
ندوة فكرية تستحضر ذاكرة الكفاح في الصحراء المغربية وتناقش رهانات التنمية في ظل الحوزة الترابية
أسرة المقاومة وجيش التحرير تنظم أنشطة متنوعة بالعيون تخليدا للذكرى السابعة والستين لمعركة الدشيرة الخالدة
تكريم الزميل الصحافي 'كريم بن عمار' عن جريدة 'البيان'
خلدت أسرة المقاومة وجيش التحرير، يوم السبت بمدينة سمارة، الذكرى السابعة والستين لمعركة الدشيرة الخالدة، والذكرى التاسعة والأربعين لجلاء آخر جندي أجنبي عن الأقاليم المسترجعة بعد المسيرة الخضراء.
وأشرف على الحفل الذي احتضنته سمارة، الدكتور مصطفى الكثيري، المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، وافتتح الوفد، الذي زار جهة العيون لمدة ثلاثة أيام، أنشطته المخلدة لذكرى معركة الدشيرة بقراءة الفاتحة على روح شهداء المعركة التاريخية، الذين استشهدوا خلال الغارة التي دحرت الجيش الاسباني سنة 1958، قبل أن يقوم بزيارة فضاءات 'الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير بالدشيرة'.
كما تمت زيارة فضاءات جديدة للذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير، بمدينة سمارة والتي كان تحديثها وفق الاستراتيجية الناجحة والطموحة التي اعتمدتها المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير. وتم فيها تكريم الزميل الصحافي 'كريم بن عمار'، عن جريدة 'البيان بالفرنسية'، تتويجا لمساهمته ومشاركته الفعالة للأنشطة المخلدة للذكرى 49 لجلاء آخر جندي عن الأقاليم الجنوبية للمملكة، وأكد بن عمار في تصريح لجريدة 'بيان اليوم'، أنه سعيد بهذا التكريم الذي لم يكن في حسبانه، مشددا أن التكريم ليس لشخصه بل هو تكريم لجريدة البيان بالفرنسية، وبيان اليوم ولكل الزملاء الصحافيين العاملين بها والأطر الإدارية والتقنية.
ويأتي هذا الاحتفاء في الوقت الذي يستحضر فيه الشعب المغربي، ومعه أسرة المقاومة وجيش التحرير، الذكرى السابعة والستين لمعركة الدشيرة التي تعد محطة تاريخية تجسد عمق الارتباط الوطني بمسار الكفاح من أجل استكمال الاستقلال وتحقيق الوحدة الترابية.
وتشكل معركة الدشيرة، التي خاضها جيش التحرير ضد الاحتلال الأجنبي، حدثا مفصليا في مسيرة المقاومة المسلحة، حيث أكدت التلاحم الوثيق بين العرش والشعب في الدفاع عن السيادة الوطنية؛ وهو النهج الذي تواصل في ملحمة المسيرة الخضراء واسترجاع باقي الأقاليم الجنوبي.
وبهذه المناسبة المجيدة، سطرت المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير برنامجا للأنشطة والفعاليات المخلدة لهذين الحدثين المجيدين، بسمارة والعيون، تشتمل على مهرجانات خطابية وندوة فكرية، بحضور السلطات الإقليمية والمحلية والمنتخبين وفعاليات المجتمع المدني، والمنتمين لأسرة المقاومة وجيش التحرير.
وفي إطار تخليد هذه الذكرى، أكد مصطفى الكثيري، المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، في كلمته التي ألقاها بمدينة السمارة العاصمة العلمية للأقاليم الجنوبية للمملكة، أن معركة الدشيرة تظل رمزا خالدا للنضال الوطني، إذ برهن المغاربة عن بسالتهم في الدفاع عن أرضهم؛ وهو النهج ذاته الذي يواصله المغرب اليوم تحت قيادة الملك محمد السادس، من خلال ترسيخ مغربية الصحراء عبر الدينامية التنموية التي تشهدها الأقاليم الجنوبية.
وأبرز الكثيري، أن هذا الحدث الوطني يعد مناسبة لاستحضار القيم النضالية التي ظلت ركيزة في مواجهة التحديات، سواء في مرحلة التحرير أو في مسار التنمية الشاملة، لافتا إلى أن 'معركة الدشيرة تعتبر بحق معلمة بارزة في تاريخ الكفاح الوطني، ألحق فيها جيش التحرير هزيمة نكراء بقوات الاحتلال الأجنبي في الفترة من 1956 إلى 1960'.
وأشار المندوب السامي إلى أن 'معركة الدشيرة تعتبر حلقة ذهبية ترصع سلسلة الأمجاد والملاحم البطولية دفاعا عن الوحدة الترابية التي تحققت بفضل النضال المستميت للعرش والشعب، الذي تكلل بالمسيرة الخضراء المظفرة وإنهاء الوجود الأجنبي بالأقاليم الجنوبية'، مؤكدا أن ربوع الصحراء المغربية ستظل شاهدة على ضراوة هذه المعارك كمعركة 'الرغيوة' و'المسيد' و'أم لعشار' و'مركالة' و'البلايا' و'فم الواد'.
كما تم بالمناسبة نفسها، تنظيم برامج أنشطة وفعاليات تربوية وثقافية وتواصلية مع الذاكرة التاريخية بسائر النيابات الجهوية والإقليمية والمكاتب المحلية وفضاءات الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير المفتوحة عبر التراب الوطني، وتعدادها 104 فضاءات وحدات، بتنسيق وشراكة مع القطاعات الحكومية والمؤسسات العمومية والهيآت المنتخبة والجمعيات ومنظمات المجتمع المدني.
وبهذه المناسبة أيضا نظمت ندوة فكرية تحت عنوان ' الصحراء المغربية من التحرير إلى البناء، تراكمات الذاكرة وأسئلة الحاضر'، سيرها الدكتور 'عبداتي الشمسدي، باحث في التاريخ الجهوي للجنوب المغربي، ومدير مساعد بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين.
وشملت الندوة ست مداخلات، تجسدت المداخلة الأولى في موضوع 'حضور القضية الوطنية في الكتب المدرسية المغربية، دراسة لنماذج مختارة'، للأستاذ رضوان اطويل، باحث في الخطاب الشرعي وقضايا العصر الأكاديمية الجهوي للتربية والتكوين لجهة العيون الساقية الحمراء'، والذي أكد في مداخلته أن موضوع حضور القضية الوطنية في المناهج التعليمية المغربية أمرا ملحا أكثر مما مضى خصوصا ما خصصه خصوم الوحدة الوطنية من استثمارات لضرب القضية الوطنية الأولى للمغاربة. وشدد الأستاذ في مداخلته عن الدور الذي قامت به الجزائر وكيانها الوهمي من إدماج قضية الصحراء ضمن المقرر الدراسي للمتعلمين، علاوة على تمويلها العديد من الدراسات التي تسير وفق أكاذيبها، وتسخر مناديب ووفود لحضور التظاهرات والملتقيات للدفاع عن كيان وهمي صنعته للنيل من المملكة المغربية.
أما في ما يخص المداخلة الثانية والتي سطرت تحت عنوان، 'بيعة علماء وشيوخ الصحراء للملوك العلويين، تأصيل شرعي وتجسيد لوحدة الأمة المغربية'، وهي من تأطير الدكتور شعيب النوهايدي، رئيس مركز بصير للأبحاث والدراسات والإعلام، والذي لفت أن إمارة المؤمنين تستمد شرعيتها الدينية من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وإجماع السلف الصالح إذ أجمع علماء الأمة على أن إمارة المؤمنين واجبة لإقامة دين الله وحمايته وسياسة أمور الناس الدنيوية وحراستها، وركز النوهايدي في مداخلته أن البيعة ليست مجرد تقليد تاريخي، بل هي عقد شرعي وسياسي يرسخ وحدة الأمة المغربية تحت قيادة الملوك العلويين، ويؤكد عمق الروابط بين مختلف مكونات الشعب المغربي.
أما المداخلة الثالثة والتي كانت من تأطير الأستاذ ياسين بنروان وهو أستاذ وعضو المجلس العلمي بالعيون، تحت عنوان 'السيادة المغربية علو الصحراء من خلال الوثائق والمراسلات'، حيث أوضح بنراون أن الوثائق والمراسلات التي وقعت بين شيوخ وعلماء الصحراء المغربية وسلاطين الدولة العلوية الشريفة، منذ عهد السلطان المؤسس مولاي علي الشريف دفين الريصاني 1069هـ إلى عهد الملك محمد السادس تعد من أبرز تجليات السيادة المغربية على الصحراء، فالمتحدث يقول، 'عند القيام بقراءة تاريخية وفق نسق علمي استقرائي لبعض الوثائق الخاصة بعقود البيع والشراء والرهن والقرض والزواج نجد تداول أهل الصحراء المغربية للعملة المغربية لا سيما الريال الحسني.'
وفي السياق ذاته شملت المداخلة الرابعة والتي كانت تحت عنوان 'أدوار الإعلام في توثيق شهادات المقاومين وانتصارات المقاومة في المحطات الخالدة- عمل قناة العيون نموذجا'. للدكتور لحسن بوجدور، دكتور باحث في الإعلام والسينما، صحفي ومخرج بقناة العيون، حيث أكد في مداخلته على الدور المحوري الذي يلعبه الإعلام في توثيق المحطات النضالية الخالدة، والذي أصبح شاهدا على الأحداث ومساهمته في حفظ الذاكرة الجماعية للأمم في السياق الوطني، حيث شدد بوجدور، أن قناة العيون كوسيلة إعلامية رائدة في توثيق شهادات المقاومين ورصد انتصارات المقاومة، كما أنها سلطت الضوء على تضحيات الأبطال الذين ساهموا في الدفاع عن الوحدة الوطنية.
أما المداخلة الخامسة والتي أطرها الدكتور الطالب بويا زايدنا ماء العينين، وهو دكتور باحث في الشأن التنموي والسياسي للأقاليم الجنوبية، تحت عنوان 'جيو- بوليتيك الحكم الذاتي على ضوء قابيلة الحل للتنفيذ'، حيث لفت ماء العينين خلال مداخلته إلى خطاب الملك محمد السادس، في ذكرى المسيرة الخضراء في 6 نونبر 2005 والذي أعلن فيها الملك عن المبادرة الملكية التي بموجبها يمنح حكما ذاتيا لسكان الأقاليم الصحراوية، فالملك سعى إلى احتواء كل التطورات غير المرغوب فيها والتي من شأنها أن تحيل إلى أمور لا تخدم مصالح المغرب بخصوص قضيته الوطنية الأولى.
أما المداخلة الأخيرة والتي سطرت تحت عنوان 'الدينامية الحضرية بالأقاليم الجنوبية المغربية، حالة مدينة العيون القطب الجنوبي الصاعد'، من تأطير الدكتور محمد اعمر، أستاذ باحث في الجغرافيا البشرية، الأكاديمية الجهوي للتربية والتكوين لجهة العيون الساقية الحمراء، حيث أوضح أن مدينة العيون تعد حاضرة الجنوب وأكبر تجمع حضري بالجهات الجنوبية الثلاث، وتأتي الدينامية الحضرية لهذه المدينة في سياق الأوراش التنموية التي تعرفها جهة العيون الساقية الحمراء، حيث يرى الفاعلون والمتدخلون في مشروع الدينامية الحضرية تحقيق تنمية وطفرة في المشهد الحضري وكذا الحياة الحضرية لساكنة المدينة، لذا من الضروري العمل على حد الاختلالات المسجلة بالمدينة وتثمين مختلف الإمكانات التي تتواجد بها.
وفي ختام الندوة الفكرية، تم توقيع اتفاقية إطار بين النيابة الجهوية للمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير والمديرية الجهوية لقطاع الثقافة بالعيون تعنى بتثمين تراث المقاومة وجيش التحرير وإخصاب الذاكرة التاريخية المحلية والوطنية.
كما تم توزيع شواهد المشاركة على المتدخلين في الندوة، وتكريم لشركاء النيابة الجهوية بالعيون في مجال بصيانة الذاكرة التاريخية الوطنية والعناية بالرصيد التاريخي لفترة الكفاح الوطني والتحرير لكل من، المدير الجهوي لقطاع الثقافة بجهة العيون الساقية الحمراء، والإعلامي الدكتور السالك بوجدور، مقدم ومعد برنامج 'حديث المدينة'، والمدير الإقليمي لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بإقليم العيون، والفاعلة الجمعوية محجوبة المهر رئيسة جمعية ' رضا الله للتعاون الاجتماعي'.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


كواليس اليوم
١٢-٠٥-٢٠٢٥
- كواليس اليوم
بلجيكا.. تسليط الضوء على بطولات الجنود المغاربة خلال إحياء الذكرى الـ85 لمعركة جومبلو
جومبلو (بلجيكا) – نظمت، يوم الأحد، في بلدتي جومبلو وشاستر ببلجيكا، مراسم إحياء الذكرى الخامسة والثمانين لمعركة جومبلو، حيث تم تسليط الضوء على بطولات وتضحيات الجنود المغاربة الذين سقطوا في ساحة الشرف دفاعا عن حرية أوروبا في مواجهة نير النازية والفاشية خلال الحرب العالمية الثانية. وشهد موقع النصب التذكاري للفيلق الرابع للجيش في جومبلو، وكذلك المقبرة الوطنية العسكرية الفرنسية بشاستر، الواقعة على بُعد حوالي 40 كيلومترا جنوب بروكسيل، مراسم تكريم رسمية لهؤلاء الجنود الذين ضحّوا بأرواحهم من أجل الحرية، وذلك بحضور عدد من الشخصيات المدنية والعسكرية، من بينهم المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، مصطفى الكثيري، واللواء يوسف المهدي، رئيس مديرية التاريخ العسكري للقوات المسلحة الملكية، وسفير المملكة لدى بلجيكا والدوقية الكبرى للوكسمبورغ، محمد عامر، إلى جانب عدد من أفراد الجالية المغربية. وفي هذين الموقعين الرمزيين للذاكرة، تم تكريم الجنود المغاربة تقديرا لشجاعتهم وبسالتهم، إذ قاتلوا إلى جانب إخوانهم في السلاح من الفرنسيين والبلجيكيين، بروح من الانسجام والاحترام المتبادل، دون تمييز في الدين أو اللون أو الأصل. ودعا المتدخلون، خلال هذه المناسبة، إلى مواصلة الوفاء بواجب الذاكرة، بما يضمن تقديم نموذج ملهم للأجيال الصاعدة، ويُكرس القيم الإنسانية والكونية التي دافع عنها هؤلاء الجنود حتى الرمق الأخير. وفي تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أكد السيد الكثيري أن معركة جومبلو تُعد ملحمة تجسد الشجاعة والبطولة التي أبان عنها الجنود المغاربة الأوفياء، استجابة لنداء جلالة المغفور له الملك محمد الخامس، لدعم الحلفاء في مواجهة الفاشية والنازية، والدفاع عن حق الشعوب في الوجود والحرية. وأضاف أن تخليد هذه الذكرى يشكل مناسبة لإبراز الدور الريادي الذي طالما اضطلع به المغرب في الصفوف الأمامية دفاعا عن القيم الكونية، فضلا عن حرصه الدائم على صيانة ذاكرته الوطنية وتلك المشتركة مع الدول الصديقة، والتأكيد على عمق علاقات الصداقة والتعاون التي تربطه ببلجيكا. من جهته، شدد وزير الدولة البلجيكي، أندري فلاهو، على أهمية استحضار التضحيات التي بُذلت في سبيل حرية أوروبا، وعلى ضرورة تكريم ذكرى الجنود الذين سقطوا في ميدان الشرف، لاسيما الأجانب الذين جاؤوا من بعيد وقدموا أرواحهم دفاعا عن بلجيكا وأوروبا ضد الاحتلال النازي. كما نوه بالمكانة الخاصة التي يحتلها المغرب في هذه المناسبة التذكارية، بالنظر إلى المشاركة البارزة للجنود المغاربة في هذه الملحمة التاريخية، داعيا إلى مواصلة الجهود للحفاظ على ذاكرتهم حية. وفي 14 ماي 1940، وبعد مسيرة استغرقت يومين، وصل جنود الفوج السابع من الكتيبة المغربية إلى الجبهة، حيث اشتبكوا مباشرة مع القوات النازية. وقد تحملت الفرقة المغربية الجزء الأكبر من الهجوم الألماني، وتمكنت من الصمود في وجهه رغم الخسائر الجسيمة. ورغم نية القيادة العسكرية الفرنسية إصدار أوامر بالتراجع تفاديا للحصار، نجح الجنود المغاربة في صد الهجوم النازي، مضحين بمئات الأرواح، ولا تزال رفات العديد منهم ترقد اليوم في ميدان المعركة بشاستر، الذي أصبح فضاء للتأمل والذاكرة.


ناظور سيتي
١٢-٠٥-٢٠٢٥
- ناظور سيتي
بلجيكا تحيي ذكرى معركة "جومبلو" وسط تكريم بطولات الجنود المغاربة في الدفاع عن حرية أوروبا
المزيد من الأخبار بلجيكا تحيي ذكرى معركة "جومبلو" وسط تكريم بطولات الجنود المغاربة في الدفاع عن حرية أوروبا ناظورسيتي : متابعة شهدت بلدتا "جومبلو وشاستر" في بلجيكا، أمس الأحد، مراسم رسمية لإحياء الذكرى الخامسة والثمانين لمعركة جومبلو، التي خلدت تضحيات الجنود المغاربة الذين سقطوا في ساحة الشرف خلال الحرب العالمية الثانية، دفاعاً عن حرية أوروبا في مواجهة النازية والفاشية. وأقيمت هذه المراسم في موقع النصب التذكاري للفيلق الرابع للجيش بجومبلو، وفي المقبرة الوطنية العسكرية الفرنسية بشاستر، جنوب العاصمة بروكسيل، حيث تم تكريم هؤلاء الجنود في حضور شخصيات مدنية وعسكرية بارزة، من بينهم مصطفى الكثيري، المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، واللواء يوسف المهدي، رئيس مديرية التاريخ العسكري للقوات المسلحة الملكية، وسفير المغرب لدى بلجيكا والدوقية الكبرى للوكسمبورغ، محمد عامر، إلى جانب عدد من أفراد الجالية المغربية. وقد شكلت المناسبة فرصة للاحتفاء بشجاعة الجنود المغاربة الذين قاتلوا إلى جانب رفاقهم الفرنسيين والبلجيكيين في أجواء من الانسجام والاحترام المتبادل، دون تمييز في الدين أو اللون أو الأصل. وخلال كلماتهم بالمناسبة، أكد المتدخلون أهمية مواصلة الوفاء لواجب الذاكرة، لضمان نقل قيم التضحية والبطولة إلى الأجيال الصاعدة، وترسيخ القيم الإنسانية التي استشهد هؤلاء الجنود دفاعاً عنها. وفي تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أوضح الكثيري أن معركة جومبلو تُمثل إحدى الملاحم التي تُجسد شجاعة وبسالة الجنود المغاربة، الذين استجابوا لنداء جلالة المغفور له الملك محمد الخامس، ووقفوا إلى جانب الحلفاء ضد الفاشية، من أجل الدفاع عن كرامة الشعوب وحقها في الوجود والحرية. وأشار إلى أن تخليد هذه الذكرى يُعد مناسبة لتسليط الضوء على دور المغرب التاريخي في الدفاع عن القيم الكونية، وتأكيد حرصه على صون الذاكرة الوطنية والمشتركة، وتعزيز علاقات الصداقة والتعاون مع بلجيكا. من جانبه، أبرز وزير الدولة البلجيكي، أندري فلاهو، أهمية استحضار تضحيات الجنود الذين قاتلوا من أجل حرية أوروبا، وخاصة الأجانب الذين قدموا من بعيد لحماية بلجيكا وأوروبا من الاحتلال النازي، كما نوّه بالمكانة الخاصة التي يحتلها المغرب في هذه الذكرى، داعياً إلى الحفاظ على ذاكرة هؤلاء الجنود حية في الضمير الجماعي. وتعود وقائع المعركة إلى 14 ماي 1940، عندما وصلت وحدات الفوج السابع من الكتيبة المغربية إلى الجبهة بعد مسيرة شاقة استغرقت يومين، ليدخل الجنود المغاربة مباشرة في اشتباك عنيف مع القوات النازية. وقد تحملوا العبء الأكبر من الهجوم الألماني، ونجحوا في صدّه رغم الخسائر البشرية الكبيرة. ورغم نية القيادة الفرنسية التراجع لتجنب الحصار، تمكّن الجنود المغاربة من التصدي للهجوم ببسالة، مقدّمين مئات الأرواح. ولا تزال رفات العديد منهم ترقد اليوم في ميدان المعركة بشاستر، الذي تحوّل إلى رمز للتأمل والتقدير والذاكرة.


بيان اليوم
٢٦-٠٣-٢٠٢٥
- بيان اليوم
المغرب وفلسطين
المغرب وفلسطين – الحلقة 18 – تاريخ مشترك وتضامن ضارب في عمق العلاقات في ظل الأوضاع التي تعرفها فلسطين، سواء بالضفة الغربية أو قطاع غزة من عدوان شامل للاحتلال ومحاولة لإبادة جماعية لشعب فلسطين الأبي، كان للمغرب دائما حضور وازن، لا من حيث التضامن الشعبي أو الرسمي من خلال المساعدات الإنسانية وغيرها أو من خلال دعم جهود الإعمار، وكذا دعم خاص للقدس الشريف. ومنذ 7 أكتوبر 2023 الذي أطلق فيه الاحتلال الإسرائيلي حربه المدمرة على قطاع غزة واستمراره في مسلسل الاستيطان خاض المغاربة من شمال المغرب إلى جنوبه، ومن غربه إلى شرقه سلسلة من الاحتجاجات والأشكال التضامنية مع القضية الفلسطينية. ووفق التقديرات فإن المغاربة خاضوا أزيد من 6000 مظاهرة وأزيد من 730 مسيرة شعبية، في أكثر من 60 مدينة مغربية، إضافة إلى وقفات مركزية عديدة وبشكل دوري أمام البرلمان، بالإضافة إلى ما يزيد عن 25 موكبا تضامنيا للسيارات والدراجات، وما يفوق 120 ندوة ومحاضرة لتنوير الرأي العام وتوعيته في ما يهم معركة 'طوفان الأقصى' والقضية الفلسطينية وتطوراتها. هذا الغنى في التضامن مع القضية الفلسطينية يجعل المغرب في مقدمة الدول الأكثر تضامنا مع القضية الفلسطينية بالشارع العربي والمغربي، وهو ما يدفعنا في هذه السلسلة الرمضانية إلى العودة إلى تاريخ العلاقات المغربية – الفلسطينية، وكيف تضامن المغاربة مع القضية الفلسطينية وجعلوها قضية أولى إلى جانب قضية الصحراء المغربية. وتستند هذه الحلقات إلى قراءة في كتاب 'المغرب والقضية الفلسطينية من عهد صلاح الدين إلى إعلان الدولة الفلسطينية' للراحل أبو بكر القادري الذي شغل أول رئيس للجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني، وأيضا كتاب 'فلسطين قضية وطنية' للكاتب عبد الصمد بلكبير، وأيضا إلى مراجع وكتب أخرى تناولت القضية. شمعون ليفي.. المناضل المغربي الذي واجه الصهيونية وعاش مدافعا عن الهوية الوطنية إلى جانب إدمون عمران المالح الذي تحدثنا عنه في الحلقة السابقة، نقف في هذه الحلقة على إسهامات ونضالات مغربي آخر، المناضل والمثقف والتقدمي الراحل شمعون ليفي، الذي بصم على تاريخ حافل ومتميز من النضال على مستويات متعددة وضمنها القضية الفلسطينية. ويعتبر شمعون ليفي أو سيمون ليفي واحدا من أبرز الشخصيات اليهودية المغربية التي كرست حياتها للنضال من أجل العدالة والمساواة، مع رفضه القاطع للصهيونية ومشروعها الاستعماري. حيث شكلت مسيرته نموذجا فريدا من نوعه، جمع بين الدفاع عن الهوية اليهودية المغربية والانخراط في قضايا التحرر الوطني. شمعون ليفي مؤسس متحف التراث الثقافي اليهودي، وشمعون ليفي القيادي بالحزب الشيوعي المغربي وبعده حزب التقدم والاشتراكية، والصحفي البارز في جريدة البيان ALBAYANE والذي أسس وترأس مؤسسة التراث الثقافي اليهودي المغربي، بالإضافة إلى مسؤوليات ونضالات أخرى كأستاذ الجامعي ومحاضر ولساني وباحث ونقابي والعديد من القبعات التي كان متميزا بها، كان دائم الالتصاق بالقضايا الإنسانية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية. فإلى جانب هذه المهام والمسؤوليات المتعددة، ارتبط اسم شمعون ليفي بالنضال المستميت أسوة بالعديد من المناضلات والمناضلين بالدفاع عن القضية الفلسطينية، فهذه القضية التي وحدت المغاربة على الدوام وجمعت تحت رايتها شخصيات مسلمة ويهودية ولا دينية ويسارية وإسلامية وقومية وغير منتمية، كلها اجتمعت للتعبير عن رفض الإجرام الذي يوقعه الاحتلال الصهيوني بالشعب الفلسطيني. كان ليفي إلى جانب شخصيات مغربية أخرى لا تجمع بينها إلا الراية المغربية، والكوفية الفلسطينية، وقضايا إنسانية أخرى، من اشد المدافعين قضية فلسطين، وكان رافضا للصهيونية، بل حتى أنه رفض الحصول على الجنسية الفرنسية التي كانت تمنح لليهود بشكل مباشر، وتمسك وتشبث بمغربيته حتى آخر نفس له. ولد شمعون ليفي عام 1934 في مدينة فاس، وسط بيئة مغربية متعددة الثقافات، حيث تعايش المسلمون واليهود في إطار من الاحترام المتبادل. كان شغوفا بالفكر النقدي والسياسة منذ شبابه، وهو ما قاده إلى الانضمام للحركات التقدمية والماركسية التي عارضت الاستعمار الفرنسي ودعمت استقلال المغرب. خلال فترة دراسته في فرنسا، انخرط في النضال اليساري ورفض المشروع الصهيوني، الذي اعتبره حركة استعمارية تسعى لطمس هوية اليهود الشرقيين وقطع صلتهم بجذورهم الوطنية. وبعد عودته إلى المغرب، أصبح عضوا بارزا في الحزب الشيوعي المغربي ثم لاحقا التحرر والاشتراكية ثم التقدم والاشتراكية، حيث دافع عن مبادئ العدالة الاجتماعية والحقوق المدنية لجميع المغاربة، بغض النظر عن دينهم أو عرقهم. ظل ليفي ثابتًا في موقفه المناهض للصهيونية، حيث اعتبرها أيديولوجية تروج لتهجير اليهود قسرا من بلدانهم الأصلية، وتساهم في خلق الانقسامات داخل المجتمعات المتعددة. كان من أشد المعارضين لسياسات إسرائيل التوسعية، مؤكدا أن انتماءه لليهودية لا يعني الولاء للحركة الصهيونية أو لدولة إسرائيل. كما رفض الدعاية الصهيونية التي سعت لإقناع يهود المغرب بالهجرة إلى إسرائيل، وأصر على أن اليهود المغاربة جزء أصيل من النسيج الوطني، لهم حقوق وواجبات كمواطنين مغاربة، وأن مستقبلهم يجب أن يكون في وطنهم، لا في كيان استيطاني قائم على التمييز والاحتلال. إلى جانب نضاله السياسي، لعب شمعون ليفي دورا محوريا في الحفاظ على التراث اليهودي المغربي. فقد ترأس 'جمعية التراث الثقافي اليهودي المغربي'، وساهم في توثيق تاريخ اليهود في المغرب، مع التركيز على دورهم في بناء الحضارة المغربية. كما عمل على إبراز المشترك الثقافي بين المغاربة بمختلف أديانهم، مؤكّدًا أن اليهودية المغربية ليست مجرد ماض، بل جزء من الحاضر والمستقبل. توفي شمعون ليفي عام 2011، لكنه ترك إرثا نضاليا غنيا، يستلهمه كل من يسعى للعدالة ورفض التمييز بجميع أشكاله. ظل اسمه رمزا لليهود المغاربة الذين تمسكوا بجذورهم الوطنية ورفضوا الضغوط الصهيونية، كما تظل إسهاماته ونضالاته شاهدة على تاريخ التضامن المغربي مع القضية الفلسطينية، بالإضافة إلى ذلك بقيت مواقفه شاهدة على إمكانية التعايش والتضامن بين مختلف مكونات المجتمع المغربي. وسيظل شمعون ليفي نموذجا للمناضل الذي لم ينحصر نضاله في الدفاع عن فئة معينة، بل امتد ليشمل قضايا التحرر والعدالة لجميع أبناء وطنه. وبينما حاولت الصهيونية محو ارتباط اليهود المغاربة بجذورهم، ظل ليفي شاهدا حيا على أن الهوية الوطنية لا تتعارض مع الانتماء الديني، بل تتكامل معه في إطار مجتمع متعدد ومتسامح. < إعداد: محمد توفيق أمزيان