
رسائل ومقتطفات
* عندما نتحدث عن "الإخلاص" في العمل و"صدق النوايا"، فإننا نتحدث عن "البركة" التي يجنيها المرء إن أحسن صنعه في الحياة كلها، وإن أخلص نواياه في عمل الخير. فالبركة تحل على صاحبها إن استطاع أن يجعل كل حركاته وسكناته لله عز وجل وحده، يبتغي رضاه، ويسير في قوافل الخير كلما سنحت له الفرصة. كثيراً ما نغفل في أعمالنا عن "الاحتساب" و"الإحسان"، في حين يجعلها البعض في صدارة أولوياته، بل يكتبها ضمن رؤيته، فيحتسب كل عمل من أعمال حياته لله عز وجل وحده، ويُحسن في أدائه حتى يرتقي إلى منازل العبودية والقرب من الله سبحانه وتعالى. فالإحسان الذي تتشوق إليه هذه الفئة هو بلوغ المعنى السامي: "أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك". اللهم اجعلنا منهم، يا رب.
* المطلع على أعمال بعض الجمعيات الخيرية المتميزة في العمل الإنساني، ومنها على سبيل المثال لا الحصر "جمعية العون المباشر" بدولة الكويت الشقيقة، يلحظ روح التعاون بين العاملين، و"الإحسان" المتجسد في أعمالهم، مما أسهم في توسيع أنشطتهم في أفريقيا، لبركة وأثر مؤسسها الشيخ الدكتور عبدالرحمن السميط رحمه الله وتقبل منه ما قدم. فقد اعتبروا أن كل مدرس وعامل في مختلف الدول، يمثل رسالة الجمعية وسمعتها ورؤيتها. كما أن ثقة الناس في مشروعات هذه الجمعية مكّنتها من تنفيذ مبادرات تنموية تترك وراءها "أثراً مستداماً". من الجميل أن تكون لديك بيئة عمل مُحفزة على الخير في العمل الإنساني، والأجمل أن يجتمع كل العاملين على هدف مشترك يسعون لتحقيقه، فيترك كل فرد منهم أثراً في صاحبه، ويعينه على استكمال مسيرته في إنجاز المشروعات الخيرية.
* رسالتي للقلوب التي لم تستوعب بعد حجم أدوارها في الحياة، ولم تسعَ لتحقيق إنجازات ذات أثر، ولم تنجب أفكاراً خيرية تزيد من الأجور الخالدة: لا تستسلموا للكسل، ولا تركنوا للراحة، ولا تكونوا عبئاً على الآخرين في تحمل سقطاتكم وأخطائكم، بل سارعوا لنفض غبار العجز، وانهضوا لميدان الخير. أنتم وحدكم من يستطيع رسم مكانته، وحجز مقعده في مساحات الخير. رسالتي التي أوجهها لنفسي أولاً: الحياة تمضي سريعاً، والقطار لا ينتظر من لم يجهز نفسه للركوب قبل انطلاقه. احجزوا المقاعد الأمامية التي تتيح لكم الاستمتاع بالمناظر الخلابة، وكونوا الصورة المثلى التي تحلمون بها. صورة لا تهتز مع صخب الحياة، ولا تتبدل مع تقلبات الدهر، ولا تتأثر بسموم البشر وطبائعهم المزرية، بل تتلألأ ملامحها على جدران القلوب، فتجذب الآخرين إليها، وتظل محبة خالدة لا تتزعزع، وإن تباعدت الأجساد.
* عندما أتحدث إلى صديقي الجالس على "كرسي العطاء"، وأتأمل ملامح وجهه، وأسمع طيب كلامه، وألتقي به بعد انقطاع، وأحس بدفء احتضانه وحرارة سلامه، أتأمل حالي، وأشكر نعمة "الصحة والعافية"، وأندهش من صموده كالجبال في محطات العطاء. مازال طموحاً، يرنو ببصره إلى مستقبل مشرق، ويسعى للارتقاء بإنجازاته السابقة. يحب أن يعطي، ويجعل من قصته الملهمة نموذجاً في الخير والعطاء والنجاح والصبر والكفاح، ليتعلم منها الشباب، فلا يكونون في عداد الموتى وهم أحياء يُرزقون، ولا يعيشون في شتات من أمرهم، أو مجرد أسماء داخل جدران بيوتهم بلا أثر يُذكر. صديقي المقعد عرفته منذ فترة وجيزة، لكن "المحبة" التي جمعتنا جعلتنا وكأننا تعارفنا منذ سنوات. أخجل من أن أسميه "مُقعداً"، فهو أكبر من ذلك، إنه صفحة مضيئة من العطاء والمجد والإشراق في الحياة، ومدرّب في مدرسة القيم، وصانع سعادة في هذا الكون. خرج من تحت الركام ليقول للعالم: "الحياة جميلة"، نجملها بأيدينا، بقناعتنا، بحبنا للخير، بكفاحنا وصمودنا، وبصبرنا على الابتلاءات. القوة الحقيقية يبنيها المرء بقربه من الله، وهكذا سار صاحبي، وهكذا أدرك معنى الحياة، وهكذا أحبه الناس، وقدم العطاء لمن حوله. لم يقل يوماً إنه عاجز عن اللحاق بركب الناجحين، بل مضى بأسلوبه المتميز، وانتصر على عجز قدميه، واستثمر قصته ليجعلها فصلاً من فصول الأثر الجميل في حياة الآخرين. سر يا صاحبي كما عهدتك، بإرادتك وعزيمتك.
ومضة أمل
اللهم أسعدنا بالقرب منك، ولا تؤاخذنا بتقصيرنا، وتقبل منا إحساننا وعملنا، وحبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البلاد البحرينية
منذ 14 ساعات
- البلاد البحرينية
عبدالنبي الشعلة لنتفاءل وننظر إلى المساحات المشرقة الخميس 29 مايو 2025
يقول المثل الإنجليزي: 'ليس السعيد من لا يواجه المشاكل، بل السعيد من يتعلم أن يعيش فوقها'. ونحن في البحرين، أبناء هذا الوطن الطيب المعطاء، مثل كثير من الشعوب والأمم، وربما أكثر من بعضها، اعتدنا أن ننظر إلى النصف الفارغ من الكأس، وأن نتغافل أو نتنكر للمساحات المضيئة في حياتنا، وأن نُكثر من التذمر والشكوى. تجدنا ننتقد الأداء، ونتحدث عن البطء في الإنجاز، ونتهم بالتخبط في التخطيط وسوء التنفيذ، ونردد الشكوى من تردي الإدارة هنا وهناك. نعم، في كثير من الأحيان، نحن محقون، فالنقد البناء حق مشروع، والمطالبة بالإصلاح والتطوير واجب. ولكن في أحيان كثيرة، يغلب علينا الطبع، وتسيطر علينا الطبيعة المتشائمة، وربما يعوزنا الوعي بواقع الحال، والمقارنة المنصفة مع ما يجري في دول أخرى، حتى المتقدمة منها. في شهر رمضان الماضي، زارني صديق من دبي، واغتنمت الفرصة لدعوته لمرافقتي في جولة على عدد من المجالس الرمضانية التي تتميز بها البحرين. أعجب ضيفي بكرم الضيافة وحفاوة الاستقبال وروح المودة التي تسود هذه المجالس، لكنه لاحظ شيئًا آخر: كثرة الشكوى والتذمر! أغلب الحديث دار حول الازدحام المروري والاختناقات في الشوارع، مع اتهامات متكررة بسوء إدارة المرور وسوء تخطيط الشوارع. تناسينا – أو ربما تجاهلنا – أن هذه الظاهرة ليست حكرًا على البحرين، بل هي سمة تعاني منها معظم مدن العالم الكبرى، حتى تلك التي تُضرب بها الأمثال في التقدم والتطور، ووضعنا ليس أسوأ من غيرنا. نعم، الازدحام قد يرهقنا في بعض الأحيان والمناسبات وأوقات الذروة، لكنه أيضًا مؤشر على حيوية البلد، وعلى الحركة والنمو والتوسع الاقتصادي والعمراني. إن ما دفعني للكتابة اليوم، عن هذا الموضوع، هو زيارتي الأخيرة، ولأول مرة، لمركز محمد بن خليفة بن سلمان آل خليفة التخصصي للقلب، في منطقة العوالي. شعرت بالدهشة والفخر وأنا أرى هذا الصرح الطبي المتطور، بمساحاته الواسعة، وتصميمه الحديث، وتجهيزاته المتقدمة، وكادره الطبي المؤهل. مستشفى يضاهي أرقى المراكز الطبية عالميًا. والأمر لا يقتصر على هذا المركز وحده؛ لدينا مستشفى قوة دفاع البحرين، ومستشفى الملك حمد الجامعي في المحرق، الذي يقدم خدمات طبية متطورة، خاصة في مجال علاج الأورام، ولدينا المجمع الطبي المتكامل في منطقة السلمانية الذي افتتح أولى مراحله المغفور له الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة، طيب الله ثراه، في العام 1958م. ولدينا شبكة مستشفيات وعيادات حكومية وخاصة، تتوسع باستمرار بدعم مباشر من الدولة وتشجيعها، ومنها مستشفى الملك حمد - الإرسالية الأميركية الجديد بمنطقة عالي، الذي حظي بدعم مالي سخي من جلالة الملك المعظم، حفظه الله ورعاه، أضف إلى ذلك، سياسة الدولة في توفير العلاج والأدوية مجانًا للمواطنين، وبرسوم رمزية للمقيمين، بما في ذلك علاج الأمراض المستعصية والمزمنة. وفي مجال التعليم، تواصل الدولة التزامها بتقديم التعليم المجاني حتى نهاية المرحلة الثانوية، مع توفير حزم من المنح الدراسية الجامعية داخل البحرين وخارجها، ويتم على الدوام توسيع المدارس والمعاهد وتطويرها، وتشجيع القطاع الخاص على المساهمة في تقديم الخدمات التعليمية، فأصبحت الجامعات والمدارس الخاصة ورياض الأطفال منتشرة وتعمل تحت إشراف ومتابعة الجهات المختصة. نعم، لسنا في المدينة الفاضلة، لكن لا يمكن إنكار الجهود المبذولة في تطوير الخدمات التي تقدمها الدولة للمواطن والارتقاء بمستواها. وفي ملف الإسكان أيضًا، لا يمكن تجاهل المشاريع الكبرى التي تتوالى: مدن جديدة، مجمعات سكنية مكتملة الخدمات، ردم المناطق البحرية لتوفير مساحات إضافية، تقديم العلاوات والقروض الاسكانية الميسرة. وفي البنية التحتية، تستمر الدولة في إنشاء شبكات الطرق والجسور، وتوسيع محطات الكهرباء ومعامل التحلية لضمان استمرارية الخدمات دون انقطاع. ولم نشهد انقطاعًا كبيرًا في الكهرباء أو المياه خلال السنوات الأخيرة رغم تصاعد الطلب، وهو إنجاز مهم لا يلتفت إليه الكثيرون. ولدينا مطار حديث، جميل، منظم، يلقى إشادة الزوار، حتى صار يُعرف بـ 'جوهرة المطارات الخليجية'. إلى جانب واحد من أحدث الموانئ الخليجية، والمناطق الصناعية، ومشروع 'ألبا' الذي أصبح فخر صناعة الألومنيوم في العالم، والعديد من الشواهد والمشاريع التي تستحق ثناء وتقدير الجميع. وفي البحرين، ينعم المواطن بالأمن والأمان، أطفالنا يخرجون ويلهون ويذهبون إلى مدارسهم ويعودون إلينا سالمين، ومعدلات الجريمة منخفضة بشكل ملحوظ مقارنة بالكثير من دول العالم. ونعيش جميعًا باطمئنان تحت مظلة نظام سياسي مستقر، وحياة نيابية يافعة واعدة، وتتوفر لنا مرافق الترفيه والتسلية والأنشطة الرياضية ومجمعات التسوق الآخذة في الانتشار. ورغم كل هذه الإيجابيات، يسيطر علينا شعور دائم بعدم الرضا. لا أقول إننا بلا مشاكل، ولا أن الحياة وردية بالكامل. نعم، لدينا تحديات، وإمكانياتنا المالية محدودة ومتواضعة، وكغيرنا لسنا محصنين أو معصومين من الأخطاء والتقصير والتجاوزات، ونواجه أزمات ومشكلات، كأي مجتمع آخر. لكن هل من الحكمة أن نغرق في التشاؤم، وأن ننسى ما تحقق؟ هل نركز فقط على النواقص، ونغفل عن الإنجازات؟ المطلوب منا أن نحلم، أن ننتقد، أن نتطلع ونطالب بالأفضل، فهذا حق مشروع، ولكن بروح إيجابية، ونظرة متفائلة، وأمل في المستقبل. أن نحمد الله على ما لدينا، وأن نسعى لتطويره. وأن نتذكر قول الله سبحانه وتعالى: «لئن شكرتم لأزيدنكم». إن السلبية داء، والتذمر عادة، والتفاؤل شفاء، والأمل قوة. فلنتسلح بالأمل، ولنتفاءل، ولنشكر، ولنعمل، فبذلك نرتقي ونبني وطننا، وكما قالت هيلين كيلر فإن 'التفاؤل هو الإيمان الذي يؤدي إلى الإنجاز، ولا شيء يمكن أن يتم دون الأمل والثقة'، وهيلين كيلر، كما يعرف الجميع، هي أديبة ومحاضرة وناشطة أميركية، وتعد أحد رموز الإرادة الإنسانية، حيث إنها كانت فاقدة السمع والبصر، واستطاعت أن تتغلب على إعاقتها وتم تلقيبها بـ 'معجزة الإنسانية' لتمكنها من مقاومة إعاقتها، وقد نشرت هيلين ثمانية عشر كتابًا.


البلاد البحرينية
منذ 3 أيام
- البلاد البحرينية
الـ 'شات جي بي تي'!
'اللهم اجعل كلامنا خفيفًا عليهم'، هؤلاء الذين يستخدمون الـ 'شات جي بي تي' ويسمحون له بأن يستخدمهم، 'اللهم أنت الخالق الوهاب، الواحد الأحد، الذي علم الإنسان ما لم يعلم، وأنت المطلع العليم، والغفور الرحيم'، أن تجيرنا عندما يضل الإنسان طريق الصواب، وتفقد المخلوقات بوصلتها وهي في منتصف الطريق. 'علّم الإنسان ما لم يعلم'، و 'علّم آدم الأسماء كلها'، و 'ما أوتيتم من العِلم إلا قليلاً'، هكذا يعلمنا الله جل وعلا ألا نضل، وأن نصل بسلطان، وأن نسبر أغوار الكون بدليل وبرهان. القراءة علمتنا الكتابة ونحن علمناها لـ 'الشات جي بي تي'، الكارثة أن بعضنا يأخذ عنها، أي عن هذه التقنية المستنبطة من الذكاء الاصطناعي، وهي قضية فارقة محمودة، مُعِينَة لنا عندما يبحث بعضنا عن بعض، وحينما نفقد بوصلة التواصل مع بعضنا البعض، ولكن أن يأتي إلينا من ليس فينا ويدعي أن ذلك هو من كنا نبحث عنه – (يعني أن الطفلة التائهة في الغابة الموحشة يمكن أن يأتي إلينا بمثلها ويدعي أنها الطفلة المفقودة) – هو ما نخشاه من الذكاء الاصطناعي، بالأحرى من مستخدمي الذكاء الاصطناعي، من الذين قرروا أن يستريحوا على الأرائك ويطلبوا الـ 'شات جي بي تي' أن يكتب لهم مثلما يكتبون، أن يقوم بأعمالهم نيابة عنهم مثلما كانوا يفعلون، وأن ينتحل أقلامهم وأفعالهم وأساليبهم وكتاباتهم مثلما كانوا يكتبون. الكارثة أن نترك الحرية لهذه التقنية 'الرائعة' بأن تكون بديلاً عنا في التعبير عن فكرة، أو عند إلقاء كلمة في مؤتمر أو ندوة أو فعالية. الكارثة أن الشخص الذي قرر عدم الاعتماد على نفسه تمامًا، لو كان يسعى للإعلان عن حدث جديد، عن قرار لم يسبق له التواجد على الشبكة الجهنمية، عندها سيضطر إلى الاعتماد على نفسه، إلى العودة لسابق عهده في زمن الكتابة، وعندها فإن زمن الكتابة قد لا يعود إليه على قاعدة من تركني سأتركه، ومن لم يقم لي وزنًا لن أقيم له مقامًا، ومن تركني عندما كنت ملْكًا له، طبعًا في يده، قلمًا في محبرته، خادمًا في بلاطه، مطيعًا في محرابه. 'أنا لن أعود إليك مهما استرحمت دقات قلبي، أنت الذي بدأ الملامة والصدود وخان حبي'، على قاعدة شاعر قصة الأمس الكلثومية الراحل الكبير أحمد فتحي. هنا لابد أن نعيد حساباتنا، أن نستعين بالذكاء الاصطناعي أو بالتقنية المذهلة المسماة 'شات جي بي تي'، لا يهم، المهم ألا نستبدل أنفسنا بها، وألا نجعلها تضيعنا وتحل مكاننا، وتسرق منا طموحنا. إن أسلوب هذه التقنية معروف وبسيط وسهل اكتشافه، أي أن الذين يحاولون الضحك على ذقون القراء، ويضعون أسماءهم على مقالات أو بحوث أدبية، أو استطلاعات للرأي، وهي في الأساس من 'عمايل' الـ 'شات جي بي تي'، أقول لهم: لعبتكم باتت مكشوفة، فأسلوب هذه التقنية سردي مباشر، محصن بالمعلومات ومدجج بالأرقام، وفي كل مرة نستعين به لكي يقلد أحدا منا، فإنه يقع في المطب نفسه. صحيح أن علماء التقنية وجهابذة المستقبليات يؤكدون أنها مجرد مسألة وقت ويستطيع الـ 'شات جي بي تي' أن يكتب شعرًا ونثرًا ورواية ومقالا احترافيا، وصحيح أن هذه المقبلات التي يأتي بها هذا الذكاء إلينا قد تصيبنا بالإحباط، إلا أن الأكيد هو ما يمكن أن يدفعنا إلى التفكير العميق الذي يحظى به بعض المبدعين بتطوير إبداعاتهم الإنسانية، وإنتاجهم البشري، وأن تكون تقنية اكتشاف الـ 'شات جي بي تي' عاملاً مساعدًا في تسهيل الحصول على الإحصائيات والمعلومات الأرشيفية الضرورية الموجودة، والسؤال: إذا لم تكن هذه المعلومات موجودة أبدًا، فإن المصدر الوحيد القادر على امتلاك خاصية تخزين المعلومات هي ذاكرة الإنسان وحدها، هو الذي يجتر ذكرياته من صندوق ماضيه القريب والبعيد، وهو الذي يؤرخ لها، وهو الذي يستطيع توظيفها. رغم هذا أو ذاك، الصراع بين الإنسان والآلة، بين الرقم الافتراضي والعدد الفعلي، بين الأصلي والشبيه، سيظل موجودًا حتى لو اخترع الإنسان الآلي إنسانًا طبيعيًا وجاء به ذات يوم إلينا قائلاً: لقد خلقتك مثلما خلقتني، فجميعنا من خلق الله.


الوطن
منذ 4 أيام
- الوطن
بالمثال يتضح المقال
لو قيل لك أنك ستقيم عشر سنوات في بلد ثم تنتقل لبلد مجاور لتعيش فيه مائة سنة.. فماذا ستفعل؟! بالتأكيد ستوجه كل خططك وأفكارك وسعيك نحو البلد الآخر، ستعيش في الأول على الكفاف، وستستثمر للثاني، لأنه الأهم والأطول.. هكذا يقول المنطق! والأمر ذاته ينطبق على الحياة المؤقتة والحياة المؤبدة، فأيُ الخيارات يستحق الجهد؟! بالطبع ستختار الثاني! ولكن في حقيقة الأمر نحن نعيش مفارقةً عجيبة .. حالة من التناقض بين العقيدة والسلوك، نؤمن بأن لحظة توديع الدنيا تقترب ونراها تأخذ أعداداً ممن ساكنوننا ثم نغفل ونتناسى، ولا ينعكس ذلك الإيمان على سلوكنا، يشير القرآن إلى هذه المقارنة والمفارقة بين قرب الأجل مقابل استمرار الغفلة، يقول الله عز وجل «اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ». لماذا علينا إذاً أن نستحضر فكرة الموت؟ لماذا يجب أن تظل هذه الفكرة المرعبة مصاحبةً لنا في كل وقت؟ أليست فكرة محبطة؟! عندما ينتاب الإنسان ألم النفس يرى أنها نهاية الكون؛ تصبح مباهج الحياة في عينيه من الشنائع؛ حتى كأنه يستهجن راحة الآخرين! يجد أن عذاباته جديرة أن تخسف لها شمس أهل الأرض؛ كل شيء يبكيه ويعذبه، حتى نفوق حشرة داس عليها طفل دون إدراك كأنما داس على روحٍ بتفاهة روحه هو! وهكذا يبدو الأمر: كل شخص يرى نفسه بمنأى أن يموت، على الرغم من إيمانه التام بحتمية الموت! لا أحد يدري من أين تأتي الثقة لهذا الإنسان بأن الموت سيتخطاه لنواياه الطيبة بحياة طويلة من أجل تحقيق أحلامه المؤجلة!رسالة أخيرة سنكتب عن حياتنا اليومية التي تاهت فيها أنفسنا حين اختلط الليل بالنهار؛ عن واجباتنا التي خادعنا فيها أرواحنا حين تكتظ الأسواق والمساجد فارغة .. عن تدمير العادات والحياة الاجتماعية والأمن النفسي نحو الآخرين؛ عن تجنبنا الدائم لفكرة الموت، رغم يقيننا التام بأنّه الحقيقة المطلقة التي سنواجهها ذات يوم، والمصيبة الأعظم في حياة البشرية.عن العجز الذي ضرب الأقوياء قبل الضعفاء في فهم ماهية الموت وطريقه نحو العالم الآخر. سنكتب؛ للتذكير والتبليغ، بأن الحياة الأبدية هي الحياة التي تستحق كل هذا الجهد.