
خبيرة إعلام أميركية: أيها الصحفيون توقفوا عن طرح الأسئلة المزدوجة
وضربت ماكبرايد مثالا بما جرى، قبل أيام، أثناء المؤتمر الصحفي الذي جمع الرئيس الأميركي دونالد ترامب والأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته بالبيت الأبيض مؤخرا.
وبحسب خبيرة الإعلام فإن السؤال الأول الذي طرح على ترامب وروته كان رائعاً: ما الذي دفعكم إلى اتخاذ هذا القرار، هل كانت محادثة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أم معلومات استخباراتية؟
وكان ترامب وروته يتحدثان في ذلك الصباح عن الاتفاق الجديد -بين الولايات المتحدة وحلف الناتو- لتزويد أوكرانيا بالأسلحة لمواجهة الهجوم الروسي المستمر.
وبحسب خبيرة الإعلام، فإنه بينما كان ترامب على وشك الإجابة عن ذلك السؤال طرحت عليه المراسلة جاكي هاينريش من قناة فوكس نيوز سؤالاً ثانياً: ولماذا تمنحهم 50 يوماً إضافياً؟ في إشارة للرسوم الجمركية الثانوية التي هدد ترامب بفرضها عقوبة إذا لم ينجح بوتين في التوصل لسلام في غضون 50 يوماً.
وتقول ماكبرايد إن كلا السؤالين كانا جيدين، لكن عندما يطرح الصحفيون سؤالين في نفس الوقت فإنهم يضعفون فرصهم في الحصول على إجابة عن أي منهما، لأن ذلك الأسلوب يمنح المجيب فرصة اختيار أحد السؤالين أو كليهما.
وتعتقد ماكبرايد أن ترامب بارع في عدم الإجابة عن الأسئلة المباشرة التي يطرحها عليه الصحفيون والمحاورون. لذا، ليس هناك ما يضمن أنه كان سيجيب عن الأسئلة حتى لو طرحتها هاينريش واحدا تلو الآخر.
وتصف الخبيرة الإعلامية الموقف في ذلك المؤتمر الصحفي بالقول: بدأ ترامب في الإجابة عن السؤال الأول "أعتقد أن.." ثم، عندما وصله السؤال الثاني، غيَر مسار حديثه "حسنًا، أعتقد أنها فترة قصيرة جدًا. أعتقد، لا تنسوا، أنني لم أشارك في هذا الأمر منذ فترة طويلة، ولم يكن (أحد) أولوياتي في البداية. مرة أخرى، هذه حرب بايدن. هذه حرب الديمقراطيين، وليست حرب الجمهوريين أو ترامب. هذه حرب ما كانت لتحدث أبدًا. ما كان يجب أن تحدث".
وتعتقد ماكبرايد أن الصحفيين غالبا ما يصبحون ثرثارين أو مهملين عند طرح الأسئلة في المؤتمرات والتجمعات الصحفية، فهي مواقف شديدة الضغط ويصعب الاستعداد لها، لذلك غالبا ما تكون الأسئلة عفوية.
لكن أفضل الأسئلة -وفق الخبيرة الإعلامية الأميركية- هي الأسئلة البسيطة والمباشرة، والتي تُطرح واحدا تلو الآخر. وتضيف أن الكثير من الصحفيين في أميركا الشمالية تعلموا هذه الدروس من الصحفي الكندي جون سواتسكي.
فقد نبه سواتسكي الصحفيين مرارا وتكرارا على ضرورة أن يطرحوا الأسئلة المفتوحة، أي التي لا يمكن الإجابة عليها بـ "نعم" أو "لا" وشدد عليهم أن يستمعوا ويطرحوا أسئلة المتابعة، مثل "هل يمكنك أن تقول المزيد عن ذلك؟" أو "لماذا؟" كما علم الصحفيين ألا يطرحوا أبدًا سؤالين في وقت واحد.
وتضيف ماكبرايد أنه من السهل علينا أن نفهم لماذا يطرح الصحفيون الأسئلة المزدوجة في المؤتمرات الصحفية المباشرة، فإذا أتيحت لأحدهم فرصة طرح سؤال على الرئيس، فإنه يريد أن يكون سؤالهم مهما، وبطرح سؤالين، فإنهم يضعون رهانهم على عدة خيارات، على أمل أن يتم الرد على أحدهما على الأقل، ولكن مع ترامب، غالبا ما تأتي المعلومات الأكثر أهمية من سؤال بسيط ومباشر.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 4 ساعات
- الجزيرة
ترامب يزيد الضغط على باول بزيارة المركزي الأميركي
قال البيت الأبيض إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب سيزور مجلس الاحتياطي الفدرالي اليوم الخميس، في خطوة مفاجئة تصعد التوتر بين البنك المركزي والإدارة الأميركية. وانتقد ترامب مرارا رئيس المجلس جيروم باول لعدم خفضه أسعار الفائدة بمعدلات كبيرة، ووصفه بأنه "أحمق"، وعبّر علنا عن رغبته في إقالته. وكان الرئيس الجمهوري قد رشح باول لمنصب رئيس مجلس الاحتياطي خلال فترة ولايته الأولى، لكنه لم يرُق له اختياره بسبب الخلافات حول أسعار الفائدة والاقتصاد. ورشحه كذلك الرئيس السابق الديمقراطي جو بايدن لولاية ثانية. واتهم مسؤولو البيت الأبيض مجلس الاحتياطي بسوء إدارة عملية تجديد مبنيين تاريخيين في واشنطن العاصمة، مشيرين إلى ضعف الرقابة واحتمال حدوث احتيال. انتقادات وتهديد وتسببت الانتقادات العلنية التي وجهها ترامب لباول وتلميحه إلى احتمال إقالته في اضطراب الأسواق المالية سابقا وتهديد الدعامة الرئيسية للنظام المالي العالمي المتمثلة في أن البنوك المركزية مستقلة وبعيدة عن التدخل السياسي. وعادة ما يحجم الرؤساء الأميركيون عن التعليق على سياسة مجلس الاحتياطي احتراما لاستقلاليته لكن ترامب، الذي ينسف أسلوبه في الحكم الأعراف السياسية، لم يتبع هذا المثال. فمنذ عودته إلى منصبه في يناير/كانون الثاني الماضي، هاجم ترامب المؤسسات من شركات المحاماة إلى الجامعات والمؤسسات الإعلامية في محاولة لإعادة تشكيل المجتمع الأميركي بما يتماشى مع رؤيته. واستخدم اللهجة الحادة نفسها ضد مجلس الاحتياطي في محاولة للضغط على باول لخفض سعر الفائدة ، وألقى باللوم عليه لعدم تحفيز الاقتصاد بشكل أكبر.


الجزيرة
منذ 6 ساعات
- الجزيرة
واشنطن تلوّح بعقوبات على مسؤولين من جنوب أفريقيا
أقرّت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي مشروع قانون يدعو إلى مراجعة شاملة للعلاقات الثنائية مع جنوب أفريقيا، على خلفية ما اعتُبر انحيازا متزايدا لبريتوريا لقوى مناوئة لواشنطن، أبرزها روسيا والصين، إلى جانب دعمها المفترض لحركة المقاومة الإسلامية (حماس). ويأتي هذا التحرك وسط توتر متصاعد بين البلدين، لا سيما بعدما قدّمت جنوب أفريقيا دعوى أمام محكمة العدل الدولية تتّهم فيها إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة، وهي خطوة أثارت تحفظا داخل دوائر صنع القرار الأميركي. وتقدّم بمشروع القانون النائب الجمهوري رونّي جاكسون، الذي وصف علاقات جنوب أفريقيا بأنها "تحالف مع الشيوعيين والإرهابيين"، مطالبا بفرض عقوبات على مسؤولين في الحكومة وحزب المؤتمر الوطني الحاكم. ورغم أن المشروع لا يزال بحاجة إلى تصويت في مجلسَي النواب والشيوخ قبل أن يصبح قانونا نافذا، فإن إقراره في اللجنة يُعدّ مؤشرا واضحا على تصاعد الخلافات، لا سيّما في ظل سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب ، الذي اتّهم سلطات جنوب أفريقيا بـ"التمييز العنصري ضد البيض"، وأطلق برنامجا خاصا لاستقبال لاجئين من ذوي الأصول الأوروبية (الأفريكانيين). ولم تصدر سلطات جنوب أفريقيا أي رد فعل حتى الآن، ولم يتم تحديد أسماء المسؤولين الذين قد تشملهم العقوبات المحتملة.


الجزيرة
منذ 7 ساعات
- الجزيرة
ترامب.. رقصة النهاية أم تأكيد الهيمنة؟ (1)
بينما يصوَّر أحيانًا كظاهرة شعبوية عابرة، يبدو دونالد ترامب في الواقع تعبيرًا صريحًا عن مرحلة انتقالية خطيرة في النظام العالمي، حيث تُختبر فيه أسس الهيمنة الأميركية القديمة أمام تحديات عالم متغير، ومجتمع داخلي منقسم. في هذا المقال، لا نتحدث عن مؤامرة، بل عن تخطيط إستراتيجي ديناميكي تمارسه الدول الكبرى منذ قرون. هذا النوع من التخطيط يتأثر بالبيئة ويتفاعل معها، لكنه يحتفظ بثبات إستراتيجي في الأهداف الكبرى: الهيمنة، والتفوق، وفرض القواعد. أما التكتيكات، فهي تتغير بحسب المرحلة والظروف. سنركّز في هذا السياق على أوروبا، والشرق الأوسط، والشرق الأقصى، والصين، لأنها تمثل مناطق الصراع الحيوي بالنسبة للولايات المتحدة، محور هذا المقال بالأساس، وفيها أعظم وأقوى الحلفاء والخصوم الذين يشكلون ملامح التحدي الحقيقي أمام استمرار الهيمنة الأميركية. إذا كانت أميركا قد وصلت إلى القمة، فإن هذا الموقع قد أصابها بشيء من التكبر وخمول القمة، بينما تنشط اليوم مناطق أخرى أكثر حيوية وقدرة على الإنتاج والنمو، ما يهدد بتغيير موازين القوة القواعد تُصنع لا تُتبع القوة في العلاقات الدولية لم تعد تقتصر على الجيوش، بل أصبحت متعددة الأبعاد: تكنولوجية، ومالية، وثقافية، ومعرفية.. إن من يمتلك القدرة على تشريع القواعد وتعديلها يمتلك بالضرورة سلطة الهيمنة، خاصة إذا كانت مدعومة برأسمال ضخم وبنية معرفية عالية. في أعقاب الحرب العالمية الثانية تبنّت الولايات المتحدة شعارات جذابة، تحترم الروح القومية المتصاعدة آنذاك، واستخدمت هذه الشعارات كأداة لإعادة تشكيل النظام العالمي بطريقة تضمن بقاءها في موقع القيادة، وتمنحها شرعية واسعة في أعين الشعوب والحكومات التي سعت لإدماجها في منظومتها؛ حيث صاغت النظام العالمي الجديد، مؤسسات وقواعد، واستثمرت في حلفاء يمكن الاعتماد عليهم، مع ضمان تبعيتهم الناعمة لها. بذلك، استطاعت واشنطن تحقيق سيطرة فعالة دون صدام مباشر، وهذا الترتيب جاء بعد أن استُنزف الغرب الأوروبي في الحرب، وورثت أميركا قيادة المشروع الغربي الذي جمع بين الرأسمالية والليبرالية والديمقراطية. هذا، لا يعني بالضرورة أن الأطراف الأخرى كانت جاهلة بما تفعله القوى الكبرى (وإن لم تكن دائمًا معلَنة بكل تفاصيلها)، ولكنها ربما كانت غير قادرة على التحرك لإيقاف هذا المخطط. ولهذا، تتبنى الدول والتنظيمات الأقل قوة أحيانًا سياسة المجاراة، حتى تتمكن من تغيير الوضع لمصلحتها لاحقًا، أو الاندماج في الإستراتيجية القائمة، ما دامت أنها تحقق لها بعض المكاسب المرحلية التي يمكن استثمارها مستقبلًا لتحسين وضعها. ولكن أميركا- وكأي قوة عظمى- أنهكت نفسها من أجل بسط سيطرتها، فالعالم اليوم لا يشبه ما كان عليه عشية الحرب العالمية الثانية.. كثير من الدول تعلمت الدرس، وخبرت كيف تُدار الأمور وفق القواعد التي وضعتها الحضارة الغربية، واكتسبت فهمًا عميقًا لدهاليز النظام العالمي، وطريقة تفكير الولايات المتحدة. وإذا كانت أميركا قد وصلت إلى القمة، فإن هذا الموقع قد أصابها بشيء من التكبر وخمول القمة، بينما تنشط اليوم مناطق أخرى أكثر حيوية وقدرة على الإنتاج والنمو، ما يهدد بتغيير موازين القوة. التحدي الداخلي: الديمقراطيون كخصم إستراتيجي؟ تعيش الولايات المتحدة الأميركية اليوم لحظة فارقة من تاريخها السياسي، إذ وجدت نفسها أمام تحدٍّ خطير يفرض إعادة النظر في مكانتها كقوة مهيمنة في العالم. غير أن هذه الضرورة الإستراتيجية اصطدمت بانقسام داخلي حاد حول الكيفية المثلى للتعامل مع الأزمة، رغم وجود اتفاق عام بين مختلف التيارات على أن ثمة خللًا حقيقيًّا يهدد استمرار الدور الأميركي القيادي عالميًّا. ففي قلب هذا الانقسام، تظهر معضلة جوهرية: أيجب أن يوجَّه فائض الأرباح نحو تعزيز الرفاه الاجتماعي والاستقرار الداخلي، وتقليل الفوارق الطبقية، أم ينبغي توجيه هذا الفائض نحو دعم كبرى الشركات وتمكينها من إعادة توطين الإنتاج الصناعي في الداخل، لتعويض ما خسرته أميركا من قدرات صناعية خلال العقود الماضية، بعد أن أهمل الغرب الصناعة لصالح التكنولوجيا وتركها لآسيا، حيث برزت قوى شرقية تنافس الغرب في مجالات حيوية كانت حصرًا عليه؟ هذا التوتر، بين التوزيع الاجتماعي للثروة وإعادة بناء القوة الاقتصادية، يدفع بالصراع الأميركي إلى مستويات أعمق من مجرد خلاف حزبي تقليدي. ففي المعسكر الليبرالي، وتحديدًا داخل الحزب الديمقراطي، تتصاعد أصوات التيار التقدمي المدافعة عن قضايا اجتماعية وحقوقية، قد تبدو في غير محلها في ظل السياق الجيوسياسي الراهن؛ إذ تساهم هذه القضايا- من حيث لا تدري- في تشتيت الجهود وصرف الانتباه عن جوهر الصراع: استعادة الهيمنة العالمية. أما التيار المعتدل داخل الحزب ذاته، فيجد نفسه مضطرًا للتماهي مع هذه المطالب التقدمية، بحكم ارتباطه بشريحة من قاعدته الانتخابية. في المقابل، استطاع دونالد ترامب، بعد عودته إلى سدة الحكم 2025 توحيد البيت الجمهوري خلفه، وهو يسعى الآن لتوسيع هذا التماسك إلى نطاق وطني. وقد ركّز بشكل ملحوظ على مهاجمة التيار التقدمي داخل الحزب الديمقراطي؛ لأنه يشكّل الحلقة الأضعف جماهيريًّا، ما يجعل ضربه أسهل وسيلة لزعزعة صورة الحزب ككل، دون الدخول في تعقيدات الصراع مع بقية التيارات، أو طرح بدائل تفصيلية لسياساته. يرى ترامب أن الحل يكمن في تبني خيارات اقتصادية قاسية، تتطلب خفضًا في التكاليف الإنتاجية، وهو ما يعني بالضرورة إفقار بعض الطبقات داخل المجتمع الأميركي. وهذه الفئات، بإحساسها المتنامي بالظلم، تصبح وقودًا لاضطرابات داخلية قد تقوّض الاستقرار الأميركي من الداخل، خاصة أن الشعور بالظلم كان ولا يزال من أقوى محركات الفعل الجماعي في التاريخ البشري، وهذا بدوره سيغذي الحزب الديمقراطي، مما سيدفع نحو مزيد من التوتر. وبينما يرى ترامب أن الدولة الأميركية لم تعد تملك ترف التساهل أو اللين، فإن التيارات التقدمية تتعامل- من وجهة نظره- برؤية لا تعترف بخطورة التحديات التي تواجه أميركا، وتبدو كأنها منفصلة عن الواقع. إن التحدي الأكبر للولايات المتحدة اليوم لا يأتي من الخارج فقط، بل من الداخل أيضًا؛ فالفشل في إيجاد توازن بين المطالب الاجتماعية الضرورية من جهة، ومتطلبات إعادة بناء القوة الاقتصادية من جهة أخرى، قد يسرّع انحدار الولايات المتحدة إلى نقطة تصعب العودة منها. وما يزيد المشهد تعقيدًا هو أن كلا الطرفين يمتلك جزءًا من الحقيقة، مما يوسّع الهوة بينهما، ويجعل التوصل إلى أرضية مشتركة أمرًا بالغ الصعوبة. وفي ظل استمرار هذا الانقسام العميق، يبدو أن ثمة سيناريوهين محتملين: إما بروز شخصية قوية قادرة على فرض رؤيتها، وتوحيد الداخل خلفها بالقوة إن لزم الأمر، وهو ما يسعى ترامب لتجسيده؛ أو استمرار التشرذم والانقسام، ما قد يؤدي إلى إضعاف أميركا من الداخل، حتى قبل أن تخسر موقعها في النظام العالمي. يقدم ترامب المعركة على أنها ليست فقط ضد خصومه في الحزب الديمقراطي، بل ضد حالة من التراخي والتفكك الداخلي الذي يراه الخطر؛ فهو يخوض معركة على جبهتين: داخلية تمس هوية الدولة واتجاهها الاقتصادي والاجتماعي، وخارجية تتعلق بإعادة فرض الهيمنة الأميركية على عالم بات أقل استعدادًا للخضوع. أوروبا: الحليف المنهك التحالف الأميركي الأوروبي، الذي شكّل محور الهيمنة الغربية بعد الحرب، بدأ يفقد بريقه. أوروبا، الغارقة في البيروقراطية، لم تعد تملك نفس القوة التي كانت تؤهلها للعب دور الشريك الرئيسي كما في السابق، خاصة بعد أن فقدت الكثير من نفوذها في مناطق مثل أفريقيا لصالح قوى صاعدة كالصين وروسيا وبعض دول الخليج العربي. بالضرورة، لا تسعى الولايات المتحدة إلى التخلص من حليفها الأوروبي، بل إلى إعادة تقييم العلاقة، وصياغة شراكة جديدة تنسجم مع موازين القوة الراهنة في العالم. يمثل ترامب القوة التي تتبى رؤية أن أوروبا لم تعد تحتل ذات المكانة الإستراتيجية التي كانت لها في السابق، وهو يسعى لدفعها لتحمل جزء أكبر من أعباء الدفاع عن هذا الثغر. هذا التوجه لا ينبع من عداء، بل من قراءة واقعية لمعادلات النفوذ المتغيرة، حيث أصبحت مناطق مثل الشرق الأوسط ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ أكثر حيوية وتأثيرًا في المستقبل. ومن خلال هذا، يسعى ترامب إلى إعادة توزيع النفوذ بطريقة تُبقي الولايات المتحدة في موقع القيادة، عبر تدوير التحالفات والسيطرة على سلم الصعود والهبوط الدولي، بحيث تظل أميركا طرفًا لا غنى عنه لكل من يطمح إلى الصعود أو يخشى التراجع. لقد تبنّت أميركا قيادة العالم من بعد بريطانيا كوريث شرعي لقيم ومؤسسات الغرب، خاصة بعد أن استُنزف الغرب الأوروبي بالحرب العالمية، بينما كانت أميركا- التي نشأت من رحم مجتمعات مشابهة لأوروبا- مستعدة لحمل الراية الغربية: الديمقراطية، والرأسمالية، والليبرالية. سعت واشنطن لاحتواء الحلفاء القدامى ودعمهم لضمان تبعيتهم المستمرة ضمن نظام عالمي جديد تقوده هي. ومن بين أبرز محفزات هذا التحالف كان التهديد المستمر من الشرق (الاتحاد السوفياتي)، الذي برز بعد الحرب كقوة كبرى تهدد الهيمنة الغربية. لقد شكل الاتحاد السوفياتي تهديدًا دائمًا للقارة، وهو ما منح أميركا شرعية لحماية أوروبا وتوسيع نفوذها من خلال الناتو. ومع انهيار الاتحاد السوفياتي، تمادت واشنطن في التمدد شرقًا، مما أشعر روسيا- وريثة الاتحاد السوفياتي- بالحصار والتهميش. إعلان وعادت موسكو اليوم، من خلال حربها في أوكرانيا، لتشكل تهديدًا جديدًا للمنظومة الغربية، تسعى أميركا لاستثماره على أكثر من صعيد: من خلال تحفيز أوروبا على الاصطفاف من جديد تحت رايتها وفقًا لشروط جديدة، واستنزاف روسيا في حرب تدور على عتبة دارها. تُدرك واشنطن أن روسيا اليوم ليست خصمًا مكافئًا، لكنها تمثل تهديدًا يُمكن توظيفه لإعادة إنتاج قيادة أميركا للتحالف الغربي، مع كلفة منخفضة نسبيًّا، ريثما تتفرغ للمواجهة الكبرى مع الصين، التي من المرجح أن تتحالف مع روسيا (لذلك تفضل روسيا أضعف وأقرب للغرب) في حال دارت حرب بينها وبين أميركا. هكذا ترى أميركا أن الخطر الروسي هو أداة ضغط وشرعية لإعادة هندسة التحالفات الأوروبية، بينما تبقى الصين الخطر الأكبر والأكثر جدية في الصراع العالمي المقبل. هكذا تبدو التحديات التي تواجه ترامب في الغرب، فماذا عن الشرق؟. هذا ما نستعرضه في الجزء الثاني من المقال.