
الأساس الوطني لمشاريع المقاومة
ابتذل البعض تعبير «وطني» ووظفه في السجالات السياسية الحميدة وغير الحميدة، ومع ذلك هناك معنى حقيقي للكلمة تمثله المصالح الوطنية العليا لكل دولة، وتاريخ مشترك لشعبها يجعل شعورهم الوطني واقعاً معيشاً أكثر منه شعاراً آيديولوجياً.
والحقيقة أن الجدل الذي شهدته أكثر من ساحة عربية حول شرعية وجود سلاح للمقاومة خارج سلطة الدولة وفي بلاد غير محتلة، تركَّز مؤخراً في لبنان بين جانب كبير من البيئة الحاضنة لـ«حزب الله»، والغالبية العظمى من باقي المكونات اللبنانية.
والمؤكد أن كثيراً من بلدان العالم الثالث شهدت تجارب مقاومة ضد الاحتلال، مختلفة الصور والوسائل، فمن المقاومة اللاعنفية على يد غاندي في الهند، مروراً بالمقاومة الشعبية والمسلحة في جنوب أفريقيا، وانتهاءً بحرب التحرير الشعبية في الجزائر، ظلت المقاومة حقاً أصيلاً للشعوب المحتلة، وحتى لبنان شهد مقاومة مسلحة لتحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي في عام 2000 ولعب فيها «حزب الله» دوراً رئيسياً كان محل توافق من مجمل اللبنانيين.
والحقيقة أن «حالة المقاومة» في مختلف التجارب ظلت مشروعة ومنتصرة رغم فارق القوى بين جيوش المحتلين وتنظيمات المقاومة، إلا أن الأساس الأخلاقي وقف دائماً مع مقاومي الاحتلال، وجعل انتصارهم شبه حتمي في كل تجارب المقاومة الوطنية في العالم.
ومن هنا فإن مبدأ المقاومة في حالة فلسطين يظل مشروعاً، حتى لو اختلف الناس حول الوسيلة الأنسب لمواجهة الاحتلال، وهل هي المقاومة المدنية أم المسلحة؟ وهل عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) كانت وسيلة ناجعة في ردع الاحتلال وإعادة إحياء القضية الفلسطينية على الساحة الدولية، أم أنها كانت خطأ ومسؤولة عن المآسي التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني؟
الأساس الوطني والأخلاقي والسياسي للمقاومة في فلسطين مشروع، حتى لو اختلفنا مع مشروع «حماس» وأدواتها كلياً أو جزئياً؛ لأن هناك احتلالاً استيطانياً جاثماً على صدور الشعب الفلسطيني، أما الادعاء في بلد غير محتل مثل لبنان أن هناك مشروعية لوجود مقاومة مسلحة فأمر لا يمكن قبوله ولا تخيله؛ لأن الموضوع يجب أن ينتقل من نقاش حول المقاومة إلى نقاش حول مدى مشروعية امتلاك فصيل لبناني عتاداً وسلاحاً حربياً خارج سلطة الدولة، ويفرض على كل اللبنانيين الدخول في حرب يرفضونها مع إسرائيل، تحت حجة أنه فصيل مقاوم.
صحيح أن إسرائيل دولة عدوانية معتدية، وصحيح أن لها مطامع في كثير من الدول العربية، ولكن المؤكد أن حسابات «حزب الله» لم تكن فقط من أجل مواجهة أطماع إسرائيل ودعم فلسطين، إنما كانت أيضاً امتداداً للحسابات الإيرانية والرغبة في الهيمنة على القرارَين السياسي والعسكري اللبنانيَّين، وإلا لاعتبر الحزبُ قوته المسلحة تابعةً للجيش اللبناني، تأتمر بقيادة الدولة، في حال تعرُّض البلاد لهجوم خارجي، لا أن يورطها في حرب يرفضها اللبنانيون.
الأساس الوطني لمشاريع المقاومة شرط لاعتبارها مقاومة، فإذا لم يكن البلد محتلاً عسكرياً من دولة أجنبية، فلا يوجد ما يبرر وصف أي فصيل مسلح بأنه «مقاوم»، ومن هنا تصبح قضية سلاح «حزب الله» عقب عام 2000 خارج أي تصنيف لكل تجارب المقاومة في العالم.
لقد استخدم سلاح «حزب الله» في معركة «إسناد» لدعم غزة، وتخفيف الضغط على الشعب الفلسطيني تحت لافتة «المقاومة»، والنتيجة أنه لم يفد غزة، وخسر لبنان، وفقد الحزب معظم قادته وقدراته العسكرية ومئات من عناصره، وصار مطلوباً منه نزع سلاحه والتسليم بالشروط الجديدة التي طالب بها أغلب اللبنانيين قبل أن تفرضها أميركا والمجتمع الدولي.
والحقيقة أن السؤال الذي يجب أن يُطرح هو: لو كان لبنان محتلاً من دولة أجنبية، وكان «حزب الله» يقاوم بالسلاح هذا الاحتلال... هل كان أغلب اللبنانيين سيرفضون مقاومته؟ المؤكد أن الإجابة ستكون «لا»، وأن أساس المقاومة المدنية أو المسلحة هو بحكم التعريف أساس وطني نابع من وجود احتلال عسكري مباشر للبلد، أما صور التضامن والإسناد لشعوب شقيقة أو مظلومة فهي واسعة، وتشمل كل الأدوات المدنية والقانونية والإنسانية، وليست المسلحة.
معضلة «حزب الله» ليست في إيمان كثير من عناصره بالقضية الفلسطينية، ولا نبل مقاصد البعض الآخر في رفض عدوانية إسرائيل، إنما في الصيغة التي أسس عليها مشروعه، وفي إصراره على وصف سلاحه بأنه «سلاح مقاوم»، ليعطي له حصانة تجعل تسليمه لهذا السلاح وكأنه تخلٍ عن الوطنية أو شرف المقاومة، وغيرهما من الشعارات التي وظفت في السياسة وليس المقاومة.
المراجعة الجراحية المطلوبة تتعلق بصيغة «حزب الله» وهي أمر يحتاج إلى نقاش غير حزبي ولا سجالي بين بعض النخب المتعاطفة مع «حزب الله»، ونظرائهم من المعارضين للحزب للنقاش حول صيغة جديدة للحزب تعيد تموضعه بعيداً عن حصانة الحزب المقاوم.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ 34 دقائق
- الشرق الأوسط
بعد استهداف خط «فايبر أوبتك»... انقطاع خدمات الإنترنت بالكامل عن كل غزة
أعلنت السلطة الفلسطينية، الخميس، انقطاع خدمات الإنترنت والاتصالات الثابتة في غزة بعد استهداف «فايبر أوبتك»؛ آخر خط للألياف الضوئية بالقطاع، متهمة إسرائيل بالوقوف وراء الهجوم، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية». وأعلنت «هيئة تنظيم قطاع الاتصالات الفلسطينية»، في بيان نقلته وكالة «وفا» الرسمية للأنباء، «انقطاع كل خدمات الإنترنت والاتصالات الثابتة في قطاع غزة، بعد استهداف المسار الرئيسي الأخير لـ(الفايبر)»، متهمة إسرائيل بمحاولة قطع غزة عن العالم. وكانت وكالة «شهاب» الفلسطينية قد أفادت بانقطاع خدمات الإنترنت بالكامل عن جميع أنحاء قطاع غزة، في ظل الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023. ونقلت الوكالة عن الدفاع المدني بشمال غزة القول إنه يواجه صعوبة كبيرة في تحديد مواقع القصف؛ بسبب انقطاع الإرسال وتعذر تواصل السكان معه. وتشير أحدث إحصاءات وزارة الصحة في غزة إلى ارتفاع إجمالي عدد قتلى الحرب الإسرائيلية على القطاع إلى 55 ألفاً و104، بينما زاد عدد المصابين إلى 127 ألفاً و394. ويواجه قطاع غزة أزمة إنسانية حادة بعد 20 شهراً من الحرب المدمرة التي اندلعت بعد هجوم «حماس» على إسرائيل.


الشرق الأوسط
منذ 34 دقائق
- الشرق الأوسط
الجمعية العامة للأمم المتحدة تصوت الليلة على قرار لوقف فوري لإطلاق النار بغزة
من المتوقع أن تُصوِّت الجمعية العامة للأمم المتحدة، مساء اليوم (الخميس)، على مشروع قرار يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة، والإفراج عن الرهائن المحتجزين لدى حركة «حماس» جميعاً، وفتح جميع المعابر الحدودية الإسرائيلية لإدخال الغذاء والمساعدات العاجلة الأخرى، وفق «أسوشييتد برس». وصاغت إسبانيا مشروع القرار، الأربعاء، وينصُّ على «الإدانة الشديدة لاستخدام التجويع ضد المدنيين بصفته أسلوباً من أساليب الحرب». وأكد خبراء وعاملون في مجال حقوق الإنسان أن الجوع بات منتشراً في غزة، وأن نحو مليونَي فلسطيني مهددون بالمجاعة ما لم ترفع إسرائيل حصارها بالكامل، وتوقف حملتها العسكرية، التي استؤنفت في مارس (آذار) بعد انتهاء هدنة مؤقتة مع «حماس». وكان مجلس الأمن أخفق، الأسبوع الماضي، في تمرير قرار يطالب بوقف إطلاق النار ويدعو إسرائيل إلى رفع جميع القيود المفروضة على إيصال المساعدات. واستخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد القرار؛ لأنه لم يتضمَّن ربطاً بالإفراج عن الرهائن، بينما صوَّت باقي أعضاء المجلس الـ14 لصالحه.


صحيفة سبق
منذ ساعة واحدة
- صحيفة سبق
بيان عربي مشترك بطالب بتحرك عاجل لحماية الأطفال العاملين وصون حقوقهم وغزة في الواجهة
طالبت جامعة الدول العربية، ومنظمة العمل العربية، والمجلس العربي للطفولة والتنمية، جميع الأطراف المعنية بالتحرك السريع لحماية الأطفال من جميع أشكال الاستغلال، وصون حقوقهم التي كفلتها المواثيق والاتفاقيات الدولية، مع تركيز خاص على الأطفال العاملين الذين حُرموا من طفولتهم وبراءتهم، وتعرضوا لأضرار جسدية ونفسية، وافتقدوا حقهم في التعليم والنمو والعيش الكريم. جاء ذلك في بيان مشترك صدر اليوم عن الجهات الثلاث، بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال، الذي أقرّته منظمة العمل الدولية عام 2002، ويُصادف الثاني عشر من يونيو من كل عام. وأشار البيان إلى أن هذا اليوم يحلّ فيما لا يزال الهدف العالمي بالقضاء على عمل الأطفال بجميع أشكاله بحلول عام 2025 بعيد المنال، لافتًا إلى أن التقديرات الأخيرة الصادرة عام 2021 أظهرت أن نحو 160 مليون طفل يعملون حول العالم، منهم 63 مليون فتاة و97 مليون فتى. ويُعزى هذا التراجع إلى أزمات عالمية متتالية، أبرزها جائحة كوفيد-19، وتغير المناخ، والنزاعات، والتقدم التكنولوجي السريع، واتساع الفجوة الاجتماعية والاقتصادية. وأكد البيان أن القمة العالمية الثانية للتنمية الاجتماعية، المقررة في نوفمبر المقبل بدولة قطر، ستركز على آليات توفير العمل اللائق ومكافحة الفقر باعتباره السبب الرئيسي لعمل الأطفال، على أن تُرفع نتائجها إلى المؤتمر العالمي السادس للقضاء على عمل الأطفال المقرر عقده في المغرب عام 2026. كما شددت المنظمات الثلاث على التزامها بمواصلة العمل المشترك لمكافحة عمل الأطفال، ودعم المبادرات الأممية ذات الصلة، مشيرة إلى إطلاق دراسة "عمل الأطفال في الدول العربية" عام 2019، إلى جانب جهودها في نشر الوعي وتعزيز المعرفة حول أبعاد هذه القضية وتداعياتها. وفي ختام البيان، أكدت المنظمات أنه لا يمكن الحديث عن حقوق الطفل دون الإشارة إلى المأساة التي يعيشها أطفال غزة، في ظل انتهاكات جسيمة لحقهم في الحياة، إذ تشير الإحصاءات الأخيرة إلى استشهاد نحو 18 ألف طفل، وحرمان آلاف آخرين من مقومات العيش الأساسية، ما يُحتم على المجتمع الدولي تحمّل مسؤولياته تجاه حماية أطفال فلسطين وضمان حقهم في الصحة والتعليم والحياة الآمنة والكريمة.