رحلة مع كتاب «المدن والتجارة في الحضارة العربية الإسلامية» للأستاذ الدكتور مجد الدين خمش
نضال برقانمن خلال كتابه الجديد «المدن والتجارة في الحضارة العربية الإسلامية» يعمل الأستاذ الدكتور مجد الدين خمش، عميد كلية الآداب الأسبق في الجامعة الأردنية، على تحليل استثمار الحضارة العربية والإسلامية لطرق الحرير البرية والبحرية القديمة بشكل فاعل أسهم في صنع الروافد المالية، والثقافية، والسياسية الأساسية التي دعّمت المدن العربية الإسلامية ومكوّناتها السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية. مما أدى إلى ازدهارها، وتطوّرها، وتعاظم دورها الحضاري، خصوصًا بعد أن سيطرت الجيوش الإسلامية على طرق وممرات الحرير التجارية البرية والبحرية في عصرها الزاهر شرقًا وغربًا محقّقة السبق الحضاري على مستوى العالم القديم. و»طرق الحرير» مصطلح مجازي للإشارة إلى الروافد التي كانت تدعم صعود وازدهار الحضارات القديمة، خصوصًا البوذية، والفارسية، والصينية، والمغولية، والهندية، والرومانية، والإسلامية. فقد استثمرت جميعها طرق الحرير، أو طرق التجارة بمعنى أكثر دقة للحصول على الموارد المالية، والضرائب، والمواد الأولية والغذائية، والمعتقدات، والأفكار، والفنون. وشملت هذه الطرق تنوّعًا واسعًا من التسميات، منها: طرق الفراء، وطرق التجارة بين الصين ونهر السند، وشمال الهند، وطرق القمح، وطرق الذهب، وطرق البخور، وطرق العاج، وطرق العبيد، وغيرها من التسميات.ويُبرز الكتاب، وقد صدر عن دار «الصايل للنشر والتوزيع- عمّان، 2024، وجاء في 444 صفحة من القطع الكبير، العلاقات والارتباطات التجارية، والسياسية، والعسكرية، والثقافية بين الحضارة العربية الإسلامية والحضارات القديمة في آسيا وأفريقيا، وأوروبا بشكل خاص من خلال إطار نظري مُدمج يستثمر منظور التاريخ العالمي، ونظريات النظام العالمي الحديث، وطروحات عديد الأدبيات التنموية في العلوم الاجتماعية، وطروحات العولمة، والانتقادات عليها. ولذلك، ولطبيعة الأدلة المستثمرة في الكتاب، ومنهجيته يمكن تصنيفه ضمن مجال «علم الاجتماع التاريخي».ويتم التركيز في الكتاب، بشكل خاص على العلاقات والروابط السياسية، والعسكرية، والحضارية العديدة المتداخلة بين الحضارة العربية والإسلامية والحضارة الأوروبية منذ ما قبل الإسلام، وحتى الوقت الحاضر. بما في ذلك تبادل السلع والمنتجات، والتقنيات، والفلسفات، والأفكار والمعتقدات، والفنون. وتم نقل نتاجات الحضارة العربية الإسلامية العلمية، والمادية، والثقافية إلى الدول الأوروبية مما ساهم في حركة التنوير والنهضة في أوروبا، وصولًا إلى الاكتشافات الجغرافية الأوروبية التي دعّمت الازدهار التجاري في أوروبا، ثم بدء الثورة الصناعية الأولى في بريطانيا، وبعدها في دول أوروبية أخرى. وانتشار الاستعمار الأوروبي في مناطق واسعة في آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية، والعالم العربي. وكانت القوى الأوروبية قد بدأت بترسيخ سيطرتها على الطرق التجارية العالمية البرية والبحرية منذ نهايات القرن الخامس عشر الميلادي. مما دعّم صعود وازدهار الحضارة الأوروبية، وسبّب تراجع مكانة الحضارة العربية الإسلامية. ذلك أن ازدهار وصعود الحضارة العربية الإسلامية، وضعفها وتراجعها كان مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بازدهار وانهيار سيطرتها على طرق الحرير الخاصة بها. دون إغفال تأثيرات الخلافات والصراعات السياسية والعسكرية الداخلية على السلطة والنفوذ، والغزوات المدمرة للتتار والمغول، والجيوش الصليبية على عواصم الحضارة الإسلامية، وصولاً إلى السيطرة العثمانية على مقاليد الأمور في الوطن العربي حتى نهاية الحرب العالمية الأولى حين خضعت المنطقة العربية للاستعمار الأوروبي.ويشير الكتاب في أكثر من موضع إلى سعي الحكومات العربية المعاصرة لاستثمار قدراتها الذاتية، واتفاقيات العولمة، وتقنيات الذكاء الاصطناعي، وتحالفاتها الاقتصادية والسياسية إقليميًا، وعالميًا لتطوير اقتصاداتها ومجتمعاتها لضمان النمو المستدام، وتحقيق رغد العيش لمواطنيها، والمساهمة النشطة في التجارة العالمية المعاصرة للصعود الحضاري من جديد. ذلك أن هذه الاستراتيجيات والقنوات التنموية تمثّل طرق حرير حديثة –بعضها رقميّ- لتراكم الثروة والسلطة، وتحسين المكانة الدولية للدول والحضارات المعاصرة. ويطرح الكتاب بالتالي مشروعًا نهضويًا عربيًا معاصرًا يمكن أن يدعم جهود الحكومات والمجتمعات لتحيق النمو الاقتصادي والتقدم الاجتماعي.هذا، ويشكّل الكتاب إضافة جديدة نوعية للمكتبة العربية حيث يقدّم طروحات مبتكرة حول الدور الحضاري للمدن في الحضارة العربية والإسلامية في علاقاتها بطرق الحرير القديمة، والحضارات الأخرى القريبة والبعيدة التي ارتبطت بها تجاريًا، وسياسيًا، وثقافيًا. كما يمثّل نمطًا جديدًا في التأليف المدمج يسهم في تنمية الفكر والإبداع في الثقافة العربية المعاصرة. كما حقّق الكتاب القائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد للكتاب في فرع « التنمية وبناء الدولة»، الدورة الـ19، 2025.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

الدستور
٢٠-٠٤-٢٠٢٥
- الدستور
رحلة مع كتاب «المدن والتجارة في الحضارة العربية الإسلامية» للأستاذ الدكتور مجد الدين خمش
نضال برقانمن خلال كتابه الجديد «المدن والتجارة في الحضارة العربية الإسلامية» يعمل الأستاذ الدكتور مجد الدين خمش، عميد كلية الآداب الأسبق في الجامعة الأردنية، على تحليل استثمار الحضارة العربية والإسلامية لطرق الحرير البرية والبحرية القديمة بشكل فاعل أسهم في صنع الروافد المالية، والثقافية، والسياسية الأساسية التي دعّمت المدن العربية الإسلامية ومكوّناتها السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية. مما أدى إلى ازدهارها، وتطوّرها، وتعاظم دورها الحضاري، خصوصًا بعد أن سيطرت الجيوش الإسلامية على طرق وممرات الحرير التجارية البرية والبحرية في عصرها الزاهر شرقًا وغربًا محقّقة السبق الحضاري على مستوى العالم القديم. و»طرق الحرير» مصطلح مجازي للإشارة إلى الروافد التي كانت تدعم صعود وازدهار الحضارات القديمة، خصوصًا البوذية، والفارسية، والصينية، والمغولية، والهندية، والرومانية، والإسلامية. فقد استثمرت جميعها طرق الحرير، أو طرق التجارة بمعنى أكثر دقة للحصول على الموارد المالية، والضرائب، والمواد الأولية والغذائية، والمعتقدات، والأفكار، والفنون. وشملت هذه الطرق تنوّعًا واسعًا من التسميات، منها: طرق الفراء، وطرق التجارة بين الصين ونهر السند، وشمال الهند، وطرق القمح، وطرق الذهب، وطرق البخور، وطرق العاج، وطرق العبيد، وغيرها من التسميات.ويُبرز الكتاب، وقد صدر عن دار «الصايل للنشر والتوزيع- عمّان، 2024، وجاء في 444 صفحة من القطع الكبير، العلاقات والارتباطات التجارية، والسياسية، والعسكرية، والثقافية بين الحضارة العربية الإسلامية والحضارات القديمة في آسيا وأفريقيا، وأوروبا بشكل خاص من خلال إطار نظري مُدمج يستثمر منظور التاريخ العالمي، ونظريات النظام العالمي الحديث، وطروحات عديد الأدبيات التنموية في العلوم الاجتماعية، وطروحات العولمة، والانتقادات عليها. ولذلك، ولطبيعة الأدلة المستثمرة في الكتاب، ومنهجيته يمكن تصنيفه ضمن مجال «علم الاجتماع التاريخي».ويتم التركيز في الكتاب، بشكل خاص على العلاقات والروابط السياسية، والعسكرية، والحضارية العديدة المتداخلة بين الحضارة العربية والإسلامية والحضارة الأوروبية منذ ما قبل الإسلام، وحتى الوقت الحاضر. بما في ذلك تبادل السلع والمنتجات، والتقنيات، والفلسفات، والأفكار والمعتقدات، والفنون. وتم نقل نتاجات الحضارة العربية الإسلامية العلمية، والمادية، والثقافية إلى الدول الأوروبية مما ساهم في حركة التنوير والنهضة في أوروبا، وصولًا إلى الاكتشافات الجغرافية الأوروبية التي دعّمت الازدهار التجاري في أوروبا، ثم بدء الثورة الصناعية الأولى في بريطانيا، وبعدها في دول أوروبية أخرى. وانتشار الاستعمار الأوروبي في مناطق واسعة في آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية، والعالم العربي. وكانت القوى الأوروبية قد بدأت بترسيخ سيطرتها على الطرق التجارية العالمية البرية والبحرية منذ نهايات القرن الخامس عشر الميلادي. مما دعّم صعود وازدهار الحضارة الأوروبية، وسبّب تراجع مكانة الحضارة العربية الإسلامية. ذلك أن ازدهار وصعود الحضارة العربية الإسلامية، وضعفها وتراجعها كان مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بازدهار وانهيار سيطرتها على طرق الحرير الخاصة بها. دون إغفال تأثيرات الخلافات والصراعات السياسية والعسكرية الداخلية على السلطة والنفوذ، والغزوات المدمرة للتتار والمغول، والجيوش الصليبية على عواصم الحضارة الإسلامية، وصولاً إلى السيطرة العثمانية على مقاليد الأمور في الوطن العربي حتى نهاية الحرب العالمية الأولى حين خضعت المنطقة العربية للاستعمار الأوروبي.ويشير الكتاب في أكثر من موضع إلى سعي الحكومات العربية المعاصرة لاستثمار قدراتها الذاتية، واتفاقيات العولمة، وتقنيات الذكاء الاصطناعي، وتحالفاتها الاقتصادية والسياسية إقليميًا، وعالميًا لتطوير اقتصاداتها ومجتمعاتها لضمان النمو المستدام، وتحقيق رغد العيش لمواطنيها، والمساهمة النشطة في التجارة العالمية المعاصرة للصعود الحضاري من جديد. ذلك أن هذه الاستراتيجيات والقنوات التنموية تمثّل طرق حرير حديثة –بعضها رقميّ- لتراكم الثروة والسلطة، وتحسين المكانة الدولية للدول والحضارات المعاصرة. ويطرح الكتاب بالتالي مشروعًا نهضويًا عربيًا معاصرًا يمكن أن يدعم جهود الحكومات والمجتمعات لتحيق النمو الاقتصادي والتقدم الاجتماعي.هذا، ويشكّل الكتاب إضافة جديدة نوعية للمكتبة العربية حيث يقدّم طروحات مبتكرة حول الدور الحضاري للمدن في الحضارة العربية والإسلامية في علاقاتها بطرق الحرير القديمة، والحضارات الأخرى القريبة والبعيدة التي ارتبطت بها تجاريًا، وسياسيًا، وثقافيًا. كما يمثّل نمطًا جديدًا في التأليف المدمج يسهم في تنمية الفكر والإبداع في الثقافة العربية المعاصرة. كما حقّق الكتاب القائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد للكتاب في فرع « التنمية وبناء الدولة»، الدورة الـ19، 2025.

الدستور
١٩-٠٤-٢٠٢٥
- الدستور
امتزاجُ الخبراتِ الطبيّةِ والمتحفيّةِ في مسيرةِ «متحفِ تراث مِن عبقِ الترابِ»
نضال برقانانطلاقًا من مكانته التي ترسّخت في الوجدان الجمعي الفلسطيني والعربي بدايةً، بوصفِهِ أولَ مُتحفٍ خاصٍ في مجالِ التراثِ الفلسطيني، تمّ تأسيسُهُ في العام 1790، وتأكيدًا لمكانتِهِ العالميّة، إذ اعترفت به الإمبراطوريةُ العثمانيةُ رسميًّا في العام 1884، في ظلّ حكم السلطان عبد الحميد الثاني (1842-1918)، تاليًا، نواصلُ عبر هذا التقرير، وهو الثالثُ من سلسلةِ تقاريرَ تتأمّلُ السياقاتِ الاجتماعيّةِ والطبية والثقافيّةِ والسياسيّةِ لمسيرةِ (متحف تراث مِن عبقِ الترابِ)، ومقتنياته، منذ كانت مجموعةً في خيمة بـقرية «غزالة» بفلسطين، قبل أن تحطّ رحالَها في أكاديمية علم المتاحف الفلسطيني والعربي في العاصمةِ الفرنسيّةِ باريس.كنّا تتبعنا السياقِ الاجتماعيّ والثقافيّ الذي رافقَ المتحفَ في مرحلةِ التأسيس (1790–1884)، إضافة إلى حالِ المتحفِ قبل الحرب العالميّة الأولى، والتي تركت آثارًا مرعبة في منطقة بلاد الشام بعامّةٍ، وفي فلسطين بخاصّةٍ، أمّا ما حصلَ للمتحفِ ومقتنياتِهِ ما بين الحرب العالمية الأولى وما بين نكبة عام 1948 فهو ما سنتعرّف في هذا التقرير.شكّلت الطبيبة حليمة عايد ترابين (ولدت في غزالة عام 1894 وتوفيت في عام 2014)، نقلة نوعيّة في مسيرة المتحف، وهي ابنة الطبيبة حِسِن عايد ترابين وحفيدة حفيده الطبيبة حاكمة عايد ترابين، كرست شبابها لدراسة الطب العربي البدوي والحضري والسعي نحو الكمال في مهنتها وممارسة عملها. واصلت دراستها في كلية الطب في القسطنطينية حيث حصلت على شهادة الدكتوراة في الجراحة في عام 1916. بالتوازي مع كلية الطب، حضرت دروسًا متنوعة لزيادة المعرفة العلمية في الفلك والرياضيات بالقرب من مسجد الفاتح في القسطنطينية.خلال إقامتها في القسطنطينية، التقت الطبيبة حليمة عايد ترابين بالعديد من الطلاب والباحثين والدبلوماسيين الدوليين من فرنسا وألمانيا وروسيا والصين والمملكة المتحدة، بالإضافة إلى الجراحين والموسيقيين والفنانين والكتاب والمهندسين المعماريين. من خلال هذه التجارب المتنوعة، اكتسبت معرفة ورؤى لا تقدر بثمن اكتسبتها طوال حياتها. كما أشارت إلى أن العديد من معاصريها يفتقرون إلى فهم عميق للفلسطينيين وباقي سكان بلاد الشام وتراثهم الثقافي الغني.ومن الشخصيات التي كان لها أثر متميّز في مسيرة المتحف الطبيب أحمد منيف عثمان محمد عايد ترابين (1886–1962)، واسم عائلته معروف بسوريا بعائلة العائدي أو العائد، وهو ابن عم الطبيبة حليمة عايد ترابين، والذي تردّد كثيرًا على القسطنطينية. ولعب دورًا حاسمًا كأحد مؤسسي المعهد الطبي العربي في دمشق في عام 1918. والتي شكلت نواة لجامعة دمشق اليوم، وقد شارك في تقديم النصائح الدراسة القيمة مع الطبيبة حليمة عايد ترابين، والتي كانت تزوده بمعلومات عن الكتب والمعلمين والتقنيات الجراحية. تبادلوا خبراتهم الطبية: ناقشت الطبيبة حليمة الطب البدوي من النقب ومصر وفلسطين، في حين شارك الطبيب أحمد منيف معرفته بالطب الحديث من القسطنطينية وسوريا. شارك كلاهما في تحليل ما بين الثقافات وطرحا مقترح ما يُعرف الجمهور الغربي بالثقافة الفلسطينية وباقي المنطقة العربية من خلال إرسال ممثل عن القبيلة إلى القارة الأوروبية. تركت هذه المناقشات انطباعًا دائمًا على الطبيبة حليمة، التي وضعت هذه الأفكار موضع التنفيذ من خلال تعيين أحد أحفادها لتمثيل متحف «التراث من عبق التراب» وتعزيز الثقافة الفلسطينية والعربية في الخارج، بعد ثمانين عامًا.يتذكر د. متحف عايد ترابين، وهو مؤسس أكاديمية علم المتاحف الفلسطيني والعربي في العاصمة الفرنسية باريس، وحفيد الطبيبة «حاكمة» من الجيل السادس، الحياة السعيدة من خلال وجوده في سانت بطرسبورغ: «لم تكن أسرتي مجتمعًا مغلقًا؛ ولأكثر من ألف عام، استكشف الرجال والنساء الثقافة والطب والقانون وطرق التجارة، وحماية الضعفاء، وما إلى ذلك. على حد علمي، إن ذلك منغرس في حمضها النووي. كانت جدتي «حليمة» مثل والدتها، وكذلك جدتها. لقد نشأت بنفس الطريقة وربّتني بنفس الطريقة..».كرست الطبيبة حليمة عايد ترابين، على غرار والدتها وجدتها، نفسها لإثراء ودراسة مجموعات المتحف. منذ تعيينها مديرة للمتحف في عام 1920 حتى إغلاق المتحف بسبب أحداث عام 1948، سافرت على نطاق واسع إلى جميع أنحاء فلسطين للحصول على فهم أفضل للتراث الإثنوغرافي للقرويين الفلسطينيين وسكان الحضر والبدو وشبه البدو. خلال رحلاتها، حصلت على مقتنيات اعتبرتها ذات قيمة وذات صلة بمجموعة المتحف.كانت المقتنيات الموجودة في المجموعة بمثابة وسيلة لعلاج المشاكل الصحية للسكان المحليين والمساعدة في شفاء المرضى. أنشأت الطبيبة حليمة عايد ترابين عيادة حَجَرِية رسمية مجاورة للمتحف، مجهزة تجهيزًا كاملاً بجميع المعدات الطبية اللازمة التي يحتاجها السكان قرية غزالة المحليين. في عام 1935، كان لديها عشرة أجنحة بنيت للمتحف، من بينها أجنحة لدراسة وعرض النباتات والبذور والتمائم والأزياء الشعبية والكثير من المنتوجات النسيج والحلي والأدوات الزراعية والأسلحة البيضاء والنحاسيات والعملات ومكتبة فيها الكثير من الوثائق والمخطوطات المتداولة بين غرف التجميع والغرفة الطبية وغرفة الحرف اليدوية، عكست الالتزام بالحفاظ على وظائف هذه المقتنيات على قيد الحياة لصالح المجتمع الفلسطيني. لم يساهم هذا النهج المتكامل في الحفاظ على التراث الفلسطيني فحسب، بل كفل أيضًا استمرارية تقاليدهم.وبعد النكبة عام 1948 تمّ إعادة إحياء رسالة المتحف، كما تمّت ولادة جديدة لعلم المتاحف الفلسطيني بين عامي (1967-2000)، وهو ما سنتوقف عند في تقرير لاحق.


صراحة نيوز
٠٥-٠٤-٢٠٢٥
- صراحة نيوز
الشرق الأوسط تنافس حضاري ام سوق عقاري (1 / 2)
صراحة نيوز – كتب: د.عبدالله سرور الزعبي تذكر بعض الروايات بان سيدنا ادم نزل في أحد المناطق الجغرافية الواقعة ضمن الشرق الأوسط الحديث، وهو الذي يشكل قلب العالم، وتلتقي فيه القارات العالمية القديمة (اسيا وافريقيا وأوروبا). ان الحياة التي حظي فيها سيدنا ادم لم تنتهي بسلام، حيث قتل أحد ابناءه الاخر ونزفت اول دماء بشرية (وما زالت الدماء تنزف) في هذه المنطقة، ومنذ ذلك التاريخ وهو محط أحلام البشر والمتنافسين منهم للسيطرة عليه وعلى ثرواته. فاذا كان أبناء ادم علموا البشرية دفن الموتى، فان السومريون، الذين يشير بعض المؤرخين بان اول ظهور لهم كان قبل 14,000 سنه، وبنوا مدينه اورك قبل 5000 سنه، وعلموا البشرية الكتابة، والادب عن طريق ملحمة جلجامش واستخدام العجلة. اما الاكاديون، فكانوا متعددي الثقافات، وأول من انشاء الحكومة المركزية، والفراعنة في مصر علموا البشرية فن البناء والهندسة، والبابليون اول من سن القوانين وبنوا الحدائق المعلقة، ومنحوا للنساء حقوق مساوية للرجال، والحيثين قاموا بصهر المعادن والاشوريون اول من انشووا المكتبات، وغيرها من الحضارات كالاخمينية (الفارسية الأولى) والفينيقية والكنعانية والآرامية والميدية والكلدانية والادومية والعبرية والحميرية والنبطية (البتراء شاهدة على انجازاتهم) والفارسية الزرادشتية، والاغريقية الهلنستية والرومانية (يشير بعض المؤرخين بان حروبهم في القرون الخمسة الميلادية الاولى كانت اشبه ما تكون دينية، بين المسيحية الهيلينية والزرادشتية) والعرب في شبه الجزيرة العربية وبلاد الشام والعراق، حيث اتقنوا فن التواصل مع الاخرين للتكامل الاقتصادي، وغيرهم الكثير، وجميعهم لهم انجازات مختلفة في الزراعة والتجارية والبناء والفلسفة والعلوم الطبيعية والاجتماعية وغيرها. كما ان هذه الحضارات كانت قد تعاونت فيما بينها أحيانا واختلفت الى درجة الابادة احياناً أخرى، وكل هذا يعود الى ان الصراع بأنواعه المختلفة هو من خصائص البشر، كما ان اختفاء تلك الحضارات كان بسبب عدم قدرة شعوبها من المحافظة على التنمية التي تؤمن لها الاستقرار الداخلي والتحالفات الأمنية غير الضرورية احياناً وعدم تقبل الحضارات الدخيلة. يضاف الى ذلك بان المنطقة شهدت ظهور اول الأنبياء واخرهم، وظهور الديانات التوحيدية كاليهودية والمسيحية والإسلامية، والتي بظهورها انتهى ما تبقى من الحضارات السالفة الذكر في المنطقة. وعلى الرغم من ان عصر الخلافة الاسلامية يعتبر العصر الذهبي للمنطقة من حيث الاكتشافات العلمية والابداع الادبي والقوة السياسية والعسكرية ومع كل ذلك فهي لم تنعم بالهدوء المطلوب فانطلقت الثورات الاموية، والعباسية والهجمات المغولية والحملات الأوروبية وغيرها، وكلها جاءت طمعاً في ثروات الشرق والسيطرة على الطرق الاقتصادية او انتقاماً، الى ان ظهرت الدولة العثمانية والتي انتهت مع انطلاقة الثورة العربية الكبرى عام 1916 وانتهاء الحرب العالمية الأولى حيث ظهرت اول حلقات التغير في الجغرافيا السياسية للمنطقة. تبعها انهيار النظام الاستعماري مع انتهاء الحرب العالمية الثانية وظهور دولة إسرائيل بقرار اممي، لتشكل الحلقة الثانية من التغير العميق في الجغرافيا السياسية للمنطقة (مع الاخذ بعين الاعتبار بان تغيرات أخرى حدثت في مناطق مختلفة في العالم)، لتبدأ مرحلة الصراع العربي الإسرائيلي مدعوماً من القوى العظمى لصالح إسرائيل الوليدة. ان الجغرافيا السياسية الجديدة أدت الى ظهور العديد من الثورات والصراعات الدينية والعرقية والتطرف وصولاً الى الصراع بين الشعوب والدول (التنافس الإيراني والتركي والعربي، من منطلق التاريخ الامبراطوري لكل منهم)، مما أدى الى زيادة في النفوذ الاسرائيلي ونفوذ الدول العظمى (خاصة الدول أعضاء نادي الحضارة الغربية المهيمنة خلال العقود السبعة الماضية) السياسي والتدخلات العسكرية ان تطلب الامر، كما سهل على الدول المتنافسة للفوز بمصادر الطاقة (النفط والغاز) باعتبارهما المحرك الرئيسي للاقتصاد الصناعي لدولهم. اما مفهوم صراع (صدام) الحضارات، فالجميع يعتقد بانه ظهر عام 1990 من قبل برنارد لويس (جذور الغضب الإسلامي)، ومن ثم استخدمه هنتنغتون عام 1993 وعام 1996 في كتاب صدام الحضارات وإعادة تشكيل النظام العالمي (بعد سقوط الاتحاد السوفيتي مباشرة، والخطاء العراقي بدخول الأراضي الكويتية، وهذا الحدثان خلقا جغرافيا سياسية جديدة في العالم، وفوضى في الشرق الأوسط ستبقى اثارها طويلاً)، الا انه في الواقع كان قد اشير المصطلح من قبل يينون (الصحفي الإسرائيلي) عام 1982 كصراع إسلامي مسيحي يهودي، والذي سنعود اليها لاحقاً. وعلى الرغم من الإشارة الى ان الحضارات المتصارعة هي الغربية والصينية، واليابانية والارثوذكسية والهندية واللاتينية والافريقية والبوذية والإسلامية في العالم، الا انه ومن وجهة نظر البعض بان المتصارعين على المنطقة هم المسلمين (سنه وشيعه) والارثوذكس من اهل المنطقة والحضارة الغربية، وبالتالي يفترض البعض بان الحضارة الغربية ستنتصر وستسيطر على المنطقة بالكامل. اعتقد ان نظرية صدام الحضارات ظهرت لتخفي خلفها الخطط الاستراتيجية المرسومة للمنطقة والعمل جاري لتحقيق أهدافها مع تغير في التكتيك احياناً حسب الظروف الجيوسياسية العالمية والإقليمية. ان أصحاب فكرة انتصار الحضارة الغربية لم يأخذوا بعين الاعتبار ان الشرق الأوسط، المنطقة الوحيدة بالعالم التي غادرت كافة الحضارات الدخيلة اليه وبقي فيها العرب المتجذرين بلغتهم ودياناتهم وهم الثابت الوحيد فيها. ومع كل ذلك ستبقى المنطقة ارض الاحلام ومحط انظار البشرية كافة وحتى نهاية التاريخ. ان عاصفة التصريحات التي يشهدها العالم والصادرة عن الرئيس الأمريكي لشراء قطاع غزه كصفقة عقارية لم تأتي من فراغ. فقد سبقه الى ذلك ليفي اشكول في ستينات القرن الماضي، حيث اقترح دفع الأموال للفلسطينيين لترك أراضيهم والمغادرة، كما ان شمعون بيرس كان قد اقترح في تسعينات القرن الماضي تحويل غزه الى سنغافورة الشرق الأوسط عن طريق تطويرها كمركز تجاري وسياحي والصناعة التكنولوجية، منطلقاً من الموارد البشرية المتوفرة فيها ذات التعليم الجيد والمهارات التقنية المطلوبة لاقتصاد المعرفة آنذاك. ثم جاء لاحقاً كوشنير في عام 2019 ليعلن بان الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو نزاع عقاري، يمكن التعامل معه بصفقة مقبولة للجميع، يتبعها تطوير ساحل غزه بطريقة مذهلة، وتطوير قطاع النقل البحري والجوي والبري لتصبح بوابة اقتصادية عالمية، مع التأكيد على عدم التطرق للحلول السياسية، كما انه أشار في شباط 2024 الى ضرورة اخراج الفلسطينيين الى سيناء او النقب. ان تصريح ترامب بأخلاء غزة من أهلها، وهو المخالف للقوانين الدولية ادخل العالم في حالة من الارباك والفوضى، وهو الهدف الذي يسعى اليه بطريقته الخاصة بصنع الفوضى لدى الاخرين وارباكهم ومن ثم يعمل على إعادة الترتيب بطريقته التي تحقق له ما يسعى اليه. كما ان ترامب في تصريحاته عن شراء غزه والسيطرة عليها، قد يكون انطلق من التاريخ الأمريكي في التوسع الجغرافي للدولة عن طريق شراء الأراضي من الدول، فعلى سبيل المثال شراء مانهاتن عام 1626من الهنود الحمر وشراء لويزيانا عام 1803 من فرنسا، وصفقة فلوريدا وما تبقى من لويزيانا عام 1859 من اسبانيا، وشراء جنوب لويزيانا وجنوب نيومكسيكو من المكسيك عام 1854، وشراء الاسكا من روسيا عام 1867، وجزر هاواي (التي انضمت الى الولايات المتحدة عام 1959) وجزر الفلبين عام 1898 من اسبانيا (استقلت الفلبين عام 1946) وجزر العذراء من الدنمارك عام 1917، ومحاولة شراء غرينلاند عام 1946 عند طريق الغاء ديون الدنمارك، ثم تكرار المحاولة في ستينات القرن الماضي، ومحاولة السيطرة على جزيرة سانت مارتن في خليج البنغال، الامر الذي رفضته رئيسة وزراء بنغلادش الشيخة حسينة والتي تم الإطاحة بها عام 2024 باحتجاجات شعبيه (وهي التي تعزي سبب ذلك لرفضها الطلب الأمريكي). ان المدقق في تاريخ هذه الصفقات يجد ان أمريكا كانت قد انتهزت فرصة الازمات وخاصة الاقتصادية منها والتي كانت تعاني منها الدول التي وافقت على تلك الصفقات. اما من حيث الاهتمام بالسواحل الشرقية للبحر الأبيض المتوسط، فقد سعت الدول الكبرى للسيطرة عليها، وتعود الى أفكار قيصر روسيا بطرس الأعظم لإيجاد موقع على ساحله لتسهيل السيطرة على العالم، تبعها فرنسا وبريطانيا وغيرها من الدول وصولاً الى امريكا.