
السعودية والهند تعززان شراكتهما الاقتصادية باستثمارات متبادلة
وافقت الهند على إعفاء صندوق الثروة السيادية في السعودية من مجموعة من قواعد الاستثمار الأجنبي في المحافظ، في خطوة تهدف إلى جذب تدفقات رأس المال وتعزيز العلاقات المالية بين البلدين، بحسب ما قال مصدران لوكالة رويترز. وأضاف المصدران أنّ القواعد السابقة كانت تمنع شركات تابعة لـ
صندوق الاستثمارات العامة السعودي
من زيادة استثماراتها في الهند. وتتضمن هذه القواعد جمع استثمارات الكيانات السيادية المختلفة معاً، ووضع حد أقصى للاستثمار عند 10% في شركة واحدة.
وكان رئيس الوزراء الهندي
ناريندرا مودي
قد زار السعودية في إبريل/ نيسان الماضي، حيث اتفق الجانبان على تعزيز الاستثمارات في مجالات تشمل الطاقة والبنية التحتية والصناعات الدوائية، كما تتفاوض الهند حالياً مع الرياض على معاهدة استثمار ثنائية. وفي السياق، قال المصدر الأول الذي طلب عدم الكشف عن هويته، إنّ شرط جمع استثمارات الجهات السيادية المختلفة يحدّ من قدرة الصندوق السعودي وشركاته التابعة على الاستثمار بشكل مستقل.
وأوضح أنّ الإعفاء الممنوح للصندوق سيسمح لشركاته التابعة بالاستثمار بشكل منفصل، مما يعزز مرونة توظيف رأس المال في أسواق الأسهم الهندية دون مخالفة القواعد التنظيمية. في المقابل، لم ترد وزارة المالية السعودية ولا صندوق الاستثمارات العامة على طلبات للتعليق، وفقاً لما نقلته "رويترز". ويُعد صندوق الاستثمارات العامة السعودي أحد أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم، وتُقدّر قيمة أصوله المدارة بحوالي 925 مليار دولار، ووفقاً لموقعه الإلكتروني، حيث لا تزال استثماراته الحالية في الهند محدودة، وتشمل 1.5 مليار دولار في شركة "جيو بلاتفورمز" و1.3 مليار دولار في "ريلاينس ريتيل".
من جهتها، تسعى الهند، ثالث أكبر مستورد للنفط في العالم، إلى جذب رؤوس أموال طويلة الأجل من دول الخليج الغنية بالنفط والغاز، في حين تسعى السعودية إلى توسيع استثماراتها في الاقتصادات سريعة النمو في جزء من استراتيجيتها "رؤية 2030" الرامية إلى تنويع الاقتصاد بعيداً عن الاعتماد على النفط.
اقتصاد عربي
التحديثات الحية
زيارة التريليون دولار: شراكة اقتصادية بين أميركا والسعودية
وفي سبيل تحقيق هذه الأهداف، شكّلت الدولتان فريق عمل رفيع المستوى في عام 2024 لتسريع تنفيذ خطة الرياض لاستثمار 100 مليار دولار في الهند. وذكر بيان مشترك في إبريل/ نيسان أنّ التقدم الذي أحرزه فريق العمل في مجالات مثل الضرائب يُعد إنجازاً كبيراً لتعزيز التعاون المستقبلي، وأكد الجانبان رغبتهما في استكمال المفاوضات بشأن معاهدة الاستثمار الثنائية في أقرب وقت ممكن. وأشارت تقارير إعلامية أخيراً إلى أن الحكومة الهندية تدرس أيضاً منح إعفاءات ضريبية لصندوق الاستثمارات العامة لدعم قطاعي البنية التحتية والطاقة في البلاد.
وشهدت العلاقات الاقتصادية بين الهند والسعودية تطوراً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، مدفوعة برغبة مشتركة في تنويع الشراكات وتعزيز الاستثمارات العابرة للحدود. وتُعد السعودية من أبرز مصادر الطاقة للهند، في حين ترى الرياض في الهند سوقاً واعدة وفرصة استراتيجية لتنمية استثماراتها غير النفطية.
وفي إطار "رؤية السعودية 2030"، يسعى صندوق الاستثمارات العامة إلى التوسع في الاقتصادات النامية ذات الإمكانات العالية، بينما تكثف الهند جهودها لجذب الصناديق السيادية الخليجية عبر تقديم تسهيلات تنظيمية وضريبية. ويأتي تشكيل فريق العمل المشترك عام 2024 لتسريع خطة استثمارية سعودية ضخمة بقيمة 100 مليار دولار، ترجمةً عملية لهذا التقارب، في وقت يتزايد فيه اهتمام نيودلهي برأس المال الخليجي بوصفه أداة لدعم قطاعاتها الاستراتيجية، وعلى رأسها الطاقة والبنية التحتية والتكنولوجيا.
وعلى الصعيد التجاري، تُعدّ جمهورية الهند ثاني أكبر شريك تجاري للمملكة العربية السعودية، في حين تحتل المملكة المرتبة الخامسة بين أكبر الشركاء التجاريين للهند، كما تُعد ثاني أكبر مورّد للنفط إليها. وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين في عام 2024 نحو 39.9 مليار دولار، ما يعكس متانة العلاقات الاقتصادية بين الجانبين. وقد ساهمت البيئة الاستثمارية الجاذبة في السعودية في استقطاب المزيد من رؤوس الأموال الهندية، حيث تشير بيانات وزارة الاستثمار السعودية إلى أن رصيد الاستثمارات الهندية المباشرة في المملكة بلغ نحو 4 مليارات دولار في عام 2023، مقارنةً بـ2.39 مليار دولار في عام 2022، مسجلًا نمواً بنسبة 39% خلال عام واحد فقط.
وأسهمت شركات هندية كبرى، مثل "لارسن آند توبرو"، و"تاتا موتورز"، و"إنفوسيس"، في ترسيخ هذا الحضور من خلال تنفيذ مشاريع في قطاعات حيوية أبرزها البنية التحتية، التكنولوجيا، والطاقة. وفي السياق نفسه، شهد منتدى الاستثمار السعودي – الهندي الذي عُقد عام 2023 توقيع 53 اتفاقية ومذكرة تفاهم بين شركات ومؤسسات من البلدين، ما شكّل دفعة قوية للتعاون الاقتصادي الثنائي. من جهتها، بادرت العديد من الشركات السعودية الكبرى إلى الاستثمار في السوق الهندية، من بينها "أرامكو السعودية"، و"سابك"، و"مجموعة الزامل"، و"إي هوليديز"، و"مجموعة البترجي"، حيث بلغت قيمة الاستثمارات السعودية في الهند نحو 10 مليارات دولار حتى الآن.
وعلى مستوى الدعم التنموي، تُظهر بيانات منصة المساعدات السعودية أن إجمالي المساعدات المقدّمة إلى الهند تجاوز 193.8 مليون دولار، وتركزت على قطاعات التعليم، والصحة، والأمن الغذائي والزراعي، والطاقة، والنقل والتخزين، إضافة إلى مجالات متعددة أخرى. وتُبرز هذه المؤشرات مجتمعة حجم التبادل الاستثماري والتجاري المتزايد بين المملكة والهند، وتؤكد وجود رؤية استراتيجية مشتركة لبناء شراكة طويلة الأمد تقوم على المصالح المتبادلة والتنمية المستدامة، بما يعزز مكانة البلدين ضمن أبرز الاقتصادات الصاعدة في العالم.
(رويترز، العربي الجديد)

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

العربي الجديد
منذ 3 ساعات
- العربي الجديد
في "التنوير" السوري
أن تتعلّق أولى اتفاقيات الاستثمار في سورية مع شركات عالمية كبرى، وبقيمة سبعة مليارات دولار، بالكهرباء والطاقة الشمسية، كما عوين بمراسم توقيعها في 28 الشهر الماضي (مايو/ أيار) في قصر الشعب في دمشق، وبحضور الرئيس أحمد الشرع، قد يجيز الاستعانة بمجازات التعبير والإنشاء، لإنعاش حالةٍ من التفاؤل تبقى سورية في أمسّ الحاجة إليها، فبالإضافة إلى ما تلبّيه هذه الاتفاقيات من احتياجاتٍ واسعةٍ من الكهرباء والطاقة لتشغيل مصانع ومرافق ومنشآت عديدة، فإنها توفّر إنارة في الطرق والمنازل، فضلاً عن "خدماتٍ" أخرى عديدة تيسّرها الكهرباء للناس أينما كانوا. وفي الوُسع، هنا، أن يُرى الأمر، على نحوٍ مجازيٍّ مواز، كأن يُؤتى على إحالةٍ إلى شديد الحاجة في سورية لإنارة طرقٍ أخرى، طرق المجتمع، في عمومه، في وجهته إلى إعادة بناء بلده، وإلى تشكيل مؤسّساتٍ سورية الجديدة، من قبيل أن يكون التنوير عماد العمل العام، الثقافي والسياسي والاجتماعي، والمنطلق الذي تصدُر عنه مختلف المقاربات في التعليم والتأهيل والتخطيط والإدارة والتسيير. أما عن كيفيات هذا الأمر، والخروج به من مستوى التنظير إلى الأداء والفعل، فأهل مكّة أدرى بشعابها، ولا حاجة لأدمغةٍ وكفاءاتٍ سورية بلا عدد، في بلدها وخارجه، إلى وعظيّاتٍ من صاحب هذه الكلمات. ولئن اشتغل فلاسفة ومفكّرون كثيراً على مفهوم التنوير، فإن الذي يعنينا، في النهاية، أن نغادر العرَج إياه عند "تنويريين" عربٍ غير قليلين، عندما قصروه على مستوى الخطاب الديني، وصعّدوا ضد "الإسلام السياسي" بالمطلق، فراحوا يطنبون في الحديث عن "الاستبداد الديني"، بحقٍّ وبغير حقّ، وأغمضوا عيونهم الحوْلاء عن الاستبداد السياسي، فصمتوا عن انقلابيين دكتاتوريين في المنطقة العربية، وخرسوا عن شناعات بشّار الأسد المشهودة. ولئن نفض السوريون عنهم وعن بلدهم استبداد آل الأسد فهذا يجعلهم في يقظةٍ دائمةٍ ضد أي محاولة من أي سلطة، راهنة أو مقبلة، باتجاه الحدّ من الحرّيات، وتزبيط قوانين تنظم أصنافاً وألواناً من التسلّط على المجال العام. وهذا النقاش الواسع الذي يخوض فيه السوريون، وفيه النقد والنقد المضاد، ومطارحاتٌ تعاكس المسار الذي يمضي فيه وإليه الحكم القائم، ومطارحاتٌ أخرى تتعامل مع هذا الحكم بتشجيعه بعد كل خطوة إيجابية، وانتقاده بعد كل قرار يرى سلباً، هذا النقاش يؤشّر إلى مشهد يتصف بمقادير ظاهرة من الحيوية المحمودة، وإن ثمّة ملاحظة هنا أو هناك. البادي، في الأول والأخير، أن العموم السوري غادر التحديق في هيئة تحرير الشام وأرشيفها، وجبهة النصرة وما كانت عليه، وهم يُعاينون أداء السلطة القائمة، الانتقالية كما يجب التذكير والتشديد، فأولوية الأولويات لدى المواطنين، في مدنهم وقراهم وأريافهم وبواديهم، أن تتوفّر الكهرباء وفرص العمل والتشغيل، سيّما أنهم لم يلحظوا أداءً جهادياً سلفياً (أو سلفياً جهادياً؟) في أداء الرئيس ومعاونيه وحكومته، وإنْ يشدّدوا على واجب الضرورة بأن تتمأسس قوى الأمن وقطاعات الجيش بمهنية واحترافية، فلا تضم عناصر وضبّاطاً لا تعطي الصورة المهابة لها. ... ولكن مثقفين في نخبةٍ سورية في البلاد وخارجها يُغريهم المكوث في منطقة ذلك الكلام عن السلفيات و"النصرة" و"أحرار الشام". ومع كل الحق في حرية القول لهم ولغيرهم، يحسُن أن يعرفوا أن هذه الموضوعة ليس من مشاغل السوريين، ولا من أولوياتهم واهتماماتهم، لا بدليل استطلاعات رأيٍ وتحقيقاتٍ صحفية، إنما أيضاً بالمعاينة المُشاهدة وبالبديهي الذائع. وعندما يدخل الرئيس أحمد الشرع الإليزيه في باريس ويجتمع به دونالد ترامب في الرياض، وربما يلقي كلمة سورية في الأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول المقبل، فهذا مما يدفع إلى التخفّف من تلك الحمولات الباهظة، والتي تُثقل على نفوس الذين لم يتصوّروا أن يجلس في قصر الشعب رئيس كنيته السابقة أبو محمد الجولاني، في بلد الحداثة والتجديد في الآداب والفنون والأفكار، ويدفع من قبل ومن بعد إلى التحرّر، كلّيا كما أعتقد، من ذلك الجنوح إلى التأسّي والتأسّف، والذهاب إلى ما يعضُد تفاؤلاً ممكنا (أو مطلوباً ربما؟)، تبشّر به اتفاقياتٌ لم يسبق أن شهدت مثلها سورية، من حيث ملياراتها السبعة، خصوصاً أن بالغ أهميتها أنها في الكهرباء والطاقة، وطاقة السوريين على العمل والبناء مشجّعة دائماً، والنور في أفيائهم واعد دائماً.


القدس العربي
منذ 8 ساعات
- القدس العربي
الذهب يتراجع بعد اقترابه من أعلى مستوى في 4 أسابيع مع صعود الدولار
واشنطن: انخفضت أسعار الذهب الثلاثاء، بعدما اقتربت من أعلى مستوى في أربعة أسابيع، إذ ضغط ارتفاع متواضع للدولار على المعدن الأصفر لكن حالة عدم اليقين بشأن اتفاق التجارة بين الولايات المتحدة والصين أبقت المستثمرين حذرين وحدت من انخفاض الذهب. ونزل الذهب في المعاملات الفورية 0.3 بالمئة إلى 3369.98 دولار للأوقية (الأونصة) بحلول الساعة 02:49 بتوقيت غرينتش، بعدما بلغ أعلى مستوى منذ الثامن من مايو/ أيار في وقت سابق من الجلسة. واستقرت العقود الأمريكية الآجلة للذهب عند 3390 دولارا. وارتفع المعدن الأصفر بنحو 2.7 بالمئة في الجلسة السابقة، مسجلا أقوى أداء يومي في أكثر من ثلاثة أسابيع. وقال برايان لان المدير العام بشركة غولد سيلفر سنترال في سنغافورة 'تعافى الدولار قليلا وانخفض الذهب، لذا فإنهما مرتبطان عكسيا في هذه المرحلة'. لكنه أضاف أن الذهب لا يزال يتبع عن كثب التطورات المتعلقة بالتجارة العالمية. وتعافى مؤشر الدولار قليلا من أدنى مستوى في ستة أسابيع. وقال البيت الأبيض الاثنين إن من المرجح أن يتحدث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الصيني شي جين بينغ هذا الأسبوع، بعد أيام من اتهام ترامب لبكين بانتهاك اتفاق لخفض الرسوم الجمركية والقيود التجارية. ومن المقرر رفع الرسوم الجمركية التي تفرضها الولايات المتحدة على واردات الصلب والألمنيوم إلى المثلين لتصبح 50 بالمئة اعتبارا من غد الأربعاء، وهو الموعد النهائي الذي حددته إدارة ترامب للدول لتقديم أفضل اقتراحاتها في المفاوضات التجارية. من ناحية أخرى، أظهرت مذكرة نشرتها وسائل إعلام روسية بأن موسكو أبلغت كييف خلال محادثات السلام أمس الاثنين أنها لن توافق على إنهاء الحرب إلا إذا تخلت كييف عن أجزاء كبيرة جديدة من الأراضي وقبلت بقيود على حجم جيشها. وبالنسبة للمعادن النفيسة الأخرى، تراجعت الفضة في المعاملات الفورية 2.1 بالمئة إلى 34.07 دولار للأوقية، واستقر البلاتين عند 1062.46 دولار، وارتفع البلاديوم 0.1 بالمئة إلى 990.26 دولار. (رويترز)


العربي الجديد
منذ 9 ساعات
- العربي الجديد
الفن التشكيلي المغربي وإشكاليات التقييم والتقنين
يتميز سوق الفن التشكيلي في المغرب بجمعه بين سمات البدايات ومظاهر النضج، دون أن يحسم بعد موقعه مقارنة بأسواق فنية عربية أخرى أكثر استقراراً وتنظيماً. ففي لحظات معينة، يبدو السوق المغربي وكأنه فضاء نخبوي تُديره دُور المزادات الكبرى، بينما يتحول في لحظات أُخرى إلى مساحة مفتوحة للجميع، يسودها الغموض وتغلب عليها النزعة الفردية في التثمين والعرض. وحين نتحدث عن سوق الفن التشكيلي في المغرب، فإننا لا نتحدث فقط عن عمليات بيع وشراء، بل عن شبكة معقدة من العلاقات، و الأذواق ، والسياسات الثقافية، والأوهام المشتركة. قدّرت المعاملات الرسمية في السوق الفنية المغربية سنة 2015 بحوالي 600 مليون درهم (ما يناهز 66 مليون دولار)، في حين يُقدَّر حجم السوق الموازية بما يزيد عن 200 مليون درهم (ما يقارب 22 مليون دولار)، حسب بعض التقارير. غير أن هذه الأرقام تبقى مجرّد تقديرات وتخمينات، لا تستند إلى بحوث استقصائية رصينة، بسبب غياب المعطيات الدقيقة والإحصاءات الميدانية، وصعوبة الوصول إليها. ويأتي ذلك في ظل قلّة عدد المُقتنين والجامعين مقارنة بعدد الفنانين المكرَّسين والمحترفين، الذين يقارب عددهم 2000 فنان ممارس. ومع ذلك، لا توجد قوانين واضحة تضبط المعايير، ولا مؤسسات تضطلع بدور مركزي في تقييم الأعمال وحمايتها من التزييف أو التضليل البصري أو التسويقي. إذ لا يتوفر المغرب على آليات أو مؤسسة علمية قادرة على التحقق من أصالة الأعمال الفنية، رغم تزايد شكاوى عدد من الفاعلين في السوق من انتشار الأعمال الزائفة بين المقتنين. غياب آليات فعالة لتوثيق الأعمال الفنية والمنتوجات الثقافية ورغم بعض المحاولات القانونية التي أطلقتها الدولة والوزارة المعنية بالشأن الثقافي والفني، فإنها تظل محدودة وغير حازمة بما يكفي لوقف النزيف المالي ومواجهة غياب الرقابة والتتبع الدقيق لعمليات البيع والشراء. ويزداد هذا الإشكال تعقيداَ مع غياب آليات فعالة لتوثيق الأعمال الفنية والمنتوجات الثقافية، التي تُدرجها السلطات - كلما أراد الفنان إخراجها من البلاد، رغم كونه مالكها - ضمن "التراث الثقافي والحضاري الوطني". غياب مؤسسات كبرى تنظم المجال ويُلاحظ غياب مجلس وطني مختص بتنظيم هذا المجال، كما لا توجد آليات مؤسسية تضمن الشفافية في عمليات البيع والاقتناء، ما يفتح الباب أمام ما يمكن تسميته بـ"المجازفة البصرية"، حيث تتحول الأعمال الفنية إلى سلع خاضعة لمنطق السوق، دون إحاطة نقدية جادة أو سياق معرفي واضح. في مثل هذا المناخ، تتراجع القيمة الجمالية والثقافية للعمل الفني، وتُختزل غالبًا في قيمته التجارية، التي ترتبط باسم الفنان أو مكان عرضه أو الجهة الراعية له. وفي ظل غياب مؤسسات أكاديمية متخصصة (إذ لا يتوفر المغرب، إلى اليوم، على جامعة للفنون)، تلعب صالات العرض دورًا أكبر من المتاحف أو المؤسسات العلمية. هذه الصالات، المتركزة خصوصًا في الرباط والدار البيضاء ومراكش، تؤدي في كثير من الأحيان وظائف الناشر والناقد والخبير والوسيط، بل وتتدخل في تشكيل الأسماء الفنية وتدويرها. أحيانًا، تنجح هذه الصالات في إبراز مواهب حقيقية، لكنها في أحيان أخرى تُسهم في ترسيخ "نجومية شكلية"، تُفرض من خلال أذواق مرحلية أو دوائر مغلقة أو حتى جهات أجنبية تتحكم في مسارات العرض والتثمين، ما يُفرغ التجربة الجمالية من عمقها ويحولها إلى ظاهرة استهلاكية. أعمال فنية خاضعة لمنطق السوق دون إحاطة نقدية جادة وتظهر مفارقة أخرى في تدخل المؤسسات البنكية، التي اتجهت - بشكل غير متوقع - إلى دعم الفنون عبر إنشاء فضاءات عرض خاصة بها، وتمويل معارض وإصدارات توثيقية. ورغم أن هذه المبادرات أضفت بُعدًا ثقافيًا على الدور الاقتصادي لهذه المؤسسات، إلا أنها لم تتبلور بعد في شكل سياسات ثقافية مستدامة، تضبط معايير العرض والاقتناء وتمنح للمشهد الفني إطارًا مؤسساتيًا واضحًا. ويُعزى هذا الخلل إلى غياب تكوين أكاديمي كافٍ في مجالات الهندسة الثقافية والفنية، بالإضافة إلى محدودية الفرص المتاحة أمام الخريجين القلائل في هذا المجال. ما يجعل السوق الفنية المغربية تراوح مكانها، بين طموح النهوض وثقل العشوائية، في ظل غياب استراتيجية ثقافية واضحة المعالم. العمل الفني بين الجمهور والناقد بعيدًا عن مشكلات السوق الفنية وتنظيمها، تبرز مفارقة أخرى تتعلق بالجمهور نفسه؛ إذ لا تزال ثقافة اقتناء الأعمال الفنية محدودة في المغرب، سواء لدى عامة الناس أو حتى بين الفئات الميسورة. ويزيد من تعقيد هذا الوضع غياب استراتيجية واضحة لتثمين الأعمال الفنية بأسعار تناسب مختلف الشرائح الاجتماعية، مما يعزز الانطباع السائد بأن الفن لا يخص سوى النخبة. من جهة أخرى، يظل النقد الفني في المغرب، بوصفه ممارسة معرفية وتأويلية، في طور التشكّل بعد عقود من التراكم البطيء. فرغم وجود أسماء رصينة تكتب باللغات العربية والفرنسية والإنكليزية، وعلى تباين بين الخطاب الصحافي والنقدي والفكري، فإنَّ هذه المبادرات تظل غالباً فردية، تُنشر في الصحف الثقافية أو المجلات المتخصصة أو ضمن كاتالوغات المعارض. غير أن الخطاب النقدي لا يواكب حجم الإنتاج الفني، لا بسبب ضعفه بالضرورة، بل نتيجة كثافة الأعمال المعروضة مقابل قلة عدد النقاد. كما تطغى على المشهد أسماء أجنبية تفتقر أحياناً للمعرفة الدقيقة بالهوية المغربية وسياقاتها الثقافية، ما يعمّق فجوة التأويل والتمثيل. في المقابل، لا ينجح الخطاب الصحافي المهتم بالفن في الدخول في حوار جاد مع الفنانين أو المؤسسات أو الجمهور، وذلك بسبب غياب التكوين البصري في المنظومة التعليمية، لكن الإشكال الجوهري يظل في حالة التردد الجماعي: فالمؤسسات تنتظر المبادرة من الفنانين، والفنانون ينتظرون اعتراف النقاد، والنقاد ينتظرون دعوات رسمية من المؤسسات، والجمهور يراقب بصمت. إنها حلقة مغلقة تفتقر إلى ما يُسمى بـ"لحظة الكسر" أو "الحدث المؤسس" الذي يعيد ترتيب العلاقة بين مختلف الفاعلين في المشهد الفني. ورغم هذا الوضع، لا يمكن إنكار الحركية التي بات يشهدها المشهد الثقافي في السنوات الأخيرة، من معارض وندوات ومقالات ودراسات وأطروحات جامعية، مقارنة بما كان عليه الحال قبل عقدين. وقد تُوجت هذه الحركية بمناظرات وطنية، كان آخرها المناظرة الثانية التي انعقدت قبل أشهر قليلة في الرباط. وما يثير الانتباه بشكل خاص هو أن بعض الفنانين الشباب تمكنوا من كسر هذا الجمود، عبر مبادرات ذاتية وشبكات التواصل الاجتماعي والمشاركات الدولية. هؤلاء لا يكتبون نقداً نظرياً، لكنهم يمارسون شكلاً من "النقد العملي"، عبر تجاربهم الفنية التي تتحدى مركزية السوق وتؤسس لنماذج بديلة في العرض والتواصل والإبداع. * كاتب من المغرب فنون التحديثات الحية العمارة العربية في بينالي البندقية.. سيرة بيوت من ضوء وتراب