بين قمتي الرياض وبغداد
لا يمكن تحاشي المقارنة بين جولة ترامب الخليجية، وبالأخص حضوره للقمة الخليجية في الرياض، وبين القمة العربية الـ34 التي استضافتها بغداد بعد أيام قليلة من اختتام الرئيس الأميركي لزيارته. في الرياض وعلى وقع الصفقات الترليونية، يعلن ترامب عن نيته رفع العقوبات المفروضة على سوريا، و"منحها فرصة جديدة"، حسب قوله.
إعادة تأهيل سوريا والعودة إلى دمجها في الإقليم والمجتمع الدولي بوصاية سعودية-تركية، تنال سريعاً وبيسر مباركة واشنطن. الزيارة الأميركية تحولت إلى قمة إقليمية مصغرة، ضمت بالإضافة إلى ولي العهد السعودي وضيفه الأميركي، الرئيس السوري أحمد الشرع، وأيضاً وعن بعد حضر الرئيس التركي رجب أردوغان. لم تقتصر مخرجات القمة السعودية الأميركية على حسم الملف السوري، أو على الأقل تسريع القرار الأميركي بشأنه، بل وكذلك رجحت كفة الوصول إلى اتفاق نووي مع إيران عبر التفاوض، مع استبعاد العمل العسكري الذي لا تحبذه العواصم الخليجية. ولعل القرار الأميركي بوقف الهجمات على جماعة الحوثي في اليمن، وهو القرار السابق على جولة ترامب، كان بمثابة التمهيد للقرارات اللاحقة، وعلامة على انزياح في الميل الأميركي، على نحو أصبحت فيه مرجعية واشنطن بشأن القرارات المتعلقة بالمنطقة تميل ناحية الرياض ومعها الدوحة وأبوظبي، وليس تل أبيب.
بوضوح، القرارات الأميركية بشأن سوريا واليمن وإيران هي على العكس من الرغبات الإسرائيلية، إلى حد أن المسؤولين الأميركيين وجدوا أنفسهم مضطرين لاحقاً للتأكيد على أن الولايات المتحدة "لن تتخلى عن إسرائيل". لا يعني هذا بالضرورة أن مخرجات زيارة الرياض كانت موجهة ضد تل أبيب، لكنها كانت بلا شك خصماً من رصيد تل أبيب في واشنطن، لصالح مراكمة للأرصدة الخليجية في الأسواق الأميركية، ومعها دوائر صنع السياسية. أما فيما يخص الحرب في غزة، وهي القضية التي نالت الحد الأدنى من التعليقات أثناء جولة ترامب، فهناك ما يوحي بتغير ولو طفيف لكنه حاسم في البوصلة الأميركية، وهو ما أضاف إلى الضغوط الدولية على حكومة نتنياهو، ودفعها إلى الإعلان عن البدء في دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة.
ثمة نشوة يمكن تلمسها في العاصمة السعودية، لا تتعلق فقط بالنجاح في عقد "الصفقات" الباهظة مع البيت الأبيض، لكن والأهم التأكيد على موقع الرياض كعاصمة للمنطقة، أو على الأقل أحد عواصمها الكبرى. مقارنة بولاية ترامب الأولى، تبدو السعودية في موقع أفضل بكثير، وهي اليوم متحررة من حربها الطويلة في اليمن، وفي توافق مع جيرانها الخليجيين، وفي وفاق مع الأتراك، بل وأيضاً تتحسن علاقاتها مع طهران منذ استعادة العلاقات بوساطة صينية. هذا الموقع المثالي يعزز من التأثير المتنامي للصوت الخليجي في الأذن الأميركية، وهو الأمر المكلف بشكل مبالغ فيه، وغير المضمون استمراريته على المدى الطويل.
في المقابل، تظهر القمة العربية في بغداد على النقيض من قمة الرياض. حضر ثمانية قادة فقط إلى القمة من بينهم رئيس وزراء العراق الدولة المضيفة وشاركت 13 دولة بوفود تمثيل أقل، وغابت ليبيا عن الحضور بينما حل رئيس الوزراء الإسباني ضيفاً على القمة. ولم يحضر من القادة الخليجيين سوى أمير قطر، ومن الدول المحورية لم يحضر سوى الرئيس المصري. الحضور الفاتر في تلك اللحظة الفارقة يعكس تاريخ طويل من ضعف فاعلية جامعة الدول العربية، وتدهور متتابع لدورها، ويعكس أيضاً انتقال القرار العربي إلى الخليج، وبعيداً عن عواصم تمتعت بأوزان معتبرة في الماضي، مثل القاهرة وبغداد ودمشق. اقتصرت مخرجات القمة العربية على ما يشبه التوصيات والمناشدات بشأن أماكن الصراع الملتهبة من غزة واليمن إلى ليبيا والسودان. وأما ما يخص الشأن السوري، فاكتفى الحضور بمباركة رفع العقوبات عن دمشق، أي ببساطة مجرد الترحيب بمخرجات الرياض.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

القناة الثالثة والعشرون
منذ ساعة واحدة
- القناة الثالثة والعشرون
من "شيطان أكبر" الى أميركا... معركة أحمد الشرع الكبرى التي قد لا تكون بدأت بعد؟؟؟
صافح الرئيس الأميركي دونالد ترامب الرئيس السوري أحمد الشرع الأسبوع الفائت، وأعلن بدء مسار رفع العقوبات عن سوريا، وهو ما أتى متزامناً مع تحليق ترامب نفسه في المنطقة من دون أن يعرّج على إسرائيل، التي يؤكد أكثر من معطى أن الدول الخليجية باتت دائرة استقطاب بالنّسبة الى الإدارة الأميركية، أكثر منها. ليست عادية فتريليونات ترامب الخليجية ليست مسألة عادية، وما يرشح من تباينات بين إدارة ترامب وتل أبيب، ليست عادية أيضاً، ومصافحة الرئيس الأميركي رئيس سوريا (الشرع) الخارج من كهوف القتال والجهاد ضد الأميركيين ومصالحهم في الأراضي العربية والإسلامية في الماضي، وتحت عنوان "أمريكا أمريكا أنتِ الشيطان الأكبر"، (المصافحة) برعاية خليجية، ليست عادية أيضاً، وهي تفتح الأبواب لأسئلة عدة بالنسبة الى المستقبل. من "القاعدة" الى أميركا؟ فهل يدخل أحمد الشرع التاريخ، ليس فقط كعنصر سابق في تنظيم "القاعدة"، حكم سوريا ونقلها من دروب العقوبات الغربية الى أزمنة التطور والحداثة، برعاية خليجية، بل كعنصر سابق في "القاعدة"، عمل على إعادة أدلجة الكثير من الجماعات والعناصر الجهادية الناشطة على الأرض السورية، وضمن مدى إقليمي أوسع ربما، وعلى نقلها من زمان "أمريكا أمريكا أنتِ الشيطان الأكبر"، الى زمن التنسيق والتعاون مع الأميركيين، بإسم المصالح المشتركة، وبرعاية خليجية؟ والى متى يمكن لهذا الزمان أن يدوم؟ المصالح... أشار النائب السابق محمد الحجار الى أن "ما يحكم سياسة الدول عموماً، ودولة عظمى كالولايات المتحدة الأميركية خصوصاً، هو مصالحها، وليس أي شيء آخر". ولفت في حديث لوكالة "أخبار اليوم" الى أن "الدول العظمى تعتمد سياسة الكيل بمكيالَيْن، ولا تمارس دورها لتمنع الظلم وانتهاك حقوق الإنسان بحق أي طرف في العالم، وهي ترفع شعار حقوق الإنسان غب الطلب وكوصفة جاهزة. ونحن نتذكّر جيداً مواقفها الأساسية بشأن القضية الفلسطينية، وكيف كانت شاهدة على المجازر التي يتعرض لها الفلسطينيون في غزة". الاستقرار وذكّر الحجار بأن "من أطاح بالنظام السوري السابق هي مجموعات عانت الكثير، وفقدت الكثير بسببه، وبعدما ظلّ قابعاً على قلوب السوريين وصدورهم لأكثر من 50 عاماً. وأما الولايات المتحدة الأميركية من جهتها، فهي ربما تجد مصلحة لها بالمواقف التي تعتمدها بالشأن السوري اليوم. ولكن يبقى الأمل بأن تثمر مواقفها في دعم الاستقرار السوري المُهدَّد من أطراف عدة، داخلياً وخارجياً". وأضاف:"مواقف الجماعات التي حاربت بسوريا في الماضي والتي تحكمها اليوم، هي مواقف عقائدية بحتة. ولا تزال الأمور قيد الاختبار والمراقبة من الجهتَيْن، سواء من جانب تلك الجماعات، أو من جانب الولايات المتحدة الأميركية أيضاً. هذا مع العلم أنه من الضروري جداً لتلك الجماعات أن تجعل مصلحة سوريا متقدمة على أي أمر آخر". وختم مُوجِّهاً "تحية للمملكة العربية السعودية التي تحاول أن تزرع الاستقرار في كل أرجاء المنطقة العربية، والوطن العربي، والتي تحاول أن تنزع فتائل التفجير القابِلَة للانفجار في أي لحظة، إذا وجدت من يُشعِل الفتيل". أنطون الفتى - وكالة "أخبار اليوم" انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News

القناة الثالثة والعشرون
منذ 2 ساعات
- القناة الثالثة والعشرون
سلامة يبحث مع السفير الصلح التعاون الثقافي بين لبنان و جامعة الدول العربية
إستقبل وزير الثقافة غسان سلامة في مكتبه في المكتبة الوطنية- الصنائع، رئيس بعثة جامعة الدول العربية في لبنان السفير عبد الرحمن الصلح والمستشار يوسف السبعاوي حيث تم التداول في عدد من القضايا الثقافية ذات الاهتمام المشترك وآلية التعاون وتطوير العلاقات في المجالات الثقافية عامة. كما تطرق اللقاء الى أهمية اللغة العربية وتعزيز مكانتها عند الاجيال الصاعدة لجهة مفرداتها المتنوعة، ونظام كتابتها المتميز، خلفيتها وتقاليدها الغنية حيث تم البحث في إقامة فعالية لهذه المناسبة من قبل وزارة الثقافة بالتعاون مع جامعة الدول العربية في الاشهر المقبلة وذلك بالتزامن مع الذكرى ال 80 لتأسيس الجامعة. انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News


ليبانون ديبايت
منذ 2 ساعات
- ليبانون ديبايت
بعد توريط الفاتيكان وإباحة كل شيء... هل يخرج ترامب خاليَ الوفاض؟!
"ليبانون ديبايت" - هادي بو شعيا يبدو أن إنهاء الحرب في أوكرانيا بات يحتاج إلى نوع من المباركة الدينية، إذ وعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإجراء مفاوضات فورية بشأن وقف إطلاق النار في الفاتيكان على إثر محادثته الهاتفية التي استمرت لساعتين مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وفي حال دخل البابا ليو الرابع عشر على خط السلام بين كييف وموسكو فإن الأمر سيكون بمثابة حدث عاملي ضخم. فهل يصبح الحبر الأعظم الآن صانع سلام أم ترامب نفسه؟ المعطى الأول أن البابا الجديد هو أول بابا من أصل أميركي ينتخب عبر التاريخ ما يطرح تساؤلاً حول تحوّل الفاتيكان إلى أداة سياسية بيد ترامب؟! للوهلة الأولى، قد يظن البعض أن ذلك صحيحًا ولكن ليس بشكل مباشر، خصوصًا أن الفاتيكان مرجعية روحية ودينية عالمية تنادي بإحلال السلام وإنهاء الحروب ومراعاة حق الإنسان بالحياة. أما مسألة إعتماد الفاتيكان كوجهة لانطلاق المفاوضات أو المحادثات الأوكرانية-الروسية، إنما تحمل دلالات كثيرة أبرزها تغيّر الخطاب الأميركي أو بمعنى أدق تبنّي ترامب لاقتراح بوتين، ذلك أن الموقف الأميركي، قبيل الاتصال بين ترامب وبوتين، كان منسجمًا مع الموقف الأوكراني ومن خلفه الأوروبي وإن كان المضمون مختلفًا، حيث كانت الدعوة الأميركية تبدأ بوقف إطلاق النار لفترة 30 يومًا لتبدأ عملية المفاوضات؛ إلا أن بعد مكالمة ترامب-بوتين تغيّر موقف ترامب لا بل تبنّى المعادلة الروسية والقاضية بانطلاق المفاوضات إلى حين التوصل إلى وقف إطلاق النار. وعلى إثر ذلك، بلّغ ترامب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والأوروبيين بأن المفاوضات سوف تجري على الفور حتى التوصل إلى وقف لإطلاق النار، أي بعبارة أخرى لم يقل ترامب صراحةً بأنه يحمل أو يتبنّى اقتراح بوتين ومدى انسجامه مع ما كان يريده الأميركي والأوكراني والأوروبي من وقف إطلاق نار فوري ومن بعده تأتي المفاوضات، ولعلّ اختيار الفاتيكان يضفي طابعًا وختمًا دينيين وأخلاقيين، حتى لو لم يكن في صالح أوكرانيا والأوروبيين. إذا باختصار، سارع ترامب لتأطير التحوّل الذي جرى من خلال اختيار الفاتيكان، متجاوزًا بذلك الاعتبارات السياسية والسيادية لأوكرانيا سواء بعد قضم روسيا لشبه جزيرة القرم في العام 2014 والأقاليم الأربعة التي باتت تخضع للسيادة الروسية منذ 2022 وهي لوغانسك ودونيتسك وزاباروجيا وخيرسون. أمام هذا الواقع الذي يسود اليوم، لا بد من التذكير بأن دولاً أوروبية كثيرة عبر التاريخ خاضت صراعًا شرسًا وداميًا للتخلص من سلطة الكنيسة على القرار السياسي ما يطرح علامات استفهام حول كيفية الرجوع إلى أمر مماثل حتى لو كان بشكل رمزي؟ فألا يهدد ذلك القيم الديمقراطية التي أرستها أوروبا؟ في حقيقة الأمر، لا يوجد في الولايات المتحدة الأميركية ما يقابل التجربة الأوروبية مع الكنيسة وحتى الخطاب الديني لدى ترامب لا يخرج عن المعتاد في السياسة الأميركية على مدى عقود، صحيح أن هناك من يتحفظ على أصل الفصل بين الدولة والكنيسة، ولكن حتى اللحظة لا يوجد مؤشر يشي بتبدّل موقف ترامب باتجاه منحى ديني. بيد أن من يعتقد أو يحاول التسويق لترامب بأنه رجل سلام من خلال إعلان حزنه على عدد القتلى والدمار الناتج عن طرفي النزاع في كل من روسيا وأوكرانيا ليته يعي تجاهل ساكن البيت الأبيض لما يحصل في فلسطين من تجويع وتعطيش والمقتلة التي تمارس بحق الغزاويين من قبل إسرائيل بتمكين وتمويل وتسليح ومباركة أميركية، ويسابق لإيجاد الحلول البرّاقة والخلّاقة بتجاوز حقوقهم الطبيعية. في المحصلة، قد يرحّب البعض وربما الكثير بموقف ترامب حيال الحرب في أوكرانيا إلا أنه يبقى منقوصًا وملتبسًا ويبقى مبنيًا على ازدواجية معايير فما لا يجوز في أوكرانيا يُحلّل له في فلسطين، بينما يبقي على الدعوة إلى تهجير سكان القطاع إلى الصومال أو ليبيا أو جنوب السودان دون اي حقوق واعتبارات حتى يبقوا فقط على قيد الحياة!