logo
من غزة 2005 إلى غزة 2025: لماذا سيضطر نتنياهو لتكرار انسحاب شارون؟

من غزة 2005 إلى غزة 2025: لماذا سيضطر نتنياهو لتكرار انسحاب شارون؟

الميادينمنذ يوم واحد
خلال الأيام الماضية، أعلن بنيامين نتنياهو خطته لاحتلال كامل قطاع غزة، في خطوة وُصفت بأنها الأجرأ والأكثر إثارة للجدل منذ بداية العدوان الإسرائيلي قبل نحو 22 شهراً. الخطة، التي أقرّها مجلس الأمن الإسرائيلي، تهدف ـــــ بحسب ما يروّج له نتنياهو ـــــ إلى "استعادة الأسرى أحياء أو أمواتاً وتحرير سكان غزة من حكم حماس" عبر السيطرة العسكرية المؤقتة على كامل القطاع، ثم تسليمه لاحقاً إلى سلطة مدنية أو "قوى عربية" مجهولة المعالم.
لكنّ المقارنة التي لا يمكن إغفالها هي بين تلك الخطة وبين ما فعله رئيس الوزراء الأسبق أرئيل شارون في عام 2005 حين قرّر الانسحاب الكامل من غزة، هنا نتحدّث عن شارون، الذي كان من أبرز القادة العسكريين في تاريخ "إسرائيل"، لكنه أُرغم على الاعتراف بأنّ السيطرة المباشرة على القطاع مكلفة سياسياً وبشرياً واقتصادياً، وأدرك أنّ احتلال "إسرائيل" للقطاع منذ حزيران/يونيو 1967 لم يمنحها أيّ مكسب استراتيجي طويل الأمد؛ واليوم، وبعد عشرين عاماً، يبدو أن نتنياهو يسير في طريق معاكس، لكن نهايته قد تكون مماثلة، وربما أكثر مرارة.
حين قرّر أرئيل شارون الانسحاب من غزة عام 2005، لم يكن الأمر مجرّد قرار تكتيكي عابر، بل نتيجة مراجعة شاملة لحقائق الميدان وضغوط الواقع، فقد تبيّن لشارون حينها أنّ:
أ-الكلفة البشرية: وجود "الجيش" الإسرائيلي في غزة كان يستنزف الأرواح في عمليات مقاومة شبه يومية.
ب-الكلفة الاقتصادية: حماية المستوطنات المعزولة داخل غزة كان يتطلّب إنفاقاً ضخماً وموارد هائلة.
ج-العزلة الدولية: الاحتلال المباشر كان يزيد من عزلة "إسرائيل" دولياً ويؤجّج الانتقادات في المحافل الأممية.
د-غياب الجدوى الاستراتيجية: السيطرة على غزة لم تمنح "إسرائيل" أوراقاً أمنية إضافية، بل زادت من التهديدات الأمنية عبر مقاومة أكثر تنظيماً.
لذا أدرك شارون أنّ "الانسحاب الأحادي" قد يخفّف العبء عن "تل أبيب"، ويحافظ على صورة "جيشها" في الداخل، ويتيح تركيز الجهد على الضفة الغربية والمشروع الاستيطاني هناك، كذلك يمكن له استخدام ورقة الانسحاب من القطاع في إطار خطته لتعطيل "عملية السلام" مع السلطة الفلسطينية، وقد كانت تلك الحسابات واقعية في حينها، وقد أثبتت الأحداث لاحقاً صحتها من ناحية تقليل الاحتكاك المباشر، خاصةً مع تركيز حكومة شارون حينها على "المبرّر الديموغرافي"، مؤكدة صعوبة السيطرة الأمنية على قطاع يوجد فيه نحو 1.4 مليون فلسطيني.
في المقابل، يطرح نتنياهو اليوم خطة تتناقض مع تجربة شارون بالكامل، بالقدر الذي تصطدم فيه مع قطاع كبير من القادة العسكريين والأمنيين، بما يشمل، رئيس الأركان إيال زامير، والذي يرى أنّ التوغّل في غزة بمثابة "فخّ استراتيجي"، إذ من الصعب السيطرة على القطاع، بعدد سكانه الذي تجاوز المليونين، وبواسطة قوات عسكرية إسرائيلية تعاني من الإرهاق، إضافة إلى ذلك، فإنّ القرار سيعرّض حياة نحو 24 أسيراً إسرائيلياً للخطر.
ويفترض أنّ الخطة التي وافق عليها مجلس الوزراء الإسرائيلي بعد 10 ساعات من المباحثات الساخنة، صباح يوم الجمعة الماضي، تتضمّن الآتي:
- إجلاء جماعي لما يقارب مليون فلسطيني إلى جنوب القطاع.
- تقسيم قطاع غزة عبر إنشاء "ممرات أمنية" مثل ممر موراج لقطع التواصل الجغرافي بين مناطقها.
- الاعتماد على إدارة عربية مدنية، وهي فكرة يرفضها معظم الشركاء العرب.
- تكثيف العمليات العسكرية الحضرية، وهي الأكثر كلفة وخطورة على الجنود الإسرائيليين.
اليوم 09:08
اليوم 08:51
ورغم الإعلان عن الخطوط العريضة لخطة نتنياهو، إلّا أنّ المعلّقين في وسائل الإعلام العبرية، أكدوا أنّ الخطة تبدو أقرب إلى إعلان نيّات سياسية منها إلى استراتيجية عسكرية قابلة للتنفيذ على المدى الطويل، خاصة مع تركيز قطاعات كبيرة من الشارع الإسرائيلي على موقف قيادات "الجيش"، التي عبّرت عن رفضها أو تحفّظها على الخطة، كذلك هناك تحذير جهاز الأمن الإسرائيلي من احتمال تكرار سيناريو الفلوجة والموصل في غزة، في إشارة إلى حرب شوارع مع مقاتلي الفصائل الفلسطينية، كما أثارت الأنباء عن استدعاء نحو 250 ألف جندي لتنفيذ الخطة مخاوف واسعة داخل المجتمع الإسرائيلي، خشية انعكاسات تصعيد الحرب على توافر القوى العاملة في السوق المحلية.
عند إجراء مقارنة دقيقة بين البيئة الميدانية في عام 2005 وتلك القائمة في عام 2025، يتضح أنّ الظروف الحالية باتت أكثر تعقيداً وأشدّ خطورة بكثير على أيّ قوة احتلال، فالميدان اليوم لم يعد مجرّد مساحة جغرافية يمكن السيطرة عليها بالقوة العسكرية التقليدية، بل أصبح بيئة حضرية مكتظة، تتداخل فيها البنية التحتية المدنية مع مواقع المقاومة.. ويمكن رصد تلك العوامل، في النقاط الآتية:
أ-المقاومة المسلحة في غزة اليوم أكثر خبرة وتكتيكاً، مع شبكة أنفاق واسعة وتجربة قتال حضري معقّدة.
ب-الكثافة السكانية ارتفعت، ما يزيد من صعوبة العمليات ويضاعف الخسائر المدنية، وهو ما يفاقم الضغوط الداخلية.
ج-الدعم الشعبي للمقاومة في أوساط الفلسطينيين سيصبح أقوى خلال الفترة المقبلة، فحتى وإن تراجع الحماس الشعبي مؤقتاً بفعل طول أمد الحرب وكثرة الشهداء، فإن أيّ احتلال إسرائيلي كامل للقطاع سيعيد الفلسطينيين بسرعة إلى تأييد المقاومة.
د-"الجيش" الإسرائيلي نفسه يواجه إرهاقاً كبيراً بعد أشهر طويلة من العمليات، وكذلك نقصاً في القوى البشرية ضمن الاحتياط.
تلك المعطيات تعني أنّ ما كان صعباً على شارون قبل عقدين، أصبح شبه مستحيل اليوم.
نتنياهو لا يتحرّك في فراغ سياسي، فعلى المستوى الداخلي هناك انقسام حادّ بين قادة الجيش والحكومة، كما أنّ المعارضة السياسية ترى أنّ الخطة ليست إلّا محاولة من نتنياهو لكسب دعم اليمين المتطرّف وإنقاذ مسيرته السياسية، وسط محاكماته الجارية بتهم تتعلّق بالفساد المالي.
كذلك فرغم أنّ منسوب الإعجاب باليمين الصهيوني قد ارتفع داخل بعض الأوساط الشعبية الإسرائيلية بفعل الإنجازات التي تحقّقت خلال المواجهات مع ساحات المقاومة في لبنان وسوريا تحديداً، فإنّ هذا الزخم لن يدوم طويلاً، نظراً لتزايد الخسائر البشرية والمادية وطول أمد الحرب وتصاعد مشاعر الرفض الدولي، كما أنّ المواجهة التي حصلت خلال شهر حزيران/يونيو الماضي مع إيران، أصابت المجتمع الإسرائيلي عموماً بخيبة أمل، بعد أن نجحت الصواريخ الباليستية الإيرانية في إجبار الملايين من الإسرائيليين على قضاء عشرات الساعات داخل الملاجئ، ما دفع أعداداً كبيرة منهم إلى الفرار خارج "إسرائيل".
أما على المستوى الخارجي، فقد رفضت الأمم المتحدة، وجامعة الدول العربية، والعديد من الدول الأوروبية تلك الخطة، معتبرة أنها تصعيد خطير سيؤدي إلى كارثة إنسانية، حتى الحلفاء الغربيون بدأوا بالتلميح إلى أنّ استمرار العمليات قد يضع "إسرائيل" في عزلة دولية أعمق، وربما يؤدي إلى قيود على الدعم العسكري.
بعيداً عن الجدل حول إمكانية نجاح نتنياهو في احتلال قطاع غزة والسيطرة على كامل أراضيه، فإنّ السؤال الجوهري سيظلّ معلّقاً بلا إجابة واضحة: ماذا بعد؟!، فإمكانية تشكّل إدارة عربية تكاد تكون معدومة في ظلّ الرفض الصريح لمعظم الدول العربية القيام بدور الأداة المنفّذة للترتيبات الإسرائيلية، خاصةً أنّ الرأي العامّ في الشارع العربي والفلسطيني يرفض أيّ شكل من أشكال التعاون مع الاحتلال، ويرى ذلك خيانة صريحة للقضية الفلسطينية.
أما الإدارة الإسرائيلية المباشرة للقطاع، فستعني الدخول في مستنقع استنزاف عسكري وأمني واقتصادي متواصل، وعودة إلى الوضع الذي حاول أرئيل شارون نفسه التخلّص منه، إذ كان الاحتلال المباشر يستنزف موارد "الجيش" ويكبّده خسائر بشرية متواصلة، فضلاً عن تكاليف مالية باهظة في الحماية والإدارة والخدمات.
أما فيما يتعلّق بخيار الإدارة الدولية، فهو وإن كان يبدو على الورق حلاً وسطاً، إلا أنه في الواقع يتطلّب توافقاً دولياً يكاد يكون مستحيلاً في ظلّ الانقسام الحادّ في النظام الدولي وتضارب المصالح بين القوى الكبرى، ناهيك عن أنّ "إسرائيل" نفسها ترفض تسليم السيطرة الفعلية لأيّ جهة دولية خشية أن تقيّد حرية تحرّكاتها العسكرية والأمنية.
إنّ غياب إجابة واضحة وحاسمة عن سؤال "اليوم التالي" يجعل أيّ نجاح عسكري، مهما بدا ضخماً في اللحظة الأولى، نجاحاً هشاً وقصير الأمد، وسرعان ما سيتأكّل تحت ضغط الواقع الميداني والسياسي.
فالتجارب السابقة تؤكد تلك النتيجة؛ من جنوب لبنان عام 2000، حين اضطرت "إسرائيل" إلى الانسحاب تحت ضربات المقاومة اللبنانية، إلى غزة عام 2005، حين خرجت من القطاع لتتفادى المزيد من الاستنزاف.
لا يمكن تجاهل البعد الإنساني والتأثيرات المترتّبة عليه، فصور الدمار والضحايا المدنيين داخل غزة ستكون وقوداً للرأي العامّ العالمي ضدّ حكومة نتنياهو، فإجلاء مليون إنسان، ونقص الغذاء والدواء، وموجات النزوح الجماعي، ستجعل الاحتلال عبئاً أخلاقياً وسياسياً لا يمكن تحمّله طويلاً، حتى بالنسبة لأنصار اليمين الإسرائيلي المتطرّف.
ومع مرور الوقت، سيتحوّل هذا الواقع إلى بيئة خصبة لتعاظم روح المقاومة بين الفلسطينيين، ليس فقط كردّ فعل على الجرائم الإسرائيلية، بل لأنهم سيجدون أنفسهم أمام خيارات معدومة: الموت تحت القصف، أو الموت جوعاً، أو الموت في رحلة النزوح؛ وهو ما سيدفع شرائح جديدة من المجتمع إلى حمل السلاح أو على الأقل إلى تأييد المقاومة ودعمها مادياً ومعنوياً، وفي ظلّ هذا المناخ، سيكون أيّ وجود عسكري إسرائيلي في القطاع نفسه محاصراً بحرب يومية، تفرض على "الجيش" الإسرائيلي تكلفة تفوق قدرته على الاحتمال.
السيطرة على غزة، حتى لو تحقّقت ميدانياً، لن تمنح "إسرائيل" أمناً، بل ستفتح عليها جبهة قتال مستمرة وتضاعف التهديدات، بينما أيّ وجود عسكري في بيئة حضرية كثيفة السكان سيعني حرب شوارع تُنهك "الجيش" وتستنزف موارده وتثقل كاهل الاقتصاد، ومع استمرار صور الدمار، سيتحوّل الاحتلال إلى عبء خانق، وسيتصاعد ضغط الرأي العامّ الدولي ليتحوّل إلى عقوبات أو ضغوط اقتصادية يصعب على أيّ حكومة تحمّلها.
التاريخ يقدّم الدليل على ذلك؛ فعندما انسحب شارون من غزة عام 2005، كان مدفوعاً براغماتياً بعد أن أدرك أنّ الاحتلال المباشر لا يخدم المصلحة الإسرائيلية على المدى الطويل وأنّ الكلفة تفوق المكاسب. أما نتنياهو اليوم، فيتجاهل كلّ تلك الدروس ويخوض مغامرة في بيئة أكثر تعقيداً وعدائية، مدفوعاً بحسابات داخلية أكثر من ارتباطه برؤية استراتيجية واقعية.
لكن يظلّ منطق الجغرافيا والديموغرافيا والسياسة الدولية أقوى من أيّ دعاية مؤقتة، فاحتلال غزة غير قابل للاستمرار، وأّي وجود عسكري سيؤدّي عاجلاً أو آجلاً إلى انسحاب، ربما تحت ضغط أشدّ مما واجهه شارون من قبل، ليجد نتنياهو نفسه في نهاية المطاف يخرج من غزة، لا كخيار تفاوضي، بل كضرورة لا مفرّ منها.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

بلومبيرغ: إسرائيل تواجه خطر عزلة دولية بسبب نهج نتنياهو التصعيدي
بلومبيرغ: إسرائيل تواجه خطر عزلة دولية بسبب نهج نتنياهو التصعيدي

صوت بيروت

timeمنذ 25 دقائق

  • صوت بيروت

بلومبيرغ: إسرائيل تواجه خطر عزلة دولية بسبب نهج نتنياهو التصعيدي

في تحليل نشرته وكالة بلومبيرغ الأميركية، قدّم الكاتب مارك تشامبيون تصورًا متشائمًا لمستقبل إسرائيل إذا واصلت حكومة بنيامين نتنياهو انتهاج سياسة 'المزيد من الحرب'، متجاهلة الدعوات الداخلية والخارجية لوقف نزيف الدماء وتبني رؤية سياسية واضحة لمرحلة ما بعد الحرب في قطاع غزة. وتساءل المقال: كيف وصلت إسرائيل إلى هذه المرحلة؟ وكيف يمكنها الخروج منها؟ مضيفا أن هذين السؤالين يبدوان حتميّين بعد أن قدّم نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية– رده على أشهر من الانتقادات والغضب بشأن إدارته للحرب في غزة، وهو المزيد من الحرب. واستعرض كاتب عمود الرأي في مقاله كيف انتقلت إسرائيل من 'لحظة تعاطف دولي غير مسبوق' عقب هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 -التي أسفرت عن مقتل 1,200 شخص وأسر 250- إلى وضع من عزلة سياسية وأخلاقية حادة، بعد تدمير واسع النطاق لغزة ومقتل عشرات الآلاف من المدنيين، وتوظيف الغذاء والدواء كسلاح، وفتح تحقيق دولي في اتهامات بالإبادة الجماعية. وأشار تشامبيون إلى أن الحلفاء التقليديين لإسرائيل، ممن كانوا يرفضون الاعتراف بدولة فلسطين، باتوا يتجهون نحو تأييد قيامها خشية أن يكون هدف نتنياهو النهائي هو تدمير القطاع وتهيئة الظروف لطرد سكانه الفلسطينيين وإحلال مستوطنين يهود محلهم. ولفت إلى أن قرار نتنياهو الأخير بالسيطرة على مدينة غزة جاء رغم نصيحة رئيس أركان الجيش إيال زامير بعدم الإقدام على تنفيذه، وأن خطته تفتقر إلى إستراتيجية خروج واضحة وتتناقض مع شروط الدول العربية للمشاركة في مرحلة ما بعد حركة المقاومة الإسلامية (حماس). بيئة إقليمية معادية تخشى عائلات الأسرى المتبقين المحتجزين لدى حركة حماس أن تكون الخطة بمنزلة حكم بالإعدام على أحبائهم، في حين أدانها حلفاء إسرائيل لما ستسفر عنه 'حتما' من كلفة إنسانية. كل ذلك، أثار -برأي الكاتب- خلافات داخل الحكومة الإسرائيلية نفسها، ودفع ألمانيا إلى تعليق صادرات أسلحة قد تُستخدم في قطاع غزة. ويمضي تشامبيون إلى القول إنه لهذا السبب وجّه 550 جنرالا ومسؤولا سابقا في أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية رسالة مفتوحة إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب يطالبونه بالتدخل لإجبار حكومة نتنياهو على إنهاء الحرب التي فقدت، برأيهم، أي جدوى عسكرية. وينقل عن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت تحذيراته من أن اعتماد إسرائيل المفرط على القوة يضعف علاقاتها بحلفاء أساسيين ويهدد بترك 10 ملايين إسرائيلي وحدهم في مواجهة بيئة إقليمية معادية. ويعتقد الكاتب أن اعتماد إسرائيل على القوة وحدها في التعامل مع الأطراف الأخرى في المنطقة -من الفلسطينيين إلى إيران ولبنان وسوريا- يُضعف سريعا الدعم الذي تحظى به من حلفاء أساسيين في الشرق الأوسط وأوروبا وحتى الولايات المتحدة. ورغم اعترافه بانتصارات إسرائيل العسكرية على حزب الله وإيران خلال العام الماضي، يحذر تشامبيون من أن ميزان القوى قابل للتبدل، مستشهدا بتجربة الأرمن في ناغورني قره باغ. كما ينقل عن خبراء، مثل لورانس فريدمان، أن الاحتلال الدائم لغزة يعني حربا دائمة وعزلة متفاقمة لإسرائيل. الابن سرُّ أبيه ويربط مقال بلومبيرغ بين مواقف نتنياهو الحالية وإرث والده بنزيون نتنياهو، المفكر الصهيوني المتشدد الذي رفض أي تسوية مع العرب ودعا إلى ضم جميع 'أراضي إسرائيل التوراتية'. وقبل وفاته عام 2012، أوضح بنزيون في كتاباته ومقابلاته أنه يرى العرب (وليس الفلسطينيين فقط الذين أنكر وجودهم كأمة متميزة) أعداء بطبيعتهم وغير قادرين على التوصل إلى تسوية، وأن 'لا حل سوى القوة' للتعامل معهم. وعندما سُئل عن سبب ظهور ابنه أحيانا أقل تشددا منه، أجاب أن ذلك موقف تقتضيه الضرورة السياسية، لكن جوهر مواقفهما واحد. ويرى تشامبيون أن نهج رئيس الوزراء الأطول بقاءً في الحكم، وسعيه لإضعاف المؤسسات المستقلة التي تحد من سلطته، ينسجم مع موجة الشعبوية في الغرب. لكنه مع ذلك، يعتقد أن جغرافيا إسرائيل تضع الأمر في سياق مختلف، إذ إن دوافعها الداخلية باتت شبيهة أكثر بدوافع دول أخرى في المنطقة. فالائتلاف الحاكم في إسرائيل -والحديث ما يزال للكاتب- هو مرآة للتحول الديمغرافي والسياسي العميق الذي يشهده المجتمع الإسرائيلي المتمثل في تزايد نفوذ اليهود المتشددين من طائفة الحريديم والمستوطنين والتيارات الدينية والقومية المتطرفة، وآخرين. وقال إن كل هؤلاء يشاطرون عائلة نتنياهو أفكارها المطلقة عن العرب وحق إسرائيل الإلهي في التوسع الإقليمي، زاعما أن ذلك يقوِّض صورة إسرائيل كدولة ديمقراطية ليبرالية. تطهير عرقي مستتر ويكشف تشامبيون أن استطلاعات الرأي، رغم إظهارها رغبة أغلبية الإسرائيليين في وقف إطلاق النار، تعكس موقفا مشروطا، إذ يربط معظمهم ذلك بإطلاق سراح الأسرى مع استعداد لاستئناف الحرب لاحقا. كما أن نسبة كبيرة تؤيد إخلاء غزة من سكانها الفلسطينيين، وهو موقف كان هامشيا قبل أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. إن 'الهجرة الطوعية'، كما يطرحها وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسئليل سموتريتش، لا تعدو أن تكون -حسب وصفهما- 'تطهيرا عرقيا مُقنَّعا'. وأوضح تشامبيون أن مصطلح الهجرة الطوعية صيغ أثناء حروب يوغوسلافيا في التسعينيات لوصف خطط الصرب لتفريغ مناطق من غير الصرب. وشبّه ما يحدث في غزة بما حدث في يوغوسلافيا وأوكرانيا وجورجيا وأرمينيا، مؤكدا أن هذه الإستراتيجية، وإن نجحت أحيانا، فإنها لن تُفلح في أرض تتنازعها 3 ديانات. ولتغيير هذا المسار، يرى تشامبيون أن ذلك يتطلب تدخلا مباشرا من الولايات المتحدة، وضغطا على رئيس الوزراء الإسرائيلي للقبول بحل الدولتين وتمكين السلطة الفلسطينية من إدارة غزة، مقابل تطبيع العلاقات مع دول الخليج وتوليها إعادة الإعمار. كما يدعو المعارضة الإسرائيلية إلى ضمان استمرار الحكومة في حال انسحاب المتطرفين منها، حتى يتم إنهاء الحرب والدعوة إلى انتخابات مبكرة. ويحذر من أن دعم واشنطن المفتوح لنهج نتنياهو سيغفل حقيقة أن إسرائيل ليست كيانا موحدا، وأن استمرار الحرب قد يدفعها إلى عزلة دولية غير قابلة للاحتواء.

‏ "خيار غير واقعي"... إدارة ترامب تنتقد الإسقاط الجوي ‏للمساعدات بغزة
‏ "خيار غير واقعي"... إدارة ترامب تنتقد الإسقاط الجوي ‏للمساعدات بغزة

النهار

timeمنذ 36 دقائق

  • النهار

‏ "خيار غير واقعي"... إدارة ترامب تنتقد الإسقاط الجوي ‏للمساعدات بغزة

في عهد الرئيس السابق جو بايدن، نفّذ الجيش الأميركي ‏موجات من عمليات الإسقاط الجوي للمواد الغذائية على غزة ‏أوصل خلالها نحو 1220 طنا من المساعدات.‏ لكن مسؤولين أميركيين ومصادر أخرى قالت إن إدارة ‏الرئيس الحالي دونالد ترامب لم تنظر في هذا الخيار بجدية، ‏حتى في الوقت الذي يبدي فيه الرئيس قلقه حيال المجاعة في ‏غزة وسط الحملة العسكرية الإسرائيلية المستمرة منذ عامين ‏تقريباً في القطاع ضد حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية ‏‏(حماس).‏ وقال أحد المصادر إن إدارة ترامب تنظر إليه على أنه خيار ‏غير واقعي لأن عمليات الإسقاط الجوي لن تتمكن حتى من ‏الاقتراب من تلبية احتياجات السكان البالغ عددهم 2.1 مليون ‏فلسطيني.‏ يأتي هذا في الوقت الذي نفّذ فيه حلفاء الولايات المتحدة ‏المقربون، مثل الأردن والإمارات وبريطانيا، عمليات إسقاط ‏جوي للمساعدات في غزة.‏ ولطالما انتقدت منظمات الإغاثة الإنسانية عمليات إسقاط ‏المساعدات جوا، ووصفتها بأنها رمزية أكثر من كونها فعالة ‏حقا إذ يتطلّب حجم الاحتياجات في غزة فتح طرق برية ‏لإدخال كميات كبيرة من المساعدات.‏ كما أن الطرود الثقيلة يمكن أن تشكل خطرا على المدنيين ‏الذين يندفعون نحو المساعدات التي يجري إسقاطها ‏بالمظلات.‏ وقال أحد المسؤولين الأميركيين، طالبا عدم الكشف عن هويته ‏حتى يتحدث عن المداولات الداخلية لإدارة ترامب "لم يكن ‏الأمر جزءا من المناقشات".‏ وذكر مصدر مطلع "لم يكن الأمر مطروحا للنقاش الجاد لأنه ‏ليس خيارا جديا في هذه المرحلة".‏ وأضاف أن بعض المسؤولين الأميركيين درسوا هذا الخيار ‏في ضوء الحرب ووجدوا أنه "غير واقعي على الإطلاق". ‏وقال المصدر إنه ليس معروفا إلى أي مدى يمكن أن يصل ‏حجم الحمولات التي يمكن التعامل معها حتى إذا وافق ‏الإسرائيليون على استخدام الولايات المتحدة للمجال الجوي.‏ وذكر مصدر دبلوماسي، مشترطا عدم نشر هويته، أنه ليس ‏على علم بأي اهتمام أميركي بالمشاركة في جهود الإسقاط ‏الجوي.‏ ولفت مسؤول آخر في دولة حليفة لواشطن تشارك في عمليات ‏الإسقاط الجوي، إلى أنه لم تجر أي محادثات مع الولايات ‏المتحدة حول مشاركتها في هذه الجهود.‏ وأضاف أن الولايات المتحدة لا تقدم الدعم اللوجستي لعمليات ‏الإسقاط التي تجريها دول أخرى.‏ وأفاد مسؤول في البيت الأبيض ردا على طلب التعليق بأن ‏الإدارة الأميركية منفتحة على "حلول مبتكرة" لهذه القضية.‏ وقال: "يدعو الرئيس ترامب إلى حلول مبتكرة 'لمساعدة ‏الفلسطينيين في غزة. ونحن نرحب بأي جهد فعال يوفر الغذاء ‏لسكان غزة ويبقيه بعيدا عن أيدي حماس".‏ وبدأت إسرائيل السماح بإسقاط المواد الغذائية من الجو في ‏أواخر تموز/يوليو، مع تصاعد القلق العالمي إزاء المعاناة ‏الإنسانية في غزة جراء الحرب.‏ ‏* الضغوط تتزايد على إسرائيل يدعم ترامب جهود مؤسسة غزة الإنسانية لتوزيع المساعدات ‏على سكان غزة. ويقول إن الولايات المتحدة ستعمل مع دول ‏أخرى لتقديم المزيد من المساعدات الإنسانية لسكان القطاع بما ‏في ذلك الغذاء ومستلزمات النظافة والصرف الصحي.‏ لكنه يعبر أيضا عن إحباطه من استمرار الصراع قائلا إن ‏‏"قادة حماس ستتم الآن ملاحقتهم والقضاء عليهم". وأضاف ‏للصحافيين في 26 تموز/يوليو: "حماس لا ترغب حقا في ‏إبرام اتفاق. أعتقد أنهم يريدون الموت. الوضع سيء للغاية. ‏وصل الأمر إلى حد أنك مضطر لإنهاء المهمة".‏ وتواجه إسرائيل ضغوطا دولية متزايدة بسبب الأزمة الإنسانية ‏في القطاع وترويجها لجهود الإغاثة التي تقوم بها مؤسسة ‏غزة الإنسانية التي تقتصر مواقع توزيعها على جنوب غزة ‏وتصفها منظمات الإغاثة والأمم المتحدة بالخطيرة وغير ‏الفعالة. وتنفي المؤسسة ذلك.‏ ومع تجاوز عدد قتلى حرب غزة المستمرة منذ قرابة العامين ‏الستين ألف قتيل، صار عدد متزايد من الناس يموتون من ‏الجوع وسوء التغذية، وفقا للسلطات الصحية في غزة. ‏وصدمت صور الأطفال الذين يتضورون من الجوع ضمير ‏العالم وأججت الانتقادات الدولية لإسرائيل بسبب التدهور ‏الحاد للأوضاع.‏ وسبق أن واجه بايدن هو الآخر ضغوطا هائلة من أعضاء ‏الحزب الديمقراطي من أجل تخفيف وطأة المعاناة الإنسانية ‏في غزة. وبالإضافة إلى عمليات إسقاط المساعدات الغذائية، ‏بما في ذلك الوجبات الجاهزة، كلّف بايدن الجيش الأميركي ‏ببناء رصيف بحري مؤقت قبالة غزة لنقل المساعدات إلى ‏القطاع.‏ لكن الرصيف، الذي أعلن عنه الرئيس السابق خلال خطاب ‏أمام الكونغرس وبثه التلفزيون في آذار/مارس 2024، شكّل ‏مسعى ضخما وتطلّب حوالي ألف جندي أميركي لتنفيذه.‏ إلاّ أن سوء الأحوال الجوية وتحديات التوزيع داخل غزة حدّت ‏من فاعلية ما يقول الجيش الأمريكي إنه كان أكبر جهد ‏لتوصيل المساعدات على الإطلاق في الشرق الأوسط. ولم ‏يعمل الرصيف سوى لمدة 20 يوما تقريبا وكلف حوالي 230 ‏مليون دولار.‏

واشنطن: الإسقاط الجوي للمساعدات غير واقعي ولا يلبي الاحتياجات
واشنطن: الإسقاط الجوي للمساعدات غير واقعي ولا يلبي الاحتياجات

ليبانون ديبايت

timeمنذ ساعة واحدة

  • ليبانون ديبايت

واشنطن: الإسقاط الجوي للمساعدات غير واقعي ولا يلبي الاحتياجات

رفضت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب اعتبار عمليات الإسقاط الجوي للمساعدات "خياراً جدياً" لدعم قطاع غزة، رغم تزايد الوفيات بين المدنيين جراء الجوع وسوء التغذية. وأكدت مصادر أميركية أن الإدارة ترى أن عمليات الإسقاط الجوي لن تلبي احتياجات أكثر من مليوني فلسطيني في غزة، مشيرة إلى أن هذا الخيار لم يُدرس بجدية خلال المداولات الداخلية، ووُصف بأنه "غير واقعي". ويأتي ذلك فيما نفذ حلفاء للولايات المتحدة عمليات إسقاط جوي للمساعدات في القطاع، بينما انتقدت منظمات إغاثة إنسانية هذه الخطوات، واعتبرتها رمزية لا تعوّض عن فتح طرق برية لإدخال كميات كافية من المواد الغذائية. وأكد البيت الأبيض ترحيبه بـ"الحلول المبتكرة" لتخفيف الأزمة الإنسانية، في حين عبّر الرئيس الأميركي عن دعمه لمؤسسة غزة الإنسانية التي تعمل على توزيع المساعدات، لكنه شدد على ضرورة عدم وصول الدعم إلى حركة "حماس". وتأتي هذه التطورات في ظل استمرار الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة، التي أودت بحياة أكثر من 60 ألف شخص، وسط تقارير عن تدهور حاد في الأوضاع الإنسانية، ونقص شديد في الغذاء والمواد الأساسية. وبدأت إسرائيل السماح بإسقاط المواد الغذائية من الجو في أواخر تموز، مع تصاعد الضغوط العالمية إزاء تفاقم المعاناة الإنسانية في غزة جراء الحرب. يُذكر أن إدارة بايدن السابقة كانت قد نفذت عمليات إسقاط جوي للمساعدات، وشرعت في بناء رصيف بحري مؤقت قبالة غزة لتسهيل إدخال المساعدات، إلا أن هذه الجهود لم تحقق تأثيرًا كبيرًا بسبب تحديات لوجيستية وأحوال جوية صعبة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store