
هل نجحت ضربات نتنياهو في تدمير البرنامج النووي الإيراني؟
بعد عقود من الاستعدادات والتحذيرات، شنّ الاحتلال الإسرائيلي هجوماً موسعاً على إيران ، ولكن بعد ساعات، بدأت تتضح أن أجزاء كبيرة من البرنامج النووي الإيراني لا تزال قائمة حتى كتابة هذا التقرير، ما يشير إلى إخفاق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في التخلص من النووي الإيراني.
صحيفة " نيويورك تايمز" أشارت في تقرير لها إلى أن إسرائيل ألحقت أضراراً بالغة بأحد أهم المواقع النووية الإيرانية، وأودت بحياة عدد كبير من المسؤولين العسكريين والنوويين في الهجمات التي شنتها صباح الجمعة 13 يونيو/حزيران 2025، ولكن الهجوم الإسرائيلي لم يطل منشآت نووية حيوية في البلاد.
ولم تشنّ المقاتلات الإسرائيلية في موجتها الأولى هجمات على المفاعل النووي في أصفهان، رغم أنه يُعدّ أكبر المواقع النووية في البلاد، وكذلك أحد مراكز برامج أبحاث الأسلحة السرية الإيرانية، وفقاً لأجهزة الاستخبارات الغربية.
الجيش الإسرائيلي أصدر بياناً صحفياً، أفاد بأنه في موجة ثانية من الهجمات، استهدفت أصفهان، لكنها لم تستهدف مخزون الوقود، بل ركزت على المختبرات التي تعمل على تحويل غاز اليورانيوم إلى معدن، وهي إحدى المراحل الأخيرة في صنع سلاح نووي، لكنه لم يذكر شيئاً عن قصف المنطقة التي يُخزَّن فيها الوقود نفسه، بحسب الصحيفة الأمريكية.
ضربات محدودة
فيما نقلت وكالة رويترز عن خبراء راجعوا صور الأقمار الصناعية المتاحة تجارياً، أن الأضرار التي لحقت بالمنشآت النووية الإيرانية نتيجة الموجة الأولى من الضربات الجوية الإسرائيلية، محدودة على ما يبدو.
وقال الخبير النووي ديفيد ألبرايت من معهد العلوم والأمن الدولي لوكالة رويترز: "كان اليوم الأول يستهدف أموراً يمكن تحقيقها من خلال المفاجأة؛ اغتيال القيادات، وملاحقة العلماء النوويين، وأنظمة الدفاع الجوي، والقدرة على الرد".
وأضاف: "لا يمكننا رؤية أي أضرار ظاهرة في فوردو أو أصفهان. وهناك أضرار في نطنز"، لكنه استدرك قائلاً: "لا يوجد دليل على تدمير الموقع الموجود تحت الأرض".
هل نجح نتنياهو في تدمير البرنامج النووي الإيراني؟
وفقاً للوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي تراقب النشاط النووي الإيراني، لم تستهدف إسرائيل موقعي بوشهر وأصفهان النوويين، كما لم يُؤكد استهداف منشأتي آراك وفوردو.
يُعدّ موقع فوردو، الواقع في مدينة قم المقدسة، أحد أكثر المواقع الإيرانية سريةً وتحصيناً، ويُزعم أنه اختير لحمايته من الغارات الجوية، وهو منشأة تخصيب اليورانيوم الرئيسية في إيران، ويشكّل مصدر قلق كبير لإسرائيل والغرب.
والمنشأة الوحيدة التي أعلنت إسرائيل استهدافها هي "نطنز"، وتقول إيران إن أضراراً بسيطة فقط لحقت بها.
ونقلت "نيويورك تايمز" عن خبراء قولهم إن تجنب أصفهان من الجيش الإسرائيلي كان خياراً متعمداً.
وقال جون وولفستال من اتحاد العلماء الأمريكيين، الذي يتابع التقدم النووي الإيراني عن كثب، إن التجنب الإسرائيلي قد يكون سببه أن نتنياهو كان قلقاً من أن القصف قد يتسبب في وقوع حادث إشعاعي، مما يحول محطة أصفهان إلى "قنبلة قذرة".
أما التفسير الآخر، فهو اعتقاد المسؤولين الإسرائيليين بقدرتهم على منع الإيرانيين من زيادة تخصيب المخزون إلى مستويات صالحة لصنع القنابل (90%).
أما التفسير الثالث، فهو أن عمق المفاعل النووي في فوردو يبلغ نصف ميل، مما يجعله على الأرجح محصناً من أسلحة إسرائيل الخارقة للتحصينات، ويتطلب ذلك مشاركة أمريكية باستخدام القنبلة العملاقة الخارقة للتحصينات.
وفي تحليل سابق لصحيفة " فايننشال تايمز"، فإن هناك سلاحاً تقليدياً واحداً فقط قادراً على القيام بهذه المهمة، وهو القنبلة العملاقة الموجهة بدقة "جي بي يو 57″، ويبلغ طول هذه القنبلة العملاقة نحو 6 أمتار، وتزن 30 ألف رطل، ويمكن أن تخترق 60 متراً من الأرض قبل أن تنفجر.
ومن غير الواضح ما إذا كانت إسرائيل تمتلك مثل هذه القدرات، ويقول الباحث السابق في وزارة الجيش الإسرائيلية إيهود إيلام، إنه حتى لو تمكنت إسرائيل من الحصول على القنبلة الخارقة للدروع، فإن "طائراتها المقاتلة من طراز إف-15 وإف-16 وإف-35 لن تتمكن من حملها".
ولكن حتى القنبلة GBU-57 قد لا تكون كافية لتدمير المنشآت النووية. فقد أشارت دراسة أجراها مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وهو مؤسسة بحثية أمريكية، في عام 2010 إلى أن بعض الخبراء يعتقدون أن الأسلحة النووية هي "الأسلحة الوحيدة القادرة على تدمير الأهداف في أعماق الأرض أو في الأنفاق".
ومن الناحية النظرية، يمكن لإسرائيل بدلاً من ذلك استخدام واحدة من طائرات النقل C-130J هيركوليز لإسقاط قنبلة خارقة للدروع من أبواب الشحن، وهي عملية معقدة تُعرف باسم "إسقاط المنحدر"، ولكن القنبلة الخارقة للدروع ليست مصممة لهذا النوع من الإسقاط.
وترى مجلة " إيكونوميست" البريطانية أن إسرائيل ستحتاج إلى قوات برية أو مساعدة أمريكية لتعطيل البرنامج النووي الإيراني.
ويقول العميد احتياط يوسي كوبرفاسر ، وهو رئيس معهد القدس للاستراتيجية والأمن، والرئيس السابق لقسم الأبحاث في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، إن العملية العسكرية الحالية قد تُعيد البرنامج النووي الإيراني عقوداً إلى الوراء، إلى ما كان عليه قبل تطلعاته العسكرية في التسعينيات، ومع ذلك، حذّر من أنها لن تتمكن على الأرجح من القضاء على البرنامج أو بنيته التحتية بالكامل.
وقال كوبرفاسر لصحيفة "ميديا لاين": "من الصعب جداً محو المعلومات المُكتسبة، الإيرانيون بارعون في بناء أجهزة الطرد المركزي وغيرها من المكونات النووية، الشيء الوحيد الذي يمكنه إيقاف البرنامج النووي هو استمرار الجهود العسكرية أو تغيير النظام في إيران".
كما أكد الباحث في برنامج إيران والمحور الشيعي في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، داني سيترينوفيتش، أن "الافتراض السائد هو أن إسرائيل لا تستطيع تدمير البرنامج النووي الإيراني بالكامل، بل صده لعدة سنوات".
وهذا ما أكدته سيما شاين، كبيرة المحللين السابقة في جهاز المخابرات (الموساد) والباحثة الآن في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، للصحفيين أمس الجمعة، بقولها: "ربما لا تستطيع إسرائيل القضاء على المشروع النووي بالكامل بمفردها دون مشاركة الولايات المتحدة".
لماذا قد يكون هجوم نتنياهو على إيران "مقامرة"؟
تقول مجلة "إيكونوميست" إن الهجوم الإسرائيلي على إيران قد يكون "مقامرة" نظراً لتداعياته الإقليمية والعالمية المحتملة.
ويشير الرد الإيراني باستهداف دولة الاحتلال، وخاصة تل أبيب، بمئات الصواريخ الباليستية، إلى أن إيران لا تزال قادرة على إلحاق ضرر كبير بالمصالح الأمريكية والإسرائيلية حول العالم.
ورأت المجلة البريطانية، أنه إذا تطور هذا الوضع إلى حرب إقليمية، فقد تكون هناك عواقب وخيمة على الاستقرار، وعلى بقية العالم من خلال أسعار النفط.
ورأت المجلة أن انهيار النظام الإيراني، على الرغم من كرهه الشديد داخل البلاد وفي المنطقة، قد يكون مزعزعاً للاستقرار إلى حد كبير، ولا أحد يستطيع التنبؤ بما قد ينشأ عن هذه الفوضى.
وحتى لو تم تدمير البنية التحتية المادية للبرنامج النووي الإيراني، فإن إيران لديها رواسبها الخاصة من اليورانيوم، وفي العقود القليلة الماضية، أتقنت عملية التخصيب.
أما الجيولوجيا والمعرفة، فهما بعيدان عن متناول حتى القنابل الأمريكية، وإذا استؤنف البرنامج الإيراني، فقد يعود أكثر ضراوة وتهديداً من أي وقت مضى، بحسب المجلة.
لذا، يُتوقع أن تضطر إسرائيل، وربما أمريكا، خلال بضع سنوات، إلى تكرار العملية من جديد. وستكون كل مرة أصعب من سابقتها.
وحتى في عالمٍ تنهار فيه القواعد القديمة، فإن تكرار الغارات الجوية المنتظمة على دولة ذات سيادة سيُكلفها ثمناً دبلوماسياً وسياسياً باهظاً. وفي نهاية المطاف، قد تُرهق الضربات المتكررة صبر أمريكا وتُلهب الرأي العام هناك، مما يُلحق ضرراً طويل الأمد بالتحالف مع أمريكا الذي تعتمد عليه إسرائيل.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

أخبار السياحة
منذ 21 ساعات
- أخبار السياحة
إيران: أنظمة الدفاع الجوي في حالة تأهب قصوى.. وفرض قيود على حركة الطائرات في مطار العاصمة
إيران: أنظمة الدفاع الجوي في حالة تأهب قصوى.. وفرض قيود على حركة الطائرات في مطار العاصمة قالت وكالة رويترز، إن القيادة الإيرانية تعقد اجتماعا أمنيا رفيع المستوى. وذكر التلفزيون الإيراني الرسمي، أن أنظمة الدفاع الجوي في حالة تأهب قصوى. فيما قالت وكالة أنباء تسنيم الإيرانية، إنه تم فرض قيود على حركة الطائرات في مطار العاصمة.


بوست عربي
منذ يوم واحد
- بوست عربي
هل من حق إسرائيل قصف المفاعلات النووية الإيرانية؟ إليك ما يقوله القانون الدولي
قال خبراء بارزون ومؤسسات حقوقية دولية متخصصة في القانون الدولي إن الهجمات التي شنتها إسرائيل على إيران، الجمعة 13 يونيو/حزيران 2025، والتي استهدفت "عشرات" المواقع، بما في ذلك المنشآت النووية، والقادة العسكريين، والعلماء، تُعد غير قانونية. وقد استندت إسرائيل في هجومها الأخير على طهران إلى مبررات "الدفاع الوقائي عن النفس"، والتي تبرر استخدام القوة ضد دولة أخرى بهدف منع هجوم متوقع في المستقبل. إلا أن مثل هذه الحجة تتعارض مع القواعد التي تحكم استخدام القوة بموجب القانون الدولي، بما في ذلك الشروط المحدودة لاستخدام القوة التي ينص عليها ميثاق الأمم المتحدة، إضافة إلى الحظر المفروض على جريمة العدوان، وفقاً لتقرير نشره موقع ميدل إيست آي البريطاني. — عربي بوست (@arabic_post) June 14, 2025 وأوضح خبراء أن استخدام القوة لا يكون قانونياً إلا إذا كان الهدف منه صدّ هجوم وشيك أو هجوم جارٍ بالفعل. واتهم رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الحكومة الإيرانية ببدء تصنيع رؤوس نووية، وقال إن الهجوم كان يهدف إلى "صد التهديد الإيراني لبقاء إسرائيل"، مضيفاً أن العملية ستستغرق "أياماً عديدة". في المقابل، وصف بيان صادر عن وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، تصرفات إسرائيل بأنها انتهاك صارخ للقانون الدولي، مشيراً إلى أنها انتهكت السيادة الوطنية الإيرانية وسلامة أراضيها، وهاجمت منشآتها النووية ومناطقها السكنية. هل انتهكت إسرائيل القانون الدولي في هجومها الأخير ضد إيران؟ وفقاً للقانون الدولي، هناك عدة معايير يجب أخذها في الاعتبار لتقييم ما إذا كان من حق الاحتلال الإسرائيلي قصف المفاعلات النووية الإيرانية. وتعتمد الإجابة عن هذا السؤال على تفسير عدد من المفاهيم القانونية، مثل مبدأ الدفاع عن النفس، وحقوق السيادة، واستهداف المدنيين. 1- حق الدفاع عن النفس تنص المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة على أن من حق الدول الدفاع عن نفسها في حال تعرضها لاعتداء مسلح مباشر. وإذا اعتبرت إسرائيل أن البرنامج النووي الإيراني يشكل تهديداً وشيكاً لأمنها، يمكنها الاستناد إلى مبدأ الدفاع عن النفس، بشرط أن يكون الهجوم متناسباً مع التهديد، وأن يُنفذ في إطار الدفاع الفوري. لكن وفقاً لخبراء في القانون الدولي، فإن الأهداف المعلنة للهجوم الإسرائيلي هذه المرة تمحورت حول منع هجوم نووي إيراني محتمل في المستقبل، ولم يكن رداً على هجوم بدأ أو هجوم وشيك الوقوع. وبما أن إيران لم تحصل بعد على أسلحة نووية، فلا يوجد تهديد وشيك يبرر لجوء إسرائيل إلى الدفاع الاستباقي عن النفس. ووفقاً للباحث في القانون الدولي، ماركو ميلانوفيتش، هناك ثلاثة توجهات رئيسية بشأن تفسير حق الدفاع عن النفس في القانون الدولي: يجيز بعضها استخدام الدفاع الوقائي عن النفس لصد تهديدات مستقبلية محتملة، وخاصة تلك التي تُعتبر وجودية. ويُجيز بعضها استخدام القوة بهدف استباق هجمات وشيكة. بينما لا يُجيز البعض الآخر اللجوء إلى استخدام القوة إلا بعد وقوع الهجوم فعلياً. ويؤكد ميلانوفيتش أن استخدام القوة لمنع هجوم مستقبلي، كما فعلت إسرائيل في عمليتها الأخيرة، يُعتبر "غير مقبول قانونياً" من قِبل غالبية فقهاء القانون الدولي. وفي مقال نشره عبر موقع EJIL Talk قال:"إن استخدام إسرائيل للقوة ضد إيران، استناداً إلى الحقائق المتاحة، يُرجَّح أن يكون غير قانوني". وأضاف: "ما لم تتمكن إسرائيل من تقديم أدلة أكثر إقناعاً بكثير من تلك المتوفرة حالياً للعامة، فمن غير المنطقي الزعم بأن إيران كانت على وشك مهاجمة إسرائيل، أو أن استخدام القوة كان الخيار الوحيد لمنع هذا الهجوم". 2- جريمة العدوان وجريمة العدوان هي واحدة من الجرائم الدولية الأربع الأساسية المنصوص عليها في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، إلى جانب الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب. ويُقصد بها التخطيط أو الإعداد أو الشروع أو تنفيذ عمل عدواني، أو استخدام القوة بما يخالف ميثاق الأمم المتحدة، من قِبل شخص يشغل منصباً قيادياً، مثل رئيس دولة أو قائد عسكري كبير. وقد اتهم عدد من الباحثين القانونيين إسرائيل بارتكاب جريمة العدوان في هجومها على إيران. وقال البروفيسور كيفن جون هيلر، من جامعة كوبنهاغن:"قليلة هي الأفعال التي تُعد غير قانونية بشكل قاطع أكثر من الدفاع الوقائي عن النفس في غياب تهديد وشيك. لذلك، فإن هجوم إسرائيل غير قانوني وإجرامي – جريمة عدوان". كما وصف الباحث سيرجي فاسيلييف، من الجامعة المفتوحة في هولندا، الهجوم بأنه يندرج ضمن جريمة العدوان. وكتب على حسابه في منصة إكس (تويتر سابقاً):"هذه العملية تمثل استخداماً غير قانوني للقوة. لم تُشكّل إيران أي تهديد وشيك لإسرائيل يبرر مثل هذا الهجوم. هذا عمل عدواني". Israel has just attacked Iran by conducting strikes on Tehran, Ahvaz, Urmia, and Maragheh to eliminate its military leadership. This operation is an unlawful use of force. Iran presented no imminent threat to Israel that would justify such an attack. This is an act of aggression. — Sergey Vasiliev (@sevslv) June 13, 2025 3. سيادة الدول تُعتبر سيادة الدولة من المبادئ الأساسية في القانون الدولي. وبما أن كلًّا من إسرائيل وإيران دولتان ذاتا سيادة، فإن أي هجوم على منشأة داخل دولة أخرى – حتى في ظل تهديد متصور – قد يُعد خرقاً لسيادتها، ما لم يكن هناك مبرر مشروع قائم على الدفاع عن النفس. وتحظر المادة 2 (4) من ميثاق الأمم المتحدة "التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأي دولة". 4. الأمم المتحدة والمجتمع الدولي يخول ميثاق الأمم المتحدة لمجلس الأمن إصدار قرارات باستخدام القوة في حال وجود تهديد فعلي للسلم والأمن الدوليين. غير أن ذلك يتطلب عادة إجماع الأعضاء الدائمين في المجلس، وهو ما لم يتحقق في حالة الهجوم الإسرائيلي على إيران. وفي ظل غياب تفويض دولي أو توافق داخل مجلس الأمن، تُصنّف الضربات الإسرائيلية على أنها غير مبررة قانونياً. 5- استهداف المدنيين: استهدفت الضربات العسكرية الإسرائيلية الأخيرة عشرات المواقع، بما في ذلك المنشأة النووية الإيرانية في نطنز، وأسفرت عن مقتل قادة عسكريين وعلماء نوويين إيرانيين بارزين. ويُحظر بموجب القانون الإنساني الدولي استهداف المدنيين عمداً. وقد طُرحت شكوك قوية بشأن كون العلماء النوويين الذين قُتلوا جراء الهجوم من الأشخاص المحميين بموجب هذا القانون، ما يجعل من عملية استهدافهم انتهاكاً محتملاً. وعلاوة على ذلك، أشارت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أن الهجمات على المنشآت النووية قد تتسبب في إطلاق مواد إشعاعية، مما يُلحق ضرراً جسيماً بالمدنيين والبيئة المحيطة. وقال سعيد بن عربية، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في لجنة الحقوقيين الدولية:"لا شيء في القانون الدولي يبرر هذه الهجمات المسلحة أو الاستهداف المتعمد للمدنيين المحميين". أما المؤرخ والأكاديمي الأمريكي خوان كول، أستاذ تاريخ الشرق الأوسط وجنوب آسيا في جامعة ميشيغان، فقد كتب:"إذا قصفت الطائرات المقاتلة الإسرائيلية مخزونات من اليورانيوم غير المخصب، فإن ذلك قد يُطلق غباراً مشعاً في الجو، مما يزيد من احتمالات الإصابة بسرطان الرئة لدى السكان المتضررين. أما إذا استهدفت يورانيوم مخصب، فسيكون ذلك بمثابة قنبلة قذرة". وفي مقال نشره عبر موقع Common Dreams تحت عنوان: "قصف إسرائيل غير المبرر لإيران ينتهك القانون الدولي" ، أضاف كول: "لا تشير تقديرات الاستخبارات الأمريكية إلى أن إيران تمتلك برنامجاً نووياً عسكرياً، بل برنامجاً مدنياً لتخصيب اليورانيوم. وبموجب القانون الدولي، يُسمح لها بإنتاج الوقود لمفاعل بوشهر، الذي بُنِي بدعم روسي، مع وجود خطط للتوسع. وبالتالي، فإن الهجوم الإسرائيلي يُعد انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي".


بوست عربي
منذ يوم واحد
- بوست عربي
هل نجحت ضربات نتنياهو في تدمير البرنامج النووي الإيراني؟
بعد عقود من الاستعدادات والتحذيرات، شنّ الاحتلال الإسرائيلي هجوماً موسعاً على إيران ، ولكن بعد ساعات، بدأت تتضح أن أجزاء كبيرة من البرنامج النووي الإيراني لا تزال قائمة حتى كتابة هذا التقرير، ما يشير إلى إخفاق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في التخلص من النووي الإيراني. صحيفة " نيويورك تايمز" أشارت في تقرير لها إلى أن إسرائيل ألحقت أضراراً بالغة بأحد أهم المواقع النووية الإيرانية، وأودت بحياة عدد كبير من المسؤولين العسكريين والنوويين في الهجمات التي شنتها صباح الجمعة 13 يونيو/حزيران 2025، ولكن الهجوم الإسرائيلي لم يطل منشآت نووية حيوية في البلاد. ولم تشنّ المقاتلات الإسرائيلية في موجتها الأولى هجمات على المفاعل النووي في أصفهان، رغم أنه يُعدّ أكبر المواقع النووية في البلاد، وكذلك أحد مراكز برامج أبحاث الأسلحة السرية الإيرانية، وفقاً لأجهزة الاستخبارات الغربية. الجيش الإسرائيلي أصدر بياناً صحفياً، أفاد بأنه في موجة ثانية من الهجمات، استهدفت أصفهان، لكنها لم تستهدف مخزون الوقود، بل ركزت على المختبرات التي تعمل على تحويل غاز اليورانيوم إلى معدن، وهي إحدى المراحل الأخيرة في صنع سلاح نووي، لكنه لم يذكر شيئاً عن قصف المنطقة التي يُخزَّن فيها الوقود نفسه، بحسب الصحيفة الأمريكية. ضربات محدودة فيما نقلت وكالة رويترز عن خبراء راجعوا صور الأقمار الصناعية المتاحة تجارياً، أن الأضرار التي لحقت بالمنشآت النووية الإيرانية نتيجة الموجة الأولى من الضربات الجوية الإسرائيلية، محدودة على ما يبدو. وقال الخبير النووي ديفيد ألبرايت من معهد العلوم والأمن الدولي لوكالة رويترز: "كان اليوم الأول يستهدف أموراً يمكن تحقيقها من خلال المفاجأة؛ اغتيال القيادات، وملاحقة العلماء النوويين، وأنظمة الدفاع الجوي، والقدرة على الرد". وأضاف: "لا يمكننا رؤية أي أضرار ظاهرة في فوردو أو أصفهان. وهناك أضرار في نطنز"، لكنه استدرك قائلاً: "لا يوجد دليل على تدمير الموقع الموجود تحت الأرض". هل نجح نتنياهو في تدمير البرنامج النووي الإيراني؟ وفقاً للوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي تراقب النشاط النووي الإيراني، لم تستهدف إسرائيل موقعي بوشهر وأصفهان النوويين، كما لم يُؤكد استهداف منشأتي آراك وفوردو. يُعدّ موقع فوردو، الواقع في مدينة قم المقدسة، أحد أكثر المواقع الإيرانية سريةً وتحصيناً، ويُزعم أنه اختير لحمايته من الغارات الجوية، وهو منشأة تخصيب اليورانيوم الرئيسية في إيران، ويشكّل مصدر قلق كبير لإسرائيل والغرب. والمنشأة الوحيدة التي أعلنت إسرائيل استهدافها هي "نطنز"، وتقول إيران إن أضراراً بسيطة فقط لحقت بها. ونقلت "نيويورك تايمز" عن خبراء قولهم إن تجنب أصفهان من الجيش الإسرائيلي كان خياراً متعمداً. وقال جون وولفستال من اتحاد العلماء الأمريكيين، الذي يتابع التقدم النووي الإيراني عن كثب، إن التجنب الإسرائيلي قد يكون سببه أن نتنياهو كان قلقاً من أن القصف قد يتسبب في وقوع حادث إشعاعي، مما يحول محطة أصفهان إلى "قنبلة قذرة". أما التفسير الآخر، فهو اعتقاد المسؤولين الإسرائيليين بقدرتهم على منع الإيرانيين من زيادة تخصيب المخزون إلى مستويات صالحة لصنع القنابل (90%). أما التفسير الثالث، فهو أن عمق المفاعل النووي في فوردو يبلغ نصف ميل، مما يجعله على الأرجح محصناً من أسلحة إسرائيل الخارقة للتحصينات، ويتطلب ذلك مشاركة أمريكية باستخدام القنبلة العملاقة الخارقة للتحصينات. وفي تحليل سابق لصحيفة " فايننشال تايمز"، فإن هناك سلاحاً تقليدياً واحداً فقط قادراً على القيام بهذه المهمة، وهو القنبلة العملاقة الموجهة بدقة "جي بي يو 57″، ويبلغ طول هذه القنبلة العملاقة نحو 6 أمتار، وتزن 30 ألف رطل، ويمكن أن تخترق 60 متراً من الأرض قبل أن تنفجر. ومن غير الواضح ما إذا كانت إسرائيل تمتلك مثل هذه القدرات، ويقول الباحث السابق في وزارة الجيش الإسرائيلية إيهود إيلام، إنه حتى لو تمكنت إسرائيل من الحصول على القنبلة الخارقة للدروع، فإن "طائراتها المقاتلة من طراز إف-15 وإف-16 وإف-35 لن تتمكن من حملها". ولكن حتى القنبلة GBU-57 قد لا تكون كافية لتدمير المنشآت النووية. فقد أشارت دراسة أجراها مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وهو مؤسسة بحثية أمريكية، في عام 2010 إلى أن بعض الخبراء يعتقدون أن الأسلحة النووية هي "الأسلحة الوحيدة القادرة على تدمير الأهداف في أعماق الأرض أو في الأنفاق". ومن الناحية النظرية، يمكن لإسرائيل بدلاً من ذلك استخدام واحدة من طائرات النقل C-130J هيركوليز لإسقاط قنبلة خارقة للدروع من أبواب الشحن، وهي عملية معقدة تُعرف باسم "إسقاط المنحدر"، ولكن القنبلة الخارقة للدروع ليست مصممة لهذا النوع من الإسقاط. وترى مجلة " إيكونوميست" البريطانية أن إسرائيل ستحتاج إلى قوات برية أو مساعدة أمريكية لتعطيل البرنامج النووي الإيراني. ويقول العميد احتياط يوسي كوبرفاسر ، وهو رئيس معهد القدس للاستراتيجية والأمن، والرئيس السابق لقسم الأبحاث في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، إن العملية العسكرية الحالية قد تُعيد البرنامج النووي الإيراني عقوداً إلى الوراء، إلى ما كان عليه قبل تطلعاته العسكرية في التسعينيات، ومع ذلك، حذّر من أنها لن تتمكن على الأرجح من القضاء على البرنامج أو بنيته التحتية بالكامل. وقال كوبرفاسر لصحيفة "ميديا لاين": "من الصعب جداً محو المعلومات المُكتسبة، الإيرانيون بارعون في بناء أجهزة الطرد المركزي وغيرها من المكونات النووية، الشيء الوحيد الذي يمكنه إيقاف البرنامج النووي هو استمرار الجهود العسكرية أو تغيير النظام في إيران". كما أكد الباحث في برنامج إيران والمحور الشيعي في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، داني سيترينوفيتش، أن "الافتراض السائد هو أن إسرائيل لا تستطيع تدمير البرنامج النووي الإيراني بالكامل، بل صده لعدة سنوات". وهذا ما أكدته سيما شاين، كبيرة المحللين السابقة في جهاز المخابرات (الموساد) والباحثة الآن في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، للصحفيين أمس الجمعة، بقولها: "ربما لا تستطيع إسرائيل القضاء على المشروع النووي بالكامل بمفردها دون مشاركة الولايات المتحدة". لماذا قد يكون هجوم نتنياهو على إيران "مقامرة"؟ تقول مجلة "إيكونوميست" إن الهجوم الإسرائيلي على إيران قد يكون "مقامرة" نظراً لتداعياته الإقليمية والعالمية المحتملة. ويشير الرد الإيراني باستهداف دولة الاحتلال، وخاصة تل أبيب، بمئات الصواريخ الباليستية، إلى أن إيران لا تزال قادرة على إلحاق ضرر كبير بالمصالح الأمريكية والإسرائيلية حول العالم. ورأت المجلة البريطانية، أنه إذا تطور هذا الوضع إلى حرب إقليمية، فقد تكون هناك عواقب وخيمة على الاستقرار، وعلى بقية العالم من خلال أسعار النفط. ورأت المجلة أن انهيار النظام الإيراني، على الرغم من كرهه الشديد داخل البلاد وفي المنطقة، قد يكون مزعزعاً للاستقرار إلى حد كبير، ولا أحد يستطيع التنبؤ بما قد ينشأ عن هذه الفوضى. وحتى لو تم تدمير البنية التحتية المادية للبرنامج النووي الإيراني، فإن إيران لديها رواسبها الخاصة من اليورانيوم، وفي العقود القليلة الماضية، أتقنت عملية التخصيب. أما الجيولوجيا والمعرفة، فهما بعيدان عن متناول حتى القنابل الأمريكية، وإذا استؤنف البرنامج الإيراني، فقد يعود أكثر ضراوة وتهديداً من أي وقت مضى، بحسب المجلة. لذا، يُتوقع أن تضطر إسرائيل، وربما أمريكا، خلال بضع سنوات، إلى تكرار العملية من جديد. وستكون كل مرة أصعب من سابقتها. وحتى في عالمٍ تنهار فيه القواعد القديمة، فإن تكرار الغارات الجوية المنتظمة على دولة ذات سيادة سيُكلفها ثمناً دبلوماسياً وسياسياً باهظاً. وفي نهاية المطاف، قد تُرهق الضربات المتكررة صبر أمريكا وتُلهب الرأي العام هناك، مما يُلحق ضرراً طويل الأمد بالتحالف مع أمريكا الذي تعتمد عليه إسرائيل.