
الرابحون والخاسرون من الاتفاق التجاري بين أميركا والاتحاد الأوروبي
ورغم أن ما تم الإعلان عنه هو إطار لاتفاق تجاري وليس نهائيًا، إلا أن تأثيراته الفعلية بدأت تظهر على الأسواق والقطاعات الاقتصادية، مثيرة تساؤلات حول الخاسرين والرابحين، وفق ما أوردته هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي).
ترامب.. مكسب سياسي واقتصادي ضخم
ويمثل الإعلان عن الاتفاق لحظة انتصار كبيرة للرئيس الأميركي الذي كان قد وعد بإعادة هيكلة العلاقات التجارية مع الشركاء.
وبحسب تحليل مؤسسة "كابيتال إيكونوميكس" فإن الاتحاد الأوروبي قد يواجه تراجعًا في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.5% بسبب هذه الصفقة، مما يعكس حجم التنازلات التي قدمها الأوروبيون مقابل تخفيف الرسوم الجمركية.
كما توقعت التقارير أن تضخ الصفقة نحو 90 مليار دولار في الخزينة الأميركية من خلال إيرادات الرسوم على الواردات الأوروبية، استنادًا إلى أرقام التجارة بين الجانبين العام الماضي، وفق "بي بي سي".
ومع ذلك، فإن هذا المكسب قد لا يدوم طويلًا، إذ يُنتظر هذا الأسبوع صدور بيانات اقتصادية أميركية حاسمة تتعلق ب التضخم والوظائف وثقة المستهلك، قد تُظهر مدى فاعلية سياسة ترامب الحمائية.
المستهلك الأميركي.. خسارة مباشرة
في المقابل، يبدو المواطن الأميركي الخاسر الأكبر في المدى القريب. فرغم أن التعريفة الجمركية الجديدة على السلع الأوروبية لم تصل إلى الحد الأقصى الذي كان متوقعًا (30%) إلا أن فرض رسوم بنسبة 15% لا يزال يُشكل عبئًا كبيرًا.
وتترجم هذه الرسوم -بحسب "بي بي سي" مباشرة إلى زيادة في أسعار المنتجات المستوردة، مما يفاقم من أزمة غلاء المعيشة التي يعاني منها الأميركيون منذ عودة ترامب إلى .
كما أوضحت "بي بي سي" أن الشركات الأميركية التي تستورد بضائع من الاتحاد الأوروبي ستتحمل هذه التكاليف أولًا، لكنها على الأرجح ستمرر العبء إلى المستهلكين النهائيين، مما يرفع تكلفة الحياة اليومية لملايين الأسر.
شركات صناعة السيارات.. مفارقة مزدوجة
أحد أكبر القطاعات المتأثرة هو قطاع السيارات، فقد خفّضت أميركا الرسوم على واردات السيارات الأوروبية من 27.5% إلى 15%، مما يخفف من الضغط المباشر على الشركات الألمانية مثل "فولكس فاغن" و"بي إم دبليو" و"مرسيدس" لكنه لا يُلغي أثر الرسوم تمامًا.
فقد حذّرت رابطة مصنعي السيارات الألمان "في دي إيه" (VDA) من أن الرسوم الجديدة ستكلف القطاع "مليارات الدولارات سنويًا".
أما الشركات الأميركية المصنعة للسيارات، فقد تلقت دعمًا معنويًا من خلال خفض الاتحاد الأوروبي رسومه على السيارات الأميركية من 10% إلى 2.5%.
لكن هنا تظهر المفارقة، فالعديد من السيارات الأميركية تُجمَّع في كندا والمكسيك، مما يجعلها تخضع لرسوم بنسبة 25% داخل السوق الأميركية، أي أعلى من تلك المفروضة على السيارات الأوروبية. وهو ما يعني أن المنتجين المحليين قد يجدون أنفسهم تحت تهديد منافسة غير عادلة.
سوق الطاقة الأميركية.. الرابح الأكبر
جزء أساسي من الصفقة تضمن تعهدًا أوروبيًا بشراء طاقة أميركية بقيمة 750 مليار دولار، إضافة إلى استثمارات بقيمة 600 مليار دولار تشمل قطاعات متعددة، منها المعدات العسكرية والطاقة النووية، وفق تصريحات ترامب وفون دير لاين لوسائل الإعلام.
وقالت فون دير لاين "سنستبدل الغاز والنفط الروسيين بواردات ضخمة من الغاز الطبيعي الأميركي المسال والنفط والوقود النووي". وتعزز هذه الخطوة ارتباط أمن الطاقة الأوروبي بالولايات المتحدة، في ظل الابتعاد المتزايد عن الاعتماد على الطاقة الروسية منذ حرب أوكرانيا.
صدمة بقطاع الأدوية الأوروبي
من أكثر الملفات إثارة للجدل في الاتفاق ملف الصناعات الدوائية، فبينما صرّح ترامب بأن الأدوية الأوروبية لم يشملها الاتفاق، أكدت فون دير لاين عكس ذلك، مما تسبب في ارتباك أضرّ بشركات الأدوية الأوروبية التي كانت تأمل إعفاءً كاملا من الرسوم.
وتكمن أهمية هذا القطاع في اعتماده الكبير على السوق الأميركية، كما في حالة دواء "أوزيمبيك" لمعالجة السكري من النوع الثاني الذي تنتجه شركة دانماركية ويُباع بكثافة في أميركا.
وفي أيرلندا، تصاعدت الانتقادات السياسية على خلفية التأثيرات المحتملة للاتفاق على قطاع الأدوية المحلي.
سوق الطيران.. تجارة بلا احتكاك
وفي بادرة لتخفيف التوترات، اتفق الطرفان على استثناء بعض المنتجات الإستراتيجية من الرسوم، مثل الطائرات وقطع الغيار وبعض المواد الكيميائية والزراعية.
وأشارت فون دير لاين إلى أن "الاتحاد الأوروبي لا يزال يسعى لاتفاقات إعفاء متبادلة أخرى، خصوصًا في قطاعات النبيذ والخمور".
ومن شأن هذه الخطوة تسهيل التبادل التجاري بين أكبر كيانين اقتصاديين في العالم، دون تعقيدات جمركية على سلع بعينها.
الاتحاد الأوروبي.. تنازلات ثقيلة وتصدّع داخلي
ورغم أن الاتفاق يُعد إنجازًا دبلوماسيًا في حد ذاته -كما تقول "بي بي سي"- فإن الاتحاد الأوروبي اضطر لتقديم تنازلات ثقيلة. فقد حافظت أميركا على رسوم مرتفعة (50%) على صادرات الصلب والألمنيوم الأوروبية، كما أن خفض الرسوم الجمركية جاء أقل مما كانت تسعى إليه بروكسل.
وكان من اللافت تصاعد الانتقادات داخل الكتلة الأوروبية، لا سيما فرنسا والمجر، فقد وصف رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا بايرو يوم الاتفاق بأنه "مظلم لتحالف الشعوب الحرة" بينما قال رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان إن "ترامب التهم فون دير لاين على الإفطار" في تعبير عن الاستياء الأوروبي من نتيجة المفاوضات.
ورغم هذه الانقسامات، رأت رئيسة المفوضية أن الاتفاق يُجنّب القارة الأوروبية حربًا تجارية لا تُحتمل في ظل اقتصاد متباطئ، معتبرة أنه "يسهم في جعل العلاقات التجارية أكثر استدامة" وفق تعبيرها في مؤتمر صحفي عقب الإعلان.
الأسواق العالمية.. رد فعل فوري
وارتفعت أسواق الأسهم في آسيا وأوروبا مباشرة بعد إعلان الاتفاق، حيث رأت فيه المؤسسات المالية "اتفاقًا صديقًا للأسواق" بحسب محلل الأسواق كريس ويستون في شركة "بيبرستون" الأسترالية، الذي أشار إلى أن "الاتفاق يوفر وضوحًا واستقرارًا للمستثمرين، ويعزز اليورو على المدى القريب".
ويأتي الاتفاق بعد أسابيع من التصعيد الأميركي، حين فرضت إدارة ترامب في أبريل/نيسان ما سُمي "رسوم يوم التحرير" بواقع 30% على صادرات الاتحاد الأوروبي.
ومنذ ذلك الحين، سعت بروكسل إلى تحييد التصعيد عبر مفاوضات معقدة، مدفوعة بمخاوف اقتصادية وأمنية، خصوصًا مع تزايد الاعتماد الأوروبي على المظلة الدفاعية الأميركية في ظل أزمة أوكرانيا.
وقد حذّر مفاوضون سابقون بالاتحاد الأوروبي، مثل جون كلارك، من أن "الاتحاد كان في موقف ضعيف ولم يكن أمامه سوى القبول" مضيفًا أن "ما جرى يُعد يومًا سيئًا للتجارة الدولية، لكنه كان يمكن أن يكون أسوأ".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 5 ساعات
- الجزيرة
إدارة ترامب تربط دفع تمويل للولايات والمدن بموقفها من إسرائيل
قالت الوكالة الاتحادية الأميركية لإدارة الطوارئ في بيان نقلا عن إدارة الرئيس دونالد ترامب إن الولايات والمدن الأميركية لن تتلقى تمويلا للاستعداد للكوارث الطبيعية إذا اختارت مقاطعة الشركات الإسرائيلية. وبموجب شروط الوكالة للمستفيدين من المنح، يتعين أن تقر الولايات بأنها لن تقطع "علاقاتها التجارية مع الشركات الإسرائيلية تحديدا" كي تتلقى الأموال من الوكالة. وجاء في 11 إشعارا من الوكالة بشأن المنح قالت رويترز إنها اطلعت عليها أن هذا الشرط ينطبق على 1.9 مليار دولار على الأقل تعتمد عليها الولايات في تغطية تكاليف معدات البحث والإنقاذ ورواتب مديري الطوارئ وأنظمة الطاقة الاحتياطية ونفقات أخرى. وهذا أحدث مثال على استخدام إدارة ترامب التمويل الاتحادي المنتظم في تعزيز رسالتها السياسية على مستوى الولايات. وقالت الوكالة في يوليو/تموز الماضي إنها ستطلب من الولايات إنفاق جزء من أموال مكافحة الإرهاب الاتحادية في مساعدة الحكومة على القبض على المهاجرين، وهي أولوية للإدارة الأميركية. محاصرة حركة مقاطعة إسرائيل ويستهدف هذا الشرط حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض عقوبات عليها، وهي حملة هدفها ممارسة ضغوط اقتصادية على إسرائيل لإنهاء احتلالها الأراضي الفلسطينية. وعلت أصوات مؤيدي الحملة في عام 2023 بعدما بدأت إسرائيل حربها المدمرة على قطاع غزة ، والتي راح ضحيتها عشرات آلاف الأبرياء، وتسببت بكارثة إنسانية غير مسبوقة وصلت حد المجاعة القاتلة التي راح ضحيتها المئات جراء الجوع أو بإطلاق نار من قبل الجيش الإسرائيلي أمام مراكز المساعدات. وقال متحدث باسم وزيرة الأمن الداخلي كريستي نويم في بيان "ستطبق الوزارة كل قوانين وسياسات مكافحة التمييز، ومن بينها ما يتعلق بحركة مقاطعة إسرائيل، والتي ترتكز صراحة على معاداة السامية"، وفق زعمه. وهذا الشرط رمزي إلى حد كبير، وقالت الدورية القانونية لجامعة بنسلفانيا إن لدى 34 ولاية على الأقل (من أصل 50) بالفعل قوانين أو سياسات مناهضة لحركة المقاطعة. وجاء في إشعار يتعلق بالمنح نُشر يوم الجمعة الماضي أن الوكالة ستطلب من المدن الكبرى الموافقة على السياسة الخاصة بإسرائيل للحصول على 553.5 مليون دولار مخصصة لمكافحة الإرهاب في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية. وكشف الإشعار أن من المقرر أن تتلقى مدينة نيويورك 92.2 مليون دولار من البرنامج، وهو أكبر مبلغ من بين كل المستفيدين، وتستند المخصصات على تحليل الوكالة "للخطر النسبي للإرهاب".


الجزيرة
منذ 7 ساعات
- الجزيرة
"مصائد الموت" قناع إسرائيل وأميركا في تجويع غزة
خلال لقائه برئيس الوزراء البريطاني في أسكتلندا 28 يوليو/ تموز 2025، فاجأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب العالم بتصريحات اعتبر فيها أن "هناك مجاعة حقيقية في غزة"، في تناقض واضح مع مواقفه السابقة المدافعة عن "مؤسسة غزة الإنسانية". تصريحات ترامب جاءت في سياق فشل آلية التوزيع الحالية، التي وصفها حقوقيون بـ"مصائد الموت"، ليطرح فكرة إنشاء آلية جديدة بالتعاون مع بريطانيا والاتحاد الأوروبي وعدد من الدول الصديقة. وهنا علينا الاستناد إلى مجموعة من الملاحظات والظروف في تحليلنا لتصريحات ترامب الأخيرة: أولا: إجهاض الآلية الأممية الناجحة كانت آلية توزيع المساعدات الأممية منذ بداية الحرب تسير بشكل منظم وسلس، اتسمت بالشفافية والعدالة في الوصول إلى المحتاجين. ويعزز ذلك تقرير صادر عن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، نشرته وكالة رويترز، أكد بوضوح أن المساعدات لم تكن تصل إلى حماس، ولا توجد أي دلائل منهجية على ذلك. هذا النجاح في إدارة المساعدات، هو تحديدا ما دفع الحكومة الإسرائيلية إلى استحداث بديل فاشل تمثل فيما يُعرف زورا بـ"مؤسسة غزة الإنسانية"، التي تحولت عمليا إلى "مصائد موت" و"حمامات دم"، على حد وصف بعض المسؤولين الأمميين والأوروبيين. ثانيا: ويتكوف ومؤسسة غزة الإنسانية كأداة للضغط يُعد ستيف ويتكوف الشخصية المحورية وراء ما يُعرف بـ"مؤسسة غزة الإنسانية"، التي تحولت منذ إنشائها إلى أداة تخدم الخطة الإسرائيلية الرامية إلى تهجير سكان القطاع. كما استُخدمت المؤسسة كورقة ضغط مؤثرة في المفاوضات مع حركة حماس، مما منح إسرائيل وحلفاءها نفوذا إضافيا في التحكم بمسار المساعدات. وبالنظر إلى هذا الدور الإستراتيجي، يُستبعد أن تتخلى إسرائيل أو ويتكوف عن السيطرة على ملف المساعدات الإنسانية في المستقبل القريب. ثالثا: مشاهد المجاعة والاحتجاجات تفضح المؤسسة أدت صور المجاعة المروعة وأعداد الشهداء الذين سقطوا في مراكز التوزيع التابعة لما يُعرف بـ"مؤسسة غزة الإنسانية"- التي تحولت إلى مصائد موت- إلى فضح حجم الكارثة الإنسانية. وجاءت الشهادات الحية والموثقة لتؤكد الطبيعة الممنهجة والمتعمدة لاستهداف طالبي المساعدات، وكان آخرها شهادة الضابط الأميركي المتقاعد توني أغويلار، الذي كشف عن مشهد مأساوي لطفل يُدعى أمير؛ إذ بعد أن قبّل يد أحد الضباط الأميركيين المتقاعدين في مركز توزيع المساعدات، لم يمضِ وقت طويل حتى أُطلق الرصاص الغادر على جسده النحيل. أُضيف إلى ذلك المنع التام لدخول الشاحنات بين الثاني من مارس/ آذار وحتى الثامن عشر من مايو/ أيار، فضلا عن التقليص الحاد في دخول المساعدات بعد بدء مراكز مساعدات "مؤسسة غزة الإنسانية" عملها، حيث شكّل عدد الشاحنات التي دخلت في شهر يوليو/ تموز ما نسبته 15% فقط من مجموع ما تم إدخاله في شهر فبراير/ شباط من العام نفسه. وقد أدى ذلك إلى حرمان 90% من الأطفال دون سن الخامسة من مادة الحليب، وإلى انعدام الأمن الغذائي لما نسبته 80% من المجتمع الغزّي، ووصول أكثر من نصف مليون غزّي إلى مرحلة الجوع المفضي إلى الموت، وذلك وفقا لتقرير مجموعة التغذية الأممية. هذه المشاهد الدموية والمفجعة أشعلت موجة من المظاهرات والنشاطات المناهضة للمؤسسة في مختلف أنحاء العالم، وكان للدول الغربية النصيب الأكبر من هذه التحركات. كما أدى تململ الشارع العربي، خصوصا في دول الجوار لغزة، إلى تشديد القبضة الأمنية وتقييد الحريات، مما زاد من قلق الولايات المتحدة وإسرائيل حيال تنامي الغضب الشعبي والدولي ضد هذه الممارسات. رابعا: فضيحة الاستثمارات الأميركية في المؤسسة تفجّرت فضيحة جديدة كشفت امتلاك بعض شركات الأسهم الأميركية البارزة حصصا في شركة الأمن الخاصة "سيف ريتش سوليوشنز"، المسؤولة عن إدارة مراكز توزيع المساعدات التابعة لما يُعرف بـ"مؤسسة غزة الإنسانية"، التي تحولت عمليا إلى مصائد موت. هذه الفضيحة زادت الضغط على المؤسسة، خاصة بعد أن قدمت الإدارة الأميركية تبرعا بقيمة 30 مليون دولار؛ بزعم دعم هدف إنساني بحت، بينما أظهرت تقارير متعددة أن المؤسسة تعمل في إطار تجارة حرب تحقق أرباحا على حساب المأساة الإنسانية. وأدى انتشار صور المجاعة، ولا سيما مشاهد الأطفال الجوعى وأعداد الشهداء والجرحى من طالبي المساعدات، فضلا عن انكشاف البعد الربحي للمؤسسة، إلى دفع عدد من النواب الديمقراطيين وبعض الجمهوريين في مجلس النواب الأميركي إلى المطالبة بوقف عمل المؤسسة، أو على الأقل تغيير جذري في آلية توزيع المساعدات. خامسا: رفض أممي ودولي يضع إدارة ترامب تحت ضغط متصاعد ما تزال المنظمات الأممية والدولية متمسكة بموقفها الرافض للمشاركة في عملية توزيع المساعدات عبر ما يُسمى بـ"مؤسسة غزة الإنسانية"، مؤكدة أنها لن تنخرط في أي آلية تقوم على تسييس المساعدات أو عسكرة العمل الإنساني. هذا الموقف الثابت شكّل ضغطا متعدد الأبعاد على الإدارة الأميركية، إذ أوجد أعباء قانونية وأخلاقية ومالية ولوجيستية متزايدة، وأبرز فشل الآلية الحالية في تحقيق أي معايير إنسانية أو مهنية للتوزيع الآمن والعادل للمساعدات. هل يتم استحداث آلية جديدة لتوزيع المساعدات؟ وعليه، فإن أي تغيير في آلية توزيع المساعدات- سواء بالاستغناء عن مؤسسة غزة الإنسانية أو الاستمرار بها ضمن نموذج معدل- قد يشكل فرصة للإدارة الأميركية لتخفيف حدة الانتقادات والضغوط الداخلية والخارجية. كما يمكن أن يشجع هذا التغيير بعض المنظمات الأممية والدولية على الانخراط مجددا في عملية توزيع المساعدات، بعد أن قاطعتها بسبب تسييسها وعسكرتها. من جهة أخرى، قد تستفيد إسرائيل من هذا التحول في إعادة تسييل المنحة العربية البالغة 100 مليون دولار، والتي تم تعليقها سابقا عقب انسحاب المنظمات الأممية والدولية من دعم المؤسسة وانتقادها بشكل وصل حد التجريم. ووفقا لمراقبين، فإن طرح آلية توزيع جديدة قد يفتح الباب أمام انخراط أوسع لبعض الدول العربية، وربما يصل الأمر إلى تشكيل قوة أمنية عربية- سعت إليها بعض الدول العربية سابقا- بدلا من الاعتماد على الشركات الأمنية الأميركية، وهو خيار يُعتقد أنه قيد الدراسة الجدية، وقد يشهد زخما في المرحلة المقبلة، رغم الرفض القاطع هذا السيناريو من قبل فصائل المقاومة. التحذير من إعادة إنتاج سياسة التجويع ختاما، فإن تصريحات ترامب الأخيرة ليست مجرد اعتراف متأخر بالمجاعة التي يعيشها سكان غزة، بل هي إشارة إلى محاولة إعادة تشكيل آلية توزيع المساعدات بشكل يكرس السيطرة السياسية والأمنية على الغذاء، وهو ما ينذر بإعادة إنتاج سياسة التجويع بثوب جديد. إن أي تغيير للآلية بعيدا عن الإطار الأممي سيبقى ناقصا وغير إنساني، وسيحوّل المساعدات إلى أداة ضغط في المفاوضات بدلا من كونها وسيلة إنقاذ. لذا، تقع على عاتق المنظمات الأممية والدولية مسؤولية رفض الانخراط في نموذج جديد يحمل ذات أوجه التسييس والعسكرة التي أفرزتها "مؤسسة غزة الإنسانية"، ومقاومة كل الضغوط التي بدأت تتصاعد مؤخرا. كما أن مشاركة بعض الدول العربية أو الإسلامية في هذه الآلية قد تُفسر، خصوصا من قِبل فصائل المقاومة وظهيرها الشعبي، على أنها مساهمة في استمرار الحصار والتجويع، وقد تشكل تورطا في مخالفة صريحة للقانون الإنساني الدولي، ونظام روما الأساسي، ومعاهدة جنيف الرابعة. والطريق الوحيد لتأمين وصول المساعدات بشكل عادل وفاعل، هو العودة إلى الآلية الأممية السابقة التي أثبتت كفاءتها في إدارة التوزيع بشفافية وحياد، بعيدا عن المصالح السياسية والتجارية التي تحول الغذاء إلى سلاح ضد المدنيين.


الجزيرة
منذ 7 ساعات
- الجزيرة
مودي يتحدى ترامب باستمرار شراء النفط الروسي
اتخذ رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي موقفا حازما في مواجهة تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية، وحثّ مواطنيه على شراء السلع المحلية، في الوقت الذي أشارت فيه إدارته إلى أنها ستواصل شراء النفط الروسي. ونقلت بلومبيرغ عن مصادر وصفتها بالمطلعة من دون كشف هويتها، قولها إن حكومة مودي لم تصدر تعليمات لمصافي النفط الهندية بوقف شراء النفط الروسي، ولم يُتخذ أي قرار بشأن وقف المشتريات. ويُسمح لكل من مصافي النفط الحكومية والخاصة بالشراء من مصادر مفضلة، ويظل شراء النفط الخام قرارا تجاريا. مصالح الهند وخلال عطلة نهاية الأسبوع، أكد مودي على أهمية حماية المصالح الاقتصادية للهند في ظل الظروف العالمية غير المستقرة. جاءت التصريحات بعد أيام قليلة من فرض إدارة ترامب رسوما جمركية بنسبة 25% على الصادرات الهندية إلى الولايات المتحدة، كما هدد البيت الأبيض باتخاذ المزيد من الإجراءات إذا واصلت الهند شراء النفط الروسي. وقال مودي في تجمع حاشد بولاية أوتار براديش الشمالية يوم السبت: "يمر الاقتصاد العالمي بمخاوف كثيرة، فثمة جو من عدم الاستقرار.. الآن، مهما نشتري، يجب أن يكون ثمة ميزان واحد فقط: سنشتري ما صُنع بعرق جبين الهندي". وأصبحت الهند من أبرز أهداف ترامب في سعيه للضغط على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإنهاء حربه في أوكرانيا، وقد هاجم الرئيس الأميركي الهند الأسبوع الماضي، منتقدا إياها لانضمامها إلى مجموعة بريكس للدول النامية، والحفاظ على علاقات وثيقة مع روسيا ، قائلا "يمكنهما معا هدم اقتصاداتهما المتعثرة". شكّل هذا التوبيخ تحولا مذهلا في لهجة الولايات المتحدة، التي تجاهلت لسنوات العلاقات التاريخية الوثيقة بين الهند وروسيا، إذ كانت تسعى إلى كسب تأييدها كقوة موازنة للصين في آسيا، والآن، يبدو ترامب مستعدا للتراجع عن هذه الإستراتيجية لكسب نفوذ ضد بوتين، الذي قاوم جهود الرئيس الأميركي لإنهاء القتال في أوكرانيا، وفق بلومبيرغ. ورغم تصاعد التوترات، أبدت نيودلهي استعدادها للاستمرار في محادثات التجارة مع واشنطن. ومع ذلك، لا يتوقع المحللون تنازلات كبيرة من أسرع اقتصاد رئيسي نموا في العالم. ففي اتفاقية التجارة الهندية البريطانية المبرمة مؤخرا، لم يبد مودي رغبة تُذكر في فتح قطاعات حساسة مثل الزراعة ومنتجات الألبان، وكلاهما على رأس قائمة رغبات البيت الأبيض، وفقا لكبيرة الاقتصاديين في ناتيكسيس، ترينه نغوين، التي كتبت "تُظهر اتفاقية المملكة المتحدة أن شهية الهند للمخاطرة السياسية قد ارتفعت، لكنها ستفعل ذلك بوتيرتها الخاصة".