logo
أ تصحو أم فؤادك غير صاحِ

أ تصحو أم فؤادك غير صاحِ

التغيير١٨-٠٢-٢٠٢٥

أ تصحو أم فؤادك غير صاحِ
عشيّة همّ صحبك بالرواح ..
و الإستهانة بحياة الناس، عار يكلل أداء الحكومات العسكرية في السودان، لأنّ القتل مهنة العسكر ، عليها يتدربون جسديا ومعنويا، هذا من صميم عملهم وأداء واجباتهم المهنية . أمّا في المجتمعات التي تحضّرتْ وأزدهرت ؛ تتحكّم القوانين، ويسود الإنضباط لدرجة لا يصبح القتل مجرد نزهة ، بل عمل محكوم بالقانون وأي تجاوز له يدخل مباشرة في حيّز الجريمة التي يتم المحاسبة عليها بصرامة . لذلك نسمع كثيرا عن إحالة جنود وضباط للتحقيق في كبريات الجيوش في البلدان الديمقراطية ولم نسمع عن سيادة ثقافة الإفلات من العقاب كرافعة لتولي القيادة، مثلما هي الطريقة المُثلى لمن يريد أنْ يؤتى به في شاشات الأخبار بطلا قوميا مغوار . تغني له المغنيات وتمجّده الحكّامات، وتهتف باسمه الحشود، تتدافع لتصافح يديه وربما تقبّلها من شدّة التعلق باستار القتلة .
هذه سكة وجع عويصة وماساة غميسة، مشتها أجيال وأجيال على أرض هذه البلاد التي لم تحظّ بجمّة قصيرة من زمجرة أنهار الدم . كل جيل يسلّم الجيل التالي قوائم الشهداء، ليتمسّكوا بها، والقتلة هم هم، لا يتبدلون، فقط يرتدون الجلابية بيضا ومكوية يلفون فوق رؤوسهم العمائم السويسرية الفاخرة، يشيلوا على المرحوم الفاتحة ويقلدوا أباه . ويهرع لملاقاتهم جمهرة المعزين في الديوان أو الصيوان، ثمّ يُفسح لهم في المجلس ريثما يستقرون على الكراسي، يتآنسون ويهمسون ويبتسمون ، وأكواب الماء البارد والشاي والقهوة تتراص أمامهم، ويعزمونهم بالطلاق على مائدة الفطور . نفس الزول .
وقصة الألم طويلة طويلة، بلاد ليست لأهلها ، أرض يملكها من ينهبها ، سلطة يتسيدها من (يقلبها) ولو بغطاء التصحيح !! نفس الزول .. وجموع هادرة تهتف ملء حلاقيمها المزوّرة، وعلى الوجوه في الخيام البائسة قترة، والشفاه الظمأى تستحلب مطر السماء الرحيم ولا خريف .. والجوع ممض و ممرض للأبدان ، مهلك للأرواح .. والحًرّة لا تأكل من ثديها ، يتقعّر الحديث ، وأصداء البعيد يتردد صداها ، أنْ حيّ على الفداء .. حيّ على الجهاد ..حيّ على الوطن !!
ويرتد الصدى شظايا براميل متفجّرة ، وزخّات دانات منهمرة ، وسياط عذاب مسلّطة تلهب القفا ، وعجوز تتلوى ، وسيّدة تتضرع، لكنها في عُرف الزبانية مجرمة طالما مدّت بيد مرتعشة كوب ماء للعدو.. وشيخ يترنح من هوان إذ هو في شرعة القتلة فلول .. يا رب ما هذه القيادات المنافيخ التي تشكو فراغا في المخيخ ..
والمذياع والوسائط وكل من خط حرفا بليغا ومن عمّر ساعة حوار تلفازي ماسخ، يتأرجح في مقعد الأستديو ليعظ المشاهدين عن الوحدة الوطنية والسيادة الوطنية والكرامة الوطنية، وعندما تضع الوطنية خارج القوس لتضربها في مستحقاتها، تذوب المفردة بين اللواعج واللواكن والمفاوات الغبية . ولا يصحو الفؤاد عشية همّ صحبه بالرواح، فالقلب مشغول بعدّادات اللايكات على اللايفات، وحصاد الدولار . والنهر يتلوى دولة قبالة البحر، وسبائك الدهب، ومناجم توهب عطايا لمن يحسن التشوين للمجاهدين .. و يتحكّر البعض بدقينة خفيفة، أو سروال طويل، يلهج بالثناء على .. نفس الزول .. لأنّه قاد الناس إلى الفناء، والأمم المتحدة .. تقاريرها مضروبة ونوايا موظفيها استعمارية فلا جوع بل غول هبط من السماء ونبت في الصحراء بروس .. وتجقلب إذ همّ صحبك بالرواح، من قاتل إلى قاتل المآب، يا هذا الموغل في الحسرات، صدف أنّك إنسان في هذي الأرض المخضبة دوما بدمك بأنهار الدماء .. وتصبحون على حلم بوطن . إلا ورا القبر ورا القبور يا بلد القبور .والعسكري المغرور .

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

وقف الحرب مع دخولها مرحلة خطرة
وقف الحرب مع دخولها مرحلة خطرة

التغيير

time١٠-٠٥-٢٠٢٥

  • التغيير

وقف الحرب مع دخولها مرحلة خطرة

1 منذ الحرب الأولى اشرنا الي خطر اطالة أمدها، مما يؤدي للمزيد من الدمار، والتي أحدثت دمارا كبيرا في البلاد الذي زاد تصاعدت مع دخول الحرب مرجلة. خطرة كما في استخدام المسيرات المدمرة الجارية الان للبنيات التحتية والميناء والمطارات ومحطات الكهرباء والماء، ومستودعات الوقود مما جعل الحياة جحيما لا يطاق، كما حدث في بورتسودان ونيالا وعطبرة وكوستي. الخ، وتحولت أمال كل من طرفيها في انتصار حاسم وسريع إلى عصف مأكول بعد أن طالت الحرب واستطالت لأكثر من عامين ، مما يتطلب وقفها فورا ، فهي حرب أضرت بالمواطنين وخلقت أوضاعا انسانية بالغة السوء. كما اشرنا ان الحرب هدفها السلطة وحماية المصالح الطبقية لجنرالات الحرب في اللجنة الأمنية والدعم السريع بعد الثروات الضخمة التي راكمتها 'حميدتي وشركاته' التي تقدر بأكثر من 20 مليار دولار ، وشركات الجيش التي تقدر استثماراتها بأكثر من 10 مليار دولار ، وتستحوذ على 82% من موارد البلد ، اضافة لميزانية الأمن والدفاع التي تستحوذ على 76% من ميزانية الدولة ، ولحماية مصالح الرأسمالية الطفيلية التي تدور في فلكها ، ومصالح القوى الدولية والإقليمية التي تقف خلفهما وتدعمهم بالمال والسلاح للاستمرار في نهب ثروات البلاد بالاستيلاء على الأراضي والموانئ والذهب وبقية المحاصيل النقدية. ٢ اضافة الي أن من اسباب الحرب تدخل المحاور الاقليمية والدولية في فرض 'الوثيقة الدستورية' المعيبة التي كافأت جنرالي الحرب بالمشاركة في السلطة ،وكرّست الإفلات من العقاب بعد جرائم الحرب وضد الانسانية التي قاموا بها ، وتقنين الجنجويد دستوريا بدلا من حله حسب شعار الثورة ، واستمرار ارسال المرتزقة من الجنجويد لحرب اليمن، مما شجع للاستمرار في جرائم انقلاب 25 أكتوبر 2021 ، وجرائم الحرب الدائرة الآن. الحرب تأتي في ظل اشتداد حدة صراع الضواري الرأسمالية والاقليمية والدولية لنهب ثروات السودان وافريقيا في ظل الأزمة المتفاقمة للنظام الرأسمالي العالمي، كما برز من الحرب الروسية – الاوكرانية، ورفع ميزانيات الحرب والتسليح في كبري الدول الرأسمالية ورصد التريليونات من الدولارات للتسليح ، كما في تهديد صقور الحرب في أمريكا بالحرب الشاملة لإعادة مجد الولايات المتحدة الذي بدأ يتهاوى مع بداية انهيار الدولار والنظام المصرفي، والمناورات العسكرية في الصين حول تايوان، فالحرب هي نتاج طبيعي لتفاقم أزمة النظام الرأسمالي الذي ينتج الفقر والدمار والحروب وتهجير الشعوب بعد نهب ثرواتها، مما يتطلب اوسع جبهة عالمية ضد الحرب ومن أجل السلام والحرية والعدالة. ٣ كل ذلك يتطلب أوسع جبهة جماهيرية لوقف الحرب واستعادة مسار الثورة ، مواصلة النضال الجماهيري لدرء آثار الحرب ، واستعادة السلام المستدام والحكم المدني الديمقراطي وعودة العسكر للثكنات ، وخروج الجيش ومليشيات الجنجويد وكل المليشيات من السياسة والاقتصاد، والاسراع في الترتيبات الأمنية لنزع سلاح المليشيات وتسريحها (دعم سريع، مليشيات الكيزان، وبقية المليشيات، وقوات الحركات ) ودمجها في المجتمع، وقيام الجيش القومي المهني الموحد الذي يعمل تحت إشراف الحكومة المدنية، وعود شركات الجيش والحركات والمليشيات، والأمن والدعم السريع والشرطة والأمن لولاية وزارة المالية، وتقديم مجرمي الحرب للمحاكمات، الخ ، ومواصلة الثورة حتى تحقيق أهدافها.

اقتصاد السودان: الانهيار الشامل والمأساة الإنسانية في ظل الحرب المنسية
اقتصاد السودان: الانهيار الشامل والمأساة الإنسانية في ظل الحرب المنسية

التغيير

time١٠-٠٥-٢٠٢٥

  • التغيير

اقتصاد السودان: الانهيار الشامل والمأساة الإنسانية في ظل الحرب المنسية

عمر سيد احمد مايو 2025 مقدمة منذ اندلاع الحرب في السودان في أبريل 2023، دخلت البلاد مرحلة من الانهيار الاقتصادي الكامل. شلّ النزاع المسلح معظم الأنشطة الإنتاجية، وتراجعت المؤشرات الكلية، وتفككت مؤسسات الدولة، فيما باتت الأزمات المعيشية أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى. امتدت التأثيرات إلى الزراعة، الصناعة، التجارة الخارجية، والقطاع المصرفي، بينما ظل الذهب موردًا استراتيجيًا يراوح بين دعم الاقتصاد وتهديده بفعل التهريب. هذا المقال يعرض المشهد الكامل لما واجهه الاقتصاد السوداني خلال تلك الفترة الحرجة، بلغة تحليلية متماسكة تستند إلى الأرقام والوقائع. الاقتصاد الكلي: تضخم منفلت، عملة منهارة، ودين خارجي خانق في ظل استمرار الحرب ظل الاقتصاد السوداني يعاني تحديات كبيرة قبل اندلاع الحرب، مثل ارتفاع معدلات التضخم، وانخفاض قيمة العملة، وانتشار الفقر وشهد العامبن الأول والثاني للحرب تدهوراً حاداً في مؤشرات الاقتصاد الكلي، شمل الناتج المحلي الإجمالي (GDP) والتضخم وسعر العملة الوطنية. والدين الخارجي وتأثر الاقتصاد السوداني بشكل كبير نتيجة تعطّل القطاعات الحيوية، خروج الاستثمارات، وتدمير البنية التحتية في المدن الكبرى، خاصة الخرطوم ودارفور تسببت المواجهات في شلل نشاطات اقتصادية واسعة النطاق، ونزوح الاستثمارات، وتوقف التجارة عبر ميناء بورتسودان جزئياً، وانهيار سوق العمل في المدن المتأثرة. أشار تقرير البنك الدولي في ديسمبر 2023 إلى أن الناتج المحلي الإجمالي للسودان انخفض بأكثر من 12% خلال عام 2023 مقارنة بالعام السابق، جراء التدمير الواسع للبنية التحتية وتراجع الإنتاج والاستثمار وفقدان الوظائف. كما توقع استمرار الانكماش في النصف الأول من 2024 ما لم تتوقف الأعمال القتالية وتتحقق تسوية سياسية. التضخم: قبل الحرب كان السودان من بين الدول الأعلى في معدلات التضخم عالمياً، ، متجاوزاً 60% في نهاية عام 2022 بحسب بيانات صندوق النقد الدولي وتجاوز المعدل السنوي 100% في بعض أشهر 2022، نتيجة ضعف الإنتاج والاعتماد الكبير على الاستيراد. وبعد اندلاع الحرب تسارع التضخم بصورة كبيرة، حيث تجاوز 200% منتصف 2023 حسب تقارير صندوق النقد الدولي، بسبب توقف سلاسل الإمداد، وصعوبة الحصول على السلع الأساسية، والانهيار المستمر في قيمة الجنيه السوداني. أدى ذلك إلى ارتفاع أسعار السلع الغذائية والوقود وزيادة حدة الفقر وعدم الاستقرار الاقتصادي. التضخم مع دخول البلاد في دوامة الحرب، انزلقت المؤشرات الاقتصادية إلى مستويات مقلقة. سجّل معدل التضخم السنوي 218% في أغسطس 2024، مرتفعًا من 193% في يوليو، وتجاوزت نسب التضخم في بعض السلع الأساسية مثل الدواء والخبز والوقود 400%. تفاقم التضخم بفعل طباعة النقود دون غطاء، انهيار الإنتاج، وغياب أي سيطرة حقيقية من البنك المركزي على السياسة النقدية. بعدان تفجرت الأسعار بدرجة أكبر نتيجة لانهيار سلاسل الإمداد وارتفاع تكاليف النقل، بالإضافة إلى ندرة السلع الغذائية والأدوية. ووفق بيانات البنك الدولي، تجاوز معدل التضخم السنوي 180% بحلول نهاية 2023، مع تحذيرات من مخاطر تضخم جامح (Hyperinflation) إذا تفاقمت الأوضاع الأمنية والاقتصادية [^2][^4]. سعر الصرف والعملة الوطنية قبل الحرب: كان قيمة الجنيه السوداني يتعرض للضغط باستمرار بسبب نقص العملات الأجنبية وخروج الاستثمارات، لكن السوق ظل تحت السيطرة النسبية للدولة عبر بعض التدابير. وبعد اندلاع الحرب فقد الجنيه السوداني حوالي 70% من قيمته أمام الدولار في السوق الموازي في الأشهر الأولى من الحرب، نتيجة توقف الصادرات وحجب المساعدات الدولية، وتزايد تعاملات السوق الموازي، مع فقدان السيطرة على النظام المصرفي وتراجع توفر النقد الأجنبي من القنوات الرسمية. وشهد عامي الحرب انهيار الجنيه السوداني. ففي أبريل 2023، كان الدولار يعادل نحو 560 جنيها في السوق الموازي، لكنه تجاوز 2,500 جنيه بنهاية 2024، والربع الأول من عام 2025. هذا التدهور أثر مباشرة على كلفة الواردات، وأدى إلى تراجع القوة الشرائية للمواطنين، وارتفاع أسعار كل السلع المستوردة بشكل غير مسبوق. يمثل استمرار النزاع المسلح أكبر التحديات، حيث يتوقع الخبراء تفاقم التدهور الاقتصادي في حال غياب الاستقرار. وتشمل التوقعات: انكماش إضافي في الناتج المحلي: ** مع تعطل الصناعة والزراعة، واستمرار النزيف في البنية التحتية. تصاعد البطالة والفقر: ** نتيجة النزوح وضعف القطاعين العام والخاص وفقدان ملايين الوظائف. تفاقم عجز الميزانية: ** مع تراجع الإيرادات وتنامي الإنفاق العسكري والإغاثي. صعوبات في سلاسل التوريد: ** مما يعمق الأزمات المعيشية والصحية. ضعف الاستثمارات: ** نتيجة فقدان ثقة المستثمرين المحليين والدوليين وتوقف المشاريع التنموية الكبرى. شهد السودان، منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023 بين الجيش النظامي وقوات الدعم السريع، تدهوراً حاداً في مؤشرات الاقتصاد الكلي، شمل الناتج المحلي الإجمالي (GDP) والتضخم وسعر العملة الوطنية. تأثر الاقتصاد السوداني بشكل كبير نتيجة تعطّل القطاعات الحيوية، خروج الاستثمارات، وتدمير البنية التحتية في المدن الكبرى، خاصة الخرطوم ودارفور. الناتج المحلي الإجمالي (GDP) انكمش الناتج المحلي الإجمالي بنحو 12-15% خلال عام 2023، متأثراً بالدمار الواسع، وتوقف الأنشطة التجارية والصناعية، مع انخفاض الصادرات بشكل حاد [^2]. نهاية 2024: ** محلياً: ** تعمقت الأزمة الاقتصادية مع استمرار توقف المصانع والأنشطة التجارية، وتواصل تضرر القطاع الزراعي خاصة في مناطق النزاع. تشير تقديرات البنك الدولي ومنظمة الأمم المتحدة إلى مزيد من الانكماش ليصل معدل التقلص السنوي لمنظومة الاقتصاد الكلي حوالي 7-8% بالنسبة للعام 2024.**قوميًا:** تراجع إجمالي الناتج السوداني إلى مستوى تاريخي متدنٍ، مع زيادة الاعتماد على المساعدات الإنسانية وضعف الإيرادات من صادرات الذهب والزراعة نتيجة تدهور الأمن وانعدام الشفافية في الصادرات.مايو 2025 (الوقت الراهن):** التقارير الأممية تشير إلى شلل اقتصادي واسع ما زال مستمراً، مع انهيار أكثر من نصف المؤسسات الإنتاجية الكبرى، وزيادة هجرة الكفاءات والعاملين إلى الخارج. من المتوقع أن يكون الناتج المحلي الإجمالي للفرد قد تراجع إلى ما دون 2,700 دولار (تعادل القوة الشرائية PPP)، أي خسارة لأكثر من ثلث المستويات التي سبقت الحرب [^3][^4]. ما هو الناتج المحلي الإجمالي (GDP) GDP** (Gross Domestic Product) هو القيمة الإجمالية لجميع السلع والخدمات النهائية التي يتم إنتاجها ضمن حدود دولة ما خلال فترة زمنية محددة (عادةً سنة واحدة). يعد الناتج المحلي الإجمالي أحد أهم المؤشرات لقياس أداء الاقتصاد الوطني ومقارنته عبر الزمن أو بين الدول. آلية حساب الناتج المحلي الإجمالي هناك ثلاث طرق رئيسية لحسابه: **طريقة الإنتاج: ** جمع القيمة المضافة لكل القطاعات الإنتاجية (الزراعة، الصناعة، الخدمات). **طريقة الدخل: ** جمع كافة الدخول الناتجة عن الإنتاج كالأجور، والأرباح، والفوائد والإيجارات. **طريقة الإنفاق: ** جمع الإنفاق الاستهلاكي الخاص، الإنفاق الحكومي، الاستثمارات، وصافي الصادرات (الصادرات ناقص الواردات). تؤدي هذه الطرق غالبًا إلى نتائج متقاربة، وتستخدم الحكومات والمنظمات الدولية تلك البيانات لرصد التغيرات الاقتصادية واتخاذ القرارات المناسبة. الدين العام ، تضاعف أربع مرات في عام واحد، من 61.5 مليار دولار في 2022 إلى 256 مليار دولار في 2023، حسب صندوق النقد العربي. جاء هذا التزايد نتيجة تراكم المتأخرات، تجميد الدعم الخارجي، وتوقف خطط الإصلاح. وبات الدين غير قابل للسداد، في ظل اقتصاد شبه مشلول واحتياطات نقد أجنبي شحيحة. البطالة: الركود الاقتصادي دفع إلى مستويات قياسية. ففي 2023، وصلت نسبة البطالة إلى 20.8%، مع تسريح عشرات الآلاف من العاملين في قطاعات الصناعة، الزراعة، والخدمات. توقفت آلاف المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وانسحبت معظم الاستثمارات، تاركة سوق العمل في حالة شلل شبه كامل. الزراعة: الأمن الغذائي في مهب الانهيار رغم امتلاك السودان لأراضٍ زراعية شاسعة تقدّر بـ84 مليون هكتار، فإن الإنتاج الزراعي تراجع بشكل حاد خلال الحرب. قبل النزاع، كانت المساحات المزروعة فعليًا تتراوح بين 18 إلى 22 مليون هكتار سنويًا. أما في موسم 2023–2024، فقد تراجعت المساحات المحصودة بأكثر من 40% بسبب النزوح، انعدام الأمن، وانهيار الإمدادات. في عام 2024، فشل نحو 60% من المزارعين في زراعة أراضيهم، وانخفضت المساحات المزروعة إلى أقل من 17 مليون فدان، وهو أدنى مستوى منذ أكثر من 30 عامًا. هذه الانهيارات تسببت في ارتفاع أسعار الغذاء بأكثر من 100% في بعض المناطق، ودفع البلاد إلى حافة مجاعة، وفق تحذيرات من FAO وWFP. أبرز عوامل الانهيار شملت النزوح، نقص الوقود، انعدام البذور والأسمدة، انعدام التمويل، الجفاف في بعض المناطق، والفيضانات في أخرى. توقف شبه كامل لمشروع الجزيرة ألحق أضرارًا مباشرة بإنتاج القطن والقمح والفول السوداني، وتُقدّر الخسائر الزراعية المباشرة بنحو 20 مليار دولار. حتى مارس 2025، لا توجد مؤشرات جدية للتعافي. أكثر من 60% من المزارعين لم يزرعوا موسم 2024. الإمدادات الزراعية لم تصل، والأسواق مشلولة. في بعض المناطق، تلفت المحاصيل في الحقول بسبب انقطاع الطرق وغياب التخزين والتبريد الصناعة: توقف الإنتاج وتفكك القطاع قبل الحرب، كانت الصناعة تمثل نحو 12% من الناتج المحلي الإجمالي، وتوفّر وظائف لما بين 15 و20% من القوة العاملة الرسمية. تركزت الصناعات في العاصمة الخرطوم، خاصة في مجالات الأغذية، النسيج، الأدوية، والمنتجات المعدنية. لكن الحرب دمّرت هذا التوزيع بالكامل. أكثر من 40% من المنشآت الصناعية دُمرت كليًا أو جزئيًا، وانخفض الإنتاج بنسبة 50% مقارنة بمستويات 2022. الصناعات الدوائية توقفت بنسبة تفوق 60%، في حين تراجعت الصناعات الغذائية بسبب نقص الوقود والكهرباء، وهربت الكوادر الفنية من مواقع الإنتاج. ورغم ذلك، يرى بعض المحللين إمكانية استعادة جزء من القدرة الصناعية، تقدر بـ 30 إلى 40%، بحلول عام 2026، إذا توفرت بيئة آمنة، وتم استقطاب دعم مالي وفني خارجي، خاصة في الولايات الأقل تضررًا من النزاع. النظام المصرفي والمالي: فقدان الثقة وشلل المؤسسات تدهور النظام المصرفي بشكل غير مسبوق، حيث أُغلقت البنوك في معظم مناطق النزاع، خاصة الخرطوم ودارفور. تراجعت نسبة الشمول المالي إلى أقل من 8%، بعد أن كانت نحو 15% قبل الحرب. واعتمد السكان بشكل شبه كامل على النقد خارج النظام البنكي، بعد سحب مدخراتهم وتحويلها إلى عملات صعبة أو ذهب. شهدت البنوك أزمة سيولة حادة، وارتفعت القروض المتعثرة إلى نحو 40%، ما أفقد النظام المصرفي قدرته على الإقراض أو التمويل. أُضعف وجود سعرين للعملة – رسمي وموازي – دور البنك المركزي، وفتح الباب أمام المضاربات وتهريب العملات، بينما فقد المواطنون الثقة في المؤسسات المالية كليًا. ** الصحة: انهيار القطاع الصحي وعودة الأوبئة** أكثر من 70% من المنشآت الصحية تضررت أو خرجت من الخدمة، وتدهورت ظروف العاملين الصحيين وندرت الإمدادات الطبية. عادت الأمراض الوبائية مثل الكوليرا والملاريا وارتفاع سوء التغذية، خصوصاً في معسكرات النازحين، مع توقف حملات التطعيم التي تهدد الأطفال على مستوى واسع. التعليم: جيل ضائع في ظل تدمير المدارس حوالي 19 مليون طفل وشاب حُرموا من التعليم، بعد تدمير آلاف المدارس أو تحويلها إلى ملاجئ، وجيل بأكمله يواجه خطر الفقدان الأكاديمي وما يصاحبه من فقدان الفرص المستقبلية. المأساة الإنسانية: أرقام تكشف حجم الكارثة** تبلغ أعداد النازحين واللاجئين داخل وخارج البلاد نحو 12.8 مليون شخص، بينما يحتاج أكثر من 30 مليون شخص إلى المساعدة الإنسانية العاجلة. يعاني 16 مليون طفل من سوء التغذية الحاد، مما يعكس انهيار الخدمات الأساسية والوصول الضيق إلى الغذاء والمياه والدواء، وهو ما يمثل كارثة إنسانية حقيقية بكل المقاييس. الذهب: بين تمويل الحرب والفساد والتهريب وتمويل التعافي بعد الحرب كان الذهب المورد الأبرز للاقتصاد السوداني، حيث شكّل أكثر من 70% من صادرات البلاد عام 2022، بإيرادات بلغت نحو 4.7 مليار دولار. أنتج السودان حينها أكثر من 100 طن من الذهب، من مناطق غنية مثل جبل عامر والنيل الأزرق وولايات كردفان ودارفور. لكن مع الحرب، تقلص الإنتاج الرسمي إلى نحو 40–50 طنًا سنويًا في 2023، مع سيطرة مجموعات مسلحة على مناطق التعدين، وتعطيل الإمدادات. في المقابل، ارتفعت نسب التهريب إلى 60% من إجمالي الإنتاج، وفق تقارير مستقلة، ما أفقد الدولة عائدات تتجاوز 1.5 مليار دولار سنويًا. بحلول 2024، ارتفع الإنتاج تدريجيًا إلى نحو 70 طنًا، بينما تراجعت نسبة التهريب إلى 30–40%، مع تطبيق الحكومة سياسات رقابية، منها تسجيل إلكتروني للمنتجين، وإطلاق حملات ميدانية للحد من التهريب، والتعاون مع دول الجوار مثل تشاد والنيجر. حتى مايو 2025، تجاوزت صادرات الذهب الرسمية حاجز 3.8 مليار دولار، لكنها لا تزال متقلبة بسبب غياب بورصة وطنية للذهب، واعتماد السودان على تصدير الخام دون تصنيع أو تكرير محلي. نحو 90% من الذهب السوداني يُصدَّر خامًا، ما يحرم الاقتصاد من فرص القيمة المضافة. الحلول المقترحة تشمل تأسيس بورصة سودانية للذهب، إنشاء مصافي وطنية بمعايير دولية، وتحفيز الاستثمار الصناعي في قطاع الذهب، إلى جانب تطوير أنظمة تتبع رقمية وتوحيد سعر البيع داخل السوق المحلي. التجارة الخارجية: اقتصاد قائم على الذهب ومعزول عن التنوع تأثرت التجارة الخارجية بشدة خلال الحرب. في عام 2022، بلغت الصادرات 6.8 مليار دولار، منها 4.7 مليار من الذهب. بعد اندلاع الحرب، تراجعت الصادرات إلى 3.5 مليار دولار في 2023، ثم تعافت إلى 5 مليارات بحلول منتصف 2025 مع تحسن في تصدير الذهب. أما الواردات، فقد تراجعت من 8.5 مليار دولار في 2022 إلى أقل من 5 مليارات في 2023، بسبب شح الدولار وصعوبات النقل والتأمين. وبحلول 2025، استقرت عند 6.5 مليار دولار. سجل الميزان التجاري عجزًا مستمرًا، لكنه تراجع إلى نحو 1.2 مليار دولار، مقابل 1.7 مليار في 2022، بفعل انخفاض الاستيراد وتحسن جزئي في صادرات الذهب والسمسم والقطن. — مسارات الحل والإنعاش الاقتصادي لا شك أن الاقتصاد السوداني يمر بمرحلة هي الأصعب في تاريخه الحديث مع استمرار الحرب منذ أبريل 2023، إذ خسرت البلاد في غضون أشهر معدودة المكاسب القليلة التي تحققت في السنوات السابقة، وتدهورت كافة مؤشرات التنمية والرفاه الاجتماعي. الطريق للتعافي، رغم صعوبته، يبقى ممكناً إذا تم اتخاذ خطوات جادة نحو تسوية سياسية شاملة، تليها إصلاحات اقتصادية هيكلية بدعم المجتمع الدولي وبمشاركة فاعلة من كافة مكونات المجتمع السوداني. فبدون سلام حقيقي وسياسات فعالة، ستظل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية تتفاقم، فيما يدفع ملايين السودانيين ثمن استمرار النزاع من أمنهم وحياتهم ومستقبلهم. التوصل إلى تسوية سياسية شاملة:** إن إنهاء النزاع وإحلال السلام هو الشرط الأساسي لأي تعافٍ اقتصادي في السودان. فاستعادة الأمن واستقرار مؤسسات الدولة يفتح الباب أمام عودة الاستثمارات، واستئناف المساعدات الدولية، وإعادة حركة التجارة والإنتاج. **2. إعادة هيكلة الاقتصاد:** يمكن للحكومة الانتقالية أو حكومة ما بعد النزاع تنفيذ سياسات إصلاحية شاملة للمالية العامة، وإعادة بناء الثقة في النظام المصرفي، ومحاربة الفساد، إلى جانب تنشيط القطاعات الإنتاجية التقليدية ولا سيما الزراعة والصناعة التحويلية، والتي تعتبر من ركائز الاقتصاد السوداني. **3. دعم دولي وإقليمي:** سيحتاج السودان إلى دعم عاجل من المجتمع الدولي، سواء عبر مساعدات إنسانيةأو برامج إعادة الإعمار، إلى جانب دعم مؤسسات التمويل الدولية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. كما يمكن أن تساهم الشراكات الإقليمية مع الدول الإفريقية والعربية في إعادة تأهيل البنية التحتية ودعم الاستثمار. **4. تنشيط القطاع الخاص والمبادرات المحلية:** يلعب القطاع الخاص دوراً مهماً في عملية الانتعاش، من خلال تحفيز المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتوفير فرص العمل، والاستفادة من الجاليات السودانية بالخارج لجذب رؤوس الأموال والتقنيات الحديثة بورتسودان: المسيرات تغلق المطار والميناء ومستودعات الوقود وتصيب الشريان الأخير للاقتصاد السوداني بورتسودان، التي كانت تمثل آخر مركز إداري فاعل، دخلت دائرة الاستهداف. طائرات مسيّرة هاجمت الميناء، المطار، ومستودعات الوقود، ما أدى إلى شلل في الواردات والصادرات [^7]. بورتسودان، التي صمدت مؤقتًا كمركز إداري لحكومة الأمر الواقع، دخلت هي الأخرى دائرة النار. هاجمت طائرات مسيّرة المطار، الميناء، ومستودعات الوقود، مما أدى إلى شلل شبه كامل في الواردات والصادرات. لكن حجم الأثر تجاوز مجرد التعطيل المؤقت، إذ استهدفت الهجمات مستودعات ترانزيت القديمة والمستودعات الجديدة في كلانييب، وهي منشآت تمثل الشريان الرئيسي لإمداد البلاد بالوقود. تحتوي هذه المواقع على المرسى الوحيد القادر على استقبال سفن الوقود الكبيرة، وتضم سعة تخزينية تقارب 200 ألف طن من المحروقات. الهجمات استهدفت مرافق حيوية لتخزين الوقود، ما أوقف عمليات تفريغ الشحنات، ورفع أسعار الوقود. كما تسبب القصف في تدمير البنية التحتية وتعطيل الاستيراد والطيران. الأضرار التي لحقت بها أدت إلى توقف عمليات تفريغ شحنات النفط، ودفعت بأسعار الوقود إلى مستويات قياسية، وهددت بإخراج البارجة التركية التي تمد المدينة بالكهرباء عن الخدمة بسبب انعدام الفيرنس. كما أن استهداف الميناء الجنوبي والمطار ألحق أضرارًا بالبنية التحتية الحيوية، ما أدى إلى تعطيل الاستيراد، وقف الرحلات الجوية، وتزايد العزلة الدولية للبلاد. ورغم صعوبة إجراء حصر دقيق في ظل تصاعد القتال، فإن المؤشرات الاقتصادية تفيد بأن الخسائر المباشرة وغير المباشرة الناتجة عن استهداف منشآت الطاقة والموانئ في بورتسودان تُقدّر بمليارات الدولارات، نتيجة تعطل سلاسل التوريد، انهيار سعة التخزين، وارتفاع تكاليف النقل والتأمين والاستيراد. توقف هذه المنشآت يعني تدمير آخر شريان حيوي للاقتصاد السوداني، وتحويل الأزمة من كارثة داخلية إلى عزلة خارجية خانقةو يجعل هذه الهجمات تهديدًا مباشرًا لبقاء الاقتصاد السوداني. تشير التقديرات إلى أن الخسائر الناتجة عن استهداف منشآت الطاقة والموانئ تُقدّر بمليارات الدولارات، ما المأساة الإنسانية: أرقام تُجمد الدم 8 مليون نازح ولاجئ. أكثر من 30 مليون شخص بحاجة للمساعدة. 16 مليون طفل يعانون من سوء التغذية الحاد. [^3] اكثر من 150,000 قتيل واضعاف الجرحي الخدمات الأساسية منهارة، والوصول للغذاء والماء والدواء أصبح مسألة حياة أو موت. هذه الأرقام ليست إحصاءات، بل مرآة لانهيار مجتمع. خاتمة: قبل فوات الأوان خلال عامين من الحرب، سقط الاقتصاد السوداني في حالة من الانهيار المتسارع. تفككت القطاعات الإنتاجية، وتلاشت المؤسسات التنظيمية، وتحول الذهب إلى مورد مضطرب بين التهريب والتصدير. في ظل التضخم، البطالة، والانهيار البنكي، لم يعد أمام البلاد سوى خيار واحد: وقف الحرب، ثم الشروع فورًا في إعادة بناء اقتصادي شامل. وحده الاستقرار السياسي يمكن أن يمهّد الطريق لإصلاح مالي، وزراعي، وصناعي حقيقي. كما أن إدارة الذهب بعقلانية، وتقييد التهريب، واستغلال الموارد الطبيعية في ظل بنية إنتاجية شفافة، قد تحوّل هذا المورد من وسيلة نهب إلى أداة إنقاذ حقيقي. لا يملك السودان ترف الوقت ولا مساحة لمزيد من التجريب. الحرب دمّرت الدولة ومزّقت المجتمع. لا تعافٍ ممكن ما لم تتوقف الحرب فورًا. استمرار القتال يعني نهاية دولة . والمأساة الكبرى أن كل هذا يحدث والعالم صامت. لكن الشعب السوداني لن ينسى، والتاريخ سيسجل من صمت ومن حاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه. السودان ينهار أمام أعين العالم. الحرب لم تترك قطاعًا إلا دمّرته، ولا مدينة إلا أصابتها. لا توجد خطة إنقاذ يمكن أن تنجح ما لم يتوقف النزاع فورًا. كل يوم تأخير يعني خسائر مضاعفة، ليس فقط في الاقتصاد، بل في الأرواح . المراجع Sudan Horizon. (2025). Two Years of War and the Possibility of Reconstruction. WASD. (2025). Rebuilding the Industrial Sector in Sudan. World Association for Sustainable Development. WHO. (2025, March 10). Public Health Situation Analysis – Sudan Conflict. World Health Organization. UNESCO. (2025). Sudan conflict: One year on – The long-term impact on education. Bastille Post. (2024). Sudan's conflict pushes banking sector to brink of collapse. SudanEvents. (2025). Collapse of Sudan's Trade Routes Amid Conflict. World Bank. (2024). Sudan Food Security Crisis Report.

حتى لا تتكرر تجربة انفصال الجنوب بعد اتفاقية نيفاشا
حتى لا تتكرر تجربة انفصال الجنوب بعد اتفاقية نيفاشا

التغيير

time٠٣-٠٥-٢٠٢٥

  • التغيير

حتى لا تتكرر تجربة انفصال الجنوب بعد اتفاقية نيفاشا

تاج السر عثمان بابو اشرنا سابقا الي خطر تحويل الحرب الجارية الي عرقية ودينية واثنية وخاصة بعد تعديل البرهان للوثيقة الدستورية تهدف لقيام حكم عسكري ديكتاتوري اسلاموي، واتجاه الدعم السريع لتكوين حكومة موازية، ودعوات علي كرتي لفصل دارفور، مما يهدد وحدة البلاد.،وتكرار تجربة انفصال الجنوب بعد اتفاقية نيفاشا. ونعيد هنا نشر هذا المقال عن : تجربة فشل الفترة الانتقالية بعد اتفاقية نيفاشا (يناير2005- يناير 2011). مع بعض التعديلات والاضافات. ١ جاء توقيع اتفاقية نيفاشا وسط زخم إعلامي كبير وحضور وتدخل دولي لم يشهد له تاريخ السودان مثيلا، بهدف ضمان تنفيذ الاتفاقية والوصول الي استقرار السودان، ولكن جاءت حصيلة التنفيذ بما لا تشتهي سفن الشعب السوداني، كانت الاتفاقية مشهودة دوليا من ممثلي كينيا وأوغندا ومصر وإيطاليا وهولندا والنرويج والمملكة المتحدة وايرلندا الشمالية وامريكا والاتحاد الافريقي ومنتدي شركاء الايقاد، والجامعة العربية والأمم المتحدة. كان جوهر الاتفاقية، الذي بنت عليه جماهير شعبنا الآمال العراض، يتلخص في ثلاثة أضلاع: الأول : تغليب خيار الوحدة علي أساس العدالة ورد مظالم شعب جنوب السودان، وتخطيط وتنفيذ الاتفاقية بجعل وحدة السودان خيارا جاذبا وبصفة خاصة لشعب جنوب السودان، وكفلت الاتفاقية حق تقرير المصير لشعب جنوب السودان عن طريق استفتاء لتحديد وضعهم مستقبلا (بروتكول مشاكوس). الثاني : كما جاء في بروتكول مشاكوس، هو التحول الديمقراطي وقيام نظام ديمقراطي يأخذ في الحسبان التنوع الثقافي والعرقي والديني والجنسي واللغة والمساواة بين الجنسين لدي شعب جنوب السودان، وكفلت الاتفاقية الحقوق والحريات الأساسية، وأكدت علي أن يكون جهاز الأمن القومي جهازا مهنيا ويكون التفويض المخول له هو تقديم النصح والتركيز علي جمع المعلومات وتحليلها (المادة:2-7 -2-4)، وتم تضمين ذلك في وثيقة الحقوق في الدستور الانتقالي لسنة 2005م، علي أن يتوج ذلك بانتخابات حرة نزيهة تحت اشراف مفوضية للانتخابات مستقلة محايدة (المادة:2-1-1-1)، واستفتاء علي تقرير المصير في نهاية الفترة الانتقالية يدعم ويعزز خيار الوحدة. الثالث : كما جاء في بروتكول مشاكوس: ايجاد حل شامل يعالج التدهور الاقتصادي والاجتماعي في السودان، ويستبدل الحرب ليس بمجرد السلام، بل أيضا بالعدالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تحترم الحقوق الانسانية والسياسية الأساسية لجميع الشعب السوداني. كانت تلك الأضلاع الثلاثة الحد الأدني الذي بنت عليه جماهير الشعب السوداني الآمال العراض و تأييدها للاتفاقية التي اوقفت نزيف الحرب، رغم عيوب الاتفاقية التي لا تخطئها العين، التي كانت ثنائية ،وتم استبعاد ممثلي القوي السياسية ومنظمات المجتمع المدني الأخري، ولا سيما أن الاتفاقية تناولت قضية أساسية تتعلق بمصير السودان ووحدته فلا يمكن ان تترك لشريكين، فالمؤتمر الوطني لايمثل الشمال ولا الحركة الشعبية تمثل الجنوب، وكانت الحصيلة شراكة متشاكسة كّرست الشمولية والديكتاتورية. اضافة للثغرات الأخري في الاتفاقية مثل تقسيم البلاد علي أساس ديني، واقتسام السلطة الذي كرّس الصراع بين الشريكين وهيمنة المؤتمر الوطني في الحكومة المركزية والمجلس الوطني من خلال الأغلبية الميكانيكية والتي افرغ بها المؤتمر الاتفاقية من مضمونها وتم إعادة إنتاج الشمولية والديكتاتورية، اضافة لوجود نظامين مصرفيين والذي اكدت التجربة العملية فشله، اضافة للخلل في توزيع عائدات النفط بين الشمال والجنوب والتي لم تذهب الي التنمية وخدمات التعليم والصحة والزراعة والصناعة والبنيات الأساسية.الخ. ٢ ماذا كانت حصيلة تنفيذ الاتفاقية؟: – الحقوق والحريات الأساسية: تم ّانتهاك الحقوق والحريات الأساسية واحتكار المؤتمر الوطني للإعلام والرقابة علي الصحف ، واستمرار القوانين المقيدة للحريات ،حتى أصبح الدستور الانتقالي حبرا علي ورق واستمرت الممارسات السابقة في قمع المسيرات السلمية مثل: مسيرتي: 7/12، 14/12/2009م، وقمع مسيرات واعتصامات العاملين والطلاب السلمية رغم عدالة مطالبهم، وقمع موكبي مواطني كجبار والبجا مما أدي لاستشهاد أعداد منهم اضافة للجرحي، اضافة للاعتقالات بسسب ممارسة النشاط السياسي المشروع مثل : توزيع منشورات لأحزاب مسجلة!!، وتزوير انتخابات العاملين والمهنيين بالقمع وتسخير جهاز الدولة لخدمة ذلك، وعدم الاستجابة الكافية لطلبات الطعون، واسقاط الأسماء غير المرغوب فيها ، واعداد الكشوفات من خارج المهنة كما اوضح ممثلو تحالف المحامين في مؤتمرهم الصحفي بعد التزوير، وتم تتويج مصادرة الحريات بقانون الأمن الأخير الذي أجازه المجلس الوطني والذي يتعارض مع الدستور الانتقالي الذي حدد مهام ووظائف جهاز الأمن في جمع المعلومات وتحليلها، اضافة لانتهاكات الحرب في دارفور، وقرار المحكمة الجنائية بتوقيف الرئيس البشير، واستمرار الصراعات القبلية ونسف الأمن في الجنوب، ولم تتغير طبيعة النظام التي تقوم علي القمع سياسيا والنهب اقتصاديا منذ انقلاب 30- يونيو- 1989م.هذا اضافة لعدم توفير مقومات الاستفتاء للجنوب وابيي والمشورة الشعبية والتي تتطلب حرية الارادة والتعبير من قبل المواطنين بدون قوانين مقيدة للحريات مثل قانون الأمن، وبالنسبة للانتخابات، وكما أشار تحالف القوي السياسية الي التلاعب في الاحصاء السكاني وتزوير السجل الانتخابي بشكل يضمن فوزا مريحا بأغلبية ساحقة للمؤتمر الوطني، وعدم استقلال وحياد المفوضية التي اصبحت اداة في يد المؤتمر الوطني كما أشار تحالف القوي السياسية الذي طالب بقيام مفوضية مستقلة ومحايدة بما يتمشي مع اتفاقية نيفاشا في مؤتمره الصحفي الأخير بتاريخ 6/1/2010م. – تدهور الأوضاع المعيشية: تدهورت الأوضاع المعيشية لجماهير الشعب السوداني، كما يتضح من غلاء الأسعار وانخفاض الأجور وموجة الاضرابات الكثيرة للعاملين من اجل صرف استحقاقاتهم اضافة لشبح المجاعة الذي خيّم علي البلاد بسبب فشل الموسم الزراعي، اضافة للفساد الذي وصل الي قمته كما يتضح من تقارير المراجع العام وتقارير منظمة الشفافية العالمية، وبيع مؤسسات القطاع العام وتشريد الآلاف من العاملين، ونسبة العطالة وسط الخريجين التي بلغت حوالي 70%، وعدم تحقيق التنمية في الشمال والجنوب، ولم يحس المواطنون في الشمال والجنوب بأن الاتفاقية حسّنت من أحوالهم المعيشية. كما أجاز المجلس الوطني ميزانيات الأعوام:2006، 2007، 2008، 2009م، 2010م، والتي أرهقت الشعب السوداني بالمزيد من الضرائب وغلاء الأسعار، اضافة الي تدهور الإنتاج الصناعي والزراعي واعتماد البلاد علي البترول الذي أصبح يشكل نسبة 90% من الصادرات، وتمّ نهب عائداته التي لم يذهب جزء منها للتنمية ولدعم القطاعين الزراعي والحيواني والصناعة وتوفير فرص العمل لآلاف العاطلين عن العمل، ودعم التعليم والصحة والخدمات.الخ، وتحسين الأوضاع المعيشية، اضافة الي تذبذب أسعارالنفط عالميا بعد الأزمة الاقتصادية العالمية 2008 وانعكاساتها السالبة علي السودان. – تزوير الانتخابات العامة: ثم جاء التزوير الفاضح الكبير للانتخابات التي جرت في أبريل 2011 ، ولم يكن ذلك غريبا، فالحركة الإسلاموية في السودان منذ ان نشأت قامت علي التزوير والذي يُعتبر عبادة، وهم الذين زورا انتخابات 1986م، وادخلوا 51 نائبا ورغم ذلك قامت انتفاضة ديسمبر 1988م التي وضعتهم في حجمهم الحقيقي ، واسرعوا في مصادرة الديمقراطية بانقلاب 30 يونيو 1989م الذي قام علي التزوير والخداع باسم القيادة العامة كما شهد شهود من أهلهم ( الترابي، علي الحاج، المحبوب عبد السلام..الخ). وبذلك فوت المؤتمر الوطني فرصة تاريخية في قيام انتخابات حرة نزيهة ، الواقع أنه شرع في التزوير بدءا من الاحصاء السكاني ومصادرة الحقوق والحريات الأساسية ، وتزوير السجل الانتخابي ، وقيام مفوضية انتخابات تابعة للمؤتمر الوطني واحتكار أجهزة الإعلام، وابرام الصفقات مع بعض الأحزاب حتي تشارك في جريمة اعطاء الشرعية للنظام في الانتخابات المزورة. وحتي الأحزاب والشخصيات المستقلة التي دخلت الانتخابات اقرت بالتزوير الذي شمل: تغيير الرموز للمرشحين، والحبر المغشوش، والاخطاء الادارية الفادحة والقاتلة والتي لا يمكن ردها الي الصدفة، بل الهدف منها خلق أجواء مناسبة للتزوير( تنظيم التزوير من خلال الفوضي، مع الاعتذار لنظرية الفوضي في الفيزياء التي تقر الانتظام داخل الفوضي-الكايوس _)، وعدم سرية التصويت وتصويت القصّر( اقل من 18 سنة)، وطرد المراقبين من حراسة الصناديق، والبلاغات الكثيرة عن صناديق ملآي بالبطاقات، وسقوط اسماء الآلاف من المسجلين، وضعف الاقبال علي التصويت، والكذب بالإعلان أن نسبة التصويت وصلت الي 80% ، في حين أنها في احسن الفروض لم تتجاوز نسبة ال 38%، كل تلك الخروقات والتي ذكرناها علي سبيل المثال لاالحصر أدت الي إعلان عدد من الأحزاب المشاركة ببطلان الانتخابات وطالبت بالغائها، كما انسحب عدد كبير من المستقلين وبعض الصحفيين، ورفع البعض قضايا دستورية (المرشح المستقل سليمان الأمين)، اضافة لتصريحات حاتم السر ودينق نيال، بان التزوير الذي تم لا سابق ولامثيل له، اضافة للتهديد والاعتقالات وتجاهل المفوضية للشكاوي والاعتراضات، واقرار المفوضية نفسها بالخلل الفني والإداري مما نسف حديثها قبل الانتخابات بانها مستعدة تماما للعملية الانتخابية، وكما أشار تجمع القوي الوطنية المشاركة في الانتخابات في مؤتمره الصحفي (الاتحادي الأصل، والشعبي والمؤتمر السوداني والتحالف السوداني) الي عدم أهلية المفوضية، وخروقات وتزوير وانحياز عدد كبير من موظفي المفوضية للمؤتمر الوطني، كما طالبت في مذكرتها بالغاء الانتخابات في كل مستوياتها، وعدم وجود سجل انتخابي يضبط عملية التصويت، اضافة لانسحابات من مرشحي الاتحادي الاصل في كسلا ونهر النيل (صحيفة السوداني: 13/4/2010)، كما طالب عبد العزيز خالد المرشح لرئاسة الجمهورية بايقاف الانتخابات، اضافة للإعلان المبكر لنتيجة الانتخابات من قبل مرشحي الوطني كما حدث في الدائرة(1) أبوحمد مما أدي لرفع قضية من قبل المرشح المستقل صلاح كرار( الحرية: 14/4/2010)، كما طالبت غالبية مرشحي الاتحادي الاصل بالانسحاب بسبب التجاوزات والتزوير الفاضح، ولكن محمد عثمان الميرغني تمسك بالمضي في العملية الانتخابية حتي النهاية، واتخاذ موقف بعد الانتخابات!!( الحرية14-4-2010م)، والأمثلة كثيرة لاحصر لها تؤكد ان الانتخابات مزورة ، كما اعلنت قوي المعارضة التي قاطعت انها لن تعترف بنتيجة تلك الانتخابات وطالبت بالغاء تلك المهزلة، وقيام انتخابات حرة نزيهة. وبعد ان انكشف زيف الانتخابات وضعف المشاركة فيها وعزلة النظام دعا غازي صلاح الدين علي لسان المؤتمر الوطني القوي التي قاطعت الانتخابات للمشاركة في الحكومة القادمة، في مواصلة للعبة المؤتمر الوطني في تفتيت الاحزاب وجعلها متوالية واقمار تابعة كما اكدت تجربة المشاركة في السلطة التنفيذية والتشريعية بعد توقيع اتفاقية نيفاشا، انها مشاركة الهيمنة التي وضح خطلها وزيفها، فالمؤتمر الوطني ورئيسه يبحثون عن شرعية مفقودة لم يجدوها. – الاستفتاء علي تقرير المصير والانفصال: وأخيرا جاء الاستفتاء علي تقرير المصير بعد الفشل في تنفيذ الاتفاقية ، وفي ظروف غياب الديمقراطية وحرية الإرادة، في الشمال والجنوب، وكانت النتيجة الانفصال التي يتحمل مسؤوليته المؤتمر الوطني الذي جاء بعد انقلاب 30 يونيو 1989 الذي عمّق جراح الوطن، بعد اتفاقية (الميرغني – قرنق) والتي تم فيها التوصل لحل داخلي في اطار وحدة السودان ، وبدات الترتيبات لعقد المؤتمر الدستوري ، واضاف نظام الانقاذ بعدا دينيا لحرب الجنوب، وارتكب فظائع زادت المشكلة تعقيدا، وتركت جروحا لن تندمل بسهولة، وكان لها الأثر في الدعوة للانفصال بدلا من العيش تحت ظل دولة فاشية ظلامية باسم الدين تجعل من الجنوبيين مواطنين من الدرجة الثانية، وبالتالي، فان المؤتمر الوطني باصراره علي هذه الدولة علي طريقة نافع علي نافع في تصريحه: مرحبا باتفصال الجنوب اذا كان الثمن المطلوب لبقاء السودان موحدا التفريط في الشريعة الاسلامية)، قبل الانفصال عملت حكومة الجنوب علي إعادة مليون ونصف من النازحين بالشمال للجنوب للتصويت في الاستفتاء، بميزانية تقدر ب 60 مليون جنية (25 مليون دولار)، كما أشارت الأنباء.. ٣ بعد إعلان انفصال جنوب السودان في التاسع من يوليو 2011م واعتماده كدولة رقم 193 من الأمم المتحدة، انبثق واقع جديد يتميز بانفجار قضايا مابعد الاستفتاء (ترسيم الحدود، المواطنة والجنسية، النفط الاصول، الديون، مياه النيل،.الخ)، والتي لم يحدث فيها تقدم حتي الآن مما يشير الي استمرار التوتر بين الدولتين بعد إعلان الانفصال والتي بدأت نذرها باحتلال ابيي وتصاعد النزاع حولها بين الشريكين، واندلاع الحرب في جنوب كردفان بعد تزوير الانتخابات ، اضافة لتوتر الأوضاع في جنوب النيل الأزرق.. كما تدهورت الأوضاع لاقتصادية بعد خروج حوالي 70% من ايرادات النفط من الخزينة العامة بعد اعلان انفصال الجنوب، وارتفاع الاسعار والمزيد من تدهور قيمة الجنية السوداني بعد تغيير العملة ، وأزمة نفقات الأمن والدفاع والتي تساوي حوالي 75% من الموازنة العامة اضافة الي تعمق الفقر والضائقة المعيشية، وتزايد حدة الفوارق الطبقية من خلال بروز فئة رأسمالية طفيلية اسلاموية استحوذت علي الثروة من نهب المال العام واصول الدولة وبيعها باثمان بخسة (مشروع الجزيرة وبقية المشاريع الزراعية واصول جامعة الخرطوم، …الخ)، والفساد والعمولات،. اضافة لاعادة النظر في القوانين المقيدة للحريات، وغير ذلك من القضايا المتفجرة في البلاد، واستمر التدهور وتراكم المقاومة الجماهيرية حتر انفجار ثورة ديسمبر 2018 التي اطاحت بالبشير. وبالتالي، فشلت الفترة الانتقالية ، ولم يتم انجاز مهامها التي تقود لوحدة جاذبة وكانت النتيجة كارثة انفصال الجنوب، بسبب سياسات المؤتمر الوطني ، وضغط امريكا علي البشيرلانفصال الجنوب مقابل وعود كاذبة لضمان عدم تقديمه للجنايات الدولية ، وتم الانفصال ولم تف أمريكا بوعودها، وظل البشير مطلوبا للجنائية الدولية حتى سقوطه في 11 أبريل . 2019…

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store