logo
جرائم غزة.. والمأزق الدولي

جرائم غزة.. والمأزق الدولي

صحيفة الخليجمنذ يوم واحد
د. إدريس لكريني
مازالت إسرائيل مستمرة في ارتكاب المجازر والانتهاكات داخل قطاع غزة، سواء تعلق الأمر بقتل المدنيين من أطفال ونساء ومسعفين وصحفيين، أو تدمير المنازل والمدارس والمستشفيات والطرق والأراضي الزراعية، والبنى التحتية الخاصة بتوريد الطاقة والمياه، ضمن سلوكات عدوانية ومنافية لكل القوانين والمواثيق الدولية، برغم تزايد حدة الرفض التي قوبلت بها هذه العمليات في أوساط الكثير من الدول والمنظمات والهيئات الحقوقية والشخصيات دولياً وإقليمياً.
وهكذا تسببت سلطات الاحتلال في عمليات نزوح قسري جماعي هائل لعدد من السكان المدنيين، بمن فيهم أطفال ونساء (أكثر من 90% من الساكنة)، منذ اندلاع العمليات العسكرية في غزة، من دون أن يكون لذلك أي مبرر أو أساس قانوني مشروع، مع تعريضهم للتجويع ومنع وصول المساعدات الإنسانية من أغذية وأدوية ومياه ووقود إليهم، وهو ما يندرج ضمن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية تفرض تحريك المسؤولية الدولية ومحاسبة الضالعين في هذه الانتهاكات، انسجاماً مع قواعد القانون الدولي.
لم يكن بإمكان سلطات الاحتلال أن تقوم بهذه السلوكات اللامشروعة واللاإنسانية واللاأخلاقية لولا التواطؤ الأمريكي الواضح، وصمت عدد من الدول التي لا تخفي تفهمها للعمليات الإسرائيلية، فالولايات المتحدة وبعض البلدان الغربية هي التي تقدم لها الدعم العسكري والمالي، وتُسَخِّر إمكانياتها الدبلوماسية لمنع صدور قرارات أممية صارمة تدينها وتوقف العدوان.
ومع توالي هذه الانتهاكات، يطرح السؤال حول جدوى القانون الدولي والمؤسسات المعنية بحفظ السلم والأمن الدوليين، فلا مجلس الأمن استطاع أن يتحمل مسؤوليته في سياق صدّ هذا العدوان وحماية الفلسطينيين من الجرائم الناجمة عنه، بفعل الفيتو الأمريكي الذي يكرس منطق القوة بدل قوة القانون، ولا المحكمة الجنائية الدولية التي برزت في سياق تعزيز العدالة الجنائية الدولية، ومنع إفلات المتورطين في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، من الإفلات من العقاب، استطاعت بدورها أن تتحرك بشكل صارم لتوقيف الجناة وتعريضهم للمحاكمة. تتحمل دول العالم مسؤولية جسيمة بصمتها أو تواطئها مع ما ترتكبه إسرائيل من جرائم خطيرة وعلنية في حق المدنيين العُزَّل، لحسابات سياسية وحزبية داخلية (الاستمرار في السلطة)، وبذرائع واهية (ممارسة حق الدفاع الشرعي)، فهي مطالبة بفرض عقوبات صارمة على دولة الاحتلال وإدانة التهجير القسري، والتجويع الجماعي الذي يتعرض له الفلسطينيون، في زمن التشدق بحماية حقوق الإنسان، وبالعمل الجدي لوقف هذه الانتهاكات الجسيمة التي تذكّر بممارسات النازية والفاشية ونظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، والتي ساد الاعتقاد أن العالم قد طوى صفحاتها نهائياً، تجاوباً مع عدد من الضمائر الحية عبر العالم، ومع توجهات محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري الصادر حول الموضوع بتاريخ 19 يوليو/تموز 2024.
يبدو أن إسرائيل التي لم تباشر أي تحقيقات جدّية بصدد الانتهاكات الخطيرة التي ترتكبها قواتها داخل القطاع، مصرّة على إعادة العالم إلى مرحلة ما قبل الأمم المتحدة، وذلك بتوظيفها للقوة العسكرية خارج أي نطاق قانوني أو أخلاقي، وارتكابها جرائم جسيمة في حق الفلسطينيين. لقد كان اللّجوء إلى القوة في العلاقات الدولية قبل إحداث منظمة الأمم المتحدة في عام 1945، وسيلة مألوفة لتنفيذ سياسات الدول القومية، وللحسم فيما يحدث بينها من خلافات ونزاعات، رغم الجهود الدولية المحدودة التي تمت في سياق اتفاقية «دراكو بورتر» لسنة 1907، وعهد عصبة الأمم، وميثاق «بريان كيلوج» لسنة 1928. وعندما اندلعت الحرب العالمية الثانية مخلفة آثاراً كارثية على المستويات الإنسانية والبيئية والمعمارية والاجتماعية والاقتصادية، تبين القصور الذي كان يعتري كل هذه المبادرات التي لم تحل دون قيام هذه الحرب المدمرة. وقد حاول مؤسسو الأمم المتحدة عشية انتهاء هذه الحرب أن يستخلصوا بعض الدروس والعبر، حيث جعلت الهيئة من تحريم استخدام القوة في العلاقات الدولية ضمن أهم المبادئ التي تقوم عليها (الفقرة الرابعة من المادة الثانية للميثاق الأممي)، والتي تظهر أن الميثاق لم يكتف بتحريم اللّجوء إلى القوة فقط، وإنما حتى مجرد التّهديد باستعمالها، كما أنه لم يهتم في ذلك بالأسباب المادية لهذا اللّجوء للقوة بكل أشكالها، أو بوجود سبب «عادل» يبرر استخدامها، بل إن هذا التحريم هو منع مطلق، ولا يمكن أن يبرّر بأي ذريعة من الذرائع، باستثناء حالتين، أشار لهما الميثاق صراحة، أولاهما هي حالة الدفاع الشرعي الفردي أو الجماعي (المادة 51)، وثانيهما هي حالة تدخل الأمم المتحدة لمواجهة تهديد السلم والأمن الدوليين أو الإخلال بهما أو أعمال العدوان (المادتان 41 و42).
إن إسرائيل بارتكابها لهذه الجرائم الوحشية، والإصرار على الاستمرار في تنفيذ سياساتها التعسفية، في تنكر تام لكل المواثيق والقوانين الدولية المرعية، تضع المجتمع الدولي في مأزق حقيقي، وتؤسس لمرحلة دولية مفتوحة على كل الاحتمالات السيئة، ذلك أن التساهل مع هذه الجرائم سيكرس سوابق دولية خطيرة تطبّع مع استخدام القوة العسكرية في العلاقات الدولية، وتفرغ القوانين والمؤسسات الدوليين من دورهما، ما سيشجع دولاً أخرى على السير قدماً لتسوية ما يثور بينها من خلافات بأساليب القوة، ما سيؤدي حتماً إلى انهيار الأمم المتحدة، بل والقانون الدولي برمته.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

من أجل غزة.. النرويج تتبرع بعائدات مباراة إسرائيل في أكتوبر
من أجل غزة.. النرويج تتبرع بعائدات مباراة إسرائيل في أكتوبر

سكاي نيوز عربية

timeمنذ 25 دقائق

  • سكاي نيوز عربية

من أجل غزة.. النرويج تتبرع بعائدات مباراة إسرائيل في أكتوبر

ويلتقي منتخبا النرويج وإسرائيل في أوسلو يوم 11 أكتوبر. وقالت رئيسة الاتحاد النرويجي لكرة القدم ، ليز كلافينيس، في بيان رسمي "نريد التبرع بعائدات المباراة لمنظمة إنسانية تنقذ الأرواح يوميا في غزة، وتقدم مساعدات طارئة بشكل فعال على الأرض". ولم يتضح بعد المبلغ الذي ينتظره الاتحاد النرويجي من بيع تذاكر المباراة، التي ستبدأ الموسم المقبل. رد الاتحاد الإسرائيلي ورد الاتحاد الإسرائيلي لكرة القدم على هذه المبادرة الأربعاء بمطالبة الاتحاد النرويجي بإدانة هجمات 7 أكتوبر 2023 واحتجاز الرهائن على يد حماس. ونشرت صحيفة "تليغراف" البريطانية بيان الاتحاد الإسرائيلي الذي تتضمن أيضا مناشدة نظيره النرويجي بالتأكد من عدم تحويل الأموال إلى منظمات إرهابية أو إلى صيد الحيتان، في إشارة إلى قضية سابقة تعرضت بسببها النرويج لانتقادات عالمية. إجراءات أمنية مشددة وأعلن الاتحاد النرويجي أنه ينسق مع الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا) والشرطة المحلية بشأن الترتيبات الأمنية لمباراة 11 أكتوبر المقبل. وأضاف الاتحاد النرويجي أنه من المتوقع أن تقلل الإجراءات الأمنية المشددة من سعة الملعب بحوالي 3 آلاف تذكرة، علما بأن منتخب النرويج يخوض مبارياته عادة على ملعب "أوليفال" وسط حضور 26 ألف متفرج. في المقابل، لم تتمكن إسرائيل من استضافة مباريات في المسابقات الدولية لأسباب أمنية منذ أكتوبر 2023، حيث خاض مباراته أمام النرويج في المجر، وفاز منافسه بنتيجة 4-2 في مارس. ويعتلي منتخب النرويج قمة المجموعة المكونة من 5 فرق، متفوقا على إسرائيل.

اتفاق سوري إسرائيلي على «التنسيق الأمني» في الجنوب
اتفاق سوري إسرائيلي على «التنسيق الأمني» في الجنوب

البيان

timeمنذ 38 دقائق

  • البيان

اتفاق سوري إسرائيلي على «التنسيق الأمني» في الجنوب

والتوصل لتفاهمات تدعم الاستقرار في المنطقة، ومراقبة وقف إطلاق النار في محافظة السويداء». وتناول الاجتماع أيضاً إعادة تفعيل اتفاقية فض الاشتباك بين إسرائيل وسوريا الموقعة عام 1974 والتي أنشئت بموجبها منطقة عازلة تحت إشراف الأمم المتحدة في هضبة الجولان. وقال مصدر أمني سوري مطلع على الاجتماع إن الشيباني وديرمر اجتمعا بضع ساعات ومعهما الوفدان المصاحبان لهما. وأضاف قائلاً: إن الشيباني شدد على أن تدخلات إسرائيل الحالية في جنوبي سوريا، بما في ذلك توغلات في محافظتي القنيطرة ودرعا، تهدد بزيادة انعدام الاستقرار في المنطقة. فيما أشارت القناة 12 الإسرائيلية إلى أن هذا البيان هو الأول من نوعه منذ نحو 25 عاماً تنشره وسائل إعلام رسمية حول محادثات مباشرة بين الحكومتين السورية والإسرائيلية.

مخطط إسرائيلي يشطر الضفة ويدفن فكرة «الدولة»
مخطط إسرائيلي يشطر الضفة ويدفن فكرة «الدولة»

البيان

timeمنذ 38 دقائق

  • البيان

مخطط إسرائيلي يشطر الضفة ويدفن فكرة «الدولة»

وأعلنت محافظة القدس الاثنين أن نحو 7 آلاف فلسطيني يعيشون في 22 تجمعاً في بادية القدس، يواجهون خطر التهجير القسري، جراء تنفيذ المخطط الاستيطاني. وذكرت أن المخطط سيعزل تجمعين سكنيين عن بلدة العيزرية بشكل شبه كامل.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store