرى في محيط مبنى النادي بتاريخ 25 تموز 2025، إثر تنفيذ أمر إزالة صادر عن المديرية العامة لوزارة النقل. وجاء في الكتاب أن "مجموعة كبيرة من عناصر قوى الأمن الداخلي، نفذت قرار إزالة يتعلق بالمراكب غير الثابتة التابعة للنادي"، مشيرا إلى أن الإدارة تعاملت بـ"إيجابية ومسؤولية كاملة مع القرار، والتزمت بالتنفيذ". أضاف الكتاب "لكن، فوجئنا بعد انسحاب القوى الأمنية بدخول عدد من العمال من الجنسية السورية إلى المبنى المجاور للنادي، حيث قاموا بإخراج موجوداتنا الخاصة وخلع الأبواب والأسقف، في تجاوز واضح لمضمون القرار"، معتبرا أن "ما حصل جرى لصالح صاحب العقار المجاور الذي يبدو بصدد احتلال المبنى الذي نشغله منذ أكثر من عشرين عاما، خارج الأطر الرسمية". وتابع "ان إدارة النادي تُمنع حاليا من استكمال أعمال الإزالة على مسؤوليتها الخاصة، رغم أن القرار صادر باسمها"، محذرة من أن "منعنا من الاستكمال لا يؤدي فقط إلى عرقلة تنفيذ القرار الرسمي، بل يتيح لجهة خاصة الاستفادة من ممتلكاتنا، في انتهاك صريح لحقوقنا". وطالب النادي اللبناني لليخوت عبر كتابه بـ"السماح له باستكمال أعمال الإزالة، وتوفير المؤازرة الأمنية إذا أمكن، وفتح تحقيق في ما حصل بعد تنفيذ القرار"، مؤكدا "ثقته بحرص وزير الداخلية على حماية المؤسسات وتطبيق القانون واحترام الأطر الرسمية".


الديار
منذ 3 ساعات
- الديار
قائد الجيش شارك في الإجتماع التاسع لمجموع DRAGON GROUP ... والتقى نظيره البريطاني
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب زار قائد الجيش العماد رودولف هيكل المملكة المتحدة بدعوة رسمية من نظيره البريطاني الأدميرال Tony Radakin، وشارك في الاجتماع السنوي التاسع لمجموعة Dragon Group، بحضور عدد من قادة جيوش دول الخليج والشرق الأوسط، وهي المرة الأولى التي يُعقد فيها الاجتماع بمشاركة قائد الجيش اللبناني. وقد جرى التداول في التحديات الأمنية الإقليمية والدولية. كما عُقد اجتماع بين العماد هيكل والأدميرال Radakin، وتناول البحث سبل تعزيز التعاون وسط الظروف الاستثنائية الراهنة.


الديار
منذ 3 ساعات
- الديار
ودعا لتصحيح الخلل في مشروع القانون الإنتخابي
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب عقد مجلس المطارنة الموارنة اجتماعهم الشهري في الصرح البطريركي في الديمان، برئاسة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، ومشاركة الرؤساء العامين للرهبانيات المارونية، وتدارسوا شؤونا كنسية ووطنية. وفي ختام الاجتماع، تلا المطران أنطوان عوكر بيانا، لفت فيه الى أن "الآباء تلقوا باهتمام كبير مقررات الحكومة اللبنانية، وخصوصا قرار حصرية السلاح بيد الدولة، ورأوا فيه استكمالا لبناء الدولة المنتظمة والقوية المولجة ببسط سيادتها على كامل الأراضي اللبنانية، لا استقواء من فريق على آخر. وهذه الدولة القوية هي المرجعية لجميع اللبنانيين بدون استثناء، وهي التي تحمي الجميع وتوفر لهم الإنماء المتوازن". وقال: "يتطلع الآباء إلى الإستقرار في الجمهورية العربية السورية سعيا لترسيخ أبنائها في أرضهم والعيش بكرامة وتشجيعا لعودة النازحين السوريين في كل البلدان ولا سيما في لبنان ويأملون بنجاح قوافل العودة ومتابعتها حتى خواتيمها". واشار الى ان لبنان "شهد في الأيام الأخيرة فلتانا أمنيا ملحوظا في الجريمة البشعة التي حدثت في المعاملتين - غزير من خليج جونيه، مع ما خلفت لدى المواطنين من خوف وقلق. يناشد الآباء الدولة بأجهزتها المعنية أن تسهر على بسط الأمن من خلال اتخاذ خطوات عملية تترك ارتياحا لدى الناس، كما وتفعيل الجسم القضائي بإنزال العقوبات اللازمة بالمجرمين"، مضيفا "نتابع بحذر الإجراءات العسكرية والأمنية الآيلة إلى الكشف عن خلايا الأصوليات ومهماتها التخريبية، شاكرين المؤسسات المعنية على حسن ملاحقتها هذا الملف الخطير ووأدها الفتنة التي تكمن في طياته". وأعرب الآباء مع الراعي عن "استغرابهم للمعالجة المبتورة وغير العادلة لحق اللبنانيين واللبنانيات في الانتشار بالمشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة أسوة بإخوتهم وأخواتهم في الوطن الأم. ويدعون المجلس النيابي إلى تصحيح الخلل الظاهر في مشروع القانون الانتخابي ، وتحاشي التعلل باستحالة الاتفاق لتمرير فكرة تمديد ولاية المجلس النيابي الراهن".