
"النسخة الرابعة من الحوار العربي – الإيراني"...تبدّلات المواقع والمواقف والأحوال
النسخة الرابعة من الحوار العربي – الإيراني التي التأمت في الدوحة قبل أيام، وفّرت لنا فرصة سانحة للتعرّف عن كثب إلى جملة التحوّلات والتبدّلات في مواقف ومواقع وأحوال الأطراف الإقليمية، بعد سلسلة التطوّرات النوعية التي عصفت في المنطقة والعالم، منذ اندلاع "الطوفان"، وبالأخصّ بعد وصول دونالد ترامب إلى سدّة الحكم في الولايات المتحدة... ولمن شاركوا في نسخ سابقة من هذا الحوار، ككاتب هذه السطور، توفّرت فرصة إضافية لإجراء بعض المقارنات بين ما كانت عليه هذه الأطراف بالأمس، وما صارت عليه اليوم.
أولاً؛ إيران، إذ بخلاف ما طُرح في الجولة الثالثة، التي التأمت في طهران قبل عام تقريباً، جرى استبعاد "الملف النووي" كليّة عن مائدة البحث والحوار مع المشاركين العرب... في طهران، وقبيل حادثة سقوط المروحية التي أودت بحياة الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته، انصبّ حديث الزملاء الإيرانيّين، ومن بينهم وزير الخارجية الراحل حسين أمير عبد اللهيان، والحالي عباس عرقتشي، والدبلوماسي المحنّك، رجل الظلّ في طهران كما يقال، كمال خرازي، على "مراجعة العقيدة النووية" الإيرانية المعتمدة لأكثر من عشرين عاماً، والتي تحرّم وتجرّم صناعة القنبلة القذرة وعسكرة البرنامج النووي السلمي...
يومها خرج مشاركون عرب، ومن بينهم كاتب هذه السطور، بانطباع حاسم، يقضي بأنّ المشاركين الإيرانيين، ما كانوا ليعمدوا إلى طرح هذا الموضوع الحسّاس، لولا أنّ تغييراً قد أصاب هذه "العقيدة" ولحق بها، في ضوء انكشاف أثرها المحدود في إنجاز مراميها الثلاثة، والقول هنا للمتحدّثين الإيرانيين: فهي أخفقت في رفع العقوبات والحصار المضروب على إيران، وأخفقت في تحرير الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، وظلّت "إسرائيل" منفردة في تملّك القنبلة، وأخفقت في انتزاع إقرار دولي بحقّ إيران في امتلاك برنامج نووي سلمي، لأغراض مدنية...
يومها، وعبر صفحات "موقع الميادين"، كتبت بأنّ إيران تقترب من الحصول على عضوية "نادي الدول النووية"، وأنّ الإشهار عن القنبلة، لم يعد سوى مسألة وقت، وأنّ التوقيت الأنسب، من وجهة نظري، إنما كان ينحصر في الهزيع الأخير لولاية بادين، أو في مرحلة الانتقال بين إدارتين في واشنطن.
كلّ هذا لم يحدث، وبقيت إيران مجرّدة من ورقة "الردع النووي"، التي أحسب أنها وحدها الكفيلة بخلق ميزان رعب مع "إسرائيل"، وأذكّر أنني دعوت دولاً عربية وإقليمية وازنة لكسر هذا الاحتكار الإسرائيلي بولوج عتبات التسلّح النووي، وأسميت دولاً بعينها لفعل ذلك: مصر، السعودية وتركيا.
كلّ هذا لم يحدث أبداً، الأمر الذي شجّع نتنياهو وبعض المسؤولين الأميركيّين، لاستحضار النموذج الليبي في "تفكيك وترحيل" المنشآت النووية، بديلاً عن النموذج الكوري الشمالي، حيث تتوفّر لبيونغ يانغ القنابل والوسائط الحاملة لها... في النسخة الرابعة، لم تندرج المسألة على جدول أعمال الحوار، وشطبت بطلب من الجانب الإيراني، واكتفى عرقتشي الذي صار وزيراً للخارجية، بإيجاز مقتضب عن محادثات مسقط، راسماً بعض خطوط حمر، لا يمكن لبلاده أن تنزل عنها، وأهمها: رفض التفكيك، والتمسّك بالتخصيب عند درجة مسموح لها ومثيرة لطمأنينة الغرب و"إسرائيل"، نظير رفع العقوبات وإدماج إيران في النظام الاقتصادي والمالي العالمي.
في ظنّي، وهذا ما كنت أنوي إثارته لو أنّ باب النقاش قد طرح للمراجعة والتقييم، إنّ طهران فوّتت على نفسها والمنطقة، فرصة نادرة لكسر التفرّد الإسرائيلي بامتلاك السلاح النووي، والتي وإن كانت سترتّب عليها كلف وأثمان، إلا أنّ مزاياها تظلّ مع ذلك، تفوق أعباءها.
لم توفّر جلسات الحوار فرصة سانحة لإجراء مراجعات، ظنناً أنها جوهرية ومطلوبة، لإداء مختلف الأطراف منذ السابع من أكتوبر وما بعده، بالطبع هي ليست الدورة الأولى التي تعقد في مناخات "الطوفان"، النسخة الثالثة تمّت في بواكير هذه المناخات والسياقات كذلك... وكلّ ما طرح لم يزد عن كونه ملاحظات جانبية على هوامش جلسات حول فلسطين وسوريا واليمن... 12 أيار 08:53
11 أيار 09:48
بيد أنّ الحوارات الجانبية التي يوفّرها "المنتدى"، والتي لا تقلّ أهمية عن الجلسات العامّة، وفّرت فرصة للحصول على فهم أعمق وأدقّ لما جرى ويجري، مآلات أطراف محور المقاومة، أين أخطأت وأين أصابت، وما العمل من هنا، وبمَ نبدأ.
اليمن؛ كان موضع ترحيب وتثمين من قبل متحدّثين كثر، في الجلسات وخارجها، سيما بعد أنّ صدق أنصار الله ما عاهدوا شعب فلسطين عليه، وبعد أن أبرموا اتفاقاً مع إدارة ترامب، يُجمع القاصي والداني على أنه جاء لصالح الطرف الأضعف، الذي برهن أنه ليس ضعيفاً، فلا هو رفع راية بيضاء، ولا هو خضع لإملاءات واشنطن، بل نجح في "فصل المسارين"، الأميركي عن الإسرائيلي، وهذا تطوّر مهمّ للغاية، وتلكم سابقة، ستكرّرها حماس حين تبرم صفقة عيدان ألكسندر مع واشنطن، من وراء ظهر "تل أبيب"، والضدّ مما تشتهي سفن نتنياهو.
حماس؛ ثمّة إقرار غير مختلفٍ عليه، بأنّ الحركة ما زالت تدير معركة الميدان والتفاوض بكلّ كفاءة واقتدار... أنباء العمليات الموجعة في الشمال ورفح، والتي تواردت جنباً إلى جنب، مع أنباء صفقة عيدان ألكسندر المنفردة مع واشنطن، والحوار المباشر معها، من خلف ظهر نتنياهو، وتداعيات التطوّرين معاً، تنبئ بأنّ الحرب لم تضع أوزارها بعد، وأنّ ضغط نتنياهو واليمين الفاشي على البيئة والأعيان المدنيّة في غزة، هو تعبير عن الخيبة ونفاد الصبر، وأنّ الباب ما زال مفتوحاً لتسوية، أبعد ما تكون عن نظرية "النصر المطلق" التي يتشدّق بها نتنياهو، من دون أن يقنع كثير من الإسرائيليين بها، دع عنك إدارة ترامب التي ضاقت ذرعاً بمراوغته وأكاذيبه ووعوده الفارغة.
حزب الله؛ وفّرت المناقشات الجانبية مع متحدّثين باسم الحزب وأنصاره، فرصة للتعرّف إلى ملامح "المأزق" الذي تمرّ به المقاومة اللبنانية... من جهة "إسرائيل" ماضية في سياسة الاستنزاف وتنجح في فرض قواعد جديدة للعبة والاشتباك، بما يضعف الثقة بـ"السلاح" ودوره في الردع والحماية والتحرير، ومن جهة ثانية، لا تبدو البيئة اللبنانية عموماً، بما فيها بيئة المقاومة، في وضع الجاهزية لتجريب معاودة الحرب بكلّها الباهظ، بوجود قناعة بأنّ ردّ "إسرائيل" على أيّ فعل مقاوم يقوم به الحزب، لن يكون متناسباً مع الفعل المقاوم... استمرار الوضع الراهن يشكّل معضلة للحزب، والتمرّد عليه يشكّل معضلة أكبر، والحاجة تشتدّ للبحث عن مخارج وبدائل، ليست سهلة وربما من "خارج الصندوق"، على أنّ تطوّرات الإقليم، بالذات ما يجري على خط واشنطن طهران، يمكن أن يساعد في تسهيل المخارج أو تعقيدها.... الاتفاق بين طرفي التفاوض في مسقط، يمكن أن يحرّر سلاح الحزب من قيوده وأدواره الإقليمية، فيصبح بحثه لبنانياً، وفي السياق اللبناني، أمر أيسر، والفشل قد يضفي تعقيدات أكبر على مسألة السلاح، ويجعل الاحتفاظ به في بيئة إقليمية متغيّرة، أكثر كلفة وصعوبة.
ثالثاً؛ كان واضحاً أنّ رياح الانفراج الإيراني – الخليجي التي هبّت على الإقليم من "بكين"، قد تركت مناخاً إيجابياً أكثر وضوحاً على النسخة الرابعة من الحوار من النسخ السابقة، والأحاديث والأنظار كانت تتجه صوب تفتيح فرص وأبواب للتعاون، وتحديداً في مجالات التجارية والاستثمار والملاحة والبيئة والثقافة، بهواجس أقلّ ورغبات أوضح في طيّ صفحات ثقيلة من ماضٍ مدجّج بالمخاوف والشكوك والاتهامات المتبادلة.
شجّع ذلك على طرح بعض من أفكار، أظنّها غير ناضحة وسابقة لأوانها، من نوع أنّ "إسرائيل" تبرز اليوم، كعدوّ مشترك للطرفين العربي والإيراني، ربما هذه الخلاصة تلخّص وحدة حال المواقف الشعبية، ولكن على مستوى المواقف الرسمية، فالموقف من "إسرائيل"، يفرق ما بين عدة حكومات عربية من جهة، والنظام الإيراني من جهة ثانية.
الشيء ذاته ينطبق على "فلسطين"، هنا أيضاً تبدو القضية الفلسطينية عامل توحيد للمواقف الشعبية، أما على المستوى الرسمي، فهي مصدر انقسام بين حكومات عربية وطهران، الأطراف المختلفة تأخذ مسارات وانحيازات مختلفة، بعضها لا يكتفي بدعم السلطة، بل ويجاهر بالعداء لحماس، وينظر إليها كتهديد، وربما من وجهة نظر نفر من الحكومات العربية، فإنّ تهديد حماس، يفوق تهديد "إسرائيل"، الأولى عدو صريح، والثانية مشروع حليف، إن لم تكن حليفاً مكتمل الأوصاف.
لكنّ ذلك، لا يمنع الأفرقاء على ضفتي الحوار، من النظر في مساحات تلاقٍ وعمل مشترك، إن لم يكن في السياسة والاستراتيجية، فلا أقلّ من تعاون في مجال السرديات والإنسانيات.
نسخة مهمة من حوار عربي – إيراني، تأتي إليه طهران ورسلها بوجهة نظر موحّدة، فيما الجانب العربي، تتوزّعه على الأقلّ 22 وجهة نظر، إن لم يكن أكثر... وهذا ما تنبّه إليه الجانب الإيراني، الذي شدّد في كلماته على "الدبلوماسية الثنائية" في ضوء معرفة عميقة، بضعف فرص بناء دبلوماسيّة جماعية عربية، فالقوم حتى وهم يخرجون من مؤتمرات قممهم، تنطبق عليهم الآية الكريمة من سورة الحشر: تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


LBCI
منذ 3 ساعات
- LBCI
تصعيد في الخطاب بين واشنطن وطهران لا موعد للجولة الخامسة من المحادثات والملف النووي يتأزم
تصعيد في الخطاب بين واشنطن وطهران لا موعد للجولة الخامسة من المحادثات والملف النووي يتأزم


المردة
منذ 3 ساعات
- المردة
خامنئي: لا أعتقد أن المحادثات النووية ستنجح
يأتي هذا في الوقت الذي تراجع فيه طهران اقتراحا لعقد جولة خامسة من المفاوضات. وقال خامنئي خلال كلمة ألقاها في ذكرى وفاة الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي ذكرت نقلتها وكالة أنباء 'مهر': 'لا أعتقد أن المحادثات النووية مع الولايات المتحدة ستؤدي إلى نتائج. لا أعلم'. وقال خامنئي: 'بما أننا نتحدث عن المفاوضات، لديّ تذكير للجانب الآخر. ينبغي على الجانب الأميركي الذي يشارك في هذه المفاوضات غير المباشرة أن يتحدث ويتفاوض ويحاول عدم التحدث هراءً'. واعتبر المرشد الإيراني أن 'القول إنه لن نسمح لإيران بتخصيب اليورانيوم خطأ كبير. لا أحد ينتظر الإذن لهذا أو ذاك. إيران لها سياسة ولها منهج وهي تنتهج سياسة خاصة بها'. وتابع: 'بالطبع، في مناسبة أخرى، سأشرح للشعب الإيراني لماذا يعتمدون على التخصيب، ولماذا تصر الأطراف الغربية والأميركية وغيرها بشدة على أنه لا ينبغي أن يكون هناك تخصيب في إيران. وسأفتح هذه النقاط إن شاء الله في مناسبة أخرى حتى يعرف الشعب الإيراني ما نوايا الطرف الآخر'. وكانت وكالة 'نور نيوز' نقلت عن نائب وزير الخارجية الإيراني كاظم غريب آبادي قوله في وقت سابق من الثلاثاء، إن طهران تلقت مقترحا لعقد جولة خامسة من المحادثات النووية مع الولايات المتحدة وتدرسه حاليا. يأتي ذلك بعد أيام من قول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إنه يتعين على طهران التحرك بسرعة في المفاوضات.


الميادين
منذ 5 ساعات
- الميادين
السيد خامنئي: لا نظن أن المحادثات مع واشنطن ستثمر.. ولا ننتظر إذن أحد في التخصيب
قال قائد الثورة والجمهورية الإسلامية في إيران، السيد علي خامنئي، إنّه "لا نظن أن المباحثات مع الولايات المتحدة الآن سوف تثمر ولا نعرف ماذا سيحدث". وأشار السيد خامنئي إلى أنّ فترة ولاية الرئيس الشهيد إبراهيم رئيسي شهدت محادثات نووية غير مباشرة مع الولايات المتحدة لكنّها لم تفضِ إلى نتيجة. وتوجّه السيد خامنئي إلى الطرف الأميركي ليشدد على أنّ "إيران لا تنتظر الأذن من أحد لتخصيب اليورانيوم"، منبّهاً هذا الطرف من "التصريحات الفارغة والعبثية". ولفت السيد خامنئي إلى أنّ الجمهورية الإسلامية في إيران لها سياساتها الخاصة، ولها طريقتها، مؤكداً أنّها "ماضية في تنفيذ سياساتها". اليوم 10:41 اليوم 04:34 وفي السياق، قال وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقتشي، إنّ مواقف الأميركيين المعلنة في الأيام الأخيرة "غير منطقية"، مؤكداً أنّ ردّ طهران كان فورياً. وشدّد عراقتشي، اليوم الثلاثاء، على أنّ موضوع تخصيب اليورانيوم ليس قابلاً للنقاش، مشيراً إلى أنّ السيد خامنئي أوضح بشكل كامل الموقف الإيراني في هذا الشأن. وقال: "دخلنا المباحثات على أساس مبدأ تأمين حقوق الشعب الإيراني ولن نتنازل أبداً عن هذه الحقوق". وفي وقتٍ سابق اليوم، أوضح المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، أنه لم يتم بعد تحديد زمان ومكان الجولة المقبلة من المحادثات الإيرانية - الأميركية غير المباشرة. وبيّن بقائي أنّ إيران ماضية في دراسة الموضوع، مع الأخذ بعين الاعتبار مواقف الطرف الأميركي المتضاربة والمتغيرة على الدوام.