
دراسة: ارتفاع مستوى سطح البحر سيؤدي لهجرة داخلية كارثية
حذّرت دراسة جديدة من أن ارتفاع مستوى سطح البحر سيصبح غير قابل للسيطرة عند ارتفاع درجة حرارة الأرض بمقدار 1.5 درجة مئوية فقط، وسيؤدي إلى "هجرة داخلية كارثية". وقد يتحقق هذا السيناريو، حتى لو استمر متوسط ارتفاع درجة الحرارة خلال العقد الماضي، البالغ 1.2 درجة مئوية في المستقبل.
وخلصت الدراسة الجديدة، المنشورة في مجلة "اتصالات الأرض والبيئة"، إلى أن "استمرار فقدان كتلة الصفائح الجليدية يشكل تهديدا وجوديا لسكان المناطق الساحلية في العالم" بناء على تحليل بيانات تخص فترات دافئة تعود إلى ما قبل 3 ملايين سنة، وملاحظات ذوبان الجليد وارتفاع مستوى سطح البحر في العقود الأخيرة، ونماذج المناخ.
وتضاعف فقدان الجليد من الصفائح الجليدية العملاقة في غرينلاند والقطب الجنوبي 4 مرات منذ تسعينيات القرن العشرين بسبب أزمة المناخ، وهو الآن المحرك الرئيسي لارتفاع مستوى سطح البحر.
وحسب دراسة حديثة، فإن الغطاء الجليدي في غرينلاند يفقد في المتوسط 30 مليون طن من الجليد كل ساعة جراء الاحتباس الحراري وأزمة المناخ، وهو ما يزيد بنسبة 20% عما كان يعتقد سابقًا.
ويعمل المجتمع الدولي على إبقاء ارتفاع درجة الحرارة العالمية دون 1.5 درجة مئوية، لكن التحليل الجديد وجد أنه حتى لو خفِّضت انبعاثات الوقود الأحفوري بسرعة لتحقيقه، فإن مستويات سطح البحر سترتفع بمقدار سنتيمتر واحد سنويا بحلول نهاية القرن، وهو معدل أسرع من قدرة بناء الدول لدفاعاتها الساحلية.
ويتجه العالم نحو ارتفاع درجة حرارة الأرض بما يتراوح بين 2.5 و2.9 درجة مئوية، وهو ما سيتجاوز بالتأكيد نقاط التحول التي ستؤدي إلى انهيار الصفائح الجليدية في غرينلاند وغرب القارة القطبية الجنوبية، وسيؤدي ذوبان هذه الصفائح الجليدية إلى ارتفاع "خطر للغاية" في مستوى سطح البحر بمقدار 12 مترا.
ويعيش اليوم نحو 230 مليون شخص على ارتفاع متر واحد فوق مستوى سطح البحر الحالي، ويعيش مليار شخص على ارتفاع 10 أمتار فوق مستوى سطح البحر.
وتيرة متسارعة
وتشير الدراسة إلى أنه حتى وإن ارتفع مستوى سطح البحر بمقدار 20 سنتيمترا فقط بحلول عام 2050، فإنه سيؤدي إلى أضرار فيضانات عالمية لا تقل قيمة أضرارها عن تريليون دولار سنويًا في أكبر 136 مدينة ساحلية في العالم، مما سيترك تأثيرات هائلة على حياة الناس وسبل عيشهم.
ومع ذلك، أكد العلماء أن كل جزء من الدرجة من الاحتباس الحراري العالمي الذي يمكن تجنبه من خلال العمل المناخي لا يزال مهما، لأنه يبطئ ارتفاع مستوى سطح البحر ويمنح مزيدا من الوقت للاستعداد، مما يقلل من المعاناة الإنسانية.
يعد ارتفاع مستوى سطح البحر أكبر الآثار طويلة المدى لأزمة المناخ، وقد أظهرت الأبحاث في السنوات الأخيرة أنه يحدث بوتيرة أسرع بكثير من التقديرات السابقة.
وكان ينظر إلى حد 1.5 درجة مئوية كوسيلة لتجنب أسوأ عواقب الاحتباس الحراري، لكن الأبحاث الجديدة تظهر أن هذا لا ينطبق على ارتفاع مستوى سطح البحر.
ويرى الباحثون أنه من الصعب تقدير درجة حرارة "الحد الآمن" للصفائح الجليدية، ولكن من المرجح أن تكون درجة مئوية واحدة أو أقل. وأضافوا أن ارتفاع مستوى سطح البحر بما لا يقل عن متر إلى مترين أصبح أمرا لا مفر منه.
وقال البروفيسور جوناثان بامبر من جامعة بريستول بالمملكة المتحدة والمشارك في الدراسة: "ما نعنيه بالحد الآمن هو الحد الذي يسمح بمستوى معين من التكيف، بدلًا من الهجرة الداخلية الكارثية والهجرة القسرية، والحد الآمن هو حوالي سنتيمتر واحد سنويا من ارتفاع مستوى سطح البحر".
وحسب بامبر إذا وصل الأمر إلى هذا الحد، فسيصبح أي نوع من التكيف صعبا للغاية، وسنشهد هجرة هائلة على نطاقات لم نشهدها من قبل في الحضارة الحديثة، مشيرا إلى أن الدول النامية مثل بنغلاديش ستكون أسوأ حالا بكثير من الدول الغنية ذات الخبرة في كبح الأمواج، مثل هولندا.
أسوأ السيناريوهات
من جهته، قال البروفيسور كريس ستوكس من جامعة دورهام والمؤلف الرئيسي للدراسة: "بدأنا نشهد بعض أسوأ السيناريوهات تتحقق أمام أعيننا تقريبا. فمع ارتفاع درجة الحرارة الحالي بمقدار 1.2 درجة مئوية، يتسارع ارتفاع مستوى سطح البحر بمعدلات، إذا استمرت، ستصبح عصية على الإدارة تقريبا قبل نهاية هذا القرن".
وبلغ متوسط درجة الحرارة العالمية 1.5 درجة مئوية لأول مرة عام 2024. ولكن الهدف الدولي يقاس بمتوسط 20 عاما، لذا لا يعتبر أنه تم تجاوزه بعد.
من جانبها، قالت البروفيسورة أندريا داتون من جامعة ويسكونسن ماديسون، التي شاركت في الدراسة إن "الأدلة المستمدة من فترات الدفء الماضية تشير إلى أنه يمكن توقع ارتفاع مستوى سطح البحر عدة أمتار عندما تصل درجة الحرارة المتوسطة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية أو أعلى".
حتى لو استطاعت البشرية إعادة الكوكب إلى درجة حرارته قبل عصر الصناعة بإزالة ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي، فسيستغرق الأمر مئات إلى آلاف السنين حتى تتعافى الصفائح الجليدية.
ووفقا للباحثين، إن هذا يعني أن الأراضي المفقودة بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر وزحفه على السواحل ستبقى كذلك لفترة طويلة، ربما حتى تدخل الأرض العصر الجليدي التالي.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 12 ساعات
- الجزيرة
دراسة: ارتفاع مستوى سطح البحر سيؤدي لهجرة داخلية كارثية
حذّرت دراسة جديدة من أن ارتفاع مستوى سطح البحر سيصبح غير قابل للسيطرة عند ارتفاع درجة حرارة الأرض بمقدار 1.5 درجة مئوية فقط، وسيؤدي إلى "هجرة داخلية كارثية". وقد يتحقق هذا السيناريو، حتى لو استمر متوسط ارتفاع درجة الحرارة خلال العقد الماضي، البالغ 1.2 درجة مئوية في المستقبل. وخلصت الدراسة الجديدة، المنشورة في مجلة "اتصالات الأرض والبيئة"، إلى أن "استمرار فقدان كتلة الصفائح الجليدية يشكل تهديدا وجوديا لسكان المناطق الساحلية في العالم" بناء على تحليل بيانات تخص فترات دافئة تعود إلى ما قبل 3 ملايين سنة، وملاحظات ذوبان الجليد وارتفاع مستوى سطح البحر في العقود الأخيرة، ونماذج المناخ. وتضاعف فقدان الجليد من الصفائح الجليدية العملاقة في غرينلاند والقطب الجنوبي 4 مرات منذ تسعينيات القرن العشرين بسبب أزمة المناخ، وهو الآن المحرك الرئيسي لارتفاع مستوى سطح البحر. وحسب دراسة حديثة، فإن الغطاء الجليدي في غرينلاند يفقد في المتوسط 30 مليون طن من الجليد كل ساعة جراء الاحتباس الحراري وأزمة المناخ، وهو ما يزيد بنسبة 20% عما كان يعتقد سابقًا. ويعمل المجتمع الدولي على إبقاء ارتفاع درجة الحرارة العالمية دون 1.5 درجة مئوية، لكن التحليل الجديد وجد أنه حتى لو خفِّضت انبعاثات الوقود الأحفوري بسرعة لتحقيقه، فإن مستويات سطح البحر سترتفع بمقدار سنتيمتر واحد سنويا بحلول نهاية القرن، وهو معدل أسرع من قدرة بناء الدول لدفاعاتها الساحلية. ويتجه العالم نحو ارتفاع درجة حرارة الأرض بما يتراوح بين 2.5 و2.9 درجة مئوية، وهو ما سيتجاوز بالتأكيد نقاط التحول التي ستؤدي إلى انهيار الصفائح الجليدية في غرينلاند وغرب القارة القطبية الجنوبية، وسيؤدي ذوبان هذه الصفائح الجليدية إلى ارتفاع "خطر للغاية" في مستوى سطح البحر بمقدار 12 مترا. ويعيش اليوم نحو 230 مليون شخص على ارتفاع متر واحد فوق مستوى سطح البحر الحالي، ويعيش مليار شخص على ارتفاع 10 أمتار فوق مستوى سطح البحر. وتيرة متسارعة وتشير الدراسة إلى أنه حتى وإن ارتفع مستوى سطح البحر بمقدار 20 سنتيمترا فقط بحلول عام 2050، فإنه سيؤدي إلى أضرار فيضانات عالمية لا تقل قيمة أضرارها عن تريليون دولار سنويًا في أكبر 136 مدينة ساحلية في العالم، مما سيترك تأثيرات هائلة على حياة الناس وسبل عيشهم. ومع ذلك، أكد العلماء أن كل جزء من الدرجة من الاحتباس الحراري العالمي الذي يمكن تجنبه من خلال العمل المناخي لا يزال مهما، لأنه يبطئ ارتفاع مستوى سطح البحر ويمنح مزيدا من الوقت للاستعداد، مما يقلل من المعاناة الإنسانية. يعد ارتفاع مستوى سطح البحر أكبر الآثار طويلة المدى لأزمة المناخ، وقد أظهرت الأبحاث في السنوات الأخيرة أنه يحدث بوتيرة أسرع بكثير من التقديرات السابقة. وكان ينظر إلى حد 1.5 درجة مئوية كوسيلة لتجنب أسوأ عواقب الاحتباس الحراري، لكن الأبحاث الجديدة تظهر أن هذا لا ينطبق على ارتفاع مستوى سطح البحر. ويرى الباحثون أنه من الصعب تقدير درجة حرارة "الحد الآمن" للصفائح الجليدية، ولكن من المرجح أن تكون درجة مئوية واحدة أو أقل. وأضافوا أن ارتفاع مستوى سطح البحر بما لا يقل عن متر إلى مترين أصبح أمرا لا مفر منه. وقال البروفيسور جوناثان بامبر من جامعة بريستول بالمملكة المتحدة والمشارك في الدراسة: "ما نعنيه بالحد الآمن هو الحد الذي يسمح بمستوى معين من التكيف، بدلًا من الهجرة الداخلية الكارثية والهجرة القسرية، والحد الآمن هو حوالي سنتيمتر واحد سنويا من ارتفاع مستوى سطح البحر". وحسب بامبر إذا وصل الأمر إلى هذا الحد، فسيصبح أي نوع من التكيف صعبا للغاية، وسنشهد هجرة هائلة على نطاقات لم نشهدها من قبل في الحضارة الحديثة، مشيرا إلى أن الدول النامية مثل بنغلاديش ستكون أسوأ حالا بكثير من الدول الغنية ذات الخبرة في كبح الأمواج، مثل هولندا. أسوأ السيناريوهات من جهته، قال البروفيسور كريس ستوكس من جامعة دورهام والمؤلف الرئيسي للدراسة: "بدأنا نشهد بعض أسوأ السيناريوهات تتحقق أمام أعيننا تقريبا. فمع ارتفاع درجة الحرارة الحالي بمقدار 1.2 درجة مئوية، يتسارع ارتفاع مستوى سطح البحر بمعدلات، إذا استمرت، ستصبح عصية على الإدارة تقريبا قبل نهاية هذا القرن". وبلغ متوسط درجة الحرارة العالمية 1.5 درجة مئوية لأول مرة عام 2024. ولكن الهدف الدولي يقاس بمتوسط 20 عاما، لذا لا يعتبر أنه تم تجاوزه بعد. من جانبها، قالت البروفيسورة أندريا داتون من جامعة ويسكونسن ماديسون، التي شاركت في الدراسة إن "الأدلة المستمدة من فترات الدفء الماضية تشير إلى أنه يمكن توقع ارتفاع مستوى سطح البحر عدة أمتار عندما تصل درجة الحرارة المتوسطة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية أو أعلى". حتى لو استطاعت البشرية إعادة الكوكب إلى درجة حرارته قبل عصر الصناعة بإزالة ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي، فسيستغرق الأمر مئات إلى آلاف السنين حتى تتعافى الصفائح الجليدية. ووفقا للباحثين، إن هذا يعني أن الأراضي المفقودة بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر وزحفه على السواحل ستبقى كذلك لفترة طويلة، ربما حتى تدخل الأرض العصر الجليدي التالي.


الجزيرة
منذ 5 أيام
- الجزيرة
دراسة تظهر تراجعا لأعداد الطيور بمنطقة الأمازون
أشارت دراسة حديثة حللت سلوك الطيور، التي تتغذى على الحشرات في مناطق الأمازون، إلى انخفاض واضح في أعداد الكثير من أنواعها، مرجحة أن يكون ذلك لأسباب مناخية في منطقة كانت تعد ملاجئ، مع وجود مناخ أكثر استقرارا، وغطاء غابات سليم، ووفرة من إمدادات الغذاء. وأظهرت تحليلات البيانات، التي جمعتها الدراسة على مدى الـ27 سنة الماضية، انخفاضا في أعداد 24 نوعا من الطيور من أصل 29 نوعا خضعت للدراسة. وكان السبب الرئيسي هو طول مواسم الجفاف وقلة الأمطار في السنوات الأخيرة. وركزت الدراسة على تحليل سلوك الطيور آكلة الحشرات -تلك التي تعيش بالقرب من الأرض تحت مظلة الغابات- في منطقة محمية من غابات الأمازون المطيرة على بعد حوالي 80 كيلومترا من مدينة ماناوس بالبرازيل. وتشير النتائج إلى أن تغير المناخ هو السبب، إذ يبدو أن انخفاض هطول الأمطار وزيادة حدة الجفاف يؤثران على عدد الحشرات هناك، مما يؤدي إلى قلة الغذاء للطيور، والتي يبدو أنها تتفاعل من خلال التكاثر بشكل أقل من أجل توفير الطاقة. وبحسب الدراسة، التي قام بها علماء من مؤسسات برازيلية وأميركية وكندية، فإن زيادة درجة الحرارة المتوسطة خلال موسم الجفاف في الأمازون بمقدار درجة مئوية واحدة فقط من شأنها أن تؤدي إلى انخفاض معدل بقاء مجتمع الطيور بنسبة 63%. وبشكل عام، يعرف العلماء منذ فترة أن أعداد الطيور الاستوائية آخذة في التناقص. بسبب تدهور الغابات وتجزيئها وتدمير الموائل. إلا أن دراسة أُجريت عام 2020، أظهرت انخفاضا أيضا في أعداد أنواع معينة من الطيور التي تعيش في مناطق الأمازون التي لم تتأثر بالأنشطة البشرية. وأكدت الدراسة الجديدة ما كان الباحثون يشتبهون فيه، إذ إن التغيرات المناخية تؤثر على الطيور حتى في المناطق التي كانت تعتبر في السابق ملاجئ، مع وجود مناخات محلية أكثر استقرارا، وغطاء غابات سليم، ووفرة من إمدادات الغذاء. ويقول عالم الأحياء غاريد وولف من جامعة ميشيغان التقنية بالولايات المتحدة، الذي شارك في الدراسة: "تربط هذه الدراسة بشكل قاطع بين تغيرات المناخ وبقاء الطيور. فكانت مجرد فرضية حتى الآن، لكن هذا التحليل يؤكد أن هذه التغيرات تلعب دورا مهما في نفوق الطيور في وسط الأمازون". وحذرت الدراسة ليس فقط من انكماش أعداد الطيور في أكبر الغابات الاستوائية على كوكب الأرض، ولكن أيضا من انقراضها المحتمل في الأمازون، ومع مرور الوقت، اختفائها الكامل في أماكن أخرى كذلك. ويشير وولف أنه إذا استمرت درجات الحرارة المرتفعة واشتدت فترات الجفاف، فسيستمر تناقص معظم الأنواع لدرجة أنها ستختفي من الوجود، ومع انقراض المزيد من الأنواع، سيتأثر هذا النظام البيئي الضخم والمعقد بأكمله. وما يميز غابات الأمازون هو أنها لم تتأثر بالظواهر الجليدية على الأرض، وكانت غاباتها موجودة منذ ملايين السنين، مما سمح للطيور بالتطور دون انقراض وهو ما جعلها بيئة فريدة من نوعها عالميا، حسب الدراسة. لكن التغيرات في درجات الحرارة بمقدار درجة مئوية واحدة أو درجتين مئويتين على مدى ملايين السنين حدثت ببطء، مما أتاح للطيور والأنواع وقتا للتكيف. أما الآن -كما تقول الدراسة- فنحن نتحدث عن تغيرات سريعة على مدى 10 أو 20 عاما، وهذه الطيور لا تملك القدرة على مواكبتها.


الجزيرة
منذ 6 أيام
- الجزيرة
ارتفاع قياسي لتسرب الميثان من الوقود الأحفوري
رغم الجهود العالمية المتزايدة للحد من الانبعاثات، فإن تلوث غاز الميثان الناجم عن صناعة الوقود الأحفوري بقي قريبا من المستويات القياسية المرتفعة في عام 2024. وقد تزامنت هذه الزيادة مع مستويات هائلة في إنتاج النفط والغاز والفحم، وفقا لتحليل جديد. ويُشير التحليل الذي أصدرته وكالة الطاقة الدولية، إلى أن معالجة غاز الميثان لا تزال تمثِل إحدى أبسط وأسرع الطرق لتبريد الكوكب، ومع ذلك فإن التقدم بطيء. وحذر التقرير من أن العديد من البلدان لا تبلغ عن المعلومات الحقيقية عن تسربات غاز الميثان، وخاصة من البنية التحتية للطاقة مثل خطوط الأنابيب ومعدات الحفر والمواقع المهجورة. ويعدّ الميثان، المكون الرئيسي للغاز الطبيعي، مساهما رئيسيا في ظاهرة الاحتباس الحراري، وهو أقوى بكثير من ثاني أكسيد الكربون في منع الحرارة من التسرب إلى الغلاف الجوي للأرض. ويأتي الميثان في المرتبة الثانية بعد ثاني أكسيد الكربون من حيث مساهمته في تغير المناخ. ولكن على عكس ثاني أكسيد الكربون، لا يبقى في الغلاف الجوي لقرون، بل يتحلل في غضون عقد تقريبا، مما يعني أن خفض انبعاثاته قد يحدث تحسنا سريعا في المناخ. ومع ذلك، لا تزال الحكومات تعجز عن الوفاء بوعودها. وتشير تقديرات وكالة الطاقة الدولية إلى أن انبعاثات الميثان الفعلية من قطاع الطاقة أعلى بنحو 80% مما تُبلغ عنه الدول للأمم المتحدة، وهو ما اعتبرته فجوة هائلة. ويشير تقرير الوكالة إلى أن قطاع الطاقة وحده مسؤول عن نحو ثلث إجمالي انبعاثات غاز الميثان الناتجة عن الأنشطة البشرية، كما أن جزءا كبيرا من تلك الانبعاثات ناجم عن تسرّبات غالبا ما تمر دون أن تلاحظ أو يبلّغ عنها. وقد تحدث أثناء الصيانة أو نتيجة لخلل في البنية التحتية وفي كثير من الحالات، يكون إيقافها بسيطا للغاية وبتكلفة معقولة. وتشير أحدث البيانات إلى أن تنفيذ برنامج الحد من انبعاثات غاز الميثان لا يزال أقل من الطموحات، وهو ما أكده المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول. ففي عام 2024، أطلق قطاع الوقود الأحفوري أكثر من 120 مليون طن من غاز الميثان، وهو ما يقرب من الكمية القياسية المسجلة في عام 2019. وتصدّرت الصين القائمة، ويعود ذلك أساسا إلى صناعة الفحم، وجاءت الولايات المتحدة في المرتبة الثانية مدفوعة بتكثيف إنتاجها من النفط والغاز، تليها روسيا ثم تركمانستان. تعهدات كبيرة وتقدم ضئيل وحسب التقرير لا يتسرب غاز الميثان فقط من الحقول العاملة حاليا، بل أيضا آبار النفط القديمة المهجورة ومناجم الفحم التي تعد أيضا من الأسباب الرئيسية للانبعاثات. ويقول التقرير إن تم اعتبار هذه المصادر المنسية دولة، فإنها ستحتل المرتبة الرابعة من حيث أكبر مصدر لانبعاثات غاز الميثان، حيث كانت مسؤولة عن إطلاق 8 ملايين طن من غاز الميثان في العام الماضي وحده. وتتولى وكالة الطاقة الدولية رسم صورة أوضح لتلوث الميثان عبر تقنية الأقمار الصناعية، حيث يقوم أكثر من 25 قمرا صناعيا بمسح الكرة الأرضية بحثا عن أعمدة الميثان. ويمكنها اكتشاف التسربات فور حدوثها، حتى في المناطق النائية. ويأتي نحو 40% من الميثان من مصادر طبيعية كالأراضي الرطبة. أما الباقي، وخاصة من الزراعة والطاقة، فيمكن السيطرة عليه، ويتفق العلماء على أن الميثان الناتج عن الوقود الأحفوري هو الأسهل معالجةً. وتعهدت أكثر من 150 دولة بخفض انبعاثات غاز الميثان بنسبة 30% بحلول عام 2030. وحددت العديد من شركات النفط والغاز أهدافا لعام 2050، ولكن حتى الآن كان التقدم الفعلي مخيبا للآمال. وتقول وكالة الطاقة الدولية إن خفض انبعاثات الميثان من الوقود الأحفوري قد يمنع نحو 0.1 درجة مئوية من ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي بحلول عام 2050. وذكر التقرير أن "هذا من شأنه أن يكون له تأثير هائل، مماثل للقضاء على جميع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من الصناعة الثقيلة في العالم بضربة واحدة". ويمكن عمليا للتقنيات الحالية خفض 70% من انبعاثات غاز الميثان في قطاع الطاقة، ولكن عمليا يفي 5% فقط من إنتاج النفط والغاز العالمي الحالي بمعايير انبعاثات غاز الميثان القريبة من الصفر. ويشير مركز أبحاث الطاقة "إمبر" إلى أنه من أجل تحقيق أهداف صافي الانبعاثات الصفري، يجب خفض انبعاثات الميثان الناتجة عن الوقود الأحفوري بنسبة 75% بحلول عام 2030. وفي ظل مساع دولية للحد من أضرار المناخ، يُعدّ خفض انبعاثات الميثان أمرا بديهيا، ولكن ما لم تأخذ الحكومات والصناعة المرتبطة بالوقود الأحفوري هذا الأمر على محمل الجد وفي أقرب وقت، فإن فرصة تجنب أسوأ آثار الاحتباس الحراري ستظل تضيق، حسب التقرير.