
لماذا لا تَحتمِل إسرائيل صحافيي عزّة؟
هنا، الصحافي هو الوحيد الذي ينقل للناس الخبر الذي يحدُث كلّ دقيقة، فيصبح الموت أخيراً خبراً، إذ بعد أن يحدث القتل صامتاً، يأتي المصوّر والمراسل لينقلا قصص الناس الذين لم يعودوا بفضلهما أرقاماً قد يُدسّ طفل أو عجوز فيها، بلا هُويَّة، لكثرة الدمار والموت. فكيف لا ترتعب منهما إسرائيل، وهما العائق الكبير أمام المستقبل الذي تخطّط له لغزّة؟ يرعبها توالد هؤلاء رغم محاولات قتلهم. يموت صحافي وينبتُ آخر، يُقتل مصوّر وترتفع يد مصوّر آخر لتمسّك بالكاميرا... ما هذا الكابوس؟ تقول إسرائيل.
أملُ إسرائيل نفاد رصيد الإرادات في المقاومة، ليختفي الخبر. وبقاء هذه الإرادات مؤشّرٌ على فشل المجزرة، على بشاعتها، في تحقيق الهدف. ومع نجاحها في اغتيال كثيرين منهم، لا يبدو الأمر بطولياً، على بطولته، بل صار مأساوياً إلى درجة كبيرة. وبقدر ما نُعجب بشجاعة هؤلاء الشباب، نشفق عليهم من هذه المسؤولية، ولو أن عدم تحمّلهم لها لن يمنع القتل من الوصول إليهم، ففي غزّة ما من أحد يحتاج إلى سبب كي يموت.
وجود بذرة صحافة في الشباب أمر خطير في نظر الكيان، لذا لن يتوقف، وهو المجرم إجراماً يفوق الوصف، عن اغتيالهم واحداً واحداً. فقوة بعض الصحافيين وقدرتهم على التحوّل نجوماً في العتمة التي تحاول فرضها على غزّة، كابوس يؤرّق المجرمين. فالشاهد أحياناً أخطر من الناجي ومن الخصم.
يقارن كثيرون عدد الصحافيين الشهداء في غزّة بالصحافيين القتلى في أي حرب أخرى، بما فيها الحرب العالمية الثانية، التي كانت كوابيسَ للصحافيين، لأنهم كانوا يدخلون جبهات القتال حيث الأحداث والأخبار، لكنّ المقارنة غير ممكنة، فغزّة كلّها جبهة قتال من جهة واحدة. وأهلها محاصرون، ففعل شيءٍ في المجزرة يصبح أحياناً خياراً خطراً بين خياراتٍ خطيرة. مع ذلك، يخاف منهم الآن الكيان الصهيوني، أكثر وأكثر.
مزاعم الكيان بأن بعض صحافيي غزّة جنود، صحيحة بالطبع، فكيف لصحافي عادي أن يحمل كاميرا أو ميكرفوناً ويتجوّل في المناطق الأكثر خطورة، لولا أنه جندي. والجنود وحدهم من يذهبون إلى المعارك، عارفين أن نسبة مقتلهم أو نجاتهم هي النصف بالنصف، ومع ذلك يذهبون. لكنّ كثيرين ممن اختاروا العمل في الجيش فعلوا بسبب أن الجُندية فرصة عمل متاحة، في غياب آفاق أخرى. ولم يكن لبلادهم أي معركة مقبلة أو محتملة، وحين تأتي المعركة لن يكون لهم اختيار عدم القتال، لأنهم "لم يظنّوا أنهم سيخوضون حرباً". وبالتالي، لو خُيّر عدد منهم لحظة المعركة ما كان ليذهب. أمّا الصحافي فهو يختار الذهاب في كلّ معركة وفي كلّ يوم، فما من أحد سيلومه إن تغيّب عن مهامه ونجا بحياته.
لكن أنس الشريف ومحمد قريقع (وآخرين) اختاروا البقاء كلّ يوم لنقل ما لا يُنقَل، وقول ما لا يُقال لشدّة قسوته. هؤلاء جنود الضمير الحي وهم عملة نادرة. فحين نهرب من مشاهد الدم يذهبون إليها، وحين نتفادى الحديث عن تفاصيل القتل اليوم، يبحثون فيها، وحين نغصّ بدموع الأمّهات يتحدّثون هم إليهن، ويُسمعوننا أصوات الناجين وأقارب الشهداء... أي قوة هذه؟
كيف لا تستهدف إسرائيل هؤلاء، وهي ترى أن مهمّتهم تعادل (أو تفوق) ما تقوم به المقاومة؟ وكيف لا نخجل منهم وهم هؤلاء الأبطال؟

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربي الجديد
منذ ساعة واحدة
- العربي الجديد
الجريمة والإفلات من العقاب
في رائعته "الجريمة والعقاب"، أبدع فيودور دوستويفسكي في رسم أبعاد الصراع النفسي لشابٍّ لم يتورّع عن ارتكاب جريمة قتل، حاول بعدها تبرير فعلته النكراء بذرائع أخلاقية. ولأن الجاني عجز عن سداد إيجار مسكنه في موعده، فقد قرّر التوجّه إلى منزل مرابية لرهن ساعته، وهناك لمعت في رأسه فكرة التخلّص منها، بل أقدم على قتلها بالفعل، ومعها سيّدة أخرى صادَف وجودها في مكان الجريمة. ورغم أنه لم يُقبَض عليه متلبّساً بارتكاب جريمته، إلا أنه حاول إقناع نفسه بأنه خلّص المجتمع من مرابية تستحقّ العقاب، معتقداً أنه "أعلى مرتبةً" من هذا النوع من البشر. وقد برع أديبنا المبدع في رسم شبكة العلاقات المحيطة ببطل الرواية، بكلّ ما يعتمل فيها من تعقيدات إنسانية أدخلته أزمةً نفسيةً وفكريةً عنيفةً، لينتهي به الحال إلى اعترافه بجريمته وتسليم نفسه للعدالة. تذكّرتُ هذا العمل الروائي المبدع بينما كنت أتابع عبر شاشات التلفاز مشاهد التجويع والإبادة التي ترتكبها إسرائيل ضدّ الشعب الفلسطيني، وفجأة انبثق في ذهني سؤال حول نوع الإبداع الذي كان يمكن لأديب في حجم دوستويفسكي أن يستلهمه من مشاهد كهذه، لو قدّر له أن يعيش بيننا. فالجاني الإسرائيلي يعتقد أنه يتمتّع بتفوّق أخلاقي مستمدّ من "محرقة" تعرّض لها اليهود في ألمانيا النازية، والضحية الفلسطيني شعب احتُلَّت أرضه وانتُهِكت حقوقه، ويتعرّض منذ عامَين لعمليات تجويع ممنهج وتطهير عرقي. ورغم ما يبديه من مقاومة أسطورية، وما يقدّمه من تضحياتٍ لا مثيل لها في التاريخ الإنساني، يجد نفسه محشوراً داخل بيئة محيطة عاجزة تماماً عن تقديم أيّ دعم حقيقي لنضاله المشروع. ولأن لدى المجرم الإسرائيلي ثقة تامّة في قدرته على الإفلات من العقاب، فليس من المتوقّع أن يدخل في أزمة نفسية تُفضي به إلى الاعتراف بالذنب. لإسرائيل حلفاء أقوياء يتولّون تزويدها بكلّ ما يعينها على مواصلة ما ترتكبه من جرائم والإفلات من العقاب في الوقت نفسه لن يكون بمقدور أحد إنقاذ الشعب الضحيّة ممّا يُرتكَب في حقّه من جرائم تشكّل وصمةَ عارٍ في جبين الإنسانية، مهما بلغ خيال الراوي، فلإسرائيل حلفاء أقوياء يتولّون تزويدها بكلّ ما يعينها على مواصلة ما ترتكبه من جرائم والإفلات من العقاب في الوقت نفسه. صحيح أن النظام الدولي يضمّ دولاً أخرى قوية، ليست بالضرورة حليفةً لإسرائيل، ولا تتردّد في التنديد علناً بما ترتكبه من جرائم، غير أنها تعجز عن اتخاذ إجراءاتٍ عمليةٍ لوقف هذا السلوك الإجرامي، إمّا بسبب عدم القدرة أو انتفاء الرغبة. وصحيح أيضاً أن دولاً كثيرة تتحدّث عن تعاطفها مع القضية الفلسطينية، في مقدّمتها الدول العربية والإسلامية، لكنّها لم تتمكّن من اتخاذ أيّ إجراء يساعد على وقف العدوان، ناهيك عن إنزال العقاب بالمعتدي. لم يشهد النظام العالمي منذ الحرب العالمية الثانية دولاً تشبه إسرائيل في إصرارها على تحدّي القانون الدولي. ورغم صدور أمر من المحكمة الجنائية الدولية بمثول بنيامين نتنياهو، شخصياً أمامها، إلا أن الأخير، وهو رئيس حكومة هذه الدولة العاصية، ما زال يواصل جرائم الإبادة ضدّ الشعب الفلسطيني، ويتصرّف كأنّه فوق القانون. ولتفسير ظهور هذه الحالة الشاذّة يتعيّن أن نأخذ في الاعتبار جملة من الحقائق المتعلّقة بمسؤولية الأطراف المعنية عمّا جرى (ويجري). تتعلّق الحقيقة الأولى بمسؤولية الولايات المتحدة. فهذه المسؤولية لا تقلّ عن مسؤولية إسرائيل نفسها، إن لم تكن أكبر، بدليل أن حكومة نتنياهو حدّدت لنفسها أهدافاً تتجاوز بكثير ما يمكن أن يُعدَّ ردَّة فعل طبيعي أو منطقي على ما قامت به حركة حماس في "7 أكتوبر" (2023)، إذ اتّخذت من "طوفان الأقصى" ذريعةً لإقامة "إسرائيل الكبرى". ولأن الولايات المتحدة تماهت تماماً مع مجمل هذه الأهداف، رغم عدم شرعيّتها، وقدّمت لإسرائيل كلّ ما تستطيع من دعم مادّي وسياسي ولوجستي واستخباراتي لتمكينها من تحقيقها، بل وصل الأمر إلى حدّ إقدام إدارة ترامب على الاشتراك مع إسرائيل في توجيه ضربة للمنشآت النووية الإيرانية. فإذا أضفنا إلى ما تقدّم أن الولايات هي الدولة الوحيدة التي بمقدورها وقف هذه الحرب في أيّ لحظة، لكنّها لم تفعل، وأنها الدولة الوحيدة التي حالت (وما تزال) دون تمكين مجلس الأمن من فرض أيّ عقوبات على إسرائيل، خصوصاً بعد أن قتلت الأخيرة مئات من موظّفي الإغاثة التابعين للأمم المتحدة، بل وصل بها الأمر إلى حدّ فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، لردع الأخيرة وثنيها عن مواصلة إجراءات القبض على نتنياهو ومحاكمته، لتبيّن لنا بوضوح تامّ أنها تتحمّل المسؤولية الرئيسة عن إطالة أمد الحرب. وربّما من المفيد هنا تذكير القارئ بأن ترامب تحدّث علناً عن صغر مساحة إسرائيل وحاجتها الماسّة للتوسّع، وعن رغبته في إخلاء قطاع غزّة من سكّانه تمهيداً لإقامة "ريفييرا" مكانه، وأن نتنياهو نفسه لم يجرؤ على التحدّث علناً عن تهجير الفلسطينيين من القطاع إلا بعد أن نطق به ترامب. تعجز دول كبرى عن اتخاذ إجراءات لوقف سلوك إسرائيل الإجرامي، إمّا بسبب عدم القدرة أو انتفاء الرغبة تتعلّق الحقيقة الثانية بمسؤولية الدول الأوروبية، فقد انحازت الغالبية الساحقة من هذه الدول إلى إسرائيل منذ بداية الأزمة، وقدّمت لها كلّ ما تستطيع من عون مادّي ومعنوي، بل شارك بعضها مباشرة في التصدّي للمسيّرات والصواريخ الإيرانية التي أُطلقت على إسرائيل. ويلاحظ أنها لم تبدأ في اتخاذ مواقفَ مستقلّةٍ نسبياً عن الموقف الأميركي إلا متأخّراً، وبعد اندلاع مظاهرات شعبية عارمة في معظم عواصمها احتجاجاً على ما تقوم به إسرائيل من أعمال إبادة جماعية وتجويع ممنهج للشعب الفلسطيني. ورغم عدم جواز التقليل من أهمية إعلان عدة دول أوروبية رئيسة، مثل فرنسا وبريطانيا وإسبانيا وهولندا وغيرها، عزمها الاعتراف بالدولة الفلسطينية خلال الدورة المقبلة للجمعية العامة للأمم المتحدة، إلا أن التحرّك في هذا الاتجاه ينطوي على دلالةٍ يغلب عليها الطابع الرمزي. ولأنه كان بمقدور الدول الأوروبية أن تؤثّر فعلياً في مسار الأحداث، وأن تجبر إسرائيل على التفكير جدّياً في وقف الحرب، لو أن مؤسّسات الاتحاد الأوروبي كانت قد اتّخذت قراراً بفرض عقوبات تجارية أو مالية جماعية عليها (وهو ما لم يحدث)، يمكن القول إنها تتحمّل قسطاً كبيراً من المسؤولية عن استمرار حرب الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني. وأظن أن المعلق الصحافي الإسرائيلي، جدعون ليفي، كان محقّاً تماماً حين كتب: "كان على إسرائيل أن تشكر كلّ من يعترف بدولة فلسطين، إذ جاء هذا الاعتراف بديلاً مخادعاً للخطوة الحقيقية التي كان لا بدّ من اتخاذها: العقوبات. فالاعتراف مجرّد بديل شكلي للمقاطعة والعقوبات التي يجب أن تُفرض على دولة ترتكب إبادةً جماعية. إنه مجرّد كلام أجوف تتبنّاه حكومات أوروبا المتردّدة والضعيفة، لتُظهِر لجماهيرها الغاضبة أنها ليست صامتة". تتعلق الحقيقة الثالثة بمسؤولية القوى الدولية الكبرى المتعاطفة إعلامياً مع القضية الفلسطينية، وفي مقدّمتها روسيا والصين. فلم يكن موقفهما في الواقع على المستوى المطلوب، بالنظر إلى حجم الانتهاكات التي ارتكبتها إسرائيل، رغم عدم جواز التقليل من أهمية ما قدّمتاه من دعم سياسي في مجلس الأمن، ومن دعم إعلامي، عكسته بيانات الشجب والإدانة. وكان يمكن لموقفيهما أن يكون أكثر تأثيراً بالنسبة إلى وقف الحرب وإدخال المساعدات لو أنهما قرّرتا استخدام سلاح العقوبات، أو حتى مجرّد التلويح به، خصوصاً أن علاقات تجارية وعسكرية واسعة النطاق تربطهما بإسرائيل. لذا لا نعتقد أننا نظلمهما حين نقوم بتحميلهما جانباً من المسؤولية عن استمرار حرب الإبادة والتجويع. لا تقل مسؤولية الولايات المتحدة عن مسؤولية إسرائيل نفسها عن الجريمة في غزّة أمّا مسؤولية الدول العربية والإسلامية (الحقيقة الرابعة) فهي كبيرة جدّاً، بالنظر إلى ما تدّعيه هذه الدول من التزام بالدفاع عن القضية الفلسطينية وعن حقوق الشعب الفلسطيني. وحين تعجز دول تتحدّث باسم أكثر من مليار ونصف مليار عربي ومسلم عن إدخال مساعدات لشعب تصرّ إسرائيل على إبادته، إمّا قتلاً أو جوعاً، فلا بدّ أن يشكّل ذلك وصمة عار في جبينها. وكان بمقدور عدد كبير منها فعل كثير لوقف هذه المأساة، من دون التورّط في الانزلاق نحو الحرب. وعلى سبيل المثال، كان بمقدور الدول العربية التي تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل أن تتّخذ موقفاً جماعياً بسحب سفرائها وقطع جميع أشكال العلاقات معها، أو التهديد بها على الأقلّ، لكنّها لم تقم بأيّ منهما. وكان بمقدور الدول العربية والإسلامية التي ترتبط بعلاقات خاصّة مع الولايات المتحدة، سيما الدول الغنية المؤثّرة على سوق النفط، بأن تضغط على الولايات المتحدة كي تضغط بدورها على إسرائيل، لكنّها لم تفعل. وهناك مؤشّرات كثيرة تؤكّد أن عدداً لا يستهان به من هذه الدول فضلّ أن تنتهي الحرب بإخراج "حماس" من المعادلة، وراح ينتظر، وهذا هو ما فهمه نتنياهو وبنى مواقفه على أساسه، ومن ثمّ تمكّن من استغلاله أسوأ استغلال. لذا، يمكن القول إن تخاذل معظم الدول العربية والإسلامية في مساندة الشعب الفلسطيني في محنته، بسبب عدائها الواضح لحركة حماس، يعدّ أحد الأسباب الرئيسة لإصرار نتنياهو على التمادي في غيّه. صدرت عن نتنياهو أخيراً تصريحاتٌ تقطع بأن طموحاته لا تقتصر على هزيمة "حماس"، وإنما تتجاوز ذلك بكثير، خصوصاً أنه يطمح لكي يُتوَّج ذات يوم ملكاً على "إسرائيل الكبرى" التي يدرك جيّداً أنها لا يمكن أن تقوم إلا بعد بناء "الهيكل الثالث". وما لم تتمكّن الدول العربية والإسلامية من اتخاذ إجراءات تجبر إسرائيل والولايات المتحدة على وقف الحرب وإنقاذ الشعب الفلسطيني من الإبادة والمجاعة، وفتح الباب أمام آفاق حقيقية لتسوية عادلة لقضيته، فسوف تصحو هذه الدول ذات يوم (ليس ببعيد) على مشهد المسجد الأقصى وهو يُهدَم لإقامة الهيكل على أنقاضه.


القدس العربي
منذ 2 ساعات
- القدس العربي
هل يستطيع ترامب وقف الحرب الروسية ـ الأوكرانية؟
تترقّب دول العالم، نتائج لقاء القمة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، في أقصى شمال الحدود التي تربط بين البلدين، لمعرفة إن كان الصراع الأكثر دموية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية سيتوقف نهائيا، أم أن الأمر سيكون نقلة عبثية في «اللعبة الكبرى» الدائرة بين القوى العظمى في أوكرانيا، كما في مناطق أخرى في العالم. اختار الزعيمان اللقاء في القطب الشمالي الذي يشهد صراعا بين البلدين، وذلك في قاعدة المندورف ـ ريتشاردسون الجوية، التي تبعد عدة كيلومترات عن الأراضي الروسية، في لمحة رمزية إلى أن هذه المنطقة من العالم، التي كانت جزءا من الإمبراطورية الروسية قبل أكثر من 150 عاما، ولا زال فيها جالية روسية ومجتمع من السكان الأصليين، قد تكون المنطلق لاتفاق سلام بين أوكرانيا وروسيا بشكل يعيد تشكيل المعادلات الدولية. في شرحه لشخصية الرئيس الأمريكي يقول أرون ميلر، وهو كان مستشار 6 إدارات جمهورية وديمقراطية شارك في ملفات غزة وإيران وغيرها، إن دونالد ترامب «لديه غرائز استراتيجية» لكنه «يتأثر جدا باللحظة، بالسياسة الداخلية، بمصالحه المالية، بأنانيته، بغروره، وبأهوائه وأمزجته»، وهو ما تعبّر عنه، خير تعبير، تصريحاته الماضية عن قدرته على إنهاء الحرب في غضون 24 ساعة من عودته إلى «البيت الأبيض»، وهو تصريح انتهى، حسب آخر لقاء لترامب مع الصحافيين في «البيت الأبيض»، الخميس الماضي، بقوله: «أنا رئيس لن يعبث معي. سأعلم خلال الدقيقتين الأوليين أو الثلاث أو الأربع أو الخمس الأولى ما إذا سيكون اجتماعنا جيدا أم سيئا»! والحقيقة أن «الغريزة الاستراتيجية» لترامب قد نجحت في تغيير المعادلات في أكثر من موقع توتّر في العالم، كما حصل برعايته توقيع اتفاق إطار سلام بين رئيس أذربيجان، إلهام علييف، ورئيس وزراء أرمينيا، نيكول باشينيان، في مقره الرئاسي، وذلك بعد نزاع استمر لعقود. وكما حصل في الملف الأوكراني، حين أجبر الرئيس فولوديمير زيلينسكي على توقيع اتفاق معادن نادرة لصالح الولايات المتحدة، فإن الاتفاق الأذري ـ الأرميني ترافق مع تهديدات بعقوبات اقتصادية وانتهى بترتيبات اقتصادية وأمنية تمنح أمريكا حقوق تطوير حصرية لما سماه «مسار ترامب للسلام والازدهار الدولي» وهو ممر استراتيجي في جنوب القوقاز، في منطقة تتقاطع فيها مصالح روسيا وإيران وتركيا وأوروبا، وهو أمر أثار قلق روسيا كونه يسهم في إضعاف نفوذها السابق على البلدين، كما أنه أثار قلق إيران من تصاعد النفوذ الأمريكي، كما من التقارب الكبير بين أذربيجان وإسرائيل. تمكن ترامب قبلها بشهر تقريبا، بوساطة من دولة قطر، من إعلان اتفاق سلام بين رواندا وجمهورية الكونغو، منهيا فصلا من آخر النزاعات والحروب في أفريقيا، أودى بآلاف الأشخاص، وكان هناك في خلفية النزاع موضوع اقتصادي أيضا، حيث سيطرت قوة متمردة من التوتسي مدعومة من رواندا على شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية الغني بالمعادن واستولت على مساحات شاسعة، كما تبعها منح أمريكا حقوق تعدين في الكونغو الديمقراطية! تمكّن ترامب أيضا، مستخدما النفوذ السياسي الكبير لبلاده وكذلك تهديداته برفع الرسوم الجمركية، من وقف اشتباكات اندلعت مؤخرا بين تايلندا، حليفة واشنطن، وكمبوديا، القريبة من الصين، بعد نزاع حدودي يعود الى الحقبة الاستعمارية، غير أن ضغط ترامب الذي أوقف إطلاق النار بين البلدين لا يعني أن أسباب اندلاع المعارك قد زالت، أو أن «لعبة الأمم» قد توقفت. تشير الوقائع الآنفة جميعها، إلى نمط تفكير مستمر لدى ترامب تؤدي فيه اتفاقيات السلام إلى مصالح استراتيجية، سياسية واقتصادية لبلاده، كما ترفع أسهمه الشخصية وطموحه لنيل «نوبل للسلام» (كانت كمبوديا، بعد اتفاق وقف إطلاق النار مع تايلندا، آخر الجهات التي ترشحه لهذه الجائزة!) مع ملاحظة شديدة الأهمية، وهي الفشل الفادح في وقف الإبادة الجماعية الجارية في غزة، والتواطؤ الواضح مع بنيامين نتنياهو، وحكومة إرهاب الدولة الإسرائيلية، في كل ما تفعله.


العربي الجديد
منذ 7 ساعات
- العربي الجديد
ترامب يهاتف رئيس بيلاروسيا قبل لقاء بوتين في ألاسكا
أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، اليوم الجمعة، أنه أجرى اتصالاً هاتفياً مع رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو ، بحثا خلاله عدداً من القضايا المهمة، مؤكداً أنه يخطط لعقد لقاء معه في وقت لاحق. وأوضح ترامب، في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي أثناء سفره على متن طائرة الرئاسة إلى ألاسكا، أن الاتصال تناول ملفات متعددة، من بينها زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الصورة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ولد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 1952، أي بعد 7 سنوات من نهاية الحرب العالمية الثانية، التي فقد فيها شقيقه الأكبر وأصيب فيها والده، عمل 16 عامًا في جهاز الاستخبارات الروسي، ثم رئيسًا للوزراء عام 1999، ورئيسًا مؤقتًا في نفس العام، وفاز في الانتخابات الرئاسية: 2000، 2004، 2012، 2018، 2024 إلى ألاسكا، مضيفاً أن هدفه الرئيسي كان شكر لوكاشينكو على إطلاق سراح 16 سجيناً، وحثه على الإفراج عن 1300 آخرين. ويأتي هذا الاتصال قبل ساعات فقط من القمة المرتقبة بين ترامب وبوتين في أنكوريدج بولاية ألاسكا، التي وصفها مسؤولون غربيون بأنها "أهم مفاوضات بين الغرب وروسيا" منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا في فبراير/شباط 2022. وبحسب البيت الأبيض، سيُعقد اللقاء في قاعدة "إلمندورف ريتشاردسون" الجوية، وهي منشأة عسكرية أميركية رئيسية لمراقبة روسيا، وسيعقبه مؤتمر صحافي مشترك بين الزعيمين. أخبار التحديثات الحية قمة ألاسكا | لقاء ترامب وبوتين لحظة بلحظة وتتجه أنظار العالم، مساء الجمعة، إلى ولاية ألاسكا الأميركية التي تشهد عند الساعة 3:50 عصراً بتوقيت العاصمة واشنطن القمة المنتظرة بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، والتي يستهدف الأول من خلالها الوصول إلى حل للحرب الروسية الأوكرانية. وينخفض سقف التوقعات في واشنطن في ما يخص الاجتماع مع إشارات إلى أن أوكرانيا ليست هي الطرف الرابح في قمة ألاسكا. وذكر ستيف بيل، المسؤول السابق في البيت الأبيض، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن اللقاء المنتظر "قد يشكل منعطفاً مهماً في الحرب الروسية الأوكرانية، وقد يغير شكل العلاقات بين روسيا وأوكرانيا من ناحية، والولايات المتحدة وروسيا من ناحية أخرى، وقد يؤدي إلى بداية حل للصراع الأوكراني الروسي أو تعقدها"، محذراً من أن أوكرانيا "قد تجد نفسها وحيدة" إذا تمسكت بموقفها الرافض أي تنازلات. من جهته، وصف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قمة ألاسكا بأنها "مكافأة" لبوتين، داعياً إلى أن تمهد الطريق لمحادثات ثلاثية بين أوكرانيا وروسيا والولايات المتحدة لتحقيق "سلام عادل". (العربي الجديد، رويترز)