
تطورات «كرافت - هاينز».. نهاية الطريق لوهم تأثيرات الهندسة المالية
ما يبدأ بالهندسة المالية ينتهي بها أيضاً. ها هي «كرافت - هاينز»، عملاقة الأغذية المعلبة التي تأسست عبر صفقة شاركت فيها كل من «ثري جي كابيتال» و«بيركشاير هاثاواي»، تنظر اليوم في خيار الانفصال. ويأتي القرار بعدما أعلنت الشركة في مايو أنها تدرس خيارات عدة لإيقاف مسار أدائها الضعيف المستمر. وتتضمن إحدى الخطط التي تنظر فيها الشركة فصل جزء كبير من محفظتها التقليدية لمنتجات البقالة.
وهكذا، يبدو الأمر وكأن الشركتين في طريقهما للانفصال والعودة إلى خطوط أعمالهما الأصلية. لكن السؤال الأهم: ما هي الدروس المستفادة من هذه الرحلة التي امتدت اثني عشر عاماً؟
حينما اشترت كل من «بيركشاير هاثاواي» و«ثري جي كابيتال» شركة «هاينز» في عام 2013، كتبت «فاينانشال تايمز»: «دعونا جميعاً نقدم لوارن بافيت محاضرة قاسية عن المبالغة في دفع المبالغ. وهنا بالذات يحتاج «حكيم أوماها» (لقب يطلق على وارن بافيت) إلى التوبيخ، بعدما وافقت بيركشاير هاثاواي وثري جي كابيتال على دفع 72.50 دولاراً للسهم الواحد، أو 28 مليار دولار بما في ذلك الديون، لشراء هاينز. وترقى هذه إلى علاوة تبلغ حوالي 20% على أعلى مستوى سجلته أسهم الشركة على الإطلاق في الآونة الأخيرة، ويعادل أرباحها هذا العام بما يصل إلى 21 مرة».
تحدثنا، حينها، عن أن هاينز تعد شركة ممتازة، وتدر عوائد عالية، وتربح المال. لكن تضمن سعر السهم هذا الأمر بالفعل قبل إضافة العلاوة البالغة 20%. كما أن المجال أمام إعادة الهيكلة وإعادة الابتكار في شركة الأغذية المعلبة تعد محدودة. وقلنا: «إلى بافيت، إنها ليست بقعة ناجمة عن صلصة كاتشب تلطخ سمعتك.. بل يبدو الأمر أقرب إلى بقعة دم».
ويا لهول ما تلقينا من بعض رسائل البريد الإلكتروني النابية بسبب ما كتبناه! فلا يحبذ أحد انتقادك لرمز الرأسمالية الأمريكية. وبدا الأمر، لبعض الوقت، كما لو أن بافيت كان محقاً من جديد بينما كنا نحن واقعين في الخطأ على نحو مذهل. وبعد فترة وجيزة من اندماج «كرافت - هاينز» في صفقة بالأسهم في عام 2015، حصل بموجبها المساهمون في كرافت على علاوة بلغت 30%، كتبت ما يلي:
«كان من السهل أن أكون متشككاً: فقد دفع وارن بافيت وثري جي سعراً ينطوي على علاوة عالية للغاية لشراء هاينز قبل عامين. فقد كانت الشركة بالكاد تحقق نمواً، فما مدى أفق التغيير المتوفر لدى شركة للأغذية المعلبة جيدة الإدارة؟ حسناً، يمكن للمتشككين أن يفتحوا علبة هاينز من الحجم العائلي وأن يتناولوها. فقد تم تداول أسهم كرافت عند 83 دولاراً للسهم، ما يشي بأن حصة بافيت وثري جي في هاينز - كرافت تبلغ 41 مليار دولار. لقد استثمروا 8 مليارات دولار في هاينز في بادئ الأمر، ثم أضافوا 10 مليارات دولار أخرى في صفقة كرافت».
كان السر يكمن في الاستغناء عن خمس عدد العاملين لدى «هاينز». وأعقب ذلك ارتفاع الأرباح بمقدار الثلث. وجاء هذا بالإضافة إلى رافعة مالية كبيرة أتت بثمارها، علاوة على أن سعر سهم الشركة المندمجة كان يشي بأن السر ذاته قد يُفلح من جديد مع «كرافت»، بيد أن ذلك لم يحدث.
وبدا واضحاً أن سعر 83 دولاراً كان ذروة السعر، بينما يتم تداول أسهم الشركة حالياً عند ثلث هذا المستوى. وبذلك، تكبدت «بيركشاير» تكلفة انخفاض قيمة استثمارات بلغت 3 مليارات دولار في عام 2019، كما اعترف بافيت بدفع قدر مبالغ فيه من الأموال لقاء شراء «كرافت». أما «ثري جي»، فقد باعت ما تبقى من حصتها في الصفقة في عام 2023.
ما الخطب إذن؟ يعزى جزء من الأمر إلى ابتعاد المستهلكين عن الكثير من منتجات «كرافت - هاينز»، واتجهوا بدلاً من ذلك إلى منتجات متخصصة. ثمة سبب آخر، وهو انتزاع كبرى سلاسل البيع بالتجزئة لقوة التسعير من العلامات التجارية للأغذية، وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى تباطؤ نمو المبيعات لدى كلا الشركتين حتى قبل إتمام الصفقة. لكن أداء شركات أخرى عتيدة في مجال الأغذية المعلبة لم يكن بضعف أداء «كرافت - هاينز» ذاته.
وحينما كانت «كرافت» في أوج نجاحاتها، أجمعت الآراء على أن اندماج «كرافت - هاينز» لم يكن سوى إثبات لمفهوم. وتمثلت التوقعات في أن تعكس الأسعار إبرام عمليات استحواذ على مزيد من العلامات التجارية وتحسينها.
لكن تبخرت هذه التوقعات على إثر فشل صفقة أكبر في عام 2017 للاستحواذ على شركة «يونيليفر»، واندثر ما تبقى من الآمال على إثر تخفيض القيمة في عام 2019 والتحقيق الذي أجرته هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية في محاسبة التكاليف.
وما زال من غير الواضح قدر التركيز الشديد الذي أولته «ثري جي» إلى التكاليف والذي أفضى إلى انهيار نمو الإيرادات. وقد استقرت المبيعات الاسمية للشركة منذ عام 2016، وهو إنجاز مشهود في ضوء التضخم الحاد الذي لحق بأسعار الأغذية في الفترة التي أعقبت الجائحة. لكن التوسع البالغ الذي شهدته هوامش الأرباح وتسبب في قدر كبير من الحماس في عام 2017 انحسر على نحو بالغ.
لست على دراية بمدى إضرار خفض التكاليف بالنمو، بينما كان تعزيزه لهوامش الربح غير مستدام، لكني على ثقة من أن عمليات الدمج، والفصل، ومحاولات خفض التكاليف، ليست إلا مصادر ثانوية للقيمة المضافة للمساهمين في أحسن الأحوال. بإمكان هذه الأمور، بكل تأكيد، أن تقفز بأسعار الأسهم على المدى القريب. لكنها، على المدى البعيد مع ذلك، لن تكون سوى عوامل مكملة للمصادر الأساسية للقيمة، مثل الابتكار، والصعوبة الزائدة أمام دخول وافدين جدد إلى السوق. وفي غياب نمو المبيعات التي تسفر عنها هذه الأمور، لن تكون إعادة الهيكلة والسيطرة على التكاليف ذات مغزى كبير.
وبكل تأكيد، يتسم إبرام الصفقات بجاذبية كبيرة للمسؤولين عنها. ولا يقتصر ذلك على مصرفيي الاستثمار، كما هو الحال في صفقة «كرافت - هاينز»، وهم الذين يفرضون رسوماً في عمليات الدمج والفصل. فالرؤساء التنفيذيون ومديرو الأسهم الخاصة بإمكانهم أيضاً الاستفادة مادياً بتحديدهم لتوقيتات الدخول في العمليات والخروج منها.
أما المديرون والمهندسون الماليون، فدائماً تقريباً ما يدخلون ويخرجون قبل اكتمال دورة حياة منتج ما أو استراتيجية، ولعل بافيت هو الاستثناء هنا. وبذلك، يتمثل الدرس المستفاد من صفقة «كرافت - هاينز» في وجوب ألا يأمل المستثمرون على المدى الطويل في تغيير كبير حينما يتعلق الأمر حصراً بالإدارة المالية لشركة ما.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

سكاي نيوز عربية
منذ 14 دقائق
- سكاي نيوز عربية
مانشستر سيتي يمدد تعاقده مع شركة بوما مقابل 1.34 مليار دولار
وكشفت وكالة الأنباء البريطانية (بي إيه ميديا) أن التعاقد الجديد يمتد 10 سنوات، وسينعش خزينة مانشستر سيتي بحوالي 100 مليون جنيه إسترليني سنويا. وأضافت أن التعاقد شهد زيادة كبيرة في قيمة الشراكة الاستراتيجية التي أبرمها مانشستر سيتي مع شركة الملابس الرياضية قبل موسم 2019 - 2020. من جانبه، قال فيران سوريانو الرئيس التنفيذي للنادي الإنجليزي "لقد حققنا أكثر من طموحاتنا وتجاوزنا التوقعات من التعاون مع شركة بوما خلال المواسم الستة الماضية". وأضاف سوريانو "لقد اندمجت بوما بسلاسة في مؤسسة نادينا، وعشنا لحظات تاريخية معا، وانتشرنا حول العالم، وتجديد وتمديد الشراكة اليوم يعزز علاقتنا ويدفعها نحو مستقبل أكثر نجاحا".


صحيفة الخليج
منذ 41 دقائق
- صحيفة الخليج
ترامب: سنبعث رسائل بخصوص الرسوم الجمركية للدول الأصغر قريباً
قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إن الرسائل التي تخطر الدول الأصغر بمعدلات الرسوم الجمركية الأمريكية المفروضة عليها سيتم إرسالها قريباً، مضيفاً أن إدارته ستحدد على الأرجح معدلاً «يزيد قليلاً على 10 في المئة» على تلك الدول. وقال ترامب للصحفيين بعد عودته من فعالية في مدينة بيتسبرج؛ إنه سعيد للغاية «بالاتفاقات البسيطة» التي تم الإعلان عنها بالفعل والتي حددت معدلات رسوم جمركية شاملة لأكثر من 20 دولة، وسوف يحدد الرسوم الجمركية للدول المتبقية قريباً. وتابع «سنبعث رسالة قريباً، تتحدث عن دول عديدة أصغر بكثير. سنفرض على الأرجح معدلاً واحداً للرسوم الجمركية عليها جميعاً... ربما يزيد قليلاً على 10 في المئة».


زاوية
منذ ساعة واحدة
- زاوية
غرفة الشارقة تحتفل بتخريج 26 مشاركاً في الدورة الثانية من برنامج القيادة الاستراتيجية للأعمال 2025
البرنامج يعزز مهارات المشاركين في وضع استراتيجيات مبتكرة وتحويل التحديات إلى فرص تأهيل نخبة من القيادات الحكومية لتعزيز الابتكار في إدارة مؤسساتهم احتفلت غرفة تجارة وصناعة الشارقة بتخريج 26 مشاركاً من القطاعين الحكومي والخاص ضمن الدورة الثانية من "برنامج القيادة الاستراتيجية للأعمال 2024-2025"، الذي جاء تحت عنوان "ابدأ مسارك القيادي الناجح"، ونظمه مركز الشارقة للتدريب والتطوير التابع للغرفة بالتعاون مع جامعة سلامنكا الإسبانية، واستهدف تنمية قدرات نخبة من القيادات الإدارية الحكومية في الإمارة، وتدريبهم على التخطيط الاستراتيجي وتعزيز الابتكار في بيئات العمل وتكريس ثقافة صناعة المستقبل بأدوات منهجية متطورة. حضر الحفل سعادة عبد الله سلطان العويس رئيس مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة الشارقة، وسعادة محمد أحمد أمين العوضي مدير عام غرفة الشارقة، ومريم سيف الشامسي مساعد مدير عام الغرفة لقطاع الخدمات المساندة، إلى جانب عدد من كبار المسؤولين في الغرفة وممثلي الجهات الحكومية المشاركة بالبرنامج. تصميم الاستراتيجيات المبتكرة ونجح البرنامج في دورته الثانية باستقطاب نخبة من الكوادر الواعدة من القطاعين الحكومي والخاص، وتميز بتنوع محاوره التدريبية التي غطت مجموعة واسعة من المجالات الحيوية شملت سيكولوجيا الأعمال في القيادة الاستراتيجية، ومهارات استخدام الذكاء الاصطناعي في قيادة مؤسسات الجيل الجديد، والتفكير التصميمي في إدارة التحديات، وتصميم الاستراتيجيات المبتكرة وأساليب إدارة المخاطر، وتصميم المؤسسات الإبداعية، والإبداع التنظيمي. جيل جديد من القادة وأكد سعادة عبد الله سلطان العويس، أن مخرجات البرنامج تستهدف تخريج جيل جديد من القادة المؤهلين وتعكس ما نشهده اليوم من تحولات جوهرية في مفهوم القيادة المؤسسية، حيث أصبحت التقنيات في العصر الرقمي تتطلب تأهيل قيادات غير تقليدية، وهذا ما يدفع غرفة تجارة وصناعة الشارقة إلى تبني نهج متقدم في إعداد القادة الاستراتيجيين، يقوم على مفهوم التكيف والتطور بما يُمكّن القائد الإداري من الجمع بين الخبرات المكتسبة والمعارف الإدارية الحديثة. وأضاف سعادة عبد الله سلطان العويس: "نؤمن بأن القيادة الفعالة في المستقبل تقاس بالقدرة على بناء أنظمة مؤسسية ذكية وقادرة على التطور الذاتي، ومن هنا تأتي أهمية تزويد القادة بالمهارات المتقدمة التي تمكنهم من هندسة المستقبل وتصميم مؤسسات تتكيف وتبتكر بشكل مستمر، مما يضمن ريادتها في اقتصاد المعرفة العالمي، وترتكز استراتيجيتنا على مبدأ إعداد القائد المستقبلي الذي يواكب كل جديد في الإدارة الحديثة ويكتسب ما يمكنه من قراءة المشهد المستقبلي للجهة التي يديرها وتحويل ما اكتسبه من معرفة إلى منهج وإلى سلوك عملي قابل للتنفيذ من خلال تنمية ثقافة مؤسسية تتسم بالمرونة والاستدامة، وتوجه سعادة العويس بالتهنئة لجميع الخريجين مثمناً حرصهم على تطوير مهاراتهم القيادية وتعزيز قدرتهم على الابتكار والإبداع، متمنياً لهم مزيداً من التقدم والنجاح في مسيرتهم المهنية. تجربة تعليمية متكاملة من جانبها، أشارت مريم سيف الشامسي، إلى أن البرنامج صمم لتقديم تجربة تعليمية متكاملة، حيث لم يقتصر على المحاضرات النظرية، بل امتد ليشمل ورش عمل قدمها خبراء دوليون معتمدون، ومشاريع تخرج تطبيقية، توجت ببعثة تدريبية ميدانية إلى إسبانيا بالتعاون مع جامعة سلامنكا، وأكدت أن الجولة الدولية أتاحت للمشاركين فرصة فريدة للاطلاع على أفضل الممارسات العالمية وتزويدهم بخبرات ميدانية ووجهات نظر عالمية تثري مسيرتهم المهنية وتعزز قدرتهم على قيادة فرقهم نحو النجاح. تكريم المشاركين وشهد الحفل تقديم عرض مرئي غطى أبرز محطات البرنامج وما تضمنه من فرص للمتدربين جمعت بين أصالة المعرفة الأكاديمية بالتعاون مع مؤسسات دولية مرموقة، وبين التطبيق العملي من خلال ورش العمل ومشاريع التخرج، مما عكس القيمة المضافة التي قدمها البرنامج للمشاركين. وفي ختام الحفل كرم سعادة عبد الله سلطان العويس ومريم سيف الشامسي المشاركين بالبرنامج، حيث شمل التكريم الخريجين من هيئة كهرباء ومياه وغاز الشارقة، بالإضافة إلى منتسبي البرنامج الذين يمثلون نخبة من مختلف الدوائر والمؤسسات الحكومية والخاصة في إمارة الشارقة، وتم منح المنتسبين شهادة "مستشار داخلي معتمد"، وهي بمثابة بطاقة انضمام إلى مجتمع نخبوي ومؤثر ضمن مجموعة قادة الأعمال في إمارة الشارقة. تعزيز القدرة على ابتكار الاستراتيجيات وعزز البرنامج مهارات المنتسبين لدورته الثانية في مجال وضع الاستراتيجيات المبتكرة لمؤسساتهم واستكشاف قدراتهم المهنية في التأثير الإيجابي على سلوك الآخرين، وتحليل بيئة العمل وابتكار الحلول الملائمة لمختلف التحديات وتحويلها إلى فرص مستقبلية، بالإضافة إلى مساعدة المتدربين على فهم نقاط التميز الشخصي والجوانب الإبداعية الداعمة للتطور الوظيفي، وتوجت رحلة التدريب المكثفة بإعداد كل مشارك لدراسة متكاملة لتطوير استراتيجية العمل ومنظومة الأداء في مؤسسته. -انتهى-