
لأول مرة.. الحوثيون يعلنون قصف مطار بن غوريون 'ردًا على قصف الضاحية الجنوبية لبيروت'
أعلن الناطق العسكري باسم جماعة الحوثي، يحيى سريع، أن الجماعة نفذت عملية عسكرية باستخدام صاروخ باليستي من طراز 'فلسطين 2″، استهدف مطار بن غوريون في مدينة اللد، قرب تل أبيب، ردًا على غارات اسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت.
وقال سريع في بيان، طالعه المشهد اليمني، إن 'العملية حققت أهدافها وأجبرت الملايين من المستوطنين على الدخول إلى الملاجئ، وأدت إلى تعليق حركة الملاحة الجوية في المطار'. وأوضح أن الهجوم يأتي ردًا على 'جريمة التجويع والتعطيش التي يتعرض لها سكان قطاع غزة، والعدوان الإسرائيلي على ضاحية بيروت الجنوبية'.
وتعد هذه المرة الأولى التي تعلن فيها جماعة الحوثي تنفيذ عملية عسكرية مباشرة ضد أهداف داخل 'إسرائيل' ردًا على غارات اسرائيلية استهدفت ضاحية بيروت الجنوبية.
في المقابل، نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن وزير الحرب الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، أن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو أصدر تعليمات 'بمهاجمة وتدمير مواقع يستخدمها حزب الله في تصنيع وتخزين الطائرات المسيرة'.
لأول مرة.. الحوثيون يعلنون قصف مطار بن غوريون 'ردًا على قصف الضاحية الجنوبية لبيروت'
أعلن الناطق العسكري باسم جماعة الحوثي، يحيى سريع، أن الجماعة نفذت عملية عسكرية باستخدام صاروخ باليستي من طراز 'فلسطين 2″، استهدف مطار بن غوريون في مدينة اللد، قرب تل أبيب، ردًا على غارات اسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت.
وقال سريع في بيان، طالعه المشهد اليمني، إن 'العملية حققت أهدافها وأجبرت الملايين من المستوطنين على الدخول إلى الملاجئ، وأدت إلى تعليق حركة الملاحة الجوية في المطار'. وأوضح أن الهجوم يأتي ردًا على 'جريمة التجويع والتعطيش التي يتعرض لها سكان قطاع غزة، والعدوان الإسرائيلي على ضاحية بيروت الجنوبية'.
وتعد هذه المرة الأولى التي تعلن فيها جماعة الحوثي تنفيذ عملية عسكرية مباشرة ضد أهداف داخل 'إسرائيل' ردًا على غارات اسرائيلية استهدفت ضاحية بيروت الجنوبية.
في المقابل، نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن وزير الحرب الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، أن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو أصدر تعليمات 'بمهاجمة وتدمير مواقع يستخدمها حزب الله في تصنيع وتخزين الطائرات المسيرة'.
بدوره، صرّح مصدر مسؤول في حزب الله لوسائل إعلامية أن 'التصعيد الإسرائيلي يأتي لخدمة أهداف شخصية لرئيس الوزراء نتنياهو'، مؤكدًا أن 'الدولة اللبنانية مطالبة باتخاذ إجراءات فورية لمواجهة هذا العدوان'.
ودعا الحزب المجتمع الدولي والدول العربية إلى 'اتخاذ موقف واضح وفاعل لوقف التصعيد الإسرائيلي المستمر'.
ردود رسمية من لبنان
الرئيس اللبناني ميشال عون أدان 'بشدة الغارات الإسرائيلية على محيط العاصمة بيروت'، واعتبرها 'استباحة سافرة لاتفاق الهدنة وخرقًا للسيادة الوطنية'.
من جانبه، وصف رئيس الحكومة اللبنانية الاعتداءات بأنها 'انتهاك واضح للقرار الدولي 1701″، داعيًا المجتمع الدولي إلى 'تحمل مسؤولياته في ردع إسرائيل والضغط عليها للانسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلة'.
في السياق نفسه، أفادت مراسلة الجزيرة بأن ضاحية بيروت الجنوبية تعرضت لـ21 غارة جوية، نُفذت بطائرات مسيرة ومقاتلات حربية إسرائيلية.
بدوره، صرّح مصدر مسؤول في حزب الله لوسائل إعلامية أن 'التصعيد الإسرائيلي يأتي لخدمة أهداف شخصية لرئيس الوزراء نتنياهو'، مؤكدًا أن 'الدولة اللبنانية مطالبة باتخاذ إجراءات فورية لمواجهة هذا العدوان'.
ودعا الحزب المجتمع الدولي والدول العربية إلى 'اتخاذ موقف واضح وفاعل لوقف التصعيد الإسرائيلي المستمر'.
ردود رسمية من لبنان
الرئيس اللبناني ميشال عون أدان 'بشدة الغارات الإسرائيلية على محيط العاصمة بيروت'، واعتبرها 'استباحة سافرة لاتفاق الهدنة وخرقًا للسيادة الوطنية'.
من جانبه، وصف رئيس الحكومة اللبنانية الاعتداءات بأنها 'انتهاك واضح للقرار الدولي 1701″، داعيًا المجتمع الدولي إلى 'تحمل مسؤولياته في ردع إسرائيل والضغط عليها للانسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلة'.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


حضرموت نت
منذ 2 ساعات
- حضرموت نت
ليلة غامضة في عمران.. اغتيال واعتقالات واتهامات متبادلة داخل الحوثيين
نفذت ميليشيا الحوثي حملة اعتقالات واسعة في محافظة عمران، وذلك على خلفية اغتيال قيادي بارز في صفوفها قبيل عيد الفطر، في ظروف غامضة أثارت تساؤلات واسعة حول ملابسات الحادثة. وقالت مصادر أمنية لـ'المشهد اليمني'، اليوم السبت، إن ميليشيا الحوثي شنت حملة مداهمات واعتقالات في مدينة ريدة بمحافظة عمران، عقب اغتيال القيادي الحوثي عمار الملاحي، شقيق مسؤول التعبئة العامة للحوثيين في محافظة البيضاء. وأوضحت المصادر أن عملية الاغتيال وقعت فجر يوم الخميس الماضي، وسط اتهامات داخلية بتصفية حسابات بين أجنحة الجماعة، بينما تحاول الميليشيا امتصاص غضب أسرة الملاحي عبر مداهمات واعتقالات تستهدف مواطنين لا علاقة لهم بالجريمة. وأكدت المصادر أن أجهزة أمن الحوثيين في مديرية ريدة داهمت، يوم الجمعة، منازل عدد من المواطنين من قبائل 'آل سران'، بحجة خلافات مالية نشبت مؤخرًا بين القيادي المغتال جمال مجمل سران والقيادي القتيل عمار الملاحي. ووفقًا للمصادر ذاتها، فرض مسلحون حوثيون، بالتنسيق مع أقارب الملاحي، حصارًا مسلحًا على منازل قبيلة آل سران، وتخلل ذلك تبادل لإطلاق النار واقتحام لمنازل الشيخ رضوان سران والشيخ محمد قايد سران، قبل أن يتم اقتيادهما إلى جهة مجهولة. وتشير المعطيات الأولية إلى أن اغتيال الملاحي قد يكون جزءًا من صراع داخلي بين قيادات الحوثيين، في حين تحاول الجماعة إظهار الأمر كجريمة جنائية عبر تحميل أطراف خارجية المسؤولية، وشن حملة اعتقالات تهدف إلى امتصاص الغضب القبلي.


Independent عربية
منذ 3 ساعات
- Independent عربية
من عبد الناصر إلى "حزب الله": أمين الجميل يروي كيف نجا لبنان من السقوط
على امتداد أكثر من 50 عاماً من تاريخ لبنان، يكاد اسم الرئيس أمين الجميل يتداخل مع مسار الجمهورية نفسها، من نشوء التيارات القومية العربية في خمسينيات القرن الماضي، مروراً بانفجار الصراع الفلسطيني على الأرض اللبنانية وصولاً إلى الحرب الأهلية فالاجتياح الإسرائيلي والهيمنة السورية، ثم دخول لبنان مرحلة النفوذ الإيراني عبر "حزب الله"، كان الجميل شاهداً ومشاركاً كما فاعلاً في معركة "التصدي" لتغيير وجه لبنان، في آنٍ معاً. منذ أن واكب بدايات الصراع اللبناني الداخلي في ظل "المد الناصري"، وتصدى لمحاولات ضم لبنان إلى وحدة دمشق – القاهرة، ثم عايش تمدد المنظمات الفلسطينية وتحويل جنوب لبنان إلى منصة صراع مفتوح مع إسرائيل، كان الجميل يرى في كل محطة مشروعاً مهدداً لكيان الدولة. لكن المشهد الأكثر دراماتيكية في مسيرته السياسية بدأ بعد اغتيال شقيقه الرئيس المنتخب بشير الجميل عام 1982، وبعدها انتُخب أمين رئيساً للجمهورية وسط الاحتلال الإسرائيلي لبيروت، وتحت أعين العالم المشتعل من حول لبنان. منذ ذلك الحين، ظلت الرئاسة بالنسبة إليه ساحة صراع وجودي: مرة في مواجهة السوري، وأخرى في مواجهة الإسرائيلي، وثالثة في التصدي لمشروع تحويل لبنان إلى وطن بديل للفلسطينيين، ورابعة في وجه السلاح الإيراني الممتد عبر "حزب الله". اليوم، بعد كل هذه العقود من الصدامات، يطل الرئيس أمين الجميل برؤية جديدة نسبياً. فالأخطار الوجودية كما يراها قد تراجعت، والفرصة تلوح لإعادة ترميم لبنان، شرط ألا يُفوّت اللبنانيون هذه اللحظة كما أضاعوا سابقاتها. في هذا السياق، أجرت "اندبندنت عربية" حواراً شاملاً مع الرئيس الجميل، تناول فيه محطات المواجهة الوطنية، وواقع الدولة والسلاح، ومآلات الهيمنة الخارجية، وفرص الخروج من النفق، والسلام في المنطقة. نكون أو لا نكون يبدأ الجميل حديثه بسرد مرحلة دخوله المعترك السياسي في ستينيات القرن الماضي، وهو الذي عايش سلسلة من المحطات التي لم تكن مجرد أحداث سياسية أو منازعات داخلية، بل صراعات وجودية حقيقية على هوية لبنان وبقائه ككيان مستقل. ويعتبر أن تاريخه وتاريخ الجمهورية اللبنانية مسارين متداخلين، حيث مثلت كل مرحلة من مراحل الصراع الإقليمي والدولي تحدياً مباشراً لكيان لبنان ولفكرته كدولة ذات سيادة. ويكشف عن أنه في مطلع حياته السياسية واجه المرحلة الناصرية، حين شكل مشروع الرئيس المصري السابق جمال عبدالناصر للوحدة العربية خطراً فعلياً على استقلال لبنان، ويقول "اندلاع ثورة 1958 لم يكن مجرد تمرد داخلي بل نتيجة مباشرة لمحاولات إخضاع لبنان لمسار سياسي إقليمي لا يُشبه نسيجه الوطني. بلدنا كان أول ضحايا النزعة الوحدوية الناصرية، وقد تسببت تلك المرحلة بتوترات طائفية وأمنية كادت تطيح كيان الدولة الناشئة". يرى رئيس لبنان السابق أن مرحلة هيمنة منظمة التحرير الفلسطينية كانت أخطر محاولة لتصفية الكيان اللبناني وتحويله إلى "وطن بديل". لم يكن الأمر مجرد دعم للقضية الفلسطينية كما سُوق في الإعلام العربي آنذاك، بل خطة متكاملة لتوطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وإغلاق ملف العودة على حساب التركيبة اللبنانية والسيادة الوطنية. وهكذا تحول جنوب البلاد إلى منصة عسكرية تطلق منها العمليات الفدائية ضد إسرائيل، مما أعطى الأخيرة مبرراً لـ "عملية الليطاني" عام 1978 ثم اجتياح عام 1982، وصولاً إلى العاصمة بيروت. ذلك الاجتياح لم يكن الحدث الوحيد الخطر في تلك المرحلة، إذ ترافق مع اغتيال شقيقه الرئيس المنتخب بشير الجميل في 14 سبتمبر (أيلول) 1982، فانتُخب هو في واحدة من أصعب لحظات تاريخ الجمهورية، ليقود ما تبقى من مؤسسات الدولة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، ثم التدخل السوري المباشر. مع ذلك، يعتبر الجميل أن لبنان صمد، لا بمعنى الانتصار العسكري، بل ببقائه قائماً كدولة. كيف صمد لبنان؟ على رغم اختلال موازين القوى، يصر الرئيس الجميل على أن لبنان قاوم ونجا. "المقاومة لم تكن متكافئة، بل محلية في وجه دول" كما يقول، لكنها نجحت في منع اندثار الكيان. ويعدد محطات الصمود: من 1958 إلى مواجهة المشروع الفلسطيني، ومن ثم الصراع مع النظام السوري، فرفض الوصاية الكاملة، إلى تحدي "حزب الله" لاحقاً. ويرى أن الصمود لم يكن فقط بالسلاح، بل بالتمسك بفكرة لبنان: بالدستور، بالتعددية، بالدولة. هذا المفهوم، بحسب الجميل، هو الذي مكَّن لبنان من الحفاظ على جوهره حتى اليوم، على رغم الحروب والتدخلات الخارجية ومرحلة الاغتيالات. مودعاً ابنه بيار الجميل بعد مقتله بإطلاق الرصاص على سيارته عام 2006 (أ ف ب) يؤكد الجميل أن الثمن كان باهظاً، من الدماء إلى الانقسامات، لكن الخط الأحمر الذي لم يُتجاوز هو بقاء لبنان كدولة غير مندمجة في مشاريع الآخرين. ويذكّر بأن "بيت بكفيا" (في دلالة إلى عائلتهم التي تنحدر من بلدة بكفيا) نفسه قدم من أبنائه، من شقيقه بشير إلى ابنه الوزير بيار الجميل، الذي اغتيل عام 2006، ومايا ابنة بشير التي قتلت بعمر السنتين، ومانويل وأمين أسود ابن شقيقته بعمر الـ16، وغيرهم، في سبيل بقاء هذه الدولة. بالنسبة إلى الجميل فإن هذه التجربة تحمل درساً واضحاً، "لبنان لا يُهزم إذا تماسك داخلياً"، مهما كان حجم الأخطار. وفي نظره، فإن المرحلة الحالية تتطلب قراءة دقيقة لهذه التجربة، من أجل البناء على الصمود السابق، لا فقط لتوثيقه. فرصة تاريخية في لحظة سياسية شديدة التعقيد، يعبر الرئيس الجميل عن تفاؤل استثنائي، إذ يرى في انتخاب العماد جوزاف عون رئيساً، وتكليف الرئيس نواف سلام تشكيل الحكومة، مؤشراً إلى بداية مرحلة جديدة. ويعتبر أن هذه اللحظة هي الأولى منذ عقود التي تتراجع فيها التهديدات الوجودية، ويفتح المجال أمام ترميم فعلي للدولة. ويذكّر بأن لبنان كثيراً ما ضيع الفرص بسبب الصراعات الداخلية، لكنه يرى في الظرف الحالي تلاقياً نادراً بين استقرار نسبي إقليمي، وتوفر نخب لبنانية قادرة على الإنجاز. ويقول بوضوح "هذه فرصة أكيدة للبنان، إذا عرفنا كيف نستفيد منها يمكننا أن نبني أجمل بلد في العالم". "أعطونا السلام وخذوا ما يدهش العالم"، وهو الذي قالها في الأمم المتحدة عام 1983. الرئيس أمين الجميل في الأمم المتحدة عام 1983 - الأول إلى اليسار في الصف الأول (أ ف ب) يشدد الجميل على الطاقات البشرية في لبنان والانتشار اللبناني العالمي، مستعرضاً نماذج من النجاح اللبناني في الخارج، ويؤكد أن رأس المال الفكري وحده كفيل بإعادة بناء الدولة والاقتصاد إذا توفر الاستقرار السياسي. لكنه يربط النجاح بشرطين: الأول، تخلي القوى السياسية عن الأنانيات الصغيرة. والثاني، حشد الطاقات الوطنية خلف مشروع دولة. ويختم بالتأكيد أن هذه المرحلة "لا تشبه شيئاً مما سبق"، وأن الأمل لم يكن أقوى مما هو عليه اليوم. من ورقة مواجهة إلى عبء استراتيجي في مقاربته لملف سلاح "حزب الله"، يتناول الجميل القضية من زاوية استراتيجية، لا فقط سياسية. ويسأل مباشرة: ما مغزى هذا السلاح اليوم؟ وهل لا يزال قابلاً للاستخدام؟ ويجيب بأن الحزب يملك قوة كبيرة، لكنه فقد القدرة على استعمالها في ظل المتغيرات الحالية. ويعتبر أن السلاح الذي كان يُسوّق بوصفه أداة لمحاربة إسرائيل، أصبح اليوم عبئاً على الحزب نفسه. ويطرح تساؤلات حول كلفته، وظيفته، مستقبله، في ظل التفاهمات الإيرانية – الأميركية التي يُحكى عنها، وواقع المنطقة المتغير. ويشير إلى أن أي استخدام جديد لهذا السلاح سيضع الحزب في مواجهة مع البيئة اللبنانية نفسها، لأن الداخل لم يعد يحتمل سلاحاً خارج الدولة. ويرى أن على "حزب الله" أن يعترف بأنه أمام منعطف، وأن المطلوب هو إدماج السلاح ضمن المؤسسة الرسمية، لا الاحتفاظ به كورقة تفاوض، ما دام أنه على الصعيد الاستراتيجي فقد دوره وفاعليته. وفي ظل المتغيرات الدولية والإقليمية والمحلية، من مصلحة الحزب، إن أراد أن يؤدي دوراً سياسياً في الداخل، أن يتخلى عن منطق القوة العسكرية. ويذهب الجميّل أبعد من ذلك، معتبراً أن مستقبل "حزب الله" السياسي مرهون بكيفية تصرفه في هذا الملف، لأن "من يراهن على السلاح بعد اليوم، سيخسر كل شيء"، في ظل نظام إقليمي متبدل وسقف دولي صارم. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) مشروع انتهى وأوهام سقطت يتعامل الجميل مع ملف السلاح الفلسطيني من منظور تاريخي واستراتيجي، فيراه اليوم "عبئاً لا قضية". فبعدما كان يُقدّم كأداة ضد إسرائيل، تحول إلى وسيلة لتصفية الحسابات بين الفصائل داخل المخيمات. ويقول "سلاح أبو فلان ضد سلاح أبو علتان. لم يعد لهذا السلاح خارج الدولة أية وظيفة وطنية أو قومية". ويعتبر أن "اتفاقية القاهرة" التي شرعت هذا السلاح داخل لبنان لم تكن إلا خدعة سياسية، استخدمها الفلسطينيون لتقوية نفوذهم على حساب الدولة اللبنانية. لكن الزمن انقلب، والفصائل الفلسطينية نفسها أصبحت مفككة وعاجزة عن إنتاج رؤية موحدة أو مشروع فاعل. يرى الجميل أن السلاح الفلسطيني اليوم لا يُهدد إسرائيل بل يهدد لبنان والأنظمة العربية، وأنه لا بد من إنهاء هذه الحال وإعادة الاعتبار للمخيمات بوصفها مناطق مدنية لا أمنية. كذلك يؤكد أن القضية الفلسطينية لا تُخدم بسلاح منفلت، بل بخطة سياسية واضحة تضع حداً للتمزق والانقسام، وحشد الدعم والطاقات على الصعيد الإنمائي والاجتماعي ليكون عنوان المرحلة القادمة: الإنماء والسلام. من الهيمنة إلى الانهيار علاقة الجميل بسوريا معقدة وملأى بالصدامات، وهو يروي كيف واجه نظام حافظ الأسد، الذي يصفه بأنه "نظام رعب وفساد ولا منطق فيه". ويؤكد أنه حين تحاور مع الأسد كان دائماً يطالب بالحديث في الوقائع والمنطق والسلام للجميع، لكنه كان يصطدم بمنظومة العنف والغطرسة والأنانية غير القابلة للتفاهم. يعتبر أن الانهيار الذي شهدته سوريا خلال العقد الماضي كان متوقعاً، لأن النظام القائم لم يكن راسخاً، بل هشاً في جوهره. ومع ذلك، يدعو اليوم إلى فتح صفحة جديدة في العلاقة بين لبنان وسوريا. ويؤكد أن بين لبنان وسوريا علاقات إنسانية واقتصادية وتاريخية لا يمكن قطعها، لكنه يشترط أن تبنى العلاقة الجديدة على التكافؤ واحترام السيادة، مشيراً إلى أن لبنان بحاجة إلى سوريا قوية، مستقرة، غير مهيمنة، وسوريا بدورها بحاجة إلى لبنان داعم لا تابع. في ختام حديثه، يستعرض الجميل المشهد الإقليمي والدولي، ويرى أن المنطقة تسير نحو منطق جديد لا يقوم على الحروب، بل على التفاهمات، مشيراً إلى أن المبادرة العربية للسلام التي وقعت في لبنان عام 2002 لا تزال تمثل إطاراً صالحاً، وأن التفاهم مع إسرائيل، حتى لو لم يكن سلاماً كاملاً، أصبح جزءاً من معادلات المنطقة. ويحذر من تفويت اللحظة الراهنة، داعياً إلى "تفاهم لبناني داخلي" يعيد ترتيب الأولويات، ويؤسس لدولة قادرة على مواكبة التحولات والتطورات الجديدة في المنطقة ككل، وإلا سنبقى الى جانب الطريق بينما الآخرون يتقدمون ويتطورون. ويختم "لا يمكن أن نبقى في حال حرب دائمة، هذا المنطق سقط، المطلوب هو التفاهم، والاستقرار وإعادة بناء لبنان كدولة رائدة ذات دور طليعي في المنطقة، وتستحق الحياة".


Independent عربية
منذ 5 ساعات
- Independent عربية
اجتياح 1982: يوم خسرت قضية فلسطين معركة السلاح وربحت الدبلوماسية
تنطبق مقولة "التاريخ يعيد نفسه، أولاً كمأساة وثانياً كمهزلة" على لبنان بصورة دقيقة. هذا البلد الذي لم يدفن الماضي تحت التراب، بل خزنه في الزوايا المظلمة من الذاكرة الوطنية ليعود ذلك الماضي إلى الواجهة كلما ظن الناس أنهم طووا صفحته. ولا تمر عقدة سياسية أو هزة أمنية إلا وتتكشف معها ملامح دورة تاريخية مألوفة، انقسام داخلي واستقطاب خارجي ثم انفجار. من الحرب الأهلية التي اندلعت تحت شعارات عديدة مثل الوجود الفلسطيني والقضية الفلسطينية أحد أهم عواملها، إلى الاجتياح الإسرائيلي تحت شعار "السلام للجليل"، إلى الحروب المتكررة التي تخاض بأسماء مختلفة ورايات متبدلة كحرب يوليو (تموز) 2006، إلى "حرب الإسناد" منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023، والمشهد يعيد نفسه بوتيرة مؤلمة. فلبنان لا يعيد فقط أخطاءه بل يعيد إنتاج بنيته المأزومة، دولة عاجزة وطوائف متوجسة وأحزاب مسلحة وشعب يدفع الثمن دائماً. وبينما يركض العالم إلى الأمام، يبقى هذا البلد يراوح مكانه ويتنقل بين الركام والرهانات الخاسرة، وكأن قدره أن يبقى ساحة لا دولة، ومسرحاً لصراعات الآخرين لا موطناً لمواطنيه. ما أشبه اليوم بالبارحة في مثل هذا اليوم، السادس من يونيو (حزيران) 1982، بدأ الاجتياح الإسرائيلي للبنان في عملية عسكرية أطلقت عليها إسرائيل اسم "السلام للجليل"، سرعان ما تحولت إلى حرب شاملة امتدت إلى قلب بيروت مخلفة دماراً واسعاً وخسائر بشرية جسيمة. وتحت ذريعة الرد على محاولة اغتيال سفيرها لدى لندن شلومو أرغوف من قبل "منظمة أبو نضال"، شنت إسرائيل هجوماً واسعاً استهدف منظمة التحرير الفلسطينية وقوات النظام السوري، وأسفر عن حصار بيروت الغربية لمدة ثلاثة أشهر انتهت بخروج المنظمة من لبنان. اليوم وبعد 43 عاماً على ذلك الاجتياح، تعود الذاكرة اللبنانية إلى تلك الأيام العصيبة، وبخاصة مع التصعيد العسكري والغارات المتنقلة التي تشنها القوات الإسرائيلية على كامل الأراضي اللبنانية، بذريعة القضاء على "حزب الله" وتدمير مخازن ومصانع أسلحته. وأمس عاشت العاصمة بيروت وتحديداً الضاحية الجنوبية فصلاً من نماذج الحرب، بعدما شنت القوات الإسرائيلية ما يقارب 23 غارة من مسيرات وقصفاً من مقاتلات إسرائيلية، بعد وقت قصير من إصدار الجيش الإسرائيلي أوامر إخلاء لمبان في الحدث وحارة حريك وبرج البراجنة، تمهيداً لقصف مواقع قالت إسرائيل إن "حزب الله" يستخدمها لتصنيع مسيرات، وأنها تابعة لـ"الوحدة 127" الجوية التابعة للحزب، وأنها أبلغت واشنطن مسبقاً بضرب بيروت. وعاش البيروتيون ليلة جديدة من الإنذار بالإخلاء والنزوح والخوف والهلع، تزامنت مع عيد الأضحى. ما أشبه اليوم بالبارحة، فبعد أكثر من أربعة عقود على اجتياح عام 1982، تعود بيروت مسرحاً للغارات والدمار في مشهد يعيد إلى الأذهان صور الحصار والنزوح والقلق الذي عاشه اللبنانيون آنذاك. سيناريوهات الماضي الأليم خلال يونيو 1982، شهد لبنان واحدة من أكثر المحطات دموية وتعقيداً في تاريخه الحديث، حين اجتاحت القوات الإسرائيلية أراضيه ضمن عملية عسكرية وصفت بأنها الأوسع منذ نكسة عام 1967. ولم تكن العملية وليدة لحظة أمنية عابرة، بل نتيجة تراكمات سياسية وعسكرية محلية وإقليمية، شملت تمدد نفوذ منظمة التحرير الفلسطينية في جنوب لبنان، وتحوله إلى ساحة اشتباك مفتوحة مع إسرائيل. وجاءت الحرب تحت ذريعة "ضمان أمن الجليل"، لكنها سرعان ما تجاوزت أهدافها المعلنة وصولاً إلى حصار بيروت واقتحام العاصمة، في مشهد أحدث تحولاً جذرياً في التوازنات اللبنانية الداخلية، وقلب معادلات القضية الفلسطينية ودشن مرحلة جديدة من التدخلات الإقليمية والدولية في الشأن اللبناني. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) فاجتياح عام 1982 لم يكن مجرد حرب عسكرية، بل لحظة مفصلية أعادت تشكيل خريطة النفوذ في لبنان، وأسهمت في تآكل الدولة المركزية ومهدت لصعود قوى لبنانية مسلحة برعاية خارجية، كان أبرزها لاحقاً "حزب الله". وهذه اللحظة تستحق التذكير، ليس فقط كحدث عسكري بل كشرخ سياسي واجتماعي ما زال لبنان يعيش في ظله حتى اليوم، مما يثير مخاوف من تكرار سيناريوهات الماضي الأليم. وفي ذكرى ذلك الاجتياح، يتجدد التساؤل حول قدرة لبنان على تجنب دوامة العنف، والبحث عن سبل لتحقيق الاستقرار والسلام في منطقة لا تزال تعاني تداعيات صراعات الماضي. تصفية منظمة التحرير لم يكن اجتياح إسرائيل للبنان مجرد رد عسكري على عمليات "فدائية" تنطلق من جنوب لبنان، بل كان عملية سياسية وعسكرية معقدة استهدفت تصفية منظمة التحرير، وإعادة تشكيل النظام السياسي اللبناني بما يتماشى مع الرؤية الإسرائيلية للمنطقة. فتلك الحرب كانت أوسع من مجرد حماية المستوطنات الشمالية، بل كانت حرباً على هوية لبنان وموقعه في المعادلة الإقليمية. وكانت إسرائيل ترى في وجود منظمة التحرير داخل لبنان تهديداً استراتيجياً مزدوجاً، عسكرياً عبر العمليات "الفدائية"، وسياسياً عبر صعود تمثيل المنظمة ككيان شرعي بديل للسلطة الإسرائيلية في الأراضي المحتلة. وأرادت إسرائيل كسر هذا الزخم السياسي عبر ضرب بنية المنظمة داخل بيروت وتشتيت قيادتها، في إطار مشروع أوسع لتحييد لبنان سياسياً وإنهاء حال العداء معه، والهدف الإسرائيلي النهائي كان توقيع معاهدة سلام لبنانية-إسرائيلية، مما يوسع من شرعية إسرائيل إقليمياً. وأرادت إسرائيل في ذلك الوقت تقليص حجم النفوذ السوري المتنامي داخل لبنان، بعد دخول القوات السورية عام 1976. وكانت الحرب اللبنانية خلقت فراغاً واسعاً، حاول النظام السوري ملأه تدريجاً. فجاء اجتياح عام 1982 كرسالة إلى دمشق ومقدمة لتقسيم مناطق النفوذ. إعادة تشكيل التوازنات مع دخول الجيش الإسرائيلي إلى قلب بيروت، انهار ميزان القوى الذي فرضته الحرب الأهلية. وصعدت قوى لبنانية كانت متحالفة مع إسرائيل، لا سيما "القوات اللبنانية"، في مقابل تراجع التيارات الوطنية واليسارية. وظهر كأن الكيان اللبناني في طريقه لأن يعاد بناؤه على أساس طائفي جديد مدعوم إسرائيلياً، لكنه سُحق لاحقاً باغتيال الرئيس بشير الجميل، وبعدم قبول شرعية هذا التوجه من قبل غالبية اللبنانيين، مما دفع إلى نهاية وهم "الحياد اللبناني"، إذ أثبت الاجتياح أن لبنان لم يعد قادراً على لعب دور "الوسيط" أو "المنطقة العازلة" في الصراع العربي-الإسرائيلي، وأصبح رسمياً ساحة تصفية حسابات إقليمية، وانهار الخطاب الرسمي اللبناني حول الحياد والسيادة، مما أسهم لاحقاً في شرعنة وجود قوات أجنبية على أراضيه (سوريا وإسرائيل وإيران عبر "حزب الله")، ذلك أنه وبسبب الاجتياح دخلت القوى الدولية بصورة أوسع على خط الأزمة اللبنانية، من إرسال قوات متعددة الجنسيات إلى بيروت إلى تدخل الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي حينها، عبر وساطات مختلفة. وعلى رغم أن هذا الحضور الدولي كان يهدف لإنهاء الحرب، فإنه زاد من تعقيدها وربطها بالصراعات الكبرى داخل المنطقة. بروز المقاومة اللبنانية دفع ذلك الاجتياح إلى ولادة شكل جديد من "المقاومة" لم يكن فلسطينياً بل لبنانياً. ووُلد "حزب الله" من رحم الاحتلال، وبدأت مرحلة جديدة من الصراع عنوانها "مقاومة إسلامية" ذات بعد إقليمي، إيراني هذه المرة، أدت إلى انسحاب إسرائيلي لاحق من الجنوب عام 2000، وإن بثمن سياسي باهظ. ولكن كيف غير اجتياح عام 1982 البوصلة السياسية لمنظمة التحرير؟ لم يكن الاجتياح الإسرائيلي في ذلك العام، مجرد حملة عسكرية تهدف إلى إبعاد مقاتلي منظمة التحرير من الحدود الشمالية لإسرائيل، بل شكل نقطة تحول استراتيجية في مسيرة المنظمة، من الكفاح المسلح كوسيلة وحيدة للتحرير إلى اعتماد الدبلوماسية كأداة رئيسة لنيل الاعتراف والحقوق الوطنية. مثَّل الوجود الفلسطيني في بيروت قبل الاجتياح أحد أهم مكاسب المنظمة منذ تأسيسها، إذ كانت تسيطر على أجزاء واسعة من لبنان وبخاصة في الجنوب، وأطلقت عملياتها ضد المستوطنات الإسرائيلية الشمالية مما دفع إسرائيل للتدخل في لبنان ضمن عملية محدودة استغرقت أياماً خلال مارس (آذار) 1978 فيما عرف بـ"عملية الليطاني"، وذلك في محاولة لوقف الهجمات الفلسطينية. خلال ذلك الزمن تحولت العاصمة اللبنانية إلى منصة إقليمية ودولية لصوت المقاومة الفلسطينية، ومع اجتياح القوات الإسرائيلية ووصولها إلى مشارف بيروت، ثم خروج القيادة الفلسطينية إلى تونس، خسرت المنظمة ملاذها الجغرافي الأخير الذي كانت تدير منه عملياتها العسكرية والسياسية بحرية نسبية. هذا الخروج الجبري أضعف قدرة المنظمة على تنفيذ عمليات عسكرية واسعة النطاق، وفتح الباب أمام مراجعة شاملة لاستراتيجيتها. مراحل الاستسلام أو مغادرة بيروت ابتداء من أواخر يونيو 1982، فرضت إسرائيل حصاراً خانقاً على بيروت الغربية دام أكثر من شهرين، واستخدمت فيه أساليب القصف المدفعي والجوي المكثف لإجبار منظمة التحرير على الاستسلام أو الخروج. وهذا الحصار خلق مأزقاً إنسانياً وسياسياً حاداً، وأثار موجة إدانات دولية خصوصاً مع سقوط آلاف المدنيين اللبنانيين والفلسطينيين بين قتيل وجريح. وتحت الضغط الأميركي والدولي، وتحديداً بوساطة المبعوث الأميركي فيليب حبيب، تُوصل إلى اتفاق خلال الـ20 من أغسطس (آب) يقضي بخروج منظمة التحرير من بيروت تحت إشراف قوات متعددة الجنسيات، ضمن خطة منظمة لنزع فتيل الأزمة. وبالفعل، بدأت عملية الإجلاء خلال الـ21 من الشهر نفسه، واستمرت حتى الأول من سبتمبر (أيلول) من العام ذاته، حين غادر ياسر عرفات المدينة في مشهد رمزي على متن سفينة "أتلانتس" اليونانية، وقال أحد معاونيه إنه بكى على متن تلك السفينة وهي تغادر مرفأ بيروت، في لحظة ضعف نادرة من الختيار (لقب عرفات)، مودعاً آخر قاعدة عسكرية للمنظمة على مقربة من فلسطين. وغادرت قوات المنظمة المدينة في قوافل بحرية إلى دول عربية عدة، منها اليمن والجزائر والسودان والعراق، لكن الوجهة السياسية والعسكرية الرئيسة كانت تونس العاصمة، حيث انتقلت القيادة العامة للمنظمة بما في ذلك رئيسها ياسر عرفات، وأصبحت تونس مقراً رئيساً لها حتى توقيع اتفاق أوسلو خلال سبتمبر عام 1993، وهو أول اتفاق رسمي مباشر بين إسرائيل ممثلة في وزير خارجيتها آنذاك شمعون بيريز ومنظمة التحرير ممثلة في الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات. وشكل إعلان المبادئ والرسائل المتبادلة نقطة فارقة في صورة العلاقة بين المنظمة وإسرائيل. لم تكن بيروت مجرد مدينة لجوء للفلسطينيين، بل كانت بمثابة العاصمة السياسية والرمزية البديلة لفلسطين. منها كانت تدار العمليات العسكرية وتصاغ الخطابات، وتُستقبل الوفود العربية والدولية. وكان الفلسطينيون للمرة الأولى يملكون موقعاً سياسياً وعسكرياً شبه سيادي، لا يخضع لهيمنة الدولة المستضيفة بالكامل. ومع الخروج القسري إلى تونس انتهى هذا الامتياز، وانقطعت آخر صلة مباشرة بالأرض الفلسطينية من حيث الجوار الجغرافي والرمزية الثورية، وبذلك دخلت القضية الفلسطينية مرحلة الاغتراب السياسي، ولم يعد هناك وجود جغرافي فعال للقيادة الفلسطينية في جوار فلسطين. فتونس، وعلى رغم كونها دولة داعمة كانت بعيدة جغرافياً ونفسياً من الأرض، وهو ما أضعف الحس الفوري بقرب التحرير وأصبح القرار الفلسطيني أكثر عزلة وأقل ارتباطاً بالشارع الفلسطيني والعربي. ففي بيروت، كانت المنظمة تصنع الفعل وتطلق الرصاصة، أما في تونس باتت تصدر البيانات وتعقد المؤتمرات. النكبة الفلسطينية الثانية لم يكن خروج منظمة التحرير من بيروت خلال خريف عام 1982 مجرد نتيجة لعملية عسكرية إسرائيلية ناجحة، بل كان حدثاً مفصلياً أعاد تشكيل الوعي الفلسطيني والعربي تجاه القضية الفلسطينية. فإذا كانت نكبة عام 1948 أسفرت عن ضياع الأرض، فإن نكبة بيروت مثلت ضياع الموقع واغتراب القرار، وتفكك الجغرافيا الثورية التي كانت تشكل الامتداد الحي للنضال الفلسطيني. ومثَّل هذا الخروج نهاية مرحلة الوجود الفلسطيني المسلح داخل لبنان، وبداية مرحلة جديدة من النضال السياسي والدبلوماسي، فرضته الجغرافيا والوقائع الإقليمية. وكانت تلك النقلة أشبه بـ"نكبة ثانية"، إذ فقدت منظمة التحرير قاعدتها الأقرب إلى فلسطين، واضطرت إلى مواصلة الكفاح من المنفى البعيد في ظل انكشاف متزايد أمام الضغوط الإسرائيلية والدولية. وعلى رغم البطولات الفردية شكل الاجتياح هزيمة سياسية ونفسية للمنظمة، مشاهد الدمار والمجازر (وبخاصة صبرا وشاتيلا) وغياب القدرة على التصدي للآلة العسكرية الإسرائيلية، أعادت تساؤلات داخل القيادة الفلسطينية حول جدوى استمرار "البندقية وحدها" في ظل ميزان قوى مائل بالكامل. وبدأ الإدراك يتنامى بأن كسب الرأي العام العالمي قد يصبح أداة أكثر تأثيراً من السلاح، وصولاً إلى نقطة التحول في خطاب ياسر عرفات داخل الأمم المتحدة عام 1988، بعد ستة أعوام من ترك بيروت، إذ أعلن القبول بالقرار 242 والاعتراف بحق إسرائيل في الوجود، والدعوة إلى دولتين. ولم يكن ذلك الخطاب ممكناً لولا تداعيات اجتياح عام 1982. فالإبعاد من الميدان العسكري خلق حافزاً للبحث عن شرعية سياسية جديدة تكسب المنظمة مكاناً على الطاولة بدل ساحة المعركة. فالمفاوض الفلسطيني الذي جلس في مدريد ثم في أوسلو، كان فقدَ عمقه الميداني وانحسر عنه الدعم العسكري والشعبي الذي كانت توفره له المخيمات والجبهات القريبة. وهذا ما أضعف أوراقه التفاوضية وجعله أقرب إلى موقع "طالب دولة" منه إلى "حامل حق وشرعية نضال". صعود السياسة وانحسار "العمل الفدائي" بعد الاجتياح، دخلت منظمة التحرير في مسار طويل من التفاوض السياسي، تخلله مؤتمر مدريد (1991) واتفاق أوسلو (1993). وحتى داخل المنظمة، بدأ الصعود التدريجي للنخب الدبلوماسية على حساب القيادات العسكرية، خصوصاً في ظل ابتعاد الساحة اللبنانية وتراجع دور المخيمات كمصدر تعبئة رئيسي. ويمكن القول إن الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 لم ينه فقط مرحلة من العمل الفلسطيني، بل أطلق تحولاً استراتيجياً في هوية منظمة التحرير. فبعدما كانت الثورة ترتكز على البندقية، باتت تبحث عن الاعتراف الدولي عبر المنابر السياسية. ودفع الخروج من بيروت المنظمة إلى الدخول في بيروقراطية السياسة الدولية، والاقتناع بأن الشرعية لا تنتزع فقط من فوهة البندقية بل من منصة الخطاب والدبلوماسية أيضاً. في المحصلة لم يكن خروج منظمة التحرير من بيروت مجرد انسحاب تكتيكي، بل نكبة ثانية بكل ما تحمله الكلمة من معنى. فقدَ الفلسطينيون آخر نقطة ارتكاز في محيط وطنهم، وتحولت قضيتهم من مشروع تحرر له أدواته إلى ملف سياسي تبحث عنه العواصم الكبرى وتقرره التوازنات الدولية. نكبة عام 1982 كانت أكثر من هزيمة عسكرية، كانت فقداناً للبوصلة الجغرافية التي لا تزال فلسطين تعاني ارتباكها حتى اليوم. أما بالنسبة إلى لبنان فإن اجتياح عام 1982 كان أكثر من معركة عسكرية، كان مشروعاً سياسياً هدف إلى إعادة رسم خريطة لبنان وتفكيك ما تبقى من الهوية العربية له. أما داخلياً، فقد زعزع هذا الاجتياح توازن الطوائف وعمَّق الصراعات، وأخرج لبنان من نطاق "الدولة" إلى مشروع "الساحة". وعلى رغم انسحاب إسرائيل لاحقاً فإن تداعيات هذا الاجتياح لا تزال تؤثر في صورة الدولة اللبنانية وفي بنية وشرعية "مقاوماتها"، وفي موقعها ضمن النظام الإقليمي حتى اليوم.