logo
شاب يصف لبي بي سي كيف ابتلعه حوت ولفظه بعد ثوانٍ

شاب يصف لبي بي سي كيف ابتلعه حوت ولفظه بعد ثوانٍ

الوسط١٥-٠٢-٢٠٢٥

BBC
أدريان سيمانكاس كان يمارس رياضة التجديف بالكاياك عندما ابتلعه حوت
أول شيء لاحظه، لاعب الكاياك (التجديف)، أدريان سيمانكاس، بعد أن ابتلعه حوت هو المخاط.
وقال الشاب البالغ 23 عاماً، لبي بي سي، "لقد أمضيت لحظة لأدرك فيها أنني كنت داخل فم شيء ما، أو ربما أكلني، وأنه ربما كان حوتاً قاتلاً أو وحشاً بحرياً".
وبدأ أدريان في التفكير في كيفية بقائه حياً داخل الحوت الأحدب "مثل بينوكيو(أحد الشخصيات الكرتونية)" - ثم لفظه هذا المخلوق.
كان الرياضي الفنزويلي يجدف بقارب الكاياك عبر مضيق ماجلان، قبالة ساحل باتاغونيا في تشيلي، مع والده عندما شعر بشيء "ضربني من الخلف، واقترب مني وأغرقني".
واستطاع والده، دال، تصوير فيديو لهذه المحنة القصيرة على بعد أمتار فقط.
أدريان قال لبي بي سي "أغمضت عيني ثم فتحتهما مجدداً، وأدركت أنني داخل فم الحوت".
ويتذكر "شعرت بنسيج لزج يلامس وجهي"، ويضيف أن كل ما استطاع رؤيته كان اللونين الأزرق الداكن والأبيض.
ويقول "تساءلت عمّا يمكنني فعله إذا كان قد ابتلعني، إذ لم أعد أستطيع المقاومة لإيقافه". ويضيف "كان علي أن أفكر فيما سأفعله بعد ذلك".
لكن خلال ثوانٍ، بدأ أدريان يشعر كأنه يرتفع نحو السطح.
ويتابع أدريان "كنت خائفاً قليلاً إزاء إذا كنت سأتمكن من حبس أنفاسي، لأنني لم أكن أعرف مدى العمق الذي أنا فيه، وشعرت أن الأمر استغرق وقتاً طويلاً حتى أتمكن من النهوض". ويضيف "صعدت إلى الأعلى لمدة ثانيتين، وأخيراً وصلت إلى السطح وأدركت أنه لم يأكلني".
وعلى متن قارب كاياك قريب، كان والد أدريان، دال سيمانكاس، مندهشاً، وهو يشاهد الحدث.
وكان الثنائي قد عبرا للتو خليج إيجل، قرب ساحل بونتا أريناس، المدينة الواقعة في أقصى جنوب تشيلي، عندما سمع صوت اصطدام خلفه "عندما استدرت، لم أرَ أدريان".
وقال دال، البالغ 49 عاماً، "شعر بقلق للحظة حتى شاهدته يخرج من البحر".
وأضاف "شاهدت شيئاً ما ميّزت أنه جسم ما، فسرت على الفور بأنه على الأرجح حوت بسبب حجمه".
وثبت، دال، كاميرا في الجزء الخلفي من قاربه لتصوير الأمواج المرتفعة، والتي التقطت تجربة ابنه المذهلة.
وأثناء مشاهدة الفيديو، كان أدريان، الذي انتقل مع والده إلى تشيلي قادماً من فنزويلا منذ 7 سنوات بحثاً عن حياة أفضل، مصدوماً من رؤيته ضخامة الحوت.
وقال أدريان "لم أرَ اللحظة التي ظهر فيها ظهر الحوت، وزعانفه، بل سمعتها. هذا جعلني متوتراً". وأضاف "لكن لاحقاً، مع الفيديو، أدركت أنه ظهر أمامي بحجم ضخم لدرجة أنه ربما لو رأيته، لكان قد أخافني أكثر".
"يستحيل ابتلاعه"
وبالنسبة لأدريان فإن تجربته لا تتعلق بالنجاة فحسب، لكنه قال إنه شعر بأنه حصل على "فرصة ثانية" بعدما لفظه الحوت.
ووصف التجربة "الفريدة" في أحد أكثر الأماكن قسوةً على وجه الأرض بأنها "دعته للتأمل فيما كان يمكنه القيام به بشكل أفضل حتى تلك اللحظة، وكذلك في الطرق التي يمكنه من خلالها استثمار التجربة وتقديرها بشكل كبير"، على حد قوله.
لكن هناك سبب بسيط وراء قدرته على الهروب من الحوت بهذه السرعة، بحسب خبير في الحياة البرية.
وقال المختص في مجال الحفاظ على البيئة، البرازيلي روشيد جاكوبسون سيبا، لبي بي سي، إنه للحيتان الحدباء حناجر ضيقة "بحجم أنبوب منزلي تقريباً" مصممة لابتلاع أسماك صغيرة والروبيان.
وأضاف "جسدياً لا يمكنها ابتلاع أشياء كبيرة مثل قوارب الكاياك والإطارات وحتى الأسماك الكبيرة مثل التونة".
وفي نهاية المطاف، لفظ الحوت القارب لأنه جسدياً من المستحيل ابتلاعه، وفق سيبا.
ورجح سيبا أن الحوت ابتلع أدريان عن طريق الخطأ.
وأوضح "من المرجح أن الحوت كان يتغذى على مجموعة أسماك عندما جرف عن غير قصد القارب مع وجبته".
وقال "عندما تطفو الحيتان على السطح بسرعة أثناء التغذية، فقد تصطدم عن طريق الخطأ بالأشياء الموجودة في طريقها أو تبتلعها".
وحذر من أن المواجهة بمثابة "تذكير مهم" لتجنب استخدام ألواح التجديف أو ألواح ركوب الأمواج أو غيرها من القوارب الصامتة في مناطق تسبح فيها الحيتان عادة.
وأضاف أن القوارب المستخدمة لمشاهدة الحيتان وإجراء الأبحاث يجب أن تبقي محركاتها قيد التشغيل، لأن الضوضاء تساعد الحيتان على ملاحظة وجودها.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

طفل يُتلف لوحة فنية تُقدر قيمتها بخمسين مليون يورو في متحف هولندي
طفل يُتلف لوحة فنية تُقدر قيمتها بخمسين مليون يورو في متحف هولندي

الوسط

time٠١-٠٥-٢٠٢٥

  • الوسط

طفل يُتلف لوحة فنية تُقدر قيمتها بخمسين مليون يورو في متحف هولندي

Aad Hoogendoorn/Museum Boijmans Van Beuningen ألحق طفل ضرراً بلوحة للفنان الأمريكي، مارك روثكو، تُقدر بملايين الدولارات في متحف بمدينة روتردام في هولندا. وصرّح متحدث باسم متحف "بويجمانز فان بيونينغن" أن المتحف يدرس "الخطوات التالية" لترميم اللوحة المسماة "رمادي، برتقالي على كستنائي، رقم 8" لروثكو. وقال متحدث باسم المتحف لصحيفة "ألجمين داغبلاد" الهولندية المعروفة اختصاراً باسم (AD)، الأسبوع الماضي، إن الضرر وقع في "لحظة غفلة". وأضاف متحدث باسم المتحف لبي بي سي، أن الضرر "سطحي"، وتابع: "تظهر خدوش صغيرة في طبقة الطلاء غير المصقولة، في الجزء السفلي من اللوحة". وتُقدر قيمة اللوحة التجريدية بما يصل إلى 50 مليون يورو، وفقاً للصحيفة الهولندية. وقال متحدث باسم المتحف لبي بي سي: "تم البحث عن خبراء في مجال الترميم في هولندا وخارجها. ونبحث حاليا في الخطوات التالية لمعالجة اللوحة". وأضاف: "نتوقع أن يُتاح عرض العمل مرة أخرى في المستقبل". قالت صوفي مكالون، مديرة الحفظ في شركة ترميم الفنون الجميلة، إن اللوحات "غير المطلية بالورنيش الحديث" مثل لوحة روتشكو (الرمادي، البرتقالي على المارون، رقم 8) "معرضة بشكل خاص للتلف". وأضافت: "يُعزى ذلك إلى مزيج من المواد الحديثة المعقدة، وغياب طبقة طلاء تقليدية، وكثافة مساحات الألوان المسطحة، ما يجعل حتى أصغر مناطق التلف ظاهرة على الفور". وتشرح: "في هذه الحالة، يمكن أن يكون خدش طبقات الطلاء العليا له تأثير كبير على تجربة المشاهد في تذوق القطعة الفنية". كانت لوحة روتشكو معلقة في "دِيبو" المتحف - وهو منشأة تخزين مفتوحة للجمهور بجوار المتحف الرئيسي - كجزء من معرض يعرض مجموعة مختارة من "القطع المفضلة للجمهور" من مجموعة المعرض الفني. صرح جوني هيلم، في شركة بلاودن آند سميث، لخدمات ترميم الأعمال الفنية، أن للحادث تداعيات على المؤسسات البريطانية مثل متحف فيكتوريا وألبرت إيست والمتحف البريطاني، اللذين يدرسان "فتح المجال لعرض قطع كانت ستظل مخبأة في الأرشيفات لولا ذلك." وتساءل هيلم: "كيف سيؤثر هذا الحادث على المؤسسات البريطانية الأخرى، التي تُتيح عرض أعمالها بنفس الطريقة؟" وأضاف هيلم أن ترميم لوحة روثكو مهمة صعبة لأن "مزيج روثكو من الأصباغ والراتنجات (مواد صمغية) والمواد اللاصقة كان مُعقداً للغاية". وأضاف قائلاً إن حقيقة أن اللوحة غير مطليّة بالورنيش، يعني أنها "مكشوفة للبيئة المحيطة"، ما يشكل تحدياً إضافياً لفريق الترميم. ومن المرجح أن يعكف خبراء الترميم الذين يعملون على ترميم اللوحة الآن على توثيق مدى الضرر، والبحث في "المعالجات السابقة الناجحة" للوحات روثكو. وقال هيلم: "يبدو أن أعمال روثكو لم يحالفها الحظ - فهذه ليست أول لوحة لروثكو تتعرض للتلف نسمع عنها". تعرضت لوحة روثكو، "أسود على كستنائي"، التي رسمها عام 1958، للتخريب المتعمد على يد فلودزيميرز أومانيك، في معرض تيت مودرن، في لندن، في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2012. حُكم على أومانيك بالسجن لمدة عامين، ثم اعتذر لاحقاً عن أفعاله. وخلال محاكمته، قال محامي الادعاء، غريغور ماكينلي، إن تكلفة إصلاح اللوحة ستبلغ حوالي 200 ألف جنيه إسترليني. واستغرق خبراء الترميم 18 شهراً لإصلاح اللوحة. Getty Images أُعيد عرض لوحة مارك روثكو "أسود على كستنائي. 1958" بعد 18 شهرا من تخريبها صرحت راشيل ميرتل، رئيسة قسم العملات والفنون الجميلة في شركة التأمين أون، بأن بوليصة تأمين الفنون الجميلة تغطي عادةً "جميع المخاطر المرتبطة بالخسائر المادية والضرر الذي يلحق بالأعمال الفنية، بما في ذلك الأضرار العرضية التي يسببها الأطفال أو الزوار، مع استثناءات معينة". وأضافت أنه عند تلف عمل فني، تُعيّن شركة تأمين المعرض خبيراً متخصصاً في تقدير خسائر الأعمال الفنية لزيارة المتحف. وأضافت ميرتل أن خبير تقدير الخسائر عادةً "يراجع الضرر الذي لحق بالعمل الفني، ويفحص أي تسجيلات من كاميرات المراقبة لتحديد السبب الدقيق لهذا الضرر، ويُقيّم خيارات الترميم". ولم يُعلّق المتحف على الجهة التي ستتحمل مسؤولية الضرر الذي لحق باللوحة، المرسومة عام 1960، والتي يُقال إن المعرض اشتراها في سبعينيات القرن الماضي. سبق وأن أصدر متحف بويجمانز فان بيونينغن، فواتير طالب فيها الزوار، الذين تسببوا في أضرار للأعمال الفنية المعروضة، بدفع أموال مقابل ترميمها. في عام 2011، طالب المتحف سائحاً داس دون قصد على عمل فني على الأرض من زبدة الفول السوداني، للفنان ويم تي. شيبرز، بدفع تكاليف إصلاح العمل. ونقلت صحيفة ألجمين داغبلاد، عن شارون كوهين، المتحدثة باسم المتحف آنذاك، قولها: "من الطبيعي أن يدفع الناس ثمناً إذا ألحقوا ضرراً ما بعمل فني". تُعد لوحة "رمادي، برتقالي على كستنائي، رقم 8"، لروثكو، واحدة من عدة أعمال فنية حديثة تعرضت للتلف في هولندا في السنوات الأخيرة. في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، تعرّضت عدة مطبوعات فنية لفنان البوب الأمريكي، آندي وارهول، للتلف على يد لصوص خلال محاولة سرقة معرض إم بي في الفني في مدينة أويسترفيك. وفي حادثة أخرى، أقرّت بلدية هولندية بأنها "على الأرجح" تخلصت من 46 عملاً فنياً عن طريق الخطأ، أثناء أعمال التجديد خلال العام الماضي. ولدى المتاحف سياسات مختلفة عند التعامل مع الأضرار التي يسببها الأطفال. في أغسطس/ آب من العام الماضي، حطم طفل يبلغ من العمر أربع سنوات عن طريق الخطأ جرَّة (إناء من الخزف أو الفُخار) عمرها 3500 عام في متحف هيشت في إسرائيل. في ذلك الوقت، صرّح ليهي لازلو الذي يعمل بمتحف هيشت، لبي بي سي، بأن المتحف لن يتعامل مع الحادث "بصرامة" لأن "الجرَّة تضررت عن طريق الخطأ من قبل طفل صغير". ودُعي الطفل للعودة إلى المتحف برفقة عائلته في جولة منظمة، بعد وقت قصير من وقوع الحادث.

كيف يحاول أفراد مجتمع الميم-عين في ليبيا النجاة من القمع والاعتداءات؟
كيف يحاول أفراد مجتمع الميم-عين في ليبيا النجاة من القمع والاعتداءات؟

الوسط

time٠٧-٠٤-٢٠٢٥

  • الوسط

كيف يحاول أفراد مجتمع الميم-عين في ليبيا النجاة من القمع والاعتداءات؟

Getty Images قال أفراد من مجتمع الميم-عين في ليبيا لبي بي سي إنه رغم محاولاتهم عدم جلب الانتباه إليهم، فإنهم يتعرضون للاعتقال والعنف في الأوساط الاجتماعية المختلفة. ** لقد غيّرنا جميع الأسماء، باستثناء كايلي ديڤون، حفاظاً على هوية المتحدثين. "لدي شعور دائم بأن مصيبة ما ستحل بي في أي لحظة. أنا قلق طوال الوقت، وشعري يتساقط باستمرار من شدة التوتر، لا أثق بأحد. هذا حالنا هنا في طرابلس. نحن في جحيم لا يطاق". هكذا يصف جيكوب (اسم مستعار) الفنان الثلاثيني، مثلي الجنس، حاله وحال غيره من أفراد مجتمع الميم عين في ليبيا. تحدثت بي بي سي إلى خمسة ليبيين مثليين وعابرين جنسياً، يقيم اثنان منهم في ليبيا وثلاثة غادروها. تحدث الخمسة عن معاناتهم اليومية مع العنف والخوف والتنمر - معاناة مستمرة منذ سنوات طويلة، كما أخبرونا، منذ أن قرروا عيش هويتهم الجنسية بما يتماشى مع مشاعرهم وما يرغبون به. "إخوتي الكبار كانوا يضربونني لأتصرف 'كالرجال'" في ليبيا، كما في دول أخرى، للجنس خانة في جوازات السفر. ويفرض الجنس المحدد عند الولادة في مجتمعاتنا على الفرد مجموعة من القواعد المسبقة التي تحدد سلوكه وميوله، ويُوصم كل من يخرج عنها بـ"الشذوذ". ينظر أغلب المجتمع الليبي للمثلية الجنسية والعبور على أنها ظواهر "خارجة عن الفطرة" و"مخالفة للدين والأعراف الثقافية والاجتماعية". ويقول أفراد مجتمع الميم-عين إنهم يعانون غالباً من وصم وتنمر وعنف في أوساطهم الاجتماعية المختلفة وعلى مواقع التواصل. وتبدأ المعاناة أحياناً داخل البيت العائلي. "في التجمعات العائلية والمناسبات، كان إخوتي الكبار يضربونني لأتصرف 'كالرجال'. الآن يصرون على أن أتزوج من امرأة، لكنني لا أستطيع"، يقول جيكوب لبي بي سي. أما داليا (اسم مستعار) ذات العشرين عامًا، العابرة جنسيا من ذكر لأنثى، فتقول إن عائلتها قد أجبرتها، في ليبيا قبل مغادرتها إلى تونس، على تناول جرعات من هرمون التستوستيرون (الهرمون الذكري). "أبي وأمي، وهما طبيبان، أصرا على إخضاعي لما يسمى بالعلاج التصحيحي لكي أصبح 'مثل الرجال' "، تقول داليا. لكن جسم داليا لم يتقبل الهرمون. تقول إنها كانت تصاب بآلام في البطن وصداع في الرأس وشعور بالدوران يفقدها القدرة على المشي كلما تناولت الجرعات، حينها فقط توقفت عن تناولها. تعرّف كايلي ديڤون، العابرة جنسيا من ذكر لأنثى، نفسها كأول ليبية عابرة جنسيا تخرج للعلن. تعيش في ألمانيا منذ ثماني سنوات وهي مغنية وصانعة محتوى على مواقع التواصل الاجتماعي. تقول كايلي إنها عانت عنفاً وكراهية في الشارع والجامعة وفي كل مكان كانت تذهب إليه، قبل مغادرتها ليبيا. "يرشقوننا بزجاجات أو بالحجارة في الشارع. في أول يوم دخلت فيه جامعة في طرابلس، تنمر الجميع على طريقة مشيي وكلامي، كانوا ينعتوني 'بالمخنث' "، تقول كايلي. انتشار الجماعات المتشددة فاقم الخطر لم تكن لمجتمع الميم-عين في ليبيا حرية العيش بهوياتهم الجنسانية وميولاتهم الجنسية الحقيقية في أي وقت من قبل، وتبقى الحرية الجنسية ممنوعاً دينياً واجتماعياً في ليبيا. لكن من تحدّثنا إليهم يقولون إن مستوى الخطر والخوف الذي يعيشونه اليوم لم يكن بهذه الحدة قبل ظهور الجماعات المتطرفة في البلاد عام 2014. كانوا قبل ذلك يجتمعون في بعض مقاهي الشيشة التي يقولون إنها "كانت متنفسا لهم"، يتجمعون فيها لساعات يعيشون فيها بعض الحرية وشيئاً من الأمان. "لم يتعرض لنا أحد هناك بسوء. كنا نرقص على الأغاني ونقضي أوقاتاً ممتعة رغم الحذر"، تؤكد كايلي. لكن يقول المتحدثون إن الخناق ضيق عليهم وعلى مجتمع الميم-عين في ليبيا بالكامل بعد فرض هذه الجماعات المسلحة المتشددة السيطرة الفعلية على مناطق واسعة في البلاد. "بدأوا في التحريض علينا بنشر صورنا عبر مواقع التواصل الاجتماعي واتهامنا بالخروج عن الدين الإسلامي وممارسة الرذيلة حسب وصفهم"، تقول كايلي بحسرة. وكانت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا لعام 2023 قد عبّرت عن قلقها إزاء دمج الجماعات المسلحة وقادتها في مؤسسات الدولة، وانتشار الإيديولوجيات الدينية المحافظة ذات التوجه السلفي، والتي، بحسب البعثة، ساهمت في تضييق الفضاء المدني. تكييف القانون للتعامل مع تهم متعلقة بالهوية الجنسية تحصلت بي بي سي على نسخة من مذكرة قانونية مقدمة من وكيل النيابة العامة في طرابلس حول قضية رقم 230-2024 التي ألقي فيها القبض عام 2024 على ما تقول المذكرة إنهم "19 متهما ممن تبنوا فكر الإلحاد وآمنوا بالمثلية والحرية الجنسية". ولايوجد ذكر صريح للمثلية الجنسية في قانون العقوبات الليبي، لكن السلطات الليبية تستند في اعتقال بعض أفراد مجتمع الميم-عين على الباب المخصص للـ"مواقعة" في قانون العقوبات وفقا للمادتين 407 و408 اللتان تنصان تباعا على أن "كل من واقع إنساناً برضاه يعاقب هو وشريكه بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات". و "كل من هتك عرض إنسان برضاه يعاقب هو وشريكه بالحبس". وفي عام 2016، تبنى المؤتمر الوطني العام في ليبيا القانون رقم 11 لسنة 2016 المتعلق بـ"حماية الآداب العامة"، والذي يجرّم "جميع الأفعال المنافية للآداب العامة وأحكام الشريعة الإسلامية" في الأماكن العامة. وترى الرابطة الدولية للمثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية وحاملي صفات الجنسين (ILGA) إن هذا التشريع يمثل تقييداً محتملاً لحرية التعبير في المسائل المتعلقة بالمجتمع الكويري في ليبيا. وقالت منظمة "كن"، وهي منظمة أسسها نشطاء ليبيون في المهجر للعمل على تمكين المجتمع الكويري في ليبيا، لبي بي سي إن "بعض الأفراد يعتقلون لمجرد الاشتباه بانتمائهم لمجتمع الميم-عين أو لمظهرهم تحت غطاء 'حماية قيم المجتمع'. وقد تصل فترة الاحتجاز أشهراً يتعرضون خلالها للتعذيب والانتهاكات وقد يسجنون لمدة قد تزيد عن خمس سنوات". وقالت رتاج ابراهيم، إحدى مؤسسي منظمة "كن" لبي بي سي إن "جهازًا أمنيًا خاصًا" مقره جهاز دعم الاستقرار بطرابلس، يتعامل مع ملف مجتمع الميم-عين. وقد طلبت بي بي سي من جهاز دعم الاستقرار في طرابلس ردا على هذه الاتهامات، لكنها لم تتلق أي رد حتى تاريخ نشر هذا المقال. BBC جزء من مذكرة قانونية حصلت عليها بي بي سي حول قضية ألقي فيها القبض عام 2024 على 19 شخصا بتهم تتعلق بـ"الإلحاد" و"المثلية الجنسية" "الاستغلال الجنسي عند الاعتقال" Getty Images "يعتقل الأفراد لمجرد الاشتباه بانتمائهم لمجتمع الميم-عين أو لمظهرهم" تقول ميرا (اسم مستعار)، العشرينية العابرة جنسيا من ذكر لأنثى، إنها لا تزال تذكر تفاصيل اعتقالها مع شريكتها قبل عشر سنوات ممن تقول إنهم أفراد أمن في عين زارة، وقد عرفتهم من زيهم وسيارتهم. "لا أزال أشعر بنفس الألم والخوف كلما تذكرت الحادثة"، تقول ميرا، "اجتمعنا في استراحة مع ثمانية من أصدقائنا. لم نكن نعلم أن أفرادا من الأمن تتبعونا إلى هناك. اعتقلوني مع اثنتين من صديقاتي. لم يأخذونا إلى مقر اعتقال وإنما إلى منزل في عين زارة، في ضواحي طرابلس وهناك اغتصبونا". ويقول محدثونا إن "الاعتداء الجنسي على أفراد مجتمع الميم-عين في ليبيا، يحدث بشكل متكرر في الاحتجاز والسجن أو حتى عند البوابات الأمنية خارج طرابلس". "لا طاقة لنا أو قوة لمواجهتهم، فنضطر للاستسلام. يكرهوننا، ولكن يحبون ممارسة الجنس معنا"، تقول ميرا. ولم تتلق بي بي سي رداً على طلب للتعليق على الاتهامات بالانتهاكات والاعتداءات الجنسية الموجهة للقوات الأمنية التابعة لوزارة الداخلية في حكومة الوفاق الليبية. يقول ملخص زيارة المقررة الخاصة للأمم المتحدة لليبيا عام 2023، إن "هناك تقارير حول حوادث ضرب واغتصاب لأفراد من المجتمع الكويري هناك". لكن مسؤولي حكومة الوفاق الذين قابلتهم المقررة الخاصة للأمم المتحدة ريم السالم في طرابلس، قالوا إنه "لا وجود لأي مثليين أو ثنائي الجنس أو عابرين جنسياً أو حاملي صفات الجنسين على الإطلاق في ليبيا"، حسب ما جاء في التقرير الأممي. وتذكر داليا أنها سجنت أياما في سجن قرنادة في شرق ليبيا عام 2023: "كان السجانون يتحرشون بي جسديًا ولفظيًا كل يوم، أحيانا يضربونني وأحيانا يغازلونني"، تقول داليا بصوت مرتعش. "طلبوا مني أن أنزع ملابسي ليعرفوا لأي جنس أنتمي، عنفوني بأدوات حادة، وحلقوا شعري". "سوف نبقيكَ هنا حتى نجعلكَ حاملًا، أليس ذلك ما تريد؟"، هكذا كانوا يهددونها، تذكر داليا بقهر واضح في صوتها. وقالت داليا لبي بي سي إن ضابطا تحرش بها في مكتبه، وضربها عندما قاومته. ثم أتاها برجل دين سألها عن شعرها الطويل وملابسها وتصرفاتها "المتشبهة بالنساء" كما قال لها. طلبت بي بي سي من وزارة الداخلية في الحكومة الليبية في الشرق رداً على هذا الاتهام لكنها لم تتلق أي رد حتى الآن. وكانت البعثة الأممية لليبيا لسنة 2023 قد وجدت أن "السلطات الليبية والكيانات التابعة لها، مثل جهاز الردع لمكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب، والقوات المسلحة العربية الليبية، وجهاز الأمن الداخلي، وجهاز دعم الاستقرار، وقيادتها، كانت متورطة مراراً وتكراراً في انتهاكات وتجاوزات أثناء احتجاز الأشخاص بسبب ميولهم الجنسية الفعلية أو المتصورة وهويتهم الجنسانية". لم تتلق بي بي سي رداً من حكومة الوفاق والحكومة الليبية في الشرق على هذا التقرير. لغة مشفرة وفضاء افتراضي غير آمن علمت بي بي سي من شهادات عدد من أفراد مجتمع الميم أنه غالباً ما تُصادر هواتفهم وأغراضهم الشخصية أثناء الاحتجاز للبحث عن أدلة على هويتهم الجنسية والجندرية. كانت الصور في هاتف ماريا (اسم مستعار)، الأربعينية المثلية، "دليل إدانة" لها ولرفيقتها بالنسبة للمحققين الستة عند احتجازهما في مركز اعتقال معيتيقة العام الماضي، كما قالت لنا. لم تمح وجوه المحققين من ذاكرة ماريا إلى اليوم "وجوه مخيفة ولحى كثة، تداولوا صورنا مع جميع الضباط في المركز. نعتوني بـ'السحاقية الوسخة التي تسعى لإفساد المجتمع'، كلهم إلا واحدا طلب مني أن أمسح الصور الموجودة على الهاتف. و أُقفل المحضر"، تقول ماريا. أطلق سراح الاثنتين بعد ساعات من التحقيق بفضل نفوذ عائلة ماريا "المعروفة في طرابلس" كما تقول. ويحاول أفراد مجتمع الميم-عين الذين يعيشون داخل ليبيا النجاة من القمع والتهديدات المحدقة بهم فيتجنبون لفت الانتباه إليهم قدر الإمكان. "نحاول أن نجعل لباسنا متناسبا مع ما يرضي المجتمع. وإذا التقينا في مكان عام، نتحدث بلغة مشفرة نستخدمها في ما بيننا، نقلب فيها الحروف ونضيف حروفاً أخرى كي لا يُفهم ما نقول"، يخبرنا جيكوب. وقالت كايلي لبي بي سي إنه في محاولات سابقة للإيقاع بهم، يستخدم المدسوسون عليهم اللغة الشبابية الدارجة لكي يطمئن لهم أفراد المجتمع الكويري. لذلك قرروا اختلاق "لغة سرية" بينهم لا يعرفها غيرهم. يعتمد بعض أفراد مجتمع الميم-عين في ليبيا على هذه اللغة في رسائلهم الصوتية والمكتوبة، بحيث أنه في حال وقعت هواتفهم أو أجهزتهم في يد أحد، يصعب عليه فهم مضمون الرسائل، وبالتالي لا يمكن استخدامها كدليل ضدهم. كذلك يستخدمون خاصية "الفي بي ان" في مكالماتهم وتصفحهم لحماية بياناتهم. ويجتمعون افتراضياً في مجموعات مغلقة من المفترض أن لا يكون فيها أحد لا ينتمي إلى المجتمع الكويري لتفادي اختراقهم والوشاية بهم. لكن هذه الحيل الصغيرة لا توفر لهم أماناً كاملاً في الفضاء الافتراضي. فمن خلال متابعتها لقضابا المجتمع الكويري، خلصت منظمة "كن" إلى أن "السلطات الأمنية تجبر أفراد مجتمع الميم عين الذين تعتقلهم على الوشاية بآخرين مقابل إطلاق سراحهم"، كما قالت رتاج إبراهيم لبي بي سي. طلبت بي بي سي من وزارتي الداخلية في حكومة الوفاق والحكومة الليبية في الشرق تعليقاً على الإتهامات بإجبار أفراد مجتمع الميم-عين على الوشاية بغيرهم، لكنها لمم تتلق ردا حتى الآن. مغادرة ليبيا ومحاولات النجاة قد لا يجد البعض سبيلا للنجاة والعيش بحرية غير الهجرة، كما فعل عدد من محدثينا، لكنها فرصة لا تتوفر لكل طالب أمان. عام 2018 غادرت ميرا ليبيا في رحلة سياحية إلى تركيا كان من المقرر أن تدوم شهرا. لكنها تعرفت هناك على خطيبها الحالي فتغيرت خططها. "خروجي من ليبيا لم يكن قراراً بعدم العودة هناك. ولكن لا مفر من الاختيار، إما أن أكون ما أريد وأعيش مع من أحب، أو أن أعود للقمع والتضييق" تقول ميرا. لم تحصل ميرا على إقامة رسمية في تركيا. وتقول إن طلب لجوئها رفض عندما لم تستطع العودة إلى ليبيا لتقديم طلب الإقامة في تركيا من هناك كما هو معمول به في وضعها القانوني. "أعتمد على خطيبي لكي أتدبر أموري الآن... الحياة هنا صعبة جدًا". تقول ميرا التي ترى أنها مازالت "تدفع ثمن اختيارها" حتى بعد أن غادرت ليبيا. أما داليا التي كانت تستعد للسفر إلى الولايات المتحدة لبدء حياة جديدة بعد انتظار عام كامل في تونس، فقد توقف قرار إعادة توطينها في أمريكا بعد عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى السلطة، كما تقول: "أبحث الآن عن دولة بديلة لاستقر بها كامراة عابرة، دولة يمكن أن أعيش فيها بحرية وسلام".

ما أصل "العيديّة"، وكيف تغيّر اسمها عبر العصور؟
ما أصل "العيديّة"، وكيف تغيّر اسمها عبر العصور؟

الوسط

time٣١-٠٣-٢٠٢٥

  • الوسط

ما أصل "العيديّة"، وكيف تغيّر اسمها عبر العصور؟

Getty Images ينتظر الأطفال والشباب مع بداية أيام عيد الفطر ما يُعرف بـ "العيديّة"، التي توزع عليهم ممن يكبرهم عمراً وخاصة من الآباء والأمهات والأقرباء وفق ما اعتاد عليه كثيرون، وكذا ينتظرون هذه العيديّة في عيد الأضحى، بحسب الطقوس الدينية لدى المسلمين حول العالم. لكن ما هو الأصل التاريخي للعيديّة، وكيف ظهرت، ومتى بدأت قصتها؟ تشير بعض الروايات التاريخية إلى أن كلمة "عيديّة" مشتقة من كلمة "عيد" والتي تعني "المنح والعطاء" وهو لفظ اصطلح على تسميته بين الناس. وأشارت هذه الروايات إلى أن العيديّة ظهرت في العصر الفاطمي في مصر أواخر القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي، إذ كانت تُوزع النقود والثياب على عامة الشعب، وكان للعيدية أسماء مختلفة مثل "الرسوم" و"التوسعة"، وكانت تُقدم للأمراء على هيئة دنانير ذهبية، وهدايا ونقود للأطفال. Getty Images العصر الفاطمي "مولد العيدية" بحسب مؤرخي العصر الفاطمي، كالأمير عزّ الملك المسبحي، وتقيّ الدين المقريزي، نجد تفصيلاً لطقوس ومظاهر احتفال الخلفاء الفاطميين بالأعياد، ومن تلك الطقوس كانت "العيديّة"، التي ظهرت آنذاك لأول مرة كهبة مستقلة عن سائر العبادات. وكان ذلك منذ عهد الخليفة المعزّ لدين الله الفاطمي، الذي أراد حينها أن يستميل أفئدة المصريين في مبتدأ حكم دولته لبلادهم؛ فكان يأمر بتوزيع الحلوى وإقامة الموائد، وتوزيع النقود، والهدايا، والكسوة التي كانت تُصنع قبل شهر ونصف الشهر لتكون جاهزة ليلة العيد. وبلغت النفقات المخصصة لغاية صناعة الكسوة في القرن السادس الهجري مبلغاً مقداره نحو عشرين ألف دينار ذهبي، يتم توزيعها على رجال الدولة وعامة الرعيّة. أوضح أستاذ التاريخ الإسلامي الدكتور أيمن فؤاد خلال حديثه لبي بي سي: "إن معظم الاحتفالات الدينية تعود بنسبة كبيرة جداً إلى العصر الفاطمي في مصر، وكان العالم الإسلامي يحتفل بمناسبتين مهمتين هما: عيد الفطر وعيد الأضحى، وعندما جاء الفاطميون إلى مصر أضافوا كثيراً من المواسم والرسوم والاحتفالات الدينية، ففكرة العيديّة بالمصطلح الحالي لم تكن موجودة ولكن إذا رجعنا إلى المصادر التاريخية سنجد أنه عندما يبدأ رمضان كان أرباب الرُتب والخدم وجميع الناس المحيطين بالخليفة ولكل من نساء الخليفة وأبنائه يُقدّم طبقٌ مكون من حلوى بوسطه (صُرّة) من ذهب، وكذلك كان أهل الدولة ينالون من الحب جانباً فكانت هذه هي (التوسعة) التي تتم في العصر الفاطمي". وأضاف: "إن الفاطميين هم من ابتدعوا فكرة دار الفطرة بمناسبة العيد وتفرقة الفطرة (الكعك وما شابه) وتفرقة الكسوة (توزيعها) وعمل الأسمطة (وهي عبارة عن مائدة الطعام التي كانت تُمد في قاعة الذهب بالقصر الفاطمي) التي تُجهز في أول أيام العيد وتُوزّع على الناس". فقد عُرف عن الفاطميين هذا التقليد الذي كانوا يدْعونه باسمه المعروف اليوم "العيديّة"؛ كما كان الخليفة في ذلك الوقت يهدي بنفسه دراهم فضية مخصصة للفقهاء والقُرّاء والمؤذّنين، مع انتهاء ختمة القرآن ليلة العيد. ويبدو أنه حتى الملوك كانوا يتلقون "عيديّات" بلَبوس هدايا في الأعياد يقدمها رجالات بلاطهم؛ فهذا ابن دحية (633هـ/1235م) يخبرنا- في كتاب (المُطرب) أنه "أهدى الناس في يوم عيد إلى السلطان المعتمد ابن عباد (488هـ/1095م) مما يُهدَى للملوك في الأعياد". لذلك ظهرت "العيديّة" بشكلها الأولي على ما عُرف في ذلك العصر بـ "التوسعة" كمبلغ مالي يُوزَّع بمناسبة حلول العيد، فكان الخليفة يُشرف من قصره صبيحة يوم العيد، وينثر الدراهم والدنانير الذهبية على من أتى من عامة الناس للمعايدة. Getty Images من "التوسعة" إلى "الجامكيّة" في العصر المملوكي بدأت العيديّة تأخذ الشكل الرسمي في العصر المملوكي، والتي عُرفت حينها بـ "الجامكيّة"، إذ كانت تُوزّع على الكبار والصغار، ولم تكن مخصصة للأطفال فحسب. وكانت "الجامكيّة" عبارة عن مبلغ مالي يُصرف بأمر مباشر من السلطان كمُرتّب خاص بمناسبة حلول العيد، يُمنح لموظفي الدولة من الجند وحتى الأمراء وكبار الموظفين. و"الجامكيّة" كلمة مشتقة من "الجامة" وهي مفردة تركية تعني الثوب واللباس، ويقصد بـ"الجامكيّة" المال المخصص للملابس؛ حيث كان الهدف منها إعانة الرعيّة وتمكينهم من شراء كسوة جديدة خاصة بالعيد. Getty Images كيف اختلفت "العيدية" في العصر العثماني؟ اتخذت العيديّة في العصر العثماني شكلاً مختلفاً، إذ تحوّلت إلى ثقافة وعادة شعبية بين الناس يقومون بأدائها فيما بينهم ولم تعد مبلغاً مالياً يُصرف من الدولة. باتت العيدية عادة اجتماعية للتعبير عن الفرح والبهجة، ونوعاً من التكافل الاجتماعي. وارتبطت بشكل أكبر بطقوس العيد، فلم تكن مقتصرة على توزيع مبالغ مالية فقط، بل ارتبطت بأشكال الهدايا المختلفة كالطعام والملابس وغيرها. ومع تطور العصور، تغيّر شكل العيدية، لتستقر على نقود تُوزّع على أفراد العائلة الواحدة، وتختلف حسب الفئة العمرية. Getty Images كيف تطور شكل "العيديّة" في العصر الحديث؟ مع نهايات حقبة العصر العثماني ودخولنا إلى حقبة جديدة بات شكل العيديّة كما هو معروف عليه اليوم، إذ أصبح رب العائلة والأبناء الأكبر سناً هم من يوزعونها بشكلها النقدي على الأطفال بشكل خاص، ومن ثم تأتي الأم والزوجة والبنات الأكبر سناً، وفق بعض المجتمعات. وباتت العيديّة لدى الأطفال تحديداً مبعث سعادة وبهجة ومباهاة فيما بينهم ومقترنة بذلك المبلغ الذي يحصلون عليه سواء من الوالدين أو الأقارب. وعلى الرغم من شمول العيديّة لأشكال متنوعة من الهدايا كالألعاب والحلوى والملابس، إلا أنها أصبحت تُطلق على المبلغ المالي الذي ينتظره كثيرون لينالوا حظهم منه. وللعيديّة تسميات عدة في الدول العربية في الوقت الحالي، ففي الأردن وسوريا والعراق والكويت ومصر تعرف بـ "العيديّة"، بينما يُطلق عليها فى بعض الدول كسلطنة عُمان اسم "العيّود"، وتحمل تسميات مختلفة في مناطق بالسعودية منها "الحوامة" أو "الخبازة" أو "الحقاقة" أو "القرقيعان" في المنطقة الشرقية. في حين يُطلق عليها في بعض دول المغرب العربي ومنها تونس اسم "مَهْبَة العيد" وفي المغرب يطلقون عليها اسم "فلوس العيد". Getty Images ما علاقة "الأوكسيتوسين" بـ"العيديّة"؟ مع مرور الزمن، أصبحت العيديّة جزءاً لا يتجزأ من احتفالات الأعياد في المجتمعات العربية والإسلامية، لكن هل لها أبعاد نفسية على من يتلقّاها، ومن يعطيها أيضاً؟ تجيب الاختصاصية النفسية والأسرية الدكتورة نهاية الريماوي عن ذلك خلال حديثها لبي بي سي قائلة: "إن العيديّة دليل على المحبة، وبالتالي من الناحية العلمية ترفع نسبة الناقل المعصبي المعروف باسم (أوكسيتوسين) المسؤول عن الحب والمودة والعلاقات الإيجابية، فوجود العيديّة يأتي من منطلق التعبير عن الحب والذي يكون أحد أشكاله العطاء المادي أحياناً، وبالتالي تؤثر على بناء العلاقات وتُشعر الشخص بوجود السند. كما أن لها مدلولاً روحانياً يرتبط بالجانب النفسي، إذ تعزز مبدأ صلة الرحم بين الأفراد". وحول مدى تأثيرها على نفسية الأطفال باعتبارهم "الرابح الأكبر والأكثر حظاً" في تلقي العيديّة، فقد أوضحت الأخصائية ذلك بقولها: "عادة ما يبحث الأطفال عن الشعور بوجودهم وبالتقدير والانتماء، فعند تقديم العيديّة للطفل نُعزز لديه ذلك الشعور بالتقدير والثقة بالنفس، وبالتالي يتحقق لديه التوازن النفسي. كما أن فكرة الامتلاك، كمبلغ مالي بالنسبة للأطفال، تعزز لديهم الشعور بالمسؤولية بشراء أو اقتناء ما يرغبون فيه وتحقيق الغايات أو الأهداف التي يمكن أن تُحقّق مادياً". وأضافت: "تعد العيديّة سواء لصغار السن أو حتى كبار السن، بمثابة تعزيز لسلوكيات تتمثل في العطاء والتعاطف ووسيلة للتعبير عن المشاعر، وهي سلوكيات مهمة لتحقيق الصحة النفسية للأفراد". وهو ما تتوافق عليه أستاذة علم الاجتماع الدكتورة أمل رضوان في حديثها لبي بي سي قائلة: "تعد العيديّة من أهم مظاهر الاحتفال بالعيد، ومن العادات والتقاليد المتوارثة التي تُدخل الفرح والسرور على الأطفال ولها تأثير إيجابي على نفسيتهم، إذ تزيد من إفراز هرمون السعادة لديهم، مما ينعكس إيجابياً على سلوكهم ويُشعرهم بالاستقرار النفسي الذي يساعد بدوره في تنمية قدراتهم وتحصيلهم الدراسي. كما أن العيديّة لا تُدخل السرور فقط على مُتلقّيها بل كذلك تُدخل السرور على معطيها". وتضيف: "إنها فرصة لتعليم الأطفال فكرة العطاء وقيمة الادخار وكيفية الاستفادة من العيديّات". وهو الأمر الذي أكده استشاري الطب النفسي والإدمان الدكتور محمد أواب أبو دنون خلال حواره مع بي بي سي قائلاً: "إن العيديّة تمنح الطفل فرصة لفهم قيمة المال واتخاذ قرارات بشأن الإنفاق أو التوفير، مما يساعده في بناء مهارات لديه بشأن استخدام المال والتصرف به، إذ إن امتلاك الطفل للمال يُشعره بالاستقلالية والقدرة على اتخاذ قراراته بنفسه، ولو بشكل بسيط". وأوضحت أستاذة علم الاجتماع أن العيديّة لا تقتصر على الأطفال فحسب، بقولها: "من الجدير بالذكر أن العيديّة ليست للأطفال فقط، فعيديّة الزوج لزوجته تؤلف ما بين قلبيهما ولها وقع السحر على قلب الزوجة، مما يُشعرها بأنها ما زالت طفلته المدللة وحبيبته، كما تعمل العيديّة على تخفيف التوتر ومحو أي أثر للمشاكل أو الخلافات فيما بينهما". وتضيف: "عيديّة الأبناء للآباء وخاصة إن كانوا كباراً في السن، تجعلهم يشعرون ببر أبنائهم وتقديرهم وحبهم لهم. كما أن العيديّة يمكن أن تُعطى لأي شخص سواء أخ أو أخت أو صديق ممن تشاء أن تُدخل السرور إلى نفسه". Getty Images لكن، هل يمكن أن يكون للعيدية آثار نفسية سلبية؟ استشاري الطب النفسي والإدمان الدكتور محمد أواب أبو دنون أجاب عن هذا السؤال قائلاً: "الربط (الشرطي) بين المال والسعادة، بحيث يربط الطفل سعادته وفرحته بالعيد فقط عند حصوله على المال، قد يُفقد الطفل الاهتمام بالجانب الديني والروحي والاجتماعي للعيد. كما أن المقارنات بمبلغ العيديّة بين الأطفال قد يُشعر بعضهم بالإحباط أو الغيرة، خاصة إذا حصلوا على مبلغ أقل من إخوتهم أو أصدقائهم". وأضاف: "قد يشعر البعض ممن يعطي ويقدم العيديّة بالضغط المادي خاصة إذا كان يمر بظروف مالية صعبة، فقد يشعر بالقلق أو الإحراج بسبب عدم قدرته على تقديم عيديّة بقيمة كبيرة أو عند مقارنة ما يقدمه بالآخرين، وهو ما يتسبب بأضرار نفسية سلبية بالنسبة له". موضحاً: "إذا تحوّل الأمر إلى عادة اجتماعية مفروضة، فقد يشعر البعض بأنهم مجبرون على تقديم العيديّة بدلاً من الاستمتاع بفعل العطاء". من جهتها، قالت أستاذة علم الاجتماع الدكتورة أمل رضوان لبي بي سي: "رغم أن العيديّة تُعد تقليداً متوارثاً من المهم الحفاظ عليه، إلا أنها لا تعني الإسراف أو تحميل النفس فوق طاقتها، فيمكن أن تكون العيديّة رمزية أو بسيطة، حيث إن القيمة الحقيقية فيما تحمله العيديّة من مشاعر حب وليست في القيمة المادية فقط". Getty Images ولمعرفة أهمية العيديّة، فقد أجريتُ مقابلات مع عدد من الأطفال ضمن أعمار مختلفة وتنوعت إجاباتهم، إذ قالت رند البالغة 15 عاماً: "أنتظر العيد بفارغ الصبر لكي أحصل على العيديّة من والدي وأعمامي وعماتي وأخوالي وخالاتي، وأتذكر أول عيدية حصلتُ عليها كانت من خالي. والعيديّة تعني لي الكثير خاصة أنني عندما أحصلُ عليها أقومُ بتحقيق الأمور التي أرغب بها ولم أحققها من قبل". وقالت ميرال البالغة 8 أعوام خلال حديثي معها: "أشعرُ عندما يقدم لي أحدهم العيديّة كأنها هدية وشكر لي، وتعوّدتُ أن أُقسّم العيديّة إلى جزء لشراء الأشياء التي أُحبها، وجزء آخر خاص للحصّالة التي أجمع فيها المال للمدرسة، أما الجزء المتبقي فأخصصه لأشياء البيت المهمة". وهو ما تؤكده والدة ميرال قائلة: "عوّدتُ أبنائي على ادخار جزء من العيدية لشراء أشياء يرغبون بها وشراء ألعابهم الخاصة، إضافة إلى المساهمة في دفع رسوم معينة للمدرسة مثلاً ليشعروا بالمسؤولية". أما عمر البالغ 15 عاماً فقال: "العيديّة تعني لي هدية تقدمها العائلة للطفل وتعبر عن المحبة والابتهاج بالعيد، وعادة ما أتلقّى العيديّة من والدي ووالدتي وأقاربائي من أعمامي وعماتي وخالاتي. وأتذكر أنه في كل عام تتغير طريقة تفكيري في إنفاق العيديّة فعندما كنتُ أصغر سناً كنت أتوجه أكثر نحو شراء الألعاب التي أشعر معها أنني أسعد شخص في العالم، والآن عندما كبرت باتت طريقتي تختلف في شراء الأشياء التي أرغب بها". وبالنسبة إلى مروان البالغ 12عاماً فالعيديّة تعني له "المكافأة" إذ قال: "تعد العيديّة التي يقدمها لي والدي ووالدتي نوعاً من المكافأة وخاصة للطفل الذي بدأ صيام شهر رمضان، وفيها نوع من التحفيز للأبناء على الصيام. وعادة عندما أحصل على العيديّة أرغب بشراء الحلويات والألعاب والذهاب إلى مدينة الألعاب خلال العيد". تبقى العيديّة مهما اختلفت تسمياتها عادة شائعة تنتقل من جيل إلى جيل حتى يومنا هذا، ورغم الظروف الاقتصادية المتغيرة يبقى كثيرون متمسكون بهذه العادة المرتبطة بذاكرة وصورة العيد وبأجوائه وبهجته التي تعزز من أواصر المحبة بين الناس.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store