logo
دبلوماسية الردع عن بُعد

دبلوماسية الردع عن بُعد

سعورس٠٣-٠٣-٢٠٢٥

الرئيس ترمب يظن أنه لا يحتاج في تطبيق نهج مثل هذا على السياسة الخارجية لبلده، لا إلى القوة الصلبة، بكل إمكاناتها الردعية الهائلة، ولا أيضاً قوتها الناعمة متعددة الإمكانات اللينة. بعبارة أخرى: لا يريد الرئيس ترمب في إدارة السياسة الخارجية لبلده لا أن يستخدم لا العصا ولا الجزرة. هو لا يريد أن يبعث بجنوده إلى الخارج، حتى ولو تلويحاً بالعصا، لتحقيق أهداف السياسة الخارجية لبلده في الساحة الدولية، كما لا يرغب في إنفاق ولا حتى سنت واحد لدفع تكلفة تحقيق أهداف سياسته الخارجية، حتى ولو كان الأمر متعلقاً بفرض الهيمنة الكونية الحصرية لواشنطن ، على النظام الدولي.
يبدو أن الرئيس ترمب عنده مفهوم مختلف لحالة الهيمنة الكونية، التي حكمت من خلالها واشنطن النظام الدولي، عقب الحرب الكونية الثانية، وحتى بداية فترة ولايته الثانية، منذ العشرين من يناير الماضي. من أهم شروط الهيمنة الكونية لأي قوة عالمية تنافس على هذه المكانة الرفيعة (دفع تكلفة التزاماتها، بقدر ما هو الأمر في توقع جني عوائدها). لا هيمنة كونية لأي قوة عظمى دون دفع تكلفتها.. ولا توقع التمتع بعوائد امتيازاتها، دون الالتزام بالقيام بمسؤولياتها الأممية.
كل الدول العظمى، التي نافست على مكانة الهيمنة الكونية، في عصور الأنظمة الدولية الحديثة المتتالية، منذ نهاية القرن الخامس عشر، الذي شهد موجة الاكتشافات الجغرافية غرب الأطلسي، من الإسبان والبرتغاليين والفرنسيين، وحتى البريطانيين، وصولاً إلى نظام الأمم المتحدة الحالي، كان تبوؤ هذه المكانة الدولية الرفيعة والحفاظ عليها، يعتمد أكثر على «الكرم»، لا «البخل»، في دفع تكلفتها.
الولايات المتحدة ، رغم الدعوات الصاخبة للعودة للعزلة، بعد الحرب العالمية الثانية، وعت حقيقة خطأها الجسيم في عدم دفع تكلفة مكانة الهيمنة الكونية، التي وجدت نفسها فيها بعد الحرب العظمى (1914-1919)، الذي تَمَثل في عدم انضمامها لعصبة الأمم (1919-1939)، رغم أنها من وضع ميثاقها، في ما عرف بمبادئ ويلسون الأربعة عشر. وكانت أن نشبت الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، بعد عقدين فقط من عمر نظام عصبة الأمم ، غير المستقر.
خطأ لم ترد واشنطن أن تكرره، بعد انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية بقيادتها، عندما تكفلت بإعمار أوروبا.. وكتبت ميثاق نظام الأمم المتحدة الحديث، ووضعت أسس ومؤسسات نظامه الاقتصادي، بموجب اتفاقية برتون وود (يوليو 1944)، التي اتخذت من الدولار عملة التبادل التجاري الوحيدة المقبولة في العالم، بعد أن كان الجنيه الإسترليني، الذي كان يعتمد على نظام الذهب، وحكم اقتصاد العالم لمائة عام (1815-1914)، بل وحتى اندلاع الحرب العالمية الثانية، في ما عرف بالعهد البريطاني (Pax Brittanica).
نفس الخطأ (الاستراتيجي)، الذي وقعت فيه الولايات المتحدة ، بعد الحرب العظمى، يتكرر اليوم بعد ما يقرب من ثمانين سنة، من عهد نظام الأمم المتحدة الحالي. الولايات المتحدة ، تريد اليوم أن تتحلل من التزاماتها تجاه حلفائها التقليديين في أوروبا، بل وتطالبهم بتكلفة حمايتهم تحت المظلة النووية الأمريكية ، وبأثر رجعي، بما في ذلك المطالبة بتكاليف إعادة إعمار أوروبا، بعد الحرب، وبأثر رجعي أيضاً! بل حتى أنها تعمل على الانسحاب من عضوية الأمم المتحدة!
ليس هذا، فحسب؛ بل إن واشنطن تزمع التوسع شمالاً وشرقاً، على حساب حلفائها التقليديين، في أوروبا وجيرانها القاريين، في كندا والمكسيك وحِمَى حديقتها الخلفية، كما هو التهديد باستعادة قناة بنما... بل وتتطلع إلى ثروات حلفائها، في أوروبا، مثل ما هي عينها على ثروات أوكرانيا المعدنية، كثمن لوقف حرب روسيا عليها، دون أية التزامات أمنية لكييف.. بالإضافة: لدفع ثمن المساعدات العسكرية، التي قدمتها واشنطن لكييف، منذ نشوب الحرب، ولما لم تتضع الحرب أوزارها، بعد.
باختصار: واشنطن في ولاية الرئيس ترمب الحالية (الثانية)، تتبع سياسة خارجية تعتمد على عائدات استثماراتها الأمنية الممتدة، بحسابها (نقداً).. وإمكاناتها التكنولوجية المتقدمة، مع غناها الاقتصادي المتعدد، في فرض هيمنتها الكونية على العالم، بأدوات ردع تراها فعّالة، لا تعتمد بالضرورة على احتمال استخدام قوتها الصلبة ولا الناعمة، لفرض هيمنة كونية (منفردة) على العالم، دون تكلفة تذكر، لا دفاعية ولا اقتصادية، ولا حتى تكنولوجية. ردع يبدو لواشنطن فعّالاً، دون ما حاجة لأن تكون له مخالب وأنياب صلبة، ولا حتى قفازات مخملية ناعمة.
في عدم وجود قوة كونية حقيقية وفاعلة، على الساحة الدولية، تدخل مضمار المنافسة على مكانة الهيمنة الكونية الرفيعة، فإن الرئيس ترمب يبدو أنه سيواصل استراتيجية جديدة لمؤسسات النظام الدولي، كما هو منهجه في تغيير استراتيجية مؤسسات نظام بلاده الديمقراطي، وفي مقدمتها الدستور، بحجة تطهيرها من الفساد.
أخبار ذات صلة
الدوري أهلاوي
التسامح...

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

البيت الأبيض: ترمب ونتنياهو يبحثان إبرام اتفاق محتمل مع إيران
البيت الأبيض: ترمب ونتنياهو يبحثان إبرام اتفاق محتمل مع إيران

الشرق السعودية

timeمنذ ساعة واحدة

  • الشرق السعودية

البيت الأبيض: ترمب ونتنياهو يبحثان إبرام اتفاق محتمل مع إيران

قالت المتحدة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت، الخميس، إن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ناقشا في اتصال هاتفي "اتفاقاً محتملاً مع إيران". وأضافت ليفيت أن ترمب "يعتقد أن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح" بشأن الوصول إلى اتفاق محتمل مع إيران. وفي وقت سابق، قال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي إن ترمب ونتنياهو "اتفقا على ضرورة ضمان ألا تمتلك إيران سلاحاً نووياً". ويأتي الاتصال بين ترمب ونتنياهو، قبل يوم من استضافة العاصمة الإيطالية روما خامس جولة من المحادثات النووية بين الولايات المتحدة وإيران، بوساطة سلطة عمان. وأجرت الولايات المتحدة وإيران 4 جولات من التفاوض في كل من روما ومسقط، بهدف كبح البرنامج النووي الإيراني مقابل تخفيف العقوبات، ولكن لا تزال هناك العديد من العقبات التي تعترض طريق المحادثات، أبرزها مسألة تخصيب اليورانيوم. مسؤولون إسرائيليون في روما وأفادت مصادر "الشرق" بأن المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، ومدير تخطيط السياسات في الخارجية الأميركية مايكل أنطون سيشاركان في هذه المفاوضات. وأضافت المصادر لـ"الشرق"، أنه "من المتوقع أن تكون المناقشات في روما مباشرة وغير مباشرة، كما في الجولات السابقة". وقال مسؤولان إسرائيليان لموقع "أكسيوس" الأميركي، إن وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر ورئيس جهاز "الموساد" دافيد برنياع، سيلتقيان ويتكوف في روما على هامش المحادثات. وتهدف زيارة المسؤولان الإسرائيليان إلى "تنسيق المواقف" بين أميركا وإيران، والحصول على "إحاطة مباشرة فور انتهاء الجولة التفاوضية".

تقرير: ترمب أبلغ قادة أوروبيين أن بوتين غير مستعد لإنهاء الحرب في أوكرانيا
تقرير: ترمب أبلغ قادة أوروبيين أن بوتين غير مستعد لإنهاء الحرب في أوكرانيا

الشرق الأوسط

timeمنذ 2 ساعات

  • الشرق الأوسط

تقرير: ترمب أبلغ قادة أوروبيين أن بوتين غير مستعد لإنهاء الحرب في أوكرانيا

أفادت صحيفة «وول ستريت جورنال»، اليوم الخميس، نقلاً عن مسؤولين أوروبيين مطلعين، بأن الرئيس الأميركي دونالد ترمب أبلغ قادة أوروبيين في اتصال هذا الأسبوع أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين غير مستعد لإنهاء الحرب في أوكرانيا لأنه يعتقد أنه في طريقه للانتصار. ونقلت الصحيفة عن أحد المسؤولين الذين حضروا الاتصال بين ترمب والقادة الأوروبيين يوم الاثنين قوله إن ترمب بدأ بالقول «أعتقد أن بوتين لا يريد السلام». الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ب) وأشار الرئيس الأميركي خلال الاتصال إلى أنه قد يفرض عقوبات على موسكو إذا رفضت وقف إطلاق النار، وأنه سيرسل وزير الخارجية ماركو روبيو والمبعوث الخاص كيث كيلوج للمشاركة في المحادثات الروسية - الأوكرانية المزمعة في الفاتيكان، بحسب الصحيفة. لكن المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت فندت ما ذكرته «وول ستريت جورنال» على لسان ترمب بشأن عدم استعداد بوتين لوضع حد للحرب، وقالت إن «ترمب قال إنه يعتقد أن بوتين ينتصر في الحرب لكنه لم يقل قط إن بوتين ليس مستعداً لإنهاء الحرب». وأضافت المتحدثة أن ترمب قال عدة مرات في أثناء الاتصال مع القادة الأوروبيين إنه «يعتقد أن بوتين يريد السلام ويريد انتهاء الحرب».

الدولار يتعافى جزئياً بعد خسائر استمرت 3 أيام
الدولار يتعافى جزئياً بعد خسائر استمرت 3 أيام

الوئام

timeمنذ 2 ساعات

  • الوئام

الدولار يتعافى جزئياً بعد خسائر استمرت 3 أيام

ارتفع الدولار اليوم الخميس بعد خسائر لثلاثة أيام، إذ أقر مجلس النواب الأمريكي بهامش ضئيل مشروع قانون الرئيس دونالد ترامب لتخفيضات في الضرائب والإنفاق، حتى مع تعثر اليورو بعد أن رسمت البيانات صورة اقتصادية قاتمة لمنطقة اليورو. وبلغت عملة بتكوين المشفرة أعلى مستوياتها على الإطلاق، ويعود ذلك لأسباب منها بحث المستثمرين عن بدائل للأصول الأمريكية، لكن مشروع قانون ترمب الضريبي الشامل كان محور تركيز السوق، وقوبل إقراره بارتياح وحذر جزئيين. ومن المتوقع أن يزيد مشروع القانون الديون الأمريكية الضخمة، تشير تقديرات مكتب الميزانية في الكونجرس، وهو جهة غير حزبية، إلى أن مشروع القانون سيضيف على مدى العقد المقبل 3.8 تريليون دولار إلى الدين الأمريكي البالغ 36.2 تريليون دولار. وقالت هيلين جيفن مديرة التداول لدى شركة 'مونيكس يو.إس.إيه' في واشنطن 'ارتفع الدولار قليلاً اليوم، ولكن من الواضح أن السوق يسودها توتر شديد وأن جميع التحركات خلال الجلسات القليلة الماضية كانت حذرة للغاية'. وأضافت 'يمنح إقرار مجلس النواب مشروع قانون الضرائب والإنفاق الخاص بإدارة ترامب الدولار دفعة قوية بعض الشيء، لكن معظم التدفق الذي نشهده هو انعكاس للعمليات الكبيرة لبيع الدولار أكثر من أي شيء آخر'. وارتفع الدولار 0.1 بالمئة مقابل العملة اليابانية إلى 143.75 ين بعد أن انخفض في وقت سابق إلى 142.80 ين، وهو أضعف مستوياته السابع من منذ مايو، وانخفض اليورو 0.3 بالمئة إلى 1.1293 دولار، وذلك بعد ارتفاعه أمس الأربعاء للجلسة الثالثة على التوالي. أظهرت قراءة أولية لمؤشر مديري المشتريات المجمع الصادر عن إتش.سي.أو.بي اليوم انكماش نشاط الأعمال في منطقة اليورو على غير المتوقع هذا الشهر، وارتفع الجنيه الإسترليني 0.1 بالمئة إلى 1.3434 دولار، لكنه ظل قريبًا من أعلى مستوياته في ثلاث سنوات الذي بلغه أمس بعدما تسببت قراءة التضخم المرتفعة في الحد من توقعات خفض بنك إنجلترا أسعار الفائدة. وارتفع مؤشر الدولار، الذي يقيس أداء العملة الأمريكية مقابل ست عملات رئيسية، 0.2 بالمئة إلى 99.844، وهو أعلى بفارق طفيف من أدنى مستوى له في أسبوعين الذي سجله أمس عند 99.333، وارتفعت عملة بتكوين المشفرة إلى 111862.98 دولار، مسجلة ذروة تاريخية جديدة، بزيادة 3.3 بالمئة عن إغلاق أمس.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store