
العودة إلى الخرطوم.. اختبار السودانيين بين الأمل في الإعمار وتحديات الواقع
واصطدم السودانيون العائدون بواقع ميداني لا يخلو من تحديات؛ أبرزها تدهور الخدمات الأساسية، وخلو أحياء من ساكنيها، بالإضافة إلى أزمات قانونية واجتماعية متراكمة.
العودة إلى الخرطوم
تحدثت "الشرق" إلى عدد من العائدين الذين صدموا بحجم الدمار الذي لحق بمدينة الخرطوم؛ لا سيما قلبها التاريخي، ومع ذلك، قال الناطق باسم حكومة ولاية الخرطوم إن "العودة جارية بوتيرة متسارعة"، وإن لم تتمكن الحكومة من حصر عدد العائدين بسبب كثرة المنافذ وغياب الإحصاءات الدقيقة.
في ظل هذا المشهد الجديد الذي أعقب القتال في العاصمة، شدد الناطق الرسمي باسم الحكومة الطيب سعد الدين على أهمية "بسط الأمن"، حيث تنعقد أسبوعياً لجنة أمن الولاية، وتضم كافة الأجهزة النظامية، إلى جانب وجود وزير الداخلية الذي يتابع الملف من داخل الولاية.
وقال سعد الدين: "نعمل على تنفيذ خطط أمنية عاجلة عبر الأطواف المشتركة والخلايا الأمنية ومراكز الشرطة المجتمعية"، داعياً سكان الأحياء إلى التعاون مع الشرطة لـ"منع الانفلات في أحياءهم".
أزمة مياه وكهرباء
وتُعد مشكلة المياه أحد أبرز العقبات التي تواجه العائدين، إذ وصفها مواطنون من شرق النيل، تحدثوا لـ"الشرق"، بأنها "رحلة يومية شاقة"، بحثاً عن مصدر نظيف للمياه.
في المقابل، يشير المهندس محمد علي العجب في تقريره للجنة الطوارئ بالولاية إلى "تشغيل تجريبي لمحطات مياه بحري وجبل أولياء وبيت المال والمقرن"، معوّلاً على تحسن الإمداد الكهربائي في تحقيق استقرار تدريجي بإنتاج المياه.
والكهرباء ليست بأفضل حال، بحسب المواطن حسن، الذي أجّل عودته إلى منزله بسبب انعدام الخدمات، والذي وصف الوضع قائلاً: "في منطقتي، تدفع مقابل المياه، ومقابل شحن هاتفك، وإن أردت الكهرباء بشكل مستمر تحتاج إلى محطة طاقة شمسية، وهو ما لا أستطيع توفيره الآن".
وفي مناطق عاد إليها سودانيون، تمثل الطاقة الشمسية، التي تبرع بها أهل الخير، متنفساً وحيداً أمام عتمة متواصلة، وانقطاع طويل للخدمة الحكومية.
تحديات في قطاع الصحة
ورغم النجاح في احتواء موجة تفشي الكوليرا، لم تتراجع المخاوف الصحية في عدة مناطق بالعاصمة، وسط جهود إنسانية وصحية متواصلة.
وقال مدير إدارة الطوارئ ومكافحة الأوبئة بوزارة الصحة الطبيب منتصر عثمان، لـ"الشرق"، إن "الخطر القادم يتمثل في حمى الضنك، خاصة مع قرب دخول فصل الخريف" حيث يجري تسجيل إصابات جديدة في محليات العاصمة السبع.
وأضاف عثمان أن المستشفيات الطرفية تعمل بكفاءة جيدة، فيما لا تزال مستشفيات وسط الخرطوم، الأكثر تضرراً، خارج الخدمة، مشيراً إلى دعم إضافي لمستشفيات أم درمان، التي أصبحت الأكثر اكتظاظاً.
وكشفت هيئة الطب العدلي في ولاية الخرطوم عن دفن نحو 3800 جثة كانت موزعة في مواقع غير رسمية داخل الأحياء والمنازل ومناطق متفرقة من العاصمة، في واحدة من أبرز التحديات الإنسانية التي أفرزتها الحرب خلال العامين الماضيين.
وأوضحت الهيئة أن هذه الجثث نُقلت خلال الأشهر الماضية إلى مقابر رسمية، بعد أن تحولت بعض الساحات والمنازل إلى مقابر جماعية، ما أثار قلقاً واسعاً لدى المواطنين والسلطات على حد سواء، نظراً للتبعات الصحية والإنسانية المرتبطة بالأمر.
وقال الناطق الرسمي باسم حكومة ولاية الخرطوم الطيب سعد الدين، لـ"الشرق"، إن حكومة الولاية أصدرت توجيهات واضحة منذ أكثر من عام للجهات المختصة بشأن نقل الرفات، وأضاف: "أولت حكومة الخرطوم هذا الملف اهتماماً كبيراً لما له من خلفية إنسانية وصحية، واحتراماً لأسر الشهداء والمفقودين".
وأشار الطيب إلى أن الجهود لا تزال مستمرة، بمشاركة شركاء العمل الإنساني والصحي إلى جانب الجهات الرسمية، بهدف استكمال عمليات النقل والدفن وفق معايير قانونية وشرعية.
عودة محفوفة بالمخاطر
وفي قطاع العمل الحكومي، كشفت إحسان، وهي موظفة في إحدى الدوائر، عن اضطرارها وزملائها إلى افتراش الأرض في أول أسبوعين بعد عودتهم، نتيجة نهب أثاث مكاتبهم.
وأوضحت أن الغياب المتكرر عن العمل سببه ارتفاع كلفة المواصلات التي تتجاوز أحياناً 4 دولارات يومياً، وهو رقم مرهق في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة.
وعند العودة، فوجئ بعض السكان بوجود غرباء في منازلهم، بعضهم يرفض المغادرة بحجة أنه نازح من منطقة مدمرة، أو لعدم توفر بديل، وحدثت نزاعات متفرقة بين الطرفين.
من جانبه، أوضح المستشار القانوني مصعب صباحي أن القانون الجنائي لسنة 1991 وقانون المعاملات المدنية 1983، يجرّمان التعدي على الممتلكات الخاصة، مشيراً إلى أن عودة المؤسسات العدلية والشرطة إلى بعض المناطق أعاد فتح أبواب التقاضي، ما يتيح اللجوء إلى القانون والفصل في مثل هذه النزاعات المتواترة.
رغم كل المعوقات، عبّر كثير من السودانيين الذين عادوا إلى الخرطوم عن ارتياحهم النسبي بالعودة إلى منازلهم، مهما كانت الظروف.
وتقول إخلاص، التي قطعت رحلة نزوح شاقة بين عدة ولايات قبل أن تعود مجدداً إلى شرق النيل: "بيتي من غير كهرباء ولا مياه، لكنه بيتي".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

العربية
منذ 24 دقائق
- العربية
الأمم المتحدة: 1.3 مليون نازح سوداني عادوا إلى ديارهم
أعلنت الأمم المتحدة الجمعة أن أكثر من 1.3 مليون سوداني عادوا إلى ديارهم، بعدما كانوا قد نزحوا بسبب الحرب، ودعت إلى تقديم الدعم لهم. وأسفرت المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ أبريل (نيسان) 2023 عن مقتل عشرات الآلاف ونزوح الملايين، ما تسبب في أزمة وصفتها الأمم المتحدة بأنها "الأكثر تدميراً في العالم". ورغم توقف القتال في المناطق التي بدأ النازحون واللاجئون يعودون إليها، فإن الظروف لا تزال محفوفة بالمخاطر، بحسب بيان صادر عن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. وقال منسّق المفوضية الإقليمي للأزمة في السودان مامادو ديان بالدي للصحافيين في جنيف إن "هناك المزيد والمزيد من النازحين داخلياً.. الذين قرروا العودة إلى ديارهم". وأضاف في تصريحات أدلى بها من نيروبي أن "مليون نازح داخلياً عادوا إلى ديارهم" في الأشهر الأخيرة. من جهته، أوضح المدير الإقليمي للمنظمة الدولية للهجرة عثمان البلبيسي من بورتسودان أن "أكبر التدفقات بدأت في بداية العام، لكن التدفقات إلى الخرطوم بدأت تدريجياً منذ مارس (آذار)". وبدأت العودة في أواخر عام 2024، لكن غالبية الأشخاص عادوا منذ يناير (كانون الثاني)، وفق المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. ولفت ديان بالدي إلى أن "هؤلاء اللاجئين والنازحين داخلياً يعودون إلى ديارهم دون أن يحملوا معهم أي شيء تقريباً". وعاد معظم الأشخاص إلى ولايات الخرطوم وسنار والجزيرة المتضررة بشدة جراء أكثر من عامين من الحرب، بحسب وكالات الأمم المتحدة. وتعرضت البنية التحتية العامة لدمار كامل ، وكذلك المدارس والمستشفيات، أو تم تحويلها إلى ملاجئ جماعية، في حين أن فقدان أو تدمير وثائق الأحوال المدنية واستحالة استبدالها يحرم كثيرين الاستفادة من الخدمات. ويواجه العائدون أيضاً مخاطر الذخائر غير المنفجرة. وتتوقع الأمم المتحدة عودة حوالي 2.1 مليون شخص إلى الخرطوم بحلول نهاية العام. وصرح البلبيسي قائلاً: "يعتمد هذا على عوامل عديدة، أبرزها الوضع الأمني والقدرة على استئناف الخدمات في الوقت المناسب". وفي ظل النقص الكبير في تمويل العمليات الإنسانية داخل السودان وفي الدول المجاورة التي تستضيف اللاجئين، دعت الأمم المتحدة إلى زيادة عاجلة في المساعدات المالية.


الشرق الأوسط
منذ ساعة واحدة
- الشرق الأوسط
الأمم المتحدة: 1.3 مليون سوداني شرّدتهم الحرب عادوا إلى ديارهم
أعلنت الأمم المتحدة، الجمعة، أن أكثر من 1.3 مليون سوداني شردتهم الحرب، بينهم مليون نازح داخلياً، عادوا إلى ديارهم، داعية إلى تقديم الدعم لهم. وأسفرت المعارك بين الجيش و«قوات الدعم السريع» منذ أبريل (نيسان) 2023 عن مقتل عشرات الآلاف ونزوح الملايين، مما تسبّب في أزمة وصفتها الأمم المتحدة بأنها «الأكثر تدميراً في العالم». وعلى الرغم من توقف القتال في المناطق التي بدأ النازحون واللاجئون يعودون إليها، فإن الظروف لا تزال محفوفة بالمخاطر، حسب بيان صادر عن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والمنظمة الدولية للهجرة، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. وقال منسّق المفوضية الإقليمي للأزمة في السودان، مامادو ديان بالدي، للصحافيين في جنيف، إن «هناك المزيد والمزيد من النازحين داخلياً (...) الذين قرروا العودة إلى ديارهم». وأضاف، في تصريحات أدلى بها من نيروبي، أن «مليون نازح داخلياً عادوا إلى ديارهم» في الأشهر الأخيرة. وأوضح المدير الإقليمي للمنظمة الدولية للهجرة، عثمان البلبيسي، من بورتسودان أن «أكبر التدفقات بدأت في بداية العام، لكن التدفقات إلى الخرطوم بدأت تدريجياً منذ مارس (آذار)». وبدأت العودة أواخر عام 2024، لكن غالبية الأشخاص، البالغ عددهم 320 ألفاً، عادوا منذ يناير (كانون الثاني)، وفق المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. طلاب سودانيون يصلون إلى حرم الجامعة في الخرطوم (أ.ف.ب) ولفت بالدي إلى أن «هؤلاء اللاجئين والنازحين داخلياً يعودون إلى ديارهم دون أن يحملوا معهم أي شيء تقريباً». وعاد معظم الأشخاص إلى ولايات الخرطوم وسنار والجزيرة المتضررة بشدة جرّاء أكثر من عامَيْن من الحرب، حسب وكالات الأمم المتحدة. وتعرّضت البنية التحتية العامة لدمار كامل، وكذلك المدارس والمستشفيات، أو تم تحويلها إلى ملاجئ جماعية، في حين أن فقدان أو تدمير وثائق الأحوال المدنية واستحالة استبدالها يحرم كثيرين من الاستفادة من الخدمات. ويواجه العائدون أيضاً مخاطر الذخائر غير المنفجرة والعنف الجنسي. وتتوقع الأمم المتحدة عودة نحو 2.1 مليون شخص إلى الخرطوم بحلول نهاية العام. وصرح البلبيسي قائلاً: «يعتمد هذا على عوامل عدة، أبرزها الوضع الأمني والقدرة على استئناف الخدمات في الوقت المناسب». وفي ظل النقص الكبير في تمويل العمليات الإنسانية داخل السودان وفي الدول المجاورة التي تستضيف اللاجئين، دعت الأمم المتحدة إلى زيادة عاجلة في المساعدات المالية. ولا يزال هناك 10 ملايين نازح داخلياً في السودان، منهم 7.7 مليون أُجبروا على الفرار من منازلهم بسبب النزاع الحالي.


الشرق الأوسط
منذ 2 ساعات
- الشرق الأوسط
قيادي إسلامي في حزب البشير المنحل: نسعى لحكم السودان بعد الحرب
قال قياديون بالحركة الإسلامية التي أطاحت بها انتفاضة شعبية في السودان عام 2019 إن الحركة قد تدعم بقاء الجيش طويلاً في الحكم في وقت تتطلع فيه إلى عودة للسلطة بعد مشاركتها بمقاتلين في الحرب التي تشهدها البلاد، حسب تقرير لوكالة «رويترز». وفي أول مقابلة مع وسيلة إعلامية منذ سنوات، قال أحمد هارون رئيس حزب المؤتمر الوطني (الحاكم في عهد الرئيس المخلوع عمر البشير) وأحد السودانيين الأربعة المطلوبين لدى المحكمة الجنائية الدولية، إنه يتوقع بقاء الجيش في الحكم بعد الحرب، وإن الانتخابات قد تتيح لحزبه والحركة الإسلامية المرتبطة به العودة إلى السلطة. وأدت الحرب الدائرة منذ أكثر من عامين بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» إلى موجات من القتل على أساس عرقي وانتشار المجاعة والنزوح الجماعي واستقطبت قوى أجنبية وتسببت فيما تصفها الأمم المتحدة بأكبر أزمة إنسانية في العالم. وعلى الرغم من إمساك «قوات الدعم السريع» بزمام الأمور في معقلها الغربي بدارفور ومناطق من الجنوب وعدم وجود مؤشرات على توقف القتال، فقد حقق الجيش تقدماً كبيراً على جبهات عدة في الأشهر الماضية، وهي مكاسب يقول المشاركون من الإسلاميين إنهم ساهموا في تحقيقها. ذخائر حية ملقاة على الأرض في أحد الشوارع بالخرطوم 27 أبريل 2025 (رويترز) وكان بعض قادة الجيش والموالون للنظام السابق، يقللون من أهمية الحديث عن العلاقات بينهما، خوفاً من التأثر بالسخط الشعبي إزاء الرئيس المخلوع عمر البشير وحلفائه في حزب المؤتمر الوطني. لكن سبعة من أفراد الحركة وستة مصادر عسكرية وحكومية قالوا لـ«رويترز» إن التقدم الذي حققه الجيش في الآونة الأخيرة أتاح للحركة الإسلامية التفكير في العودة للقيام بدور وطني. ويدعم هذا التصور اتهامات بتعيين عدد من الإسلاميين وحلفائهم منذ الشهر الماضي في حكومة كامل إدريس رئيس الوزراء التكنوقراطي الجديد الذي عينه الجيش في مايو (أيار) الماضي. ممثل لقيادة الجيش السوداني قال لـ«رويترز» «قد يرغب بعض قادة الإسلاميين في استغلال الحرب للعودة إلى السلطة، لكننا نقول بشكل قاطع إن الجيش لا يتحالف أو ينسق مع أي حزب سياسي ولا يسمح لأي طرف بالتدخل». وفي حديثه لـ«رويترز» في ساعة متأخرة من الليل من مكان يختفي فيه عن الأنظار مع انقطاع خدمات الكهرباء في شمال السودان، قال هارون إن حزب المؤتمر الوطني يقترح هيكل حكم يمنح الجيش السيطرة على الأمور السيادية «بالنظر لمهددات الأمن السوداني والتدخل الخارجي » على أن تأتي الانتخابات برئيس وزراء لإدارة الحكومة. وأضاف هارون، حليف البشير الذي خرج من السجن في بداية الصراع، في المقابلة التي أجريت معه في أواخر أبريل (نيسان): «اتخذنا قراراً استراتيجياً ألا نعود للسلطة إلا عبر صناديق الانتخابات بعد الحرب... لن نكون في أي حكومة انتقالية غير منتخبة بعد الحرب». وأضاف: «النموذج الغربي لن يكون مناسباً للسودان. ولا بد من الوصول لصيغة عن دور الجيش في السياسة في ظل الهشاشة الأمنية والأطماع الخارجية، فهذه لن تكون الحرب الأولى ولا الأخيرة في البلد». وأشار ضابط كبير في الجيش إلى أن أي فترة انتقالية يديرها الجيش حصراً قبل الانتخابات «لن تكون قصيرة». واقترح هارون إجراء استفتاء شعبي على «من يقدمه الجيش للحكم». أفراد من الجيش بالقرب من مركبة عسكرية مدمرة ومبانٍ تعرضت للقصف في الخرطوم 26 مارس 2025 (رويترز) وهارون مطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية بتهم التورط في جرائم حرب وإبادة جماعية في دارفور في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وهي تهم ينفي صحتها ويؤكد أنها محكمة سياسية وليست قانونية. تظهر وثيقة لحزب المؤتمر الوطني حصلت عليها «رويترز» عبر مسؤول إسلامي كبير دوراً رئيسياً للشبكات الإسلامية منذ بداية القتال. وفي الوثيقة، يبلغ عناصر من الإسلاميين قيادتهم بالمهام التي قاموا بها وتحدثوا عن دورهم في المساهمة المباشرة في المجهود العسكري للجيش بما يتراوح بين ألفي وثلاثة آلاف مقاتل خلال العام الأول من الصراع. وتحدثوا أيضاً عن تدريب مئات الآلاف من المدنيين الذين استجابوا لدعوة الجيش للتعبئة العامة، والذين انضم أكثر من 70 ألفاً منهم إلى العمليات. وقالت ثلاثة مصادر عسكرية من الجيش وفصائل متحالفة معه إن هذه الخطوة عززت صفوف القوات البرية المتناقصة. قائد «كتائب البراء بن مالك» الإسلامية المصباح طلحة يقف إلى جانب مساعد القائد العام للجيش ياسر العطا (فيسبوك) وقدّرت مصادر عسكرية عدد المقاتلين المرتبطين مباشرة بحزب المؤتمر الوطني بنحو خمسة آلاف، يخدمون بالأساس في وحدات «قوات العمل الخاص» التي حققت جانباً من أكبر مكاسب الجيش، لا سيما في الخرطوم. وأفاد مقاتلون إسلاميون ومصادر عسكرية بأن مقاتلين آخرين دربهم إسلاميون يخدمون في لواء نخبة أعيد تشكيله ويتبع جهاز المخابرات العامة. وأوضحت مصادر في الجيش وهارون أن الفصائل الإسلامية ليس لديها أي سلطة على الجيش. وشكك هارون في صحة الوثيقة التي اطلعت عليها «رويترز» وفي الروايات التي تتحدث عن مشاركة آلاف المقاتلين المرتبطين بحزب المؤتمر الوطني في القتال إلى جانب الجيش، ورفض إعطاء أرقام عن عدد المقاتلين الإسلاميين الذين يساندون الجيش. لكنه أقر بأنه «ليس سراً أننا ندعم الجيش استجابة لدعوة القائد الأعلى للتعبئة العامة». وقال البرهان مراراً إنه لن يسمح لحزب المؤتمر الوطني المحظور بالعودة إلى السلطة، في وقت أتاح فيه عودة موظفين مدنيين إسلاميين لمناصب رفيعة في عدد من الإدارات الحكومية. المستشار القانوني لـ«قوات الدعم السريع» محمد المختار النور (الشرق الأوسط) وبينما يقلل الجيش من شأن العلاقات مع الإسلاميين، تعلو أصوات «قوات الدعم السريع» بالحديث عن الأمر. وقال محمد مختار مستشار قيادة «قوات الدعم السريع»: «الإسلاميون هم من أشعلوا هذه الحرب سعياً للعودة إلى السلطة، وهم من يديرونها ويسيطرون علي قرار الجيش». وقال ضابطان مطلعان بالجيش إن البرهان يعمل على تحقيق توازن بين حرصه على عدم التنازل عن أي نفوذ لأي شخصيات أو جهات سياسية، وحاجته إلى الدعم العسكري والإداري والمالي من شبكات الإسلاميين. تقدم الحركة الإسلامية السودانية لعناصرها منذ فترة طويلة تدريبات عسكرية، عبر وسائل منها ما كان يعرف في عهد البشير باسم (قوات الدفاع الشعبي) الاحتياطية. وخلال الحرب، صعد نجم وحدات إسلامية شبه مستقلة أبرزها كتيبة البراء بن مالك. وقال أحد قادتها وهو المهندس أويس غانم (37 عاماً) لـ«رويترز»، إنه أصيب ثلاث مرات في أثناء مشاركته في معارك حاسمة لكسر الحصار عن قواعد للجيش في العاصمة في وقت سابق من العام الحالي. وأضاف أن أفراد الكتيبة يمكنهم الحصول على الأسلحة الخفيفة والمدفعية والطائرات المسيّرة بموجب تعليمات الجيش ويتلقون الأوامر منه. وقال غانم: «نحن لا نقاتل من أجل عودة الإسلاميين إلى السلطة، إنما نقاتل لصد عدوان (قوات الدعم السريع)... وبعد مشاركة الإسلاميين في الحرب، أتوقع عودتهم عبر الانتخابات». فارون من الحرب في دارفور لدى وصولهم لمخيم أدري الحدودي في تشاد 4 أغسطس 2023 (رويترز) ويتهم مراقبون لحقوق الإنسان الكتيبة بارتكاب عمليات قتل خارج نطاق القضاء في المناطق التي استعادوا السيطرة عليها في الآونة الأخيرة في الخرطوم، وهي اتهامات نفاها غانم. ويقول قادة الجيش إن الكتيبة والمجموعات الأخرى ستُدمج في الجيش بعد الحرب، لتجنب تكرار ما حدث مع «قوات الدعم السريع» التي شكلتها الحكومة السودانية لمحاربة التمرد في دارفور في عهد البشير. وتقول مصادر عسكرية إن شخصيات إسلامية بارزة استغلت خلال الحرب علاقاتها القائمة منذ فترة طويلة مع دول مثل إيران وتركيا لمساعدة الجيش في توفير الأسلحة. وقال هارون: «هذه تهمة لا ننفيها وشرف لا ندعيه». ومن شأن أي تعزيز للتحالف مع تلك الدول أو تزايد نفوذ الإسلاميين داخل السودان أن يقود لتوتر العلاقات مع الولايات المتحدة ويزيد من العداء مع بعض دول الإقليم التي تسعى إلى دحر تيارات الإسلام السياسي على الصعيد الدولي.