logo
روسيا إلى أين؟ في عهد بوتين

روسيا إلى أين؟ في عهد بوتين

الميادينمنذ 11 ساعات
"روسيا في عهد بوتين"، كتاب الدكتور بشارة صليبا، يروي سردية واقعية داخلية لجهة الحقوق والحريات، وخارجية لجهة الإشكالية مع الغرب، لكن روسيا عرفت بحكم واقعها الجيوسياسي والتاريخيّ، حدثين عظيمين كانا بمنزلة زلزالين، الأول ثورة أكتوبر 1917، التي أظهرت قدرة روسيا على قيادة حركة تجديد تقدمية فوق حطام النظام الاستعماري الغربي المتهالك، والحدث الثاني كان تفكّك الاتحاد السوفياتي عام 1991 كاشفاً عن حجم الجريمة التي ارتكبت من الداخل الروسي، والدفع التآمري المفتعل نحو زلزال التجربة الفريدة في التاريخ البشري. والإشكالية الأساسيّة التي طرحها المؤلف هي الآتية: إلى أي حدّ هي مشروعة الانتقادات المعبّر عنها ضدّ السلطة الروسيّة، والمتعلّقة بنقص الحقوق والحريات في روسيا.
يقسم المؤلف كتابه "روسيا في عهد بوتين" إلى عنوانين: الجزء الأوّل هو: روسيا: ولادة صعبة وانتقادات شرسة. والجزء الثاني عنوانه: العلاقات مع الغرب،تبدّلات، قضاء دستوريّ وإداري.
وحرص المؤلف على تركيز البحث في الجزء الأول على القانون الوضعي (droit positif)، والتعديلات، والنصوص. وفي الجزء الثاني يتركّز البحث على القضاء الدستوري، الإداريّ والدوليّ.
ولفهم سياسة الرئيس بوتين ومواقفه الأيديولوجية المتصلة بالحقوق والحريات، ينبغي العودة إلى التاريخ وإلى الدراسات الأنتروبولوجية والجيوسياسية، حيت يحدّد البوصلة :"وثمة مزيج من (نوعي قضايا مثارة)، أي طبيعة النظام السياسيّ الذي لا يحترم معايير الديمقراطية وحقوق الإنسان، (كما يذكر المؤلف) والمستمرّ في ممارسة الحكم المستهجن، إنّما بطريقة انتقائية، ورغم ذلك، بذلت روسيا كلّ ما تستطيع للتقرّب من الغرب، بدءاً بالتقرّب القانوني. مثلاً: إنشاء المحاكم الإدارية التي يستطيع المواطنون تقديم عرائضهم أمامها مباشرةً، بينما كانت "القضايا الإدارية، تُحلّ سابقاً في إطار القضاء المدنيّ.
يشير المؤلف في كتابه "روسيا في عهد بوتين"، إلى سؤال يطرحه ألكسندر أرخانغلي، "بين الجغرافيا والتاريخ روسيا القرن العشرون " ماذا ننتظر من روسيا؟" ويرى "أن روسيا تملك رسالة سياسيّة وفريدة بفضل واقعها الجيوسياسيّ الخاص ووزنها العسكري والاقتصاديّ . إنّها رسالة توازن بين الصين، التي تتطوّر بسرعة فائقة، وأوروبا، البطيئة جداً. على هذا النحو أقامت روسيا، في القرون الوسطى، توازناً بين المجال الأوروبي وقبائل التتار والمغول . لا أحد ينتظر من روسيا أن تعثر على مكانها الطبيعيّ في أوروبا".
حاول المؤلف في كتابه تسليط الضوء على واقع الحقوق والحريات في روسيا بوتين، بيد أنّ بعض المحلّلين الغربييّن ألقوا، مع ذلك، نظرة نسبيّة إلى متانة البنية الاقتصادية الروسية بهدف زرع الشكوك على المدى المتوسط، تحديداً بانخفاضات محتملة في أسعار مواد الطاقة الخام (النفط والغاز). والتنويع الاقتصادي قادر ، إلى حدّ ما، على خفض هذا الاعتماد على مصدر واحد إذ لم يكن يشكل القطاع النفطيّ – الغازي سوى 18.9 من الناتج المحلي الإجمالي (PIB) الروسيّ، وينبغي أن تنخفض بحسب توقعات وزارة المالية إلى 14.9 %، وفي الواقع، كان النموّ في شكل أساسيّ "نموّاً إصلاحياً، أما الوعد الذي أطلقه الرئيس فلاديمير بوتين عام 2012 بأن يجعل بلده خامس قوّة اقتصادية عالمية بحلول 2020 كان صعباً الوفاء به: تراجعت روسيا من المركز العاشر إلى الثاني عشر عالمياً!
يكشف المؤلف في كتابه "روسيا في عهد بوتين"، روسيا في عهد بوتين، أن الرئيس فلاديمير بوتين، حاسم في إعادة ترميم ما يدعوه "عمودية السلطة ". السنوات الأولى من رئاسة بوتين خلقت مجالاً لتحليلات جدّ متناقضة. هل تعتقدون أنّنا نشهد حالياً انحرافاً استبدادياً في روسيا وأنّ أحد المبادىء التي أرستها البريسترويكا، أي حرية التعبير، بات مهدداً؟ سألت آنّ نيفا (Nivat) – كلا، حرية التعبير ليست مهددة في روسيا، إنّما لا يعني ذلك أن الحكومة الحالية لا تواجه صعاباً في تحديد الموقف الواجب تبنّيه حيال وسائل الإعلام . عدد المنشورات والمحطات التلفزيونية (خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار المحطات المحلية) تضمن عدم تهديد التعدّدية. في المقابل، الأكثر غموضاً بكثير، هو هامش عمل الصحافيين الروس بأنفسهم. إنهم مضطّرون دوماً في الواقع إلى اعتماد خيارات بين المبادىء المتعلقة بالواجبات الأدبية وحقيقة أنهم موظفون لدى هذه الأوليغارشيّة أو تلك، وهدفهم الأوحد هو أن يكونوا موجودين ومؤثّرين في الساحة السياسية ما يجعلهم مجبرين على الرقابة الذاتية، وهي أيضاً تطبيق شائع بين الإعلاميين الروس.
يقارن المؤلف د. بشارة صليبا في كتابه "روسيا في عهد بوتين"، إن بوتين أفاد من تناقضات الروس، الحائرين بين الرغبة في القطع مع الشيوعية، والحنين إلى النظام القديم. إنّه يجسّد التوق إلى الاستقرار ورفض المغامرة. لم تعد روسيا ترى نفسها في الصراع مع الغرب. ولكن ترى روسيا أن الغرب يخون منظومة القيم التي لطالما تغنّى بها، سواء في فرنسا أم في إيطاليا أم في ألمانيا أم في الولايات المتحدة، فالعالم كله يغلي مثل المرجل، وتُطرح الأسئلة الأساسية مجدّداً حول ماهية وكيفية التطبيقات بين النظرية والواقع. مع استمرارّ الاقتصاد الروسي في تطوره نحو اقتصاد السوق ، مع رقابة مباشرة للدولة بكل التبعات الناجمة عن ذلك لناحية الحريات الفردية؟.
ينظر المؤلف إلى بداية الإصلاحات الاقتصادية في روسيا كنقطة انطلاق للتغييرات العميقة التي تحصل في هذا البلد. أحسنت روسيا التأقلم مع اقتصاد السوق، تقول أولغا فندينا (Vendina): "عبر قيامها بذلك، استطاعت روسيا تحمّل خسارة أهميّتها التاريخيّة العالميّة واختيار الانفتاح الاقتصادي. الصمود الاقتصاديّ والسياسيّ أفضى إلى مراجعة أولويّات التطوّر المدينيّ وإعادة تنظيم حياة المدينة وفق قواعد اقتصاد السوق". الفوائد والقدرات المالية بدأت تلعب الدور الأوّل في إنجاز خطط تحوّل موسكو، ومع بناء الديموقراطيّة، شهدت تحوّلاً كبيراً: الانتقال نحو اقتصاد السوق الذي يبدو قيد الاكتمال. طوال هذه الرحلة، التي اختبرت روسيا فيها النظم الاقتصادية .
يلاحظ المؤلف في كتابه "روسيا في عهد بوتين"، أن روسيا تعاني نقصاً في الحقوق والحرّيات، وإلاّ ما الذي يمكن أن يفسّر الأعداد الكبيرة التي تناضل ضمن جمعيات حقوق الإنسان وتهرب من الأحزاب السياسية. يعتبرون أنفسهم أصحاب حنين إلى الزمن القديم، من دون أن يرغبوا مع ذلك في العودة إلى الشيوعيّة. هناك روسيا أخرى أيضاً تتطلع إلى المستقبل. "إلى جانب الفئات الاجتماعية الأفقر الساعية قبل كل شيء إلى التأقلم مع واقع مرسوم بالشك في الآتي، تبرز مجموعات اجتماعية تحمل قيماً جديدة وتقوم بتغيير اجتماعي حقيقي. قواعد جديدة للعبة تتثبت شيئاً فشيئاً. يتأرجح المجتمع الروسيّ بين التجديدات والتراجعات، انخفض مستوى معيشة الشعب ما استتبع تراجعاً في الحقوق الاجتماعية. الوضع الاقتصادي في البلد تعدّل بعد الأزمة المالية عام 1998، من القرن الماضي وعدد العائلات الفقيرة، الذي كان ازداد بين عامي 1998 و 1999، لكنه انخفض بشكل ملموس في السنوات الأخيرة من القرن الحالي. الحدّ الأدنى للأجور ارتفع أيضاً. ورغم ذلك، بقيت الهوّة كبيرة بين الأكثر ثراءً والأكثر فقراً: ولا بد من الاشارة، إلى أن الاقتصاد كان خاضعاً للدولة المركزية إلى أقصى حدّ، ثم اقتصاد السوق حيث لم تعد الدولة تضمن المهمّات الأصلية البسيطة تنظيماً. وفي كل مرحلة، توالت الآمال الكبرى وتبدّدت الأوهام الرهيبة، ورغم شغف روسيا باقتصاد السوق والقانون الغربي وتحديداً الفرنسي، ينبغي الإقرار بأن أصداء سياسات الاتحاد السوفياتي الماضية كانت كبيرة. لقد ألهمت الاستراتيجيّات الصناعية العديد من البلدان النامية. بالنسبة إلى العلوم الاجتماعية، التاريخ الروسيّ مختبر فريد: الاتحاد السوفياتي كان مرجعاً في المناقشات حول النموّ الآسيوي، إذ أتاح تشخيص عيوب "الاشتراكية الواقعية" فالتحوّل الروسي أرسى نموذجاً مغايراً لا يستثير اعتراض حتى الرافضين لأيديولوجية السوق.
نجحت روسيا إذاً في تحوّلها، على أيّ حال، مع الاتحاد الأوروبي الذي أضحت شريكة مميّزة له في إطار علاقة غير متناسقة. الاتحاد الأوروبي هو إلى حدّ بعيد الشريك التجاريّ الأول – بجزء من السوق العليا يبلغ خمسين في المئة – والمستثمر الأول في روسيا. إنه الواقع الجميل قبل العام 2022، الذي شهد إطلاق العملية العسكرية لنزع سلاح النازيين الأوكرانيين، حيت تبدل المشهد وانهارت الأحلام، لكن روسيا ما زالت روسيا في المخاض الأليم، كما يكشف كتاب "روسيا في عهد بوتين".
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الاتحاد الأوروبي: لو كان الحل العسكري ممكنا بغزة لكانت الحرب انتهت بالفعل
الاتحاد الأوروبي: لو كان الحل العسكري ممكنا بغزة لكانت الحرب انتهت بالفعل

LBCI

timeمنذ 33 دقائق

  • LBCI

الاتحاد الأوروبي: لو كان الحل العسكري ممكنا بغزة لكانت الحرب انتهت بالفعل

الاتحاد الأوروبي: لو كان الحل العسكري ممكنا بغزة لكانت الحرب انتهت بالفعل رأت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس، أن الحرب في غزة تزداد خطورة يوما بعد آخر، وأكدت أن الحرب ليست الحل. وقالت في بيان على منصة "إكس": "لو كان الحل العسكري ممكنا، لكانت الحرب انتهت بالفعل". وذكرت أن أولويات الاتحاد الأوروبي لا تزال تقديم الدعم الإنساني، عبر أشكال منها تمكين المنظمات غير الحكومية من الوصول إلى غزة، والوقف الفوري لإطلاق النار وإطلاق باقي الرهائن.

كالاس: الاتحاد الأوروبي يعمل على زيادة العقوبات على روسيا
كالاس: الاتحاد الأوروبي يعمل على زيادة العقوبات على روسيا

الميادين

timeمنذ ساعة واحدة

  • الميادين

كالاس: الاتحاد الأوروبي يعمل على زيادة العقوبات على روسيا

أكدت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، أنّ الاتحاد الأوروبي يعمل على زيادة العقوبات على روسيا، وتقديم مزيد من الدعم العسكري والمالي إلى أوكرانيا، ودعم عملية انضمامها إلى التكتل. وفي تصريحات أدلت بها، الاثنين، قالت كالاس إنّ وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي "أعربوا عن دعمهم الخطوات الأميركية التي ستقود إلى سلام عادل" في أوكرانيا. وأضافت: "سننهي هذه الحرب عبر دعم أوكرانيا والضغط على روسيا وتعزيز الوحدة عبر الأطلسي". في سياق متصل، أعلن مكتب الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أنّه سيعقد اجتماعات عبر الإنترنت مع رئيس الحكومة البريطانية، كير ستارمر، والمستشار الألماني، فريدريك ميرتس، بشأن أوكرانيا، الأربعاء، من أجل التنسيق قبل القمة المقررة بين الرئيسين الأميركي والروسي، الجمعة. 10 اب 28 تموز وستعقد ألمانيا الأربعاء أيضاً اجتماعاً عبر الإنترنت للقادة الأوروبيين، من أجل مناقشة سبل الضغط على روسيا لإنهاء الحرب في أوكرانيا، وذلك قبل اجتماع سيُعقد عبر الإنترنت بين الزعماء الأوروبيين والرئيس الأميركي، دونالد ترامب. ومن المتوقع أن يشارك الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، ومسؤولون من الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي في هذا الاجتماع. زيلينسكي بدوره حثّ حلفاء بلاده، اليوم الاثنين، على إبقاء عقوباتهم المفروضة على روسيا إلى حين "حصول أوكرانيا على ضمانات أمنية". والاثنين أيضاً، تحدّث زيلينسكي مع رئيس الحكومة الهندية، ناريندرا مودي، وولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، بشأن "تعزيز موقف أوكرانيا في أي عملية سلام". وقال زيلينسكي إنّه ناقش أيضاً فرض عقوبات على النفط الروسي في المحادثة المطولة مع مودي. وفي وقت سابق من الاثنين، حذّر زيلينسكي من أنّ "أي تنازلات لروسيا لن تقنعها بوقف القتال في أوكرانيا"، داعياً إلى "تكثيف الضغط على الكرملين". يُذكر أنّ ذلك يأتي قبيل لقاء الرئيسين الأميركي والروسي، في الـ15 من آب/ أغسطس الحالي، في ألاسكا. وكانت وكالة "بلومبرغ" الأميركية قد أفادت بأنّ الولايات المتحدة وروسيا تجريان محادثات للتوصل إلى اتفاق يهدف إلى وقف الحرب في أوكرانيا، ويرسّخ الواقع الميداني الذي فرضته موسكو خلال عمليتها العسكرية.

"ألاسكا أم روسيا؟"... زلة لسان لترامب تثير الجدل
"ألاسكا أم روسيا؟"... زلة لسان لترامب تثير الجدل

ليبانون ديبايت

timeمنذ 2 ساعات

  • ليبانون ديبايت

"ألاسكا أم روسيا؟"... زلة لسان لترامب تثير الجدل

روسيا اليوم A+ A- أشعل الرئيس الأميركي دونالد ترامب وسائل التواصل الاجتماعي بعد أن صرّح، خلال مؤتمر صحافي، بنيّته "التوجه إلى روسيا" يوم الجمعة، في إشارة بدت وكأنها زلة لسان بينما كان يقصد ألاسكا، حيث من المقرر أن يلتقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 15 آب. وقال ترامب: "سألتقي بوتين. يوم الجمعة سأذهب إلى روسيا. لا أحب أن أكون هنا (في واشنطن) وأتحدث عن مدى عدم الأمان هنا، والقذارة في هذه العاصمة التي كانت يوما ما جميلة، وأصبحت مليئة بالرسوم الجدارية". التصريح أثار موجة من التعليقات الساخرة على المنصات الرقمية، إذ كتب أحد المستخدمين: "يبدو أنه نسي أن ألاسكا ولاية أميركية"، فيما علّق آخر: "ألاسكا أصبحت ولاية أميركية منذ 1871، هل عادت إلى روسيا مرة أخرى؟". في وقت لاحق، أوضحت وسائل إعلام أميركية أن ترامب كان يقصد أنه ذاهب لعقد صفقة مع روسيا، مشيرة إلى أن اللقاء مع بوتين سيكون تمهيديا لبحث سبل إنهاء النزاع في أوكرانيا، قبل التواصل مع القادة الأوروبيين. ويأتي هذا التصريح قبل أيام من القمة الأميركية – الروسية المرتقبة في ألاسكا، التي أعلنها الكرملين والبيت الأبيض، والمخصصة لمناقشة التسوية طويلة الأمد للنزاع الأوكراني.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store