logo
"رئة الفشار"... داء بلا دوء يصيب مدخني السجائر الإلكترونية

"رئة الفشار"... داء بلا دوء يصيب مدخني السجائر الإلكترونية

Independent عربيةمنذ 3 أيام

ورد في تقارير نشرت أخيراً إصابة مراهق أميركي بحالة طبية غير مألوفة تسمى "رئة الفشار" popcorn lung، وذلك بعد استخدامه السجائر الإلكترونية أو "الفايب" vape بصورة سرية طوال ثلاث سنوات. "التهاب القصيبات المسدودة" bronchiolitis obliterans كما يعرف علمياً، هو داء نادر، ولكنه خطر ولا شفاء منه، يلحق الضرر بالممرات الهوائية البالغة الصغر في الرئتين، متسبباً بالسعال المستمر، والصفير عند التنفس، وشعور مستمر بالإرهاق وضيق في التنفس.
ظهر مصطلح "رئة الفشار" في أوائل القرن الـ21، بعدما أصيب عدد من عمال مصنع لفشار الميكروويف بمشكلات رئوية خطرة نتيجة استنشاقهم المادة الكيماوية "ثنائي الأسيتيل" diacetyl، علماً أنها المكون نفسه المستخدم لإعطاء هذا النوع من الفشار نكهته الغنية بطعم الزبدة.
"ثنائي الأسيتيل"، أو "2،3-بيوتانيديون" 2,3-butanedione هو عامل نكهة يتحول إلى مادة سامة عند استنشاقه، ويسبب في هذه الحالة التهاباً وتندباً في القصيبات الهوائية (أصغر التفرعات داخل الرئتين) [فتفقد هذه الممرات مرونتها وتصبح أقل قدرة على التمدد والانكماش]، مما يعوق مرور الهواء عبرها تدريجاً. والنتيجة: تلف رئوي دائم لا شفاء منه، وغالباً ما يؤدي إلى عجز تنفسي مزمن.
استخدام مادة "ثنائي الأسيتيل" في السجائر الإلكترونية ممنوع قانونياً في دول الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، ولكن ليس في الولايات المتحدة وبعض الدول الأخرى التي لا تفرض حظراً مماثلاً. أضف إلى ذلك أن السجائر الإلكترونية غير القانونية التي لا تلتزم بالمعايير التنظيمية منتشرة على نطاق واسع.
علاوة على "ثنائي الأسيتيل"، تسهم مواد كيماوية سامة أخرى في الإصابة بداء "رئة الفشار" أيضاً، من بينها مجموعة المركبات الكيماوية المتطايرة المعروفة بـ"الكربونيلات" carbonyls، مثل "الفورمالديهايد" formaldehyde و"الأسيتالديهيد" acetaldehyde، وقد رصدت التحاليل المخبرية وجود هاتين المادتين في أبخرة السجائر الإلكترونية أيضاً.
أما الجانب الأكثر إثارة للقل هو أنه لا يتوفر علاج لـ"رئة الفشار". فمبجرد حدوث التلف الرئوي وتدهور قدرتهما على أداء وظيفتهما، تقتصر التدخلات الطبية على تخفيف وطأة الأعراض وتأثيرها في الحياة اليومية للمريض. ويشمل ذلك موسعات الشعب الهوائية في الرئتين، والستيرويدات، وفي الحالات المتقدمة من المرض تصبح زراعة الرئة ضرورية. لهذا السبب، الوقاية، وليس العلاج، تبقى الوسيلة الأفضل للحماية.
ولكن مع ذلك فإن الوقاية ليست بالأمر السهل بالنسبة إلى الشباب الذين يدخنون السجائر الإلكترونية.
فخ السجائر الإلكترونية
معلوم أن التدخين الإلكتروني يحظى بشعبية كبيرة بين أوساط المراهقين والشباب، ربما لأن السوق تغص بآلاف الأنواع من منتجات الفايب" ذات النكهات الجذابة، من مذاق علكة الفقاعات (bubblegum) إلى حلوى القطن (غزل البنات) مروراً بالآيس كريم بطعم المانغو، ولكن هذه الطعمات التي تحاكي مذاق الفاكهة والسكاكر تخفي مواد كيماوية مضرة.
فالسائل الإلكتروني قد يحوي النيكوتين، لكنه يضم أيضاً مزيجاً كيماوياً مصمماً لجذب المستخدمين. واللافت أن عديداً من المواد المنكهة المستخدمة في هذه السوائل معتمدة للاستخدام الغذائي، لكن ذلك لا يعني أنها آمنة عند استنشاقها.
وتكمن الخطورة في الفارق التالي تحديداً: عند تناول المواد الكيماوية، تمر أولاً بنظام دفاعي طبيعي يبدأ بالجهاز الهضمي فيما يعمل الكبد على فلترة جزء كبير منها قبل أن تدخل مجرى الدم. هكذا، تقلل هذه الرحلة من الضرر المحتمل الذي تنطوي عليه هذه المواد. أما عند استنشاقها، فإنها تتجاوز تماماً نظام الفلترة الدفاعي هذا، وتذهب مباشرة إلى الرئتين، ومنهما مباشرة إلى مجرى الدم، لتصل خلال ثوانٍ إلى أعضاء حيوية مثل القلب والدماغ.
ولهذا السبب كانت الإصابات التي تحدثنا عنها سابقاً في مصنع فشار الميكروويف مأسوية جداً. هل تناول الفشار بنكهة الزبدة آمن؟ طبعاً. ولكن استنشاق المادة الكيماوية التي تمنحه طعم الزبدة يتسبب بضرر مدمر على صحتك.
التعقيد الكيماوي في السجائر الإلكترونية
تتسم التركيبة الكيماوية في السجائر الإلكترونية بدرجة كبيرة من الغموض والضبابية [في ظل غياب معايير واضحة]. صحيح أن مادة "ثنائي الأسيتيل" البالغة الضرر غير موجودة في بعض السجائر الإلكترونية، غير أن بدائلها مثل "الأسيتوين" و"2،3-بنتانيديون"، تكون ضارة بالقدر نفسه.
وفق تقديرات الخبراء، يستخدم اليوم أكثر من 180 مادة منكهة متنوعة في منتجات السجائر الإلكترونية اليوم. عند تعرضها للحرارة، يتحلل كثير منها إلى مركبات كيماوية جديدة، بعضها لم تختبر سلامته للاستنشاق على الإطلاق، وهو ما يبعث على قلق كبير.
تدخين السجائر الإلكترونية شائع جداً بين المراهقين والشباب (أ ب)
على رغم أن الأخطار الدقيقة لاستنشاق هذه المواد لا تزال غير معروفة بالكامل، فإن هناك حالات موثقة طبياً لمرض "رئة الفشار" ارتبطت باستخدام السجائر الإلكترونية. ولما كانت رئات المدخنين تتعرض لكثير من المواد الكيماوية، من الصعب إثبات أن "ثنائي الأسيتيل" وحده هو السبب المباشر في أي حال محددة، ولكن مع ذلك لا ينفي هذا الواقع الأخطار المثبتة الناجمة عن استنشاق هذه المادة.
حتى وإن لم يكن "ثنائي الأسيتيل" السبب الوحيد وراء "رئة الفشار"، فإن التعرض التراكمي لمواد كيماوية متعددة ومواد إضافية ناتجة من الاحتراق والتحلل يفاقم خطر الإصابة بهذا الداء وغيره من أمراض الجهاز التنفسي.
تنعكس هذه المأساة في قصة مراهقة أميركية أصيبت بالمرض. تذكرنا حالتها بـ"أزمة إيفالي" (Evali crisis) عام 2019 (إصابة الرئة المرتبطة باستخدام السجائر الإلكترونية أو منتجات الفايبينغ)، والتي أسفرت عن 68 وفاة وأكثر من 2800 حالة دخول إلى المستشفى في الولايات المتحدة. وقد ربطت الفحوص الطبية هذا التفشي في النهاية بـ"أسيتات فيتامين هـ"، علماً أنه مادة تستخدم لزيادة لزوجة السائل في بعض منتجات "الفايبينغ" التي تحوي القنب. وعند تعرضه للحرارة، ينتج غازاً شديد السمية يسمى "الكيتين" ketene.
وتدق الدراسات الحديثة ناقوس الخطر في شأن تأثير "الفايبينغ" على صحة الجهاز التنفسي لدى الشباب. وجدت دراسة شملت دولاً عدة أن المراهقين الذين يستخدمون السجائر الإلكترونية يواجهون أعراضاً تنفسية متزايدة، حتى بعد استبعاد تأثير تدخين السجائر العادية. وتبين أن بعض النكهات، وأملاح النيكوتين، والاستخدام المتكرر، تسهم في ظهور هذه الأعراض.
ما الذي يعنيه كل ذلك؟
الرسالة واضحة وهو أن التاريخ يعيد نفسه. فكما أدت معاناة عمال مصانع الفشار إلى إعادة النظر في معايير السلامة المهنية، فإننا اليوم في حاجة ملحة إلى تشريعات وتنظيمات مماثلة لحماية مستخدمي السجائر الإلكترونية – وبخاصة الجيل القادم.
دروس الماضي لحماية المستقبل
ربما يبدو الفشار والتدخين الإلكتروني عالمين مختلفين تماماً، ولكنهما يرتبطان بخيط مشترك: التعرض لمواد كيماوية يستنشقها المستخدمون على رغم أنها تلحق الأذى بالرئتين لأنها مصنوعة أصلاً بما يتماشى مع الجهاز الهضمي وليس التنفسي. عليه، الخطر لا يكمن في المواد الكيماوية نفسها عند تناولها، بل في التغيرات التي تطرأ عليها عند التسخين، ثم استنشاقها ودخولها إلى الرئتين.
هكذا، إذا طبقنا دروس السلامة الصناعية على عادات التدخين الإلكتروني اليوم، خصوصاً بين الشباب، يمكننا أن نتفادى تكرار الأخطاء نفسها. صياغة قوانين تنظيمية، ووضع ملصقات واضحة، وخضوع المكونات لتحاليل مخبرية أكثر دقة، إضافة إلى الحملات التوعوية... تساعد كلها في تقليص الأخطار.
إلى أن يتحقق ذلك، تبقى حال المراهقة الأميركية المذكورة آنفاً وغيرها من إصابات بمثابة تذكير لنا بأن السجائر الإلكترونية، على رغم نكهاتها المطعمة بمذاق الفاكهة وتصميمها العصري الأنيق، ليست خالية من العواقب. وأحياناً، الأشياء التي تبدو غير ضارة قد تترك في الجسد ضرراً يدوم مدى الحياة.
تم تحديث هذه المقالة لتشمل تفاصيل حول أماكن توافر السجائر الإلكترونية التي تحوي "ثنائي الأسيتيل"، وكيفية ارتباطهما بالأخطار الصحية.
دونال أوشيا بروفيسور في الكيمياء في "جامعة الطب والعلوم الصحية" التابعة لـ"الكلية الملكية للجراحين في إيرلندا" RCSI وجيري ماكلفاني بروفيسور في الطب في الجامعة نفسها.
نشرت هذه المقالة للمرة الأولى على الموقع الإلكتروني "ذا كونفرزيشن" وأعيد نشرها هنا بموجب المشاع الإبداعي.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

اخبار اليمن : تحذيرات من مجاعة في اليمن عشية اجتماع ''انساني'' يعقد في بروكسل
اخبار اليمن : تحذيرات من مجاعة في اليمن عشية اجتماع ''انساني'' يعقد في بروكسل

حضرموت نت

timeمنذ 3 أيام

  • حضرموت نت

اخبار اليمن : تحذيرات من مجاعة في اليمن عشية اجتماع ''انساني'' يعقد في بروكسل

ينعقد في العاصمة البلجيكية بروكسل غدا (21 مايو) الاجتماع السنوي السابع لكبار المسؤولين الإنسانيين بشأن اليمن برئاسة مشتركة مع الاتحاد الأوروبي، في الوقت الذي لا يزال اليمن يقف على حافة الهاوية. وتهدد التقليصات المفاجئة للمساعدات شريان الحياة الذي يعتمد عليه ملايين اليمنيين، وسط تحذيرات دولية من ظهور جيوب مجاعة وتفشي الفقر والمرض. ولا يزال الصراع والانهيار الاقتصادي والصدمات المناخية تتسبّب باستمرار الاحتياجات، وتتحمل النساء والفتيات العبء الأكبر لتداعيات الأزمة. وقالت مدير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بالإنابة في اليمن روزاريا برونو في بيان صحفي: 'لا يمكننا أن نستسلم ولن نفعل ذلك.. يجب أن نتكاتف ونعمل معاً- الشركاء اليمنيين في الخطوط الأمامية للاستجابة الإنسانية، والمنظمات غير الحكومية الدولية، ووكالات الأمم المتحدة، والمانحين- لإنقاذ الأرواح'. وأجبرت التقليصات الحادة في التمويل وكالات الإغاثة في اليمن على تقليص مساعدات حيوية. ويدعو مجتمع العمل الإنساني لتوفير 1.4 مليار دولار لدعم 8.8 مليون شخص خلال ما تبقى من العام الجاري. وحتى 13 مايو الجاري، لم تموّل خطة الاستجابة للاحتياجات الإنسانية في اليمن ٢٠٢٥ سوى ٩%، حيث تم استلام ٢٢٢ مليون دولار من إجمالي الاحتياجات البالغة ٢.٥ مليار دولار. وهذا أقل مستوى تغطية تمويلية منذ أكثر من عقد. وتعني تقليصات التمويل أن ملايين اليمنيين لم يعودوا يتلقون المساعدات الإنسانية التي يحتاجونها للبقاء على قيد الحياة. وأعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن في تقرير أنه بدون زيادة التمويل بشكل عاجل، فإن 771 مرفقاً صحياً سيتوقف عن العمل ما سيترك نحو 7 ملايين شخص بدون رعاية صحية أساسية. ومن الممكن أن تضطر خدمات الأمم المتحدة للنقل الجوي الإنساني إلى تعليق عملياتها بحلول أغسطس، ما سيؤثّر على تنقلات العاملين في المجال الإنساني ضمن نطاق اليمن وإليها. وحذّر المكتب الأممي: 'بدون زيادة التمويل بشكل عاجل فإن 6 ملايين يمني سيعانون من الجوع الشديد، ومن الممكن أن تظهر جيوب سكانية تعاني من المجاعة في الأشهر القادمة'. وقد يترك 1.4 مليون طفل مدارسهم، ما يزيد من تعرّض الأطفال لمخاطر تهديدات الحماية ويعرّض مستقبلهم للخطر. وسيحرم نقص التمويل 870 ألف شخص ضعيف من الحصول على المساعدات النقدية، ما سيجبر الأسر على تقليل وجبات الطعام واللجوء إلى استراتيجيات التكيف السلبية الأخرى. وأكدت الأمم المتحدة أنه رغم الصعوبات، يبذل العاملون في المجال الإنساني- خاصةً المنظمات غير الحكومية اليمنية- كل ما في وسعهم بما لديهم من تمويل. وأشارت إلى أنه 'بالدعم المقدم من المانحين، نحن نكافح الجوع وسوء التغذية، والأمراض والنزوح، ونقدم الحماية، والتعليم، والمأوى، والمواد غير الغذائية، والمياه النظيفة'. وشدّدت على الحاجة إلى الدعم العاجل لمواصلة العمل، بما في ذلك التمويل المرن والمنتظم، وأهم من ذلك كله، 'يحتاج اليمنيون إلى فرصة للتعافي، ويحتاجون إلى السلام'.

"رئة الفشار"... داء بلا دوء يصيب مدخني السجائر الإلكترونية
"رئة الفشار"... داء بلا دوء يصيب مدخني السجائر الإلكترونية

Independent عربية

timeمنذ 3 أيام

  • Independent عربية

"رئة الفشار"... داء بلا دوء يصيب مدخني السجائر الإلكترونية

ورد في تقارير نشرت أخيراً إصابة مراهق أميركي بحالة طبية غير مألوفة تسمى "رئة الفشار" popcorn lung، وذلك بعد استخدامه السجائر الإلكترونية أو "الفايب" vape بصورة سرية طوال ثلاث سنوات. "التهاب القصيبات المسدودة" bronchiolitis obliterans كما يعرف علمياً، هو داء نادر، ولكنه خطر ولا شفاء منه، يلحق الضرر بالممرات الهوائية البالغة الصغر في الرئتين، متسبباً بالسعال المستمر، والصفير عند التنفس، وشعور مستمر بالإرهاق وضيق في التنفس. ظهر مصطلح "رئة الفشار" في أوائل القرن الـ21، بعدما أصيب عدد من عمال مصنع لفشار الميكروويف بمشكلات رئوية خطرة نتيجة استنشاقهم المادة الكيماوية "ثنائي الأسيتيل" diacetyl، علماً أنها المكون نفسه المستخدم لإعطاء هذا النوع من الفشار نكهته الغنية بطعم الزبدة. "ثنائي الأسيتيل"، أو "2،3-بيوتانيديون" 2,3-butanedione هو عامل نكهة يتحول إلى مادة سامة عند استنشاقه، ويسبب في هذه الحالة التهاباً وتندباً في القصيبات الهوائية (أصغر التفرعات داخل الرئتين) [فتفقد هذه الممرات مرونتها وتصبح أقل قدرة على التمدد والانكماش]، مما يعوق مرور الهواء عبرها تدريجاً. والنتيجة: تلف رئوي دائم لا شفاء منه، وغالباً ما يؤدي إلى عجز تنفسي مزمن. استخدام مادة "ثنائي الأسيتيل" في السجائر الإلكترونية ممنوع قانونياً في دول الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، ولكن ليس في الولايات المتحدة وبعض الدول الأخرى التي لا تفرض حظراً مماثلاً. أضف إلى ذلك أن السجائر الإلكترونية غير القانونية التي لا تلتزم بالمعايير التنظيمية منتشرة على نطاق واسع. علاوة على "ثنائي الأسيتيل"، تسهم مواد كيماوية سامة أخرى في الإصابة بداء "رئة الفشار" أيضاً، من بينها مجموعة المركبات الكيماوية المتطايرة المعروفة بـ"الكربونيلات" carbonyls، مثل "الفورمالديهايد" formaldehyde و"الأسيتالديهيد" acetaldehyde، وقد رصدت التحاليل المخبرية وجود هاتين المادتين في أبخرة السجائر الإلكترونية أيضاً. أما الجانب الأكثر إثارة للقل هو أنه لا يتوفر علاج لـ"رئة الفشار". فمبجرد حدوث التلف الرئوي وتدهور قدرتهما على أداء وظيفتهما، تقتصر التدخلات الطبية على تخفيف وطأة الأعراض وتأثيرها في الحياة اليومية للمريض. ويشمل ذلك موسعات الشعب الهوائية في الرئتين، والستيرويدات، وفي الحالات المتقدمة من المرض تصبح زراعة الرئة ضرورية. لهذا السبب، الوقاية، وليس العلاج، تبقى الوسيلة الأفضل للحماية. ولكن مع ذلك فإن الوقاية ليست بالأمر السهل بالنسبة إلى الشباب الذين يدخنون السجائر الإلكترونية. فخ السجائر الإلكترونية معلوم أن التدخين الإلكتروني يحظى بشعبية كبيرة بين أوساط المراهقين والشباب، ربما لأن السوق تغص بآلاف الأنواع من منتجات الفايب" ذات النكهات الجذابة، من مذاق علكة الفقاعات (bubblegum) إلى حلوى القطن (غزل البنات) مروراً بالآيس كريم بطعم المانغو، ولكن هذه الطعمات التي تحاكي مذاق الفاكهة والسكاكر تخفي مواد كيماوية مضرة. فالسائل الإلكتروني قد يحوي النيكوتين، لكنه يضم أيضاً مزيجاً كيماوياً مصمماً لجذب المستخدمين. واللافت أن عديداً من المواد المنكهة المستخدمة في هذه السوائل معتمدة للاستخدام الغذائي، لكن ذلك لا يعني أنها آمنة عند استنشاقها. وتكمن الخطورة في الفارق التالي تحديداً: عند تناول المواد الكيماوية، تمر أولاً بنظام دفاعي طبيعي يبدأ بالجهاز الهضمي فيما يعمل الكبد على فلترة جزء كبير منها قبل أن تدخل مجرى الدم. هكذا، تقلل هذه الرحلة من الضرر المحتمل الذي تنطوي عليه هذه المواد. أما عند استنشاقها، فإنها تتجاوز تماماً نظام الفلترة الدفاعي هذا، وتذهب مباشرة إلى الرئتين، ومنهما مباشرة إلى مجرى الدم، لتصل خلال ثوانٍ إلى أعضاء حيوية مثل القلب والدماغ. ولهذا السبب كانت الإصابات التي تحدثنا عنها سابقاً في مصنع فشار الميكروويف مأسوية جداً. هل تناول الفشار بنكهة الزبدة آمن؟ طبعاً. ولكن استنشاق المادة الكيماوية التي تمنحه طعم الزبدة يتسبب بضرر مدمر على صحتك. التعقيد الكيماوي في السجائر الإلكترونية تتسم التركيبة الكيماوية في السجائر الإلكترونية بدرجة كبيرة من الغموض والضبابية [في ظل غياب معايير واضحة]. صحيح أن مادة "ثنائي الأسيتيل" البالغة الضرر غير موجودة في بعض السجائر الإلكترونية، غير أن بدائلها مثل "الأسيتوين" و"2،3-بنتانيديون"، تكون ضارة بالقدر نفسه. وفق تقديرات الخبراء، يستخدم اليوم أكثر من 180 مادة منكهة متنوعة في منتجات السجائر الإلكترونية اليوم. عند تعرضها للحرارة، يتحلل كثير منها إلى مركبات كيماوية جديدة، بعضها لم تختبر سلامته للاستنشاق على الإطلاق، وهو ما يبعث على قلق كبير. تدخين السجائر الإلكترونية شائع جداً بين المراهقين والشباب (أ ب) على رغم أن الأخطار الدقيقة لاستنشاق هذه المواد لا تزال غير معروفة بالكامل، فإن هناك حالات موثقة طبياً لمرض "رئة الفشار" ارتبطت باستخدام السجائر الإلكترونية. ولما كانت رئات المدخنين تتعرض لكثير من المواد الكيماوية، من الصعب إثبات أن "ثنائي الأسيتيل" وحده هو السبب المباشر في أي حال محددة، ولكن مع ذلك لا ينفي هذا الواقع الأخطار المثبتة الناجمة عن استنشاق هذه المادة. حتى وإن لم يكن "ثنائي الأسيتيل" السبب الوحيد وراء "رئة الفشار"، فإن التعرض التراكمي لمواد كيماوية متعددة ومواد إضافية ناتجة من الاحتراق والتحلل يفاقم خطر الإصابة بهذا الداء وغيره من أمراض الجهاز التنفسي. تنعكس هذه المأساة في قصة مراهقة أميركية أصيبت بالمرض. تذكرنا حالتها بـ"أزمة إيفالي" (Evali crisis) عام 2019 (إصابة الرئة المرتبطة باستخدام السجائر الإلكترونية أو منتجات الفايبينغ)، والتي أسفرت عن 68 وفاة وأكثر من 2800 حالة دخول إلى المستشفى في الولايات المتحدة. وقد ربطت الفحوص الطبية هذا التفشي في النهاية بـ"أسيتات فيتامين هـ"، علماً أنه مادة تستخدم لزيادة لزوجة السائل في بعض منتجات "الفايبينغ" التي تحوي القنب. وعند تعرضه للحرارة، ينتج غازاً شديد السمية يسمى "الكيتين" ketene. وتدق الدراسات الحديثة ناقوس الخطر في شأن تأثير "الفايبينغ" على صحة الجهاز التنفسي لدى الشباب. وجدت دراسة شملت دولاً عدة أن المراهقين الذين يستخدمون السجائر الإلكترونية يواجهون أعراضاً تنفسية متزايدة، حتى بعد استبعاد تأثير تدخين السجائر العادية. وتبين أن بعض النكهات، وأملاح النيكوتين، والاستخدام المتكرر، تسهم في ظهور هذه الأعراض. ما الذي يعنيه كل ذلك؟ الرسالة واضحة وهو أن التاريخ يعيد نفسه. فكما أدت معاناة عمال مصانع الفشار إلى إعادة النظر في معايير السلامة المهنية، فإننا اليوم في حاجة ملحة إلى تشريعات وتنظيمات مماثلة لحماية مستخدمي السجائر الإلكترونية – وبخاصة الجيل القادم. دروس الماضي لحماية المستقبل ربما يبدو الفشار والتدخين الإلكتروني عالمين مختلفين تماماً، ولكنهما يرتبطان بخيط مشترك: التعرض لمواد كيماوية يستنشقها المستخدمون على رغم أنها تلحق الأذى بالرئتين لأنها مصنوعة أصلاً بما يتماشى مع الجهاز الهضمي وليس التنفسي. عليه، الخطر لا يكمن في المواد الكيماوية نفسها عند تناولها، بل في التغيرات التي تطرأ عليها عند التسخين، ثم استنشاقها ودخولها إلى الرئتين. هكذا، إذا طبقنا دروس السلامة الصناعية على عادات التدخين الإلكتروني اليوم، خصوصاً بين الشباب، يمكننا أن نتفادى تكرار الأخطاء نفسها. صياغة قوانين تنظيمية، ووضع ملصقات واضحة، وخضوع المكونات لتحاليل مخبرية أكثر دقة، إضافة إلى الحملات التوعوية... تساعد كلها في تقليص الأخطار. إلى أن يتحقق ذلك، تبقى حال المراهقة الأميركية المذكورة آنفاً وغيرها من إصابات بمثابة تذكير لنا بأن السجائر الإلكترونية، على رغم نكهاتها المطعمة بمذاق الفاكهة وتصميمها العصري الأنيق، ليست خالية من العواقب. وأحياناً، الأشياء التي تبدو غير ضارة قد تترك في الجسد ضرراً يدوم مدى الحياة. تم تحديث هذه المقالة لتشمل تفاصيل حول أماكن توافر السجائر الإلكترونية التي تحوي "ثنائي الأسيتيل"، وكيفية ارتباطهما بالأخطار الصحية. دونال أوشيا بروفيسور في الكيمياء في "جامعة الطب والعلوم الصحية" التابعة لـ"الكلية الملكية للجراحين في إيرلندا" RCSI وجيري ماكلفاني بروفيسور في الطب في الجامعة نفسها. نشرت هذه المقالة للمرة الأولى على الموقع الإلكتروني "ذا كونفرزيشن" وأعيد نشرها هنا بموجب المشاع الإبداعي.

المستهلكون في بريطانيا أكثر عرضة للأطعمة المسرطنة بسبب بريكست
المستهلكون في بريطانيا أكثر عرضة للأطعمة المسرطنة بسبب بريكست

Independent عربية

timeمنذ 7 أيام

  • Independent عربية

المستهلكون في بريطانيا أكثر عرضة للأطعمة المسرطنة بسبب بريكست

أُثيرت حديثاً مخاوف من أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) جعل المستهلكين البريطانيين أكثر عرضة للأطعمة التي تزيد من خطر الإصابة بالسرطان نتيجة فشل المملكة المتحدة في مواكبة معايير الاتحاد الأوروبي منذ مغادرته. وفي هذا السياق، وُضعت آمال كبيرة على أنه في حال وافق رئيس الوزراء كير ستارمر على مواكبة المملكة المتحدة لقواعد وأنظمة الاتحاد الأوروبي في اتفاق إعادة ضبط "بريكست" [إي إعادة ضبط العلاقات البريطانية- الأوروبية وبخاصة التجارية منها] والذي سيتم الكشف عنه يوم الإثنين المقبل، سيصبح من الممكن الحد من التعرض لمواد النترات المسرطنة في لحم الخنزير المقدد ولحم الخنزير المدخن. ولكن هناك هواجس انعكست في استطلاع جديد أجرته شركة "جي أل بارتنرز" J.L Partners والذي كشف ليس فقط أن أكثر من ثلثي البريطانيين (69 في المئة) يخشون أن تتخلف المملكة المتحدة عن معايير الغذاء الأوروبية، وأن 55 في المئة من الناخبين المؤيدين لحزب "ريفورم" الموالي للبريكست في انتخابات عام 2024 يشاركون أيضاً هذه المخاوف. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) في غضون ذلك، تدخل قواعد الاتحاد الأوروبي الأكثر صرامة والتي تحد من كمية "النترات" المسموح بها في لحم الخنزير المقدد ولحم الخنزير المدخن حيز التنفيذ في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، ولكن المملكة المتحدة تسمح حالياً باستخدام مستويات أعلى من المواد الكيماوية المسرطنة في اللحوم المصنعة. ودقت هذه القضية ناقوس الخطر لدى مجموعة من كبار العلماء في العالم، الذين انضموا إلى ممثلين من سبعة أحزاب سياسية، بما في ذلك وزيرة سابقة للصحة، حيث دعوا جميعاً إلى إزالة أملاح النترات المسرطنة من اللحوم المصنعة. وفي سياقٍ متصل، سبق لمنظمة الصحة العالمية عام 2015 أن صنفت اللحوم المصنعة على أنها مادة مسرطنة من المجموعة الأولى– وُضعت في الخانة ذاتها مع التبغ- ونسبت ما يقدر بنحو 34 ألف حالة وفاة بسرطان القولون والمستقيم colorectal cancer على مستوى العالم سنوياً إلى الأنظمة الغذائية الغنية باللحوم المصنعة. وفي هذا الصدد أيضاً، انطلقت هذا الأسبوع منظمة تحت مسمى "التحالف ضد النترات" The Coalition Against Nitrites، وهي منظمة جديدة غير ربحية، تأسست بدعمٍ من ثلاثة علماء سابقين في منظمة الصحة العالمية، وأستاذ في جامعة هارفرد، وكبير الخبراء في سلامة الأغذية في المملكة المتحدة. وتشمل لائحة الأسماء التي تدعم تلك الحملة البروفيسور باولو فينيس من إمبريال كوليدج لندن والبروفيسور دينيس كوربيت من جامعة تولوز والبروفيسور روبرت تورسكي من جامعة مينيسوتا. وتضم مجموعة العلماء الآخرين الداعمين لتلك الحملة كل من البروفيسور والتر ويليت من جامعة هارفرد والذي يُعتبر أكبر أخصائيي التغذية تأثيراً في العالم، والبروفيسور كريس إليوت الذي أسس المعهد العالمي للأمن الغذائي في جامعة كوينز في بلفاست وقاد التحقيق الذي أجرته حكومة المملكة المتحدة في فضيحة لحوم الخيول عام 2013. وتضم لائحة المؤيدين السياسيين للحملة وزير الصحة السابق المنتمي إلى حزب المحافظين اللورد بيثيل ووزيرة الصحة السابقة في حكومة الظل والنائبة العمالية شارون هودغسون والمتحدث عن شؤون الصحة في الحزب الديمقراطي الاتحادي [في إيرلندا الشمالية] Democratic Unionist Party والعضو في البرلمان جيم شانون، إضافة إلى البارونة بينيت الزعيمة سابقة لحزب الخضر في المملكة المتحدة، والبارونة جونز النائبة السابقة لعمدة لندن والبارونة ريتشي الزعيمة السابقة للحزب الاشتراكي العمالي [في إيرلندا الشمالية] Social Democratic and Labour Party. وفي هذا الإطار، قال البروفيسور كريس إليوت: "أدى خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي إلى تراجعنا عن معايير الغذاء الأوروبية. وتُعتبر عملية إضافة النترات إلى اللحوم المصنعة مثالاً واضحاً على ذلك"، مضيفاً "في وقتٍ يسعى الاتحاد الأوروبي لحماية مستهلكيه من خلال تحسين قواعد سلامة الغذاء، انعطفت المملكة المتحدة عن هذا المسار مما جعل المستهلكين البريطانيين أكثر عرضة للخطر. من الضروري أن تواكب المملكة المتحدة تحسين قواعد سلامة الغذاء في الاتحاد الأوروبي حرصاً على الصحة العامة." من جهته، قال البروفيسور والتر ويليت من كلية الصحة في جامعة هارفرد "حان الوقت للحكومات في العالم أن تتحرك وتفرض حظراً على استخدام هذه المواد الكيماوية أو لمنتجي الأغذية أن يتخذوا الخيارات الصائبة بما يصب في مصلحة صحة الإنسان وأن يزيلوا تلك المواد الكيماوية الخطيرة بأنفسهم من منتجاتهم". وكانت وكالة المعايير الغذائية في المملكة المتحدة قد زعمت في وقت سابق أن النترات "ضروري" للحماية من التسمم الغذائي من اللحوم. وجاء في البيان الذي أصدرته "تُستخدم النترات والنيتريتات (E 249 - E 252) في بعض أنواع الأجبان واللحوم المصنعة، مثل لحم الخنزير المقدد ولحم الخنزير المدخن ولحم البقر المملح وغيرها من اللحوم المصنعة، للحفاظ على لونها الأحمر وللمساعدة على منحها نكهة المنتجات "المجففة". إلا أن دورها الرئيس هو الحد من نمو الكائنات الدقيقة الضارة وبشكلٍ خاص بكتيريا كلوستريديوم البوتولينوم clostridium botulinum وهي بكتيريا قد تكون مميتة". ولكن، قام الاتحاد الأوروبي حديثاً بالتشدد في القوانين المتعلقة باستخدام النترات كمضافات غذائية في اللحوم المصنعة، مما أدى إلى خفض المستويات المسموح بها قانوناً. وتم منح شركات الأغذية مهلة عامين للتكيف مع هذه المعايير الجديدة، على أن تُطبق تلك الأنظمة بشكل كامل اعتباراً من أكتوبر 2025. وسبق للحكومة الفرنسية أن أقرت فعلاً بالأخطار الصحية المرتبطة بالنترات في اللحوم المصنعة، واتخذت إجراءات للحد من استخدامها. ففي مارس (آذار) 2023، كشفت عن خطة عمل تهدف إلى خفض فوري لإضافات النترات في اللحوم الباردة بنسبة تصل إلى 20 في المئة. وفي السياق، قالت النائبة عن حزب العمال شارون هودغسون التي شغلت منصب وزيرة الصحة السابقة في حكومة الظل "انطلاقاً مما نعرفه اليوم عن الأخطار الصحية الناجمة عن إضافة النترات، حان الوقت لإجراء نقاشٍ جدي حول سلامة غذائنا".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store