
هل يتحمّل الاقتصاد العالمي كلفة الصدام الأميركي الصيني؟
وهذا التضارب في الرؤى ستكون له تداعيات عميقة جداً، تحديداً على الدول "العالقة في المنتصف" بين أميركا والصين، حيث أن أطرافاً قليلة ستكون قادرة على النجاة، من الزلزال الاقتصادي الذي يضرب العالم حالياً، في وقت يتجاوز فيه التصعيد المتبادل بين البلدين، جميع التوقعات ليصل إلى مستويات غير متوقعة.
في الواقع، يسعى الرئيس الأميركي دونالد ترامب من خلال سياسته الصادمة، إلى تحقيق " العصر الذهبي لأميركا"، عبر إعادة صياغة قواعد التجارة العالمية لصالح بلاده، وهو لا يُظهر أي بوادر تُذكر لاحتمال تراجعه عن هذا النهج، وما قام به خلال الساعات القليلة الماضية، برفع المعدل الإجمالي للرسوم الجمركية الأميركية على البضائع الصينية إلى 125 في المئة هو أوضح دليل على ذلك.
بدورها، أعلنت الصين صراحة أنها "ستقاتل حتى النهاية" متوعدة بأن أي خطوة تصعيدية من جانب أميركا ستواجه بخطوة تصعيدية من قبلها، وهو ما طبقته بالفعل خلال الساعات الماضية مع إعلانها عن رفع نسبة الرسوم الجمركية على السلع الأميركية من 34 في المئة إلى 84 في المئة.
وبحسب تقرير أعدته "بلومبرغ" واطلع عليه موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، فإن اتساع نطاق رسوم ترامب الجمركية يُشكّل مخاطر كبيرة على الاقتصاد العالمي من فائض المعروض الصيني، الذي سيُلقي بثقله على الاقتصادات العالقة في المنتصف، وذلك وفقاً لألبرت بارك، كبير الاقتصاديين في بنك التنمية الآسيوي ومقره مانيلا، الذي قال أيضاً إنه قد يكون من الصعب على تلك الدول، استيعاب واردات أكبر من السلع الصينية.
وستدفع الرسوم الجمركية الأميركية المرتفعة على بكين المُصنِّعين الصينيين، لزيادة صادراتهم إلى أوروبا وجنوب شرق آسيا وأماكن أخرى، ويرى جود بلانشيت، مدير مركز راند لأبحاث الصين في واشنطن، أنه من المرجح أن تتعرض أوروبا لضغوط متزايدة، حيث ستصبح هدفاً واضحاً للمصدرين الصينيين، الذين يتطلعون إلى تعويض خسائر مبيعاتهم إلى الولايات المتحدة، في حين يعتقد هنري غاو، أستاذ القانون في جامعة سنغافورة للإدارة، أن رسوم ترامب الجمركية تهدف إلى معالجة المشكلة الجذرية، المتمثلة برأسمالية الدولة الصينية على النظام الاقتصادي العالمي، ففي حال لم تُحل هذه المشكلة الأساسية، قد تقوم دول أخرى باتباع نهج أميركا مع الصين.
ورجّح تحليل أجرته "بلومبرغ إيكونوميكس" لتدفقات التجارة والعلاقات الاقتصادية، أن تُعيد الصين توجيه معظم صادراتها، لتعويض السوق التي قد تخسرها في الولايات المتحدة، تماماً كما فعلت في أعقاب الحرب التجارية، التي أطلقها ترامب خلال ولايته الأولى، إلا أن التحدي يكمن هذه المرة في أن الصين ستفعل ذلك في الوقت الذي تُكافح فيه اقتصادات الدول، لتعويض خسارة صادراتها إلى أميركا، بسبب الرسوم الجمركية المتبادلة التي فرضها ترامب على جميع الدول، وهذا ما من شأنه أن يُفاقم الصدمة الصينية، إذ أن ما يقوم به ترامب يُهدد بإثارة موجة حمائية مُتصاعدة بين جميع الدول.
ويقول الخبير الاقتصادي ريتشارد بالدوين، الذي حضر مع خبراء تجاريين آخرين، مؤتمراً لصندوق النقد الدولي عُقد في طوكيو، واختتم يوم السبت الماضي، إن الصدمة الأميركية ستؤدي إلى صدمة صينية أشد وطأة، لأن ما يحدث قد يدفع جهات فاعلة رئيسية أخرى في العالم، إلى فرض رسوم جمركية على الصين، مشيراً إلى أن حدوث هذا السيناريو مؤكد.
ويرى بالدوين أن ما يُنقذ الاقتصاد العالمي ربما يكمن في أن الولايات المتحدة، لا تُمثل سوى حوالي 15 في المئة من التجارة العالمية، في حين أن الدول التي تُمثل نسبة الـ 85 في المئة المتبقية بقيادة الصين و الاتحاد الأوروبي ، يمكن أن تقوم بخطوات خاصة بها لتحرير التجارة.
وتحولت الصين إلى أكبر مُصنّع في العالم منذ انفتاحها في سبعينيات القرن الماضي، وهي تُشكّل الآن حوالي ثلث إجمالي الإنتاج الصناعي العالمي ، وتُحقق فائضاً تجارياً مع أكثر من 160 دولة. ومع احتمال توسّع هيمنة عملاق التصنيع الصيني في أسواق جديدة، فإن على الدول "العالقة في المنتصف" إما الانضمام إلى "فريق الامتثال" للمطالب التجارية للرئيس الأميركي، وإما الانضمام إلى "فريق التحدي"، وهو ما سيضع هذه الدول أمام خطرين، يتمثلان بعدم وجود سوق كبيرة لتصريف لصادراتها، إضافة إلى مخاطر إغراق أسواقها بالبضائع الصينية.
فرغم أن رسوم ترامب الجمركية فتحت الباب مجدداً أمام الصين لتُصوّر نفسها كشريك اقتصادي موثوق، وهي فرصة تتوق بكين لاغتنامها، إلا أن احتمال أن تتمكن الصين من فتح أسواقها أمام الدول المتضررة من فقدان المستهلك الأميركي، يبقى احتمالاً بعيد المنال، فالسوق الاستهلاكية الصينية تعاني من تراجع، تجسّد بانخفاض واردات البلاد بأكثر من 8 في المئة هذا العام.
ويقول فريدريك نيومان، كبير الاقتصاديين الآسيويين في بنك HSBC Holdings Plc، إن زيادة الاستهلاك في السوق الصينية بشكل هادف، سيتطلب إعادة هيكلة شاملة لنموذج النمو الصيني، وهي مهمة جسيمة اقتصادياً وسياسياً وأيديولوجياً، رغم أن هذا الأمر يوفر فرصة فريدة، للحفاظ على وظيفة النظام العالمي الليبرالي وتولي القيادة الاقتصادية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الاتحاد
منذ 42 دقائق
- الاتحاد
تحدي «فك الارتباط»
حُزم ملابس داخل مصنع في مدنية قوانغتشو الصينية تنتظر الشحن إلى الفلبين التي أصبحت من أكثر البلدان استقطاباً للشركات الصينية. ففي مدينة «هو تشي منه» الفيتنامية باتت العديد من الشركات الصينية تعمل بكامل طاقتها، حيث يقوم آلاف العمال بتعبئة مستحضرات التجميل والملابس والأحذية لصالح شركة «شي إن» الصينية للأزياء، وعند المدخل يجري مسؤولو التوظيف مقابلات مع مرشحين لشغل مئات الوظائف الأخرى. وفي مجمع صناعي آخر لشركة «علي بابا»، كانت الشاحنات تدخل وتخرج بوتيرة ثابتة. هذا النوع من الإنتاج الصناعي والاستثمار الممول وفّر فرص عمل واسعة في فيتنام، وجعل منها وجهةً مزدهرةً للشركات العالمية الباحثة عن بدائل للمصانع الصينية. لكن مع حرب الرسوم الجمركية الجديدة، والتي تعيد تشكيل سلاسل التوريد، بدأت الاستثمارات الصينية تتحول إلى عقبة على طريق الصادرات الفيتنامية إلى السوق الأميركية. وتعد فيتنام أحد أبرز المستفيدين من الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب خلال ولايته الرئاسية الأولى، حيث ارتفع فائضُها التجاري مع الولايات المتحدة من 38.3 مليار دولار عام 2017 إلى 123.5 مليار دولار عام 2024. وفي قرارها الأخير القاضي برفع الرسوم الجمركية على الواردات، استثنت الإدارة الأميركية فيتنام بينما فرضت رسوماً عالية على البضائع الصينية. لذلك تريد إدارة ترامب من فيتنام منع قيام الشركات بإعادة توجيه السلع الصينية من فيتنام تجنباً للرسوم الجمركية، أي مراقبة أنشطة «إعادة التصدير». وبهذا يكون التحدي بالنسبة لفيتنام هو إثبات أن السلع التي تصدّرها إلى الولايات المتحدة قد صُنعت فعلًا في فيتنام وليس في الصين. لكن هل تستطيع فيتنام فك ارتباطها التجاري الواسع بالصين؟! (الصورة من خدمة «نيويورك تايمز»)


الاتحاد
منذ ساعة واحدة
- الاتحاد
التعاون الخليجي- الأميركي..آفاق تنموية
التعاون الخليجي- الأميركي..آفاق تنموية مما لا شك فيه أن القمة الأخيرة التي جمعت دول الخليج العربية بالولايات المتحدة الأميركية، وانعقدت في الرياض، وما أعقبها من زيارات قام بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أسفرت عن اتفاقيات وتفاهمات تُحقق الكثيرَ من المكاسب والمصالح المشتركة لجميع الأطراف. لقد كانت قمة ناجحة بامتياز، بل تكاد تكون من أنجح القمم، وذلك بالنظر لما حققته من نتائج إيجابية جمة تخدم شعوب منطقة الخليج في المقام الأول، كما تخدم المركز الاقتصادي لدول المنطقة خلال السنوات والعقود القادمة، بل لفترة أجيال وحقب ممتدة قادمة. وقد شهدت قمة الرياض كلمةً مهمةً لأمير دولة الكويت تضمنت نقاطاً حيوية على صعيد تعزيز الشراكة والتطلع لإطلاق المبادرات المشتركة، من أجل الاستثمار في مجالات البنى التحتية الذكية ودعم الابتكار وريادة الأعمال وتعزيز التجارة الحرة العادلة وتحفيز المشاريع الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، وزيادة حجم الاستثمار المتبادل مع الولايات المتحدة الأميركية. ولا شك في أن الميزانيات المرصودة من قبل دول الخليج تصب في الطريق الذي يخدم اقتصاداتها بالدرجة الأولى، وهي تؤسس لمستقبل على درجة كبيرة من الأهمية في العديد من المجالات الاقتصادية والعسكرية والاجتماعية، وغيرها من المشاريع التي تتطلبها المرحلة المقبلة من عمر دول الخليج العربي ككل. إنها بحاجة لمثل هذه المشاريع، بغية الانطلاق نحو المستقبل القادم، لا سيما أنها مشاريع تؤسس لموقف اقتصادي صلب على طريق تطوير وتعزيز التنمية والاستفادة من خبرات الولايات المتحدة. ومما تضمنته تلك الاتفاقيات، على سبيل المثال لا الحصر، تطوير أسطول شركة الخطوط الجوية القطرية من الطائرات، من خلال صفقة تم توقيعها مع الولايات المتحدة، سيتم تنفيذها على مدى السنوات القادمة لتعزيز أداء الرحلات الجوية للشركة، وذلك وفق أحدث الطائرات المصنّعة أميركياً. بالإضافة إلى ذلك، فقد مثّل تحديث الصناعات العسكرية في المملكة العربية السعودية إنجازاً آخر في غاية الأهمية سيتحقق من وراء الاتفاقيات الموقعة خلال قمة الرياض. أما الاتفاقيات التي وقعتها دولة الإمارات العربية المتحدة مع الولايات المتحدة خلال زيارة ترامب، فتضمنت بناء أكبر قاعدة للذكاء الاصطناعي خارج حدود الولايات المتحدة نفسها، باستثمار يزيد على تريليون دولار وخلال مدة عشر سنوات. وهو أمر غير مسبوق على صعيد العالم بأكمله، ويمثل هذا المشروع أهمية حيوية كبرى بالنسبة لدولة الإمارات، لا سيما بالنظر إلى خططها التنموية المستقبلية. وبناءً عليه نقول بأن الاتفاقيات الموقعة خلال القمة الخليجية الأميركية وما تلاها من زيارات للرئيس الأميركي، سوف تسهم، وبشكل كبير للغاية، في تعزيز الموقف الاقتصادي لمنطقة الخليج العربي، وستعزز المشاريع التنموية فيها. كما نقول إن اتفاقيات من هذا النوع تحتاجها منطقة الخليج والعالم بشكل ملح.. فشكراً جزيلا لقادة الخليج على جهودهم، بغية توفير أفضل السبل لضمان التطور الاقتصادي لدولهم في المستقبل القادم. *كاتب كويتي


العين الإخبارية
منذ ساعة واحدة
- العين الإخبارية
هل تتحول مصانع آيفون إلى أمريكا؟.. التحديات أكبر من «البراغي»
تم تحديثه الأحد 2025/5/25 12:10 ص بتوقيت أبوظبي قال خبراء إن مسعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتصنيع هواتف آيفون التي تنتجها شركة أبل داخل الولايات المتحدة يواجه الكثير من التحديات القانونية والاقتصادية أقلها تثبيت «البراغي الصغيرة» بطرق آلية. كان ترامب هدد أمس الجمعة بفرض رسوم جمركية تبلغ 25% على أبل في حال بيعها هواتف آيفون مصنعة في الخارج داخل الولايات المتحدة وذلك في إطار سعي إدارته لدعم سوق العمل. وقال ترامب للصحفيين أمس الجمعة إن الرسوم الجمركية البالغة 25% ستطبق أيضاً على شركة سامسونج وغيرها من صانعي الهواتف الذكية. ويتوقع أن تدخل الرسوم حيز التنفيذ في نهاية يونيو/حزيران. وقال ترامب إنه "لن يكون من العدل" عدم تطبيق الرسوم على جميع الهواتف الذكية المستوردة. وأضاف قائلاً "كان لدي تفاهم مع (الرئيس التنفيذي لشركة أبل) تيم (كوك) بأنه لن يفعل ذلك. قال إنه سيذهب إلى الهند لبناء مصانع. قلت له لا بأس أن يذهب إلى الهند ولكنك لن تبيع هنا بدون رسوم جمركية". كان وزير التجارة الأمريكي هوارد لوتنيك قال لشبكة (CBS) الشهر الماضي إن عمل "الملايين والملايين من البشر الذين يثبتون البراغي الصغيرة جدا لصنع أجهزة آيفون" سيأتي إلى الولايات المتحدة وسيصبح آليا، مما سيوفر وظائف للعمال المهرة مثل الميكانيكيين والكهربائيين. لكنه قال لاحقاً لقناة (CNBC) إن كوك أخبره بأن القيام بذلك يتطلب تكنولوجيا غير متوفرة بعد. وأوضح قائلاً "لقد قال 'أحتاج إلى أذرع روبوتية وأن أقوم بذلك على نطاق ودقة يمكنني بهما جلبها (الصناعة) إلى هنا. وفي اليوم الذي أرى ذلك متاحا، ستأتي إلى هنا'". وقال محامون وأساتذة بقطاع التجارة إن أسرع طريقة لإدارة ترامب للضغط على شركة أبل من خلال الرسوم الجمركية هي استخدام نفس الآلية القانونية التي تفرض الرسوم على شريحة واسعة من الواردات. وقال دان إيفز المحلل في ويدبوش إن عملية نقل الإنتاج إلى الولايات المتحدة قد تستغرق ما يصل إلى 10 سنوات وقد تؤدي إلى أن يصل سعر جهاز آيفون الواحد إلى 3500 دولار. ويُباع أحدث إصدار من هواتف آيفون حاليا في حدود 1200 دولار. وأضاف إيفز "نعتقد أن مفهوم إنتاج أبل لأجهزة آيفون في الولايات المتحدة هو قصة خيالية غير ممكنة". وقال بريت هاوس، أستاذ الاقتصاد في جامعة كولومبيا، إن فرض رسوم جمركية على أجهزة آيفون سيزيد من تكاليف المستهلكين من خلال تعقيد سلسلة التوريد والتمويل الخاصة بشركة أبل. وأوضح قائلاً "لا شيء من هذا إيجابي بالنسبة للمستهلكين الأمريكيين". aXA6IDgyLjI0LjIyNi4yMjMg جزيرة ام اند امز PL