
تنمية المحافظات.. بين التخطيط الاستراتيجي والأولويات
د. محمد بن خلفان العاصمي
تؤدي الاستراتيجيات والخطط دورًا محوريًا في تحقيق التنمية المُستدامة، وكلما كانت هذه الاستراتيجيات والخطط رصينة، كان طريق التنمية سالكا وواضحا.
وفي مفهوم التخطيط الاستراتيجي لا بُد من أن تُبنى الخطط الاستراتيجية وفق دراسة تحليلية شاملة ومُتكاملة، وأن تُبنى وفق مقتضيات الواقع ومتطلباته وحاجات المجتمع وأولوياته، التي يجب أن تكون هي المرجعية الأساسية التي يقوم عليها التخطيط الاستراتيجي السليم، ولا بُد من التركيز على أهمية اتباع الخطوات العملية في عملية بناء الاستراتيجيات والخطط، خاصة وأنَّ هذه العملية هي علم صحيح قائم بذاته وله أصوله ومناهجه ومختصوه ولا مجال للاجتهاد فيه.
وخلال الفترة الماضية شهدنا قيام عدد من المحافظات بإطلاق هوياتها البصرية والترويجية وأعلنت خططها المستقبلية ومستهدفاتها، وهذا أمر جميل وبالغ الأهمية وهو مواكب لرؤية "عُمان 2040" وكذلك التطلعات المستقبلية لمنظومة المحافظات وتنميتها واستقلاليتها؛ بل هو مطلب مُهم؛ لتمكين هذه المحافظات، كما إنه مؤشر على مدى قدرتها على المضي قدمًا في الاستفادة من الصلاحيات الممنوحة في مقابل الحصول على صلاحيات أكثر في المستقبل القريب، كما أشار إلى ذلك حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- في خطابه السامي خلال يناير الماضي، مُعلنًا أنَّ النية تتجه لمنح مزيد من الصلاحيات للمحافظات بعد نجاح هذا التوجه خلال الخمس سنوات الماضية من عمر النهضة المُتجدِّدة.
ما ينتظر المحافظات من صلاحيات أكثر أو حتى الصلاحيات الحالية، يجب أن يُقابل بعمل مختلف يتناسب مع التطلعات والآمال؛ حيث من المفترض أن تُحلِّل كل محافظة الفرص والمُمكِّنات التي تتمتع بها، والأمر ليس مُقتصرًا على الموارد الطبيعية بكل حال؛ فالموارد البشرية تأتي في المقام الأول؛ لأن هذا العنصر هو القادر على تحقيق القيمة الحقيقية لعملها. لقد حان الوقت لأن تستقطب المحافظات الكفاءات الوطنية؛ سواء من أبنائها أو من غيرهم، لكي يُقدِّموا عصارة خبراتهم وتجاربهم وقدراتهم، والآن هناك فرص كثيرة في المحافظات على عكس الوضع السابق عندما كانت الفرص محصورة في محافظة أو محافظتين.
إن الاستفادة من الكوادر الوطنية ذات الكفاءة العالية والمشهودة سوف يحقق نتائج إيجابية على مستوى الأفكار والرؤى والخطط الاستراتيجية، وعلى مستوى التنفيذ كذلك؛ فالخبرات العملية والتجارب والمهارات هي الاستثمار الحقيقي الذي قدمته الدولة لهذه الفئة، ويجب أن تتم الاستفادة منها لا تهميشها. وفي حقيقة الأمر، هناك عدد من المحافظات انتهجت هذا النهج وأشركت هذه الكفاءات الوطنية في رسم مستقبلها وصياغته، وقامت بإشراكهم في العديد من اللجان والمشاريع والبرامج التي تعمل عليها، وهذا هو لب الفكرة وهدف هذا الطرح؛ فالتوازن بين قدرات وطموح الشباب والخبرات جدير بتحقيق النجاح والتميز.
المرحلة المُقبلة تتطلب نوعًا مختلفًا من العمل والتطوير في المحافظات، ولا ينبغي أن تكون المهرجانات هي السمة السائدة في تقديم الصورة الجديدة في عملها، نعم هي جزء من عوامل الجذب، ولكن هناك الكثير من الأفكار التي يمكن أن تخلق قيمة مضافة في المحافظات. ويجب التركيز على الموارد التي تمتلكها كل محافظة، وأن تنطلق الخطط من واقع هذه الموارد، وأن توجه الاستثمارات نحوها لخلق فرص نجاح منها، وإذا ما أحسنت المحافظات الاستفادة من هذا التوجه، فإنِّه نهج كفيل بمُعالجة العديد من الملفات التي تمثل تحديًا حقيقيًا خلال الفترة الحالية، مثل خلق فرص عمل للشباب، وتحقيق النمو الاقتصادي، والتنويع في مصادر الدخل، والاستثمار في رأس المال البشري.
تحتاج المحافظات إلى الأفكار المُبتكرة وتحتاج إلى النظر في أن هذا التوجه الجديد هو فرصة حقيقية للاستفادة من مظلة التنمية ونشرها في جميع أنحاء الوطن، ولكن بمفهوم مختلف، ويجب أن تعمل المحافظات على فكرة التميز والتنافسية أولًا مع واقعها، وإذا ما استطاعت أن تتفوق في ذلك؛ فهذا سوف يقودها إلى مرحلة متقدمة من التطور والتنافسية مع غيرها. ويجب أن تتفوق على ذاتها، وأن تبتعد عن فكرة النظر إلى الآخرين وتقليدهم واستنساخ الأفكار المكررة، دون خلق إضافة حقيقية تتناسب مع مواردها وإمكانياتها وقدراتها، ويجب أن تكون كل محافظة ذات سمة مميزة، وكل ذلك ممكن إذا ما كانت الرؤى واضحة والخطط مُصاغة بشكل صحيح ومُتقن.
إنَّ المسؤولية ليست سهلة، وما تُخصِّصه الحكومة من موازنات لتنمية المحافظات جدير بالاستفادة منه بأقصى حد ممكن، وتعزيزه من خلال مشاريع الاستثمار الجديدة، ومواصلة خلق فرص النجاح، ويجب أن تتوازى الجهود المبذولة لخدمة التنمية في هذه المحافظات؛ بعيدًا عن الأفكار والمشاريع التي لا تخدم التطلعات والطموحات، ولا بُد من الحرص على أن تكون هناك خطة متكاملة لجميع القطاعات فالنهضة المتجددة تستهدف خدمة المواطن في كل بقعة من أرض الوطن، ولن يتحقق ذلك إلّا من خلال تنمية المحافظات والوصول بها إلى مرحلة متقدمة من التطور وتجويد أدائها، وليس من خلال المشاريع المُستهلكة للموازنات والتي لا تعود بالنفع عليها، وهنا يأتي دور التقييم المستمر لأداء المحافظات والذي هو- بكل تأكيد- أمر حاصل.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


عمان اليومية
منذ 2 ساعات
- عمان اليومية
غداً.. "الدولة" و"الشورى" يناقشان 5 قوانين
غداً.. "الدولة" و"الشورى" يناقشان 5 قوانين يعقد مجلسا الدولة والشورى غداً جلسة مشتركة برئاسة معالي الشيخ عبدالملك بن عبدالله الخليلي رئيس مجلس الدولة، وبحضور سعادة خالد بن هلال المعولي رئيس مجلس الشورى. وخلال الجلسة ستتم مناقشة تقارير اللجان المشتركة بين مجلسي الدولة والشورى بشـأن المواد محل التباين في "مشروع قانون مكافحة الاتجار بالبشر "، و"مشروع قانون تنظيم الاتصالات وتقنية المعلومات "، و"مشروع قانون التنظيم العقاري '، و"مشروع قانون تحصيل مستحقات الدولة "، و"مشروع قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة "، المحالة من مجلس الوزراء الموقر، ومن ثم التصويت عليها وفقا للضوابط الخاصة بإجراءات عقد الجلسات المشتركة بين المجلسين. تأتي الجلسة المشتركة استنادا لأحكام المادة (49) من قانون مجلس عمان، ويعقبها رفع مشروعات القوانين المشار إليها إلى حضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم- حفظه الله ورعاه - مشفوعة برأي المجلسين.


عمان اليومية
منذ 2 ساعات
- عمان اليومية
سلطنة عمان تحتفل بالذكرى الـ 44 لتأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية
سلطنة عمان تحتفل بالذكرى الـ 44 لتأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية مؤكدة التزامها الثابت بمبادئ المجلس وأهدافه العُمانية: تحتفل سلطنة عُمان غداً مع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الشقيقة بالذكرى الـ 44 لتأسيس المجلس في 25 مايو 1981، الذي مثّل انطلاقة نحو تحقيق التكامل بين دوله الست على مختلف الصُّعد، وبما يُعزّز مصالح الشعوب، ويُحقق تطلعاتها نحو الاستقرار والازدهار والتطوُّر والنماء. وقد أكّد حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظّم ـ حفظه الله ورعاه ـ في خطابه السامي في يوم تولّي مقاليد الحكم في البلاد في الحادي عشر من يناير 2020م على مواصلة دعم المجلس حيث قال - أعزّه الله-: «وسنواصل مع أشقائنا قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الإسهام في دفع مسيرة التعاون بين دولنا لتحقيق أماني شعوبنا ولدفع منجزات مجلس التعاون قُدمًا إلى الأمام». وتواصل سلطنة عُمان التزامها الثابت بمبادئ المجلس وأهدافه، مساهمةً في صياغة قراراته ومبادراته، ودعم آليات التكامل الاقتصادي، وتنسيق المواقف السياسية، وتعزيز التعاون الثقافي والاجتماعي؛ انطلاقًا من إيمانها بأنّ تماسك المجلس ركيزةٌ لصمود المنطقة أمام التحوّلات العالمية المتسارعة والمتغيرة. وفي هذا الشأن قال سعادة الشيخ أحمد بن هاشل المسكري، رئيس دائرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية والجوار الإقليمي بوزارة الخارجية لوكالة الأنباء العُمانية: إنّ تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية في عام 1981 شكّل محطةً تاريخية فارقة في العمل العربي المشترك، ولبنة أساسية لبناء منظومة تعاون إقليمي فاعلة وراسخة ومنذ انطلاقته، وقد قطع المجلس شوطًا مهمًا في ترسيخ أسس التكامل والتنسيق بين دوله الأعضاء في شتى المجالات، مستندًا إلى الروابط التاريخية والمصالح المشتركة بين شعوبه. وأضاف سعادته: إنّ من أبرز إنجازات المجلس سياسيًّا، قدرته على توحيد المواقف في المحافل الإقليمية والدولية، ودوره في تعزيز السلم والاستقرار في المنطقة، وعلى الصعيد الاقتصادي، يُعدُّ الاتحاد الجمركي والسوق الخليجية المشتركة، بالإضافة إلى شبكة الربط الكهربائي ومشروعات النقل، من ثمار التعاون المؤسسي. وذكر سعادته أنه بالرغم من هذه الإنجازات، واجه المجلس بعضًا من التحدّيات، منها التباينات في الرؤى السياسية والتحدّيات الاقتصادية والتحولات الإقليمية المتسارعة، إلا أن آليات الحوار والتشاور التي أرساها المجلس ساعدت على تجاوز العديد من العقبات بروح من المسؤولية والحكمة. وأشار سعادته إلى أنّ طموحات التأسيس للمجلس كانت ولا تزال كبيرة، وقد تحقق الكثير منها، غير أن هناك مجالات لا تزال بحاجة إلى دفع أكبر وتسريع في وتيرة التنفيذ، لا سيما في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والتشريعية، مضيفًا أنّ المجلس يظل إطارًا حيًّا ومتطورًا يعكس الإرادة السياسية لدوله الأعضاء في مواصلة البناء وتعزيز الترابط والتكامل في مختلف المجالات. وحول دور مجلس التعاون في تعزيز الاستقرار في منطقة الخليج والشرق الأوسط بشكل عام أكّد سعادة الشيخ أحمد بن هاشل المسكري، رئيس دائرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية والجوار الإقليمي بوزارة الخارجية على أنّ مجلس التعاون يؤدي دورًا محوريًّا في تعزيز الأمن الجماعي، والتصدي لمصادر التهديد، والدفع باتجاه الحلول السلمية للأزمات الإقليمية. كما يعمل على تقوية شراكاته الاستراتيجية مع القوى الدولية والفاعلين الإقليميين بما يضمن توازن المصالح وحماية أمن واستقرار الخليج والمنطقة. وأشار سعادته إلى أنّ مجلس التعاون ينتهج سياسة مسؤولة ترتكز على احترام مبادئ القانون الدولي وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول. كما يسعى إلى المساهمة الفاعلة في تسوية النزاعات عبر الوساطة والدبلوماسية الوقائية، ومن الأمثلة على ذلك تأكيده الدائم على مركزية القضية الفلسطينية، ورفضه لأشكال التصعيد والتدخلات الخارجية في المنطقة. وفيما يتعلق بدور سلطنة عُمان في تعزيز التعاون الخليجي، خاصة في الملفات ذات الطابع التوفيقي قال سعادته: لطالما تبنّت سلطنة عُمان سياسة خارجية قائمة على الحوار والتوازن، وسعت بكل إخلاص إلى تقريب وجهات النظر وتعزيز وحدة الصف الخليجي، مؤكّدًا أنّ سلطنة عُمان تحرص على دعم مسيرة مجلس التعاون في جميع مراحلها، وتشجيع المبادرات التي تُسهم في تقوية العمل الخليجي المشترك، ولا سيما في الملفات التي تتطلب معالجات توافقية وتفاهمات مدروسة. وبيّن سعادته أنّ الرؤية المستقبلية للمجلس تتطلب مواكبة التحولات العالمية من خلال تحديث الآليات، وتفعيل أدوات التكامل، وتعزيز السياسات الموحدة في ملفات استراتيجية كالأمن السيبراني، والتغير المناخي، والتنمية المستدامة، إلى جانب مواصلة العمل نحو اتحاد اقتصادي متكامل يحقق الأمن والرفاه لشعوب دول المجلس. وحول مستقبل التكامل الخليجي في مجالات مثل الاقتصاد الرقمي، والأمن الغذائي، والطاقة المتجددة وضّح سعادته أنّ هذه المجالات تشكّل أولوية قصوى في أجندة التعاون الخليجي حاليًا، ومن المتوقع أن يشهد التنسيق الخليجي فيها تطورًا ملموسًا، من خلال استراتيجيات موحدة ومبادرات مبتكرة. وأكّد سعادة الشيخ أحمد بن هاشل المسكري، رئيس دائرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية والجوار الإقليمي بوزارة الخارجية أنّ سلطنة عُمان تؤمن بأنّ وحدة وتكامل البيت الخليجي، القائم على المصير المشترك والاحترام المتبادل، هو الركيزة الأهم لتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية في المنطقة، وهو ما تحرص السلطنة على ترسيخه بالتعاون مع أشقائها في مجلس التعاون، انطلاقًا من رؤية شاملة لمستقبل أكثر ازدهارًا وتماسكًا لدول المجلس وشعوبه.


عمان اليومية
منذ يوم واحد
- عمان اليومية
جلالة السُّلطان يهنئ الرئيس الإريتيري
جلالة السُّلطان يهنئ الرئيس الإريتيري العُمانية: هنّأ حضرةُ صاحبِ الجلالةِ السُّلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه - فخامة الرئيس/ أسياس أفورقي رئيس دولة إريتيريا بمناسبة ذكرى استقلال بلاده. وتمنى لفخامة الرئيس عبر برقية التهنئة التوفيق والسداد في قيادة شعب بلاده نحو آفاق رحبة من الازدهار الاقتصادي والتنموي.