
أخبار العالم : كيف تؤثر الفطريات التي تعيش في أجسامنا على أدمغتنا وسلوكنا؟
نافذة على العالم - صدر الصورة، Getty Images
التعليق على الصورة،
العلماء يبحثون مدى تأثير الفطريات على الدماغ البشري
Article Information Author, كاتارينا زيمر Role, بي بي سي فيوتشر
قبل 52 دقيقة
يبدو أن الفطريات التي تعيش في أجسامنا لها تأثير على صحتنا أكبر بكثير مما كنا نتصور.
فمن بين ملايين الكائنات الحية الدقيقة التي تعيش على أجسامنا وداخلها، هناك أنواع لا تحصى من الفطريات، فهناك فطريات كثيرة على جلدنا، كما أن الأغشية داخل الأنف أو المهبل مليئة بها، بل وتعيش الفطريات إلى جانب البكتيريا داخل الأمعاء أيضا.
تنتقل الفطريات إلينا من أمهاتنا عند الولادة، لكن فطريات جديدة تدخل أجسامنا باستمرار. فنحن نهضم الخميرة كلما أكلنا الخبز مثلا، ونستنشق الفطريات مع كل نفس نأخذه. ويقضي جهاز المناعة على الكثير من هذه الفطريات فورا، لكن بعضها يعيش فترة أو يبقى في أجسامنا مدى الحياة.
ويسعى الباحثون في الفترة الأخيرة إلى استكشاف كيف تؤثر الفطريات، التي تعيش في أجسامنا، على أدمغتنا وعقولنا وسلوكنا.
ويعرف الأطباء منذ مدة طويلة أن الفطريات قد تتسبب في التهابات خطيرة في الدماغ. لكن الباحثين وجدوا الآن مؤشرات مثيرة للفضول والجدل على أن هذه الميكروبات قد تكون لها تأثيرات عصبية أخرى على البشر.
ويتفق العلماء على استبعاد فكرة أن تسيطر الفطريات على أجسامنا. لكنهم يبحثون بجدية ما إذا كانت بعض الفطريات داخل أجسامنا تساهم في الإصابة بأمراض في الدماغ، وما إذا كانت الفطريات التي تعيش في الأمعاء تؤثر على سلوكنا وصحتنا النفسية.
يقول خبراء إن المطلوب هو المزيد من الأبحاث، لفهم العلاقة العميقة والمعقدة بين الميكروبات، التي تعيش بداخلنا، واستكشاف طرق جديدة لتحسين صحتنا.
ويملك البشر قدرة كبيرة على مقاومة الفطريات، فحرارة أجسامنا تصعب عليها البقاء داخلنا، وحتى التي تبقى منها قد تكون نافعة لنا، وربما تدعم جهازنا المناعي، وتساعد في التئام الجروح، وفق ما يقوله خبير الأحياء الدقيقة ماثيو أولم من جامعة كولورادو بالولايات المتحدة.
لكن الكثير من الفطريات الأخرى يمكنها أن تتسبب في التهابات مثل سعفة القدم أو القلاع. ويحدث هذا عندما نتعرض لفطريات جديدة ضارة في محيطنا، أو عندما تتكاثر الفطريات الموجودة في أجسامنا بطريقة كبيرة، وفق ما تقوله ريبيكا دروموند، خبيرة مناعة الفطريات في جامعة برمنغهام في بريطانيا.
من النادر أن تصل الفطريات إلى الدماغ، بسبب حواجز حمائية في الرئتين والأمعاء، وكذلك بسبب الحاجز الدماغي والخلايا المناعية المؤهلة لتدمير أي فطر يدخل إلى الدماغ. لكن من الممكن أن يصاب الدماغ بالتهابت فطرية، وقد ارتفع عدد هذه الحالات في العقود الأخيرة.
والسبب في ذلك هو تزايد عدد الناس الذين يعانون من ضعف في الجهاز المناعي، حسب دروموند، نتيجة انتشار فيروس ضعف المناعة المكتسب على المستوى العالمي، خاصة في أجزاء من أفريقيا، وكذلك نتيجة تزايد استعمال مثبطات المناعة في علاج السرطان وزراعة الأعضاء.
وتقول دروموند: "كلما زاد استعمال أدوية إضعاف المناعة، ارتفع عدد الالتهابات الفطرية".
صدر الصورة، Getty Images
التعليق على الصورة،
الفطريات تدخل أجسامنا مع الهواء الذين نتنفسه
وتأتي الفطريات التي تصيب الدماغ أحيانا من الرئتين، مثل الرشاشيات، أو المستخفيات التي نستشقها في الهواء. ويمكنها أن تنبت وتكبر وتنتشر، حسب دروموند، إذا أهملت. ويحدث أحيانا أن تنبت فطريات المهبل وتنمو بشكل كثيف. وعندما تصل إلى الدماغ تتفرع وتنتج سموما قاتلة للأعصاب.
أما المستخفيات فيمكنها أن تنمو في كتل مثل الأورام، و"بطبيعة الحال فإنها تسبب أضرارا جسمية".
وتقول دروموند إن التهابات الدماغ الفطري غالبا ما تكون مميتة. وتصل نسبة الوفاة بين المصابين بالتهابات الرشاشية 90 في المئة، ويضعب علاجها، لأنه لا توجد أدوية كثيرة مضادة للفطريات. وليس بإمكان كل الأدوية عبور الحاجز الدماغي لقتل الفطريات، كما أن بعض الفطريات طورت مقاومة لهذه الأدوية.
والذين ينجون من الالتهابات الفطرية غالبا ما يعانون من إصابات مزمنة في الدماغ.
وتقول دروموند إن مرضى الإيدز الذين ينجون من داء المستخفيات في الدماغ يعانون من ضعف البصر والذاكرة والدوخة.
ويعرف العلماء منذ زمن طويل أخطار التهابات الدماغ الفطرية، لكن بعضهم يعملون في السنوات الأخيرة لاستكشاف ما إذا كانت الفطريات تصل إلى الدماغ أكثر مما كان الاعتقاد سائدا، وما إذا كانت تساهم في تدمير الخلايات العصبية مثلما يحدث في حالات مثل الزهايمر.
وحسب ريتشارد ليذ، خبير علم الأحياء الجزيئي في جامعة أيدنبره في بريطانيا، فإن من بين الحالات التي تعزز هذه النظرية، اكتشاف الالتهابات الفطرية والميكروبية في المرضى الذين ثبتت إصابتهم بداء الزهايمر.
وفي حالات كثيرة عندما يصف الطبيب أدوية مضادة للالتهاب "تتوقف أعراض الخرف".
ويعتقد ليذ أن الميكروبات تتسلل عبر الحاجز الدماغي بشكل متكرر، لكن غالبا ما يدمرها الجهاز المناعي السليم عند الأشخاص. ولأن جهازنا المناعي يضعف بتقدمنا في السن فإن هذا يسمح للميكروبات بالتراكم في الدماغ، وربما يؤدي إلى التهابات تدمر الأعصاب.
ويقول إن الضرر لا يظهر إلا عندما يضعف الجهاز المناعي.
ويبحث العلماء ما إذا كانت للفطريات علاقة بالاضطرابات النفسية.
واعتقد العلماء لفترة طويلة أن الزهايمر ينشأ من بعض البروتينات في الدماغ، لكن النقاش يتزايد بشأن هذه البروتينات وهل هي التي تسبب المرض أم أنها من أعراضه. ويرى ليذ أن هذه البروتينات يتنجها نظام الدفاع المضاد للميكروبات المتسللة، ودليله على ذلك هو البحوث التي كشفت عن خصائص مضادة للالتهاب في هذه البروتينات.
والدليل الآخر على أن الميكروبات المتسللة إلى الدماغ قد تكون سببا في ظهور الزهايمر نجده في البحوث التي أجريت على الفئران، إذ لاحظ العلماء دخول فطريات المبيضات البيضاء إلى دماغ القوارض عندما يضعف جهازها المناعي.
وفي دراسة لا تزال قيد المراجعة، فحص ليذ وزملاؤه شرائح من دماغ موتى لم يصابوا بالزهايمر، وشرائح من دماغ موتى مصابين بالزهايمر. فوجدوا كميات كبيرة من البيكتريا والفيروسات في المجموعتين، لكن الكمية كانت أكبر في المجموعة المصابة بالزهايمر.
صدر الصورة، Getty Images
التعليق على الصورة،
العلماء يبحثون ما إذا كان الزهايمر له علاقة بالميكروبات التي تتسلل إلى الدماغ
وإذا كانت الميكروبات بالفعل عاملا في ظهور الزهايمر، فإنه بإمكاننا التقليل من الإصابة بالمرض أو منعه من خلال تعزيز الجهاز المناعي، عن طريق اللقاحات التي ثبتت نجاعتها في تقوية المناعة العامة. لكن هذه النظرية لا تزال في مهدها. ويرى ليذ أنها "فكرة جديدة".
وهناك نقاش حول نظرية أخرى، وهي - كما يعقتد أولمو وآخرون - أنه من الصعب استبعاد فكرة أن يكون ظهور المادة الوراثية الميكروبية ناتج عن التلوث، نظرا لأن شظايا الميكروبات موجودة في كل مكان، لكن ليذ يرى أن ذلك غير محتمل، مشيرا إلى تقارير مفادها أن شظايا الميكربات موجودة داخل العينات مثلما هي موجودة على سطحها. أما التلوث من الهواء فيبقى على سطح الدماغ.
ويصر أولمو على أن وجود شظايا الميكربات في دماغ المصاب بالزهايمر ليس دليلا على أن تلك الميكروبات سببت المرض. ويمكن مثلا أن يكون السبب في ضعف الحاجز الدماغي في تلك الأدمغة أو في مشاكل أخرى. ويعني ذلك أن عددا كبيرا من الميكروبات تسلل إلى الدماغ قبل أن يقضي عليها الجهاز المناعي.
لكن أدلة جديدة على أن الميكروبات يمكن أن تجتاح أدمغة الحيوانات، مثل السمك، تعزز فكرة أن ذلك يمكن أن يحدث مع الثدييات أو ربما البشر، حسب أولمو. ففي دراسة نشرت في 2024 وسم العلماء البكتيريا بجزيئات مضيئة خضراء ووضعوها في حوض به أسماك السلمون.
وبعد أسبوع، يقول أولمو، "تسللت الميكروبات إلى دماغ السمك بضوئها الأخضر. والغريب أن الميكروبات تعيش في دماغ السمك طوال حياته دون أن يكون لها أي تأثير عليه".
ويضيف أن فكرة تسلل الفطريات أو الميكروبات الأخرى إلى الدماغ مع تقدم السن، إما بسبب ضعف الجهاز المناعي أو تآكل الحاجز الدماغي، أصبحت أكثر قبولا للتصديق. يقول أولمو: "أعتقد أننا بلغنا الحد الأدنى للبحث في هذه الفرضية. فهي جديرة بأن نخصص المال لمعرفة ما يجري".
والمثير للاهتمام هو أن الفطريات قد لا تحتاج للوصول إلى الدماغ لتؤثر فيه، ففي دراسة نشرت عام 2022، وجد خبير علم المناعية إيليان إلييف من كلية فيل كورنيل الطبية في الولايات المتحدة وزملاؤه، أن إضافة طفيليات المبيضات البيضاء إلى أمعاء الفئران تجعلها أكثر مقاومة لتضرر الأمعاء بسبب الالتهابات الميكروبية أو الاستعمال المفرط للمضادات الحيوية.
ويقول إلييف إن تعزيز جدار الأمعاء قد يكون آلية حمائية من الجسم لمنع الفطريات والميكروبات الأخرى من الخروج من الأمعاء وإصابة أنسجة أخرى.
لكن المفاجاة الكبرى كانت عندما راقب الفريق سلوك القوارض. والعجيب أن الفئران المشحونة بالفطريات كانت أكثر ميلا إلى الشم والتواصل والتفاعل مع الفئران الأخرى. وهذا يعني أن تعرضها للفطريات ربما كان له نوع من التاثير على سلوكها أيضا.
وبناء على تجارب أخرى، وضع العلماء نظرية مفادها أن بعض الجزيئات التي أفرزتها خلايا الجهاز المناعي عند الفئران في الدم، حفزت الخلايا العصبية المسؤولة عن السلوك في الدماغ. وقال إلييف إن "هذه المسألة كانت مفاجأة بالنسبة لنا".
ولا أحد يعرف سر هذا التداخل بين فطريات الأمعاء والدماغ. ويتساءل إلييف هل من الصدفة أن تؤثر إشارات المناعة المدفوعة بالفطريات على الدماغ، أم أنها إشارات متعمدة من الفطريات لضمان بقائها على قيد الحياة؟". ويرى إلييف أن أجسام الثدييات ربما تستفيد من تغيير سلوكها في وجود الفطريات.
صدر الصورة، Getty Images
التعليق على الصورة،
لاحظ علماء أن الفئران المشحونة بالفطريات في أمعائها أكثر تفاعلا مع غيرها
ولا يوجد دليل حتى الآن على أن هذا التداخل بين الفطريات والدماغ يحدث في جسم البشر. لكن الاحتمال جدير بالبحث، حسب أولمو. ففي السنوات الأخيرة تزايدت الأدلة على أن البكتيريا التي تعيش في الأمعاء قد يكون بمقدورها إرسال إشارات إلى الدماغ عن طريق الجهازين المناعي والعصبي، أو بإنتاج مواد مرتبطة بالاكتئاب أو القلق أو الاسترخاء.
ويقول أولمو: "مبدئيا، ليس هناك أي سبب يجعلنا نعتقد أن الفطريات لا تفعل ذلك أيضا".
ويبحث بعض العلماء ما إذا كانت الفطريات لها علاقة بالاضطرابات النفسية. وبينت العديد من الدراسات وجود فروق بين فطريات الأمعاء عند الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب أوالاضطراب ثنائي القطب.
أما بين النساء المصابات بانفصام الشخصية، فاللائي تعرضن منهن لفطريات المبيضات البيضاء التي تعيش في الأمعاء يسجلن نتائج أقل في اختبارات الذاكرة، والقدرات الذهنية الأخرى، وفق دراسة أجرتها في 2016 إيميلي سيفرنس وزملاؤها في جامعة جون هوبكينز.
وتستكشف هذه الدراسة ما إذا كان نمو فطريات المبيضات البيضاء المفرط، الذي يسببه التوتر أو المضادات الحيوية، يُحدث عدم توازن في ميكروبات الأمعاء، فيعدل تركيبة المادة التي تنتجها بطريقة تجعل الشخص معرضا لانفصام الشخصية.
لكن هذا لا يعني أن الفطريات هي التي تسبب انفصام الشخصية ، لكنه قد يعني بكل بساطة أن هؤلاء المرضى أكثر عرضة لمستويات عالية من الفطريات.
وتقول سيفرنس: "أعتقد أن هذا مجال بحث مثير للاهتمام، لكنه في مرحلة مبكرة".
ويسعى الباحثون في السنوات المقبلة إلى معرفة ماذا كانت الفطريات، وأي نوع منها تحديدا، يؤثر فعلا على أدمغتنا؟. تقول دروموند: "لا جدال أن الفطريات مهمة، لكن أين تكمن أهميتها تحديدا؟ أعتقد أن هذا ما يجري البحث عنه".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


نافذة على العالم
منذ 17 ساعات
- نافذة على العالم
أخبار العالم : بعد وفاة الأمير النائم... ماذا نعرف عن الغيبوبة ومصير العائدين منها؟
الخميس 24 يوليو 2025 08:40 مساءً نافذة على العالم - صدر الصورة، Getty Images Article Information Author, محمد همدر Role, بي بي سي نيوز عربي - بيروت قبل 9 دقيقة تخيلوا أنكم تسمعون من حولكم وتشعرون بوجودهم، لكنكم عاجزون عن رؤيتهم بوضوح أو التفاعل معهم. تخيلوا أنكم تعيشون شهوراً، وربما سنوات، وأنتم في حالة وعي معلّق، لا تعلمون إن كانت تفاصيل ما تعيشونه خيالاً أم حقيقةً. غالباً ما نسمع العبارة الشهيرة: استفاق أو استفاقت بعد غيبوبة. عبارة تشبه حكايات الخيال، كقصة الأميرة النائمة التي أيقظتها قبلة بعد سبات طويل. لكن ما هي الغيبوبة حقاً؟ ماذا يشعر المصاب خلالها؟ هل يعود؟ وكيف تكون حياته بعد الاستفاقة؟ أثارت وفاة الأمير السعودي الوليد بن خالد بن طلال، المعروف إعلامياً بالأمير النائم، بعد 21 عاماً من الغيبوبة إثر حادث سير، هذه الأسئلة من جديد. وحاولت بي بي سي نيوز عربي الإجابة عنها من خلال لقاء مع طبيبة مختصة وناجٍ من غيبوبة. في عام 2016، وأثناء إحدى موجات أزمة النفايات في لبنان، أصيب طارق زينون، وهو طالب جامعي يبلغ من العمر 18 عاماً، بفيروس ناتج عن استنشاق هواء ملوث. تدهورت حالته بسرعة، ودخل في غيبوبة استمرت شهراً ونصفاً. لم تكن حالته الوحيدة، إذ يقول لبي بي سي عربي إن تسعاً أو عشراً من الحالات سجلت في تلك الفترة بسبب الفيروس ذاته، من بينها صديق له استفاق بعد ثلاثة أيام. توضح الدكتورة نانسي معلوف، الأستاذة المساعدة في علم الأعصاب في المركز الطبي التابع للجامعة اللبنانية الأميركية، أن الغيبوبة تعرف طبياً بأنها فقدان تام للوعي نتيجة اضطراب كبير في وظائف الدماغ. وتشير إلى أن أسباب الغيبوبة متعددة، منها إصابات الرأس كالنزيف أو الجلطات، أو حوادث السير، أو التسمم، أو النقص الحاد في الغذاء، أو الجرعات الزائدة من الأدوية والمخدرات، أو حتى الصدمات النفسية الشديدة. وتؤكد أن الغيبوبة ليست درجة واحدة، بل تتفاوت من حالة إلى أخرى. "في الغيبوبة العميقة، لا يرى الشخص شيئاً ولا يسمع. أما في الحالات الأخف، فقد يشعر بوخز إبرة مثلاً أو يتخيل أشياء". وتضيف أن احتمال العودة من الغيبوبة يختلف عن حالة الموت الدماغي، الذي يعني توقف كل وظائف الدماغ بما في ذلك جذعه، وهو حالة لا عودة منها ويصنف قانونياً وطبياً كوفاة. وكلما طالت مدة الغيبوبة، زادت المخاطر. إذ قد يعاني المصاب من جلطات في الأطراف أو تقرحات جلدية أو ضعف في المناعة. حين بدأ كل شيء يتلاشى يروي طارق أنه شعر بألم مفاجئ في مؤخرة رأسه، فخلد إلى النوم مساءً واستفاق بعد نحو 24 ساعة، لكنه لا يذكر إن كان قد استيقظ في ما بينها. تقول والدته إن عينيه كانتا ترتعشان يميناً ويساراً حين أيقظته، وهو لا يزال يصر، حتى في تلك اللحظة، على أنه بخير ولا حاجة لنقله إلى المستشفى. دخل المستشفى دون أن يفقد وعيه بالكامل، لكنه لا يتذكر شيئاً من تلك اللحظات. وبعد نقله إلى مستشفى آخر، دخل في غيبوبة تامة. يقول: "بقيت فاقداً للوعي بشكل تام لأسبوعين، فتحت عينيّ في الأسبوع الثالث لكن دون أي تفاعل أو إدراك". ويتابع: "لا تحدثني عائلتي كثيراً عن هذه المرحلة. يقولون لي إنني لم أكن أتفاعل إلا في لحظات قليلة، حين كنت أحرّك عينيّ دون أن أفتحهما". صدر الصورة، Getty Images التعليق على الصورة، في بعض حالات الغيبوبة، قد يشعر المريض بتداخلات مع العالم الخارجي كأصوات أو حركات الأشخاص حول سريره مرّ أكثر من شهر ونصف حتى بدأ طارق يتعرف من جديد إلى الوجوه والأسماء التي يعرفها. واستعاد وعيه وذاكرته كاملاً مع بدء رحلة إعادة التأهيل في مستشفى آخر. "أتذكر شيئاً واحداً من مرحلة الغيبوبة، أتذكر أني وقفت على قدمي ومشيت خطوات قليلة لأجد أمامي نحو 40 شخصاً من أصدقائي الذين كانوا يزورون المستشفى يومياً دون أن أعلم، رأيتهم ولكني عانيت حينها من هبوط مفاجئ وفقدت وعيي من جديد لأيام قليلة". لا يملك طارق صورة واضحة حتى للأشياء التي يتذكرها، ويقول إن الأدوية التي وصفت لعلاجه كانت لها آثار جانبية، من بينها فقدان الذاكرة. "عائلتي لم تفقد الأمل" شخص الأطباء حالة طارق بأنه التهاب دماغ ناتج عن فيروس أو عدوى بكتيرية. يروي طارق أن عائلته لم تفقد الأمل: "الخوف كان كبيراً، وخاصة لدى أصدقائي الذين صدموا عند رؤيتي في المستشفى. الدتي كانت تحاول دائماً أن تتحدث معي خلال غيبوبتي". خلال فترة التأهيل، خضع لسلسلة من التمارين الخاصة بتنشيط الدماغ من جديد، بالإضافة إلى تمارين للعضلات لأنه خسر 14 كيلوغراماً من وزنه، وتمارين للذاكرة. قال: "عند خروجي كنت أعاني من ارتعاش شديد في اليدين، لدرجة أنني لا أستطيع الكتابة". خضع طارق لعلاج فيزيائي وعلاج نفسي واستعاد معنوياته ونشاطه الذهني والجسدي ببطء وبشكل تدريجي. تعد الغيبوبة من الحالات الطبية المكلفة، فالمكوث في المستشفى ضروري بحسب المدة التي تستغرقها العودة أو الاستفاقة، بالإضافة إلى العلاج والتأهيل ما بعد الخروج من المستشفى. والتكلفة قد تكون ذاتها في حال انتقال المصاب إلى منزله. تقول الطبيبة نانسي معلوف إن الشخص في الغيبوبة يحتاج إلى التنفس طوال الوقت، وفي بعض الحالات البالغة، يتنفس المريض من خلال القصبة الهوائية. "عادة لا يسمح للمريض بمغادرة المستشفى، وإن حدث ذلك، فهو بحاجة إلى مراقبة الأوكسيجين يومياً على مدى 24 ساعة". نوبات هلع صدر الصورة، Getty Images التعليق على الصورة، مرحلة التأهيل بعد العودة من الغيبوبة تشملوالعلاج الفيزيائي والنفسي والعمل على استعادة الذاكرة والإدراك لم يخرج طارق من منزله لفترة بعد عودته من الغيبوبة لأن مناعته كانت ضعيفة. "بعد انتهاء فترة علاجي وعودتي إلى الجامعة، شعرت مرة بنوبة هلع قوية على شكل دقات قلب قوية". قالت له طبيبته المعالجة إن ما يمر به لن يكون سهلاً، لكنه أمر طبيعي لأن هذه المرحلة التي يبدأ فيها الدماغ بالاتصال بأصوات وصور شاهدها طارق في مرحلة ما، دون أن يدرك ما هي هذه الأصوات والصور. يقول طارق إن هذه "المعلومات" التي بدأ الدماغ بتلقيها في ما بعد لم تكن مفهومة، لكنها تتخم الدماغ وتجعله ثقيلاً. "أصبت أكثر من مرة بعد ذلك بنوبات هلع كانت تأتي في أي مكان وأي وقت ودون أي سبب أو مناسبة". يروي كيف كان فحص التصوير بالرنين المغناطيسي يصيبه بالهستيريا، ويربط ذلك بوضعية نومه خلال الغيبوبة. ومع تقدم جلسات العلاج النفسي، شعر طارق بارتياح أكبر هل نحلم خلال الغيبوبة؟ لا يتذكر طارق أي أحلام أو خيالات من فترة الغيبوبة، لكن طبيبته ربطت بين نوبات الهلع وبين الأشياء التي قد يكون رآها خلال تلك المرحلة. نشرت "بي بي سي ساينس فوكوس" سؤالاً وجواباً حول الأحلام في الغيبوبة. وأشار المقال إلى أن أدمغة الأشخاص في الغيبوبة لا تظهر أي علامات على دورة طبيعية للنوم واليقظة، ما يعني أنه من غير المرجح أن يحلموا. ورغم ذلك، بحسب المجلة، يبلغ بعض الأشخاص عند عودتهم من الغيبوبة عن أحلام تسللت إليها أشياء من العالم الخارجي، أو كوابيس تبدو مستمرة. وفي مقاطع فيديو لناجين على يوتيوب، يروي البعض أنه يتذكر أحلاماً من فترة الغيبوبة، ويقر بعضهم بأنه قد يخلط بينها وبين خيالات أو هلوسات بسبب شعورهم بشيء ما يجري حولهم. أصوات وأشخاص وحركات.


نافذة على العالم
منذ يوم واحد
- نافذة على العالم
أخبار العالم : دراسة حديثة تكشف عن معدل جديد للمشي اليومي، يقلل خطر إصابتك بالأمراض
الخميس 24 يوليو 2025 06:00 مساءً نافذة على العالم - صدر الصورة، Getty Images التعليق على الصورة، أصبح حساب الخطوات اليومية هواية شائعة مع أجهزة تتبع اللياقة البدنية Article Information Author, جوش إلغين Role, بي بي سي نيوز قبل 39 دقيقة توصلت دراسة واسعة نُشرت في مجلة The Lancet Public Health إلى أن المشي 7 آلاف خطوة يومياً قد يكون كافياً لتعزيز قدراتك العقلية والمساعدة في الحماية من مجموعة متنوعة من الأمراض. وقد يكون عدد الخطوات هذا هدفاً أكثر واقعية من 10 آلاف خطوة، التي لطالما اعتُبرت معياراً للمشي الصحي الذي ينصح به يومياً. ووجدت الدراسة أن تقليل عدد الخطوات اليومية لم يُضعف من التأثير الوقائي ضد مشاكل صحية خطيرة، بما في ذلك السرطان والخرف وأمراض القلب. ويقول الباحثون إن هذه النتائج قد تُشجع المزيد من الناس على تتبع خطواتهم كوسيلة عملية لتحسين صحتهم. وتقول الدكتورة، ميلودي دينغ، الباحثة الرئيسية في لدراسة: "لدينا هذا التصور بأننا يجب أن نمشي 10 آلاف خطوة يومياً، لكن هذا التصور غير قائم على أدلة علمية". صدر الصورة، Getty Images التعليق على الصورة، تركز المبادئ التوجيهية للصحة العامة العالمية عادةً على الوقت الذي يقضيه الشخص في ممارسة التمارين الرياضية، بدلاً من الخطوات وترجع أصول رقم 10 آلاف خطوة إلى حملة تسويقية في اليابان خلال ستينيات القرن الماضي. قبيل دورة الألعاب الأولمبية في طوكيو عام 1964، إذ طُرح ورُوّج لنوع جديد من جهاز عداد الخطوات يُسمى "مانبو-كي"، والذي يُترجم إلى "عداد 10 آلاف خطوة". تقول الدكتور ميلودي دينغ إن هذا الرقم "أُخرج عن سياقه" وأصبح دليلاً إرشادياً غير رسمي، ولا تزال العديد من أجهزة تتبع اللياقة البدنية والتطبيقات توصي به. وقد حلّلت الدراسة الجديدة بيانات حول صحة ونشاط أكثر من 160 ألف بالغ حول العالم. ووجدت الدراسة أن المشي حوالي 7 آلاف خطوة يومياً يرتبط بانخفاض خطر الإصابة بأمراض القلب (بنسبة 25 في المئة)، والسرطان (بنسبة 6 في المئة)، والخرف (بنسبة 38 بالمئة) والاكتئاب (بنسبة 22 في المئة). ومع ذلك، يقول الباحثون إن بعض هذه النتائج تستند إلى عدد قليل من الدراسات، وليس من الواضح مدى دقتها. وتشير الدراستهم الأخيرة إلى أنه حتى عدد الخطوات المتوسط، 4,000 خطوة يومياً، يرتبط بصحة أفضل مقارنةً بالنشاط المنخفض جداً، نحو 2,000 خطوة يومياَ. وفي معظم الحالات الصحية، تميل الفوائد إلى الظهور والاستقرار بشكل ملحوظ عند عتبة 7,000 خطوة، لكنَّ المشي لمسافات أطول لا يزال يقدم مزيداً من الفوائد لصحة القلب. صدر الصورة، Getty Images التعليق على الصورة، يأمل الباحثون أن تساهم نتائجهم في صياغة إرشادات الصحة العامة المستقبلية. وحالياً، تُركز معظم الإرشادات الرسمية حول التمارين الرياضية اليومية المُوصى بها على عدد الدقائق المُخصصة لممارسة النشاط بدلاً من عدد الخطوات المتبعة. فعلى سبيل المثال، تُوصي منظمة الصحة العالمية البالغين بممارسة ما لا يقل عن 150 دقيقة من النشاط الهوائي المعتدل، أو 75 دقيقة من النشاط الهوائي المكثف أسبوعياً. وتقول الدكتورة ميلودي دينغ، إن هذه النصائح قد يصعب على الناس قياسها، على الرغم من أن الإرشادات الحالية لا تزال تُؤدي غرضاً مهماً. وتُوضح قائلةً: "هناك أشخاص يسبحون أو يركبون الدراجات أو لديهم إعاقات جسدية لا تسمح لهم بالمشي". لكنها تقول إنه يُمكن إضافة توصية بشأن عدد الخطوات التي يجب على الناس اتخاذها كـ "إضافة" من شأنها "حث الناس على التفكير في توزيع أنشطتهم البدنية على مدار اليوم". صدر الصورة، Getty Images التعليق على الصورة، يقول الخبراء إن هدف الـ 10 آلاف خطوة يعتمد على أدلة قليلة ويقول الدكتور دانيال بيلي، خبير السلوكيات المستقرة والصحة من جامعة برونيل بلندن، إن الدراسة تدحض "الخرافة" القائلة بضرورة المشي 10 آلاف خطوة يومياً. ومع أن هذا الهدف مناسب لمن يمارسون نشاطاً بدنياً أكثر، إلا أن الدكتور بيلي يقول إن وضع هدف 5 إلى 7 آلاف خطوة يومياً قد يكون "هدفاً أكثر واقعية وقابلية للتحقيق" للآخرين.


نافذة على العالم
منذ يوم واحد
- نافذة على العالم
أخبار العالم : "لم يقتلني السرطان، ولكن قد أموت من الجوع"، نساء وأطفال يخاطرون بأرواحهم للحصول على فتات الطعام في غزة
الخميس 24 يوليو 2025 12:00 مساءً نافذة على العالم - صدر الصورة، Getty Images التعليق على الصورة، وفقاً لبرنامج الأغذية العالمي، يُحرم نحو ثلث المواطنين من الطعام لأيام متتالية في قطاع غزة Article Information تشهد غزة مستويات غير مسبوقة من الجوع، ما دفع أعداداً كبيرة من السكان إلى المخاطرة بحياتهم من أجل تأمين وجبة واحدة أو حتى ما يمكن وصفه بـ"شبه وجبة". فحتى النساء والأطفال، الذين أضعفتهم قسوة الجوع وأرهقتهم أوضاعهم الصحية، يقطعون مسافات طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة، وينتظرون لساعات طويلة في ظل قصف مستمر وإطلاق نار كثيف، على أمل العودة بكيس طحين أو بعض المكرونة لأحبائهم - إلا أن الكثيرين منهم قد لا يعودون إلى منازلهم، مخاطرين بحياتهم في سبيل لقمة عيش تكاد تكون بعيدة المنال. ومن هؤلاء سمية البالغة من العمر 34 عاماً، التي تحمل إلى جانب إصابتها بمرض السرطان، مهمة إطعام أطفالها الخمسة، لأن زوجها مصاب ولا يستطيع الحركة، فبعد أن كان أكبر همها استكمال علاجها خارج قطاع غزة، أصبحت لا تفكر سوى في تأمين الغذاء لأطفالها. فتقول سمية باكية: "من أجل أطفالي الجوعى ونظراتهم الصعبة وعيونهم التي تُبكي الحجر والضمائر الحية، أحاول أن أقدم لهم أي شيء قبل أن أموت حتى لا أرى هذه النظرات بعيونهم، أنا مريضة سرطان في مرحلته الرابعة، ولم يقتلني السرطان حتى الآن لكن قد أموت من الجوع في أي لحظة". وفقاً لبرنامج الأغذية العالمي في 21 يوليو/تموز الجاري، فإن نحو 90 ألف طفل وامرأة يعانون من سوء تغذية حاد، فيما يُحرم نحو ثلث المواطنين من الطعام لأيام متتالية في قطاع غزة. وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية في غزة في 22 يوليو/تموز الجاري، فقد بلغ العدد الإجمالي لوفيات المجاعة وسوء التغذية 101 حالة وفاة بينهم 80 طفلاً. رحلة سمية للحصول على المساعدات ليست كغيرها، فهي مصابة أيضاً في قدمها منذ بداية الحرب أثناء قصف منزل مجاور لها، وأثّرت الإصابة على حركتها بشكل كبير. ولكي تذهب سمية إلى أماكن المساعدات باتجاه معبر زيكيم شمال غربي غزة، تضطر أن تستقل عربة كارو، أو أن يحملها بعض الشباب على ظهورهم لعدة ساعات مشياً، حتى تصل إلى نقطة معينة تتجمع فيها الحشود لانتظار مرور شاحنات المساعدات القادمة مما تعرف بمؤسسة غزة الإنسانية، التابعة للولايات المتحدة وإسرائيل. وتصف سمية المشهد قائلةً: "في أغلب الوقت نكون منبطحين ونفترش الأرض فترة طويلة، لنحاول تفادي الرصاص الحي المتناثر فوق رؤوسنا، أماكن الحصول على المساعدات فعلاً مصيدة موت، لأن الاحتمال الأكبر أن أموت ولا أعود لأطفالي. أحياناً يتناثر علينا دم، فنتخيل أننا قُتلنا ثم نكتشف أن هذا دم لأشخاص بجوارنا". ووفقاً لوزارة الصحة الفلسطينية في غزة في 20 يوليو/تموز الجاري، فإن إجمالي ضحايا انتظار المساعدات بلغ 922 شخصاً وأكثر من 5861 إصابة. صدر الصورة، Getty Images التعليق على الصورة، وفقاً لوزارة الصحة الفلسطينية في غزة تخطى إجمالي ضحايا انتظار المساعدات ألف قتيل مصيدة موت لجمع الفتات فقط وبحسب سمية، تكون الشاحنات على مقربة من جنود الجيش الإسرائيلي الذين يطلقون النار، ولكن يضطر الجائعون إلى الاقتراب من الشاحنات رغم خطورة الوضع. ويؤكد الجيش الإسرائيلي أنه لم يطلق النار على مدنيين داخل أو قرب مراكز توزيع المساعدات، ويتهم حماس باستغلال معاناة المدنيين، لا سيما عبر نهب المساعدات الإنسانية أو عبر إطلاق النار على منتظري المساعدات، بينما تُحمل "مؤسسة غزة الإنسانية" حماس المسؤولية عن الوضع الإنساني في القطاع. تضيف سمية: "حشود كثيرة جداً تهجم على المساعدات، ويقومون بضرب بعضهم ليحصلوا عليها. أنا لا أحصل على مساعدات، أنا أحصل على الفتات لأطعم أطفالي، فأنا لا أستطيع الوقوف كرجل شديد أو امرأة معافاة، أحاول فقط تعبئة الفتات الذي يتساقط من الناس، أو أنتظر ربما تعطف عليَّ بعض النساء ويعطينني جزءاً بسيطاً - آخذ الفتات وأجمعه وأنظّفه من الرمال لكي نأكله أنا وأولادي". التعليق على الصورة، جرحت سمية بآلة حادة أثناء محاولتها الحصول على المساعدات ورغم كل ما تواجهه سمية، لم تتوقف عن الذهاب للحصول على المساعدات لأجل أطفالها، وتتذكر أصعب يوم مرَّ عليها، حيث جرحها أحد الأشخاص بآلة حادة ليستولي على الطحين من يدها، إذ تقول: "توسلتُ إليه أن يترك كيلو واحداً لأطفالي لكنه لم يستجب، ونُقلت إلى مستشفى الشفاء وتم إجراء الخياطة ليدي بدون مخدر، وما زالت غرز الخياطة في يدي حتى اليوم، تمنيت الموت يومها لأني لم أستطع أن أطعم أطفالي". تلامس جسدي مع الرجال أثناء التزاحم ليس فقط العنف الجسدي هو ما تواجهه نساء غزة لتأمين قوتهن وقوت أسرهن، حيث يتعرضن لمواقف محرجة أثناء التزاحم للحصول على المساعدات أو أثناء الانبطاح على الأرض لحماية أنفسهن من الرصاص، فالجوع أزال الحواجز بين النساء والرجال كما تحكي سمية. تشرح سمية بخجل شديد: "أثناء انتظار المساعدات نتعرض لمواقف صعبة لا نستطيع أن نصفها أمام أحد ولا أمام أزواجنا، ما يضيف علينا ضغطاً نفسياً، فنحن نُسِرّ في أنفسنا ولا نحكي، فمثلاً أثناء الانبطاح لنحتمي من الرصاص، يكون الرجال فوق النساء والنساء فوق الرجال، أو عندما يحملني شاب على ظهره لأني مريضة، أشعر بخجل شديد لكني مضطرة للحصول على لقمة العيش". وتضيف: "مهما صرخت المرأة ومهما بكت ومهما قالت ابعدوا عني، لا يسمعها أحد، فهذا تحرش غير متعمد، ولكنه تلامس تلقائي بسبب التزاحم والتسارع على لقمة العيش، كل شخص هناك لا يفكر في مشاعر الإنسان الآخر، الكل يريد الطعام". لا مساعدات للصغار رغم خطورة الأوضاع الأمنية والإنسانية، يتوجه العديد من الأطفال لمراكز المساعدات التابعة لمؤسسة "غزة الإنسانية" المدعومة أمريكيّاً لتأمين الغذاء لأُسرهم. يذهب الطفل سامي ماهر البالغ من العمر 13 عاماً، النازح في منطقة اليرموك بمدينة غزة دائماً مع أخيه الأكبر إلى مركز المساعدات في رفح جنوب القطاع ليساعد إخوته العشرة ووالدته، حيث يتواجد والده خارج القطاع مرافقاً لحفيده الذي يُعالج في إيطاليا جرّاء إصابته في الحرب. ولكي يوفر سامي المقابل المادي لعربة الكارو التي يستقلها إلى مركز المساعدات، يعمل في جمع الحطب وبيعه. يفترق سامي عند الوصول لنقطة توزيع المساعدات عن أخيه وسط الزحام، وينتظر مع الحشود ساعات في الشمس، وبعد فتح الطريق يجري حوالي 2 كيلو متر ليصل إلى المساعدات التي يسرع إليها الآلاف في غزة. يشرح سامي معاناته للحصول على المساعدات: "تزاحم مع ناس أكبر مني في العمر، يقفزون فوقي ويتم دهسي، وأحياناً يضربونني ليأخذوا منى الطعام الذي جمعته، لكن أصعب شيء هو مشاهدتي الجثث التي تتساقط على الأرض بسبب إطلاق النار". كميات قليلة جداً من الطحين أو الأرز أو العدس قد يعود بها سامي لأسرته، وأيام أخرى يعود بلا شيء، وهذا أقسى شعور يمر عليه، حيث يضيف: "سأظل أعرض حياتي للخطر لكي أحصل على لقمة العيش، فلا أستطيع أن أرى إخوتي يموتون من الجوع ولا أساعدهم". صدر الصورة، Getty Images التعليق على الصورة، أطفال يخاطرون بحياتهم للحصول على الطحين وعن أخطر المواقف التي تعرّض لها يقول سامي: "بعض الأشخاص وضعوا سكيناً على رقبتي لترك حقيبتي وأخذ المساعدات منّي، حدث ذلك معي 3 مرات، لم أستطع أن أدافع عن نفسي لأنهم أكثر من شخص، شعرت يومها برعب وخوف، وبصغر سني مقابل هؤلاء الأشخاص". وسجلت الأمم المتحدة حتى 21 يوليو/تموز الجاري مقتل 1054 شخصاً في غزة أثناء محاولتهم الحصول على الغذاء، منهم 766 قُتلوا بالقرب من مراكز توزيع مؤسسة غزة الإنسانية، و288 قُتلوا بالقرب من قوافل مساعدات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الأخرى. وكانت المؤسسة التي تدعمها الولايات المتحدة وإسرائيل قد بدأت عملها في القطاع في 27 مايو/أيار الماضي، وترفض عملها الأمم المتحدة ومنظمات دولية أخرى.