
الدولة اللبنانية وقبضة «حزب الله»
يقول البعض إنَّ هذا الأسلوب مقصود لاحتواء الحزب، خصوصاً مع الإشكالات التي رافقت صدور القرارات من خروج الوزراء الشيعة من الجلسة اعتراضاً عليها، وتزامن الجلسة الأولى مع خطاب أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم معلناً أن الحزب لن يسلم سلاحه، إضافة إلى استعراض الدراجات النارية، على طريقة «القمصان السود»، في تذكير للبنانيين والعالم بـ«7 أيار» جديد يُمكن استدعاؤه. والبعض الآخر المتحفظ عدّه هروباً إلى الأمام، وأن الدولة بأركانها ومؤسساتها لم تقتنع بعد أن الحزب انهزم، وأن البلاد دخلت مرحلة جديدة لا سيطرة له على مفاصل حياتها كافة. بدت السلطة اللبنانية وكأنها أسيرة «هيبة» مزعومة لـ«حزب الله»، عاجزة عن الاعتراف السياسي بالواقع الجديد، ما يضع لبنان أمام خطر تفويت فرصة تاريخية لإنهاء الأزمة البنيوية التي يمثلها استمرار وجود سلاح خارج الدولة. ويذهب هذا الاتجاه إلى إثارة جدل حول توصيف الناطق باسم الحكومة بأن انسحاب الوزراء الشيعية من الجلسة الثانية ليس اعتراضاً على مبدأ سحب السلاح، إنما على تفاصيل إجرائية، وهو ما أكده بعضهم، في وقت أكثريتهم محسوب على الثنائي الشيعي ورأس حربته «حزب الله» الذي أعلن رفضه المطلق لمبدأ تسليم السلاح. من نصدق بعض وزراء الثنائي أم الحزب؟
ليس المقصود التقليل من أهمية قرارات مجلس الوزراء، ولا ينبغي أن تفهم كأنها حدث عابر أو مناورة شكلية لامتصاص الضغط الدولي، بل يجب التعامل معها بوصفها لحظة تأسيسية لمسار سيادي طويل طال انتظاره يتطلب قبل كل شيء إرادة سياسية واضحة تقرّ بأن بقاء لبنان في دائرة الالتباس لم يعد ممكناً. فإما أن تنبثق من هذه اللحظة إرادة حقيقية تقود إلى ترسيخ منطق الدولة الواحدة والسلاح الواحد، وتعيد تموضع لبنان من النزاع العربي - الإسرائيلي، وإما أن تتحول إلى فرصة مهدورة جديدة، تضيع معها آخر إمكانيات الإنقاذ.
ومع أملنا بأن يكون التشاؤم مبالغاً، نؤكد مرة أخرى أن لبنان مطالب اليوم بالانتقال من مراعاة «حزب الله» إلى «قيادة مشروع لبناني بديل» لدور لبنان بالمنطقة، ورؤيته لمستقبل علاقاته مع دولها، خصوصاً العربية والصديقة. في مقالة سابقة، طُرحت خريطة طريق واقعية للخروج من مأزق السلاح تبدأ بإعلان لبنان الرسمي عن خروجه النهائي من النزاع المسلح مع إسرائيل والدخول في تفاهمات توقف العمليات القتالية، ما ينزع الذريعة الأساسية لبقاء سلاح الحزب. المسار الثاني يتمثل في فتح حوار مع النظام السوري الجديد لترتيب العلاقة الثنائية وفق قواعد السيادة والمصالح الوطنية، لا الإرث الاستتباعي الذي كرّس شرعية السلاح خارج الدولة.
الغاية من الخروج من الصراع العسكري إلى المواجهة السياسية هي حاجة ماسة إذا أراد لبنان الانخراط مجدداً بعلاقات دولية سليمة، وتحديث ديمقراطيته التي باتت باهتة، مستهلكة وعقيمة، لكنها رغم ذلك، تبقى منارة مضيئة مقابل ما نشهده من جنوح يميني متعصب عنيف يميل إلى الاستبداد في إسرائيل وآيديولوجيات إسلاموية متشددة تواجه الآيديولوجيات الوطنية.
على السلطة اللبنانية استكمال المسار الذي بدأته، وتكريس سيادة الدولة بقرار واضح لا لبس فيه، يعترف بأن مرحلة المقاومة العسكرية والسلاح الموازي انتهت، لا لأن إسرائيل طلبت ذلك، بل لأن بقاءه يعني سقوطها نهائياً وقفل باب الدعم الدولي لإعادة الإعمار والإنقاذ الاقتصادي.
لقد قالت الدولة كلمتها، فهل تملك الجرأة على استكمالها بالفعل؟ تحضرنا في هذا المقام نكتة: يُروى أن رجلاً كان مصاباً بمرض نفسي يعتقد جراءه أنه حبة قمح، ويعيش في خوف دائم من أن تلتهمه دجاجة. وبعد جلسات علاج طويلة، اقتنع أخيراً بأنه ليس حبة قمح. لكن في الجلسة الأخيرة، قال للطبيب بقلق: «أنا اقتنعت أنني لست حبة قمح... المشكلة أن تقتنع الدجاجة بذلك!».
التحدي الحقيقي اليوم، وهو الذي سيحكم إن كنا فعلاً دخلنا حقبة ما بعد «حزب الله»، أو ما زلنا نراوح في ظلّه، بانتظار معجزة لا تأتي. إن لم تتحرر الدولة اليوم من قبضة «حزب الله»، فلن تتحرر أبداً، وإن لم تقرّ السلطة السياسية بهزيمته، فلن تقدر على بناء مستقبل.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ 31 دقائق
- الشرق الأوسط
الأمم المتحدة: انتهاكات ترقى إلى جرائم حرب خلال أعمال عنف الساحل السوري
خلصت لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة بشأن سوريا في تقرير نشرته، اليوم (الخميس)، إلى أن أعمال العنف التي وقعت في منطقة الساحل خلال شهر مارس (آذار) كانت «منهجية وواسعة النطاق»، وتضمّنت انتهاكات «قد ترقى إلى جرائم حرب». وأسفرت أعمال عنف استهدفت الأقلية العلوية لمدة ثلاثة أيام عن مقتل أكثر من 1700 شخص. وتمكنت لجنة تحقيق وطنية كلَّفتها السلطات من توثيق مقتل 1426 علوياً بينهم 90 امرأة. وقالت قبل نحو شهر إنها تحققت من «انتهاكات جسيمة»، وحدّدت 298 من المشتبه بتورطهم فيها.


مجلة سيدتي
منذ ساعة واحدة
- مجلة سيدتي
وزير التعليم السعودي يدرج منهج الذكاء الاصطناعي لجميع المراحل بداية من العام المقبل
انطلق يوم أمس الأربعاء 13 أغسطس 2025 المؤتمر الصحفي الحكومي الـ24 ، والذي شهد مشاركة وزير الإعلام سلمان بن يوسف الدوسري، وكذلك وزير التعليم يوسف بن عبدالله البنيان ، والذي بدوره سلط الضوء على أبرز مستجدات العام الدراسي 1447هـ، ورحلة التحوُّل والتطوير في منظومة التعليم. وناقش "البنيان" في المؤتمر آليات تحسين الخدمة المقدمة للمستفيدين ومنسوبي التعليم، فضلًا عن تهيئة بيئة تعليمية مرنة ومعززة للقيم مع بداية العام الدراسي الجديد، ولعل قطاع التعليم بالمملكة العربية السعودية شهد تحولات نوعية واستراتيجية من تداول المعلومة إلى صناعة المعرفة، ومن التلقي إلى الإدراك العميق والتفكير الناقد، ومن الكتاب إلى استثمار الأفكار. دعم التعليم بالمملكة العربية السعودية حرص يوسف البنيان، وزير التعليم السعودي ، على تقديم الشكر والامتنان لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد، نظير ما يحظى به قطاع التعليم في السعودية من دعم وعناية مستمرة. وأعلن خلال المؤتمر أن المنظومة التعليمية تسعى لتمكين جيل واعٍ، ومنافس عالميًا، والدليل على ذلك تحقيق أكثر من 19 هدفًا إستراتيجيًا ضمن هذه الرؤية، شملت تطوير المناهج، وتدريب المعلم، ودمج الذكاء الاصطناعي ، وتوسيع التدريب التقني، وتجهيز المدارس، وإنشاء مدارس نموذجية حديثة بالشراكة مع القطاع الخاص. وحسب ما ذكر في وكالة الأنباء السعودية "واس"، فقد صرح وزير التعليم: "إن وزارة التعليم تسير نحو تمكين المدرسة ورفع كفاءتها التشغيلية، وتعزيز الحوكمة من خلال تقليص المستويات الإدارية، إيمانًا منها بأن المدرسة تأتي أولًا، وهي نواة العملية التعليمية، وركيزة أساسية في بناء الإنسان والمجتمع، حيث تمت إعادة هيكلة الإدارات التعليمية بتقليص عددها إلى 16 إدارة تعليمية، وإسناد جميع أعمال التشغيل والصيانة وإدارة جودة البيئة المدرسية وتجهيزها بنسبة 100% لشركة تطوير التعليم القابضة، بما يضمن تمكين الهيئة التعليمية للتركيز على دورها الرئيس". أبرز ما جاء في حديث معالي وزير التعليم يوسف بن عبدالله البنيان في #المؤتمر_الصحفي_الحكومي. — وزارة التعليم (@moe_gov_sa) August 14, 2025 تدريس مناهج الذكاء الاصطناعي بالسعودية في خطوة تدعم تبني آليات تعلم أدوات التقنية الحديثة، أدرجت وزارة التعليم بالتعاون مع المركز الوطني للمناهج، منهجًا للذكاء الاصطناعي في جميع مراحل التعليم العام بدايةً من العام الدراسي القادم 2025–2026م، وذلك بالتعاون مع وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، والهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي "سدايا". وتعليقًا على هذه الخطوة، أوضح "البنيان": "إن المناهج اليوم تشكّل مجموعة متكاملة تُعزز المعرفة، وتُنمّي المهارة، وتُرسّخ القيم، فالمنهج هو نقطة انطلاق لرحلة مكتملة بما تتضمنه من أنشطة وتجارب تُصنع داخل المدرسة وخارجها". وشهد المؤتمر أيضا الإعلان عن إدراج منهج الأمن السيبراني ضمن المجال الاختياري لطلبة المرحلة الثانوية بالشراكة مع الهيئة الوطنية للأمن السيبراني، واستكمل وزير التعليم السعودي حديثه حول الذكاء الاصطناعي وكيفية استغلاله، مشيرًا إلى أن الوزارة أسست وحدة للذكاء الاصطناعي لتطوير حلول تعليمية ذكية. تابعي أيضا


الشرق الأوسط
منذ ساعة واحدة
- الشرق الأوسط
سموتريتش يوافق على خطة لمستوطنة إسرائيلية تفصل القدس الشرقية عن الضفة الغربية
وافق وزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش خلال الليل على خطط لبناء مستوطنة من شأنها فصل القدس الشرقية عن الضفة الغربية المحتلة، في خطوة وصفها مكتبه بأنها ستقضي على فكرة إقامة دولة فلسطينية. ولم يتضح بعد ما إذا كان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قد أيّد خطة إحياء مخطط «إي1» المجمد منذ فترة طويلة، الذي قال الفلسطينيون وقوى عالمية إنه سيقسم الضفة الغربية إلى قسمين، ومن المرجح أن يثير غضباً دولياً.