رعاية المسنِّين مسؤولية جماعية
كذلك من الأسباب المؤدِّية إلى كره الأبناء لوالديهم الإهمال العاطفي وانشغال الآباء كثيرًا عن أبنائهم لسببٍ أو لآخر، خاصةً عندما يُعطي الوقت الكثير لمهنته ويكون بمثابة الحاضر الغائب، ممّا يؤثّر على مشاعرهم الداخلية وعدم الرضا عن ذلك.
وهناك من الآباء من يتخلَّون عن مسؤوليتهم تجاه أبنائهم سواء بالمصروف أو التعليم أو غيره، وهناك من يرحل عنهم لسببٍ ما. كذلك هناك آباء يسخرون دوماً من بعض أبنائهم لأتفه الأسباب، ممّا يخلق لديهم شعورًا ذاتيًّا سلبيًّا تجاه الأب، خاصةً عندما يُهين الأب زوجته أمام أبنائه.
كذلك عندما يكون الأب من مدمني المشروب والكحول والمخدرات ولعب القمار، ممّا ينعكس سلبًا على نفسية أطفاله، وكذلك غياب العدل بين الأبناء ممّا يخلق شعورًا سلبيًّا. كل ذلك ينعكس على شخصية الأبناء ومستقبلهم، وسلبًا على تطوّر شخصيتهم، فبدل أن يكتسب الأبناء المثل الأعلى من الأب، ينعكس ذلك سلبًا.
وعندما يكبر الآباء مع مرور السنين ويصبحون من المسنِّين ويحتاجون إلى الرعاية الصحية والاجتماعية، نجد أن تلك الممارسات السلبية للآباء قد خلقت شعورًا سلبيًّا عند الأبناء للتخلّص من آبائهم وإرسالهم إلى دور المسنِّين للرعاية، بسبب عدم تفرّغهم لرعايتهم بالقدر الكافي.
وهنا يأتي دور رعاية المسنِّين، حيث يمكنهم قضاء بقية حياتهم في بيئة محمية وآمنة بعد فقدان قدراتهم البدنية والذهنية، ممّا يستوجب على الجميع دعم هذه الدور الخاصة بالمسنِّين، حيث إن الخدمة الاجتماعية التي تُقدَّم لهم هي مهنة إنسانية متخصّصة لإسعادهم وتحقيق رفاهيتهم، وتوفير العلاج اللازم لهم لإشباع رغباتهم التي فقدوها بمنزلهم، واحترامهم وتقديرهم. فدور المسنِّين تحوي الكثير من كل فئات المجتمع، ومنهم من ذوي الاحتياجات الخاصة. جميعهم قد فقدوا العمل وفقدوا من يرعاهم صحيًا واجتماعيًا، وأصبحوا بحاجة إلى مجتمع خاصٍّ بهم، مدركٍ لآلية التعامل معهم على أسس سليمة، ويوفِّر لهم كل الإمكانيات للرفاه الاجتماعي، والأخصائيين لرعايتهم من كافة الجوانب.
فهناك برامج صحية ونفسية وثقافية واجتماعية، وممارسة الأنشطة المختلفة، وتحويل شعورهم بالوحدة إلى جوٍّ من الحياة الأسرية الطبيعية، لينالوا حياة كريمة. ومنهم من قدّم الكثير لوطنه ومجتمعه، فعلينا أن نهتم بهم، والاعتراف بجميلهم، ونردّ لهم حياة بسيطة هادئة محترمة، ونعتبرهم جزءًا أساسيًا من المجتمع، لا أن نجعلهم مهمَّشين ومنعزلين، فلهم علينا حقوق وواجبات.
ولقد حثَّ الإسلام على الاهتمام بكبار السن ورعايتهم وتحقيق مبدأ التكافل الاجتماعي الذي يدعو إليه الله سبحانه وتعالى في قوله (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا).
فدور رعاية المسنِّين لديهم أخصائيون يفهمون احتياجاتهم ومشاعرهم واتجاهاتهم، ويعمل الأخصائي على تفهُّم شخصية المسن وتقدير المواقف التي يحتاج إليها للتدخُّل وفق استراتيجية عملية، حيث يحدِّد المشكلة ويرسم خطة الحل، وحمايته من الأمراض.
فتعاليم الدين الإسلامي الحنيف تحض على ذلك، والقيم الأخلاقية التي تنادي بها يجب أن تُترجَم إلى دعمٍ لدور المسنِّين ماديٍّ أو عينيٍّ، حيث تحتاج دور الرعاية للمسنين إلى كثير من المتطلبات الصحية والغذائية، وأطباء وخبراء نفس وغيرهم، كذلك مستلزمات عديدة للإيواء والأجهزة والمعدات وغيرها.
وعلى المواطن أن يقدِّم ما يستطيع تقديمه من دعمٍ لهذه الدور، كما هو واجب على المنظمات والجمعيات المتخصّصة لذلك، بالإضافة إلى دور الدولة الكبير في ذلك.
وتبقى رعاية المسنِّين أحد التحديات الكبرى التي تواجه المجتمعات، ويجب التكافل بين القطاع العام والخاص لخدمتهم.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

السوسنة
منذ 6 ساعات
- السوسنة
طب اليرموك تفجع بوفاة الطالب أزهر الزعبي
السوسنة فُجِعَت كلية الطب في جامعة اليرموك بوفاة الطالب أزهر الزعبي، الذي انتقل إلى رحمة الله مساء الأحد. وينعى القائم بأعمال رئيس الجامعة الأستاذ الدكتور موسى ربابعة، وأعضاء الهيئتين التدريسية والإدارية والطلبة، بمزيد من الحزن والأسى، الطالب الزعبي، سائلين المولى عز وجل أن يتغمده بالرحمة والمغفرة، وأن يلهم ذويه الصبر والسلوان وحُسن العزاء. وأشاد زملاؤه بدماثة خلقه ومناقبه الطيبة، سائلين الله أن يتغمده بواسع رحمته ومغفرته. إنا لله وإنا إليه راجعون


أخبارنا
منذ 6 ساعات
- أخبارنا
م. هاشم نايل المجالي : النسيان والتذكر
أخبارنا : النِّسيان هو فقدان القدرة على التذكر، أو عدم القدرة على استرجاع المعلومات عند الحاجة إليها، ولقد أنعم الله سبحانه وتعالى على كل إنسان بذاكرة قوية وقدرة عظيمة على حفظ المعلومات، ومنحه العقل الذي يحفظ الأسرار، والذي له سعة محدودة لحفظ تلك المعلومات. ومع مرِّ السنين، يمحو أولًا بأول، أي بمحو معلومة لإضافة معلومة جديدة بدلًا منها، في تعاقب مستمر. ويُعتبر النسيان ظاهرة عالمية نتجت من كثرة الضغوط التي يواجهها الإنسان، وهي من سمات العصر الحالي، وهو نعمة من نعم الله، حيث أنعم الله على الإنسان بالنسيان للحفاظ على صحة العقل البشري. ولو كان الإنسان غير قادر على النسيان، لَأُصيب بالجنون، فمن منّا لا يمر بالعديد من المواقف المؤلمة وكثير من الأزمات، ولولا النسيان لفضّل الإنسان الموت على العيش وسط تلك الأزمات المؤلمة. والنسيان ضرورة من ضرورات الحياة، ومهمٌّ للصحة النفسية، وهو رحمة من الله تعالى، وعلاج لكثير من الأمراض النفسية، وهناك نسيانٌ مَرضي على صاحبه مراجعة الأطباء لتفادي تدهور حالته، ويكون ذلك نتيجة تعرضه لضغوطات الحياة الكثيرة وعدم القدرة على مقاومتها، ووجود الأفكار السلبية وعدم التركيز. ومن أهم أسباب النسيان في عصرنا الحالي وقلة التركيز، هي التقنيات الحديثة التي أصبحت اليوم جزءًا أساسيًا في حياتنا، حيث يتم إرهاق الدماغ عندما يتم التركيز والتواصل عبر تلك الرسائل الإلكترونية والهواتف الذكية، وكثير من الناس يتساءل: هل تحتاج إلى النسيان؟ وكيف بإمكانه المقارنة بين النسيان والتذكر عبر السنين؟ فماذا لو وثَّقنا كل لحظة بصورة أو بفيديو أو غيرها؟ ماذا لو كانت ذاكرتنا تخزن كل ذلك ولا تمسح أي شيء من تلك المعلومات، مثل لحظات السعادة وأوقات الفرح والهناء، أو تذكر مواد التوجيهي والدراسة؟ كل ذلك عظيم، وعلى جانب آخر نتذكر لحظات الحزن والألم، هنا يقف النسيان متباهيًا بنفسه بكونه الطبيب الأول. والإنسان ينسى أنه ضعيف ليشعر بالقوة فينجز، وينسى فشله ويكرر المحاولة ليحقق النجاح، وينسى حزنه فيصبح قادرًا على التعافي، وتتعالى عليه أحيانًا مآسي الحياة ليتمكن من الاستمرار. فالإنسان ينسى ليتعافى ويتجدد، وحتى لا نظل أسرى لماضٍ بكل تفاصيله. فرغم أن أذهاننا مرهقة لما تعيشه البشرية من تداعيات أليمة وأزمات مختلفة ترهق كاهل الإنسان، فعلى الإنسان مقاومة كل ذلك ليمتلك الشجاعة ليستمر في مسيرة الحياة.

عمون
منذ 8 ساعات
- عمون
طالب الطب أزهر المراشدة الزعبي في ذمة الله إثر نوبة قلبية
عمون - انتقل إلى رحمة الله تعالى طالب كلية الطب في جامعة اليرموك الشاب ( أزهر محمد نهار المراشدة الزعبي ) إثر نوبة قلبية حادة . وسيشيع جثمانه بعد صلاة ظهر غد الإثنين = من مسجد الشيخ إرشيد الزعبي إلى مقبرة المراشدة في السبط. = ويقبل العزاء في ديوان العشيرة الجنوبي. تغمد الله الفقيد واسع الرحمة و أسكنه فسيح جناته مع الشهداء والصالحين والأنبياء و ألهم أهله وذويه الصبر والسلوان. إنا لله و إنا اليه راجعون.