
تقرير في غزة.. النار تُستعار والقدّاحات نادرة والغاز مفقود
غزة/ صفاء عاشور:
لم يعد تأمين قدّاحة لإشعال النار أمرًا بديهيًا في قطاع غزة بعد عشرين شهرًا من حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي، بل بات امتلاك ولاعة قديمة متهالكة حلما يراود كثيرين في ظل غياب غاز الطهي، وندرة أدوات الحياة اليومية، وغلاء أسعارها بشكل جنوني.
ففي الوقت الذي تغيب فيه الكهرباء، ويتعذر فيه استخدام المواقد التي كانت تعتمد على الغاز، يجد الفلسطينيون أنفسهم في سباق يائس لتأمين وسيلة بدائية للطهي أو التدفئة، القليل من الناس تمكنوا من إصلاح قداحاتهم القديمة مقابل 15-20 شيقلًا، بينما وصل سعر الولاعة الجديدة إلى ما يقارب 70 شيقل، أي ما يعادل 20 دولارًا، في اقتصاد مدمر وشعب فقد كل شيء.
يذك أن سعر القداحة كان قبل حرب الإبادة نصف شيقل فقط ولكن بسبب اغلاق المعابر ورفض الاحتلال الإسرائيلي إدخال أي من مشتقات الوقود وكل ما يتعلق به تسبب في ارتفاع أسعارها بشكل جنوني.
في خيمة صغيرة نُصبت فوق أنقاض منزلها المدمر في حي الزيتون، تجلس أم نائل البنا (45 عامًا) إلى جانب أبنائها الثلاثة، تحاول بشق الأنفس إشعال النار لطهي القليل من العدس، قدّاحتها القديمة تعطلت منذ أسابيع، فصارت تلجأ لطريقة بدائية: تطرق حجرًا بمسمار حديدي لتوليد شرارة تشعل ورق الكرتون.
تقول أم نائل في حديث لـ"فلسطين":"كل شيء أصبح صعبًا، حتى إشعال النار، لم أعد أستطيع شراء ولاعة جديدة، ولا حتى إصلاح القديمة، فأنا بلا دخل منذ استشهد زوجي، ومواردنا معدومة، لا غاز، لا كهرباء، لا ماء، ولا حتى وسيلة لإشعال الحطب."
وتضيف بغصة:" من يعيش في غزة اليوم يعرف أن الاحتلال لم يقتلنا فقط بالقصف، بل يقتلنا كل يوم بالحصار ومنعنا من أبسط حقوقنا كبشر، ووصل الأمر إلى إشعال النار التي أصبحت استغني عنها كثيراً مؤخراً."
وتلف إلى أنها بسبب عدم قدرتها على إشعال النار وعدم توفر الطعام من الأساس اضطرت للاعتماد على طعام التكية في مخيم النازحين الذي تعيش فيه مع أطفالها الأيتام، مستدركةً:" ولكن حتى هذا الطعام لا يسد جوع أبنائي الذي أصبحوا هزيلين وضعفاء بسبب قلة الطعام".
أزمة فقدان القداحات ليست مجرد أزمة أدوات، بل مؤشر على انهيار شامل يعيشه السكان تحت عدوان إسرائيلي مستمر، يمنع إدخال أبسط مستلزمات الحياة، من الغاز والماء الصالح للشرب، إلى الطعام والدواء، وحتى قدّاحات النار.
ويؤكد ناشطون حقوقيون أن الاحتلال يتعمد استخدام الحصار كسلاح لإذلال المدنيين وتجويعهم، ضمن سياسة ممنهجة لتدمير كل مقومات الحياة في القطاع، في ظل غياب تدخل دولي حقيقي يوقف هذه الجريمة الممتدة منذ ما يزيد عن عام ونصف.
الحاج عزات سليمان 60 عاماً من حي تل الهوا، تحدث عن معاناته في توفير قداحة لإشعال النار بعد أن تلفت التي كان يمتلكها في المنزل، لافتاً إلى أن زوجته كانت تضطر إلى استعارة الجمر أو الأخشاب المشتعلة من الجيران لتشعل النار لطبخ الطعام.
ويقول في حديث لـ"فلسطين":" القداحة التي كنا نشتري الثلاثة منها بشيقل واحد _أقل من ثلث دولار_ أصبحت مفقودة وإن وجدت فسعرها مرتفع بشكل جنوني"، مشيرًا إلى أن أحد أقاربه تمكن من شراء قداحة مستعملة له بسعر 35 شيقل.
ويضيف:" لم أفاصل على السعر فأنا بحاجة إلى القداحة كحاجتي لكثير من الأمور الأساسية والتي تسبب العدوان وحرب الإبادة إلى ارتفاع أسعارها بشكل غير مسبوق".
منع الاحتلال الإسرائيلي إدخال متطلبات الحياة اليومية لسكان قطاع غزة كلها مؤشرات تؤكد أن الاحتلال يستخدم الحصار كوسيلة ممنهجة لتدمير الحياة بشكل تدريجي، عبر حرمان السكان من القدّاحة، الغاز، الماء، الطعام.
هذا ليس مجرد عدوان عسكري، بل حملة ممنهجة تهدف إلى "تجويع وتجفيف للحياة"، كما يصفها ناشطون دوليون.
ورغم أن أزمة فقدان القداحة اللازمة لإشعال النار قد تبدو بسيطة ولكنها امتداد لأزمات عديدة تسبب بها الاحتلال الإسرائيلي على مدار شهور حرب الإبادة، منذ 90 يومًا منع الاحتلال ادخال غاز الطهي مما دفع سكان القطاع للاعتماد بشكل كامل على الحطب.
كما أغلقت مئات الكتايا بسبب فقد التمويل وانقطاع المساعدات، مما حرم آلاف العائلات من وجباتها اليومية، وقليلة هي المخيمات التي لا تزال قادرة على توفير مساعدات غذائية للنازحين فيها، بينما بقية المناطق محرومة بالكامل.
وحسب أخر تصريحات اليونسيف، فإن 80% من العائلات أفادت بأن أحد أطفالهم مرّ بدون طعام خلال الأيام الثلاثة الماضية، في حين يعاني 335,000 طفل تحت الخامسة من "مستويات حادة" من انعدام الأمن الغذائي، وأكثر من 10,000 طفل معرضون لفقر غذائي شبه مميت.
المصدر / فلسطين أون لاين

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


جريدة الايام
منذ 5 ساعات
- جريدة الايام
محكمة بريطانية تقر فرض ضريبة على المدارس الخاصة
لندن - د ب أ: نجت ضريبة مثيرة للجدل اقترحها رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر على مصروفات المدارس الخاصة من طعن قانوني، ما يعزز السياسة التي كانت بندا رئيسيا في بيان حزب العمال في الانتخابات العام الماضي. وسعت عدة مدارس خاصة وأولياء أمور إلى الطعن على خطة فرض ضريبة القيمة المضافة بنسبة 20% على المدارس المستقلة، التي من المتوقع أن تجمع 1.5 مليار جنيه استرليني (2 مليار دولار) في العام المالي الجاري، حسبما أفادت وكالة "بلومبرغ" للأنباء، أمس. وأعلنت لجنة من قضاة لندن أن سياسة فرض الضريبة سعت إلى غرض مشروع تماماً. وقال القضاة في الحكم الصادر، امس: "إن الآباء الذين يرسلون أطفالهم حالياً إلى مدارس خاصة ليسوا مضطرين إلى الاستمرار في ذلك". وقال ستارمر مراراً إن إلغاء إعفاء المدارس الخاصة من ضريبة القيمة المضافة سيساعد المدارس الحكومية على توظيف 6500 معلم إضافي.


معا الاخبارية
منذ 5 ساعات
- معا الاخبارية
تحت طاولة المفاوضات مع إيران: امريكا نقلت الأسلحة الفتاكة إلى إسرائيل
بيت لحم معا- نقلت الولايات المتحدة سرًا أكثر من 300 صاروخ هيلفاير إلى إسرائيل يوم الثلاثاء، قبل ثلاثة أيام فقط من الهجوم غير المسبوق على المنشآت النووية الإيرانية، وفقًا لما كشفه موقع ميدل إيست آي. ووفقًا للتقرير، نُقلت الصواريخ في الوقت الذي كانت إدارة ترامب تُعلن فيه علنًا عن استعدادها لمواصلة المفاوضات مع إيران بشأن برنامجها النووي. وصواريخ هيلفاير هي صواريخ جو-أرض موجهة بالليزر تُستخدم لضربات دقيقة. ورغم أنها غير مناسبة لقصف المنشآت النووية، إلا أنها فعّالة بشكل خاص في توجيه ضربات دقيقة لأهداف محددة. ووفقًا للتقرير، كانت إدارة ترامب على علم بالخطط الإسرائيلية قبل أشهر. ففي أبريل ومايو، تلقت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية إحاطات مفصلة حول نية إسرائيل شن هجوم أحادي الجانب على المنشآت النووية - من خلال مزيج من الهجمات الإلكترونية والضربات الدقيقة - دون تدخل مباشر من الولايات المتحدة. ووفقًا لموقع ميدل إيست آي، أثارت خطة العمل الإسرائيلية إعجاب القيادة الأمريكية. رغم ذلك، برز في الأشهر الأخيرة انطباعٌ بأن ترامب لا يزال يقاوم ضغوط رئيس الوزراء نتنياهو لدعم الضربة علنًا. إلا أن موقع أكسيوس الإلكتروني أفاد يوم الجمعة، نقلًا عن مسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى، بأن الإدارة "تتظاهر فقط" بمعارضتها، في حين أنها في الواقع لم تُبدِ أي معارضة حقيقية لخطط الضربة. تعثرت المفاوضات بين الطرفين مؤخرًا، ويعود ذلك أساسًا إلى إصرار الولايات المتحدة على الوقف الكامل لتخصيب اليورانيوم. من جانب آخر، أعلنت إيران أن حقها في تخصيب اليورانيوم بمستوى منخفض يُعدّ خطًا أحمر بالنسبة لها. ورغم الجمود الدبلوماسي، واصلت الولايات المتحدة نقل الأسلحة والمعدات العسكرية إلى إسرائيل طوال هذه الفترة. ولم يتطلب نقل صواريخ هيلفاير إخطارًا خاصًا للكونغرس، إذ كان جزءًا من صفقة أسلحة ضخمة بقيمة 7.4 مليار دولار، أُقرّت في فبراير/شباط 2025، وشملت قنابل وصواريخ ومعدات ذات صلة


جريدة الايام
منذ 5 ساعات
- جريدة الايام
تحقيق أهداف الحرب في غزة وتحسين أمن إسرائيل على المدى البعيد (2من2)
هناك عدة حقائق تُخفف حدة هذه المخاوف: 1- أُضعفت "حماس" بشدة: فُككت هياكلها التنظيمية؛ وتم القضاء على كبار قادتها (باستثناء عز الدين الحداد، قائد مدينة غزة)، ولا تمتلك قدرة تسلل واسعة النطاق إلى إسرائيل (تم تطهير المنطقة الأمنية بأكملها وتدميرها، وتضررت قوة النخبة التابعة لها بشدة)، وضعفت قوتها النارية المتبقية (وهي الآن تُمثل حوالي 10% مما كانت عليه في 7 أكتوبر الأول 2023)، وقُتل ثلثا مقاتليها الأصليين، أو حوالي 18,000، من أصل 30,000 مقاتل، وفقًا لتقدير غير دقيق، كما هو الحال مع جميع التقييمات المتعلقة بالخسائر المدنية في القطاع. 2- توجد ضريبة كبيرة للغزو الكامل لغزة: فتوسيع السيطرة الإقليمية من 70٪ إلى 100٪ لن يحقق مكاسب استراتيجية كبيرة. ومن المرجح أن تخفي "حماس" أسلحتها المتبقية، وتختلط بالمدنيين، وتعمل تحت الأرض، وتبدأ حملة حرب عصابات مطولة ضد جنود الجيش الإسرائيلي. وحتى لو اختفت "حماس" نظريًا، فمن المرجح أن تظهر جماعات مقاومة جديدة - لجان المقاومة الشعبية، و"الجهاد الإسلامي"، وعشرات الفصائل "الإرهابية" الأخرى التي لا تقبل بوجود إسرائيل - وتستمر في تشكيل تهديد لقوات الجيش الإسرائيلي ودولة إسرائيل ككل. 3- سيستمر تجفيف المستنقع و"جز العشب" تحت مسؤولية إسرائيل: من خلال نظام استخباراتي وعملياتي سيواصل الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن العام (الشاباك) ملاحقة "حماس" والمنظمات "الإرهابية" الأخرى، كما هو الحال في "يهودا" و"السامرة". 4- سيكون استئناف القتال والحرب، إذا لزم الأمر، ممكنًا بعد إطلاق سراح الرهائن: تُثبت التجارب السابقة أنه لا يمكن منع إسرائيل من استئناف القتال. لا يمكن تقييد حق الدفاع عن النفس. حتى لو تبنى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قرارًا يدين إسرائيل ويدعوها إلى الامتناع عن ممارسة الدفاع عن النفس في مواجهة التهديدات، وحتى لو اختارت الولايات المتحدة عدم استخدام حق النقض (الفيتو) ضد مثل هذا القرار، فلن يُقيّد ذلك أفعال إسرائيل. 5- ضعف المحور الإيراني: "حماس"، التي كانت تعمل قبل الحرب - بما في ذلك من لبنان كجزء من غرفة عمليات مشتركة ضمن المحور الذي تقوده إيران - ليست "حماس" التي نراها اليوم. إن ضعف المحور واختفاء نصر الله عاملان مهمان يُسهمان في ضعف المنظمة الحالي. 6- يجب أن يُبعث الأمل في مستقبل مختلف وأفضل: سكان غزة لا يرون أي أمل في المستقبل. لا توجد فرص عمل، ولا تعليم، ولا بنية تحتية تُتيح ظروفًا معيشية كريمة. في هذه الأيام، الانضمام إلى "حماس" هو السبيل الوحيد لكسب راتب أساسي وإعالة أسرة. في ظل هذه الظروف، من السهل جدًا على "حماس" استعادة قوتها. أي مصدر بديل لتوظيف الشباب في غزة - كجزء من برنامج إعادة إعمار إقليمي (إلى جانب العمل في إسرائيل) - قد يُضعف "حماس" ويُضعف قبضتها على السكان. تحليل بدائل المقترح تشمل بدائل هذه الاستراتيجية مناهج متنوعة للسيطرة الكاملة على قطاع غزة، وفرض الحكم العسكري، والقضاء على جيوب المقاومة "الإرهابية" والعصابات المسلحة، في عملية قد تستغرق عدة سنوات تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي. يكشف تحليل هذه البدائل عن مشاكل خطيرة وكبيرة، أكبر بكثير من تلك المرتبطة بالاستراتيجية المقترحة: 1- التكلفة الاقتصادية: ستكون تكلفة احتلال قطاع غزة باهظة. ويقدر مسؤولو الأمن حوالي 25 مليار شيقل سنويًا للنفقات العسكرية، بالإضافة إلى 10 مليارات شيفل سنويًا لتوفير الخدمات الأساسية للسكان المحليين، بما في ذلك الكهرباء والمياه والرعاية الطبية والغذاء. 2- الشرعية الداخلية والمرونة الاجتماعية: سينجم الضرر عن اشتداد القتال لفترة طويلة دون نهاية واضحة خلال فترة حرجة ومتقلبة للغاية في إسرائيل، من حيث الديناميكيات السياسية الداخلية والتوتر المتزايد في العلاقات المدنية-العسكرية. 3- "اليوم التالي" للحرب: حتى لو افترضنا أن الإدارة العسكرية في غزة حققت نجاحًا باهرًا، يبقى السؤال الجوهري: لمن ستنتقل السيطرة على القطاع في النهاية؟ إذا لم يتغير شيء، فبعد بضع سنوات، ستُجبر دولة إسرائيل مجددًا على مواجهة الأسئلة المطروحة اليوم، ولكن مع فارق رئيسي واحد: ستكون التكلفة قد ارتفعت بشكل ملحوظ. يشمل هذا الارتفاع العبء على الاقتصاد، وضعف قدرة المجتمع على الصمود، وتآكل العلاقات الدولية، وتزايد عدد الضحايا في صفوف الجيش الإسرائيلي. 4- دعم القوى العظمى: ينبغي افتراض أن الدعم الأميركي للحرب سيكون مؤقتًا. من الصعب تبرير الحفاظ على نظام عسكري (بدون متلقٍّ واضح لتسليم السلطة في النهاية) من المرجح أن يستمر أكثر من أربع سنوات. بحلول ذلك الوقت، سيصل رئيس أميركي جديد إلى البيت الأبيض، ولن يستمر هذا القائد - وخاصةً الديمقراطي - بالضرورة في دعم إسرائيل. كان من الأخطاء التاريخية التي ارتكبتها إسرائيل في السنوات الأخيرة اصطفافها مع الحزب الجمهوري، ما أدى فعليًا إلى فقدانها الدعم الحزبي الراسخ الذي حظيت به في النظام السياسي الأميركي. في الوقت نفسه، قد يُمثل رئيس جمهوري ينتهج سياسة انعزالية تحديًا لإسرائيل. 5- الشرعية الدولية من الدول الليبرالية الغربية: من وجهة نظر دولية فقدت إسرائيل بالفعل شرعيتها لمواصلة الحرب، وهي شرعية تمتعت بها خلال المراحل الأولى من الصراع من معظم دول أوروبا الغربية. تُعدّ أوروبا ثاني أكبر شريك تجاري لإسرائيل، وترتبط العلوم والتكنولوجيا الإسرائيلية ارتباطًا وثيقًا بأوروبا (على سبيل المثال، في 4 حزيران 2024، أعلنت وزارة الدفاع عن عام قياسي في صادرات الدفاع الإسرائيلية، حيث تم توقيع 54% من صفقات التصدير مع الدول الأوروبية). بالإضافة إلى ذلك، تُعدّ أوروبا مصدر معظم واردات إسرائيل من السلع الاستهلاكية. وبالتالي، لا تستطيع إسرائيل تحمّل خسارة علاقتها مع أوروبا. علاوة على ذلك، تُخاطر إسرائيل بأن يُنظر إليها على أنها دولة مارقة ومنبوذة، وهو أمر بدأت بوادره تظهر بالفعل، وتواجه عزلة دولية وعقوبات محتملة. في الواقع، إسرائيل دولة مستقلة، لكنها صغيرة، تفتقر إلى الموارد الطبيعية، وتعتمد على الخدمات الدولية وأسواق التجارة لتحقيق ازدهارها. إن فقدان علاقات دولية مستقرة ومثمرة أمر بالغ الخطورة. إرساء إطار تفاهمات قصيرة الأجل بين "حماس" وإسرائيل "حماس" عدوٌّ عنيد، ورغم الصعوبات التي فرضها الجيش الإسرائيلي، تكيّف مع الواقع العملياتي الذي فرضته إسرائيل في قطاع غزة. ومن المرجح أن توافق "حماس" على إطلاق سراح الرهائن فقط مقابل تسوية تُلبّي احتياجاتها وتطلعاتها في ظلّ الظروف التي نشأت منذ بدء الحرب. تُقدّم الاستراتيجية المقترحة استجابةً لمصالح كلٍّ من "حماس" وإسرائيل: · من وجهة نظر "حماس"، ستنتهي الحرب، وستبقى منظمة، وإن جُرّدت من قدراتها العسكرية والحكومية. · من وجهة نظر إسرائيل، لن تحكم "حماس" قطاع غزة بعد الآن، وسيعود الرهائن - الأحياء منهم والأموات - إلى إسرائيل، وستحتفظ إسرائيل بحقّ مواصلة استهداف "حماس"، غالبًا دون عتبة حرب شاملة. إذا اقتضت الظروف، قد تخوض إسرائيل حملة عسكرية مكثفة أخرى، هذه المرة ضد خصم أضعف بكثير من خصمها في 7 تشرين الأول 2023. الخلاصة يمكن حل التناقض بين الهدفين الرئيسيين للحرب - القضاء على قدرة "حماس" وضمان إطلاق سراح الرهائن - من خلال خلق وضع يُمكّن كل طرف من الاعتقاد بأنه حقق النصر. ستعتقد "حماس" أنها ستنجو، وأنها ستزداد قوة، وأنها ستعود في النهاية لحكم قطاع غزة. لكن في الواقع، ستكون إسرائيل قد ضمنت إطلاق سراح الرهائن، ودمرت قدرات "حماس" العسكرية والحكومية، وستضمن عدم تجدد التهديد من غزة، سواء من خلال العمليات المستمرة أو باستئناف الحرب، إذا لزم الأمر. هل يمكننا التنبؤ بمن سيصدق اعتقاده في النهاية؟ هذا اختبار للعزيمة والمثابرة. بما أن إسرائيل هي الطرف الأقوى في هذه المعادلة، وأنها منذ السابع من تشرين الأول غيّرت جوهريًا عقيدة الأمن القومي الإسرائيلي، جاعلةً الاستباق ركيزةً أساسية (انظر ورقة مفهوم الأمن القومي الصادرة عن معهد دراسات الأمن القومي)، فلا شك أن إسرائيل ستنتصر على مر التاريخ. بدلًا من التشبث بأوهام إمكانية القضاء على "حماس" تمامًا، أو تجويع سكان غزة حتى الخضوع، أو طردهم بالكامل - وهي أفكارٌ في أحسن الأحوال غير مرتبطة بالواقع وبالقيود الفعلية المفروضة على إسرائيل - يُفضّل صياغة واقع يخدم مصالح إسرائيل في ظل الظروف والأوضاع الراهنة. ويشمل ذلك الاستفادة من الإجماع العربي والدولي وراء مقترح وقف إطلاق النار المصري العربي كأساس للمفاوضات، مع تطبيق التعديلات والضمانات اللازمة لضمان المصالح الاستراتيجية لإسرائيل وتحقيق أهداف الحرب. في الواقع، معظم المبادئ الواردة في ورقة السياسات هذه مُضمنة بالفعل في المقترح المصري العربي لإنهاء الحرب وتأمين عودة الرهائن. المقترح ليس مثاليًا - إنه ناقص وإشكالي. ومع ذلك، فهو نقطة انطلاق سليمة للتفاوض. والأهم من ذلك، أنه الإطار الوحيد القادر على تسوية التناقض الجوهري بين أهداف الحرب. ومن خلال مفاوضات حازمة ومنسقة مع الولايات المتحدة، قد يُتيح هذا الإطار فرصةً لضمان أن يُعزز إنهاء الحرب الأمن القومي الإسرائيلي. في الوقت الحالي، لا ترغب الحكومة الإسرائيلية في قبول المقترح المصري العربي. لكن من حق مواطني إسرائيل المطالبة بدراسته بجدية وتنقيحه، بما يُعزز عودة الرهائن وإنهاء الحرب. عن موقع "معهد بحوث الأمن القومي"