logo
العنصرية في الشعر العربي: المتنبي وكافور الإخشيدي

العنصرية في الشعر العربي: المتنبي وكافور الإخشيدي

جريدة الرؤية١٠-٠٥-٢٠٢٥

بدر بن خميس الظفري
@waladjameel
مع ظهور الإسلام في شبه الجزيرة العربية، حدث تحول جذري في المفاهيم الاجتماعية والثقافية، بما في ذلك النظرة إلى العنصرية والتمييز على أساس اللون أو النسب، التي كانت سائدة في العصر الجاهلي.
ومع ذلك، لم تختفِ العنصرية تمامًا من المجتمع العربي بعد الإسلام، بل استمرت بعض مظاهرها، خاصة مع اتساع الدولة الإسلامية وامتزاج العرب بغيرهم من الشعوب. وقد انعكس ذلك في الشعر؛ حيث نجد بعض الشعراء يمارسون العنصرية في أشعارهم، خاصة في سياق الهجاء، كما هو الحال مع المتنبي في هجائه لكافور الإخشيدي.
ويُعدّ أبو الطيب المتنبي من أعظم شعراء العربية على مر العصور، وقد اشتهر بقصائده في المدح والفخر والحكمة. ومع ذلك، فقد مارس المتنبي العنصرية في بعض قصائده، خاصة في هجائه لكافور الإخشيدي، حاكم مصر في ذلك الوقت.
كان كافور الإخشيدي عبدًا أسود من أصل حبشي، اشتراه محمد بن طغج الإخشيد، حاكم مصر، ثم أعتقه وقربه إليه حتى أصبح من كبار قادته. وبعد وفاة الإخشيد، تولى كافور الوصاية على ابنيه، ثم استقل بحكم مصر والشام.
انتقل المتنبي إلى مصر سنة 346هـ، بعد أن ساءت علاقته بسيف الدولة الحمداني في حلب. وقد مدح المتنبي كافورًا في البداية بقصائد رائعة، طمعًا في أن يوليه كافور ولاية أو إمارة. ومن أشهر قصائده في مدح كافور قصيدته التي مطلعها:
كَفى بِكَ داءً أَن تَرى المَوتَ شافِيا *** وَحَسبُ المَنايا أَن يَكُن أَمانِيا
وفيها يخاطب كافور قائلًا:
أبا المِسكِ ذا الوَجهُ الذي كُنتُ تائِقًا // إِلَيهِ وَذا اليَومُ الذي كُنتُ راجيا
أبا كُل طيبٍ لا أَبا المِسكِ وَحدَهُ // وَكُل سَحابٍ لا أَخَص الغَواديا
لكن عندما أيقن المتنبي أن كافورًا لن يحقق له طموحه في الولاية، غادر مصر غاضبًا، وبدأ يهجو كافورًا بقصائد لاذعة، استخدم فيها خطابًا عنصريًا يعير فيه كافورًا بلونه الأسود وأصله كعبد سابق.
من أشهر قصائد المتنبي في هجاء كافور الإخشيدي قصيدته المعروفة "عيد بأي حال عدت يا عيد"، التي نظمها بعد مغادرته مصر سنة 350هـ. وتعد هذه القصيدة نموذجًا صارخًا للخطاب العنصري في الشعر العربي، حيث استخدم فيها المتنبي ألفاظًا وعبارات تحط من قدر كافور بسبب لونه الأسود وأصله كعبد.
تبدأ القصيدة بمطلع حزين يعبر فيه الشاعر عن حاله في العيد، وهو بعيد عن أحبته:
عيدٌ بأيّ حالٍ عُدتَ يا عيدُ // بما مضى أم بأمرٍ فيكَ تجديدُ
ثم ينتقل إلى هجاء كافور، مستخدمًا خطابًا عنصريًا صريحًا:
أكُلَمَا اغْتَالَ عَبْدُ السُوءِ سيدهُ // أو خانه فله في مصر تمهيدُ
صار الخصيُّ إمام الآبقين بها // فالحر مستعبد والعبد معبود
في هذين البيتين، يشير المتنبي إلى أصل كافور كعبد، ويتهمه بالخيانة والغدر بسيده الإخشيد، ويصفه بأنه "خصي" و"عبد السوء"، في إشارة عنصرية واضحة.
ويستمر المتنبي في هجائه العنصري لكافور، مؤكدًا على أن العبد لا يمكن أن يكون أخًا للحر، مهما تغيرت ظروفه:
العَبْدُ لَيْسَ لِحُرٍّ صَالِحٍ بأخٍ // لَوْ أنهُ في ثِيَابِ الحُرِّ مَوْلُودُ
لا تَشْتَرِ العَبْدَ إلا وَالعَصَا مَعَهُ // إن العَبيدَ لأنْجَاسٌ مَنَاكيدُ
في هذين البيتين، يؤكد المتنبي على نظرة عنصرية تجاه العبيد، معتبرًا أنهم "أنجاس مناكيد" لا يصلحون إلا بالعصا، وأن العبد لا يمكن أن يكون أخًا للحر، حتى لو ولد في ثياب الحر، في إشارة إلى أن أصله (العبودية) لا يمكن تغييره.
ويتابع المتنبي هجاءه العنصري، مشيرًا إلى لون كافور الأسود بشكل مباشر:
وَأن ذا الأسْوَدَ المَثْقُوبَ مَشْفَرُهُ // تُطيعُهُ ذي العَضَاريطُ الرعاديد
مَنْ عَلمَ الأسْوَدَ المَخصِي مكرُمَة // أقَوْمُهُ البِيضُ أمْ آبَاؤهُ الصيدُ
في هذين البيتين، يشير المتنبي إلى لون كافور الأسود، ويصفه بأنه "مثقوب المشفر"، في تشبيه له بالحيوان، ويتساءل استنكارًا عمن علّم هذا العبد الأسود المكرمة، هل هم قومه البيض أم آباؤه الأشراف، في إشارة ساخرة إلى أن كافورًا لا أصل له ولا نسب.
وفي قصيدة أخرى، يقول المتنبي هاجيًا كافورًا:
وَإنكَ لا تَدْري ألَوْنُكَ أسْوَدٌ من // الجهلِ أمْ قد صارَ أبيضَ صافِيًا
في هذا البيت، يسخر المتنبي من لون كافور الأسود، متسائلًا إن كان كافور لا يدري أن لونه أسود من الجهل، أم أنه يظن أن لونه قد صار أبيض صافيًا.
ولفهم عنصرية المتنبي في هجائه لكافور الإخشيدي، لا بُد من النظر إلى الدوافع النفسية والاجتماعية التي كانت وراء هذا الهجاء العنصري.
إذ من الناحية النفسية، كان المتنبي يتمتع بشخصية طموحة ومغرورة، وكان يرى نفسه أهلًا للإمارة والحُكم. وقد ذهب إلى مصر، كما أشرنا سابقًا، طمعًا في أن يوليه كافور ولاية أو إمارة، كما يتضح من قوله في إحدى قصائده المادحة لكافور:
وَغَيرُ كَثيرٍ أَن يَزورَكَ راجلٌ // فَيَرجِعَ مَلكًا لِلعِراقَينِ والِيًا
لكن عندما خاب أمله ولم يحقق كافور طموحه، شعر بالإحباط والغضب، وتحول مدحه إلى هجاء لاذع، استخدم فيه كل ما يمكن أن يحط من قدر كافور، بما في ذلك لونه وأصله.
من الناحية الاجتماعية، كان المتنبي ابن عصره، متأثرًا بالنظرة العنصرية السائدة في ذلك الوقت تجاه السود والعبيد. فرغم أن الإسلام جاء بمبادئ المساواة، إلّا أن المجتمع العربي في العصر العباسي لم يتخلص تمامًا من النظرة العنصرية تجاه غير العرب، خاصة السود والعبيد. وقد استغل المتنبي هذه النظرة العنصرية في هجائه لكافور، معتمدًا على أنها ستجد صدى لدى المتلقي في ذلك العصر.
كما أن المتنبي كان يتمتع بقومية عربية مُتعصِّبة، وكان يرى في وصول عبد أسود مثل كافور إلى الحكم إهانة للعرب وللعروبة. وقد عبّر عن ذلك في قوله:
ما كُنتُ أحْسَبُني أحْيَا إلى زَمَنٍ // يُسِيءُ بي فيهِ عَبْدٌ وَهْوَ مَحْمُودُ
ولا تَوَهمْتُ أن الناسَ قَدْ فُقِدوا // وَأن مِثْلَ أبي البَيْضاءِ مَوْجودُ
في هذين البيتين، يُعبِّر المتنبي عن استيائه من أن يعيش في زمن يسيء إليه فيه عبد مثل كافور، وهو محمود من الناس، ويتعجب من أن يُفقد الناس (يقصد العرب الأحرار) ويوجد مثل كافور (العبد الأسود).
وهكذا، نجد أن العنصرية استمرت في الشعر العربي في العصور الإسلامية، رغم المبادئ الإسلامية التي تدعو إلى المساواة. وقد تجلت هذه العنصرية بشكل خاص في شعر الهجاء؛ حيث كان الشعراء يستغلون الفروق العرقية واللونية في الهجوم على خصومهم.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

العنصرية في الشعر العربي: المتنبي وكافور الإخشيدي
العنصرية في الشعر العربي: المتنبي وكافور الإخشيدي

جريدة الرؤية

time١٠-٠٥-٢٠٢٥

  • جريدة الرؤية

العنصرية في الشعر العربي: المتنبي وكافور الإخشيدي

بدر بن خميس الظفري @waladjameel مع ظهور الإسلام في شبه الجزيرة العربية، حدث تحول جذري في المفاهيم الاجتماعية والثقافية، بما في ذلك النظرة إلى العنصرية والتمييز على أساس اللون أو النسب، التي كانت سائدة في العصر الجاهلي. ومع ذلك، لم تختفِ العنصرية تمامًا من المجتمع العربي بعد الإسلام، بل استمرت بعض مظاهرها، خاصة مع اتساع الدولة الإسلامية وامتزاج العرب بغيرهم من الشعوب. وقد انعكس ذلك في الشعر؛ حيث نجد بعض الشعراء يمارسون العنصرية في أشعارهم، خاصة في سياق الهجاء، كما هو الحال مع المتنبي في هجائه لكافور الإخشيدي. ويُعدّ أبو الطيب المتنبي من أعظم شعراء العربية على مر العصور، وقد اشتهر بقصائده في المدح والفخر والحكمة. ومع ذلك، فقد مارس المتنبي العنصرية في بعض قصائده، خاصة في هجائه لكافور الإخشيدي، حاكم مصر في ذلك الوقت. كان كافور الإخشيدي عبدًا أسود من أصل حبشي، اشتراه محمد بن طغج الإخشيد، حاكم مصر، ثم أعتقه وقربه إليه حتى أصبح من كبار قادته. وبعد وفاة الإخشيد، تولى كافور الوصاية على ابنيه، ثم استقل بحكم مصر والشام. انتقل المتنبي إلى مصر سنة 346هـ، بعد أن ساءت علاقته بسيف الدولة الحمداني في حلب. وقد مدح المتنبي كافورًا في البداية بقصائد رائعة، طمعًا في أن يوليه كافور ولاية أو إمارة. ومن أشهر قصائده في مدح كافور قصيدته التي مطلعها: كَفى بِكَ داءً أَن تَرى المَوتَ شافِيا *** وَحَسبُ المَنايا أَن يَكُن أَمانِيا وفيها يخاطب كافور قائلًا: أبا المِسكِ ذا الوَجهُ الذي كُنتُ تائِقًا // إِلَيهِ وَذا اليَومُ الذي كُنتُ راجيا أبا كُل طيبٍ لا أَبا المِسكِ وَحدَهُ // وَكُل سَحابٍ لا أَخَص الغَواديا لكن عندما أيقن المتنبي أن كافورًا لن يحقق له طموحه في الولاية، غادر مصر غاضبًا، وبدأ يهجو كافورًا بقصائد لاذعة، استخدم فيها خطابًا عنصريًا يعير فيه كافورًا بلونه الأسود وأصله كعبد سابق. من أشهر قصائد المتنبي في هجاء كافور الإخشيدي قصيدته المعروفة "عيد بأي حال عدت يا عيد"، التي نظمها بعد مغادرته مصر سنة 350هـ. وتعد هذه القصيدة نموذجًا صارخًا للخطاب العنصري في الشعر العربي، حيث استخدم فيها المتنبي ألفاظًا وعبارات تحط من قدر كافور بسبب لونه الأسود وأصله كعبد. تبدأ القصيدة بمطلع حزين يعبر فيه الشاعر عن حاله في العيد، وهو بعيد عن أحبته: عيدٌ بأيّ حالٍ عُدتَ يا عيدُ // بما مضى أم بأمرٍ فيكَ تجديدُ ثم ينتقل إلى هجاء كافور، مستخدمًا خطابًا عنصريًا صريحًا: أكُلَمَا اغْتَالَ عَبْدُ السُوءِ سيدهُ // أو خانه فله في مصر تمهيدُ صار الخصيُّ إمام الآبقين بها // فالحر مستعبد والعبد معبود في هذين البيتين، يشير المتنبي إلى أصل كافور كعبد، ويتهمه بالخيانة والغدر بسيده الإخشيد، ويصفه بأنه "خصي" و"عبد السوء"، في إشارة عنصرية واضحة. ويستمر المتنبي في هجائه العنصري لكافور، مؤكدًا على أن العبد لا يمكن أن يكون أخًا للحر، مهما تغيرت ظروفه: العَبْدُ لَيْسَ لِحُرٍّ صَالِحٍ بأخٍ // لَوْ أنهُ في ثِيَابِ الحُرِّ مَوْلُودُ لا تَشْتَرِ العَبْدَ إلا وَالعَصَا مَعَهُ // إن العَبيدَ لأنْجَاسٌ مَنَاكيدُ في هذين البيتين، يؤكد المتنبي على نظرة عنصرية تجاه العبيد، معتبرًا أنهم "أنجاس مناكيد" لا يصلحون إلا بالعصا، وأن العبد لا يمكن أن يكون أخًا للحر، حتى لو ولد في ثياب الحر، في إشارة إلى أن أصله (العبودية) لا يمكن تغييره. ويتابع المتنبي هجاءه العنصري، مشيرًا إلى لون كافور الأسود بشكل مباشر: وَأن ذا الأسْوَدَ المَثْقُوبَ مَشْفَرُهُ // تُطيعُهُ ذي العَضَاريطُ الرعاديد مَنْ عَلمَ الأسْوَدَ المَخصِي مكرُمَة // أقَوْمُهُ البِيضُ أمْ آبَاؤهُ الصيدُ في هذين البيتين، يشير المتنبي إلى لون كافور الأسود، ويصفه بأنه "مثقوب المشفر"، في تشبيه له بالحيوان، ويتساءل استنكارًا عمن علّم هذا العبد الأسود المكرمة، هل هم قومه البيض أم آباؤه الأشراف، في إشارة ساخرة إلى أن كافورًا لا أصل له ولا نسب. وفي قصيدة أخرى، يقول المتنبي هاجيًا كافورًا: وَإنكَ لا تَدْري ألَوْنُكَ أسْوَدٌ من // الجهلِ أمْ قد صارَ أبيضَ صافِيًا في هذا البيت، يسخر المتنبي من لون كافور الأسود، متسائلًا إن كان كافور لا يدري أن لونه أسود من الجهل، أم أنه يظن أن لونه قد صار أبيض صافيًا. ولفهم عنصرية المتنبي في هجائه لكافور الإخشيدي، لا بُد من النظر إلى الدوافع النفسية والاجتماعية التي كانت وراء هذا الهجاء العنصري. إذ من الناحية النفسية، كان المتنبي يتمتع بشخصية طموحة ومغرورة، وكان يرى نفسه أهلًا للإمارة والحُكم. وقد ذهب إلى مصر، كما أشرنا سابقًا، طمعًا في أن يوليه كافور ولاية أو إمارة، كما يتضح من قوله في إحدى قصائده المادحة لكافور: وَغَيرُ كَثيرٍ أَن يَزورَكَ راجلٌ // فَيَرجِعَ مَلكًا لِلعِراقَينِ والِيًا لكن عندما خاب أمله ولم يحقق كافور طموحه، شعر بالإحباط والغضب، وتحول مدحه إلى هجاء لاذع، استخدم فيه كل ما يمكن أن يحط من قدر كافور، بما في ذلك لونه وأصله. من الناحية الاجتماعية، كان المتنبي ابن عصره، متأثرًا بالنظرة العنصرية السائدة في ذلك الوقت تجاه السود والعبيد. فرغم أن الإسلام جاء بمبادئ المساواة، إلّا أن المجتمع العربي في العصر العباسي لم يتخلص تمامًا من النظرة العنصرية تجاه غير العرب، خاصة السود والعبيد. وقد استغل المتنبي هذه النظرة العنصرية في هجائه لكافور، معتمدًا على أنها ستجد صدى لدى المتلقي في ذلك العصر. كما أن المتنبي كان يتمتع بقومية عربية مُتعصِّبة، وكان يرى في وصول عبد أسود مثل كافور إلى الحكم إهانة للعرب وللعروبة. وقد عبّر عن ذلك في قوله: ما كُنتُ أحْسَبُني أحْيَا إلى زَمَنٍ // يُسِيءُ بي فيهِ عَبْدٌ وَهْوَ مَحْمُودُ ولا تَوَهمْتُ أن الناسَ قَدْ فُقِدوا // وَأن مِثْلَ أبي البَيْضاءِ مَوْجودُ في هذين البيتين، يُعبِّر المتنبي عن استيائه من أن يعيش في زمن يسيء إليه فيه عبد مثل كافور، وهو محمود من الناس، ويتعجب من أن يُفقد الناس (يقصد العرب الأحرار) ويوجد مثل كافور (العبد الأسود). وهكذا، نجد أن العنصرية استمرت في الشعر العربي في العصور الإسلامية، رغم المبادئ الإسلامية التي تدعو إلى المساواة. وقد تجلت هذه العنصرية بشكل خاص في شعر الهجاء؛ حيث كان الشعراء يستغلون الفروق العرقية واللونية في الهجوم على خصومهم.

معرض مسقط الدولي للكتاب.. بين الواقع والمأمول (1- 2)
معرض مسقط الدولي للكتاب.. بين الواقع والمأمول (1- 2)

جريدة الرؤية

time٠٦-٠٥-٢٠٢٥

  • جريدة الرؤية

معرض مسقط الدولي للكتاب.. بين الواقع والمأمول (1- 2)

محمد بن حمود الصواعي يُعد معرض مسقط الدولي للكتاب فعالية سنوية يجتمع فيها نخب من المفكرين والكتاب يتسابقون نحو تصدير أحدث الإصدارات لديهم أو ممن يتجول في بساتين المعرفة لينهل من عبير القراءة أريجها وينهل من مكنون العلم سنامه ويرتشف من أزهار كتاب الله وعجائب إعجازاته والتدبر في ملكوت الكون وبديع خلقه ويرتع من أصناف اللغة أرومتها ويمتطي لواء التجارب العلمية وعلوم الطبيعة ما لذَّ وطاب. هو مكان تبادل الثقافات بين القراء وتنوع المعارف وصنوف المجالات من الكتب المختارة فمعارض الكتاب هو صديق يخدمك بلا مصلحه ولا مقابل تتعرف على العالم ومكنونات الكون وعجائب الطبيعة وأخبار الأمم والشعوب من خلال فتح الكتاب وتقليب صفحاته فتراه يحدثك ويكلمك َويخاطبك ويطوف بك العالم وأنت في مكانك فقد صدق المتنبي حينما قال: أعز مكان في الدنى سرج سابح وخير جليس في الزمان كتاب ويعود تاريخ تأسيس أول معرض كتاب دولي في مسقط إلى سنة 1992؛ بمشاركة 19 دولة، بعدها الدورة الثانية 1993 بمشاركة 20 دولة، بعدها توقف معرض مسقط الدولي للكتاب ثلاث سنوات قبل أن يعود سنة 1997، بعد أن اشترك في تنظيم فعاليات المعرض ثلاث جهات مختلفة وزارة الإعلام ووزارة التراث والثقافة وجامعة السلطان قابوس، على الرغم من انخفاض عدد الدول المشاركة إلى 18 دولة، إلّا أنه ارتفع عدد الناشرين إلى 176 ناشرًا لأول مرة؛ لتتواصل عجلة التقدم والصعود فيصل مثلا في سنة 2007 إلى 316 دار نشر، ويحقق رقمًا فلكيًا في عدد الزوار للمعرض في ذلك الوقت ليصل إلى 330 ألف زائر، كما نشر خلال هذه الدورة 100 ألف عنوان منها 4276 عنوانًا صدر جديدًا سنة 2007؛ لنشهد الدورات اللاحقة ارتفاعًا في عدد الزوار ليصل إلى 500 ألف زائر. وبدءًا من الدورة السادسة عشر، انتقل المعرض إلى تنظيم الفعاليات المصاحبة من ندوات ثقافية ومحاضرات مختلفة مصحوبًا بفعاليات للأطفال، بعدها انتقل معرض مسقط الدولي للكتاب لمراحل متقدمة من التطور، مع الانتقال إلى مركز عُمان للمؤتمرات والمعارض في مدينة العرفان، في مبنى عصري متكامل أكثر اتساعًا من المبنى السابق؛ وذلك في سنة 2017؛ ليرتفع عدد دور النشر إلى 750 دار نشر توفر ما يقارب 450 ألف عنوان و1200 جناح مصحوبة بـ54 فعالية ثقافية مع وجود خدمات مختلفة بعضها موجود في السنوات السابقة وبعضها أضيف حديثا في البناء الجديد؛ كشركات الاتصال وشركات التوصيل وشركات المياه وغيرها من شركات الخدمية. وصولا إلى دورة 2025 التاسعة والعشرين والتي حدث بها بعض الأمور والتحديات الجديدة التي أعلن عنها واعترف بها مدير المعرض، مثل أن تغير الموعد من أواخر فبراير إلى أواخر أبريل من شأنه أن يُشكل لهم تحديًا جديدًا. وعليه.. أُجري مقارنة بين الدورة السابقة والدورة الحالية على النحو الآتي: الدورة الـ28: عدد دور النشر 847 عدد الأجنحة 1236 عدد الفعاليات الثقافية 124 عدد مناشط الطفل 131 الدورة الـ29: عدد دور النشر 674 عدد الأجنحة 1141 عدد الفعاليات المصاحبة 211 عدد مناشط الطفل 154 ومن خلال الإحصائيات أعلاه، وصل معرض مسقط لذروة التطور في الخدمات وإدخال الفعاليات المتنوعة، ونلاحظ انخفاض عدد دور النشر في الدورة الحالية عن الدورة السابقة بمقدار كبير جدا يصل إلى فارق 173 دار نشر؛ لصالح الدورة السابقة. وبطبيعة الحال، انخفاض دور النشر يؤدي إلى انخفاض الأجنحة؛ فقد بلغ الفرق بين الدورة السابقة والدورة الحالية مقدار 95 جناحًا. وهنا إشكالية أخرى ينبغي أن تأخذها اللجنة المنظمة لفعاليات المعرض بعين الاعتبار؛ فكلنا يدرك أنَّ هذا الانخفاض سببه تغير الموعد السابق المعتاد عليه المعرض في السنوات الماضية؛ الأمر الذي جعل هذا الموعد يتزامن مع تنظيم معارض أخرى في ذات التوقيت كمعرض أبوظبي مما أثر على نقص دور النشر والأجنحة، رغم جهود إدارة المعرض في توفير مناشط ثقافية ومناشط الأطفال بكثافة عالية، وبلغ الفارق بين الدورتين في المناشط الثقافية 87 نشاطًا ثقافيًا لصالح الدورة الحالية، فيما بلغت زيادة مناشط الأطفال 24 نشاطًا لصالح الدورة الحالية، وهذه جهود تُشكر عليها إدارة المعرض، في ظل حرصها على استغلال المحفل الثقافي خير استغلال، وفتح آفاق واسعة وإدخال أفكار جديدة في سبيل توسيع دائرة الفعاليات الثقافية وعدم حصرها في شراء الكتب فقط. ومما يثير القلق في قادم السنوات هو استمرار مشكلة ارتفاع أسعار الأجنحة؛ وهي مشكلة يشكو منها أغلب دور النشر؛ حيث إن سعر الجناح 3x3 يصل ما بين 250 إلى 300 ريال عُماني على اعتبار أن المتر قيمته 50 ريالًا عُمانيًا، وهذا يُثقل كاهل دوائر النشر التي تتكفل بدفع قيمة الشحن وضريبة القيمة المضافة؛ الأمر الذي يضطر بعض دور النشر إلى رفع أسعار بعض الكتب تجنبا للخسائر وإخراج فائدة ربحية معقولة، مع العلم أنَّ هناك مبالغات في رفع أسعار الكتب من بعض أصحاب دور النشر. مثل هكذا أمور تشكل عبئًا على الجميع: الناشر والقارئ، وهنا لا بُد لإدارة المعرض النظر للأمر بعين المراعاة والتسهيل من حيث أسعار الأجنحة مرورًا إلى تخصيص لجنة لمتابعة ورصد من يرفع أسعار الكتب بشكل مبالغ. وللحديث بقية.

فلسفة العيد التي علينا البحث عنها
فلسفة العيد التي علينا البحث عنها

عمان اليومية

time٢٦-٠٣-٢٠٢٥

  • عمان اليومية

فلسفة العيد التي علينا البحث عنها

فلسفة العيد التي علينا البحث عنها ينتظر المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها وهم يحيون العشر الأواخر من رمضان يوم الجائزة وهو يوم العيد. والعيد في الفكر الإسلامي لحظة وجودية بالغة العمق، تتجلّى فيها روح الإنسان بعد أن تُصقل بالتهذيب والتطهر المعنوي طوال شهر كامل من الصيام والقيام، يخرج الصائم منها كيوم ولدته أمه؛ لذلك تبدو فكرة عيد الفطر السعيد أكبر من كونها مناسبة تأتي بعد أن أكمل المسلم صوم شهره الذي هو أحد أركان الإسلام الخمسة فهي أقرب إلى الولادة المعنوية للإنسان بعد أن يكون قد نجح في مجاهدة النفس، وتكون العبادة قد نقته من شوائب العادة، فأصبح أكثر صفاء وطهرا، والصوم هو ثورة داخلية على شهوات الإنسان وترسيخ لحالة السمو النفسي، وقرب من الذات العليا للإنسان.. وهي الفطرة التي فطر الله الإنسان عليها؛ لذا يكون العيد لحظة احتفاء بانبثاق الإنسان الجديد الذي هذبه الصيام ونقته العبادة. وفي فلسفة العيد، يتلاقى البعد الفردي مع الجماعي، إذ يخرج الناس من حالة الاعتكاف والعبادة التي يبدو عليها في الكثير من الأوقات البعد الفردي إلى حالة الفرح الجماعية وكأن العيد يقول لهم: أنتم أكثر نقاء الآن وأكثر تسامحا وأقل أنانية، وبهذا البعد وهذه الفلسفة تتجلّى عبقرية الإسلام في مزجه بين الروح والواقع، بين الإيمان والسلوك، بين الذات والآخر. ويتجاوز العيد بمنطقه الإنساني الحدود الجغرافية وأسوار اللغة واللون ليتحول إلى رمز كوني تبدو فيه حاجة الإنسان أكثر وضوحا للحظة يتوقف فيها الزمن ليستطيع تأمل ذاته ويعاهد نفسه على أن يبدأ من جديد. وتبدو هذه الفرصة/ المناسبة مواتية للصفح، وموعدا لمحو الضغائن، وإعلانا للخروج على العادات السيئة، يبدأها الفرد من ذاته، وينسجها في علاقاته مع من حوله. والعيد كما يربي الإسلام أفراده عليه أكبر بكثير من فرحة تعاش في يوم واحد ولكنه معنى يُبنى وسؤال يُطرح في وجدان الجميع: هل خرجت من رمضان كما دخلت؟ أو أنك الآن أكثر صفاء، وأكثر قربا من حقيقتك الكبرى؟ هنا، تبدأ صفحة جديدة تسطر بالنوايا الصادقة والأعمال الخيرة التي تتعالى فوق الضغائن وفوق الأحقاد وفوق المصالح الفردية المؤقتة؛ لذلك يكون المجتمع بعد العيد أكثر تماسكا وأكثر قدرة على فهم بعضه البعض والعمل في إطار واحد. وهذه المعاني التي على الإنسان أن يستحضرها وهو مقبل على أيام العيد السعيد، حتى يستطيع أن يعيش العيد في معناه العميق لا في لحظته الآنية التي قد يبدو فيها الاحتفاء أقرب إلى احتفاء مادي بعيدا عن العمق المعنوي المقصود من فكرة بناء الإسلام للمسلمين في يوم العيد.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store