
إقليم تيجراي الإثيوبي.. انتقال سلمي للسلطة بعد صراع أثار مخاوف تجدد الحرب
في خطوة غير متوقعة عين رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، الجمعة، جيتاتشو رضا الحاكم السابق لإقليم تيجراي، وزيراً ومستشاراً له لشؤون شرق إفريقيا، ليتولى دوراً استشارياً رئيسياً في الحكومة الفيدرالية. وجاء قرار التعيين على خلفية صراع داخل قيادة جبهة تحرير تيجراي، انتهى بإعفاء رضا من منصب الحاكم، وتعين الجنرال تاديسي وريدي، قائد قوات جبهة تحرير تيجراي رئيساً للإدارة المؤقتة للإقليم.
وشهد إقليم تيجراي شمالي إثيوبيا خلال الأسابيع الماضية صراعاً عنيفاً أثار مخاوف من انزلاق ثاني أكبر دولة إفريقية من حيث عدد السكان إلى نزاع آخر قد يضعها في مواجهة مع إريتريا حليفتها السابقة في حرب تيجراي عام 2020.
وتصاعدت حالة التوتر بالإقليم بعد قرار استبعاد جيتاتشو رضا، وطرده من الجبهة التي كان يشغل فيها منصب نائب الرئيس وعضو اللجنة التنفيذية، ثم تفاقم الصراع، وبلغ ذروته بعد عمليات الاستيلاء العنيفة التي نفذتها قوات موالية لزعيم جبهة تحرير تيجراي دبراصيون جبراميكائيل على مراكز السلطة في الإقليم من إدارة المحافظات والمحليات بالقوة في مارس الماضي.
وتطورت الخلافات بين فصيلي جيتاتشو رضا وزعيم الجبهة دبراصيون جبراميكائيل، بعد أن تبادل الطرفان الاتهامات بالفساد، واتهم رضا فصيل جبراميكائيل بـ"التخطيط لانقلاب" بعد أن دعا أكثر من 200 من جنرالات قوات جبهة تحرير تيجراي الموالون لدبرصيون جبراميكائيل إلى حل الإدارة المؤقتة للإقليم التي كان يقودها جيتاتشو رضا بالقوة.
وتدخل رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد لتهدئة الصراع بإعفاء رضا، وتعين الجنرال تاديسي وريدي خلفاً له لقيادة الإقليم، وهو ما سعت إليه مجموعة دبراصيون جبراميكائيل.
وقالت مصادر مطلعة لـ"الشرق"، إن آبي أحمد، عمل من خلال هذه الخطوة على تحييد مجموعة دبراصيون جبراميكائيل التي يتهمها غريمها جيتاتشو رضا، بإنشاء علاقات سرية مع جنرالات الجيش الإريتري ضمن تحالف يشمل مليشيات "فانو" في إقليم أمهرا المجاور، للإطاحة بحكومة أديس أبابا.
وهو الأمر الذي نفاه دبراصيون جبراميكائيل خلال مؤتمر صحافي عقده مؤخراً متهما جيتاتشو رضا بـ"الخيانة الوطنية.
وتأسست جبهة تحرير تيجراي عام 1975، ولعبت دوراً محورياً في الإطاحة بنظام منغيستو هايلي ماريام العسكري في عام 1991، ثم هيمنت لاحقاً على الساحة السياسة الإثيوبية من خلال تشكيل نظام فيدرالي إثني للبلاد استمر لأكثر من 3 عقود، حتى مجيء حكومة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد.
وسرعان ما اندلع النزاع مع حكومة آبي أحمد بعد أن أحكمت الجبهة سيطرتها على الإقليم الذي تنحدر منه "تيجراي"، واستمر الصراع لأكثر من عامين، وانتهى بتوقيع اتفاق بريتوريا للسلام بجنوب إفريقيا في نوفمبر 2022 برعاية الاتحاد الإفريقي والولايات المتحدة.
"صراع سلطة"
واعتبر المحلل السياسي الإثيوبي هبتوم غبري، أن الصراع الحالي في إقليم تيجراي لا يعدو كونه "صراع سلطة بامتياز" بين من أسماه بـ"الحرس القديم" الذي لا زال يحلم بالعودة إلى الحكم، وفصيل جيتاتشو رضا الذي يُحظى بدعم الشباب.
وقال غبري لـ"الشرق"، إن ما وصفه بالتفاف الشباب حول رضا يعود إلى "الخطوة الجريئة" التي اتخذها بالاعتراف بأنه وزملائه في المكتب التنفيذي لجبهة تحرير تيجراي، كانوا سبباً رئيسياً في جر الإقليم إلى الحرب مع الحكومة الفيدرالية في 2020، وأنه يتحمل مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في الإقليم جراء الحرب، معلناً سعيه إلى تصحيح الوضع من خلال تنفيذ اتفاق السلام مع الحكومة الفيدرالية وإعادة الحياة إلى طبيعتها.
لكن مساعي إعادة الحياة لطبيعتها في إقليم تيجراي انتهت بحسب المحلل السياسي الإثيوبي، بعد أن أطاح فصيل زعيم الجبهة دبراصيون جبراميكائيل بجيتاتشو رضا من رئاسة الإدارة المؤقتة للإقليم، وسيطرتهم عليه، رغم عدم اعتراف الحكومة الفيدرالية بهذه الخطوة.
بيد أن الخبير في شؤون القرن الإفريقي والمحلل آدم جبريل، يرى في خطوة رئيس الوزراء الإثيوبي بإعفاء جيتاتشو رضا من رئاسة الإقليم بعد صراعه مع "الحرس القديم" لجبهة تحرير تيجراي، "حنكة سياسية"، مشيراً إلى أن الحكومة الفيدرالية في أديس أبابا استشعرت خطورة ما أسماه بـ"التحالف السري الذي تشكل بدوافع مشتركة من أعداء الأمس في جبهة تحرير تيجراي والحكومة الإريترية ومليشيا (فانو) التي ما زالت تخوض حرباً شرسة مع السلطة المركزية في إقليم أمهرا".
وبحسب جبريل، فإن محاولة أديس أبابا استمالة "الحرس القديم" المسيطر على جبهة تحرير تيجراي حالياً، يمثل محاولة لمعالجة مشكلات لا تقل خطورة عن ما حدث في 2020، وأدى إلى اندلاع حرب تيجراي الأولى، فالجبهة حينها أعلنت سيطرتها على الإقليم معلنة عدم اعترافها بحكومة أديس أبابا، ثم واجهت الحكومة الفيدرالية، وهو ما ينطبق على الوضع الحالي الذي يمارسه "الحرس القديم" على الإقليم متحدياً الحكومة الفيدرالية.
وذكر جبريل لـ"الشرق"، أن سياسة "النفس الطويل" التي يمارسها رئيس الوزراء الإثيوبي في التعامل مع أزمة إقليم تيجراي، تهدف إلى تفكيك وضرب التحالف الثلاثي المكون من الجبهة ومليشيات "فانو" والحكومة الإريترية، من خلال تحييد فصيل دبراصيون جبراميكائيل ومفاوضته وهو ما حدث بالفعل، بتعين جيتاتشو رضا وزيراً ومستشاراً لآبي أحمد واستبعاده من الإقليم، لتنفرد به مجموعة "الحرس القديم" بعد تعين الجنرال، تاديسي وريدي، رئيساً لإدارة الإقليم.
"انتقال لا يخلو من التحديات"
وقال كيداني جبرا ميكائيل العضو بمنظمات المجتمع المدني بإقليم تيجراي، إن الانتقال السلمي للسلطة في إقليم تيجراي، لا يخلو من التحديات، مشيراً إلى أن السؤال الأهم خلال هذه المرحلة يتمثل في قدرة الحاكم الجديد الجنرال تاديسي وريدي على إحداث تغيير حقيقي في ظل استمرار نفس الهيكل الإداري والسياسي الذي قوبل بانتقادات خلال الفترة الماضية.
وأضاف جبرا ميكائيل لـ"الشرق"، أن تعين الجنرال تاديسي وريدي رئيساً للإدارة المؤقتة لتيجراي "خطوة مهمة نحو تهدئة الأوضاع في الإقليم الذي يشهد صراعاً على السلطة وانقسامات داخلية بجبهة تحرير تيجراي"، مشيراً إلى أن الحاكم الجديد ينظر إليه كثيرون باعتباره "شخصية توافقية".
وتابع: "ما جرى لا يُعد مجرد تغيير في الوجوه، بل محاولة لإعادة تعريف طبيعة المرحلة الانتقالية في تيجراي. فاختيار الجنرال تاديسي وريدي، لا يخلو من دلالات سياسية. فهو شخصية مطّلعة على مكامن القوة والقصور في التجربة السابقة، ويُنظر إليه كشخصية قادرة على ضبط إيقاع المرحلة دون إحداث صدامات داخلية".
ولفت جبرا ميكائيل إلى أن "تطلعات شعب تيجراي للسلام والتنمية تتطلب ما هو أكثر من مجرد استقرار شكلي؛ فهي تحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية، ورؤية اقتصادية واضحة، وانفتاح على الحوار الوطني".
تفاهمات بين أديس أبابا وتيجراي
وأوضح مصدر مطلع لـ"الشرق"، أن مفاوضات قد تمت بالفعل بين فصيل دبراصيون جبراميكائيل والحكومة الإثيوبية، توصلا خلالها إلى تفاهمات قضت بإعفاء جيتاتشو رضا، وتعين الجنرال تاديسي وريدي رئيساً الإدارة المؤقتة لإقليم تيجراي، مقابل أن تقوم الجبهة بحل وتسريح قواتها وانتشار قوات الجيش الإثيوبي في مختلف المعسكرات السابقة التي كانت تتواجد بها بالإقليم.
وأضاف أن المفاوضات تطورت مؤخراً لتبحث إمكانية استفادة الجيش الإثيوبي من قوات جبهة تحرير تيجراي حال اندلاع حرب مع إريتريا، وتلك خطوة وفق المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه، نجحت من خلالها أديس أبابا في إضعاف التحالف الثلاثي الذي كان يعول على خبرة قوات جبهة تحرير تيجراي في مواجهة حكومة آبي أحمد.
وتصاعد التوتر السياسي بين إثيوبيا وإريتريا في العام 2023، بعد أن أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي أمام البرلمان نية بلاده تأمين ميناء على البحر الأحمر، وبالتالي المشاركة في التجارة البحرية الدولية، إذ قال إنه "بحلول عام 2030، سيبلغ عدد سكان إثيوبيا 150 مليون نسمة، ولا يمكن لهذا العدد من السكان أن يعيشوا في سجن جغرافي". وهي التصريحات التي قوبلت بقلق واسع النطاق باعتبارها مقدمة لعمل عسكري ضد إريتريا.
وفي يناير 2024، وقعت إثيوبيا مذكرة تفاهم مع إقليم أرض الصومال الذي أعلن استقلاله عن الصومال من جانب واحد دون الحصول على اعتراف دولي، وعدت فيها بالاعتراف باستقلال الأخيرة مقابل الوصول إلى شريط ساحلي يمتد 19 كيلومتراً على خليج عدن، ما أشعل صراعاً آخر مع الصومال، غير أن وساطة تركية أنهت الصراع باتفاق "إعلان أنقرة" بين البلدين لتعود العلاقات بين مقديشو وأديس أبابا، ودخولهما في مفاوضات فنية مستمرة تسمح للبلدين بالاستفادة من مواردهما بطرق سلمية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

سودارس
٢٩-٠٤-٢٠٢٥
- سودارس
السفير عماد عدوي : العلاقات السودانية المصرية تعيش أفضل فتراتها
عبر السفير الفريق أول ركن / عماد الدين مصطفى عدوي – سفير جمهورية السودان بالقاهرة والمندوب الدائم لدى جامعة الدول العربية، عن رضا قيادة السودان التام لسير وتيرة التعاون والتنسيق مع جمهورية مصر العربية الشقيقة، مؤكدا أن هنالك إرادة سودانية لامتداد العلاقات مع جمهورية مصر العربية الشقيقة، ويظهر ذلك من خلال التوجه المشترك نحو تعميق التعاون القطاعي بين البلدين ودعم برنامج اعادة الإعمار وما يشمله من تعاون وفرص للقطاعين العام والخاص في البلدين بمختلف المجالات وفي مقدمتها البنية التحتية والاقتصادية، بجانب المشاريع الاستراتيجية الجارية بين البلدين وفي مقدمتها مشاريع الربط السككي والكهربائي بين البلدين. وجدد السفير السوداني بالقاهرة التأكيد على ان أواصر المحبة والأخوة بين شعبي البلدين متبادلة وستظل دوما خير شاهد على قدسية العلاقات السودانية المصرية ، مؤكداً ان شعبي البلدين يشكلان الكُتلة الحية للعالم العربي شمالًا وجنوبًا. وأوضح السفير عماد عدوي أن لقاء فخامة الرئيس عبدالفتاح البرهان بشقيقه فخامة الرئيس المصري، اليوم في القاهرة ، عكس عمق ومتانة العلاقات السودانية المصرية وتطابق الرؤى والمواقف تجاه مختلف القضايا الإقليمية والدولية، مؤكدا أن زيارة اليوم ولقاء القادة وتوجيهاتهم الكريمة بإيلاء التعاون والتنسيق المستمر اولوية خاصة، أكسبت العلاقات مزيداً من الدعم، وجعلتها اكثر رسوخاً . script type="text/javascript"="async" src=" defer data-deferred="1" إنضم لقناة النيلين على واتساب مواضيع مهمة ركوب الخيل لا يناسب الجميع؟ أيهما أصعب تربية الأولاد أم البنات؟ جسر الأسنان هل تعقيم اليدين مفيد؟ الكركم والالتهابات أفضل زيوت ترطيب البشرة انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.


الشرق السعودية
٢٥-٠٤-٢٠٢٥
- الشرق السعودية
سد النهضة.. إعلان سياسي إثيوبي يهدد بتأجيج التوتر مع مصر والسودان
يهدد إعلان إثيوبيا، قبل أيام قليلة، بشأن قرب افتتاح سد النهضة، مع اكتمال بناء 98% منه، بتأجيج التوتر مع دولتي مصب نهر النيل، مصر والسودان، في ظل الجمود الذي خيم على المفاوضات الثلاثية خلال الأشهر الأخيرة. الإعلان الإثيوبي لا يُعد مجرد تقدم إنشائي، بل هو إشارة سياسية واضحة إلى أن ساعة التشغيل الكامل للسد باتت وشيكة، وهو ما يثير حفيظة القاهرة والخرطوم، بشأن التداعيات المحتملة على أمنهما المائي، ويفتح المجال لتجديد الضغوط على أديس أبابا من أطراف إقليمية ودولية. منذ وضعت إثيوبيا حجر الأساس لسد النهضة، في أبريل 2011، مرّ المشروع بمراحل إنشائية متسارعة وأخرى شابها التوتر السياسي، وتعثُّر متكرر في المفاوضات، لتؤكد أديس أبابا أن المشروع شارف على الاكتمال، ما يعكس إصرارها على استكمال ما تعتبره "مشروعاً سيادياً وتنموياً". وفي مؤتمر صحافي للمتحدث باسم الخارجية الإثيوبية، نبيات جيتاتشو، الخميس، أكد أن بلاده على أعتاب الانتهاء من سد النهضة وقص شريط الافتتاح قريباً، منوهاً إلى تصريحات رئيس الوزراء، آبي أحمد، أمام برلمان بلاده، إذ أعلن افتتاح المشروع قريباً. وأضاف جيتاتشو، أن السياسة الخارجية لبلاده، تقوم على بناء علاقات جوار بنّاءة ترتكز على المنافع المتبادلة وتصفير الصراعات. وبشأن المفاوضات الثلاثية المتعثرة، مع مصر والسودان، حول سد النهضة، أوضح أنه لا يوجد جديد في هذا الشأن، مشدداً على أن أديس أبابا تعمل على مفاوضات "يكون فيها الكل رابحاً". تعهدات إثيوبية ومطالب مصرية وكان رئيس الوزراء الإثيوبي، أعلن في مارس الماضي أمام برلمان بلاده، أنه سيتم افتتاح سد النهضة خلال الأشهر الستة المقبلة، مع مطلع العام الإثيوبي، الذي يوافق شهر سبتمبر من كل عام. وأشار آبي أحمد، إلى "انتهاء عملية إنشاء وملء بحيرة السد بشكل كامل، مع وصول السعة التخزينية للمياه إلى 74 مليار متر مكعب". وقال إنه أبلغ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بأن "عملية ملء السد لن تتسبب في فقدان مصر لأي كمية من المياه"، فيما لم يصدر بيان من الجانب المصري في هذا الصدد. ونوَّه آبي أحمد إلى أن "مخاوف القاهرة بشأن الجفاف والأمن المائي حاضرة في النقاشات"، مؤكداً أهمية التعاون بين البلدين. وأردف بالقول: "لا نرى مبرراً للصراع، أو إهدار الموارد في النزاعات، بل ندعو للعمل المشترك من أجل التقدم". ومع دخول المشروع مرحلته النهائية، أثيرت تساؤلات بشأن ما إذا كان سيؤدي ذلك إلى إعادة طرح الملف أمام مجلس الأمن الدولي أو الاتحاد الإفريقي، أو إمكانية تأثيره على الموقف الأميركي أو الأوروبي من الملف. ويرى وزير الري المصري السابق محمد نصر الدين علام، ضرورة التوقيع على اتفاقية قانونية مسجلة ومعتمدة تحافظ على حقوق مصر والسودان التاريخية في مياه النيل. وقال علام في تصريحات لـ"الشرق"، إن مثل هذه الاتفاقية يجب أن تحافظ على التدفق الطبيعي للنيل الأزرق بما لا يسبب أضراراً لدولتَي المصب مصر والسودان، وتحقق لإثيوبيا أهدافها من توليد الكهرباء للاستهلاك المحلي، أو بيعها للخارج. واعتبر أن ذلك "يفتح باب التعاون بين مصر وإثيوبيا، ليس فقط في مجال الأمن المائي، ولكن في المجالات كافة بما يعود بالخير على القارة الإفريقية". وأردف بالقول: "نرحب بأي تصريحات إيجابية صادرة عن الجانب الإثيوبي، لكن يبقى التنفيذ على أرض الواقع هو المعيار الحقيقي للتقييم". تدويل الملف في المقابل، يرى الكاتب والباحث الإثيوبي، عبد الشكور عبد الصمد، في تصريحات لـ"الشرق"، أن تعاطي القاهرة خلال الفترة المقبلة مع ملف سد النهضة سيتغير بحكم الواقع على الأرض، بعدما تجاوزت أديس ابابا مرحلة بناء السد وجعلته أمراً واقعاً. ورأى أن هناك قناعة بعدم جدوى التصعيد الخلاف وحصره في أضيق نطاق واستخدام دبلوماسية أكثر هدوءاً بدلاً من حالة الشد والجذب التي صاحبت الأعوام السابقة. واستبعد عبد الصمد إعادة طرح ملف السد في المحافل الدولية، مشيراً إلى أن الفترة الماضية شهدت تصعيداً وتدويلاً للملف، لكن تمت، في النهاية، إعادته الى الاتحاد الأفريقي، بسبب قيود عملية المفاوضات، التي تعثرت بسبب مواقف، وصفها بأنها كانت "غير مرنة للجانب المصري "، مضيفاً أن "مجلس الأمن والأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية أصبحت على قناعة أن هذا الملف يجب أن يكون تحت رعاية الاتحاد الإفريقي"، على حد وصفه. وفي هذا السياق، اعتبر الباحث السوداني في الشؤون الدولية ومنطقة القرن الإفريقي، فؤاد عثمان، أن غياب ردود الفعل التصعيدية من كل من القاهرة والخرطوم، أمر لافت، وقال، في تصريحات لـ"الشرق"، إن ذلك "ليس تراجعاً أو قبولاً بالأمر الواقع، وإنما مؤشر على تحوّل في المقاربة الاستراتيجية، خاصة من الجانب المصري". ووفق عثمان، فإنه خلال العامين الماضيين، "كثّفت مصر من حضورها في الدوائر المحيطة بإثيوبيا في القرن الأفريقي، حوض النيل، والبحر الأحمر، عبر سلسلة من التحركات الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية، ما يوحي بمحاولة لإعادة هندسة توازنات القوى الإقليمية، وبناء شبكات نفوذ تمكّنها من إدارة تداعيات السد من موقع قوة، لا من موقع رد الفعل". ويرى عثمان، أن "هذا التمدد لم يكن معزولاً عن حسابات سد النهضة، بل شكّل امتداداً لمعادلة الردع الناعمة في ظل إدراك القاهرة أن أدوات الضغط المباشر قد استُنفدت دون نتائج ملموسة". وعن الموقف السوداني، يرى عثمان أن "السودان، وانشغاله بالحرب الداخلية وفقدانه لوحدة القرار السيادي والدبلوماسي، أضعف من قدرته على التأثير في الملف، رغم أنه الطرف الأكثر تضرراً من حيث غياب المعلومات وتضارب المصالح". وفي مناسبات عديدة، تؤكد مصر تمسكها بضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم ينظم عملية ملء وتشغيل السد، ويضمن حقوق دول المصب، خاصة في فترات الجفاف. كما تشدد على أهمية التنسيق والتعاون بين الدول الثلاث المعنية، مصر، والسودان، وإثيوبيا، لتفادي أي توتر قد ينجم عن الإجراءات الأحادية. كما تؤكد مصر، قدرتها على حماية حقوقها المائية في مياه النيل، في إطار القانون الدولي لحماية هذه الحقوق. تفاهمات فنية "غير ملزمة" في المقابل، يرجح الباحث في العلاقات الدولية، إبراهيم عبد الرحمن، أن مصر تسعى إلى الحفاظ على قنوات الاتصال مفتوحة مع إثيوبيا، خاصة في ظل غياب دعم دولي حاسم لأي تحرك تصعيدي، ويضيف في حديثه لـ"الشرق"، أنه يتوقع أن تتجه كل من مصر وإثيوبيا نحو "تفاهمات فنية غير ملزمة"، على غرار تبادل البيانات أو تنسيق جزئي في تشغيل السدد، دون توقيع اتفاق نهائي، مما يخلق حالة "هدوء حذر" تبقي الخلافات قائمة، ولكن تحت السيطرة. وإستبعد إبراهيم، الخيار العسكري المباشر في المدى القريب، لكنه قال: "قد تلجأ مصر إلى خطوات تصعيدية غير تقليدية، مثل تدويل الملف مجدداً، أو استخدام أدوات ضغط اقتصادية أو دبلوماسية على إثيوبيا، سواء عبر دول الجوار أو الشركاء الدوليين، ورهن ذلك في حال استمرار الإصرار الإثيوبي على عدم تقديم تنازلات أو شفافية فنية"، معتبراً أن ذلك قد يعود بالعلاقات إلى حالة الجمود. ومنذ الإعلان الإثيوبي عن مشروع سد النهضة في عام 2011، عبرت كل من مصر والسودان عن مواقف متباينة في التفاصيل، لكنها تلتقي في نقطة مركزية تشدد على ضرورة الوصول إلى اتفاق قانوني مُلزم ينظم عملية ملء وتشغيل السد ويضمن مصالح دول المصب. وتعتبر القاهرة، أن السد يشكل تهديداً مباشراً لأمنها المائي، وتؤكد أهمية التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم قبل المضي في أي خطوات تشغيلية إضافية، محذّرة من أي إجراء أحادي قد يعرّض مصالحها المائية للخطر. أما السودان، فيخشى من أن يؤدي عدم تبادل البيانات الفنية أو التنسيق المُسبق إلى مخاطر مباشرة على منشآته المائية، مثل سد الروصيرص القريب من الحدود الإثيوبية، ولذلك تُطالب الخرطوم أيضاً، باتفاق قانوني مُلزم، يضمن التشغيل الآمن والمنسق بين السدود، ويمنع حدوث أي مفاجآت فنية قد تهدد استقراره المائي. وشهد سدالنهضة، جولات تفاوضية متعددة برعاية الاتحاد الإفريقي والولايات المتحدة، دون أن تفضي إلى اتفاق نهائي، وفي أكثر من مناسبة، تحمل مصر والسودان، إثيوبيا، مسؤولية فشل المفاوضات بسبب ما يصفانه بـ"الإجراءات الأحادية"، في حين تؤكد أديس أبابا حقها السيادي في استخدام مواردها المائية من دون تأثير لدول المصب.


الشرق السعودية
١٢-٠٤-٢٠٢٥
- الشرق السعودية
إقليم تيجراي الإثيوبي.. انتقال سلمي للسلطة بعد صراع أثار مخاوف تجدد الحرب
في خطوة غير متوقعة عين رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، الجمعة، جيتاتشو رضا الحاكم السابق لإقليم تيجراي، وزيراً ومستشاراً له لشؤون شرق إفريقيا، ليتولى دوراً استشارياً رئيسياً في الحكومة الفيدرالية. وجاء قرار التعيين على خلفية صراع داخل قيادة جبهة تحرير تيجراي، انتهى بإعفاء رضا من منصب الحاكم، وتعين الجنرال تاديسي وريدي، قائد قوات جبهة تحرير تيجراي رئيساً للإدارة المؤقتة للإقليم. وشهد إقليم تيجراي شمالي إثيوبيا خلال الأسابيع الماضية صراعاً عنيفاً أثار مخاوف من انزلاق ثاني أكبر دولة إفريقية من حيث عدد السكان إلى نزاع آخر قد يضعها في مواجهة مع إريتريا حليفتها السابقة في حرب تيجراي عام 2020. وتصاعدت حالة التوتر بالإقليم بعد قرار استبعاد جيتاتشو رضا، وطرده من الجبهة التي كان يشغل فيها منصب نائب الرئيس وعضو اللجنة التنفيذية، ثم تفاقم الصراع، وبلغ ذروته بعد عمليات الاستيلاء العنيفة التي نفذتها قوات موالية لزعيم جبهة تحرير تيجراي دبراصيون جبراميكائيل على مراكز السلطة في الإقليم من إدارة المحافظات والمحليات بالقوة في مارس الماضي. وتطورت الخلافات بين فصيلي جيتاتشو رضا وزعيم الجبهة دبراصيون جبراميكائيل، بعد أن تبادل الطرفان الاتهامات بالفساد، واتهم رضا فصيل جبراميكائيل بـ"التخطيط لانقلاب" بعد أن دعا أكثر من 200 من جنرالات قوات جبهة تحرير تيجراي الموالون لدبرصيون جبراميكائيل إلى حل الإدارة المؤقتة للإقليم التي كان يقودها جيتاتشو رضا بالقوة. وتدخل رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد لتهدئة الصراع بإعفاء رضا، وتعين الجنرال تاديسي وريدي خلفاً له لقيادة الإقليم، وهو ما سعت إليه مجموعة دبراصيون جبراميكائيل. وقالت مصادر مطلعة لـ"الشرق"، إن آبي أحمد، عمل من خلال هذه الخطوة على تحييد مجموعة دبراصيون جبراميكائيل التي يتهمها غريمها جيتاتشو رضا، بإنشاء علاقات سرية مع جنرالات الجيش الإريتري ضمن تحالف يشمل مليشيات "فانو" في إقليم أمهرا المجاور، للإطاحة بحكومة أديس أبابا. وهو الأمر الذي نفاه دبراصيون جبراميكائيل خلال مؤتمر صحافي عقده مؤخراً متهما جيتاتشو رضا بـ"الخيانة الوطنية. وتأسست جبهة تحرير تيجراي عام 1975، ولعبت دوراً محورياً في الإطاحة بنظام منغيستو هايلي ماريام العسكري في عام 1991، ثم هيمنت لاحقاً على الساحة السياسة الإثيوبية من خلال تشكيل نظام فيدرالي إثني للبلاد استمر لأكثر من 3 عقود، حتى مجيء حكومة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد. وسرعان ما اندلع النزاع مع حكومة آبي أحمد بعد أن أحكمت الجبهة سيطرتها على الإقليم الذي تنحدر منه "تيجراي"، واستمر الصراع لأكثر من عامين، وانتهى بتوقيع اتفاق بريتوريا للسلام بجنوب إفريقيا في نوفمبر 2022 برعاية الاتحاد الإفريقي والولايات المتحدة. "صراع سلطة" واعتبر المحلل السياسي الإثيوبي هبتوم غبري، أن الصراع الحالي في إقليم تيجراي لا يعدو كونه "صراع سلطة بامتياز" بين من أسماه بـ"الحرس القديم" الذي لا زال يحلم بالعودة إلى الحكم، وفصيل جيتاتشو رضا الذي يُحظى بدعم الشباب. وقال غبري لـ"الشرق"، إن ما وصفه بالتفاف الشباب حول رضا يعود إلى "الخطوة الجريئة" التي اتخذها بالاعتراف بأنه وزملائه في المكتب التنفيذي لجبهة تحرير تيجراي، كانوا سبباً رئيسياً في جر الإقليم إلى الحرب مع الحكومة الفيدرالية في 2020، وأنه يتحمل مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في الإقليم جراء الحرب، معلناً سعيه إلى تصحيح الوضع من خلال تنفيذ اتفاق السلام مع الحكومة الفيدرالية وإعادة الحياة إلى طبيعتها. لكن مساعي إعادة الحياة لطبيعتها في إقليم تيجراي انتهت بحسب المحلل السياسي الإثيوبي، بعد أن أطاح فصيل زعيم الجبهة دبراصيون جبراميكائيل بجيتاتشو رضا من رئاسة الإدارة المؤقتة للإقليم، وسيطرتهم عليه، رغم عدم اعتراف الحكومة الفيدرالية بهذه الخطوة. بيد أن الخبير في شؤون القرن الإفريقي والمحلل آدم جبريل، يرى في خطوة رئيس الوزراء الإثيوبي بإعفاء جيتاتشو رضا من رئاسة الإقليم بعد صراعه مع "الحرس القديم" لجبهة تحرير تيجراي، "حنكة سياسية"، مشيراً إلى أن الحكومة الفيدرالية في أديس أبابا استشعرت خطورة ما أسماه بـ"التحالف السري الذي تشكل بدوافع مشتركة من أعداء الأمس في جبهة تحرير تيجراي والحكومة الإريترية ومليشيا (فانو) التي ما زالت تخوض حرباً شرسة مع السلطة المركزية في إقليم أمهرا". وبحسب جبريل، فإن محاولة أديس أبابا استمالة "الحرس القديم" المسيطر على جبهة تحرير تيجراي حالياً، يمثل محاولة لمعالجة مشكلات لا تقل خطورة عن ما حدث في 2020، وأدى إلى اندلاع حرب تيجراي الأولى، فالجبهة حينها أعلنت سيطرتها على الإقليم معلنة عدم اعترافها بحكومة أديس أبابا، ثم واجهت الحكومة الفيدرالية، وهو ما ينطبق على الوضع الحالي الذي يمارسه "الحرس القديم" على الإقليم متحدياً الحكومة الفيدرالية. وذكر جبريل لـ"الشرق"، أن سياسة "النفس الطويل" التي يمارسها رئيس الوزراء الإثيوبي في التعامل مع أزمة إقليم تيجراي، تهدف إلى تفكيك وضرب التحالف الثلاثي المكون من الجبهة ومليشيات "فانو" والحكومة الإريترية، من خلال تحييد فصيل دبراصيون جبراميكائيل ومفاوضته وهو ما حدث بالفعل، بتعين جيتاتشو رضا وزيراً ومستشاراً لآبي أحمد واستبعاده من الإقليم، لتنفرد به مجموعة "الحرس القديم" بعد تعين الجنرال، تاديسي وريدي، رئيساً لإدارة الإقليم. "انتقال لا يخلو من التحديات" وقال كيداني جبرا ميكائيل العضو بمنظمات المجتمع المدني بإقليم تيجراي، إن الانتقال السلمي للسلطة في إقليم تيجراي، لا يخلو من التحديات، مشيراً إلى أن السؤال الأهم خلال هذه المرحلة يتمثل في قدرة الحاكم الجديد الجنرال تاديسي وريدي على إحداث تغيير حقيقي في ظل استمرار نفس الهيكل الإداري والسياسي الذي قوبل بانتقادات خلال الفترة الماضية. وأضاف جبرا ميكائيل لـ"الشرق"، أن تعين الجنرال تاديسي وريدي رئيساً للإدارة المؤقتة لتيجراي "خطوة مهمة نحو تهدئة الأوضاع في الإقليم الذي يشهد صراعاً على السلطة وانقسامات داخلية بجبهة تحرير تيجراي"، مشيراً إلى أن الحاكم الجديد ينظر إليه كثيرون باعتباره "شخصية توافقية". وتابع: "ما جرى لا يُعد مجرد تغيير في الوجوه، بل محاولة لإعادة تعريف طبيعة المرحلة الانتقالية في تيجراي. فاختيار الجنرال تاديسي وريدي، لا يخلو من دلالات سياسية. فهو شخصية مطّلعة على مكامن القوة والقصور في التجربة السابقة، ويُنظر إليه كشخصية قادرة على ضبط إيقاع المرحلة دون إحداث صدامات داخلية". ولفت جبرا ميكائيل إلى أن "تطلعات شعب تيجراي للسلام والتنمية تتطلب ما هو أكثر من مجرد استقرار شكلي؛ فهي تحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية، ورؤية اقتصادية واضحة، وانفتاح على الحوار الوطني". تفاهمات بين أديس أبابا وتيجراي وأوضح مصدر مطلع لـ"الشرق"، أن مفاوضات قد تمت بالفعل بين فصيل دبراصيون جبراميكائيل والحكومة الإثيوبية، توصلا خلالها إلى تفاهمات قضت بإعفاء جيتاتشو رضا، وتعين الجنرال تاديسي وريدي رئيساً الإدارة المؤقتة لإقليم تيجراي، مقابل أن تقوم الجبهة بحل وتسريح قواتها وانتشار قوات الجيش الإثيوبي في مختلف المعسكرات السابقة التي كانت تتواجد بها بالإقليم. وأضاف أن المفاوضات تطورت مؤخراً لتبحث إمكانية استفادة الجيش الإثيوبي من قوات جبهة تحرير تيجراي حال اندلاع حرب مع إريتريا، وتلك خطوة وفق المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه، نجحت من خلالها أديس أبابا في إضعاف التحالف الثلاثي الذي كان يعول على خبرة قوات جبهة تحرير تيجراي في مواجهة حكومة آبي أحمد. وتصاعد التوتر السياسي بين إثيوبيا وإريتريا في العام 2023، بعد أن أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي أمام البرلمان نية بلاده تأمين ميناء على البحر الأحمر، وبالتالي المشاركة في التجارة البحرية الدولية، إذ قال إنه "بحلول عام 2030، سيبلغ عدد سكان إثيوبيا 150 مليون نسمة، ولا يمكن لهذا العدد من السكان أن يعيشوا في سجن جغرافي". وهي التصريحات التي قوبلت بقلق واسع النطاق باعتبارها مقدمة لعمل عسكري ضد إريتريا. وفي يناير 2024، وقعت إثيوبيا مذكرة تفاهم مع إقليم أرض الصومال الذي أعلن استقلاله عن الصومال من جانب واحد دون الحصول على اعتراف دولي، وعدت فيها بالاعتراف باستقلال الأخيرة مقابل الوصول إلى شريط ساحلي يمتد 19 كيلومتراً على خليج عدن، ما أشعل صراعاً آخر مع الصومال، غير أن وساطة تركية أنهت الصراع باتفاق "إعلان أنقرة" بين البلدين لتعود العلاقات بين مقديشو وأديس أبابا، ودخولهما في مفاوضات فنية مستمرة تسمح للبلدين بالاستفادة من مواردهما بطرق سلمية.