
كيف فرضت قطر نفسها لاعبًا إقليميًّا وعالميًّا؟
في زمن يطغى فيه صوت المدافع على نداء السلام، تبرز قطر كنموذج فريد لدولة كبيرة في التأثير والحضور السياسي!
نجحت الدوحة، عبر نظامها السياسي المحنّك، في أن تتحول إلى نقطة التقاء للمتخاصمين، ووجهة أولى لطالبي الوساطة والسلام، مثبتة بذلك أن ثقل الدول لا يُقاس بعدد الجنود ولا بمساحة الأرض، بل بعمق الرؤية ونضج السياسات.
اعتمدت قطر على مزيج من الثبات والمرونة في سياساتها الخارجية، حيث بقيت على مواقفها المبدئية دون أن تنجرّ وراء الانفعالات أو الاصطفافات العقيمة.
هذا الثبات منحها ثقة المجتمع الدولي، ليس فقط على مستوى الحكومات، بل حتى على مستوى الشعوب. وبلا دعاية مباشرة، تمكّنت من ترسيخ صورة ذهنية إيجابية عنها في اللاوعي الجمعي العالمي، كدولة تسعى إلى التهدئة لا التصعيد، إلى البناء لا الهدم.
ومنذ سنوات، تمارس قطر دورًا محوريًّا في رأب الصدع وإنهاء الخلافات، لا سيما في المنطقة العربية التي عانت -ولا تزال- من ويلات النزاعات والانقسامات.
لم تكن الوساطات القطرية مجرد تحركات دعائية، بل كانت مبادرات جادة ومثمرة في عديد من الملفات، من لبنان إلى السودان، ومن أفغانستان إلى غزة، حيث سعت لإطفاء نار الفتنة وإحلال التوافق.. هذا الدور لم يكن سهلًا، لكنه كان مدروسًا ومحسوبًا بدقة، يعكس إدراكًا عميقًا لتعقيدات الواقع الإقليمي والدولي.
تقوم السياسة القطرية على مبادئ الاحترام المتبادل، وعدم التدخل السلبي في شؤون الآخرين، مع ممارسة نوع من "التدخل الإيجابي" حين تدعو الحاجة إلى إصلاح ذات البين، أو حماية المدنيين من تبعات النزاعات.
بهذا الأسلوب، لم تدخل قطر في خصومات عبثية، بل كسبت احترام خصومها قبل أصدقائها، وأصبحت طرفًا مقبولًا في طاولات التفاوض حتى من قِبل الذين لا يتوافقون مع سياستها.
من اللافت أن قطر استطاعت توظيف مواردها وقدراتها بطريقة إستراتيجية تخدم رؤيتها الكبرى، لا سيما في مجالي الإعلام والدبلوماسية؛ فوسائلها الإعلامية مارست دورًا مهمًّا في إبراز الحقائق وإعطاء صوت للمهمّشين، بينما عملت دبلوماسيتها الهادئة -بعيدًا عن الضجيج- على بناء علاقات متوازنة مع الجميع، من الشرق إلى الغرب.
وبينما انشغلت دول كثيرة في بناء ترساناتها العسكرية أو فرض نفوذها بالقوة، كانت قطر تبني لنفسها مكانة ناعمة لكنها راسخة، قائمة على الكلمة والموقف والنية الصادقة. لم تسعَ لأخذ دور أكبر من حجمها الجغرافي، لكنها نجحت في أن تكون أكثر تأثيرًا من كثير من الدول الكبرى في ملفات السلام والمصالحة.
إن التجربة القطرية تقدم اليوم درسًا مهمًّا: لا يشترط أن تكون الدولة عظمى لتكون مؤثرة، بل يكفي أن تكون دولة ذات رؤية، ثابتة على مبادئها، حريصة على مدّ الجسور لا بناء الأسوار. وبهذا المعنى، تُعد قطر قصة نجاح سياسي في زمن تعقّدت فيه الحسابات، وتراجعت فيه القيم.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
محللون: ترامب ممثل ويضع مصالحه قبل مصالح أميركا
يرى خبراء أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يمارس السياسة بمنطق خارج عن المألوف، وأنه يتخذ خطوات غير متوقعة مع الحلفاء والخصوم على حد سواء، وهو أمر يمكن تلمسه في تعامله مع المكسيك وكندا وروسيا. اقرأ المزيد


الجزيرة
منذ 5 ساعات
- الجزيرة
كيف فرضت قطر نفسها لاعبًا إقليميًّا وعالميًّا؟
في زمن يطغى فيه صوت المدافع على نداء السلام، تبرز قطر كنموذج فريد لدولة كبيرة في التأثير والحضور السياسي! نجحت الدوحة، عبر نظامها السياسي المحنّك، في أن تتحول إلى نقطة التقاء للمتخاصمين، ووجهة أولى لطالبي الوساطة والسلام، مثبتة بذلك أن ثقل الدول لا يُقاس بعدد الجنود ولا بمساحة الأرض، بل بعمق الرؤية ونضج السياسات. اعتمدت قطر على مزيج من الثبات والمرونة في سياساتها الخارجية، حيث بقيت على مواقفها المبدئية دون أن تنجرّ وراء الانفعالات أو الاصطفافات العقيمة. هذا الثبات منحها ثقة المجتمع الدولي، ليس فقط على مستوى الحكومات، بل حتى على مستوى الشعوب. وبلا دعاية مباشرة، تمكّنت من ترسيخ صورة ذهنية إيجابية عنها في اللاوعي الجمعي العالمي، كدولة تسعى إلى التهدئة لا التصعيد، إلى البناء لا الهدم. ومنذ سنوات، تمارس قطر دورًا محوريًّا في رأب الصدع وإنهاء الخلافات، لا سيما في المنطقة العربية التي عانت -ولا تزال- من ويلات النزاعات والانقسامات. لم تكن الوساطات القطرية مجرد تحركات دعائية، بل كانت مبادرات جادة ومثمرة في عديد من الملفات، من لبنان إلى السودان، ومن أفغانستان إلى غزة، حيث سعت لإطفاء نار الفتنة وإحلال التوافق.. هذا الدور لم يكن سهلًا، لكنه كان مدروسًا ومحسوبًا بدقة، يعكس إدراكًا عميقًا لتعقيدات الواقع الإقليمي والدولي. تقوم السياسة القطرية على مبادئ الاحترام المتبادل، وعدم التدخل السلبي في شؤون الآخرين، مع ممارسة نوع من "التدخل الإيجابي" حين تدعو الحاجة إلى إصلاح ذات البين، أو حماية المدنيين من تبعات النزاعات. بهذا الأسلوب، لم تدخل قطر في خصومات عبثية، بل كسبت احترام خصومها قبل أصدقائها، وأصبحت طرفًا مقبولًا في طاولات التفاوض حتى من قِبل الذين لا يتوافقون مع سياستها. من اللافت أن قطر استطاعت توظيف مواردها وقدراتها بطريقة إستراتيجية تخدم رؤيتها الكبرى، لا سيما في مجالي الإعلام والدبلوماسية؛ فوسائلها الإعلامية مارست دورًا مهمًّا في إبراز الحقائق وإعطاء صوت للمهمّشين، بينما عملت دبلوماسيتها الهادئة -بعيدًا عن الضجيج- على بناء علاقات متوازنة مع الجميع، من الشرق إلى الغرب. وبينما انشغلت دول كثيرة في بناء ترساناتها العسكرية أو فرض نفوذها بالقوة، كانت قطر تبني لنفسها مكانة ناعمة لكنها راسخة، قائمة على الكلمة والموقف والنية الصادقة. لم تسعَ لأخذ دور أكبر من حجمها الجغرافي، لكنها نجحت في أن تكون أكثر تأثيرًا من كثير من الدول الكبرى في ملفات السلام والمصالحة. إن التجربة القطرية تقدم اليوم درسًا مهمًّا: لا يشترط أن تكون الدولة عظمى لتكون مؤثرة، بل يكفي أن تكون دولة ذات رؤية، ثابتة على مبادئها، حريصة على مدّ الجسور لا بناء الأسوار. وبهذا المعنى، تُعد قطر قصة نجاح سياسي في زمن تعقّدت فيه الحسابات، وتراجعت فيه القيم.


الجزيرة
منذ 12 ساعات
- الجزيرة
دعوات أممية ودولية للتحقيق في إطلاق نار على دبلوماسيين بجنين
دعت الأمم المتحدة والعديد من الدول الغربية إسرائيل إلى التحقيق في حادثة إطلاق جنود الاحتلال الإسرائيلي النار على وفد من الدبلوماسيين الأوروبيين والعرب أثناء زيارتهم أمس إلى مخيم جنين للاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة. وقال ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة إن الأمين العام أنطونيو غوتيريش يعرب عن قلقه إزاء هذه التقارير التي تُفيد بأن جنودا إسرائيليين أطلقوا طلقات تحذيرية على الوفد الدبلوماسي، بمن فيهم موظفون من الأمم المتحدة. وشدد على وجوب عدم إطلاق النار على الدبلوماسيين الذين يؤدون عملهم أو مهاجمتهم، مضيفا "من الواضح أنه يجب دائما احترام سلامتهم وأنشطتهم الحيوية. وأي استخدام للقوة ضدهم أمر غير مقبول". ودعا دوجاريك السلطات الإسرائيلية إلى إجراء تحقيق شامل في الحادث، مؤكدا أنه ينبغي مشاركة النتائج مع الأمم المتحدة واتخاذ كل الاحتياطات اللازمة لمنع تكرار مثل هذه الأعمال. وكان وفد من 35 دبلوماسيا يقوم بجولة ميدانية أمس الأربعاء في محافظة جنين للاطلاع على الأوضاع الإنسانية فيها، وتعرضوا لإطلاق نار أثناء زيارتهم إلى مخيم جنين رغم أن الزيارة كانت منسقة مع الجيش الإسرائيلي. إدانات دولية وعقب الحادثة توالت الإدانات الدولية، حيث اعتبر رئيس الوزراء الكندي أن الطلقات التحذيرية بالضفة "مرفوضة بالكامل"، واستدعت الخارجية القطرية السفير الإسرائيلي في أوتاوا لمطالبته بإجابات. كما أعلنت المكسيك أمس أنها ستطلب "توضيحات" من إسرائيل في أعقاب الحادث، وقالت وزارة الخارجية المكسيكية إنه ليس هناك ما يفيد بأن الدبلوماسيين دخلوا إلى منطقة غير مرخص لهم الدخول إليها. وأعلنت وزارة خارجية أوروغواي أنها استدعت أمس الأربعاء السفيرة الإسرائيلية في مونتيفيديو"لتوضيح الحقائق المبلغ عنها" في أعقاب إطلاق جنود الاحتلال أعيرة نارية تحذيرية باتجاه الدبلوماسيين الأجانب. كما أعلنت وزيرة الخارجية الكندية أمس أنها طلبت من المسؤولين في السفارة استدعاء السفير الإسرائيلي "لإبلاغه بمخاوف كندا الجدية" وطالبت بتحقيق شامل ومحاسبة المسؤولين عن الحادثة. بدوره قال الوزير البريطاني لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هاميش فاكونر إن مثل هذه الأحداث "غير مقبولة" داعيا إلى "إجراء تحقيق شامل ومحاسبة المسؤولين". وكذلك وصف وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو الحادث بأنه "غير مقبول" واستدعت سفير إسرائيل في باريس للتوضيح، كما استنكرت وزارة الخارجية الألمانية ما وصفته "بإطلاق النار غير المبرر". وأعلنت وزارة الخارجية الإيطالية أنها استدعت السفير الإسرائيلي في روما "للاحتجاج" و"طلب تفسيرات". من جهتها أكدت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس علمها بالواقعة وحثت إسرائيل على التحقيق فيها ومحاسبة المسؤولين عنها. وفي أنقرة، قالت وزارة الخارجية التركية إن إطلاق النار على الدبلوماسيين، وبينهم أتراك، "دليل آخر على تجاهل إسرائيل المنهجي للقانون الدولي وحقوق الإنسان". رفض عربي واستنكرت دول عربية إطلاق جنود الاحتلال النار على الوفد الدبلوماسي ودعت إلى محاسبة دولية وتوضيحات إسرائيلية، وذلك وفق مواقف رسمية صدرت عن السعودية وقطر ومصر والأردن وفلسطين، معتبرة أن ما جرى يمثل انتهاكا للقوانين والمواثيق الدولية والأعراف الدبلوماسية. وتأتي الواقعة في ظل تزايد الضغوط الدولية على إسرائيل لوقف حرب الإبادة التي تشنها على قطاع غزة والسماح بوصول المساعدات إلى السكان الذين يقول خبراء الأمم المتحدة إنهم على شفا المجاعة بعد حصار إسرائيلي استمر 11 أسبوعا.