هل تعود كاليفورنيا بأميركا للوراء؟
قد تبدو احتجاجات المدينة الأميركية لوس أنجليس، حدثاً عابراً، أو هامشياً، لكن الحقيقة هي غير ذلك، وذلك لاعتبارات عديدة منها، ان الولايات المتحدة الأميركية لم تشهد تظاهرات واحتجاجات على سياسة الدولة منذ حرب فيتنام تقريباً، أي منذ اكثر من خمسين سنة، لكن الاحتجاجات والتظاهرات متواصلة الى حدود ما منذ اكثر من عام، احتجاجاً ورفضاً أولاً لسياسة البيت الأبيض إزاء حرب الإبادة الإسرائيلية التي ما زالت متواصلة على قطاع غزة الفلسطيني، وثانياً رفضاً لسياسات دونالد ترامب الرئيس الحالي الداخلية، والخاصة على وجه التحديد ضد الهجرة، وشروع الشرطة الفدرالية فعلاً بملاحقة من تسميهم بالمهاجرين غير الشرعيين، ومن ثم ترحيلهم الى بلادهم الأصلية، او تلك التي جاؤوا منها.
ولوس أنجليس، هي مدينة تقع في ولاية كاليفورنيا، والتي تعتبر ثالث ولاية أميركية من حيث المساحة، وللمقارنة فإن كاليفورنيا بعدد سكان يقترب من الأربعين مليوناً، وبمساحة تتجاوز الاربعمائة ألف كم2، يمكن النظر اليها كما لو كانت دولة مستقلة، ولهذا السبب بالذات، فإن احتجاجات لوس أنجليس مؤشر يدل على خطر حقيقي يحيط بمستقبل الولايات المتحدة الأميركية، فالولاية تفصح دائماً وتكراراً عن نزعتها نحو الخروج من الاتحاد الفدرالي، الأمر الذي لو حدث في يوم من الأيام، فإنه لن يؤدي بالولايات المتحدة لأن تفقد زعامة النظام العالمي وحسب، بل قد يؤدي الى انفراط عقد الاتحاد نفسه، وتحول الدولة الى دول عديدة، او الى اكثر من دولة اتحادية، تماماً كما حدث مع الاتحاد السوفياتي السابق قبل اكثر من ثلاثة عقود مضت.
وأهمية كاليفورنيا بالنسبة للولايات المتحدة، تتعدى مساحتها وعدد سكانها، فالولاية اقتصادياً تعتبر أكبر اقتصاد في الولايات المتحدة، بل وواحداً من أكبر الاقتصادات في العالم، ويكفي القول هنا الى ان اقتصاد كاليفورنيا قد تجاوز اقتصاد اليابان العام الماضي 2024، حيث بلغ 4,1 تريليون دولار، وهو يمثل نحو 14% من اقتصاد الولايات المتحدة، ويقول الخبراء، بأن كاليفورنيا لو كانت دولة مستقلة لكانت رابع اكبر اقتصاد في العالم، بعد أميركا نفسها والصين والمانيا، وهذا يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك بأن ما يحدث في كاليفورنيا لا يمكن النظر اليه على انه حدث عابر أو هامشي، خاصة مع ما تشهده الولايات المتحدة منذ دخول ترامب للبيت الأبيض، قبل أقل من نصف عام، من حروب تجارية مع معظم دول العالم، أو على الأقل مع ثاني اكبر اقتصاد عالمي، نقصد الصين، كذلك ما تواجهه سياسة ترامب الاقتصادية بالذات داخلياً، بسبب انعكاسات او تأثيرات حربه التي اعتمد فيها على التعرفة الجمركية، والتي كانت سبباً في اندلاع الحرب الشخصية بينه وبين اهم حليف انتخابي له، اغنى رجل في العالم ايلون ماسك.
وما يزيد من خطورة الأمر السبب وراء هذه الاحتجاجات، وهو سياسة ترامب الخاصة بالهجرة، ولا نقصد بذلك عدم وجود اجماع او توافق داخلي على هذه السياسة التي ظلت محل خلاف حاد بين الحزبين متداولي الحكم في الدولة، بما يظهر ترامب وحزبه الجمهوري على غير حقيقة الولايات المتحدة، التي تتباهى بكونها دولة «كوزموبوليتانية، اي متعددة الثقافات والأعراق والأديان، وهي بذلك صورة مصغرة عن عالم اليوم الحديث، بل ان ترامب وحزبه منذ جاءا للحكم وهما يرفعان راية تفوق العرق الأبيض، وهي راية عنصرية على اي حال، وتظهر تلك السياسة كأوضح ما تكون تجاه المهاجرين، الذين أغرتهم وتغريهم صورة أميركا كبلد متعدد وكرمز للحرية المفقودة في معظم دول العالم.
والحقيقة التي تكشف المدى الذي يمكن ان تصل اليه الاحتجاجات في كاليفورنيا، هي ان الحديث عن المهاجرين بالتحديد، يعني المس بالمهاجرين المكسيكيين، أكثر من غيرهم، وفقط لتبيان ضخامة وخطورة هذا الأمر، يكفي القول إن الحديث عن المهاجرين المكسيكيين يعني الحديث عن نحو 11 مليون مهاجر مكسيكي للولايات المتحدة، ولتفسير هذا الأمر، لا بد من التذكير أولاً بكون المكسيك مع كندا تمثلان جارتي الولايات المتحدة الوحيدتين جغرافيا، فالولايات المتحدة محاطة من الشرق بالمحيط الأطلسي، ومن الغرب بالمحيط الهادي، وليس لها من حدود جغرافية برية سوى مع كندا من جهة الشمال، ومع المكسيك من جهة الجنوب، وبالنظر الى ان كندا اكبر جغرافياً من الولايات المتحدة، بنحو عشرة ملايين كم2، اي عشرة اضعاف مصر مثلاً، ولكن بعدد سكان قليل يبلغ 40 مليوناً فقط، في حين مصر يتجاوز عدد سكانها المئة مليون، أما كاليفورنيا فبمساحة اقل من 5% من كندا تساويها في عدد السكان!
فيما تبلغ مساحة المكسيك أقل من 2 مليون كم 2، أما عدد سكانها فيبلغ نحو 130 مليوناً، وكندا مختلفة عن المكسيك من حيث تعتبر اقرب في نظامها السياسي سياستها الخارجية للولايات المتحدة من المكسيك، حيث تعتبر كندا عضواً في نادي السبع الكبار عالمياً، فيما المكسيك تعد واحدة من دول العالم الثالث، وفق التصنيف العالمي إبان الحرب الباردة، ومع ذلك كله يبقى هناك العامل الأهم او الدافع الأخطر من كل ما ذكرناه سابقاً، وهو تاريخ كاليفورنيا، الولاية التي تقع فيها الاحتجاجات الأهم والأخطر على سياسة الهجرة التي يتبعها الرئيس الأميركي دونالد ترامب حالياً.
ونشير بذلك الى كون كاليفورنيا، ليست ولاية حدودية مع المكسيك وحسب، وهي تشترك في هذه الصفة مع ثلاث ولايات أخرى هي اريزونا، نيو مكسيكو وتكساس، أي انه من الطبيعي ان يفكر المكسيكيون حين يقدمون على الهجرة للولايات المتحدة، أن يدخلوا اليها عبر الحدود مع هذه الولايات بالتحديد، وللدلالة على ذلك نشير الى انه في العام 2022 بلغ عدد المهاجرين المكسيكيين في كاليفورنيا ما يقارب 4 ملايين شخص، أي نحو 10% من عدد سكان كاليفورنيا نفسها، نصفهم تقريباً بلا وثائق، أي غير شرعيين في نظر الحكومة الفدرالية حالياً، وهم بالتالي معرضون للاعتقال والترحيل او الطرد، وهؤلاء إضافة لأقاربهم يعتبرون وقود الاحتجاج الذي من الطبيعي ان يجد في كاليفورنيا، حيث يوجدون، مكانَه الطبيعي.
ما يزيد الأمر وضوحاً هو ان التداخل بين الولايات الجنوبية الأميركية، وبالأخص كاليفورنيا، وبين المكسيك تاريخي، ومن الطبيعي ان مواطني الدولتين وعلى جانبي الحدود تربطهم علاقات قرابة، كذلك تربطهم اصول وثقافة مشتركة او حتى واحدة، لذلك فإن سياسة ترامب بوضع الحاجز القطعي بين الجانبين تُعتبر فعلاً إجبارياً، يواجه برد فعل، نراه ميدانياً هذه الأيام، فيما كل المقدمات التي اشرنا لها والتاريخية ترشح تلك الاحتجاجات لمزيد من الاشتعال، وذلك داخل كاليفورنيا اولاً، وربما خارجها في الولايات الجنوبية الأخرى تالياً.
وكاليفورنيا نفسها بتلك المكانة الاقتصادية الحاسمة في اقتصاد الولايات المتحدة، خاصة وهي تخوض اخطر حرب اقتصادية عرفتها على المستوى العالمي، ما هي الا ولاية مكسيكية بالأصل، والمكسيك نفسها كدولة تسمى الولايات المتحدة المكسيكية، وكاليفورنيا كانت حتى العام 1821، أي قبل نحو مائتي عام خاضعة للاستعمار الإسباني، وكانت تعرف بالتا كاليفورنيا، وشكلت منذ ذلك العام مع المكسيك الامبراطورية المكسيكية الأولى، وبنتيجة الحرب التي اندلعت بين المكسيك والولايات المتحدة ما بين عامي 1846_1848 أصبحت الولاية الحادية والثلاثين المنضمة للاتحاد الفدرالي وذلك عام 1850.
وكانت تلك الحرب قد اندلعت اصلا بين الدولتين بسبب النزاع الحدودي، خاصة حين قامت الولايات المتحدة بضم تكساس عام 1845 اليها، ما أثار غضب المكسيك، ولأن الحرب انتهت بهزيمة المكسيك ودخول الجيش الأميركي نيو مكسيكو، لم تكتف الولايات المتحدة بضم تكساس، بل استولت على ولايتي نيو مكسيكو وكاليفورنيا المكسيكيتين، لذلك فإن استمرار الاحتجاج في كاليفورنيا، قد ينكأ جراح الماضي بعد مضي مائتي عام، وهذا قد يعني اندلاع حروب الانفصال لكل الولايات الجنوبية، من تكساس وصولاً الى كاليفورنيا، ومروراً بالطبع بولاية نيو مكسيكو، بما يهدد دولة الولايات المتحدة الأميركية الفدرالية ليس بفقدان حتمي ومؤكد لمكانتها الدولية كقائد للنظام العالمي، خاصة وهي تخوض حرباً طاحنة مع الصين وروسيا ودول اخرى، على هذه المكانة، ليس ذلك وحسب، بل يهدد الدولة الفدرالية نفسها بالتفكك، وذلك لأن سياسة ترامب والحزب الجمهوري الشعوبية تناقض طبيعة الدولة الفدرالية القائمة على التعدد العرقي والثقافي والحرية بشكل عام.
السؤال أخيراً هنا، يشير لتساؤل مماثل تجاه مستقبل إسرائيل مع نتنياهو وائتلاف حكمه العنصري، وهو هل يبقى ترامب وحزبه اربع سنوات البيت الأبيض، مع ما ينطوي عليه ذلك من خطر حقيقي وداهم على مستقبل الدولة الفدرالية، تماماً كما يشكل وجود ائتلاف الحكم الفاشي في إسرائيل تهديداً وجودياً على دولة اسرائيل؟ أم ينجح تراث «الكوزموبوليتي» الأميركي في وضع حد في اللحظة المناسبة لترامب وحزبه الجمهوري، وينقذ مستقبل أميركا العالمي والداخلي؟!

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


فلسطين أون لاين
منذ 4 ساعات
- فلسطين أون لاين
تقرير في غزة.. النار تُستعار والقدّاحات نادرة والغاز مفقود
غزة/ صفاء عاشور: لم يعد تأمين قدّاحة لإشعال النار أمرًا بديهيًا في قطاع غزة بعد عشرين شهرًا من حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي، بل بات امتلاك ولاعة قديمة متهالكة حلما يراود كثيرين في ظل غياب غاز الطهي، وندرة أدوات الحياة اليومية، وغلاء أسعارها بشكل جنوني. ففي الوقت الذي تغيب فيه الكهرباء، ويتعذر فيه استخدام المواقد التي كانت تعتمد على الغاز، يجد الفلسطينيون أنفسهم في سباق يائس لتأمين وسيلة بدائية للطهي أو التدفئة، القليل من الناس تمكنوا من إصلاح قداحاتهم القديمة مقابل 15-20 شيقلًا، بينما وصل سعر الولاعة الجديدة إلى ما يقارب 70 شيقل، أي ما يعادل 20 دولارًا، في اقتصاد مدمر وشعب فقد كل شيء. يذك أن سعر القداحة كان قبل حرب الإبادة نصف شيقل فقط ولكن بسبب اغلاق المعابر ورفض الاحتلال الإسرائيلي إدخال أي من مشتقات الوقود وكل ما يتعلق به تسبب في ارتفاع أسعارها بشكل جنوني. في خيمة صغيرة نُصبت فوق أنقاض منزلها المدمر في حي الزيتون، تجلس أم نائل البنا (45 عامًا) إلى جانب أبنائها الثلاثة، تحاول بشق الأنفس إشعال النار لطهي القليل من العدس، قدّاحتها القديمة تعطلت منذ أسابيع، فصارت تلجأ لطريقة بدائية: تطرق حجرًا بمسمار حديدي لتوليد شرارة تشعل ورق الكرتون. تقول أم نائل في حديث لـ"فلسطين":"كل شيء أصبح صعبًا، حتى إشعال النار، لم أعد أستطيع شراء ولاعة جديدة، ولا حتى إصلاح القديمة، فأنا بلا دخل منذ استشهد زوجي، ومواردنا معدومة، لا غاز، لا كهرباء، لا ماء، ولا حتى وسيلة لإشعال الحطب." وتضيف بغصة:" من يعيش في غزة اليوم يعرف أن الاحتلال لم يقتلنا فقط بالقصف، بل يقتلنا كل يوم بالحصار ومنعنا من أبسط حقوقنا كبشر، ووصل الأمر إلى إشعال النار التي أصبحت استغني عنها كثيراً مؤخراً." وتلف إلى أنها بسبب عدم قدرتها على إشعال النار وعدم توفر الطعام من الأساس اضطرت للاعتماد على طعام التكية في مخيم النازحين الذي تعيش فيه مع أطفالها الأيتام، مستدركةً:" ولكن حتى هذا الطعام لا يسد جوع أبنائي الذي أصبحوا هزيلين وضعفاء بسبب قلة الطعام". أزمة فقدان القداحات ليست مجرد أزمة أدوات، بل مؤشر على انهيار شامل يعيشه السكان تحت عدوان إسرائيلي مستمر، يمنع إدخال أبسط مستلزمات الحياة، من الغاز والماء الصالح للشرب، إلى الطعام والدواء، وحتى قدّاحات النار. ويؤكد ناشطون حقوقيون أن الاحتلال يتعمد استخدام الحصار كسلاح لإذلال المدنيين وتجويعهم، ضمن سياسة ممنهجة لتدمير كل مقومات الحياة في القطاع، في ظل غياب تدخل دولي حقيقي يوقف هذه الجريمة الممتدة منذ ما يزيد عن عام ونصف. الحاج عزات سليمان 60 عاماً من حي تل الهوا، تحدث عن معاناته في توفير قداحة لإشعال النار بعد أن تلفت التي كان يمتلكها في المنزل، لافتاً إلى أن زوجته كانت تضطر إلى استعارة الجمر أو الأخشاب المشتعلة من الجيران لتشعل النار لطبخ الطعام. ويقول في حديث لـ"فلسطين":" القداحة التي كنا نشتري الثلاثة منها بشيقل واحد _أقل من ثلث دولار_ أصبحت مفقودة وإن وجدت فسعرها مرتفع بشكل جنوني"، مشيرًا إلى أن أحد أقاربه تمكن من شراء قداحة مستعملة له بسعر 35 شيقل. ويضيف:" لم أفاصل على السعر فأنا بحاجة إلى القداحة كحاجتي لكثير من الأمور الأساسية والتي تسبب العدوان وحرب الإبادة إلى ارتفاع أسعارها بشكل غير مسبوق". منع الاحتلال الإسرائيلي إدخال متطلبات الحياة اليومية لسكان قطاع غزة كلها مؤشرات تؤكد أن الاحتلال يستخدم الحصار كوسيلة ممنهجة لتدمير الحياة بشكل تدريجي، عبر حرمان السكان من القدّاحة، الغاز، الماء، الطعام. هذا ليس مجرد عدوان عسكري، بل حملة ممنهجة تهدف إلى "تجويع وتجفيف للحياة"، كما يصفها ناشطون دوليون. ورغم أن أزمة فقدان القداحة اللازمة لإشعال النار قد تبدو بسيطة ولكنها امتداد لأزمات عديدة تسبب بها الاحتلال الإسرائيلي على مدار شهور حرب الإبادة، منذ 90 يومًا منع الاحتلال ادخال غاز الطهي مما دفع سكان القطاع للاعتماد بشكل كامل على الحطب. كما أغلقت مئات الكتايا بسبب فقد التمويل وانقطاع المساعدات، مما حرم آلاف العائلات من وجباتها اليومية، وقليلة هي المخيمات التي لا تزال قادرة على توفير مساعدات غذائية للنازحين فيها، بينما بقية المناطق محرومة بالكامل. وحسب أخر تصريحات اليونسيف، فإن 80% من العائلات أفادت بأن أحد أطفالهم مرّ بدون طعام خلال الأيام الثلاثة الماضية، في حين يعاني 335,000 طفل تحت الخامسة من "مستويات حادة" من انعدام الأمن الغذائي، وأكثر من 10,000 طفل معرضون لفقر غذائي شبه مميت. المصدر / فلسطين أون لاين


معا الاخبارية
منذ 7 ساعات
- معا الاخبارية
الضربة الإسرائيلية على إيران استغرقت 8 أشهر من الإعداد وفتحت حربا جديدة
تل أبيب- معا- كشفت تقارير إخبارية أن العملية الإسرائيلية الواسعة والمباغتة التي استهدفت المنشآت النووية ومواقع الصواريخ والعلماء والجنرالات في إيران ليلة أمس، جاءت بعد ثمانية أشهر من التحضيرات السرية المكثفة. وتشير التقديرات إلى أن هذه العملية قد أطلقت حربًا جديدة في الشرق الأوسط قد تجر الولايات المتحدة إليها، وأطاحت بأي آمال في التوصل إلى اتفاق نووي، ووجهت أكبر ضربة فردية للنظام الإيراني منذ ثورة عام 1979، مع التأكيد على أنها مجرد بداية. وقد أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن إسرائيل تحاول "القضاء" على القدرات النووية والصاروخية الباليستية لإيران في عملية يتوقع أن تستمر لعدة أيام على الأقل، بينما قال مسؤولون إسرائيليون آخرون إنها قد تستغرق أسابيع. في الساعات الأولى من العملية، حاولت إسرائيل اغتيال علماء نوويين تزعم أن لديهم المعرفة اللازمة لصنع قنبلة نووية، حيث تم استهداف حوالي 25 عالمًا وتأكد مقتل اثنين على الأقل حتى الآن. كما استهدفت إسرائيل القيادة العليا للجيش الإيراني بالكامل، وقد تأكد مقتل قائد الحرس الثوري ورئيس الأركان، إلى جانب جنرال كبير آخر. ولم تقتصر العملية الإسرائيلية على الضربات الجوية فحسب، بل قال مسؤولون إن جهاز الموساد الإسرائيلي لديه عملاء على الأرض يقومون بعمليات تخريب سرية في مواقع الصواريخ والدفاع الجوي. ومن المتوقع أن تواصل إسرائيل قصف منشآت إيران النووية تحت الأرض في الأيام القادمة، إلى جانب أهداف أخرى. تكمن فكرة العملية التي تستهدف في نفس الوقت البرامج الصاروخية والنووية الإيرانية- والتي وصفها نتنياهو بأنها تهديدات وجودية لإسرائيل- بعد أن هاجمت إيران إسرائيل في أكتوبر، خلال دورة تصعيد متبادل بين البلدين. وبدافع من الترسانة الصاروخية الإيرانية سريعة النمو وضعف دفاعاتها الجوية بعد رد إسرائيل، أمر نتنياهو الجيش وأجهزة المخابرات بالبدء في التخطيط. وقال الجيش الإسرائيلي إن عاملاً آخر هو معلومات استخباراتية حول أبحاث وتطوير تسليح نووي أشارت إلى أن إيران يمكن أن تبني قنبلة بسرعة أكبر إذا اختارت ذلك. وقد أضاف الافتتاح المخطط له في الأسابيع القادمة لمنشأة تخصيب جديدة تحت الأرض ستكون محصنة حتى ضد أقوى قنابل اختراق المخابئ الأمريكية، إلى الإلحاح. حتى بينما كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يسعى للتوصل إلى اتفاق نووي، كانت إسرائيل تستعد لهذه الضربة، حيث جمعت المعلومات الاستخباراتية، وحددت مواقع الأصول، وأجرت التدريبات في نهاية المطاف. وقد أثارت هذه الاستعدادات قلق البعض في البيت الأبيض، الذين كانوا يخشون أن يتحرك نتنياهو حتى بدون ضوء أخضر من ترامب. وقد أكد نتنياهو لترامب أنه لن يفعل ذلك، بينما أبلغ البيت الأبيض نتنياهو أنه إذا هاجمت إسرائيل إيران، فإنها ستفعل ذلك بمفردها. وكان ترامب قد صرح عدة مرات قبل الهجوم، بما في ذلك قبل عدة ساعات من الضربات، أنه يعارض ضربة إسرائيلية يمكن أن "تنسف" المفاوضات. ولكن في الساعات التي تلت بدء الهجوم، أبلغ مسؤولون إسرائيليون المراسلين أن كل هذا تم بالتنسيق مع واشنطن. وزعم مسؤولان إسرائيليان أن ترامب ومساعديه كانوا يتظاهرون فقط بمعارضة الهجوم الإسرائيلي علنًا، ولم يعربوا عن معارضتهم سرًا، مؤكدين أن إسرائيل "كان لديها ضوء أخضر أمريكي واضح". وكان الهدف، حسب زعمهم، هو إقناع إيران بأن هجومًا وشيكًا غير وارد، والتأكد من أن الإيرانيين المدرجين في قائمة الأهداف الإسرائيلية لن ينتقلوا إلى مواقع جديدة. حتى أن مساعدي نتنياهو أبلغوا المراسلين الإسرائيليين أن ترامب حاول كبح جماح الضربة الإسرائيلية في مكالمة سابقة، بينما في الواقع تعاملت المكالمة مع التنسيق قبل الهجوم. ولم يؤكد الجانب الأمريكي أيًا من ذلك. ففي الساعات التي سبقت الهجوم وبعده، نأت إدارة ترامب بنفسها عن العملية الإسرائيلية في البيانات العامة والرسائل الخاصة للحلفاء. وصرح وزير الخارجية ماركو روبيو على الفور بأن هجوم إسرائيل كان "أحادي الجانب" بدون أي تورط أمريكي. وبعد ساعات، أكد ترامب أنه كان يعلم أن الهجوم قادم لكنه شدد على أن الولايات المتحدة ليس لها أي تورط عسكري. ويظل مدى الدعم الاستخباراتي واللوجستي والدفاعي الأمريكي لعملية إسرائيل غير واضح. وتستعد إسرائيل الآن لإطلاق إيران مئات الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار باتجاه إسرائيل، وربما أيضًا القواعد الأمريكية في المنطقة، حيث هدد مسؤولون إيرانيون يوم الجمعة بأن ردهم سيستهدف الولايات المتحدة أيضًا.


معا الاخبارية
منذ 8 ساعات
- معا الاخبارية
ترامب: كميات كبيرة من الأسلحة الأمريكية الأكثر فتكا في العالم في طريقها إلى إسرائيل
واشنطن- معا- حذر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، اليوم الجمعة، إيران من أن "الهجمات القادمة المخطط لها ستكون أكثر وحشية"، معلنا أن كميات كبيرة من الأسلحة الأمريكية الأكثر فتكا في العالم في طريقها إلى إسرائيل. وكتب ترامب في منشور على منصة "تروث سوشيال": "منحت إيران فرصة تلو الأخرى لعقد اتفاق، وخاطبتها بأشد العبارات، قائلا "فقط افعلوها"، معتبرا أنه "رغم كل محاولاتها (إيران) واقترابها من تحقيق ذلك، فإنها لم تتمكن من إبرام الاتفاق". وأوضح ترامب أنه حذر إيران من أن ما ينتظرها سيكون أسوأ بكثير مما تعرفه أو تتوقعه أو سمح لها بمعرفته، مؤكدا أن "الولايات المتحدة تصنع أفضل وأكثر الأسلحة فتكا في العالم، وبفارق كبير، وأن لدى إسرائيل كميات كبيرة منها، والمزيد في الطريق، والإسرائيليين يعرفون جيدا كيف يستخدمون تلك الأسلحة". وأشار إلى أن بعض المتشددين الإيرانيين تحدثوا بشجاعة، لكنهم لم يدركوا ما كان على وشك الحدوث، مؤكدا أن "جميعهم باتوا أمواتا الآن، وأن الوضع سيزداد سوءا". ولفت إلى أن هناك بالفعل قدرا كبيرا من الموت والدمار، لكنه أشار إلى أن الفرصة لا تزال متاحة لوقف هذا "الذبح"، محرًا من أن الهجمات القادمة المخطط لها ستكون أكثر وحشية. ودعا ترامب إيران إلى المسارعة في إبرام اتفاق "قبل أن لا يبقى شيء"، وإنقاذ ما تبقى مما كان يعرف يوما بـ"الإمبراطورية الفارسية". وختم بالقول: "لا مزيد من الموت، لا مزيد من الدمار، فقط افعلوها، قبل فوات الأوان. بارك الله فيكم جميعا".