
المهندسة والمصممة رلى سلمون: داون تاون ديزاين الرياض في نسخته الأولى ناجح ومثمر
لا تزال الفرصة متاحة أمام المهتمين بالتصميم المعاصر، المتواجدين في الرياض، لزيارة معرض داون تاون ديزاين الرياض المقام حالياً في حي جاكس، والذي يستمر حتى غدٍ (23/05/2025). هناك، يمكن الاطلاع على أحدث أعمال نخبة من العارضين من مختلف أنحاء العالم، إضافة إلى نتاج المصممين السعوديين الشباب والمخضرمين. يبرز المعرض المتخصص سعي المملكة العربية السعودية لتشكيل الوعي بثقافة تصميم منبثقة من الهوية السعودية، مع التحفيز على التبادل المعرفي من خلال جعل أعمال مصممين سعوديين، من الجيلين الصاعد والمخضرم، تتجاور جنباً إلى جنب مع أسماء عالمية مرموقة. كما يتضمن برنامج المعرض ندوات وفعاليات ومعروضات وتجارب بالجملة، منظمة في مختلف أنحاء الحي، ضمن مساحات داخلية وخارجية. زيارة داون تاون ديزاين الرياض بمثابة تجربة غامرة؛ فلا يمكن للعينين إلا أن تدهشا بتنوع الأعمال التي تثبت مقولة أن التصميم يحيط بحياتنا من كل حدب وصوب.
تصاميم قابلة للجمع في الشرق الأوسط
في مناسبة داون تاون ديزاين الرياض ، حاورت "سيدتي" المهندسة والمصممة رلى سلمون، التي زارت المعرض، وشاركت في ندوة بعنوان "ما وراء الوظيفة: بروز التصاميم القابلة للجمع في الشرق الأوسط". ناقشت الندوة العوامل الثقافية والإبداعية والاقتصادية التي تؤدي إلى تزايد الاهتمام باقتناء التصاميم ذات الإصدار المحدود. إليك، نص الحوار مع رلى سلمون ، التي تستوحي في أعمالها من الطبيعة وتضاريسها.
ثقافة التصميم في السعودية
ما أهمية داون تاون ديزاين الرياض في تعميق ثقافة التصميم في صفوف الناس؟
داون تاون ديزاين الرياض، حدث مهم على صعيد التصميم السعودي المحلي، والدولي، فهو يقوم بنشر ثقافة التصميم في المنطقة، كما يساهم في تعميقها، مع إفساح المجال للمصممين والمهندسين للتعرف إلى بعضهم البعض، كما أعمال بعضهم البعض، وبيئة التصميم في السعودية. وفي النتيجة، ستفرز تعاونات عدة بين المصممين جراء ذلك، كما سيكبر الاهتمام بالتصميم العربي والدولي في المنطقة.
نسخة أولى ناجحة
ما انطباعاتك بعد زيارة أجنحة داون تاون ديزاين الرياض؟ وما الذي لفت نظرك؟
النسحة الأولى لداون تاون ديزاين الرياض ناجحة لأسباب كثيرة؛ أولاً، موقع الحدث في الدرعية ، المدينة ذات الدلالات التاريخية والتراثية والثقافية في السعودية، وثانياً، التنظيم رائع، وهو سمة لداون تاون ديزاين، وميتي ديجن-كريستنسن، مديرة المعرض، وثالثاً هو اختيار المعروضات والمشاركات ذات الثقل والأهمية. ما أعجبني هو تنوع تخصّصات العارضين، مع حضور مصممين صناعيين، ومصمّمين مستقلين، وآخرين يعملون لعلامات مرموقة في عالم التصميم، ودور تصميم، إضافة إلى وجود علامات التصميم المعروفة على صعيد العالم، ومواد تصميم. والمعروضات كلها جديدة، كما كان الحدث مكاناً لإطلاق مجموعات جديدة من بعض المشاركين. لا يغفل عن ذكر القسم الخاص بـ التصميم السعودي داخل المعرض.
قطع أثاث محدودة الإصدار
شاركتِ في الحدث من خلال ندوة تناولت اقتناء الأثاث محدود الإصدار؛ حدثينا أكثر على كلمتك، والندوة بشكل عام؟
يطرح هذا السؤال كثيراً (ما الذي يجعل من قطعة أثاث محدودة الإصدار جديرة بالاقتناء؟)، خصوصاً مع تزايد الأحداث التصميمية والمعارض التصميمية والمصممين. في الندوة، شاركت مع المصممين نبراس الجعيب من المملكة العربية السعودية، ومشاري النصار من الكويت، و الرئيس التنفيذي لـ Gallery COLLECTIONAL (متجر أثاث في دبي) كريستيانو باشيانتي، مع إدارة المناقشة من آرني إيفروين من "كريستيز الشرق الأوسط". من بين الأفكار التي طرحت عن الأسباب التي تجعل من قطعة أثاث ما قابلة للاقتناء، هي قصة القطعة التي يخبرها المصمم؛ من مكونات القصة الأسباب التي دفعت إلى "خلق" القطعة محدودة الإصدار، أو ربما تكون القطعة مستلهمة من تراث دولة ما أو شعب ما... هذه القصة مسؤولة عن تعظيم أهمية القطعة، وإخبارها للشخص المهتم قد يرغّبه في تقديرها وربما اقتنائها في نهاية الأمر. هناك أيضاً رد فعل الشخص الذي يعاين قطعة الأثاث الفنية أو الديكور؛ يشبه الأمر الشعور الذي ينتاب المرء عندما ينظر إلى لوحة ما فيرغب في اقتنائها للقبض هذا الشعور كلما كانت اللوحة في مرمى بصره. من جانبي، عند تصميم المفروشات، أنطلق من فكرة ما، أقوم بأبحاث عديدة متعلقة بها، وأكتب الكثير، وأستلهم من أبحاث علمية منشورة، خصوصاً إذا كانت القطعة مستلهمة من الطبيعة، مع صنع نماذج أولية عنها عبر الرسم والنحت. هناك أيضاً المحادثات المهمة مع الحرفي الذي سينفذ القطعة، وطريقة العمل الخاصة به، حتى نصل إلى نتيجة تجمع بين فكرتي وتنفيذها على الوجه الأمثل.
معروضات في داون تاون ديزاين الرياض
كيف تنظرين إلى المشاركات العربية لمصممين ناشئين ومخضرمين في الحدث؟
لفت انتباهي بين المعروضات: Naqsh collective من عمان حيث الرخام المطعم بالنحاس مثير للاهتمام، وكل عمل يخبر قصة، كما Gallery COLLECTIONAL ومقره دبي، المتجر الذي يقدم قطع أثاث وديكور فنية من مصممين عالميين قابلة للاقتناء، والعمل التركيبي بعنوان "ستراتا" لاستوديو "كريم+إلياس"، ومقره دبي، بقيادة كريم تامرجي وإلياس حاج، والمُشيَّد من رمال السعودية باستخدام تقنية التربة المدكوكة التقليدية. وقد بدأ الثنائي أخيراً خطّ أكسسوارات.
أعجبت أيضاً بمعروضات شركة الإضاءة Lasvit من جمهورية التشيك وهي عبارة عن تركيبات نحنية من الزجاج. وفي أحد الأجنحة جديرة بالملاحظة أعمال السيراميك وحرف يدوية أخرى لمجموعة من مصممين سعوديين ومن دول عربية.
كما استمتعت بالملمس والكسوة الحجرية في Vada Stone Design الذي يبرز جمالية الصخور الطبيعية بتقنيات محددة، وفي جناح إيوان مكتبي، كان هناك بعض تصماميمي متمثلاً في سجاد "ستراتا"، إضافة إلى التعاون الجديد لإيوان مكتبي مع سمية شلبي.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الرياض
منذ 2 ساعات
- الرياض
خدم الوطن في القضاء.. وأفاد المجتمع بالوعظ والإرشادسليمان بن جمهور.. الناصح الأمين
لقد حُبب إليّ فن التراجم والسير منذ أن تعلقت بالقراءة وحب الكتاب، هذا فضلًا عن الالتقاء بالعلماء والأعيان الذين يسّر الله الطريق إليهم وسؤالهم عن حياتهم وسيرتهم ومواقفهم وعن كل ما يتعلق بمشوارهم، حتى كبار السن الذين ليسوا علماء ولا من الوجهاء أعشق الجلسة معهم وسماع حديثهم، وكما قال أستاذنا يعقوب الرشيد الدغيثر -رحمه الله-: "جالس من هو أكبر منك بعشرات السنين لتستفيد من تجربته وتتقي الأخطاء التي وقع فيها"، وهو ممن لازمته سنوات وأفدت من معلوماته وتجاربه فهو تاريخ متنقل وكنوز من المعرفة والمعلومات الحية. ومن الذين كنت أبحث عن حياتهم وسيرتهم وأسأل عنهم الفقيه القاضي الرحالة والشاعر الشعبي النحل سليمان بن محمد بن سليمان بن منصور بن جمهور -رحمه الله-، ومن الذين سألتهم عنه الأديب والرواية والقاضي حمد بن إبراهيم الحقيل -رحمه الله-، وحدثني أنه شاهده في المجمعة واعتقد أنه قال إنه زار والده في منزله وأثنى عليه وأنه صاحب نكتة ومرح، وقد ذكره الحقيل في كتابه (كنز الأنساب) وروى عنه بيتين من الشعر الشعبي سوف أرويها عنه؛ لأنني سمعتها منه عدة مرات، وقد كتبت عن سليمان بن جمهور عدة أسطر في مقالة من حلقتين عن القضاة الذين نظموا في الشعر الشعبي في صفحة "خزامى الصحاري"، وفي "سطور المشاهير" سوف نلقي الضوء على حياة ومسيرة ابن جمهور من خلال بعض المراجع التي وثقت سيرته. وأصل أسرة سليمان بن جمهور -رحمه الله- من الطائف، ثم انتقلت إلى نجد وبالتحديد في بلدة جلاجل وهذه البلدة من إقليم سدير. كتاتيب جلاجل وذكر المؤرخ الفقيه عبدالله البسام في (كتابه علماء نجد خلال ثمانية قرون) -المجلد الثاني- سيرة سليمان بن جمهور -رحمه الله-، وأنه من مواليد عام 1265هـ، وكذلك حدد محمد القاضي -رحمه الله- في كتابه (روضة الناظرين) -الجزء الأول- في ترجمة ابن جمهور التاريخ نفسه. ونشأ سليمان بن جمهور في جلاجل وقضى صباه وطفولته فيها ثم تعلم في كتاتيب هذه البلدة وحفظ القرآن الكريم، وهذه البلدة العريقة هي بلدة المؤرخ الشهير عثمان بن بشر -رحمه الله- مؤلف (عنوان المجد في تاريخ نجد) حيث ألّف تاريخه في جلاجل وتوفي 1290هـ فيها، ومن المؤكد أن ابن جمهور قد رأى وشاهد المؤرخ ابن بشر؛ لأنهما في بلد واحد، لكن هل أخذ عنه العلم أو جالسه لا علم لي بذلك، وحينما توفي ابن بشر كان عمر شخصيتنا خمس وعشرون عاماً فهو رجل يدرك جل ما حوله. عمر مديد وعاصر سليمان بن جمهور -رحمه الله- الإمام فيصل بن تركي في مرحلته الثانية الدولة السعودية الثانية، فقد طال عمر ابن جمهور وتوفي وعمره ستًا وتسعين عاماً، عمر مديد وحياة طويلة ومسيرة ذات محطات كثيرة متنوعة وثرية وليست عابرة فقط، وللأسف الشديد إن علماء نجد أو الذين يجيدون الكتابة من أهالي نجد لا يقيدون مشاهداتهم حينما يجوبون الأقطار ويقطعون القفار والوهاد، فهذا شخصيتنا من هؤلاء الذين لم يكتبوا تجربتهم في طلب العلم وعاصر أحداثًا كبيرة في نجد والجزيرة العربية وفي العراق، فهو رحالة ويكفي أنه عاصر بدايات عصر الدولة السعودية الثالثة على يد الملك المؤسس الملك عبدالعزيز منذ عام 1319هـ حتى إطلاق اسم المملكة العربية السعودية عام 1351هـ. رحّالة وجوّال وسليمان بن جمهور -رحمه الله- رحالة وجوال في طلب العلم من وهو من العلماء النجديين الذين طلبوا العلم خارج نجد، وكانت رحلته إلى العراق حيث العلم والعلماء في بغداد، وكانت بغيته آل الألوسي أشهر أسرة علمية في بغداد إن لم يكن في العراق، ولعل مجيء ابن جمهور إلى بغداد أوائل القرن الرابع عشر الهجري يعني ما بعد 1300هـ تقريبًا، يقول محمد بن عثمان القاضي في كتابه (روضة الناظرين) والبسام في (كتابه علماء نجد): إن شخصيتنا درس على العلامة نعمان بن محمود الألوسي، وهذا الأخير توفي 1317هـ، وكان قبل 1300هـ سافر إلى مصر لطبع تفسير والده روح المعاني وسافر إلى الشام وكانت له رحلات حتى استقر عام 1301هـ في بغداد حتى وفاته، وبهذا يكون ابن جمهور درس عليه بعد هذا التاريخ، والألوسي بحر من العلوم وهو رئيس المدرسين في بغداد، ولا أعلم كم المدة التي قضاها فيها، ولازم شخصيتنا كذلك العلامة المؤرخ اللغوي محمود شكري الألوسي مؤلف (النبذة التاريخية النجدية) وغيرها من المؤلفات وتوفي عام 1342هـ. الهند والزبير وبعد بغداد رحل سليمان بن جمهور -رحمه الله- عن طريق البحر إلى الهند، يقول القاضي في كتابه (روضة الناظرين) أنه التقى بعلماء الحديث، أمّا البسام فيذكر أنه سافر لأجل التجارة، ولعل الأمرين قد حصلت لشخصيتنا، وإذا التقى بعلماء الحديث من الممكن أنهم أجازوه بمروياتهم، رجع ابن جمهور إلى العراق مرةً أخرى وسكن إلى الزبير بقصد الدراسة على علمائها في الفقه الحنبلي، وعلماء الزبير حنابلة؛ لأنهم في الأصل نجديون، ونجد أغلبها حنابلة بل جلهم، وشخصيتنا من أهالي نجد من سدير، وكذلك مدينة الزبير فيها أغلبية من أهالي سدير، حطت رحال شخصيتنا في الزبير واعتكف بغرض العلم وتحصيله ولم يشتغل بأي شيء سوى ملازمة الدرس، فكان من العلماء الذين أخذ عنهم العالم محمد بن عوجان -رحمه الله- أخذ عنه الفقه والفرائض، وابن عوجان من فقهاء المذهب الحنبلي، وذكر البسام والقاضي أن شخصيتنا قد انتفع بملازمة هذا العالم انتفاعًا كثيرًا، وبهذا حفظ الفقه الحنبلي واستوعبه، وكذلك المواريث، ولعل هذا من حسن تدريس ابن عوجان لتلاميذه، فليس كل عالم أو طالب يجيد التدريس وإيصال المعلومة بأسلوب سهل وسلس، وقد يكون غزير المعرفة، لكنه لا يتقن الشرح وتفكيك المتون في الفقه والعقيدة والنحو، وبهذا صار شخصيتنا بعد هذه الرحلات العلمية من أهل العلم والمعرفة وكان أهلًا لأن يفتي ويقضي. قابل المؤسس وبعد سنوات كثيرة وعندما كبر سليمان بن جمهور -رحمه الله- في العمر اتجه إلى الرياض وقابل المؤسس الملك عبدالعزيز -رحمه الله-، وهنا يقول البسام عند مجيئه للرياض: فلما استقر الحكم للملك عبدالعزيز وزالت تلك الدعايات التي شوهدت العقيدة السلفية التي أحياها الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- عاد ابن جمهور إلى بلاده «نجد»، وحلَّ بالرياض، واجتمع بالعلامة الشيخ عبدالله بن عبداللطيف، فعَّرف الملك عبدالعزيز به كما عرّف به أهل العلم، فأكرمه الملك كعادته في إكرامم أهل العلم وأمر بإنزاله في بيت وتأثيثه له وإجراء نفقات لائقة به، كما باحثه أهل العلم وصار له معهم اجتماعات عرف من خلالها صحة هذه الدعوة ونقاوتها وبعدها عن الخرافات والبدع، فدخلت الدعوة السلفية في قلبه، وصار هو من أكبر دعاتها، ويضيف البسام قائلاً: وحين أعفي من العمل استقر في مسقط رأسه بلده جلاجل إحدى بلدان مقاطعة سدير، فأقام فيها حتى توفي فيها عام 1361هـ، وقد أفادني الشيخ عبدالعزيز بن سليمان بن سعيد أحد قضاة محكمة التمييز بالمنطقة الغربية بأن لابن جمهور أحفاداً، وأنهم من طلاب العلم، وأنه زامل بعضهم في الدراسة. قاضي رنية وعيّن الملك عبدالعزيز -رحمه الله- سليمان بن جمهور -رحمه الله- قاضيًا لبلدة رنية، وهذا أول عمل قضائي يتولاه، ثم بعد ذلك عينه مرشدًا وواعظًا لهجرة «الصرار» عند قبيلة العجمان، وشخصيتنا من الوعاظ المؤثرين في نصحهم وإرشادهم، ولعل ذلك تأثره بشيخه نعمان الألوسي الذي وصف بأنه ابن الجوزي زمانه، ثم بعد ذلك عين مستشارًا عند نائب الملك صاحب السمو الملكي الأمير فيصل -الملك فيما بعد- فكان نعم المستشار الأمين الصادق، فكان يطرح رأيه بدقة حينما تطلب منه المشورة والمستشار، مؤتمن فيما استشير فيه، كأنه قاضي وأمامه الخصوم لا يميل مع أحد الطرفين وهكذا شخصيتنا، وكانت آخر أعماله في القضاء في أبها، ويروي الفقيه عبدالله البسام في هامش ترجمة شخصيتنا أن الوجيه عبدالله العسكر -أمير المجمعة سابقًا- لما عيّنه الملك عبدالعزيز أميرًا على أبها، طلب ابن عسكر من الملك عبدالعزيز أن يختار مرافقين معه إلى أبها، وأن يرسل معه قاضيًا ويكون في السنتين الأولى إمامًا للصلاة فقط، فاختار شخصيتنا إمامًا ثم بعد ذلك بعد سنتين قاضيًا معه. راعية الأثل وروى الباحث عبدالعزيز العويد -في إحدى مقاطع اليوتيوب- أن سليمان بن جمهور -رحمه الله- لمّا كان صغير السن اتجه هو وأخوه دخيل من سدير إلى القصيم، وكانت هذه السنة قاسية على نجد، فرحلا إلى القصيم طلبًا وسداً للرمق، فلما وصلا هناك مكثا فيه مدة ثم رجعا إلى سدير، وفي أثناء الطريق نفد ما معهما من الزاد والماء وسقطا مغشيًا عليهما، ومرت بهما امرأة وأنقذتهما وسقتهما وأطعمتهما، ووضعت عليهما شجر الأثل حتى يزول عنهما شدة الحر، وبعدما نشطا واستعدا للرحيل زودتهما بالماء والطعام، ولم ينس شخصيتنا هذا الفعل العظيم من هذه المرأة المحسنة، فلما كبر واشتد عوده خصص لهذه المرأة أضحية باسم راعية الأثل، وهذا من أعظم الوفاء وحسن العهد، ولولا عناية الله ثم هذه المرأة لأصبح شخصيتنا وأخاه من عداد الموتى. ليس مُكثراً وسليمان بن جمهور -رحمه الله- من الشعراء المجيدين للشعر الشعبي، والظاهر أنه ليس مكثرًا من الشعر ولم يتفرغ له، ولو بذل نفسه لأبدع كثيرًا، لكن الله اختار له ما هو أفضل، العلم والقضاء والنصح ونفع الأنام، ويروي الأديب القاضي حمد الحقيل -رحمه الله- بيتين فيهما طرافة لشخصيتنا وهما: مع السلامة يا القدوع والعود الأزرق واللحم بشر عيونك بالدموع من كثر تنفيخ الفحم كريم المنطق وقال حمد بن عبدالله بن خنين في مقالة له بمجلة «العدل» عن سليمان بن جمهور -رحمه الله-: كان عف اللسان كريم المنطق، من أبعد الناس عن الغيبة وسوء الظن والخوض في الخصومات، حريصاً على جمع الكلمة ورأب الصدع، كان إماماً في العبادة والتقوى وورعاً في المال والتعفف عن المغريات، كثير الإحسان إلى الناس يسعى في مصالحهم ويقضي ديونهم ويعين فقيرهم ويصلح ذات بينهم ويجيب دعوتهم ويشفع لمحتاجهم، وكان إماماً في العلم والفقه تحصيلاً وفهماً وتكييفاً، ثم صار إماماً في التعليم بذلاً وتوفراً ومداومة وتفهيماً، كما أنه إماماً في الإصلاح والاحتساب والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع المداراة واللطف والحكمة وتقدير المصالح والمفاسد، كم جرى بعد وفاته -رحمه الله- من محن وخطوب يتمنى المرء أن لو ظفر منه بجواب مسألة وكشف شبهة وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر، فتح بابه وقلبه للناس، واستوعبهم بحبه وعطفه وحسن تعليمه لهم وحب الخير لكبيرهم وصغيرهم ما كان يستعصي عليه إنكار منكر مهما كان، لأنه كان ينكره بكل الحب واللطف واللين والحرص على هداية العاصي، كان الأهم الأبرز في جيله وعصره، ففي كل ملمة يفزعون إلى رأيه ومشورته، هكذا هم العلماء الربانيون وهكذا يكون أثرهم، وهكذا يكون الفراق والفقد ووجع رحيلهم، رحمة الله على هذا الشيخ الذي بذل حياته في العلم والتعليم والعبادة والنصح.


الرياض
منذ 2 ساعات
- الرياض
بين الثقافة والصحافةالمجتمع والشريك الأدبي
المجتمع هو أنا وأنتم، وهي وهن؛ ممن كنا نتعطش إلى أبنية ثقافية ومجالس أدبية إضافية نتحدث فيها عن رواية أو قصيدة أو معانٍ فلسفية وتاريخ معرفي ثقافي بما يشبه الوجود الدائم قدر الإمكان، والمجتمع أيضاً هو أنت وهم، وهي وهن ممن لا يهتمون بالثقافة ولا بالأدب، ويسعون في مناكب الأرض كل حسب اهتمامه وهمومه وما يُسر له. جاء الشريك الأدبي، وهو البرنامج الذي يحمل الفكرة التي أشغلت المهتم بالثقافة ليجعل حتى من لا يهتم بالثقافة والأدب ينضم إلى قائمة المهتمين، ففي كل بيت هناك من يشغله الأدب وتستهويه الثقافة، فتحولت الأسرة مع هذا الفرد إلى متابع لهذا المشروع العبقري، وأصبحت تتابع هذا المهتم من أفرادها في ندوة منقولة أو مصورة بأي شكل وأي وسيلة، ودخل الشريك كل بيت ليحقق معنى الشريك تنظيراً وتطبيقاً. دعوني أقتطع من مقالي السابق المشار إليه أعلاه هذا الجزء: «كوب قهوة وكتاب؛ هذه أنصع وأجمل صورة ذهنية تجمع الأدب بالمقهى. لكن أن تصبح الصورة كتاباً ومقهى وأمسية أدبية وجمهوراً وتكريماً، فهذه قفزة على كل الصور الذهنية، وطمس لمحدودية الطموح، ونقل من الحلم المستحيل إلى الواقع المحقق، ما القصة؟». (انتهى الاقتباس). الجواب: إنه الشريك الأدبي؛ مشروع أدبي ثقافي سعودي ابتكاري عبقري؛ لا يحتكر فائدته على السعوديين بل يتعدى ليكون لمجتمع كامل يعيش فوق هذه الأرض وتحت سماء المملكة العربية السعودية من أبنائها أو المقيمين على أرضها، وهو جهد إنساني ومنتج بشري لن يصل إلى الكمال، ولكنه يقترب منه عندما يواصل تطوير أدواته، وجني ثمار ما يقال عنه، وما يكتب بحقه، وأن يكون قريباً من نبض المجتمع وصوت الناقد الموضوعي المنصف.


الرياض
منذ 2 ساعات
- الرياض
صناعة الإنسان وثقافة المقهىفي مديـــح الشــريـك الأدبـــي
عبر التاريخ، كان المقهى فضاءً اجتماعيًا حيًّا ومسرحًا غير رسمي للحوار والتبادل الثقافي، حيثُ تُنسَج فيه العلاقات بين الكلمة والحياة، والكاتب والقارئ، والنص والواقع. وفي هذا السياق، تبرز مبادرة "الشريك الأدبي " كواحدة من أكثر المبادرات الثقافية السعودية طموحًا وتأثيرًا، وقد أطلقتها هيئة الأدب والنشر والترجمة ضمن رؤيتها لتفعيل الثقافة في الفضاء العام، وإعادة المقهى لدوره الأصيل كمختبر ثقافي حيّ، ومنصة مفتوحة لإنتاج الوعي والمشاركة. ولقد تجاوزت هذه المبادرة كونها مشروعًا ثقافيًا موسميًا، لتتحول إلى رؤية استراتيجية متكاملة تساهم في "صناعة الإنسان" –بوصفه الغاية القصوى لأي نهضة– داخل مشروع وطني طموح يتمثل في رؤية السعودية 2030، رؤية تؤمن بأنَّ "الإنسان هو أثقل الصناعات وأثمنها"، وبأنَّ الاستثمار في الوعي هو الركيزة الأساس لأيّ تقدّم حقيقي. فمن مدينة الرياض العاصمة التي تعجُّ حياةً وصخبًا، إلى حي شعبي في تبوك أو زقاق في حائل، أو من مقهى صغير في جدة أو ينبع، أو أحد الأحياء في شمالي البلاد أو جنوبيها، امتدَّ الأثر ليشمل مشهدًا ثقافيًا واسعًا، يشكّل المقهى السعودي من خلاله وجهًا ثقافيًا جديدًا، ومتنفَّسًا للأدب والفكر. على أنَّ اختيار المقهى بوصفه ساحةً مركزيةً في هذه المبادرة لم يكن اعتباطيًا، بل ينمّ عن وعي عميق بطبيعة التحول الثقافي المنشود؛ فالمقهى هو المكان الذي يلتقي فيه القارئ العابر بالنص، ويتحوّل فيه الفضول إلى شغف، والمرور السريع إلى انخراط واعٍ في الفعل الثقافي. وقد نجح "الشريك الأدبي" في استهداف شريحة مهمة من المجتمع، ممن لم يكونوا بالضرورة مهتمين بالثقافة بشكل عميق –مرتادو المقاهي– وتمكنت من تحفيزهم على المتابعة، والنقاش، والاندماج في جداول ثقافية متنافسة تصنع مشهدًا ثقافيًا نابضًا بالحياة. ومن خلال مشاركتي الشخصية في عدد من فعاليات المبادرة، يمكنني القول إنَّ "الشريك الأدبي" لم يقدّم لي فرصة المشاركة فقط، بل فتح أمامي أبوابًا لعلاقاتٍ ثقافية ممتدة، وانخراطًا حيويًا في نسيج المجتمع الثقافي السعودي، الذي من خلاله اكتسبت وعيًا متجددًا، وثقافة تتطور باستمرار بفعل التفاعل والحوار. فلقد أُعيد تعريف دور القارئ، ولم يعد مجردَ متلقٍ، بل صار شريكًا فاعلًا، يُسهم في تكوين الذائقة وتوجيه المشهد. وقد نجحت المبادرة كذلك في إعادة تعريف دور المقهى كمكان للتنوع واللقاءات، حيث أحدثت حراكًا تنافسيًا بين المقاهي ذاتها، دفعها إلى تطوير برامجها، واستقطاب المثقفين، وصياغة عروض أكثر جاذبية، مما ساهم في بناء نسيج اجتماعي ثقافي متماسك، يتجاوز حدود الفئات النخبوية، ويحتضن الطيف المجتمعي بكل تنوعه. أما على المستوى الوطني والدولي، فقد جسّدَ "الشريك الأدبي" ديبلوماسية ثقافية مختلفة، تُظهر للمحيط العربي والإقليمي دور المملكة الجديد: كوجهة تؤمن بالثقافة كوسيلة للتلاقي لا التنافر، وللتنمية لا التزيين، وللتأثير لا الاستهلاك. وقد أتاحت المبادرة مجالًا واسعًا لتعزيز الصناعات الثقافية المصاحبة من نشر وتوزيع وترويج وتنظيم، مما أسهم في بناء منظومة ثقافية أكثر تماسكًا واستدامة. ومع انتهاء موسم 2024–2025، نحتفي بمبادرة "الشريك الأدبي" لا كحدث، بل كتحول نوعي في صناعة الإنسان، الذي لا تبنيه التكنولوجيا وحدها، ولا الاقتصاد، بل من خلال الوعي، والحوار، والانخراط في أسئلة الوجود والمعنى. إنَّها تجربة قابلة للاستنساخ في المحيط العربي والإقليمي، المتعطش للثقافة، والباحث عن دور جديد للمثقف والقارئ، حيث لا يكون الأخير مجرد هدف، بل المحور الأساس لكل مشروع ثقافي حيّ. لم يكن "الشريك الأدبي" مبادرة عابرة، بل مشروعاً طويل النَفَس، يتجدد بتجدد المشاركين فيه، وينمو بمقدار ما نمنحه من وعي وإيمان، وأنا –كواحد ممن لمسوا أثرها– أطمح أن أكون فاعلًا فيها، حاليًا ومستقبلًا، ومن موقع الإيمان بأنَّ الكلمة قادرة على بناء الإنسان، وأن المقهى، بالحوار المتجدد والمتنوع، من الممكن أن يصنع مناخًا ثقافيًا لا حصرَ ولا حدودَ له. وإن المبادرة لا تقف عند حدود الفعل الثقافي الظاهر، بل تتغلغل عميقًا في بنية المجتمع، لتعيد تعريف العلاقة بين الثقافة والناس، والفكرة ومجال تداولها، والوعي وتحوّلاته. ولعلّ أعظم ما أنجزته هذه المبادرة، أنها لم تتوجه للنخب وحدها، بل خاطبت الإنسان العادي، ذلك الذي يعبر المقهى لا بحثًا عن كتاب، بل عن قهوة، فوجد نفسه أمام فسحة فكرية، ومائدة أدبية، ومنبر لحوار حي، يخصه ويشبهه وينتظره. ومن هنا، يصبح الاحتفاء بالشريك ليس تمجيدًا لفعالية ثقافية فحسب، بل تثمينًا لمشروع حضاري يستثمر في الإنسان، وفي قدرته على التحوّل، والاكتشاف، وعلى بناء نفسه من خلال الكلمة والحوار والانفتاح. إنَّها رؤية تُجسد الإيمان بأنَّ الوعي لا يُملى، بل يُزرع، وأن الثقافة ليست امتيازًا، بل حقٌّ أصيل يجب أن يُتاح في كل زاوية، حتى ولو كانت من خلال طاولةٍ في مقهى بسيط. لقد آن لهذه التجربة أن تُدوّن وتُستلهم، لا في المملكة العربية السعودية فحسب، بل في كل فضاء عربي توَّاق للمعرفة، متعطّش لنبضٍ ثقافي جديد، يُنقذ المثقف من عزلته، ويُعيد للقارئ العادي دوره الطبيعي كمحورٍ لكل مشروع ثقافي جاد. ومن موقعي كمشاركٍ في بعض من محطات هذا الحراك، أجد في "الشريك الأدبي" بذرة لنهضة ثقافية قادمة، تنبع من التفاصيل، من المكان العادي، ومن الإنسان الذي طالما ظنّ أن الثقافة لا تخصّه، فإذا بها تنبع منه وتعود إليه.