
لماذا غابت 'المسطرة' الوطنية عن نقاشاتنا العامة؟
ربما تبدو نقاشاتنا العامة حول الحرب الدائرة بين إسرائيل وإيران، خاصة فيما يتعلق بموقفنا من إيران، مفهومة في سياق تعددية الآراء، واختلاف وجهات النظر، لكن الأجدى والأولى -في تقديري – أن تأخذ هذه النقاشات مسارات تتعلق بالمصالح العليا للدولة الأردنية، أقصد كيف يمكن أن نتعامل مع هذه الحرب بما يجنبنا تداعياتها وأخطارها، وماذا استفدنا من دروسها، وما الذي يجب أن نفعله، الآن وغداً، لبناء شبكة «ردع» وطنية، في كافة المجالات، تضمن توفير ما نحتاجه من منعة وأمن واستقرار.
لكي تبدو الفكرة أوضح، أشير فقط إلى حالة «الإغراق» التي تعرض لها مجتمعنا، على مدى العامين المنصرفين، من خلال نقاشات حول قضايا مختلف عليها، لم تصبّ في رصيدنا الوطني، وولّدت لدينا انقسامات قد تكون خطيرة، فيما ظل «الشأن الداخلي» وأولوياته على هامش هذه النقاشات، لقد استدعى بعضنا الولاءات الدينية والقومية لإدارة النقاش العام وتوجيهه، ثم إصدار ما يلزم من أحكام ومواقف حول القضايا والنوازل التي شهدها واقعنا، فيما غابت، على الأغلب، «المسطرة» الوطنية، ومعها مصالح الدولة الأردنية.
الآن، حان الوقت لكي نُوجّه نقاشاتنا العامة ومجهودنا الوطني، سواء على صعيد إدارات الدولة أو قوى المجتمع المختلفة، إلى عناوين مفيدة وضرورية، تجعلنا أقرب إلى التوافق، وتساعدنا على وضع ما يلزم من خطة لمواجهة المخاطر التي تتولد كل يوم، وتلقي علينا شظاياها المتفجرة، وتفرض استحقاقاتها وأثمانها السياسية والاقتصادية والأمنية التي لا تعد ولا تحصى، ما يجب أن نفكر به في بلدنا، وسط هذه المنطقة التي تشهد أكبر انفجار تاريخي، هو البحث عن طوق نجاة.
كيف ننجو من هذه الحروب، ثم كيف نتحصن من الوقوع فيما وقع فيه غيرنا من أخطاء، ثم كيف نُجهز أنفسنا ونستعد لأسوأ السيناريوهات والمفاجآت القادمة؟ هذا جزء من الأسئلة الكبرى التي تزدحم بالتفاصيل، وتتغلغل في السياسة والأمن والاقتصاد، في الوعي على الذات وعلى الآخر، في التعامل مع الداخل ومع الخارج، في عمق حركة الدولة وحركة المجتمع، وكلها تحتاج إلى إجابات واضحة.
لا أدري إذا كنا، أقصد من يعنيهم الأمر حيثما كانوا، جاهزين لذلك، ما اعرفه، تماماً، أننا أمام منعطف تاريخي لابد أن نستنفر أمامه بكل طاقاتنا، لا وقت للتباطؤ أو الانتظار، للاعتذار أو الانسحاب، الأردن يجب أن يكون عنواناً لنقاشاتنا العامة، وعنواناً لنفيرنا العام، وعنواناً للتفكير بكل ما يمكن أن يضمن صمودنا وتماسكنا، وقدرتنا على إدارة هذه المرحلة بعقلانية وتوازن وانضباط.
بصراحة، لا يريد الأردن أن يكون طرفاً في هذه الحروب، ولا جزءاً من مشروعاتها، لا يستطيع -منفرداً أو بالنيابة عن العرب – أن يوقفها، أو يواجه استحقاقاتها على المنطقة، لا يمكن أن يغامر بمصالحه العليا ليحظى بتصفيق من هنا، أو يضمن عدم انتقاد من هناك، الدولة الأردنية، بتقديري، تفهم تماما ما جرى منذ 7 أكتوبر وحتى الآن، تعرف خياراتها وتُقدّر إمكانياتها، استدارة الأردنيين والتفافهم حول دولتهم جزء من الوعي على الخطر، ودليل عليه، هذا -بالطبع – لا يكفي، نحن نحتاج إلى أفعال وإنجازات أكبر، وإلى وعي أعمق، وإلى حالة وطنية جديدة، تتناسب مع مخاضات المرحلة وولاداتها القادمة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الغد
منذ 38 دقائق
- الغد
أسبوعا ترامب.. مناورة سياسية أم تمهيد لاشتباك أميركي مع إيران؟
محمد الكيالي اضافة اعلان عمان - في ظل التناقض المتكرر في تصريحات الرئيس الأميركي حول احتمالية تدخل واشنطن في الصراع الإيراني-الصهيوني، تبدو "مهلة الأسبوعين" التي لوّح بها دونالد ترامب أداة سياسية مركّبة، تجمع بين المناورة الاستخباراتية والابتزاز الدبلوماسي.فبحسب محللين سياسيين وخبراء تحدثوا لـ"الغد"، فإن هذه التهديدات توظفها بعض الدوائر كإشارة إلى عمل عسكري وشيك، في حين يراها مراقبون مجرد ورقة ضغط تهدف إلى انتزاع تنازلات إيرانية إضافية، خصوصا في ملف الصواريخ الباليستية، دون الاندفاع نحو حرب شاملة تُهدد تعهدات ترامب الانتخابية بعدم التورط في نزاعات خارجية مفتوحة.وكشفوا عن حسابات ميدانية دقيقة تحكم هذا التردد، تتمثل في حرص ترامب على تهيئة "مسرح العمليات" وتفادي تكرار إخفاقات تدخلات سابقة كما حدث بالملف الحوثي في اليمن.ويُعزز هذا التريث انقسام داخلي عميق في واشنطن بين دعاة المواجهة وأنصار التفاهم، وسط ضغوط مكثفة من اللوبيات المؤيدة لإسرائيل التي ترى اللحظة الراهنة فرصة ذهبية لمحاصرة إيران.وبين التهديد بالتصعيد والتلويح بالتفاوض، يبقى المشهد معلقاً على قرارات متأخرة تحاول كل الأطراف خلالها إعادة ترتيب أوراقها في لعبة إقليمية تتجاوز حدود الميدان العسكري.وفي السياق، أكد أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الألمانية الأردنية الدكتور بدر الماضي، أن المهلة التي يتحدث عنها ترامب بشأن تدخل واشنطن المحتمل في الصراع مع إيران، ليست سوى جزء من أدوات الضغط السياسي التي تمارسها الإدارة الأميركية في محاولة لانتزاع تنازلات إضافية من طهران، لا سيما في ملف الصواريخ.وأوضح الماضي أن الرئيس الأميركي، وفي ضوء التزاماته الانتخابية السابقة، ما يزال يحرص على تجنب الانخراط المباشر في أي حرب خلال فترته الرئاسية، وهو ما يفسر التردد الظاهر في اتخاذ قرار الحسم العسكري.وقال إن هذا التوجه يؤثر بوضوح على المزاج العام للقاعدة الجمهورية داخل الولايات المتحدة، خصوصا في ظل حالة الاستقطاب المتزايدة.وأشار إلى أن إدارة ترامب تواجه في المقابل ضغوطا مكثفة من لوبيات قوية داخل الولايات المتحدة، وعلى رأسها اللوبي المؤيد لإسرائيل، الذي يدفع باتجاه خيار المواجهة.ولفت الماضي إلى وجود انقسام داخلي حاد بين تيارين أميركيين: أحدهما يطالب بالتصعيد العسكري ضد إيران، والآخر يفضل الحلول التفاوضية والسعي نحو تفاهمات إستراتيجية.وأضاف إن هذا الانقسام لا يقتصر على صناع القرار في واشنطن، بل يمتد أيضا إلى السياسة الإقليمية والدولية، حيث تحاول إيران استثمار التناقضات الأميركية لصالحها، وتبعث برسائل مفادها أنها لا ترغب بإطالة أمد الحرب أو توسيع رقعتها، ما دامت تُعامل كقوة إقليمية فاعلة في الشرق الأوسط.وأكد أن طهران تسعى إلى ترسيخ مكانتها كقوة إقليمية معترف بها ولو عبر شعارات متعددة، مثل دعم القضية الفلسطينية أو الدفاع عن الشعوب المظلومة.واستدرك: "لكنها (إيران) في جوهر الأمر تسعى إلى تثبيت نفوذها كلاعب أساسي قادر على تقاسم النفوذ مع إسرائيل، في ظل انقسامات داخل الحكومة الإسرائيلية ودوائر القرار الأميركية".وفي المقابل، يرى خصوم إيران -من داخل الولايات المتحدة ومن أطراف إقليمية حليفة- أن اللحظة الراهنة تمثل "فرصة ذهبية" لمحاصرتها والحد من تهديداتها المستمرة للاستقرار الإقليمي، على حد تعبيرهم.وختم الماضي بالقول إن هناك رهانات داخل واشنطن وتل أبيب وبعض العواصم الإقليمية بأن النظام الإيراني لن يكون قادرا على الصمود طويلا أمام تصاعد الاحتجاجات الداخلية وتنوع المواقف السياسية الداخلية المناهضة له، وهو ما قد يفضي، بحسب هذه القراءة، إلى إعادة إيران إلى حدودها الجغرافية والسياسية الطبيعية، وإشغالها بأزماتها الداخلية، بما يُضعف تأثيرها الإقليمي بشكل تدريجي.من جانبه، اعتبر الخبير العسكري والإستراتيجي نضال أبو زيد أن "مهلة الأسبوعين" التي تحدث عنها ترامب تُعد مؤشرا على سعيه لضمان جاهزية كاملة من الناحيتين الاستخباراتية والعملياتية قبل أي تدخل أميركي محتمل في المنطقة، خصوصا في الملف الإيراني.وأشار أبو زيد إلى أن ترامب يسعى لتفادي تكرار السيناريو الذي حصل مع الحوثيين، حين انخرطت الولايات المتحدة في مواجهة عسكرية استمرت 54 يوما وكلفت الإدارة الأميركية نحو 4 مليارات دولار، من دون تحقيق إنجاز يُذكر، ما اضطرها للانسحاب لاحقا.ولذا، يبدو أن ترامب لا يريد أن يُستدرج إلى معركة تُحمل واشنطن أعباء أزمة الحكومة اليمينية في إسرائيل التي يحاول نتنياهو تصديرها إلى الخارج، بحسبه.وأوضح أن ترامب يعمل على التأكد من أن "مسرح العمليات" أصبح مهيّأ بما يكفي، وأن القوات الأميركية ليست مهددة بشكل مباشر، وأن الأهداف العسكرية قد تم "تليينها" ميدانيا من قبل إسرائيل، وهو مصطلح يُستخدم في العقيدة العسكرية للإشارة إلى تمهيد الأهداف قبل الهجوم، ما يُمهّد لمرحلة تدخل أميركي محسوبة.وربط أبو زيد هذا المسار بالتطورات الدبلوماسية الجارية، مشيرا إلى أن الاجتماعات الأوروبية-الإيرانية التي تعقدها الترويكا (فرنسا، ألمانيا، بريطانيا) في جنيف، وما يتم من مراسلات مع طهران، لا تخرج عن سياق "شراء الوقت"، كما أن التصريحات المتبادلة مع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي تدلّ على وجود محاولات دبلوماسية للتهدئة، لكنها – برأيه – لن تغير في الحسابات العسكرية الأميركية.وشدد على أن ترامب على ما يبدو يخطط لمشاركة أميركية مباشرة في حال تم اتخاذ قرار بالتصعيد، سواء عبر تنفيذ ضربة جوية محدودة تستهدف المنشآت النووية الإيرانية، أو من خلال تقديم الدعم اللوجستي والميداني لوحدات كوماندوز -أميركية أو إسرائيلية- تتولى تنفيذ عملية نوعية على الأرض. وفي الحالتين، يسعى ترامب لأن يبدو "الإنجاز" مشتركا بين الطرفين، ويقدَّم للرأي العام باعتباره نهاية فشل المسار الدبلوماسي.


رؤيا نيوز
منذ ساعة واحدة
- رؤيا نيوز
ترامب يوجه خطاب للامريكيين حول الضربات الجوية على مواقع تخصيب اليورانيوم في ايران
وجه الرئيس الامريكي فجر اليوم خطابا للامريكيين من البيت الابيض في اعقاب تنفيذ مقاتلات امريكية لضربات جوية بصواريخ تحمل قنابل تزن 30 طن من المتفجرات على ثلاث مواقع للمنشآت النووية الايرانية 'فوردو نطنز – اصفهان' وقال انه تم تدمير البرنامج النووي الايراني. وأكد الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه تم القضاء على منشآت إيران النووية، معلناً أن 'البرنامج النووي الإيراني انتهى'. وأضاف في كلمة من البيت الأبيض الأحد، بعد الضربة الأميركية على منشآت إيران النووية الثلاثة فوردو ونطنز وأصفهان، أن على إيران أن تصنع السلام الآن. كما هدد بأن أي هجمات مستقبلية لإيران ستكون أكبر بكثير ما لم يصنعوا السلام. وتابع أن إدارته عملت مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو كفريق، مشدداً أن أمام إيران إما السلام أو مأساة. وأكد سيد البيت الأبيض أن ما زال هناك الكثير من الأهداف، لكن أهداف الليلة كانت الأكثر صعوبة، بحسب تعبيره. أيضاً أعلن ترامب أن أميركا ستضرف أهدافا أخرى بدقة ما لم يتم تحقيق السلام. إلى ذلك، أعلن الرئيس أن الجيش الأميركي سيعقد مؤتمرا صحفيا اليوم الأحد في البنتاغون.


الغد
منذ ساعة واحدة
- الغد
أوقفوا نتنياهو قبل أن يتسبب في قتلنا جميعا
ترجمة: علاء الدين أبو زينة اضافة اعلان جيفري د. ساكس – (كومون دريمز) 2025/6/17تهدد الحرب التي تشنها إسرائيل على إيران الآن باحتمال التصعيد إلى حرب شاملة قد تجرّ الولايات المتحدة وأوروبا إلى جانب إسرائيل، وروسيا -وربما باكستان- إلى جانب إيران. وقد نشهد قريبًا مواجهة بين عدة قوى نووية، على نحو يقرّب العالم أكثر من حافة الإبادة النووية.* * *على مدى ما يقارب 30 عامًا، عكف رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، على دفع الشرق الأوسط نحو أتون الحروب والدمار. كان دائمًا رجلًا أشبه ببرميل بارود من العنف. وطوال الحروب التي دعا إليها وروج لها، ظل نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب- يحلم بالحرب الكبرى: حرب هزيمة وإسقاط النظام الإيراني.والآن، بدأت هذه الحرب التي لطالما سعى إليها، والتي قد تكون سببًا في فنائنا الجماعي في محرقة نووية ما لم يتم وقفه.يعود هوس نتنياهو بالحرب إلى مُلهميه المتطرفين: زئيف جابوتنسكي؛ ويتسحاق شامير؛ ومناحيم بيغن. كان ذلك الجيل الأكبر يؤمن بأن على الصهاينة استخدام أي وسيلة عنف -من الحروب، إلى الاغتيالات إلى الإرهاب- لتحقيق هدفهم المتمثل في القضاء على أي مطالبة فلسطينية بوطن. ودعا مؤسسو الحركة الحركة السياسية التي ينتمي إليها نتنياهو، الليكود، إلى سيطرة صهيونية حصرية على كامل أراضي فلسطين الانتدابية.في بداية الانتداب البريطاني في عشرينيات القرن الماضي، شكّل العرب المسلمون والمسيحيون نحو 87 في المائة من السكان، وكانوا يملكون عشرة أضعاف ما يملكه اليهود من الأراضي. وبحلول العام 1948، كان العرب ما يزالون يشكلون ضعف عدد اليهود تقريبًا. ومع ذلك، أعلنت وثيقة تأسيس الليكود (1977) أن "ما بين البحر والنهر، لن تكون هناك سوى سيادة إسرائيلية".بذلك، يتضح أن الهتاف الذي أصبح تحت الهجوم اليوم: "من النهر إلى البحر"، والذي يُوصَف بأنه معادٍ للسامية، كان في الواقع شعار معاداة الفلسطينيين الذي يتبناه الليكود. كان التحدي الماثل أمام الليكود هو كيفية تحقيق أهدافه التوسعية، على الرغم من أنها تتعارض بوضوح مع القانون الدولي والأخلاقيات العالمية، وكلاهما يدعو إلى حل دولتين.إستراتيجية "القطيعة التامة"في العام 1996، وضع نتنياهو ومستشاروه الأميركيون استراتيجية "القطيعة التامة". ودعت هذه الاستراتيجية إلى عدم انسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية التي احتلتها العام 1967 مقابل السلام، والذهاب بدلًا من ذلك إلى أن تعيد الاستراتيجية تشكيل الشرق الأوسط وفق مصالحها.وكان الأهم في هذه الاستراتيجية هو أنها اعتبرت الولايات المتحدة الأداة الأساسية لتحقيق هذا الهدف -من خلال شن الحروب في المنطقة لإسقاط الأنظمة التي تعارض هيمنة إسرائيل على فلسطين. وطُلب من أميركا أن تخوض الحروب نيابة عن إسرائيل.قامت الولايات المتحدة وإسرائيل بتنفيذ هذه الاستراتيجية فعليًا بعد هجمات 11 أيلول (سبتمبر). وكما كشف القائد الأعلى لقوات "حلف شمال الأطلسي"، الجنرال ويسلي كلارك، فإنه بعد تلك الهجمات، كانت خطة الولايات المتحدة كما يلي:"مهاجمة وتدمير حكومات سبع دول خلال خمس سنوات -تبدأ بالعراق، ثم سورية، ولبنان، وليبيا، والصومال، والسودان، وإيران".كانت أولى هذه الحروب، التي شُنت في أوائل العام 2003، تهدف إلى إسقاط الحكومة العراقية. لكن خُطط الحروب التالية تأجلت نتيجة لغرق الولايات المتحدة في مستنقع العراق. ومع ذلك، دعمت الولايات المتحدة تقسيم السودان في العام 2005، وغزو إسرائيل للبنان في العام 2006، وتوغّل إثيوبيا في الصومال في نفس العام.ثم، في العام 2011، أطلقت إدارة أوباما عملية "تيمبر سيكامور" (1) التي قادتها وكالة المخابرات المركزية ضد سورية. وفي نفس العام، وبالتعاون مع المملكة المتحدة وفرنسا، قامت بإسقاط حكومة ليبيا من خلال حملة قصف جوي. واليوم، هذه الدول إما دُمِّرت أو غارقة في حروب أهلية.كان نتنياهو مشجعًا صريحًا أو سريًا لهذه الحروب الاختيارية، جنبًا إلى جنب مع حلفائه من المحافظين الجدد في الحكومة الأميركية، بمن فيهم بول وولفويتز، ودوغلاس فايث، وفيكتوريا نولاند، وهيلاري كلينتون، وجو بايدن، وريتشارد بيرل، وإليوت أبرامز، وآخرون.في شهادته أمام الكونغرس الأميركي في العام 2002، سوق نتنياهو للحرب الكارثية على العراق، وقال: "إذا أطحتم بصدام، بنظام صدام، أضمن لكم أن ذلك ستكون له أصداء إيجابية هائلة في المنطقة".وتابع: "أعتقد أن الناس الذين يقفون على الجانب الآخر في إيران، من الشباب وغيرهم، سيقولون أن زمن مثل هذه الأنظمة؛ مثل هؤلاء المستبدين، قد ولّى".وقال للكونغرس زورًا: "لا يوجد أدنى شك في أن صدام يسعى، ويعمل، ويتقدم نحو تطوير أسلحة نووية".كان هدف إعادة تشكيل "الشرق الأوسط الجديد" هو الشعار المرافق لهذه الحروب. وظهر لأول مرة العام 1996 ضمن استراتيجية "القطيعة التامة"، وقامت بتعميمه لاحقًا وزيرة الخارجية الأميركية، كوندوليزا رايس، في العام 2006.وبينما كانت إسرائيل تقصف لبنان بوحشية، صرّحت رايس: "إن ما نشهده هنا، بطريقة ما، هو آلام ولادة شرق أوسط جديد، ومهما فعلنا علينا أن نتأكد من أننا ندفع بهذا الشرق الأوسط الجديد قدمًا، لا أن نعود إلى الشرق الأوسط القديم".في أيلول (سبتمبر) 2023، قدّم نتنياهو في "الجمعية العامة للأمم المتحدة" خريطة لـ"الشرق الأوسط الجديد" تمحو بالكامل الدولة الفلسطينية. وفي أيلول (سبتمبر) 2024، شرح هذا المخطط بشكل أكثر تفصيلًا من خلال عرض خريطتين: الأولى تمثل جزءًا من الشرق الأوسط بوصفه "نعمة"، والثانية –التي تشمل لبنان وسورية والعراق وإيران– على أنها "نقمة"، داعيًا إلى تغيير الأنظمة في هذه الدول.الآن، تشكل حرب إسرائيل على إيران الخطوة الأخيرة في استراتيجية مضى عليها عقود. وما نشهده الآن يأتي تتويجًا لعقود من التلاعب الصهيوني المتطرف بالسياسة الخارجية الأميركية.دعاية الأسلحة النوويةكان المبرر للهجوم الإسرائيلي على إيران هو الادعاء بأن إيران على وشك امتلاك أسلحة نووية. لكن هذا الادعاء سخيف، حيث دعت إيران دائمًا إلى التفاوض لإزالة الخيار النووي مقابل رفع العقوبات الأميركية المفروضة عليها منذ عقود.منذ العام 1992، ادعى نتنياهو ومؤيدوه أن إيران ستصبح قوة نووية "في غضون بضع سنوات". في العام 1995، أعلن مسؤولون إسرائيليون وحلفاؤهم في واشنطن جدولًا زمنيًا من خمس سنوات. وفي العام 2003، قال مدير الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية أن إيران ستكون دولة نووية "بحلول صيف العام 2004".ثم، في العام 2005، صرّح رئيس الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية، "الموساد"، بأن إيران يمكنها تصنيع القنبلة خلال أقل من ثلاث سنوات. وفي العام 2012، قال نتنياهو في الأمم المتحدة أن "الأمر لا يتعدى بضعة أشهر، وربما بضعة أسابيع قبل أن تحصل إيران على ما يكفي من اليورانيوم المخصب لصنع القنبلة الأولى"... وهكذا.لم يكن هذا النمط المستمر منذ أكثر من 30 عامًا من تغيير المواعيد النهائية فشلًا في التنبؤ بقدر ما كان استراتيجية متعمدة. فلم تكن هذه الادعاءات سوى حملة دعاية؛ ثمة دائمًا "تهديد وجودي". والأهم هو ادعاء نتنياهو الكاذب لنتنياهو بأن التفاوض مع إيران سيكون عملًا لا طائل تحته.لقد كررت إيران مرارًا أنها لا تريد سلاحًا نوويًا، وأنها مستعدة منذ وقت طويل للتفاوض. وفي تشرين الأول (أكتوبر) 2003، أصدر المرشد الأعلى آنذاك، آية الله علي خامنئي، فتوى تُحرِّم إنتاج واستخدام الأسلحة النووية -وهو حكم استشهدت به إيران رسميًا لاحقًا في اجتماع لـ"الوكالة الدولية للطاقة الذرية" في فيينا في آب (أغسطس) 2005، واستمرت في الاستناد إليه كحاجز ديني وقانوني يحول دون سعيها إلى امتلاك سلاح نووي. وحتى بالنسبة لأولئك المتشككين في نوايا إيران، فإنها دعت باستمرار إلى اتفاق تفاوضي مدعوم بآلية تحقق دولية مستقلة.في المقابل، عارض اللوبي الصهيوني أي تسويات من هذا النوع، ودفع الولايات المتحدة إلى الإبقاء على العقوبات ورفض أي صفقات تسمح برقابة صارمة من "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" على البرنامج النووي الإيراني مقابل رفع العقوبات.في العام 2016، توصّلت إدارة أوباما، إلى جانب المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا والصين وروسيا، إلى "خطة العمل الشاملة المشتركة" مع إيران -وهي اتفاق تاريخي يسمح بمراقبة برنامج إيران النووي بدقة مقابل تخفيف العقوبات.لكن الرئيس ترامب انسحب من الاتفاق، تحت ضغط متواصل من نتنياهو واللوبي الصهيوني، في العام 2018. وكما هو متوقع، عندما ردّت إيران بتوسيع تخصيبها لليورانيوم، تم تحميلها اللوم على خرق اتفاق كانت الولايات المتحدة نفسها قد تخلّت عنه. وفي الحقيقة، من الصعب التغاضي عن هذا الكيل بمكيالين والدعاية المرافقة له.في 11 نيسان (أبريل) 2021، شنّ الموساد الإسرائيلي هجومًا على منشآت إيران النووية في نطنز. وعقب الهجوم، أعلنت إيران في 16 نيسان (أبريل) أنها ستزيد أكثر من تخصيب اليورانيوم، كورقة ضغط تفاوضية، مع تكرار دعوتها إلى استئناف المفاوضات بشأن اتفاق شبيه بـ"خطة العمل الشاملة المشتركة". لكن إدارة بايدن رفضت جميع هذه المبادرات التفاوضية.في بداية ولايته الثانية، وافق ترامب على فتح مفاوضات جديدة مع إيران. وقد تعهدت إيران بالتخلي عن برنامج الأسلحة النووية والخضوع لتفتيش "الوكالة الدولية للطاقة الذرية"، مع احتفاظها بحق تخصيب اليورانيوم لأغراض مدنية. وبدا أن إدارة ترامب وافقت على هذا المبدأ، لكنها عادت وتراجعت عنه. ومنذ ذلك الحين، عُقدت خمس جولات من المفاوضات، أعلن خلالها الطرفان عن تحقيق تقدم في كل مرة.وكان من المفترض أن تُعقد الجولة السادسة يوم الأحد 15 حزيران (يونيو). ولكن، بدلاً من ذلك، شنت إسرائيل حربًا استباقية على إيران في 12 حزيران (يونيو). وأكد ترامب أن الولايات المتحدة كانت على علم مسبق بالهجوم، حتى في الوقت الذي تحدثت فيه الإدارة علنًا عن المفاوضات المرتقبة.وقع الهجوم الإسرائيلي في خضم مفاوضات كانت تحرز تقدمًا، وقبل أيام فقط من موعد انعقاد مؤتمر أممي حول فلسطين كان من شأنه أن يساهم في منح الزخم لفكرة حل الدولتين. وقد تم الآن تأجيل ذلك المؤتمر.تهدد الحرب التي تشنها إسرائيل على إيران الآن باحتمال التصعيد إلى حرب شاملة قد تجرّ الولايات المتحدة وأوروبا إلى جانب إسرائيل، وروسيا -وربما باكستان- إلى جانب إيران. وقد نشهد قريبًا مواجهة بين عدة قوى نووية، على نحو يقرّب العالم أكثر من حافة الإبادة النووية. وتشير "ساعة يوم القيامة" إلى 89 ثانية فقط قبل "منتصف الليل"، وهي أقرب نقطة إلى وقوع كارثة نووية منذ إطلاق "الساعة" في العام 1947.على مدى السنوات الثلاثين الماضية، دمّر نتنياهو وحلفاؤه في الولايات المتحدة -أو زعزعوا استقرار شريط يمتد على مسافة 4.000 كيلومتر من الدول عبر شمال إفريقيا وقرن إفريقيا وشرق البحر المتوسط وغرب آسيا. وكان هدفهم هو منع قيام دولة فلسطينية من خلال الإطاحة بالحكومات الداعمة للقضية الفلسطينية.يستحق العالم ما هو أفضل من هذا التطرّف. وقد دعا أكثر من 180 بلدًا في الأمم المتحدة إلى حل يقوم على أساس الدولتين وتحقيق الاستقرار الإقليمي. ويبدو هذا أكثر منطقية من أن تدفع إسرائيل العالم إلى شفير الهلاك النووي من أجل خدمة أهدافها غير القانونية والمتطرفة.*جيفري د. ساكس Jeffrey D. Sachs: أستاذ جامعي ومدير مركز التنمية المستدامة في جامعة كولومبيا، حيث شغل منصب مدير معهد الأرض من العام 2002 حتى العام 2016. وهو أيضًا رئيس شبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة وعضو مفوضية النطاق العريض التابعة للأمم المتحدة من أجل التنمية.*نشر هذا المقال تحت عنوان: Stop Netanyahu Before He Gets Us All Killedهامش:(1) عملية "تيمبر سيكامور" Timber Sycamore: عملية سرّية كبرى لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية(CIA) ، بالتعاون مع أجهزة استخبارات إقليمية. بدأت في العام 2012 خلال عهد إدارة الرئيس باراك أوباما، بهدف تسليح وتدريب فصائل "المعارضة السورية المسلحة" في الحرب ضد نظام بشار الأسد في سورية. شملت العملية تقديم أسلحة خفيفة وثقيلة، وتدريب المقاتلين في قواعد خاصة في بلدان إقليمية. هدفها المعلن كان دعم "المعارضة المعتدلة" ضد نظام الأسد. أما الأهداف غير المعلنة فكانت جزءًا من استراتيجية أوسع لتقويض نفوذ إيران وروسيا في سورية، وإضعاف "محور المقاومة".