
تحيّة إلى الأستاذ رشيد الخالدي!
هيئة تخلط المفاهيم عمدًا، وكذبًا، ومخادعةً
يقول الخالدي موجها خطابه لنائب رئيس الجامعة: 'أكتب إليكم رسالة مفتوحة لأنكم رأيتم من المناسب إبلاغي بالقرارات الأخيرة التي اتخذها مجلس الأمناء والإدارة. هذه القرارات، التي اتُّخذت بالتعاون الوثيق مع إدارة ترامب، ستحول دون تدريسي لمقرر تاريخ الشرق الأوسط الحديث، وهو مجال تخصصي وتدريسي لأكثر من 50 عامًا، أمضيت 23 عامًا منها في جامعة كولومبيا. ورغم تقاعدي، كان من المقرر أن أقدم محاضرات موسعة حول هذا الموضوع في الخريف بصفتي 'محاضرًا خاصًا'، لكنني لا أستطيع القيام بذلك في ظل القيود التي قبلتها جامعة كولومبيا باستسلامها لإدارة ترامب'.
'وعلى وجه التحديد، من المستحيل تدريس هذا المقرر (وغيره الكثير) في ضوء اعتماد جامعة كولومبيا لتعريف مصطلح 'معاداة السامية' بالمعنى الذي تبناه 'التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست' (IHRA). ذلك أن هذه الهيئة تخلط في تعريفها عمدًا، وكذبًا، ومخادعةً بين اليهودية وإسرائيل بحيث يُصبح أي انتقاد لإسرائيل، أو حتى وصف لسياساتها، نقدًا لليهود. وقد نفى الأستاذ كينيث ستيرن Kenneth Stern، أحد المشاركين في وضع تعريف هذه الهيئة استخداماته الحالية، مشيرًا إلى تأثيره المُخيف المُحتمل. ومع ذلك، أعلنت جامعة كولومبيا أنها ستُستخدمه كدليل في الإجراءات التأديبية'.
'وبموجب هذا التعريف لمعاداة السامية، الذي يخلط بشكل سخيف بين انتقاد الدولة القومية، وإسرائيل، والأيديولوجية السياسية، والصهيونية، وكراهية اليهود، فمن المستحيل أن ندرّس بالنزاهة المتوخاة مواضيع مثل تاريخ إنشاء إسرائيل، والنكبة الفلسطينية التي تدور رحاها الآن، والتي بلغت ذروتها في الإبادة الجماعية المرتكبة من قبل إسرائيل في
غزة
بتواطؤ ودعم من الولايات المتحدة ومعظم دول أوروبا الغربية.
'الجامعة الأمريكية باتت هدفا في ظلّ ثورة ترامب الشمولية على مؤسسات المجتمع المدني'
ثم يلاحظ الخالدي أن دروسه حول تاريخ الأرمن أو التركيا أو إيران أو أنظمة العالم العربي بكل ما فيها من مآسٍ تخضع لتحليل مُفصّل وحرّ في محاضراته دون قيود تفرضها الجامعة. أما إجراء وصف مبسّط للطبيعة العنصرية لقانون الدولة القومية الإسرائيلي لعام 2018 -الذي ينص على أن الشعب اليهودي وحده له حق في تقرير المصير في إسرائيل، دون منح نفس الحق للفلسطينيين الذين يشكلون نصف السكان- أو لطبيعة الفصل العنصري التي تُسيطر بها إسرائيل على ملايين الفلسطينيين الذين يرزحون تحت الاحتلال العسكري منذ 58 عامًا، سيكون مستحيلًا في مقرر تاريخ الشرق الأوسط بموجب تعريف مفهوم 'معاداة السامية' التي تبنته الجامعة'.
'استسلام جامعة كولومبيا لإملاءات ترامب لا يمسّ حرية التعبير والحرية الأكاديمية للأساتذة فحسب، بل إنّ المساعدين في التدريس سيجدون أنفسهم مقيّدين بشدة في تدخلاتهم، تمامًا كما سيُكبَت الطلاب في أسئلتهم ومناقشاتهم، خوفًا من الوجود الدائم لمخبرين قد يُبلّغون عنهم إلى الجهاز القمعي الذي أنشأته جامعة كولومبيا لمعاقبة كل من يوجّه انتقادًا لإسرائيل، تحت ذريعة محاربة التمييز – والذي صار، في هذه المرحلة من التاريخ، لا يعني في معظم الحالات سوى معارضة الإبادة الجماعية الجارية حاليا. لقد تمّ إخضاع عشرات الطلاب وعدد كبير من الأساتذة لما يشبه محاكمات صورية، كما تمّ طرد طلاب، مثل محمود خليل، من السكن الجامعي. وقد وعدت جامعة كولومبيا الآن بجعل هذا النظام القمعي أكثر قسوة وغموضًا'.
لقد صرّحتم بأنه لم يتم تجاوز أي 'خط أحمر' من خلال هذه القرارات. ومع ذلك، قامت جامعة كولومبيا بتعيين نائب لرئيس الجامعة كان مكلفا في البداية بمراقبة الدراسات الشرق أوسطية، وفرضت على الأساتذة والموظفين حضور 'دورات تدريبية' حول 'معاداة السامية'، تُقدَّم من قبل منظمات مثل 'رابطة مكافحة التشهير' (Anti-Defamation League) التي تعتبر تقريبًا أي انتقاد للصهيونية أو لإسرائيل بأنه معادٍ للسامية، ومثل 'مشروع شيما' (Projet Shema) الذي تربط تدريباته بين العديد من الانتقادات المناهضة للصهيونية ومعاداة السامية'.
رقابة المناهج وأعمال أبرز الأكاديميين
كما وافقت الجامعة على تعيين مراقب 'مستقل' لمتابعة مدى التزام الأساتذة والطلبة بالسلوك المسموح به، وهو مراقب ينتمي إلى شركة نظّمت في جوان 2025 تكريما لإسرائيل. ووفقًا للاتفاق المبرم بين جامعة كولومبيا وإدارة ترامب، سيكون لهذا المراقب 'حق الوصول في الوقت المناسب إلى جميع الأشخاص المعنيين بالاتفاق من أجل التحدث إليهم، وزيارة جميع المرافق، والتدريبات، ومحاضر الاجتماعات، والجلسات التأديبية، وكذلك التقييمات المرتبطة بالاتفاق'. ومن الواضح أن قاعات الدروس ليست مستثناة من هذه الزيارات المحتملة من قِبل هؤلاء الأشخاص الذين لا ينتسبون إلى الجامعة.
إن فكرة أن تُخضع عملية التدريس والمناهج وأعمال البعض من أبرز الأكاديميين لرقابة نائب رئيس الجامعة، أو 'مدرّبين' من هذا النوع، أو مراقب خارجي تابع لمثل هذه الشركة، هي فكرة بغيضة. إنها تمثّل نقيضًا تامًا للحرية الأكاديمية التي تزعمون -زورًا- أنها لن تُنتهك جراء هذا الاستسلام المُخزي أمام القوى المعادية للفكر التي تحرك إدارة ترامب'.
إحتجاجات الجامعات الأمريكية: 'لا شك أن هذا الجيل يمتلك رؤية مختلفة للمسألة الفلسطينية'
يؤسفني جدًا أن قرارات جامعة كولومبيا أجبرتني على حرمان ما يقرب من 300 طالب مسجّلين في هذا المقرر الشهير – كما فعل مئات من الطلبة على مدى أكثر من عقدين– من فرصة دراسة تاريخ الشرق الأوسط الحديث هذا الخريف. ورغم أنني لا أستطيع تعويضهم بشكل كامل عن حرمانهم من متابعة هذا المقرر فإنني أنوي تنظيم سلسلة من المحاضرات العامة في نيويورك مخصّصة لبعض جوانب هذا المقرر. وسيتم بثّها عبر الإنترنت وإتاحتها لاحقًا للمشاهدة. وسيتم التبرع بأيّ أرباح محتملة إلى جامعات غزة، التي دُمّرت جميعها على يد إسرائيل باستخدام ذخيرة أميركية، وهو ما يمثّل جريمة حرب لم ترَ جامعة كولومبيا ولا أي جامعة أميركية أخرى ضرورة للتعليق عليها.
إن استسلام جامعة كولومبيا أدى إلى تحويلها من مؤسسة كانت في يوم من الأيام فضاءً للبحث الحرّ والتعلّم إلى نقيض الجامعة، إلى كيان فاقد لرسالته، وإلى منطقة مغلقة 'آمنة' محاطة بسياج مع المراقبة الإلكترونية على الدخول، وإلى مكان يسوده الخوف والاشمئزاز حيث يُملَى على الأساتذة والطلبة من فوق ما يجوز لهم تدريسه أو قوله تحت طائلة عقوبات صارمة. إنه لأمر مخزٍ.
وكل ذلك لا هدف له سوى التستّر على أحد أعظم الجرائم في هذا القرن: الإبادة الجماعية الجارية في غزة، وهي جريمة صار قادة جامعة كولومبيا الآن متورطين فيها بالكامل.
فتحية إلى الأستاذ رشيد الخالدي الذي لا يخشى تسمية الأمور بمسمياتها في وقت عزّ فيه الموقف الصريح داخل المؤسسات الأكاديمية الغربية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البلاد الجزائرية
منذ 6 ساعات
- البلاد الجزائرية
ترامب يهدد بزيادة كبيرة في الرسوم الجمركية على الهند ونيودلهي ترد - الدولي : البلاد
فارس عقاقني_ جدّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يوم الاثنين، تهديده بفرض رسوم جمركية إضافية على السلع الهندية، بسبب استمرار نيودلهي في استيراد النفط من روسيا، وهو ما وصفته الحكومة الهندية بأنه "هجوم غير مبرر"، مؤكدة عزمها حماية مصالحها الاقتصادية، في تصعيد جديد للخلاف التجاري بين البلدين. وفي منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، قال ترامب: "الهند لا تشتري كميات هائلة من النفط الروسي فحسب، بل تعيد بيعه في السوق المفتوحة، وتحقق أرباحاً ضخمة من ذلك، لا يهمهم عدد القتلى في أوكرانيا بسبب آلة الحرب الروسية". وأضاف: "لهذا السبب، سأرفع الرسوم الجمركية على الواردات الهندية إلى الولايات المتحدة بشكل كبير"، بحسب ما نقلته وكالة "رويترز". وردّ المتحدث باسم وزارة الخارجية الهندية قائلاً إن بلاده "ستتخذ كافة الإجراءات اللازمة للدفاع عن مصالحها الوطنية وأمنها الاقتصادي"، واصفاً تصريحات ترامب بأنها "غير مبررة وغير منطقية". كما أعلن ترامب عزمه فرض عقوبات جديدة، اعتباراً من يوم الجمعة، على روسيا والدول التي تواصل شراء صادراتها من الطاقة، ما لم تتخذ موسكو خطوات فورية لإنهاء حربها المستمرة مع أوكرانيا منذ أكثر من ثلاث سنوات ونصف. وحتى الآن، لم يُظهر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أي مؤشر على التراجع عن موقفه. وكان ترامب قد أعلن في يوليو الماضي فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على الواردات الهندية، في خطوة فسّرها مسؤولون أميركيون بأنها نتيجة سلسلة من الخلافات الجيوسياسية التي تعرقل التوصل إلى اتفاق تجاري بين واشنطن ونيودلهي. وفي سياق متصل، وصف ترامب تكتل "بريكس" الموسع بأنه "معادٍ للولايات المتحدة"، بينما رفضت الدول الأعضاء في المجموعة هذا الاتهام، مشيرة إلى أن هدفها هو تعزيز مصالح أعضائها والدول النامية عامة. الهند أكبر مستورد بحري للنفط الروسي تُعد الهند أكبر مشترٍ للنفط الخام المنقول بحراً من روسيا، حيث بلغ متوسط وارداتها من النفط الروسي نحو 1.75 مليون برميل يومياً خلال الفترة من يناير إلى يونيو من هذا العام، بزيادة طفيفة قدرها 1% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وفقاً لبيانات نقلتها "رويترز" عن مصادر تجارية. وأكد المتحدث باسم الخارجية الهندية أن توجه بلاده نحو استيراد النفط الروسي جاء نتيجة لتحول الإمدادات التقليدية إلى السوق الأوروبية بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، واصفاً ذلك بأنه "خيار فرضته الظروف في سوق الطاقة العالمية". وأضاف أن من "اللافت أن الدول الغربية، خصوصاً الاتحاد الأوروبي، التي تنتقد الهند بسبب تعاملاتها مع روسيا، تواصل هي نفسها التجارة مع موسكو". ورغم تمسك نيودلهي بموقفها، كشفت مصادر في "رويترز" أن مصافي التكرير الكبرى في الهند أوقفت، الأسبوع الماضي، شراء النفط الروسي، بعد تراجع الخصومات التي كانت تحصل عليها، وتزايد المخاوف من العقوبات الأميركية المحتملة. وفي خطوة لتعويض النقص، أفادت أربعة مصادر تجارية بأن شركة النفط الهندية، وهي أكبر شركة تكرير في البلاد، قامت بشراء 7 ملايين برميل من النفط من الولايات المتحدة وكندا ومنطقة الشرق الأوسط. أعلنت وزارة التربية الوطنية عن تمديد آجال تقديم طلبات نقل الأساتذة خارج إدارتهم المستخدمة (الدخول والخروج الولائي) بعنوان السنة الدراسية 2025-2026، وذلك لفائدة الأساتذة المرسمين في الأطوار التعليمية الثلاثة (الابتدائي، المتوسط والثانوي) المتواجدين في وضعية القيام بالخدمة أزيد من 70 بالمئة من حاملي البكالوريا الجدد تحصلوا على إحدى رغباتهم الثلاث الأولى


خبر للأنباء
منذ 18 ساعات
- خبر للأنباء
مودي يتحدى ترامب: سنشتري ما نحتاجه وندعم صناعتنا الوطنية
وأفادت مصادر مطلعة لوكالة "بلومبرغ" بأن هذه الدعوة تأتي في وقت لم تصدر فيه حكومته أي تعليمات لمصافي النفط الهندية بوقف شراء النفط الروسي. وأكدت هذه المصادر أن الحكومة لم تتخذ قرارا بوقف عمليات الشراء، وأن المصافي الحكومية والخاصة لا تزال حرة في شراء النفط من المصادر التي تفضلها، معتبرة أن قرار شراء الخام لا يزال تجاريا بحتا. وخلال عطلة نهاية الأسبوع، شدد مودي على أهمية حماية المصالح الاقتصادية الهندية في ظل الاضطرابات العالمية، وجاءت تصريحاته بعد أيام فقط من فرض إدارة الرئيس الأمريكي ترمب رسوما جمركية بنسبة 25% على صادرات الهند إلى الولايات المتحدة، مع تهديدات باتخاذ خطوات إضافية إذا واصلت الهند شراء النفط من روسيا. وقال مودي في تجمع جماهيري بولاية أوتار براديش يوم السبت: "الاقتصاد العالمي يمر بحالة من التوجس، وهناك أجواء من عدم الاستقرار. والآن، أي شيء نشتريه يجب أن يكون وفق مقياس واحد: سنشتري فقط ما صُنع بعرق جبين الهنود". وقد أصبحت الهند أحد أبرز أهداف ترامب في إطار مساعيه للضغط على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإنهاء الحرب في أوكرانيا. وهاجم ترمب الهند الأسبوع الماضي بسبب انضمامها إلى مجموعة "بريكس"، واستمرار علاقاتها الوثيقة مع موسكو، قائلا إنهم "يمكنهم أن يسقطوا باقتصاداتهم الميتة معًا". واتهم ستيفن ميلر، نائب رئيس موظفي البيت الأبيض، الهند بفرض "رسوم جمركية هائلة" على المنتجات الأمريكية، و"التحايل" على نظام الهجرة الأمريكي، بالإضافة إلى استيراد كميات من النفط الروسي تعادل ما تشتريه الصين تقريبا. كما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" يوم السبت أن الهند ستواصل شراء الخام الروسي رغم تهديدات ترمب بفرض عقوبات، مستندة إلى تصريحات مسؤولين هنود رفيعي المستوى لم تُسمِّهم. ولم يجب متحدث باسم وزارة النفط الهندية على استفسارات "بلومبرغ". وقد أثارت عمليات شراء الهند للنفط الروسي انتقادات من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، باعتبارها دعما لموسكو. المصدر: "بلومبيرغ"


الشروق
منذ يوم واحد
- الشروق
هل خدع نظام المخزن الرئيس ترامب؟
صوّر المخزن الصحراء الغربية، للدول التي اعترفت له بالحكم الذاتي، على أنها جنة للاستثمارات والمشاريع العملاقة، فسارعت تلك الدول إلى الاعتراف بمسمى 'الحكم الذاتي'، لكنها ستكتشف يوما ما أن الحقيقة غير ذلك تماما. من بين الذين انخدعوا بريطانيا 'العظمى' وقضية الكابل البحري الذي ظهر أنه كذبة، وربما يكون من بين الذين انخدعوا، أيضا، كبيرهم الرئيس ترامب نفسه الذي ما زال يُحجم عن فتح قنصلية له في مدينة الداخلة المحتلة، ويحجم عن تنفيذ المشاريع التي حلم بها هناك. يوم أول أوت، عاد ترامب واستخرج من الأرشيف تغريدته التي نشرها في آخر أيام عهدته الأولى سنة 2020م، والتي قال فيها على تطبيق تويتر، وقتها، إنه يعترف للمخزن 'بالسيادة' على الصحراء الغربية، وأنه سيفتح قنصلية في مدينة الداخلة المحتلة، وسيقيم الكثير من المشاريع هناك. نفضُ ترامب الغبار عن تلك التغريدة الآن جاء بمناسبة عيد العرش المغربي، على شكل رسالة بعث بها إلى ملك المغرب، لكن على ما يبدو في الرسالة صفعة صامتة للملك ولنظامه. هناك ملاحظة مهمة لن تغيب عن بال كل مَن اطّلع على الرسالة وهي أن ترامب، هذه المرة، تراجع عن النصف المهم من وعوده التي أطلقها سنة 2020م في تغريدته، مثل فتح قنصلية أمريكية في مدينة الداخلة وإقامة تنمية في الصحراء الغربية المحتلة. مرت الآن خمس سنوات على تغريدة 2020م، ورغم أن المخزن ظل يمضغها ويجترها وينفخها حتى حولها إلى علكة(شوينغوم)، إلا أن إدارة بايدن لم تفتح القنصلية، وإدارة ترامب الجديدة لم تفتحها، أيضا، رغم إلحاح المخزن وتوسلاته وكولسته. بعد عودة ترامب إلى السلطة سنة 2025م، عاد المخزن يمضغ علكة 'شوينغوم' تويتر ترامب، وبدأ يقول مبتهجا إن الولايات المتحدة لم تتراجع كلية عن دعم الحكم الذاتي. بالنسبة لنا هذا بديهي رغم أنه خطأ، فدعم الحكم الذاتي راجع إلى أنه هو طرف العملية في معادلة تطبيع المخزن مع الكيان الصهيوني، وبديهي، أيضا، أن واشنطن لن تتراجع عن أي شيء له علاقة بدعم الكيان الصهيوني. وزاد طموح المخزن بانتخاب ترامب رئيسا وارتفع مؤشر معنوياته، وأضاف إلى حلم 'الاعتراف بالسيادة' ثلاثة أحلام أخرى هي: الأول، أن يفي ترامب العائد سنة 2025م بوعده سنة 2020م، ويفتح قنصلية في مدينة الداخلة المحتلة، والثاني أن يصنف جبهة البوليساريو كحركة ارهابية، والثالث أن يلتقي محمد السادس بترامب. لكن هذه الطموحات لم تتحقق إلى حد الآن: فلا قنصلية فُتحت ولا جبهة البوليساريو صُنفت كحركة ارهابية ولا لقاء لملك المخزن مع ترامب حدث؛ أكثر من هذا أن مستشار ترامب، مسعد بولس، قال إن الحكم الذاتي يجب أن يقبل به الصحراويون، وفي زيارته الأخيرة للمنطقة لم يذهب إلى حد الآن إلى الرباط، وهذا له تفسيره العريض. حتى يخفف من وقع الصدمات، بدأ إعلام المخزن يروج لحدثين خياليين: الأول، الترويج إلى أن ترامب استدعى محمد السادس مع خمسة قادة أفارقة إلى البيت الأبيض، والثاني أن لقاًء ' تاريخيا' سيتم بين ترامب وملك المخزن (جريدة الايام 24 المغربية 11/7/2025م). لكن لا شيء من هذا حدث. بقي حدث واحد وهو انتظار تهنئة بمناسبة عيد العرش في المغرب، فربما يستغل ترامب تلك المناسبة ويفتح القنصلية في الداخلة المحتلة، ويصنف جبهة البوليساريو حركة ارهابية. فعلا، بعث ترامب رسالة التهنئة يوم أول أوت 2025م، لكن لم يتعهد بفتح القنصلية ولم يصنف البوليساريو حركة إرهابية، ولم يوجه دعوة إلى ملك المخزن لزيارة واشنطن، وكل ما فعل هو أنه أعاد على مسامع ملك المخزن المريض فحوى تغريدة سنة 2020م، بعد أن حذف منها قضية فتح قنصلية في مدينة الداخلة المحتلة وقضية الاستثمارات. الاستفهام الكبير والعريض هو لماذا تأخر أو رَفَضَ ترامب- وقبْله بايدن- فتح قنصلية أمريكية في مدينة الداخلة المحتلة، ولماذا اختار ترامب في تغريدته سنة 2020م مدينة الداخلة المحتلة الساحلية لفتح قنصلية؟ لماذا لا يختار، مثلا، مدينة العيون، عاصمة الصحراء الغربية للقنصلية ليكون لها أكثر وزن وصدى ورمزية؟ الجواب أن سبب اختيار ترامب لمدينة الداخلة له علاقة بصفقة اقتصادية فاشلة خدع بها المخزن ترامب، وأن هذا الأخير اكتشف الخدعة. يبدو أن المخزن باع مدينة الداخلة لترامب، فهي مدينة موقعها المطل على المحيط الأطلسي استراتيجي، ومدينة ساحلية، وترامب رجل صفقات، ويهمه انتزاع موقع استراتيجي كبير لشركاته على المحيط الأطلسي يكون مُلك له هو وحده. لكن الحسابات كانت خاطئة، والمخزن كذب على ترامب، وباع له جلد الدب قبل اصطياده، وسيتم اكتشاف، بعد ذلك، أن منطقة الداخلة المحتلة لم يتم بيعها لترامب وحده إنما سيتم بيعها بالتقسيط لفرنسا، الامارات وإسرائيل مقابل اعتراف كل منها بالحكم الذاتي. الآن هناك أكثر من سبب أن لا تفتح الولايات المتحدة الأمريكية قنصلية في الداخلة. السبب الأول، أن ترامب وشركاته وشركائه اكتشفوا الحقيقة وهي أن سواحل مدينة الداخلة المحتلة لا تصلح للموانئ العملاقة التي يحلم بها ترامب لأنها-السواحل- غير عميقة، وهناك مسافة 6 كلمترات بين الساحل وعمق البحر غير صالحة لبناء موانئ لتجارة عالمية ثقيلة، وهذا العيب اكتشفته إسبانيا حين كانت تحتل الصحراء الغربية. السبب الثاني المتداول أن ترامب والكيان الصهيوني ربما ربطوا فتح قنصلية أمريكية في الداخلة الصحراوية المحتلة بفتح سفارة مغربية في مدينة القدس المحتلة والمخزن لا يستطيع فعل ذلك خوفا من الشارع المغربي الثائر. السبب الثالث هو دخول فرنسا على الخط. فحتى تعترف فرنسا بالحكم الذاتي المغربي في الصحراء الغربية، فتح لها المخزن استثمارات كبيرة في مدينة الداخلة، في نفس المكان الذي سبق واعطاه لترامب ليستثمر فيه. السبب الرابع هو منافسة الامارات العربية، فهي الأخرى أُعْطيت لها وعود، منذ فتحت قنصلية لها في العيون المحتلة سنة 2020م، ببناء موانئ واحد منها في مدينة الداخلة على المحيط الاطلسي لأن الامارات تحلم أن تربط ذلك الميناء المتخيل في الداخلة بميناء آخر متخيل في لكويرة الصحراوية وبميناء في مدينة نواذيبو الموريتانية. السبب الخامس هو إن الكيان الصهيوني تم وعده أيضا بسواحل مدينة الداخلة كي يجد طريقا نحو افريقيا، أما السبب الأخير فهو أن هناك تيارا في الولايات المتحدة، يقوده جون بولتون، الدبلوماسي السابق، يقول أن استقلال الصحراء الغربية هو الضامن الوحيد لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية في مواجهة التوسع الصيني في إفريقيا.