
الأمم المتحدة في عامها الـ80: الإصلاح أو التهميش
روبرت كايينامورا
نائب رئيس البعثة الرواندية الدائمة في الأمم المتحدة
بلغت الأمم المتحدة هذا العام عامها الثمانين، وبقاؤها مؤسسة فاعلة حتى بلوغ المائة، رهنٌ بمدى استعداد الدول الأعضاء ومنظومة الأمم المتحدة نفسها لمواجهة الحقائق الصعبة والانخراط في إصلاحات جوهرية.
لقد وُلدت الأمم المتحدة من رماد الحرب العالمية الثانية، وكان الهدف منها صون السلام، وحماية حقوق الإنسان، وتوحيد الشعوب. لكنها اليوم مهددة بأن تصبح كيانًا متحفيًا، يتخلف عن مواكبة صدمات المناخ، والانقسامات الرقمية، والتحولات الديمغرافية، والتشرذم الجيوسياسي المتزايد.
كمواطن من رواندا، أتأمل في مسيرة الأمم المتحدة بمشاعر مختلطة. ففي 1994، أثناء الإبادة الجماعية ضد التوتسي، خذل المجتمع الدولي رواندا عبر الأمم المتحدة. لكن فيما بعد، ساعدتنا الأمم المتحدة على إعادة بناء المؤسسات واستعادة الكرامة. واليوم تُعد رواندا من أكبر المساهمين في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. فعندما تعمل التعددية، فإنها تُحدث تحوّلًا حقيقيًا.
لكن مصداقية الأمم المتحدة تتآكل. فاستجابتها للأزمات تتسم بعدم الاتساق بشكل مقلق: تكون سريعة في بعض المناطق، ولا مبالية في أخرى. وتُجسّد مأساة المجتمعات الرواندية في شرق الكونغو الديمقراطية هذا التفاوت خير تجسيد.
فشعب 'البانيامولينغي'، وهم مواطنون كونغوليون من أصول رواندية، يعانون منذ عقود من انعدام الجنسية والتهجير والعنف الممنهج والتمييز البنيوي.
ورغم أن مأساتهم موثقة جيدًا في تقارير جهات مثل 'The New Humanitarian'، و'Genocide Watch' فإنها لا تحظى بأي اهتمام في مناقشات مجلس الأمن. ولا يُعد هذا مجرد سهو، بل هو فشل هيكلي. فالأعضاء الأقوياء في المجلس يحمون الوضع القائم، بينما تُمحى المجتمعات الضعيفة من جدول الأعمال.
وسؤال 'هل الأمم المتحدة تفشل؟' يقودنا إلى سؤال أعمق: ما هي الأمم المتحدة فعلًا؟ إنها أكثر من مجرد الأمانة العامة في نيويورك.
إنها منظومة معقدة تتكوّن من ستة أجهزة رئيسية، و193 دولة عضوًا، وعشرات الوكالات. الجمعية العامة تُضفي الشرعية، ولكنها تفتقر للسلطة التنفيذية. ومجلس الأمن غالبًا ما يكون مشلولًا، أسيرًا للمصالح الوطنية والتجاذبات الجيوسياسية. والمجلس الاقتصادي والاجتماعي لا يُستفاد منه بالشكل الكافي. ومحكمة العدل الدولية تعاني من انتقائية الدول في الامتثال لأحكامها، ومجلس الوصاية أصبح من الماضي.
يبقى فقط أن الأمانة العامة هي الجزء الأكثر نشاطًا، وإن لم تكن دائمًا الأكثر فاعلية، إذ تقيدها البيروقراطية الجامدة والمساحة المحدودة للابتكار.
ومع ذلك، فإن موظّفي الأمم المتحدة ليسوا بيروقراطيين بلا وجوه، بل هم مواطنونا، ينتمون إلى كل بلد. يعملون بجد داخل منظومة تُبطئها القواعد القديمة والإجراءات المكررة والخمول المؤسسي.
وغالبًا ما تُفضي التفاعلات الداخلية بين الأمانة العامة، ولجنة المشتريات الرئيسية، والطبقات المتعددة من المراجعة، إلى التأخير بدلًا من الإنجاز.
لكن المشكلة لا تكمن في بيروقراطية الأمم المتحدة وحدها، بل أيضًا في سلوك الدول الأعضاء. فقد حوّل كثير منها الأمم المتحدة إلى أداة من أدوات سياساتها الخارجية، تستخدم المنصات متعددة الأطراف بشكل انتقائي لخدمة أجنداتها الضيقة.
وقد عمّق ذلك الانقسامات، وأدى إلى حالة من خيبة الأمل في بلدان الجنوب، التي باتت أكثر وعيًا بهذا الخلل. لكن بدلًا من التوحد، لا نزال عالقين في ثنائيات مصطنعة: شمال وجنوب، متقدم ومتخلف، تُخالف الرؤية التأسيسية للأمم المتحدة القائمة على المسؤولية المشتركة.
فهل فشل الأمم المتحدة سببه أجهزتها غير الفاعلة أم الدول الأعضاء المهملة؟ الجواب: كلا الطرفين ولا أحد منهما، فجوهر المشكلة هو غياب المساءلة. ويجب أن تصبح المساءلة حجر الأساس لأمم متحدة جاهزة للمستقبل. ينبغي محاسبة الأمانة العامة على أسس واضحة من الأخلاق والشفافية والكفاءة، ويجب تقييم كبار المسؤولين بناءً على الأثر الواقعي، لا على مؤشرات داخلية أو حسابات سياسية. ويجب استبدال القادة الذين لا يحققون الأداء المطلوب، وإنهاء ثقافة الحماية الداخلية.
لكن العبء لا ينبغي أن يُلقى على كاهل منظومة الأمم المتحدة وحدها. بل يجب على الدول الأعضاء أن تتحمل مسؤولياتها السياسية والمالية والأخلاقية. ويشمل ذلك تسديد الاشتراكات المالية المستحقة كاملة وفي موعدها، والامتناع عن التدخل في التفاصيل اليومية، وتنفيذ الإصلاحات التي طالما نادت بها. كما يشمل تمكين الأمم المتحدة من الابتكار وتحمل المخاطر المحسوبة، بدلًا من معاقبتها عند أول هفوة.
يجب إخضاع جميع الأجهزة الرئيسية الستة للأمم المتحدة لمراجعة مستقلة ومنتظمة. فلا جزء من هذه المؤسسة ينبغي أن يختبئ خلف الطقوس أو البيروقراطية. فالغموض والحصانة -سواء في الأمانة العامة أو داخل مجلس الأمن- يقوضان شرعية المنظمة.
وتُجسد سلطة الفيتو التي يتمتع بها الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن هذا الخلل. فقد أُنشئت في الأصل لضمان الاستقرار العالمي، لكنها أصبحت تُستخدم لحماية الحلفاء أو منع كشف الحقائق المؤرقة. فمن يُحاسب هؤلاء الخمسة؟ ومن يضمن أنهم يتصرّفون بما يخدم الأمن الجماعي؟ لا توجد آلية واضحة اليوم. هذا الصمت يُغذّي الإحباط، خصوصًا في المناطق التي خلّف فيها تقاعس المجلس عواقب مميتة.
في 2024، قدّم 'الميثاق من أجل المستقبل' خارطة طريق واعدة لإحياء التعددية: الإنصاف الرقمي، وعدالة المناخ، وبناء السلام، وإدماج الشباب، وإصلاح النظام المالي العالمي. لكن التصريحات لا تُعدّ إصلاحًا. فبدون آليات ملزمة، وتمويل كافٍ، وإرادة سياسية، سينضم هذا الميثاق إلى قائمة الوعود المنسية.
لقد شهدت بنفسي ما يمكن أن تحققه الإصلاحات حين تتوافر العزيمة. فقد كنتُ جزءًا من عملية إصلاح عام 2018 التي أعادت هيكلة إدارة الأمم المتحدة ومنظومتها الإنمائية والأمنية.
وقد أظهرت إعادة تموضع فرق الأمم المتحدة في الدول، وإنشاء نظام المنسق المقيم، ما يمكن تحقيقه حين تتماشى الإصلاحات مع الأولويات الوطنية وتحظى بالدعم المالي. لكن حتى هذه المكتسبات اليوم مهددة، بسبب نقص التمويل وتراجع الالتزام السياسي.
نحن بحاجة إلى ميثاق جديد يقوم على المساءلة المتبادلة بين الأمانة العامة والوكالات والدول الأعضاء. ميثاق يطالب بالتنفيذ، ويكافئ الإنجاز، ويحاسب على الفشل. نحتاج إلى أمم متحدة لا تُقاس بعدد تقاريرها، بل بالأثر الملموس في حياة الناس.
ليست هذه دعوة للتخلي عن التعددية، بل لإنقاذها وإعادة تصورها.
وهذا يشمل إصلاح مجلس الأمن، لا بمجرد توسيعه ليشمل تمثيلًا دائمًا لأفريقيا، بل بجعل أساليبه أكثر شفافية وشمولية. كما يشمل الانتقال من الاستجابة للأزمات إلى الوقاية منها. ويشمل أيضًا ضمان أن تحترم حوكمة الفضاء الرقمي حقوق الإنسان وتمكّن الجنوب العالمي. ويشمل تأمين تمويل مستدام وغير مشروط، كي لا تبقى الأمم المتحدة رهينة لمساهمات مسيّسة وموجهة تقيّد استقلاليتها.
لا تزال هناك نقاط مضيئة، فوكالات مثل اليونيسيف، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وهيئة الأمم المتحدة للمرأة، وصندوق الأمم المتحدة للسكان، والاتحاد الدولي للاتصالات، تقدّم نماذج لأمم متحدة تتمحور حول الإنسان وتحقق أثرًا.
فهي تلامس الأرواح، وتعيد الكرامة، وتفتح الآفاق، لكن حتى هذه الوكالات بحاجة إلى أن تصبح أكثر كفاءة وتنسيقًا وتمويلًا مستدامًا لتواجه تحديات اليوم.
يجب ألا يكون الاحتفال بالذكرى الثمانين للأمم المتحدة احتفالًا ببقائها فقط، بل لحظة مواجهة. فإن لم تُصلح نفسها، فلن تُلغى، بل سيتجاوزها العالم. وستملأ الفراغ تحالفات إقليمية وشبكات خاصة وجهات تكنولوجية غير خاضعة للمساءلة. وهذا البديل أكثر خطورة.
هذه منظمتنا، ومستقبلها رهنٌ بمدى استعداد الدول الأعضاء لمطابقة أقوالها بأفعالها. لأن العالم لا يزال بحاجة إلى أمم متحدة فاعلة ومبدئية، لا كصدى نوستالجي لمؤتمرات سلام غابرة، بل كمحرّك حي للعدالة والإنصاف والتعاون. وإذا كانت الأمم المتحدة تطمح إلى ثمانين عامًا أخرى، فعلينا أن نعود إلى غايتها التأسيسية: لا السلطة، ولا الامتياز، بل الإنسان.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لجريدة إيطاليا تلغراف
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشروق
منذ 6 ساعات
- الشروق
اعتراف ماكرون بدولة فلسطين.. مسؤول فرنسي يكشف المستور
تحدث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال الساعات الماضية، عن دعمه لقيام دولة فلسطينية، مضيفًا إلى تصريحاته السابقة شرطين أساسيين هما، نزع سلاح الدولة المرتقبة، واعترافها الكامل بالكيان الصهيوني. وفي السياق ذاته، كشف وزير الخارجية جان‑نويل بارو عن تحركات دبلوماسية تقودها باريس بالتنسيق مع أطراف عربية، تهدف إلى إدانة حركة حماس وعزلها سياسيًا على المستوى الدولي. وقال ماكرون، إن 'فرنسا تعمل على إشراك دول أخرى في الاعتراف بدولة فلسطين'، مجددا التأكيد على موقفه السابق بأن 'فرنسا ستعترف بدولة فلسطين في شهر سبتمبر المقبل خلال أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة'. وأضاف: 'بحثت مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سبل الدفع نحو حل الدولتين ويجب فعل كل ما يلزم لضمان أمن الفلسطينيين والإسرائيليين'. وتابع إن 'مؤتمر نيويورك في 28 و29 جويلية يجب أن يطلق مسارا جديدا لحل دائم على أساس حل الدولتين'، مشددا على أنه 'لا يمكن أن نقبل بموت الأطفال جوعا في غزة'، في ظل استمرار الحرب على القطاع المحاصر منذ أكتوبر 2023. وأشار إلى أنه 'يجب وقف إطلاق النار والإفراج عن جميع الأسرى وإدخال مساعدات عاجلة إلى قطاع غزة ونزع سلاح حماس'، موضحا أن 'الوضع الإنساني في غزة غير مقبول ويهدد بمجاعة ونزوح جماعي'، ومشددا على أن الطريق إلى السلام يكمن في 'دولة فلسطينية منزوعة السلاح تعترف بإسرائيل'. الرئيس الفرنسي ماكرون: سأعترف بدولة فلسطين في سبتمبر المقبل خلال أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة دولة فلسطينية منزوعة السلاح تعترف بإسرائيل هو الطريق إلى السلام فرنسا تعمل على إشراك دول أخرى في الاعتراف بدولة فلسطين مؤتمر نيويورك في 28 و29 يوليو يجب أن يطلق مسارا جديدا… — جريدة القدس (@alqudsnewspaper) July 27, 2025 ولقيت تصريحات ماكرون انتقادات حادة، بين من يسأله عن سبب عدم نزع سلاح الكيان الصهيوني أيضا كما هو مطلوب من حماس، ومن يؤكد على أنه يساعد على تنفيذ خطة تخدم الاحتلال بشكل واضح، فيما استغرب آخرون كيف تعترف فلسطين بالاحتلال كدولة!! وبينما أكد متابعون أن ماكرون استدرك وطالب بنزع سلاح المقاومة، بعدما لقي إعلانه الأول رفضا أمريكيا وصهيونيا، أشارت الانتقادات إلى خلل جوهري في مبدأ 'التوازن الأمني' الذي يفترض أن يكون متبادلاً بين الطرفين، وليس مفروضًا على طرف دون الآخر. من جانبه، زعم وزير الخارجية الفرنسي، إن الدول العربية ستدين حركة حماس للمرة الأولى وتدعو إلى نزع سلاحها في أوائل الأسبوع المقبل خلال اجتماع وزاري للأمم المتحدة في نيويورك وهي خطوة تهدف إلى جذب المزيد من الدول الأوروبية للاعتراف بالدولة الفلسطينية. French Foreign Minister Jean‑Noël Barrot says that starting this week, Arab nations will publicly condemn Hamas and call for its dismantling for the first time, an action he believes will fully isolate the group. This move comes as part of France's broader strategy to recognize a… — Open Source Intel (@Osint613) July 27, 2025 وفي مقابلة حصرية مع صحيفة 'لو جورنال دو ديمانش' الأسبوعية الفرنسية، قال بارو إن هذه الخطوة تهدف إلى عزل حماس تماما، وتأتي في إطار مبادرة مخطط لها منذ فترة طويلة. وسيتم حسب المسؤول الفرنسي، وضع خارطة طريق مقترحة لما بعد الحرب تؤدي إلى حل الدولتين وتغطي الأمن وإعادة الإعمار والحكم، والتي ستكون متوافقة مع اتفاقيات إبراهيم التي تفاوض عليها الرئيس الأمريكي ترامب. وأضاف الوزير الفرنسي أن 'المفوضية الأوروبية ستتخذ خلال الأسابيع المقبلة موقفا أكثر صرامة تجاه إسرائيل وتطالب بوقف بناء أي مشاريع استيطانية جديدة في الضفة الغربية، وكذلك إنهاء المراقبة العسكرية لتوزيع المساعدات الإنسانية'. يذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية رفضت 'بشدة'، قرار ماكرون الاعتراف بدولة فلسطين في سبتمبر المقبل، أمام الأمم المتحدة، فيما هاجم نتنياهو فرنسا زاعماً أن مثل هذه الخطوة حسب تعبيره 'مكافأة للإرهاب'. كما ثار رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو ضد القرار الفرنسي حيث زعم أن 'دولة فلسطينية في هذه الظروف ستكون منصة إطلاق لإبادة إسرائيل – وليس للعيش بسلام إلى جانبها'. وأضاف أن 'الفلسطينيين لا يسعون إلى إقامة دولة إلى جانب إسرائيل بل يسعون إلى إقامة دولة بدلاً من إسرائيل.' من جهته قال وزير دفاع الكيان الصهيوني، يسرائيل كاتس أن هذه الخطوة 'عار واستسلام للإرهاب'، وقال إن 'إسرائيل لن تسمح بإقامة كيان فلسطيني من شأنه أن يضر بأمننا ويهدد وجودنا'.


التلفزيون الجزائري
منذ يوم واحد
- التلفزيون الجزائري
بتكليف من رئيس الجمهورية، رزيق يشارك غدا الأحد بأديس أبابا في القمة الأممية لأنظمة الغذاء – المؤسسة العمومية للتلفزيون الجزائري
بتكليف من رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، يشارك وزير التجارة الخارجية وترقية الصادرات، كمال رزيق، في أشغال الطبعة الثانية لقمة متابعة أنظمة الغذاء للأمم المتحدة (UNFSS+4)، المقرر عقدها بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا من 27 إلى 29 يوليو الجاري، حسبما أفاد به، اليوم السبت، بيان للوزارة. وتندرج مشاركة الجزائر، في إطار التزامها، تحت قيادة رئيس الجمهورية، بدعم الجهود الدولية الرامية إلى بناء أنظمة غذائية مستدامة، عادلة، ومرنة، في ظل التحديات المتزايدة المرتبطة بالأمن الغذائي، التغيرات المناخية والتحولات الاقتصادية العالمية، يضيف ذات المصدر.


المساء
منذ 2 أيام
- المساء
كودري أكد دعمها لحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم
دعت الجزائر، أول أمس، من نيويورك، على لسان مندوبها الدائم المساعد لدى الأمم المتحدة، توفيق العيد كودري، إلى تعزيز المجال الدبلوماسي الوقائي "بشكل كبير" لتهدئة التوترات المتصاعدة ومنع الصراعات قبل نشوبها. وفي كلمة له خلال جلسة إحاطة بمجلس الأمن بشأن التعاون بين الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي، أكد كودري أن التحديات المتنوعة والمعقدة التي تواجه السلام والأمن الدوليين في عالم اليوم "تتطلب تعاونا أعمق وأكثر استراتيجية"، داعيا إلى ضرورة "تعزيز القدرات في مجال الدبلوماسية الوقائية بشكل كبير لتهدئة التوترات المتصاعدة ومنع الصراعات قبل ظهورها، لا سيما في العالم النامي، حيث غالبا ما تكون العواقب وخيمة".وأوضح الدبلوماسي الجزائري أن قدرات منظمة التعاون الإسلامي في ميدان الوساطة الإقليمية "تعد مكسبا قيما ينبغي الاستفادة منه بالكامل"، داعيا في ذات السياق إلى "تعاون أقوى في مكافحة الإرهاب وحفظ السلام وبناء السلام بعد انتهاء الصراع، كون هذه المجالات تشتد فيها الاحتياجات". وأشار ذات المتحدث إلى أن الجزائر، بصفتها عضوا ملتزما في منظمة التعاون الإسلامي، "تؤكد على أهمية العلاقة بين الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي اللتين يجمعهما التزام مشترك بمبادئ ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة". وأشار كودري إلى أنه من بين المجالات التي تعتبرها الجزائر أساسية للنهوض بهذه الشراكة التي تعد أساسية، "القيمة الاستراتيجية للتعاون" بين الهيئتين. كما أكد أن الجزائر تعتبر تعزيز الحوار والتسامح من بين المجالات الأساسية للنهوض بالشراكة بين المنظمتين، مذكرا بأن منظمة التعاون الإسلامي تأسست عام 1969 كرد فعل مباشر على الهجوم الذي أدى إلى الحريق المدمر على المسجد الأقصى، والذي لم يكن مجرد عمل معزول، بل كان اعتداء استفزازيا على أحد أقدس الأماكن. ومن المؤسف للغاية يقول كودري أنه "بعد عقود لا يزال الفلسطينيون بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية، يواجهون الكراهية والتمييز والحرمان الممنهج من حقوقهم الأساسية"، مجددا دعوة الجزائر بضرورة "الاحترام الكامل لحقوقهم غير القابلة للتصرف، بما في ذلك حقهم في إقامة دولة والعيش بكرامة وحرية وأمن". وأكد في ذات السياق أنه "في عالمنا المترابط، لم يعد تعزيز الحوار بين الثقافات والأديان خيارا، بل أصبح ضرورة"، مبرزا أن منظمة التعاون الإسلامي والأمم المتحدة "حليفتان طبيعيتان في هذا المجال". وأشار الدبلوماسي الجزائري إلى أن هذا الالتزام انعكس بقوة في إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 15 مارس، بمبادرة من باكستان، يوما دوليا لمكافحة الإسلاموفوبيا وفي استحداث منصب لمبعوث خاص للأمم المتحدة لمكافحة الإسلاموفوبيا، لافتا الى أن هذه الخطوات تمثل "اعترافا جماعيا بضرورة مواجهة التمييز بجميع أشكاله، في زمن انتشار خطاب الإقصاء والفصل، والذي يشكل مصدر قلق بالغ". كما أعرب كودري عن اعتقاد الجزائر أن "الوقت قد حان لإضفاء مزيد من الديناميكية والتماسك والطموح على الشراكة بين الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي" من أجل تحقيق الأهداف المشتركة، وهي السلام والأمن والتنمية المستدامة والكرامة الإنسانية.