من أرشيف الذاكرة .. التجربة الحزبية والطمع في المناصب والمكاسب
مجرد رأي ؛ لهذا السبب فشلت التجربة الحزبية في الأردن
حدث قبل اربعةٌ وخمسون عاماً..
"تغيير ومواقف ومصالح حسب ما تقتضيه الحاجة والهدف المناصب فقط".
*حدث في سبعينيات القرن الماضي والشاهد طفل بالتاسعة من العمر ..
"بالطبع بعد مرور اكثر من خمسون عامًا على أي حدث من الممكن نشره أو الكشف عنه ؛ ولكن بدون ذكر اسماء وشخصيات للمحافظة على العلاقات والروابط الأخوية بين ابناء الاسرة الواحدة "
ما زلت أذكر شخصياً الفترة التي سيطرت بها التنظيمات الفلسطينية على مدينة مادبا سنة 1970; عندما كنت في التاسعة من العمر ؛ وقد منعت التنظيمات الفلسطينية حركة العسكريين من الجيش العربي وطُلب منهم البقاء في منازلهم؛ وكان ومنهم والدي والذي كان برتبة ملازم في الثقافة العسكرية بذلك الوقت .
وأذكر تماما زيارات متوالية الى منزل والدي من عدد من رجالات مادبا، يعرضون عليه الاستسلام للتنظيمات والتخلي عن البدلة العسكرية بالانضمام لصفوف المقاومة حسب تعبيرهم، مقابل بعض العروض وكان ذلك على مسامعي ( لا يمكن ان أنسى تلك الايام ) ولن أنسى الذين قدموا تلك العروض، وهم الان في "دار الحق" وأن ما قالوا لوالدي بأن الجيش العربي وبالذات اللواء المدرع الاربعين قد هُزم بعد اشتباكات مع الجيش السوري وعلى الحدود الشمالية .
وأذكر أن والدي لم يقتنع أبدا وقال لي بالحرف الواحد:" لا يمكن هزيمة هذا اللواء المدرع"، وقال والدي هذا الكلام كله كذب وافتراء .
بالطبع والدي كان وقتها برتبة ملازم ثانٍ بالجيش العربي ومدرس لغة انجليزية في الثقافة العسكرية؛ وكان إيمانه وإخلاصه للجيش العربي مطلق "كان وما زال ولم تتغير المواقف ابداً".
وبالطبع في تلك الفترة وبما أنه كان ضابط بالجيش ، كان محظور عليه الخروج الى الشارع حسب أوامر التنظيمات المسلحة والاحزاب اليسارية الداعمة للحركة الفدائية بذلك الوقت، وكنا نعتمد على أحد الشباب من الأقرباء لإحضار حاجاتنا المنزلية من الطعام وغيرها .
وأذكر بعد فترة من الحجز داخل المنزل، شعر والدي بالضجر، وقال لي:" تعال معي لننزل سوية الى دكان تحت المنزل والتي تبعد فقط بضعة أمتار لنشتري بعض الحاجيات ونعود فوراً".
وبالفعل رافقت والدي وما أن دخلنا الشارع الرئيسي واذا برجلين من أبناء مادبا المناضلين !!!!!, كانا واقفين بالشارع وهم الان بالطبع "بدار الحق"، فقد أوقفا والدي على الفور وقالوا له بالحرف الواحد وبعصبية: أبو امجد نزولك للشارع "تحدي للثورة" إرجع على البيت أحسن لك .
طبعا انا طفل بالتاسعة ؛ أثار استهجاني هذا التصرف والأوامر التي وجهت لوالدي وخاصة لمعرفتي بهولاء جيداً ، وطبعا كطفل بالتاسعة كنت أعتبر مثل هذا التصرف من قبلهم خيانة عظمى للوطن والجيش وهم في نظري يستحقون السجن والاعتقال اذا ما عادت سيطرة الجيش على المدينة .
ومع هذا لم يجادلهم والدي وعدنا أدراجنا للبيت ولم نكمل المشوار .
لا يمكن نسيان هذا الحدث وشخصياته الثورية !!!! والتي كانت فعلا تتصرف بسلوك مقنع ؛ ولغاية الان ولم استطيع نسيان اللهجة الثورية والثقة التي تحدثا بها وكأن الاردن فعلاً قد سقط .
وبعد اسابيع محدودة من سيطرة التنظيمات الفلسطينية على مادبا ، أعادت قواتنا المسلحة السيطرة على مادبا ولم يتم اعتقال هولاء المناضلين ابداً ، وعاد والدي للعمل كمدرس بالثقافة العسكرية؛ ومرت عدة سنوات عشناها بصعوبات مادية لا يعلمها إلا الله، ولكن ما أثار دهشتي بعد تلك الفترة ( أي بعد سيطرة الجيش على مدينة مادبا ) ان الذين طلبوا من والدي العودة للبيت ( الثوار !!!!) ومدعي التأييد للثورة بذلك الوقت، استلامهم مناصب رفيعة وحساسة في الحكومة الاردنية، وتزامنت بتقدم واضح بالوظيفة والدرجات الحكومية وتحسن واضح بالأوضاع المادية وأذكر الحفلات وخاصة الغناء والعود والطرب التي كانت تقام بمنازلهم .
وأذكر جيدا ان أوضاعنا المادية أخذت بالتدهور مما أضطر والدي بإحالة نفسه على التقاعد والذهاب للعمل بسلطنة عُمان لاكثر من عشرين سنة بعد ذلك .
واذكر جيداً زيارة احد الاقرباء الى منزل والدي بعد عدة سنوات من الاحداث اعلاه ؛ وقال امامي بأن والدي قد قبض ثلاثون الف دينار مقابل خدمات قدمها الاجهزة الامنية اثناء سيطرة التنظيمات الفلسطينية على مادبا !!! وضحك والدي وقال:" لو معي هذا المبلغ !!!!" وضحكت وضحكنا كثيراً وخاصة لانني كنت على اطلاع بالصعوبات المادية التي نواجهها واعرف ماذا يملك والدي بالضبط !!!.
وأذكر انه وبتلك الفترة تُقدم الثوار الوظيفي وتُقدم اقربائهم واصدقائهما وأحفادهم على كافة الأصعدة وخاصة علاقتهم بالحكومة والاجهزة الامنية، ولم يحتاج معظهم حتى التفكير بالعمل خارج الاردن او الهجرة .
شراء الفلل والمزارع والحفلات؛ وكان الواضح بتلك الفترة وما تلاه كان لابد من اختيار كبش فداء او خرفان لاتهامها بالعمالة للنظام على حد تعبير المناضلين للتمويه ولترك المناضلين القيام بالأدوار المرسومة لهم .
والدي الان شارف على التسعين من العمر والذاكرة لا تسعفه كثيراً، ولكن عندما اردد جملة "يا ابو امجد نزولك الشارع تحدي الثورة " يتذكر وبسرعة ويضحك كثيراً. ويعيد ذكر اسماء هولاء مدعيين النضال وأشباه الشرفاء .
بالطبع مثل هذه القصص لا يمكن نسيانها وشخصيات هذه القصة لا يمكن ان تُنسى وهي تعبير عن واقع حقيقي عشناه وما زلنا نعيشه وعلى مبدأ .
"المادة لا تُفنى ولا تستحدث بل تتحول من شكل الى اخر "وهذه الاحداث تؤكد ان النزعات العشائرية والسياسية هي على المناصب فقط؛ واسبابها احقاد وحسد لا اكثر ، والوطن في آخر القائمة وتغيير المواقف حسب العرض والطلب !!!!! .
أقولها الآن؛ وبعد أربع وخمسين سنة من تلك الأحداث بأننا لم نغيّر قناعتنا وحبنا الحقيقي للوطن ثوابت لا يعتمد على مبدأ العرض والطلب ؛ ولم نكن ابداً من الجياع والباحثين على المناصب والالقاب الجوفاء وقد علمنا والدي بأن الكرامة وعزة النفس لا مجال المزاودة عليها.
*الله يرحم جميع الاموات وخاصة ان معظم أبطال هذه الاحداث هم الان في دار الحق ؛ باستثناء والدي ولكن وضعه الصحي الان صعب..
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

عمون
منذ 30 دقائق
- عمون
الشباب: هل يصلح العدوان ما فات؟
وزارة الشباب ليست وزارة الرياضة. فالرياضة وهمومها في عهدة اللجنة الأولمبية، وما اهتمام وزراء الشباب بالرياضة إلّا لأنها تكسبهم مجدًا إعلاميًا. معالي الوزير: وزارة الشباب أكثر الوزارات أهمية، وبنظري يمكن جعلها بأهمية وزارة التربية والجامعات! تحدث من سبقك عن الشباب حديثًا تقليديا، قالوا لهم أنتم المستقبل وأنتم نصف الشعب، والطاقة الهائلة، وبرأيي وقد كتبت ذلك مرارًا. لم يقدم أحد للشباب شيئًا ذا فرق. جاء وزراء وغادروا ولم نجد فعل شيء ميّزهم! (١) منهاج بناء الشباب شكل الوزير بريزات فريقًا وطنيًا متكاملًا، بنى منهاجًا متكاملًا، وفق مهارات العصر. تم إنجاز المنهاج. وتم البدء بالخطوات التنفيذية، وأدلة العمل. طار الوزير، وجاء وزير آخر. جُمّد المنهاج، وأُبعِد عن التداول بالرغم من مطالبة مجلس الأعيان بتطبيقه. جاء مسؤول آخر، ناشدناه، بل ناشده مجلس الأعيان ثانية، وعد المجلس وغادر دون أن يفعل ما وعد. معالي الوزير، المنهاج وطني ومن إعداد فريق وطني ضم كل من لهم صلة بالشباب. هذا المنهاج من شأنه أن يبني شبابنا، ويملأ مراكز الشباب، ومعسكراتهم وبيوتهم ببرامج شبه يومية. ولكن من جاءوا لم يرغبوا بذلك، واكتفوا بالتذمر والشكوى، وزيارات المراكز الخالية. حاولوا إغلاق المراكز بدلًا من تفعيلها. (٢) الاستماع إلى الشباب تحدث من جاءوا قبلك عن الشباب، ولم يتحدثوا مع الشباب. بقي الشباب مغيّبًا، وبقي الحديث معهم غير ذي صلة بالشباب. لدينا دراسات عن الشباب، وواقعهم، بل هناك من درس عوامل انتقال شبابنا من المواطنة إلى الفردية. ومن الصلابة إلى السيولة. ولدينا منهاج منظم. ولكن لم يكن لدينا إرادة بناء شبابنا. لقد حدد المنهاج: -مواصفات الشاب الأردني المطلوب. -المهارات التي يجب توافرها لدى شبابنا. ومع الأسف لم يستكمل العمل بوضع أدلة التنفيذ. (٣) الرياضة والشباب نتحيّز للرياضة لما فيها من أضواء، ونبتعد عن الشباب لما فيه من عمل جاد. مارسنا العمل الشبابي بالحد الأدنى، وتظاهرنا بوجود استراتيجيات، وبقي شبابنا يعانون من الإهمال وغياب الدعم. الشباب يحتاج إلى فلسفة شبابية ما زالت غائبة: ماذا يحتاج شبابنا؟ ماذا نريد من شبابنا؟ ما التحديات التي تواجهنا؟ ماذا يمكن أن نقدم لهم؟ كيف نجذب شبابنا إلى الثقة بأنفسهم وبنا وبدولتهم؟ الطبل لم يعد كافيًا، وكذلك المطبلون، والخطابات لم تعد كذلك، وأسلوب: وين النشامى، حي النشامى!، عليهم لم يعد يقنع شابًا. معالي الوزير: شبابنا ليس مستعدًا للخضوع إلى أي سلطة، إلّا إذا شعروا أنها قرارهم! السلطة هذه الأيام لا تصدر من فوق، إنما تنبع من الشباب أنفسهم. فالعمل مع الشباب وليس نيابة عنهم هو الطريق! (٤) معالي الوزير: تعاقب على وزارة الشباب عشرات، بعضهم حاول ولم يمتلك القدرة. وبعضهم لم يكلّف نفسه عناء الجهد! هل نأمل أن تكون مختلفًا؟ هل نأمل أن تحدث ذلك الفرق المنشود؟ هل نأمل أن تكون وزير شباب؟؟ فهمت علي؟

عمون
منذ 30 دقائق
- عمون
الحرب على غزة وتداعياتها
تُعد الحرب الهمجية المستمرة التي يشنّها الاحتلال الاسرائيلي على قطاع غزة واحدة من أكثر المحطات دموية في تاريخ الصراع ليس فقط بفعل المجازر والتجويع الممنهج ضد المدنيين بل لما تخلقه من ارتدادات إقليمية تهدد استقرار المجتمعات المجاورة وعلى رأسها الأردن. ففي ظل هذا المشهد الدموي بدت بعض التصريحات السياسية والإعلامية في الداخل الأردني كأنها تحاول عمدًا تشتيت الأنظار عن حقيقة ما يجري من مذابح ومآسٍ في القطاع لتحويل البوصلة نحو خلافات داخلية أو لإثارة حساسيات أيديولوجية بين القوى الوطنية والإسلامية، في مشهد لا يمكن فصله عن سياق شعبوي يختزل النضال الفلسطيني في خلافات عابرة. لقد شهدت الساحة الأردنية خلال الأشهر الماضية محاولات لتعميق الانقسامات الإقليمية والفكرية، مستهدفة الحركات الإسلامية تحديدًا، في وقتٍ يفترض أن تتوحد فيه الصفوف خلف موقف وطني جامع يناهض الاحتلال ويُدين جرائمه. إن تسليط الضوء على خطاب المقاومة وكأنه أصل الأزمة بدلًا من التركيز على الاحتلال ذاته، لا يخدم سوى أجندات تسعى لتأبيد الواقع القائم، وإعفاء المحتل من مسؤولياته أمام المجتمع الدولي. تتزامن هذه التحركات مع مؤشرات مقلقة على عودة خطاب "الأمننة"، وتحويل الدولة إلى أدوات رقابية متشددة، تُرجع البلاد إلى مربع "نظرية الحزب الواحد" بعيدًا عن مشروع التحديث السياسي الذي أعلنته القيادة الأردنية في السنوات الأخيرة، والذي يقوم على تعزيز الملكية الدستورية والانفتاح على جميع مكونات المجتمع، لا سيّما قوى المعارضة التي كانت دائمًا جزءًا من النسيج الوطني. والسؤال هنا: هل بات الاحتلال الاسرائيلي يراهن على استنزاف الداخل العربي من خلال أدوات غير مباشرة؟ وهل تساعد بعض الجهات الداخلية، بقصد أو دون قصد، في هذا المسار عبر اختلاق معارك جانبية وتغذية الصراع الهوياتي داخل الدولة الواحدة؟ من الواضح أن هناك من يريد تحويل فشل العدو في ردع المقاومة، أو فشل فصائل المقاومة في إيقاف المجازر، إلى مشجب يُعلق عليه فشل السياسات المحلية أو تأزيماتها. وهنا تقع المسؤولية الكبرى على النخب السياسية والإعلامية الأردنية، وكذلك على القوى الوطنية والإسلامية، في رفض هذا الانزلاق الخطير، وتجديد التوافق الوطني حول مركزية القضية الفلسطينية كقضية تحرر وكرامة. إن مناهضة الاحتلال لا تقتصر على الشعار بل تتطلب حالة وعي سياسية تُدرك أن العدو يحاول دائمًا اللعب على التناقضات الداخلية وإن مقاومته تبدأ بتثبيت الجبهة الوطنية الداخلية، لا بقمعها أو إقصائها. الحرب على غزة ليست فقط مواجهة عسكرية، بل هي اختبار إقليمي للوعي ولمدى قدرة المجتمعات على قراءة المعركة بعيون الحقيقة لا من خلال عدسات مشوشة. الأردن مطالب اليوم بالحفاظ على تماسكه الداخلي وعلى خطابه المبدئي المناهض للاحتلال، لا السماح بانحراف هذا الخطاب لصالح نظريات الانقسام والإقصاء وتراجع الحريات.

عمون
منذ 30 دقائق
- عمون
الإنفاق الرأسمالي في الأردن: هل يقود رؤية التحديث الاقتصادي؟
رغم المكانة المركزية التي يحتلها الإنفاق الرأسمالي في تحفيز النمو الاقتصادي وتنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي، تكشف ورقة السياسات الصادرة عن المنتدى الاقتصادي الأردني عن وجود فجوة بين الطموح المعلن والواقع الفعلي للإنفاق، ما يعكس اختلالًا في البنية، ويثير تساؤلات حول مدى قدرة الموازنة العامة على قيادة التحول المطلوب نحو اقتصاد منتج ومرسوم بحسب رؤية التحديث الاقتصادي. الورقة الصادرة عن المنتدى تُظهر أن حجم الإنفاق الرأسمالي ظل يتراوح بين 1.1 و1.5 مليار دينار خلال الأعوام الأخيرة، دون مسار تصاعدي واضح، ما يشير إلى غياب إطار استراتيجي متوسط أو طويل المدى لتخطيط النفقات التنموية. فبينما بلغت ذروتها في عام 2022 عند 1.512 مليار دينار، عادت للتراجع في مشروع موازنة 2025 إلى 1.468 مليار دينار، مما يعكس تباطؤا في زيادة هذا الانفاق الاقتصادي المهم. هذه التباطؤات تؤثر وبلاشك على تنفيذ المشاريع الكبرى، وتحد من فعالية الإنفاق في تحفيز النمو، خاصة إذا لم يُرافقها نظام مؤسسي قوي للتخطيط والتقييم. من منظور المقارنة الدولية، يُلاحظ أن نسبة الإنفاق الرأسمالي إلى الناتج المحلي الإجمالي في الأردن تراوحت بين 2.7% و4.6% خلال العقد الماضي، وهي أقل من المعدل المستهدف للدول النامية الذي يتراوح بين 5% و7%. وهذا يعني أن الأردن يستثمر أقل مما يجب في البنية التحتية والمشاريع الإنتاجية، ما يضعف مساهمة الإنفاق العام في النمو وخلق الوظائف، ويزيد من الاعتماد على الطلب الاستهلاكي والإنفاق الجاري، وهو ما لا ينسجم تمامًا مع أهداف التحديث الاقتصادي. عند تحليل هيكل الإنفاق، تكشف الورقة عن تركز الإنفاق الرأسمالي في قطاعات مختلفة مثل الشؤون الاقتصادية والبنية التحتية والخدمات العامة، في حين أن الإنفاق على قطاعات كالحماية الاجتماعية والاستدامة البيئية لا يزال محدودًا للغاية، إذ لم تتجاوز حصتهما 2.4% من إجمالي الإنفاق الرأسمالي لعام 2025. تتباين الفجوة بين الإنفاق الفعلي ومحاور رؤية التحديث الاقتصادي. فبحسب الورقة، فإن حوالي 19.2% من النفقات الرأسمالية موجهة لقطاعات غير مرتبطة بأولويات الرؤية. كما أن مشاريع مرتبطة بمحاور 'ريادة الأعمال' و'الموارد المستدامة' تكاد تكون غير حاضرة أو ممثلة بشكل محدود في بنود الموازنة. هذه الفجوة النسبية بين السياسات المعلنة والمخصصات الفعلية قد يعكس إلى حد ما إشكالية في التنسيق المؤسسي الحكومية، ويضعف جدوى الخطة التنفيذية للرؤية. التوزيع الجغرافي للإنفاق الرأسمالي يمثل تحديًا آخر. إذ تظهر الأرقام أن نحو 90% من الإنفاق يذهب إلى مشاريع مركزية، بينما تحصل المحافظات مجتمعة على حوالي 9.2% من الإجمالي. هذا التركيز يكرّس الفجوة التنموية بين العاصمة وبقية المناطق، ويُضعف فرص تحقيق تنمية متوازنة وشاملة، كما يحد من قدرة المجتمعات المحلية على الاستفادة من مشاريع التنمية وخلق فرص العمل. الورقة تقترح جملة من التوصيات، أبرزها تطوير إطار متوسط المدى لتخطيط الإنفاق الرأسمالي، وزيادة تدريجية في نسبته إلى الناتج المحلي ليصل إلى ٦٪، وإعادة هيكلة توزيع النفقات بما يتماشى مع أولويات الرؤية، وإنشاء صندوق استثماري مستقل للمشاريع الاستراتيجية الكبرى، وزيادة حصة المحافظات إلى 25%. هذه التوصيات، إن نُفذت بجدية، يمكن أن تسهم في تعزيز كفاءة وفعالية الإنفاق، وتمنح الرؤية الاقتصادية زخمًا حقيقيًا على الأرض. من الواضح أن المشكلة لا تكمن فقط في حجم الإنفاق الرأسمالي، بل في نوعية وكيفية تخصيصه وتنفيذه. ومع ضعف الإصلاح الهيكلي في أدوات الإنفاق العام ومحدودية الشراكة بين القطاع العام والخاص، ستبقى فجوة الطموح والتنفيذ قائمة في برامج التحديث، مما قد يُضعف القدرة على عكسها بعضها كمشاريع على ارض الواقع.