logo
الأمم المتحدة في عامها الـ80: الإصلاح أو التهميش

الأمم المتحدة في عامها الـ80: الإصلاح أو التهميش

إيطاليا تلغراف
روبرت كايينامورا
نائب رئيس البعثة الرواندية الدائمة في الأمم المتحدة
بلغت الأمم المتحدة هذا العام عامها الثمانين، وبقاؤها مؤسسة فاعلة حتى بلوغ المائة، رهنٌ بمدى استعداد الدول الأعضاء ومنظومة الأمم المتحدة نفسها لمواجهة الحقائق الصعبة والانخراط في إصلاحات جوهرية.
لقد وُلدت الأمم المتحدة من رماد الحرب العالمية الثانية، وكان الهدف منها صون السلام، وحماية حقوق الإنسان، وتوحيد الشعوب. لكنها اليوم مهددة بأن تصبح كيانًا متحفيًا، يتخلف عن مواكبة صدمات المناخ، والانقسامات الرقمية، والتحولات الديمغرافية، والتشرذم الجيوسياسي المتزايد.
كمواطن من رواندا، أتأمل في مسيرة الأمم المتحدة بمشاعر مختلطة. ففي 1994، أثناء الإبادة الجماعية ضد التوتسي، خذل المجتمع الدولي رواندا عبر الأمم المتحدة. لكن فيما بعد، ساعدتنا الأمم المتحدة على إعادة بناء المؤسسات واستعادة الكرامة. واليوم تُعد رواندا من أكبر المساهمين في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. فعندما تعمل التعددية، فإنها تُحدث تحوّلًا حقيقيًا.
لكن مصداقية الأمم المتحدة تتآكل. فاستجابتها للأزمات تتسم بعدم الاتساق بشكل مقلق: تكون سريعة في بعض المناطق، ولا مبالية في أخرى. وتُجسّد مأساة المجتمعات الرواندية في شرق الكونغو الديمقراطية هذا التفاوت خير تجسيد.
فشعب 'البانيامولينغي'، وهم مواطنون كونغوليون من أصول رواندية، يعانون منذ عقود من انعدام الجنسية والتهجير والعنف الممنهج والتمييز البنيوي.
ورغم أن مأساتهم موثقة جيدًا في تقارير جهات مثل 'The New Humanitarian'، و'Genocide Watch' فإنها لا تحظى بأي اهتمام في مناقشات مجلس الأمن. ولا يُعد هذا مجرد سهو، بل هو فشل هيكلي. فالأعضاء الأقوياء في المجلس يحمون الوضع القائم، بينما تُمحى المجتمعات الضعيفة من جدول الأعمال.
وسؤال 'هل الأمم المتحدة تفشل؟' يقودنا إلى سؤال أعمق: ما هي الأمم المتحدة فعلًا؟ إنها أكثر من مجرد الأمانة العامة في نيويورك.
إنها منظومة معقدة تتكوّن من ستة أجهزة رئيسية، و193 دولة عضوًا، وعشرات الوكالات. الجمعية العامة تُضفي الشرعية، ولكنها تفتقر للسلطة التنفيذية. ومجلس الأمن غالبًا ما يكون مشلولًا، أسيرًا للمصالح الوطنية والتجاذبات الجيوسياسية. والمجلس الاقتصادي والاجتماعي لا يُستفاد منه بالشكل الكافي. ومحكمة العدل الدولية تعاني من انتقائية الدول في الامتثال لأحكامها، ومجلس الوصاية أصبح من الماضي.
يبقى فقط أن الأمانة العامة هي الجزء الأكثر نشاطًا، وإن لم تكن دائمًا الأكثر فاعلية، إذ تقيدها البيروقراطية الجامدة والمساحة المحدودة للابتكار.
ومع ذلك، فإن موظّفي الأمم المتحدة ليسوا بيروقراطيين بلا وجوه، بل هم مواطنونا، ينتمون إلى كل بلد. يعملون بجد داخل منظومة تُبطئها القواعد القديمة والإجراءات المكررة والخمول المؤسسي.
وغالبًا ما تُفضي التفاعلات الداخلية بين الأمانة العامة، ولجنة المشتريات الرئيسية، والطبقات المتعددة من المراجعة، إلى التأخير بدلًا من الإنجاز.
لكن المشكلة لا تكمن في بيروقراطية الأمم المتحدة وحدها، بل أيضًا في سلوك الدول الأعضاء. فقد حوّل كثير منها الأمم المتحدة إلى أداة من أدوات سياساتها الخارجية، تستخدم المنصات متعددة الأطراف بشكل انتقائي لخدمة أجنداتها الضيقة.
وقد عمّق ذلك الانقسامات، وأدى إلى حالة من خيبة الأمل في بلدان الجنوب، التي باتت أكثر وعيًا بهذا الخلل. لكن بدلًا من التوحد، لا نزال عالقين في ثنائيات مصطنعة: شمال وجنوب، متقدم ومتخلف، تُخالف الرؤية التأسيسية للأمم المتحدة القائمة على المسؤولية المشتركة.
فهل فشل الأمم المتحدة سببه أجهزتها غير الفاعلة أم الدول الأعضاء المهملة؟ الجواب: كلا الطرفين ولا أحد منهما، فجوهر المشكلة هو غياب المساءلة. ويجب أن تصبح المساءلة حجر الأساس لأمم متحدة جاهزة للمستقبل. ينبغي محاسبة الأمانة العامة على أسس واضحة من الأخلاق والشفافية والكفاءة، ويجب تقييم كبار المسؤولين بناءً على الأثر الواقعي، لا على مؤشرات داخلية أو حسابات سياسية. ويجب استبدال القادة الذين لا يحققون الأداء المطلوب، وإنهاء ثقافة الحماية الداخلية.
لكن العبء لا ينبغي أن يُلقى على كاهل منظومة الأمم المتحدة وحدها. بل يجب على الدول الأعضاء أن تتحمل مسؤولياتها السياسية والمالية والأخلاقية. ويشمل ذلك تسديد الاشتراكات المالية المستحقة كاملة وفي موعدها، والامتناع عن التدخل في التفاصيل اليومية، وتنفيذ الإصلاحات التي طالما نادت بها. كما يشمل تمكين الأمم المتحدة من الابتكار وتحمل المخاطر المحسوبة، بدلًا من معاقبتها عند أول هفوة.
يجب إخضاع جميع الأجهزة الرئيسية الستة للأمم المتحدة لمراجعة مستقلة ومنتظمة. فلا جزء من هذه المؤسسة ينبغي أن يختبئ خلف الطقوس أو البيروقراطية. فالغموض والحصانة -سواء في الأمانة العامة أو داخل مجلس الأمن- يقوضان شرعية المنظمة.
وتُجسد سلطة الفيتو التي يتمتع بها الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن هذا الخلل. فقد أُنشئت في الأصل لضمان الاستقرار العالمي، لكنها أصبحت تُستخدم لحماية الحلفاء أو منع كشف الحقائق المؤرقة. فمن يُحاسب هؤلاء الخمسة؟ ومن يضمن أنهم يتصرّفون بما يخدم الأمن الجماعي؟ لا توجد آلية واضحة اليوم. هذا الصمت يُغذّي الإحباط، خصوصًا في المناطق التي خلّف فيها تقاعس المجلس عواقب مميتة.
في 2024، قدّم 'الميثاق من أجل المستقبل' خارطة طريق واعدة لإحياء التعددية: الإنصاف الرقمي، وعدالة المناخ، وبناء السلام، وإدماج الشباب، وإصلاح النظام المالي العالمي. لكن التصريحات لا تُعدّ إصلاحًا. فبدون آليات ملزمة، وتمويل كافٍ، وإرادة سياسية، سينضم هذا الميثاق إلى قائمة الوعود المنسية.
لقد شهدت بنفسي ما يمكن أن تحققه الإصلاحات حين تتوافر العزيمة. فقد كنتُ جزءًا من عملية إصلاح عام 2018 التي أعادت هيكلة إدارة الأمم المتحدة ومنظومتها الإنمائية والأمنية.
وقد أظهرت إعادة تموضع فرق الأمم المتحدة في الدول، وإنشاء نظام المنسق المقيم، ما يمكن تحقيقه حين تتماشى الإصلاحات مع الأولويات الوطنية وتحظى بالدعم المالي. لكن حتى هذه المكتسبات اليوم مهددة، بسبب نقص التمويل وتراجع الالتزام السياسي.
نحن بحاجة إلى ميثاق جديد يقوم على المساءلة المتبادلة بين الأمانة العامة والوكالات والدول الأعضاء. ميثاق يطالب بالتنفيذ، ويكافئ الإنجاز، ويحاسب على الفشل. نحتاج إلى أمم متحدة لا تُقاس بعدد تقاريرها، بل بالأثر الملموس في حياة الناس.
ليست هذه دعوة للتخلي عن التعددية، بل لإنقاذها وإعادة تصورها.
وهذا يشمل إصلاح مجلس الأمن، لا بمجرد توسيعه ليشمل تمثيلًا دائمًا لأفريقيا، بل بجعل أساليبه أكثر شفافية وشمولية. كما يشمل الانتقال من الاستجابة للأزمات إلى الوقاية منها. ويشمل أيضًا ضمان أن تحترم حوكمة الفضاء الرقمي حقوق الإنسان وتمكّن الجنوب العالمي. ويشمل تأمين تمويل مستدام وغير مشروط، كي لا تبقى الأمم المتحدة رهينة لمساهمات مسيّسة وموجهة تقيّد استقلاليتها.
لا تزال هناك نقاط مضيئة، فوكالات مثل اليونيسيف، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وهيئة الأمم المتحدة للمرأة، وصندوق الأمم المتحدة للسكان، والاتحاد الدولي للاتصالات، تقدّم نماذج لأمم متحدة تتمحور حول الإنسان وتحقق أثرًا.
فهي تلامس الأرواح، وتعيد الكرامة، وتفتح الآفاق، لكن حتى هذه الوكالات بحاجة إلى أن تصبح أكثر كفاءة وتنسيقًا وتمويلًا مستدامًا لتواجه تحديات اليوم.
يجب ألا يكون الاحتفال بالذكرى الثمانين للأمم المتحدة احتفالًا ببقائها فقط، بل لحظة مواجهة. فإن لم تُصلح نفسها، فلن تُلغى، بل سيتجاوزها العالم. وستملأ الفراغ تحالفات إقليمية وشبكات خاصة وجهات تكنولوجية غير خاضعة للمساءلة. وهذا البديل أكثر خطورة.
هذه منظمتنا، ومستقبلها رهنٌ بمدى استعداد الدول الأعضاء لمطابقة أقوالها بأفعالها. لأن العالم لا يزال بحاجة إلى أمم متحدة فاعلة ومبدئية، لا كصدى نوستالجي لمؤتمرات سلام غابرة، بل كمحرّك حي للعدالة والإنصاف والتعاون. وإذا كانت الأمم المتحدة تطمح إلى ثمانين عامًا أخرى، فعلينا أن نعود إلى غايتها التأسيسية: لا السلطة، ولا الامتياز، بل الإنسان.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لجريدة إيطاليا تلغراف
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مجلس الأمن: الجزائر تدعو الى تعزيز المجال الدبلوماسي الوقائي لمنع نشوب الصراعات
مجلس الأمن: الجزائر تدعو الى تعزيز المجال الدبلوماسي الوقائي لمنع نشوب الصراعات

التلفزيون الجزائري

timeمنذ 9 ساعات

  • التلفزيون الجزائري

مجلس الأمن: الجزائر تدعو الى تعزيز المجال الدبلوماسي الوقائي لمنع نشوب الصراعات

وفي كلمة له خلال جلسة إحاطة بمجلس الأمن بشأن التعاون بين الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي, أكد السيد كودري أن التحديات المتنوعة والمعقدة التي تواجه السلام والأمن الدوليين في عالم اليوم 'تتطلب تعاونا أعمق وأكثر استراتيجية', داعيا إلى ضرورة 'تعزيز القدرات في مجال الدبلوماسية الوقائية بشكل كبير لتهدئة التوترات المتصاعدة ومنع الصراعات قبل ظهورها, لا سيما في العالم النامي, حيث غالبا ما تكون العواقب وخيمة'. وفي هذا المجال, أوضح الدبلوماسي الجزائري أن قدرات منظمة التعاون الإسلامي في ميدان الوساطة الإقليمية 'تعد مكسبا قيما ينبغي الاستفادة منه بالكامل', داعيا في ذات السياق إلى 'تعاون أقوى في مكافحة الإرهاب وحفظ السلام وبناء السلام بعد انتهاء الصراع, كون هذه المجالات تشتد فيها الاحتياجات. وأشار ذات المتحدث إلى أن الجزائر, بصفتها عضوا ملتزما في منظمة التعاون الإسلامي, 'تؤكد على أهمية العلاقة بين الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي اللتين يجمعهما التزام مشترك بمبادئ ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة'. وأشار السيد كودري الى أنه من بين المجالات التي تعتبرها الجزائر أساسية للنهوض بهذه الشراكة التي تعد أساسية, 'القيمة الاستراتيجية للتعاون' بين الهيئتين. كما أكد أن الجزائر تعتبر تعزيز الحوار والتسامح من بين المجالات الأساسية للنهوض بالشراكة بين المنظمتين, مذكرا بأن منظمة التعاون الإسلامي تأسست عام 1969 كرد فعل مباشر على الهجوم الذي أدى إلى الحريق المدمر على المسجد الأقصى، والذي لم يكن مجرد عمل معزول, بل كان اعتداء استفزازيا على أحد أقدس الأماكن. ومن المؤسف للغاية – يقول السيد كودري- أنه 'بعد عقود, لا يزال الفلسطينيون, بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية, يواجهون الكراهية والتمييز والحرمان الممنهج من حقوقهم الأساسية', مجددا دعوة الجزائر بضرورة 'الاحترام الكامل لحقوقهم غير القابلة للتصرف, بما في ذلك حقهم في إقامة دولة والعيش بكرامة وحرية وأمن'. وأكد في ذات السياق أنه 'في عالمنا المترابط, لم يعد تعزيز الحوار بين الثقافات والأديان خيارا, بل أصبح ضرورة', مبرزا أن منظمة التعاون الإسلامي والأمم المتحدة 'حليفتان طبيعيتان في هذا المجال'. وأشار الدبلوماسي الجزائري إلى أن هذا الالتزام انعكس بقوة في إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 15 مارس, بمبادرة من باكستان, يوما دوليا لمكافحة الإسلاموفوبيا وفي استحداث منصب لمبعوث خاص للأمم المتحدة لمكافحة الإسلاموفوبيا, لافتا الى أن هذه الخطوات تمثل 'اعترافا جماعيا بضرورة مواجهة التمييز بجميع أشكاله, في زمن انتشار خطاب الإقصاء والفصل، والذي يشكل مصدر قلق بالغ'. وفي الختام, أعرب السيد كودري عن اعتقاد الجزائر أن 'الوقت قد حان لإضفاء مزيد من الديناميكية والتماسك والطموح على الشراكة بين الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي' من أجل تحقيق الأهداف المشتركة, وهي السلام والأمن والتنمية المستدامة والكرامة الإنسانية.

المؤسسة الدبلوماسية..السيدة بنعلي تقدم المحاور الرئيسية للاستراتيجيات والمبادرات الوطنية في مجال التنمية المستدامة
المؤسسة الدبلوماسية..السيدة بنعلي تقدم المحاور الرئيسية للاستراتيجيات والمبادرات الوطنية في مجال التنمية المستدامة

حدث كم

timeمنذ 11 ساعات

  • حدث كم

المؤسسة الدبلوماسية..السيدة بنعلي تقدم المحاور الرئيسية للاستراتيجيات والمبادرات الوطنية في مجال التنمية المستدامة

قدمت وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، ليلى بنعلي، امس الأربعاء بالمؤسسة الدبلوماسية بالرباط، المحاور الرئيسية للاستراتيجيات والمبادرات الوطنية في مجال التنمية المستدامة. وفي كلمة خلال الملتقى الدبلوماسي 147، المنظم في إطار الاحتفال بالذكرى السادسة والعشرين لتربع صاحب الجلالة الملك محمد السادس على عرش أسلافه الميامين، أكدت الوزيرة أن الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة، التي أطلقها جلالة الملك عام 2017، والتي انبثق عنها عدد كبير من المبادرات والمخططات والاستراتيجيات، تولي أهمية كبيرة للتنمية البشرية والسوسيو-اقتصادية على الصعيد الترابي. وأوضحت السيدة بنعلي أن الوزارة تباشر إعداد نسخة جديدة من الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة، بعد نسخة عام 2021،بهدف مواءمتها مع توجهات النموذج التنموي الجديد والبرنامج الحكومي وأجندة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030، مضيفة أن هذه النسخة الجديدة 'شاملة جدا' وتستند إلى مشاورات شملت الجهات الـ12 للمملكة والجالية المغربية بالخارج. وقالت الوزيرة إنه' خلال إعداد هذه النسخة الجديدة، حرصنا أيضا على وضع مؤشرات ذكية واتباع مقاربة مرنة مع مراعاة السياقين الوطني والدولي'، لافتة إلى أن الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة 2035 تشمل ستة مجالات للتحول، مع إيلاء أهمية قصوى للطاقة والأمن المائي والغذائي. كما استعرضت السيدة بنعلي رافعات التغيير الناتجة عن المشاورات التي أجريت، ومن بينها التشريع والتنظيم والرأسمال البشري والابتكار الرقمي والبحث والتطوير، مشددة على أن الفاعلين والجهات المعنية أوصوا بوضع أدوات ضريبية واقتصادية ومالية لتشجيع التنمية المستدامة للمملكة. من جانبه، أكد رئيس المؤسسة الدبلوماسية، عبد العاطي حابك، أن الرؤية المستنيرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، مكنت من جعل التنمية المستدامة والانتقال الطاقي خيارا استراتيجيا لتحقيق السيادة الطاقية للمملكة. وذكر السيد حابك بأن المغرب اعتمد منذ سنة 2009 استراتيجية طاقية وطنية ترتكز على تطوير الطاقات المتجددة والنجاعة الطاقية وتعزيز الاندماج الإقليمي، مبرزا أن هذه الاستراتيجية التي تمت ترجمتها إلى برامج ذات أهداف محددة مكنت المغرب من أن يصبح ضمن الدائرة الضيقة للبلدان المنتجة للطاقات المتجددة. وبعد أن أبرز اضطلاع المغرب بدور رائد في إرساء نموذج واعد للتعاون جنوب-جنوب، أوضح السيد حابك أن المملكة كرست هذا المسار عبر إطلاق مجموعة من المبادرات الهادفة إلى الولوج للطاقة المتجددة والنجاعة الطاقية، لاسيما لجان المناخ الثلاث الإفريقية ومبادرة تكييف الزراعة الإفريقية مع التغيرات المناخية. من جهة أخرى، أكد أن مشروع أنبوب الغاز الإفريقي الأطلسي يشكل نموذجا للاندماج الإفريقي مجال الطاقة، سيساهم في تنمية القارة الإفريقية وتعزيز اندماج اقتصادات دول المنطقة ودعم مشاريع الانتقال الطاقي الإقليمي والدولي وتهيئة الأرضية لنقل الهيدروجين الأخضر بين إفريقيا وأوروبا. وشكل هذا اللقاء، الذي حضره سفراء معتمدون في الرباط وممثلون عن المنظمات الدولية، فرصة لتسليط الضوء على آفاق وجهود المغرب في مجال التنمية المستدامة و الانتقال الطاقي، فضلا عن أهمية التعددية والتعاون الدولي في هذا المجال. حدث/ومع

لماذا لم تُعلن الأمم المتحدة حالة المجاعة في غزة حتى الآن؟
لماذا لم تُعلن الأمم المتحدة حالة المجاعة في غزة حتى الآن؟

إيطاليا تلغراف

timeمنذ 17 ساعات

  • إيطاليا تلغراف

لماذا لم تُعلن الأمم المتحدة حالة المجاعة في غزة حتى الآن؟

إيطاليا تلغراف د. محمود الحنفي أستاذ القانون الدولي وحقوق الإنسان في عالمٍ تغمره الصور والبيانات والبلاغات اليومية، نادرةٌ هي اللحظات التي تُصبح فيها الكارثة أوضح من أن تُخفى، وأقسى من أن تُتحمّل. غزة، اليوم، لا تُحتَضر فقط تحت القصف، بل تختنق جوعًا. أطفالٌ يموتون في أحضان أمهاتهم، شيوخٌ يقتاتون على العشب، وعائلاتٌ تنتظر قوافل الإغاثة التي لا تصل. بل إن مئات الفلسطينيين قُتلوا وهم يقفون في طوابير انتظار المساعدات، برصاص من يُفترض به أنه وجد لمساعدتهم لا أن يُجهز على ما تبقى من أمل. أمام هذا المشهد الفاجع، يبرز سؤال مُلّح: لماذا لم تُعلن الأمم المتحدة حتى الآن أن ما يجري هو 'مجاعة'؟ ليس السؤال لغويًا، ولا عاطفيًا، بل هو قانوني وإنساني في جوهره. إعلان المجاعة ليس مجرد وصفٍ مأساوي، بل أداة إنذار قصوى تُلزم المجتمع الدولي بالتحرّك. لكن حتى هذه اللحظة، ورغم تراكم الشهادات والتقارير والصور، لا تزال الأمم المتحدة تلتزم الصمت الرسمي حيال التوصيف الأخطر. هذا المقال يتناول حيثيات هذا التردد. نفكّك فيه المعايير الفنية التي تعتمدها المنظمة لإعلان المجاعة، ونستعرض الشهادات الميدانية الصادمة، ونحلل الأبعاد السياسية والقانونية التي قد تُفسر هذا الصمت. وأهم من ذلك، نحاول الإجابة: هل الأمم المتحدة عاجزة عن الإعلان؟ أم إنها، في لحظة الحقيقة، اختارت الحياد و'المهنية' على حساب الحياة؟ المعايير الفنية والإجرائية لإعلان المجاعة لفهم عدم إعلان الأمم المتحدة حتى الآن عن حالة المجاعة في غزة، يجب إدراك المعايير الفنية والإجراءات التي تعتمدها لتصنيف الأزمات الغذائية. طورت منظمة الأغذية والزراعة الأممية (FAO) 2004، ما يُعرف بنظام التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، 'Integrated Food Security Phase Classification (IPC)' وهو إطار تحليلي معتمد دوليًا يُستخدم لتحديد درجة انعدام الأمن الغذائي بناءً على مؤشرات كمية ونوعية موحدة. يتكون النظام من خمس مراحل، تبدأ من المرحلة الأولى (وضع طبيعي) وتنتهي بالمرحلة الخامسة التي تُصنَّف كمجاعة وفق المعايير الثلاثة: انعدام غذائي حاد لدى ما لا يقل عن 20% من الأسر: بمعنى أن خُمس الأسر أو أكثر تعاني عجزًا بالغًا في الغذاء، ولا تجد ما يكفي لسد رمقها، مع عجز تام عن التأقلم. سوء تغذية حاد يصيب أكثر من 30% من الأطفال دون سن الخامسة: أي أن أكثر من ثلث الأطفال الصغار يعانون من الهزال أو سوء التغذية الحاد نتيجة نقص الغذاء. معدل وفيات مرتفع بسبب الجوع: أي تسجيل ما يزيد عن حالتي وفاة يوميًا لكل 10 آلاف شخص نتيجة المجاعة، أو بسبب التداخل بين سوء التغذية والأمراض. عندما تُستوفى جميع هذه المعايير الثلاثة معًا في منطقة معينة، يصنّف الوضع على أنه مجاعة (IPC) من المستوى الخامس. هذا التصنيف يعتمد على جمع بيانات دقيقة تشمل مسوحًا ميدانية لنمط استهلاك الأسر، ونسب سوء التغذية عبر الفحوص الطبية للأطفال، ومعدلات الوفيات في المستشفيات والمراكز الصحية. تشارك وكالات أممية كبرنامج الغذاء العالمي (WFP)، ومنظمة الصحة العالمية (WHO)، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، إلى جانب منظمات الإغاثة في جمع هذه البيانات، وتحليلها ضمن فرق عمل متعددة التخصصات. وفي العادة، تُتخذ قرارات التصنيف بشكل توافقي بين الخبراء والجهات المعنية عبر ما يُعرف بـ'الإجماع التقني متعدد الأطراف'؛ حيث تُناقش النتائج ضمن مجموعات عمل تضم وكالات الأمم المتحدة والسلطات المحلية (عند وجود حكومة معنية)، ثم تُرفع التوصية النهائية لإقرار التصنيف رسميًا. في بعض الحالات، تتشكل لجنة مراجعة مستقلة لضمان دقة التصنيف، كما حدث في حالة غزة؛ حيث أُنشئت لجنة مراجعة المجاعة لتقييم الوضع في ظل شُح البيانات. لكن إعلان المجاعة ليس قرارًا تقنيًا بسيطًا، بل تصطدم به عقبات منهجية، خصوصًا في مناطق النزاع. ففي غزة، يعزى تأخر الإعلان إلى نقص البيانات الميدانية الموثوقة، نتيجة الحصار والظروف الأمنية التي منعت الصحفيين وعمال الإغاثة من الوصول إلى المناطق المنكوبة. كما أدى انهيار النظام الصحي، وانقطاع الاتصالات إلى غياب التوثيق لحالات الوفاة المرتبطة بالجوع، إذ إن كثيرًا من الضحايا فارقوا الحياة خارج المستشفيات، بعيدًا عن أعين الإحصاءات. هذه الفجوات تجعل استيفاء معايير المجاعة أمرًا معقدًا من الناحية الشكلية، رغم أن الصور والروايات من الميدان تروي مأساة لا لبس فيها. وكما قال أحد عمال الإغاثة: 'في شمال غزة، الناس لا يموتون في المستشفيات، بل خارجها… دون أن يراهم أحد'. يُذكر أيضًا أن إعلان المجاعة على المستوى الدولي خطوة نادرة وشديدة التحفظ، إذ لا يُلجأ إليها إلا في حالات استثنائية للغاية، وبعد تحقق معايير صارمة يصعب استيفاؤها بالكامل، خاصة في ظروف النزاع، ما يجعل الجهات الأممية تتوخى حذرًا شديدًا قبل إطلاق الوصف رسميًا. فلم تُعلن المجاعة إلا مرتين في السنوات الأربع عشرة الأخيرة (في الصومال2011، وجنوب السودان 2017)، مما يعكس مدى صرامة الشروط، وضرورة تحقق الأدلة الدامغة. ورغم أن إعلان 'حالة المجاعة' لا يرتب تلقائيًا التزامات قانونية جديدة أو معاهدات ملزمة، فإنه يحمل وزنًا سياسيًا وأخلاقيًا كبيرًا باعتباره نداءً عاجلًا لتحريك المجتمع الدولي. هذا النداء قد ينعكس في زيادة المساعدات، وحشد الجهود الدبلوماسية للضغط على إسرائيل. ومع ذلك، فإن الحرص على المصداقية العلمية جعل الأمم المتحدة تتجنب استخدام مصطلح 'مجاعة' في غزة، ما لم تصلها بيانات تفي بالمعايير المتعارف عليها. يتضح، إذن، ظاهريًا، أن السبب الفني الرئيسي للتردد الأممي هو غياب البيانات الموثقة الكافية- نتيجة الحصار والقتال- لإثبات المجاعة وفق معايير IPC الصارمة. وفي المقابل، يرى منتقدون أن الاعتبارات الإنسانية يجب أن تطغى على الاعتبارات التقنية الجامدة عندما تكون الأدلة الواقعية واضحة للعيان. هذا التناقض غير المبرر بين النهج الفني البحت والواقع الميداني المؤلم يكمن في صميم التساؤل حول تأخر إعلان المجاعة. كما لا يمكن إغفال احتمال وجود اعتبارات سياسية ضمنية تكبح صدور إعلان من هذا النوع. فالأمم المتحدة، رغم طبيعتها القانونية والإنسانية، ليست بمنأى عن التوازنات السياسية والضغوط الدولية. وقد أظهرت التجارب السابقة أن قرارات مجلس الأمن، أو إحالات المحكمة الجنائية الدولية، أو حتى بعض تقارير الأمم المتحدة ذاتها، كانت عرضة للمساومة أو التعطيل تحت وطأة صفقات سياسية أو ضغوط من الدول النافذة. وهو ما يثير مخاوف جدية من أن يكون تردّد المنظمة في إعلان المجاعة في غزة، ليس فقط نتيجة غياب البيانات الفنية، بل أيضًا نتيجة رغبة في تجنب الاصطدام بمنظومة المصالح الدولية، وفي مقدمتها إسرائيل وحلفاؤها. شهادات وتقارير المنظمات الإنسانية حول أزمة الجوع في غزة مع تفاقم الوضع الإنساني في غزة، توالت تقارير من وكالات الأمم المتحدة ومنظمات دولية، تؤكد وصول الجوع وسوء التغذية إلى مستويات حرجة، وتزيد الضغط على الأمم المتحدة؛ لإعلان المجاعة هذه بعضها: وكالة الأونروا (UNRWA) حذّرت مرارًا من انهيار الأوضاع الغذائية، وأكدت، 20 يوليو/ تموز 2025، أن أكثر من مليون طفل مهددون بالمجاعة. ووصفت ما يجري بأنه 'مجزرة صامتة'، بعد تسجيل 86 وفاة بسبب الجوع منذ بداية الحرب، 76 منهم أطفال. كما أشارت إلى منع إدخال المساعدات واستهداف مراكز التوزيع، معتبرةً هذه الممارسات شكلًا من العقاب الجماعي الذي قد يرقى إلى جريمة حرب. منظمة يونيسيف: (UNICEF) وصفت الوضع بـ'كارثة من صنع الإنسان'، وحذّرت في 22 يوليو/ تموز أن 'الجوع منتشر والناس يموتون'. سجلت مستويات كارثية من سوء التغذية بين الأطفال، مع انعدام الأمن الغذائي وشحّ المياه النظيفة. وجّهت نداءً مباشرًا: 'كفى كفى. يجب إيصال المساعدات لكل العائلات فورًا'. برنامج الأغذية العالمي (WFP): أعلن في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 وجود 'خطر وشيك' للمجاعة، وفي مارس/ آذار 2024، أشار تقييم التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي (IPC) إلى أن شمال غزة ربما تجاوز بالفعل عتبة المجاعة. وأكد البرنامج أن 48% من الأسر هناك تقضي أيامًا بلا طعام. وحذر كبير اقتصادييه قائلًا: 'عندما نُعلن المجاعة، يكون الأوان قد فات'. أطباء بلا حدود: (MSF) وثّقت تصاعدًا مقلقًا في حالات الهزال الحاد بين الأطفال، إذ ارتفعت من 293 حالة في مايو/ أيار إلى 983 حالة في يوليو/ تموز، معظمهم دون السنتين. وقالت إن التجويع متعمد، مشيرة إلى مشاهد لأمهات بأوزان دون 40 كيلوغرامًا ورضّع خدّج. وطالبت بفتح ممرات إنسانية فورًا. تقييم نقدي لدور الأمم المتحدة بين التقاعس والعوائق في الختام لا بد من تقديم تقييم صريح لأداء الأمم المتحدة حيال المجاعة في غزة، وطرح السؤال الجوهري: هل كان تأخر المنظمة في إعلان المجاعة مجرد التزام بالمعايير الفنية؟ أم أنه ترددٌ يعكس فشلًا أخلاقيًا في مواجهة كارثة موثّقة بالصوت والصورة؟ إن الصورة قاتمة، لا بفعل الشعارات، بل بفعل المعطيات الميدانية الحية: أطفال يموتون جوعًا، عائلات تبحث عن الطحين في القمامة، ومراكز إغاثة تُقصف عمدًا. وكل ذلك موثق على شاشات العالم. ومع ذلك، تتردد المنظمة الأممية في إطلاق وصف 'المجاعة'، وكأن الصور والشهادات ليست كافية ما لم تمر عبر فلاتر منهجية وبيروقراطية معقّدة. ومن الناحية الفنية، تُفهم رغبة الأمم المتحدة في احترام أدوات التصنيف العلمي، وضمان مصداقية بياناتها. لكن هذا الحذر، في ظل واقع إنساني بالغ القسوة، يتحول إلى عبء. إذ إن انتظار دلائل كمية 'مثالية' في مناطق يُمنع فيها الوصول وتُقطع فيها الاتصالات، هو ضرب من الإنكار غير المبرّر. لقد تحوّلت المعايير الفنية إلى عذر يُعلّق عليه التأخير، رغم أن كل مؤشرات المرحلة الخامسة من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC) قد تجسدت فعليًا على الأرض. الصور لا تكذب، ولا تنتظر استبانات. أما من الناحية السياسية، فالأمر أشد تعقيدًا. إعلان المجاعة في غزة يُعد بمنزلة إدانة صريحة لسياسات إسرائيل الإجرامية، بل قد يزيد من القناعة بضرورة مساءلة إسرائيل دوليًا بموجب القانون الدولي الإنساني. وهذه خطوة تدرك الأمم المتحدة أنها ستواجه بسببها ضغوطًا شديدة، خصوصًا من دول كبرى تدعم إسرائيل. لذلك، آثرت المنظمة حتى الآن استخدام لغة حذرة، فضفاضة، لا تضع الأمور في نصابها الكامل. لكن ماذا تبقى من دور أممي إذا كان الخوف من الصدام السياسي يجمّد الشهادة على الجرائم؟ الأمم المتّحدة ليست مجرد هيئة فنية؛ إنها حكومة عالمية تمثل ضميرًا دوليًا. وإذا اختارت الصمت أو التردد في لحظة كارثية كهذه، فإنها تهدر ما تبقى من مكانتها الأخلاقية. لكن في غزة، الزمن ليس سلعة. كل ساعة تأخير تعني موت طفل أو أم أو مسنّ. وكل عبارة حذرة تُصدرها الأمم المتحدة تُفسَّر في الميدان كرضا ضمني، أو على الأقل كعجز عن قول الحقيقة. الحقيقة أن الأمم المتحدة- رغم تحذيرات منظماتها كاليونيسيف والأونروا وبرنامج الغذاء العالمي- لم تجرؤ بعد على النطق بكلمة 'مجاعة'. وهي بذلك تُفرّغ تحذيراتها من مضمونها، وتفقد القدرة على تعبئة العالم لإنقاذ ما تبقى من الحياة في غزة. لا يكفي أن تقول المنظمة إنها 'تشعر بالقلق'، بل عليها أن تُسمّي الأمور بمسمياتها، وأن تتحمّل تبعات إعلان الحقيقة، لا أن تساير مصالح الأقوياء. وإذا استمرت الأمم المتحدة في هذا المسار، فإنها لا تُفرّط فقط بواجبها في غزة، بل تُفرّط بمبرر وجودها ذاته. حياة مئات الآلاف من البشر، ومصداقية النظام الدولي، ومستقبل آليات الحماية الجماعية، كلها معلقة اليوم على شجاعة تسمية الواقع باسمه: إنها مجاعة. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لجريدة إيطاليا تلغراف

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store