
"روحانيات رمضان"..غزوة "مؤتة" جنوب الأردن تطبيق عملى لوصايا الرسول فى الحروب
مع دخول منتصف شهر رمضان المبارك، مازالت الروحانيات الرمضانية تتجلي انبعاثًا من تاريخ إسلامي كبير علم الدنيا أساس الحياة، وشكلت فيه الغزوات مسارًا إنسانيًا يستنبط منه العبر والخطوات الصحيحة لبناء مجتمع قائم على الأخلاق والفضيلة والتسامح وقبول الآخر، وهو منهج رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم) في جميع المعارك التي خاضها المسلمون لنشر الإسلام وعلى رأسها غزوة "مؤتة" على أرض بلاد الشام، الأردن حاليًا.
محافظة الكرك جنوب الأردن وتحديدًا لواء مؤتة، مسرح العمليات لغزوة "مؤتة" وأشهرها في التاريخ الإسلامي التي غزاها المسلمون في عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ووقعت في شهر جمادى الأولى من العام الثامن للهجرة، الموافق لشهر أغسطس من العام ستمائة وتسعة وعشرين من الميلاد، بحسب المراجع الإسلامية المعتمدة من الجهات الرسمية الدينية في عالمنا الإسلامي.
في غزوة "مؤتة" أرسل الرسول الكريم، الحارث بن عمير الأزدي إلى عظيم بصرى، فاستوقفه شرحبيل الغساني، وقد كان شرحبيل هذا عاملًا على أرض البلقاء الواقعة في بلاد الشام- الأردن جغرافيًا حاليًا- من قبل القيصر، فربطه وقتله، وقد كان قتل السفراء في تلك الأزمنة من أشد أنواع الجرائم على الإطلاق.
مقتل الحارث بن عمير الأزدي يعد دلالة صريحة على إعلان الحرب، فبلغ هذا الخبر لرسولنا الكريم في المدينة المنورة؛ فغضب غضبًا شديدًا، وجهز جيشًا من ثلاثة آلاف مقاتل مسلم، وقد كان هذا الجيش أكبر جيش فى ذلك الوقت، فلم يجتمع مثل هذا الجيش إلا في معركة الخندق.
وتجهيزًا للحرب، وضع الرسول على رأس الجيش الصحابي الجليل زيد بن حارثة، فإن قتل فيكون الصحابي الجليل جعفر بن أبي طالب (جعفر الطيار)، فإن قتل فالصحابي الجليل عبدالله بن رواحة، وإن قتل عبدالله، اختار المسلمون قائدًا عليهم بحسب توصيات رسولنا الكريم، فيما عقد لهم اللواء الأبيض، فحمله القائد الصحابي الجليل زيد بن حارثة، رضي الله عنه.
الأخلاق الفاضلة
ومع تجهيز الجيش لمعركة "مؤتة"، أوصى الرسول، أن يتحلى قادة الجيش وأفراده بالأخلاق الفاضلة فأمرهم ألا يغلوا في الدين، وألا يغدروا، وألا يقطعوا شجرة، وألا يقتلوا وليدًا أو امرأة أو شيخًا كبيرًا، وأمرهم بعدم هدم الأبنية، وإعلاء كلمة الحق والدين، والقتال بشجاعة وبسالة في أرض المعركة، واليقين بنصر الله.
ومع وصول جيش المسلمين إلى مدينة "مؤتة" وهى تقع حاليًا في لواء "مؤتة" بمحافظة الكرك جنوب الأردن، وصل جيش الروم والغساسنة بعدد يصل إلى مائتي ألف مقاتل تقريبًا، وبدأت المعركة التاريخية، وكان وقعها شديدًا جدًا، وأحداثها ضخمة، وبسبب الفرق العددي الكبير لصالح جيش الروم، كان القتال شديدًا على المسلمين، ولكن الروم تفاجأوا من الروح المعنوية المرتفعة لدى المسلمين إلى درجة أنهم هم من بدأ بالقتال وليس الروم.
ووصل إجمالي الشهداء من المسلمين ثلاثة عشر مقاتلًا مسلمًا فقط، أبرزهم القادة وهم الصحابة الأجلاء زيد بن حارثة وجعفر الطيار وعبدالله بن رواحة، وهو ما يؤكد أيضًا المقامات التي توجد حاليًا في أرض المعركة بمنطقة المزار الجنوبي بمدينة مؤتة بالكرك، أما عدد قتلى الروم فلم يذكر أهل السير عددًا معينًا، وإنما كانت خسائرهم وعدد قتلاهم كبيرًا، وهذا يُظهر حجم الخسائر التي ألحقها جيش المسلمين بالروم.عشيرة الطراونة ومؤتة.
قال الدكتور محمد حسن الطراونة، من أبناء عشيرة الطراونة أكبر العشائر الأردنية وسكان قرية الخالدية الأشرفية لواء "مؤتة" بمحافظة الكرك، لمدير مكتب وكالة أنباء الشرق الأوسط بعمان خلال زيارته لموقع معركة مؤتة التاريخية، إن الأجداد من عشيرة الطراونة كانوا يقدسون هذا الموقع ويحكون لأطفالهم وشبابهم عن عظمة وقدسية هذه الغزوة الأشرف والأكرم في تاريخنا الإسلامي.
وأضاف الطراونة، أن كل سكان لواء "مؤتة" يعرفون مدى القدسية التي تنعم بها هذه المنطقة من المدنية والمحافظة والأردن بشكل عام وجميع بقاع الأرض، مشيرًا إلى أن الأجداد كانوا يقومون بزيارة موقع المعركة باستمرار ويحثون أبناء المنطقة على زيارتها أيضًا.
وكشف أن الأجيال المتعاقبة وخصوصًا من عشيرة الطراونة وغيرها من عشائر الجنوب حريصة على استمرار نهج الأجداد بزيارة الموقع والتعرف على تفاصيله التاريخية التي تحكي عن أشهر غزوات المسلمين في نضالهم لنشر الإسلام ومحاربة الكفر والضلال، مشيرًا إلى أن الموقع يعد إرثًا تاريخيًا وإسلاميًا ما زال يحافظ على تفاصيله.
ونوه الطراونة إلى أن الهاشميين ومنذ فجر التاريخ وحتى اليوم وفي حضرة الملك عبدالله الثاني يعملون على تطوير المنطقة وجعلها مزارًا سياحيًا ودينيًا وتاريخيًا للمسلمين وغيرهم، مؤكدًا أن موقع معركة مؤتة يحثنا على مواصلة العمل وتحقيق النصر قدوة برسولنا الكريم، داعيًا جميع سكان الأرض إلى زيارة الموقع رمز الإنسانية والتضحية.
معجزات الإسلام
وقد أظهرت غزوة "مؤتة" معجزة رسولنا الكريم، فرغم أن النبي لم يشارك فيها، إلا أنه نعى للمسلمين القادة الثلاثة، وأخبر باستشهادهم، وهم ما زالوا في أرض المعركة، وبينهم مسافات شاسعة، فحدث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أصحابه بالمدينة عن أحداث المعركة وكأنه يشاهد سير القتال، ولم يخطئ في شيء منها، وهذا يدل على أن الله زوى له الأرض، فأصبح يرى ما يحدث لأصحابه وهم يقاتلون على مشارف الشام، وهذه من جملة معجزاته وآياته الدالة على أنه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ويتلقى الوحي من الله عز وجل.
كما أعطت معركة "مؤتة" درسًا هامًا، ما أحوج أمتنا إليه اليوم، في أثر الإيمان بالله على سير المعارك ونتائجها، فما يثير الدهشة في هذه المعركة، ذلك الفرق الكبير بين عدد المسلمين وعدد أعدائهم، فقد بلغ عدد الروم ومن معهم ما يقرب من مائتي ألف مقاتل، كما روى ذلك ابن إسحاق وابن سعد وعامة كتاب السيرة، فى حين لم يتجاوز عدد المسلمين ثلاثة آلاف، وهى نسبة تجعل الجيش الإسلامي أشبه بنواة صغيرة في أرض كبيرة سوداء، وما يزيد من الدهشة، أن يصمد المسلمون وهم سرية ليس فيها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، أمام هذا اليم المتلاطم، فيقتل أميرهم الأول ثم الثاني ثم الثالث، وهم يقتحمون أبواب الشهادة في نشوة بالغة وإقبال عجيب.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

يمرس
منذ ساعة واحدة
- يمرس
ملتقى مشائخ ووجهاء اليمن يعزّي بوفاة الشيخ ناجي بن جعمان
وأشاد الملتقى بمناقب الفقيد، مؤكدًا أنه كان من الشخصيات البارزة التي عُرفت بالحكمة وسداد الرأي، وترك بصمات مشهودة في ميادين الإصلاح وحل النزاعات، والعمل من أجل وحدة الصف وتماسك النسيج الاجتماعي. وعبّر الملتقى عن خالص تعازيه ومواساته لأبناء الفقيد وآل جعمان كافة، سائلًا الله أن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته، وأن يُلهم أهله وذويه الصبر والسلوان.


نافذة على العالم
منذ 2 ساعات
- نافذة على العالم
نافذة - قراءة لزيارة ترامب.. "العجمي": السعودية في قلب التوازن العالمي
الجمعة 23 مايو 2025 11:30 مساءً قال الدكتور فهيد بن سالم العجمي، عضو هيئة الصحفيين السعوديين أستاذ الإعلام الرقمي، إن زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي شملت المملكة العربية السعودية ودولة قطر ودولة الإمارات، لم تكن مجرد تحرُّك دبلوماسي، بل محطة فاصلة في مسار التحولات العالمية. وأشار إلى أنه من الخطأ تحليلها من زاوية العلاقات الثنائية، أو من منظور إقليمي ضيق؛ فالحقيقة أنها تُمثل نقطة ارتكاز في إعادة تشكيل النظام الدولي ومفهوم القيادة العالمية. وقال: "في هذا السياق برز سمو ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله-، كقائد استثنائي يتعامل مع المتغيرات الدولية بمنطق الدولة الراشدة، ورؤية العالم متعدد الأقطاب. ولم تكن مواقف سموه ردود أفعال وقتية، بل رسائل استراتيجية مدروسة، تستند إلى ثوابت السعودية في احترام السيادة، وتحقيق المصالح الوطنية دون أن تكون على حساب أحد". وأضاف: "لقد أكدت السعودية من خلال هذه المرحلة، بقيادة سمو ولي العهد، أنها باتت مقرًّا للأمن والاستقرار العالمي، لا مجرد طرف إقليمي. رسالة الرياض كانت واضحة: نحن لسنا ساحة صراع، بل مركز قرار، ولسنا طامحين في التوسع، بل عاملين على جمع الشمل العربي والإسلامي، وتقديم حلول سياسية وإنسانية وتنموية، تحفظ الكرامة، وتُعلي السيادة". وأشار إلى أن من أبرز ما حملته هذه المرحلة أن سمو ولي العهد نجح في وضع حد لمحاولات التأثير الخارجي على القرار الإقليمي، وخصوصًا الضغوط الإسرائيلية التي كانت تمارَس عبر واشنطن بشأن ملفات المنطقة.. مضيفًا: "السعودية، بقيادة سموه، أثبتت أنها صاحبة قرار مستقل، تُعبر عن مصالحها بثبات، دون أن تُفرض عليها إملاءات، أو تُستدرج إلى مواقف لا تمثل قناعاتها أو ثوابتها". وتابع: "الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- ليس مجرد قائد وطني، بل قائد لقطار السلام في المنطقة والعالم. رؤيته تتجاوز الجغرافيا؛ لتبني واقعًا عربيًّا جديدًا، عادلاً، ومستقلاً، محترمًا عالميًّا. وفي هذا المشهد تتجلى القيادة السعودية كصوت عاقل وحازم، يوازن بين الانفتاح والثوابت، ويعيد رسم مكانة العرب ضمن خريطة التأثير العالمي".


الدستور
منذ 2 ساعات
- الدستور
عاجل.. باستخدام الديناميت.. الجماعات المتطرفة بليبيا تفجر ضريح سيدى بوكر
أعلنت الطرق الصوفية بدولة ليبيا، الجمعة، استنكارها الشديد لتفجير ضريحين فى منطقة تاجورا الليبية، كانو يزورهم المواطنين هناك، وهم ضريح الشيخ سيدى بوكر وضريح سيدى القمودى، حيث تم تفجير الضريحين فى الليل حتى لايراهم أحد من أتباع الطرق الصوفية. وقالت الطرق الصوفية بليبيا، إن الجماعات الجهادية السلفية المتطرفة هى من قامت بتفجير الضريحين، اعتقادًا منهم أن الناس يعبدون هذه الأضرحة من دون الله، حيث تم تفجير الضريحين وقت ظلام الليل الدامس، وذلك بإستخدام الديناميت، حيث أستيقظ المواطنين على أصوات تفجيرات فوجدوا أنه تم تفجير ضريح سيدى بوكر بعد تفجير ضريح سيدى القمودى أحد آولياء الله الصالحين. وكشفت الطرق الصوفية بليبيا على لسان الشيخ محمد الشاذلى تخوفها من قيام الجماعات المتطرفة بتفجير أضرحة أخرى مستغلة الوضع الأمنى المتردى فى الشارع الليبيى حاليا، مطالبًا الأجهزة الأمنية الليبية بحماية المقامات والأضرحة التى يزورها الناس منذ قديم الأذل لأنها تحوى عدد كبير من الآولياء والصالحين وشيوخ التصوف. فى سياق متصل، قال الشيخ علاء أبوالعزائم رئيس الاتحاد العالمى للصوفية: 'إننا حذرنا مرارًا وتكرارًا من خطر الجماعات السلفية المتطرفة والإخوان المسلمون سواء فى مصرأو ليبيا وقولنا يجب علينا أخذ الحيطة والحذر من هؤلاء المتشددين الذين يسعون لنشر أفكارهم المتطرفة بين الناس، فهم يعتقدون أن الناس تعبد الأضرحة من دون الله وهذا لايحدث بالطبع ولكن شيوخهم وأساتذتهم قالوا لهم ذلك، وهذا أمر فى غاية الخطورة ويجب على علماء الدين التصدى لأفكار هؤلاء". وأضاف "أبوالعزائم " فى تصريحات لـ"الدستور": 'الوضع فى ليبيا صعب جدًا، حيث أنه بعد سقوط الرئيس الليبى معمر القذافى نجحت السلفية الجهادية والتيارات المتطرفة من السيطرة على مناطق هناك وأول شىء قاموا به هو منع المواطنين من زيارة الأضرحة والمقامات ثم قاموا بعد ذلك بتفجير معظم الأضرحة مستغلين ضعف الدولة وغياب القانون والأمن'.